بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
شارع ثروت هو أحد شوارع حي الدقي وتحديدا في منطقة بين السرايات ويبدأ من تقاطعه مع شارع الدقي من أمام الباب الرئيسي لحديقة الأورمان وهو الشارع الذي تطل عليه جامعة القاهرة من ناحية الباب المؤدى لكلية التجارة وتطل عليه أيضا المدينة الجامعية التابعة لجامعة القاهرة وفي نهايته يوجد كوبرى ثروت العابر فوق خط سكك حديد الصعيد عند تقاطعه مع شارع السودان وهو يقع في المنطقة القديمة من بين السرايات والتي تسمي بالدوار ونظرا لموقعه القريب من جامعة القاهرة تنتشر به متاجر الأدوات المكتبية وتصوير المستندات وطباعة وتجليد الكتب والخدمات الكومبيوترية وخدمات الترجمة وطباعة المذكرات الجامعية وتعود تسمية المنطقة ببين السرايات إلى أنه كان يوجد بها قصر الأمير حسين كامل إبن الخديوي إسماعيل الذي تولى حكم مصر والسودان في شهر ديسمبر عام 1914م وحتي وفاته في شهر أكتوبر عام 1917م بعد عزل الإنجليز للخديوى عباس حلمي الثاني وأصبح السلطان حسين كامل وكان قصر أخيه الأمير حسن اسماعيل يقع على ناصية شارع ثروت والذي أقيم مكانه أحد المصانع وكان بينهما مساحة واسعة ونظرا لوقوع القصرين في تلك المنطقة وبينهما تلك المساحة أطلق المصريون على هذه المساحة بين قصر الأمير حسين كامل وأخيه الأمير حسن إسماعيل بين السرايات حيث كان المسمى الدارج وقتها عند عامة الشعب المصري إطلاق لفظ السرايا على القصر ومع البدء في بناء جامعة القاهرة والتي كانت تعرف في بدايتها بجامعة فؤاد الأول تم إستغلال تلك المنطقة لخدمة الجامعة المصرية الجديدة .
ومن أهم معالم هذا الشارع كلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان وقد شغلت قصر الأمير حسين كامل حيث تم إقامة كلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان مكانه وهي تشمل عدد 14 قسما ومدة الدراسة بها خمس سنوات منها سنة عامة تسمى السنة الإعدادية ثم أربع سنوات في القسم المرشح له الطالب حسب تقديره في السنة الإعدادية وهذا بحسب تنسيق داخلي خاص بالكلية وترجع نشأة هذه الكلية كمعهد علمى وهندسي في العصر الحديث إلى مدرسة الفنون والصنايع السلطانية ذات الطابع الهندسي التي أنشأها محمد على باشا عام 1839م ببولاق تحت إسم العمليات والتي كانت حينذاك تعد المهندسين العمليين والتنفيذيين والفنيين المدربين ثم عرفت فيما بعد بإسم مدرسة الفنون والصنائع السلطانية والتي عملت بالقطاعات الهندسية الدقيقة حين وجد الوالي محمد على باشا أن الحاجة ماسة إلى اعداد مهندسين وفنيين عمليين ومدربين لسد حاجة البلاد من إنشاء المصانع وغيرها من المنشآت وإعداد السفن التجارية والأساطيل البحرية والبرية الحربية وإلى إعداد مرجعية هندسية تنفيذية لتعمل بقطاعات عدة مثل تجهيز بعض المنشآت التي تطلبها النهوض بالدولة المصرية وأخذت هذه المدرسة في مشوارها التاريخي الطويل بين التعديل والتبديل بغية التطور ومسايرة المتطلبات المتغيرة والمتجددة لمتطلبات المجتمع ومع حلول العام الدراسي 1908م / 1909م كانت مدرسة الفنون والصنايع السلطانية ذات المرجعية الهندسية تضم ثلاثة أقسام هي قسم الميكانيكا والكهرباء وقسم المباني والتنظيم وقسم الفنون والصناعات الزخرفية .
ومن معالم شارع ثروت أيضا حديقة الأورمان وهي تعتبر من أكبر الحدائق النباتية في العالم حيث أنها مقامة حاليا على مساحة 28 فدان وقد بدأ إنشاء هذه الحديقة في عام 1873م في عهد الخديوي إسماعيل متأثرا بما كان قد شاهده في العاصمة الفرنسية باريس حيث كان قد إرتحل إلي باريس عام 1846م وأمضي فيها فترة دراسته حيث إلتحق بالبعثة التعليمية الخامسة والمسماة ببعثة الأنجال والتي أوفدها جده محمد علي باشا إلى باريس لتحصيل العلم والعودة إلي مصر لنشر ما تعلموه وشغل الوظائف القيادية التي تحتاج الي علمهم الحديث وثقافتهم الحديثة وقد سميت بهذا الإسم نظرا لأنه كان من بين أعضاء البعثة بالإضافة إلي الخديوى إسماعيل شقيقه الأكبر الأمير أحمد رفعت باشا وهما حفيدا محمد علي باشا وأيضا عماهما الأميران عبد الحليم وحسين إبنا محمد علي باشا وفي باريس أقام حوالي سنتين وتعلم اللغة الفرنسية وأتقنها تحدثا وكتابة كما نال قدرا أعلى من العلوم الطبيعية والرياضيات التي كان قد درس قدرا لابأس به منها قبل سفره خارج مصر بالإضافة إلي دراسته قدرا من العلوم الهندسية في تلك البعثة وقد تأثر الخديوى إسماعيل تأثرا شديدا بما شاهدته عيناه في باريس من مظاهر المدنية الحديثة ومافيها من جمال وروعة ومن هنا نشأت لديه الميول والنزعة الفرنسية مما جعله يصمم بعد وصوله إلى الحكم علي أن يجعل من القاهرة باريس أخرى في جمالها وروعتها وبهائها وذلك في تخطيطها العام ومرافقها وشوارعها وميادينها ومبانيها العامة وقصورها وحدائقها وعلاوة علي ذلك فقد كان الخديوى إسماعيل متأثرا من جانب آخر بالمعرض العالمي الذي أقامه الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث عام 1867م والذى كان صديقا له حيث كان الخديوى إسماعيل قد أقام في قصر فرساى الذى يقع غرب وسط العاصمة باريس وكان هو قصر الحكم في فرنسا حينذاك ضيفا عليه بعض الوقت اثناء دراسته في باريس وتوطدت أواصر وعرى الصداقة بينهما وشاهد حدائقه الرائعة الجمال وكان هذا المعرض الذي إبتكره الإمبراطور نابليون الثالث في مخططه لإعادة تخطيط مدينة باريس مصدر إلهام لكثيرين من الطبقة البرجوازية الأوروبية والمصرية حيث شاعت فكرة إنشاء حدائق كجزء أصيل من تخطيط وتصميم المدن لتضيف إليها جمالا وخضارا فشاع الإهتمام آنذاك بالزراعة البستانية وإستجلاب زهور ونباتات إستوائية وإنشاء البيئة المناسبة لنجاحها في ظروف مناخية مختلفة وفي حقيقة الأمر لم يكن الخديوي إسماعيل أول المهتمين في العائلة الخديوية بجلب النباتات الجديدة إلى أرض مصر فقد سبقه جده محمد علي باشا بشغفه الزراعي ولكن كان الخديوي إسماعيل هو من أدخل إلي مصر الأسلوب الأوروبي في زراعة البساتين وخاصة الأسلوب الفرنسي وكان من القصور التي بناها الخديوى إسماعيل بما تحيط به من حدائق قصر عابدين وقصر القبة وقصر الزعفران بالقاهرة وسراى الجيزة وحديقة الأورمان من حوله والتي كانت تعد جزءا من هذه السراى وقد تم بتصميم حديقة الأورمان على الطراز الطبيعي مهندسون فرنسيون وذلك تحت إشراف مهندس الحدائق البلجيكي جوستاف ديليشفاليرى ومعه كبير بستانيي القصور الخديوية حينذاك إبراهيم حمودة وتم إفتتاحها عام 1875م وكان الهدف من إنشائها إمداد القصور الخديوية بالفاكهة والموالح والخضر والتي تم إستجلابها من جزيرة صقلية كما زرعت بها مجموعة نادرة من الأشجار والنخيل وإحتوت حينذاك على نحو 10 آلاف شجرة حيث قام الخديوى إسماعيل بجلب أشجار ونباتات مزهرة من جميع أنحاء العالم لها وسميت حدائق الليمون وكانت مساحتها 95 فدانا حينذاك وفي عام 1889م أصدر الخديوي توفيق فرمانا بإقتطاع 50 فدان من حديقة الأورمان وتخصيصها لعرض أزهار ونباتات مستوردة غير موجودة في الطبيعة المصرية وكانت تسمي وقتها حديقة النبات ثم صدر قرار بتحويلها إلى مخزن للحيوانات وهو الإسم الذي كان يطلق على حديقة الحيوان عند إنشائها والتي ترجع فكرة إنشائها أيضا إلي الخديوى إسماعيل ضمن مخططه لتطوير وتحديث القاهرة حتي تضارع أعرق وأكبر العواصم الأوروبية مثل روما وفيينا وبرلين وباريس ولندن في المدنية والحداثة والتقدم وكان يأمل في إفتتاحها بمناسبة الإحتفالات بإفتتاح قناة السويس في شهر نوفمبر عام 1869م ولكن الوقت لم يسعفه وإضطر لتجميع أعداد من الحيوانات و الطيور في قصر الجزيرة الذي أصبح الآن فندق ماريوت بالزمالك ولكن تم عزله عن الحكم قبل تنفيذ فكرته وقد تم إفتتاحها في يوم 1 مارس عام 1891م في عهد خلايفته الخديوى توفيق .
ومنذ عدة سنوات تم تغيير إسم شارع ثروت ليصبح إسمه شارع أحمد زويل نسبة إلي عالم الكيمياء المصرى الكبير أحمد حسن زويل الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999م عن أبحاثه في مجال كيمياء الفيمتو حيث قام بإختراع ميكروسكوب يقوم بتصوير أشعة الليزر في زمن مقداره فيمتو ثانية وهي وحدة تساوى جزء من مليون مليار جزء من الثانية وهكذا يمكن رصد حركة الجزيئات عند نشوئها ورؤيتها أثناء التفاعلات الكيميائية وعند إلتحامها ببعضها البعض ويعتبر هو رائد علم كيمياء الفيمتو ولذا فقد لقب بأبو كيمياء الفيمتو كما يعد الدكتور أحمد زويل المصرى والعربي الوحيد الذى حصل علي جائزة نوبل في الكيمياء وفي العلوم بوجه عام وقد ولد الدكتور أحمد حسن زويل في يوم 26 فبراير عام 1946م بمدينة دمنهور عاصمة محافظة البحيرة وفي سن 4 سنوات إنتقل مع أسرته إلى مدينة دسوق التابعة لمحافظة كفر الشيخ حيث نشأ وتلقى تعليمه الأساسي بمدارسها وبعد أن حصل علي شهادة إتمام الدراسة الثانوية إلتحق بقسم الكيمياء بكلية العلوم بجامعة الإسكندرية وحصل منه على بكالوريوس العلوم بدرجة إمتياز مع مرتبة الشرف عام 1967م وعمل معيدا بالكلية ثم حصل على درجة الماجستير عن بحث في علم الضوء وبعد ذلك سافر إلى الولايات المتحدة الأميريكية في منحة دراسية للحصول علي شهادة الدكتوراة من جامعة بنسلفانيا في علوم الليزر وبعد حصوله عليها عمل باحثا في جامعة بركلي بولاية كاليفورنيا ما بين عام 1974م حتي عام 1976م وهي فترة زمالة مابعد الحصول علي شهادة الدكتوراة ثم إنتقل للعمل في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا المعروف بإسم جامعة كالتك منذ عام 1976م وهو من أكبر الجامعات العلمية في أمريكا ثم حصل في عام 1982م على الجنسية الأميريكية وتدرج في المناصب العلمية الدراسية داخل جامعة كالتك إلى أن أصبح أستاذا رئيسيا لعلم الكيمياء بها وهو أعلى منصب علمي جامعي في الولايات المتحدة الأميريكية خلفا للبروفيسور لينوس باولنج الذي حصل على جائزة نوبل مرتين الأولى في الكيمياء والثانية في السلام العالمي وفي بداية عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما تم تعيين الدكتور زويل في شهر أبريل عام 2009م كأحد مستشاري الرئيس الأميريكي لشئون العلوم والتكنولوجيا ضمن 20 من العلماء المرموقين في عدد من المجالات كما تم تعيينه كمبعوث علمي للولايات المتحدة الأميريكية لدول الشرق الأوسط ونظرا لما قدمه هذا العالم الكبير من إسهامات عديدة فى مجالات العلم وضعته أمريكا فى قائمة شرف تضم أهم الشخصيات التى ساهمت فى النهضة الأميريكية وجاء إسمه رقم 9 من بين 29 شخصية بارزة بإعتباره أهم علماء الليزر فى الولايات المتحدة الأميريكية وهي القائمة التي تضم مجموعة من كبار العلماء والمخترعين الأميريكيين منهم البرت أينشتاين صاحب نظرية النسبية والكسندر جراهام بيل مخترع التليفون .
وكانت وفاة هذا العالم الكبير في يوم الثلاثاء 2 أغسطس عام 2016م عن عمر يناهز السبعين عاما في باسادينا بالولايات المتحدة الأميريكية بعد صراع طويل مع مرض السرطان الذي أصاب النخاع الشوكي لديه وطبقا لوصيته فقد تم نقل جثمانه إلي مصر وشيعت جنازته رسميا من مسجد المشير محمد حسين طنطاوى بمدينة نصر يوم الثلاثاء 7 أغسطس عام 2016م في موكب عسكرى مهيب حيث وضع الجثمان على عربة مدفع تجرها الخيول وتقدمها جنود يحملون أكاليل الزهور والأوسمة والأنواط التى نالها على مدى حياته وشارك في الجنازة الرئيس عبد الفتاح السيسي ومجموعة من كبار مسئولى الدولة ورجال القوات المسلحة المصرية كان علي رأسهم رئيس مجلس الوزراء حينذاك المهندس شريف إسماعيل والدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر الشريف والمستشار عدلى منصور والفريق أول صدقى صبحى وزير الدفاع آنذاك والدكتور على جمعة والدكتور على عبد العال رئيس مجلس النواب والجراح العالمى الدكتور مجدى يعقوب وتم دفن الجثمان بمدافن الأسرة بمدينة السادس من أكتوبر وكانت رئاسة الجمهورية المصرية قد نعته في يوم وفاته في بيان لها متحدثة عن أن مصر فقدت اليوم إبنا بارا وعالما نابغا بذل جهودا دؤوبة لرفع إسمها عاليا في مختلف المحافل العلمية الدولية وقد تقدم الرئيس السيسي عبر البيان ذاته بخالص التعازي والمواساة لأسرة الراحل وذويه وكافة تلاميذه ومحبيه من أبناء الوطن وخارجه وجاء في البيان أيضا إن الفقيد كان حريصا على نقل ثمرة علمه وأبحاثه التي أثرت مجالي الكيمياء والفيزياء إلى أبناء مصر الذين يتخذون من الفقيد الراحل قدوة علميةً عظيمة وقيمة إنسانية راقية ومن ثم فقد حرصت مصر على تكريمه بمنحه وسام الإستحقاق من الطبقة الأولى ثم قلادة النيل العظمى التي تعد أرفع وسام مصري وإن الراحل سيظل رمزا للعالِم الذي كرس حياته بشرف وأمانة وإخلاص للبحث العلمي وخيرَ معلم لأجيال من علماء المستقبل الذين سيستكملون مسيرة عطائه من أجل توفير واقع أفضل للإنسانية وجدير بالذكر أنه في الذكرى الأولى لوفاته في شهر أغسطس عام 2017م تم التبرع بمكتبته لمكتبة الإسكندرية وبالكتب العلمية المتخصصة لمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا . |