بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
عزيزة أمير وإسمها الحقيقي مفيدة محمد غانم منتجة ومخرجة وممثلة مصرية ولقبت بأم السينما المصرية حيث كانت أول امرأة مصرية تعمل كمنتجة ومخرجة في تاريخ السينما المصرية وقالت في حوار لها عن لقب أم السينما المصرية الذي منحه لها النقاد أنا لم أبحث عن أبناء من وراء الزواج حيث كانت السينما هي إبنتي الوحيدة والتي بدأت علاقة مصر بها في نفس الوقت الذي بدأت فيه في العالم حيث كان أول عرض سينمائي تجاري في العالم في شهر ديسمبر عام 1895م في باريس وتحديدا بالصالون الهندي بالمقهى الكبير أو الجراند كافيه الكائن بشارع كابوسين بالعاصمة الفرنسية باريس وكان فيلما صامتا للأخوين لوميير وبعد هذا التاريخ بأيام قدم أول عرض سينمائي في مصر في مقهى زوانى بمدينة الإسكندرية في شهر يناير عام 1896م وتبعه أول عرض سينمائي بمدينة القاهرة في يوم 28 يناير عام 1896م في سينما سانتى ثم كان العرض السينمائي الثالث بمدينة بورسعيد في عام 1898م وفيما بعد إعتبر يوم 20 يونيو عام 1907م هو بداية الإنتاج السينمائي المصري حيث ظهرت الأفلام المصرية الإخبارية القصيرة والتسجيلية وكانت من خلال شخصين إسمهما عزيز بندرلي وإمبرتو ملافاس حيث نجحا في خوض أول تجربة مصرية في التصوير والإخراج والتحميض والطباعة بأموال مصرية كما تم العرض داخل مصر وتمثلت هذه التجربة في الفيلم الإخباري زيارة جناب الباب العالي للمعهد العلمي في مسجد أبو العباس المرسي بالإسكندرية وتم الإنتاج بمباركة من الخديوي عباس حلمي الثاني حاكم مصر آئذاك والذى إستحسن الفكرة وشجعهما علي الإستمرار مما يشير إلى الدور العام الذي لعبه النظام ممثلا في الخديوي لإستمرار هذا النمط من الفن .
وفي عام 1917م كانت مصر علي موعد مع ظهور أول فيلم روائي وأنتجته الشركة السينمائية الإيطالية المصرية حيث أنتجت الشركة فيلمين هما الشرف البدوي والأزهار القاتلة تم عرضهما في الإسكندرية في أوائل عام 1918م ويرجع للشركة الفضل في إعطاء الفرصة للمخرج المصري محمد كريم في الظهور في هذين الفيلمين كممثل ولذا فهو يعد أول ممثل سينمائي مصري ومما يذكر أنه بسبب أخطاء إعتبرت حينذاك كارثية فى تنفيذ الفيلمين كان أبرزها وضع آيات قرانية مقلوبة فى الديكور تم فيما بعد منع الكثير من المخرجين الإيطاليين الذين كانوا منتشرين في مصر حينذاك من إخراج أفلام مصرية خاصة من كان منهم لا يجيد اللغة العربية وفي عام 1920م ظهر فيلم صامت قصير مدته 32 دقيقة من إنتاج وتمثيل الممثل والمخرج فوزي منيب تحت إسم الخالة الأمريكانية وكان من إخراج الإيطالي بونفيللي وتلاه بفيلم كوميدى آخر صامت وقصير إسمه خاتم سليمان في عام 1922م أخرجه الإيطالي ليونار لاريتشي وبعد حوالي 5 سنوات كانت البداية الحقيقية للسينما المصرية حينما أسست الفنانة عزيزة أمير شركة إنتاج سينمائي كان إسمها إيزيس فيلم وقامت من خلالها بإنتاج الفيلم الروائي الطويل الصامت ليلى عام 1927م والذي يعتبر أول فيلم روائي طويل صامت من إنتاج مصري كما سنرى في السطور القادمة بإذن الله وإنطلقت بعد ذلك السينما المصرية لتصبح أغزر دول الشرق الأوسط في مجال الإنتاج السينمائي ويتم تقديم أكثر من أربعة آلاف فيلم تمثل في مجموعها الرصيد الكلي للأفلام التي أنتجتها الدول العربية مجتمعة والذي تعتمد عليه حتي الآن جميع القنوات الفضائية المصرية والعربية تقريبا.
وكان ميلاد عزيزة أمير في يوم 17 ديسمبر عام 1901م في مدينة طنطا عاصمة محافظة الغربية في أسرة فقيرة تعود أصولها لمدينة دمياط وتوفي والدها بعد أسبوعين من ولادتها فإنتقلت الأسرة إلي مدينة الإسكندرية ثم إنتقلت إلي القاهرة لتعيش في منطقة السيدة زينب ولما وصلت لسن المدرسة الإبتدائية إلتحقت بالمدرسة إلا أنها لم تكمل دراستها لكنها حرصت بعدها على أن تكمل دراستها المعرفية حيث تعلمت مبادئ الموسيقى حيث أنها رغبت في البداية أن تصبح موسيقية كما تعلمت اللغة الفرنسية ويتردد بأنها في صباها قد تزوجت من شخصية سياسية مرموقة كانت السبب في تعليمها وثقافتها حيث إصطحبها إلى بعض دول أوروبا لفترة مما ساهم في زيادة إتساع مداركها وأحبت الأدب والفن وكانت تتردد على المسارح وإستوديوهات الفن ولكن هذه الزيجة لم تستمر طويلا نظرا لفرق العمر بينهما وأيضا لكونه كان متزوجا ولديه أبناء من زوجته الأخرى وقد بدأت عزيزة أمير مشوارها الفني من المسرح حيث تقدمت إلي فرقة يوسف وهبي المسرحية والمعروفة باسم فرقة رمسيس المسرحية وعندما كانت تقوم بإختبارات الأداء معه كذبت عليه كذبة جريئة حين إدعت أنها فتاة ثرية من الطبقة الأرستقراطية لكن بعد نجاحها في الإختبارات إعترفت له بالحقيقة وكان هو من أعطاها إسمها الفني عزيزة أمير وظلت معه موسما واحدا وتنقلت بعد ذلك بين عدة فرق مسرحية حيث إنتقلت أولا لفرقة زكي عكاشة وتم إسناد دور البطولة لها في عدة مسرحيات قدمتها هذه الفرقة علي مسرح حديقة الأزبكية الذى قامت بتجديده شركة ترقية التمثيل العربي والتي ظهرت في مصر على أثر النهضة الفنية التي شملت المسرح العربي بعد قيام ثورة عام 1919م والتي أسسها الإقتصادى الكبير طلعت حرب باشا تحت لواء بنك مصر لتسهم في نهضة المسرح العربي الحديث وتكون منبرا من منابر الوطنية وكانت فرقة زكي عكاشة هي أول فرقة عملت عليه في يوم 1 يناير عام 1921م بعد إفتتاحه تحت رعاية بنك مصر ثم إنتقلت إلي فرقة نجيب الريحاني المسرحية التي بدأت عروضها في يوم 1 من شهر نوفمبر عام 1926م وبعدها إنتقلت لفرقة يوسف وهبي مرة أخرى وقدمت معه مسرحية أولاد الذوات كمخرجة والتي تحولت بعدها لفيلم سينمائي في عام 1932م أثار ضجة كبيرة حينذاك داخل وخارج مصر وتم ترشيحها لتقوم ببطولته قبل أن يذهب الدور لنجمة فرقة رمسيس حينذاك الفنانة القديرة أمينة رزق وكانت عزيزة أمير في ذلك الوقت هي الممثلة الأعلى أجرا في مصر إذ وصل أجرها إلى ثلاثين جنيها شهريا .
وفي أوائل عام 1927م جذبت عزيزة أمير من خلال دورها في أحد العروض المسرحية كإبنة لنابليون بونابرت نظر وإهتمام أحد أثرياء الصعيد وعمدة سمالوط بمحافظة المنيا أحمد الشريعي والذى قال بعدها شعرت برغبة ملحة لمشاهدة المسرحية مرارا وتكرارا وأضاف إنه بنهاية الأسبوع أدرك أنه كان يرغب في مشاهدة عزيزة أمير وليس العرض نفسه وبحلول شهر فبراير عام 1927م تصدر خبر زواج عزيزة أمير من الشريعي العناوين الرئيسية وكان إرتباطهما محل إستهجان أسرة العمدة المحافظة والتي إعتبرت زواج الشريعي منها بمثابة فضيحة للأسرة مما أجبرها على ترك مسيرتها المسرحية نظرا للوضع الإجتماعي للشريعي والتهديدات المستمرة لها مما خفف من معارضة الشريعي لمهنتها وإستعاض عن ذلك بالدعم المادي والعاطفي لها مما سمح لها ببدء مسيرتها السينمائية وكانت هذه هي النقلة الكبيرة في مشوار عزيزة أمير الفني حيث أسست شركة إيزيس للإنتاج السينمائي وقامت بإنتاج أول فيلم مصري روائي صامت طويل وهو فيلم ليلي وإستعانت فيه بالتركى وداد عرفى الذى أقنعها بأنه دارس للإخراج وكان إسم الفيلم في البداية نداء الله لكن بعد أيام من التصوير إكتشفت عزيزة أمير خداع عرفى لها وأنه لا يعرف شيئا عن السينما وأنه يفتقر لأي موهبة أو مؤهلات حقيقية في الإخراج فإستعانت بالممثل إستيفان روستى لإنقاذ الفيلم وقاما معا بتعديل السيناريو وأتم الأخير صناعة الفيلم وذلك كمخرج لأول فيلم روائي مصري صامت طويل وذلك بالتعاون مع المصور الإيطالي توليو تشياريني وتم تغيير إسم الفيلم إلى ليلى ولعبت دور البطولة فيه عزيزة أمير وشاركها إستيفان روستي ووداد عرفي وآسيا داغر وبمبة كشر وعرض ِلأول مرة في دار سينما متروبول بالقاهرة في يوم 16 نوفمبر عام 1927م وكان بمثابة مناسبة وطنية كبيرة وكان المصرفي المصري الشهير طلعت حرب باشا قد نصح عزيزة أمير في السابق أن تتخلى عن حلمها المستحيل في الإنتاج السينمائي إلا أنه جاء في هذا اليوم لتهنئتها قائلا لقد نجحت فيما لم ينجح في تحقيقه أي رجل وفي ذلك الوقت لم يكن ليوجد ثناء أهم مما قاله طلعت حرب باشا ومنذ تلك اللحظة لقبت عزيزة أمير بمؤسسة السينما الوطنية ومما هو جدير بالذكر أنه في هذا الفيلم ظهرت الفنانة آسيا داغر كممثلة ثانوية لتكون أول فتاة لبنانية تظهر بالسينما المصرية ولتشق طريقها بعد ذلك هي الأخرى في مجال السينما المصرية وتؤسس شركة لوتس فيلم للإنتاج السينمائي ولتصبح عميدة المنتجين المصريين وأحد رواد السينما المصرية وكانت قصة هذا الفيلم تتلخص في أنه وسط صحراء قاحلة تنشأ ليلى في واحة هادئة تشرف عليها أطلال مدينة ممفيس القديمة وهي قرية رؤوف بك الذي يلتقى بليلى ويعجب بها فيحاول التودد إليها إلا أنها تتعلق بالشاب أحمد الذي سبق أن أنقذها من الوقوع في براثن سالم الذى حاول الإعتداء عليها وتتم خطبة أحمد لليلى وبعدها يتعرف أحمد على فتاة برازيلية سائحة تقيم في فندق قريب من القرية وتنجح هذه الفتاة في إيقاع أحمد في غرامها وتأخذه من ليلى التي بدأ الجنين يتحرك في أحشائها وهو الأمر الذي يكتشفه أهل القرية فيطردونها وبينما تسير ليلى هائمة على وجهها تصدمها سيارة تكتشف أن سائقها هو رؤوف الذي يحملها بين يديه إلى منزله لتضع طفلها وتنتهى حياته .
وقد جذب النجاح المادي لفيلم ليلى إهتمام العديد من رواد ورجال الأعمال الطموحين لتكرار إنجاز عزيزة أمير فتشجع بعضهم وقاموا بتشييد الإستديوهات وأقبلوا علي تمويل شركات الإنتاج السينمائي ففي عام 1930م أنشأ الفنان يوسف بك وهبي إستوديو رمسيس على قطعة أرض في إمبابة تسمى مدينة رمسيس وكانت منطقة الإستوديو تضم أربعة شوارع كبيرة الأول إسمه شارع يوسف وهبي وتقع فيه مكاتب الإدارة وغرف الطبع والتحميض وصالة للزائرين والبوفيه والثاني شارع زينب ويضم غرف الممثلات والثالث شارع أولاد الذوات وفيه غرف الممثلين أما الشارع الأخير فهو شارع العدالة ويضم جميع الأقسام الفنية اللازمة لصناعة السينما وفي عام 1932م أنشئ في منطقة شبرا إستوديو سمي إستوديو شبرا وتم فيه تصوير فيلمي جحا وأبو نواس وجاء بعده إستوديو لوتس والذى أنشأته السيدة الممثلة والمنتجة آسيا داغر عام 1933م في جزيرة الزمالك ثم جاءت الطفرة الحقيقية في مجال إنشاء إستوديوهات السينما في مصر في عام 1935م بواسطة رجل الأعمال طلعت حرب باشا بإنشاء إستوديو مصر والذى كان إستوديو سينمائي كامل التجهيز والذى إستمد جزء من تمويله من شركة مصر للتمثيل والسينما إحدى شركات بنك مصر أول بنك مصري خالص وكان أول الأفلام التي تم تصويرها به فيلم وداد لأم كلثوم وبعد تأسيس إستوديو مصر بعام واحد فقط أي في عام 1936م تم تأسيس إستوديو ناصيبيان في حي الفجالة بالقاهرة وفي أوائل الأربعينيات وخلال فترة الحرب العالمية الثانية أنشئ إستوديو الأهرام بمنطقة الهرم علي يد الخواجة أفريموسي وهو ألباني الأصل وكان تاجرا وسمسارا للأراضي وهو يشبه إستوديو مصر المشار إليه في السطور السابقة حيث إتخذ نفس نهجه تقريبا في تصميمه ومخططه العام وجاء على مساحة 27 ألف متر مربع وبضم بلاتوهين وصالة عرض وتسجيل ومعمل تحميض أفلام وقد صنعت جميع معداته السينمائية من الآت تصوير وعرض وتحميض وإضاءة وصوت في مصر علي يد الخواجة أوهان وهو مصري من أصل أرمني وخلال عام 1944م أسس أحمد جلال وزوجته مارى كويني إستوديو جلال في منطقة حدائق القبة علي مساحة فدانين ويضم بلاتوهين وصالة عرض وتسجيل ومعمل تحميض وفي يوم 22 ديسمبر عام 1946م تم تأسيس إستوديو نحاس بمنطقة الهرم علي مساحة 3 فدان وكان مشروع مشترك بين جبرائيل نحاس وإخوته أدمون وشارل نحاس وكانوا جميعا من عشاق فن السينما توزيعا وإنتاجا وصناعة مع الفنان يوسف بك وهبى وأنطوان خورى وقد واكب إنشاء هذه الإستوديوهات إنتاج العديد من الأفلام والتي صدر بعضها للخارج وفضلا عن ذلك فقد تم إرسال الطلبة في بعثات لدراسة فنون السينما المختلفة في الخارج خاصة في إيطاليا .
وفي عام 1928م وبعد عام تقريبا من إنتاج فيلم ليلي واصلت عزيزة أمير نجاحها وقامت بإنشاء مجمع إستوديو هليوبوليس وقامت بإنتاج ثاني أفلامها وهو فيلم بنت النيل والذى عرض في شهر ديسمبر من العام المذكور ولعبت فيه دور البطولة وشاركها الفنانون عباس فارس وحسن البارودى وأحمد علام وبثينة وبمبة كشر وفيه إنتقدت عزيزة بشجاعة النمط العنصري للنساء المصريات الرجعيات والمتغطرسات وفيه أقدمت البطلة الفتاة المصرية البريئة الشابة على الإنتحار عن طريق إلقاء نفسها في النيل وتشابهت هذه النهاية بنهاية فيلم ليلى قبل تعديلها وكذلك لفيلم آخر قدمته عزيزة أمير بعدها بأكثر من 20 عاما وهو فيلم آمنت بالله والذي ينتهي بموت البطلة أيضا وكانت تعليقات النقاد حينذاك إن تلك النهايات الموجعة والقاتمة ما هي إلا إنعكاس لحالة من اليأس العام وأنه على الأرجح كانت دليلا ملموسا على الإكتئاب المزمن الذي عانت منه عزيزة أمير والذي كانت تحاول أن تجد له علاجا وأن تلك المآسي المصحوبة بالإنتصارات التي عاشتها كانت هي الدرس الثابت في حياتها وفي عام 1931م قامت عزيزة أمير بتوسيع مكانتها الإقليمية من خلال المشاركة في أفلام أجنبية حيث مثلت في الفيلم الفرنسي الفتاة التونسية ثم أتبعته بالفيلمين التركيين الكاتب المصري وشوارع إسطنبول في عام 1932م وربما كانت حاجتها إلى تلك الأدوار المربحة مدفوعة بتعثر مالي ألم بها في ذلك الوقت وقد أخرجت عزيزة أمير بنفسها بعد ذلك ثلاثة أفلام علاوة على تأليف 19 فيلما ومونتاج فيلم وحيد هو فيلم ليلى وكان هذا هو السبب في إطلاق لقب أم السينما المصرية عليها .
وفي عام 1933م كان الفيلم الثالث لعزيزة أمير وهو الفيلم الصامت كفرى عن خطيئتك والذى كتبت قصته وكانت هي منتجته وشاركت في إخراجه مع المخرج مصطفي والي وشاركت أيضا في تمثيله مع الفنانين الكبار زكي رستم وتوفيق المردنلي وزينب صدقي ولم يحقق هذا الفيلم النجاح المأمول حيث أصرت عزيزة أمير علي أن يكون هذا الفيلم صامتا في الوقت الذى كانت معظم الأفلام التي يتم إنتاجها قد أصبحت أفلاما ناطقة مما أوقع بها ضررا ماديا ومهنيا وفي نفس العام 1933م إنفصلت عن زوجها أحمد الشريعي وتزوجت بعده من أخيه الأصغر مصطفى الشريعي وإستمر زواجهما قرابة 7 سنوات أي حتي أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين الماضي وبشكل عام كانت هذه الفترة من حياتها وحتي عام 1939م تعد فترة إضطراب وفترة ضائعة من حياة عزيزة أمير ووجه كثير من النقد لها ولأفلامها في هذا الوقت من قبل النقاد والجمهور كما أنها تعرضت لخسارة مادية فادحة وخسرت كل ما تملك وإضطرت لبيع الإستوديو الخاص بشركتها وكان مما قدمته خلال هذه الفترة فيلم بسلامته عايز يتجوز في عام 1936م بالإشتراك مع نجيب الريحاني وعبد الفتاح القصرى وحسن فايق وبشارة واكيم وزينات صدقي وفتحية شريف وأخرج هذا الفيلم الكسندر فاركاش المخرج المجرى الأصل الذى وفد إلي مصر في منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين الماضي وعموما ففي أواخر عقد الثلاثينيات وتحديدا في عام 1939م قامت عزيزة أمير بدور البطولة في فيلم بائعة التفاح بالإشتراك مع زوجها المستقبلي وآخر أزواجها الممثل الشاب حينذاك محمود ذو الفقار وتمت الترتيبات الخاصة بطلاقها من مصطفى الشريعي بعد وقوعها في غرام ذو الفقار الممثل الوسيم الذى كان عمره حينذاك 23 عاما وشاركهما البطولة أيضا الفنانون عبد السلام النابلسي وأنور وجدى وحسن فايق وفردوس محمد وآمال زايد وفضلا عن ذلك فقد شاركت في كتابة السيناريو والحوار مع حسين فوزى والذى كان هو مخرج الفيلم أيضا .
وبعد زواج عزيزة أمير من محمود ذو الفقار قام الإثنان بتأسيس شركة أفلام عزيزة أمير وكان لهذه الشراكة بينهما تأثير ضخم فنيا وتجاريا على السينما المصرية وقدما من خلالها موضوعات حيوية سياسية وجدلية كان منها فيلم الورشة إنتاج عام 1940م وفيلم إبن البلد في عام 1942م وفيلم إبنتي عام 1944م وفيلم الفلوس عام 1945م وفيلم شمعة تحترق عام 1946م وفيلم فوق السحاب في عام 1948م وفضلا عن ذلك كانت عزيزة أمير أول من قدمت القضية الفلسطينية في السينما العربية من خلال فيلمها فتاة من فلسطين عام 1948م والذى لعبت بطولته أمام محمود ذو الفقار والذى قام بإخراجه أيضا وتدور قصته حول ضابط طيار مصري يستبسل في الدفاع عن الأرض الفلسطينية ضد العدو الصهيوني ويحدث أن تسقط طائرته في قرية فلسطينية وتعثر عليه سلمى الفلسطينية مصابا في قدمه فتستضيفه في منزلها وتعمل على علاج جراحه مما يقرب بين القلبين المصري والفلسطيني ثم يتعرض الفيلم لقصص الفدائيين الفلسطينيين الذين يفضلون الموت على الإحتلال الصهيونى ثم نعرف أن منزل سلمى ما هو إلا مركزا لسلاح الفدائيين ويعجب الطيار المصري بالفتاة سلمى وشجاعتها حتى يتبادلان الحب ويتزوجان في عرس فلسطيني يحييه الفدائيون بالشكل الشعبي الفلسطيني ويعود الطيار المصري بعد ذلك مع زوجته الفلسطينية لإستكمال رسالته في الدفاع عن فلسطين وفي العام التالي 1949م أتبعته عزيزة أمير بفيلم نادية والذى لعبت بطولته أمام محمود ذو الفقار وأخرجه المخرج الجديد حينذاك فطين عبد الوهاب والذى يحكي عن التضحيات العظيمة التي قدمتها المدرسة نادية طول حياتها فمع تحملها لمسئولية أشقائها الصغار حتى يتخرج شقيقها من الكلية الحربية يشاء القدر أن يستشهد في حرب فلسطين عام 1948م فيتقدم لها صديقه للزواج منها إلا أنها تقرر إستكمال تضحياتها عندما تكتشف حب شقيقتها له وتتركهما وتعود لأمها ووحدتها .
وفي عام 1950م قدمت عزيزة أمير فيلم قسمة ونصيب والذى قررت بعده إعتزال التمثيل نتيجة إصابتها بمرض عضال والتفرغ للإنتاج والكتابة إلا أنها عادت إلي التمثيل بعد فترة وقدمت آخر أفلامها آمنت بالله عام 1952م وشاركها البطولة الفنانون محمود المليجي وإسماعيل ياسين وإستيفن روستي وعبد الغني النجدى ومديحة يسرى ووداد حمدى وزهرة العلا وثريا حلمي وسميرة أحمد وجمالات زايد وكيتي وهو يحكي قصة فتحي اللص المقامر الذى يطارده البوليس فيلجأ إلى سميرة صديقته القديمة المتزوجة من كهل ثرى الذى لم تنجب له أولادا فتقبل أن تخفيه عندها مقابل أن يبيعها ولده الرضيع لتوهم زوجها أنه ولدها وبذلك تستطيع أن تورثه وتتسلم سميرة الطفل وتعطى والده إقرارا بأن الولد ليس إبنها ثم يداهم البوليس المكان فيخفى الرجل الورقة في فراش زوجته ويتم القبض عليه ويدخل السجن وهناك يقص الرواية على قاطع طريق زميل له إسمه برعي ولا يلبث أن يموت وتحزن فاطمة الأم الحقيقية على طفلها ويحاول شقيقها وحماتها أن يخففا عنها ويشجعاها على تربية الإبنة المتبقية لها وتمر السنون وتعيش الأم وإبنتها بالعودة إلى التمثيل الذي كانت تحترفه في صغرها ويجتمع الإبن بشقيقته فيتحابان وهما يجهلان روابط قرابتهما ويخرج قاطع الطريق برعي من السجن ويتصل بسميرة ويتزوجها ويستولى على مالها ويكتشف الإقرار والذى يستغله للحصول على مالها بينما يزيد تنكيله بإبنها المزيف وتتعلق شقيقة قاطع الطريق بإبن سميرة المزيف وتطارحه الغرام في حين يبقى هو مأخوذًا بشقيقته ويقترب ميعاد زواج الأخ من أخته وسرعان ما ينجلى الموقف بعد مقابلة الأم فاطمة لسميرة فتعرف الحقيقة منها ويتم فسخ الخطبة ويبقى الإقرار مخفيا في رداء شقيقة الأفاق قاطع الطريق ويستدرجها صديق فاطمة الممثل ويعدها بحجاب يعيد إليها حبيبها وينصب لها كمينا فتصاب بدوار ويسرق منها الإقرار وفي منزل سميرة يتشاجر الإبن مع زوج أمه لإتصال الشاب تليفونيًا بفاطمة التي لا يعلم أنها أمه وتهرول فاطمة لإنقاذ ولدها بينما تدخل سميرة الغرفة وتصاب برصاصة طائشة فتلقى حتفها ويجرح الإبن في رأسه ويحضر البوليس ويعرف الإبن حقيقة أمه .
ومما يذكر أن هذا الفيلم كانت له حكاية حيث إحترقت بعض فصول منه في حريق القاهرة في يوم 26 يناير عام 1952م وكاد ألا يرى النور لولا أنه قد أجريت عليه بعض التعديلات وتم عرضه في الموسم التالي بعد وفاة بطلته عزيزة أمير في يوم 28 من شهر فبراير عام 1952م عن عمر يناهز 51 عاما وتم وضع باقة زهور كبيرة في مكان البطلة الراحلة وبالرغم من أهمية هذه الفنانة الرائدة في تاريخ السينما المصرية كمنتجة ومؤلفة وممثلة إلا أن أفلامها الأولى الصامتة غير موجودة في مكتبتنا السينمائية والتي من المفترض أن تحتفظ بتراث السينما المصرية هذا بالإضافة إلى أن التليفزيون العربي لم يعرض أي من أفلامها الناطقة إلا نادرا حيث يوجد كثير منها صالح للعرض وعدد آخر يحتاج إلى إعادة طبع ليرى أبناء هذا الجيل أمجاد هذه الفنانة الكبيرة وفي الحقيقة فإن القيمة الحقيقية لهذه الفنانة الرائدة ليست في تأسيس صناعة السينما المصرية ولا في إكتشاف النجوم والمواهب في شتى فروع الفن السينمائي فحسب وإنما في مقدرتها الفنية وخبرتها في الإنتاج والتأليف أيضا بجانب براعتها في التمثيل وبالنظر إلى إرثها السينمائي الثري من المهم أن نتذكر أن السينما التي قدمتها عزيزة أمير طوال ربع قرن من الزمان لم تكن بشكل أساسي سينما نسوية فقد تمحورت أعمالها حول حياة النساء المصريات ولكنها لم تعكس أي موضوعات نسوية أو دعوة لحقوق المرأة كما تأثرت صورة المرأة في أفلامها بشكل كبير بالأنماط المحلية الطاغية والتي كانت أمرا مفروغا منه في سينما يهيمن عليها الرجال وكثيرا ما جسدت أدوارها الصلابة والتماسك في وجه المعاناة والشدائد والمثابرة الروحية والرضا بما يحمله القدر وإن ما حققته عزيزة أمير من إنجازات مهنية لا يدع مجالا للشك في كونها بلا منازع مجددة ورائدة السينما المصرية وعلى الرغم من هذا كانت حياتها الشخصية الصاخبة والمتنوعة تحتوي على دراما وإثارة تفوق أي من أدوارها التمثيلية وقد ساهم كلاهما في الإرتقاء بها لمكانة رمزية كأيقونة وثروة قومية مصرية وكان علي سبيل المثال لا الحصر مما تعرضت له عزيزة أمير في حياتها غير ما تعرضت له من خسائر وإضطراب في حياتها الشخصية وإصابتها بمرض عضال في أواخر حياتها أنها قد تعرضت لأكثر من حادث كاد أن يودي بحياتها الأول حينما كانت فى طريقها من القاهرة إلى الإسكندرية عبر طريق القاهرة الإسكندرية الزراعى فإنحرفت سيارتها عن الطريق فى إتجاه ترعة عميقة لكنها نجت منها بأعجوبة ومرة ثانية أثناء جولة في النيل حينما خرجت أمواج عالية وعلى غير العادة فإمتلأ القارب بالماء وكادت أن تغرق في مياه النيل لولا أن أنقذها الناس . |