بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
شارع حسن الأنور أحد الشوارع الرئيسية في منطقة مصر القديمة وهو يقع فى منطقة الجيارة عند تلاقي شارع سور مجرى العيون معه ثم يمتد ليقطع شارع سوق الأنوار عند مساكن حسن الأنور ليصل الى ضريح وجامع حسن الأنور ثم يمر بشارع بنى هلال ثم يقطع شارع عمر بن حفص وردان الروم ثم يمر أمام نفق الملك الصالح قاطعا طريق صلاح سالم ويمر بجامع عمرو بن العاص حتى يصل فى نهايته إلى تقابل شارع مارى جرجس مع شارع الإمام مالك وهو يقع وسط منطقة ودعت قوات الإحتلال الروماني وإستقبلت حجر أساس العمارة الإسلامية في مصر وبين الوداع والإستقبال جرت على أرضه صراعات ومشاحنات وأحداث كثيرة مؤثرة في تاريخ مصر وربما العالم أجمع وبهذه المنطقة تحصن الرومانيون بقيادة المقوقس حاكم مصر من قبل إمبراطوريتهم بحصن بابليون الذى يقع على بعد خطوات من نهاية الشارع في إنتظار ضمان سلامتهم ويتمتع شارع حسن الأنور في وضعه الراهن على مستوى العمارة والسكان والرواد بالبعد عن الصراعات والمشاحنات ويعم بالسلام والمحبة والتسامح والإستقرار فهو يبدأ بمجمع الأديان بمنشأته اليهودية والمسيحية والإسلامية والتي تشمل الكنيسة المعلقة وحصن بابليون وكنيسة أبو سرجة وكنيسة القديس مار جرجس وكنيسة القديسة بربارة وكنيسة القديس أبو سيفين وكنيسة الملاك ميخائيل والمتحف القبطي والمعبد اليهودي ومسجد عمرو بن العاص كما يجمع على جانبيه خصوصا في بدايته بين الأموات والأحياء والأحياء معظمهم من رواد المقاهي وعمال الورش والمحال التجارية والأموات ينامون بإطمئنان في مدافن الطائفة المارونية والأرمن الكاثوليك التي تمتد على مساحة تكاد تصل إلى منتصف الشارع أما رواد الشارع فهم خليط من مختلف أجناس العالم ومعظمهم جاء للتبرك بمزاراته الدينية التي تمثل جميع الأديان السماوية وعلي الرغم من الصراعات التي شهدها الشارع من تخريب للعمارة والآثار في وداع القوات الرومانية إلا أنه شهد الأهوال بداية من نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية وحتى الدولة الفاطمية فقد إلتهمته الحرائق وطاله التخريب المتعمد ثلاث مرات الأولى عندما فر إليه مروان بن محمد آخر خلفاء الدولة الأموية لينجو بنفسه من فتك قوات أبو العباس الهاشمي والحريق الثاني الذي إلتهم الشارع وقع أثناء المجاعة التي وقعت في عهد الخليفة المستنصر بالله الفاطمي أما الحريق الثالث وهو أكثرها دمارا فقد نفذه الوزير شاور أثناء خلافة العاضد الفاطمي عام 565 هجرية الموافق عام 1170م فعندما غزا عموري ملك بيت المقدس الديار المصرية وعجز شاور عن الدفاع عنها أمر بإخلاء منطقة الفسطاط التي يتوسطها الشارع وحرقها حتى آخرها وقد راحت عمارة الشارع رغم الحرائق تزداد وتتطاول أثناء حكم الأمويين والعباسيين وفي عام 439 هجرية الموافق عام 941م شاهدها الرحالة ناصر خسرو وقال إنها كانت تضم بيوتا من 14 طبقة والأغرب أنه قال إنه سمع من أشخاص ثقات أن شخصا من سكان الشارع غرس حديقة على سطح منزله بالشارع وكان من سبعة أدوار وحمل إليها عجلا رباه فيها حتى كبر ونصب فيها ساقية كان هذا الثور يديرها ويرفع الماء إلى الحديقة من البئر وزرع على هذا السطح الورد والريحان ومختلف أنواع الزهور وفي عصر الدولة المملوكية دخل الشارع والمنطقة المحيطة به مرحلة سياسية أخرى فقد كان يشارك في تنصيب الملوك والسلاطين ويمنحهم الشرعية فقد سكن على حافته الشيخ أبو السعود محمد بن أبو عبد الله بن أبو الحسن المديني الشافعي المعروف بالجارحي وهو أحد كبار المتصوفة في الربع الأول من القرن العاشر الهجري الموافق للقرن السادس عشر الميلادى وكان الأمراء المماليك يلجأون إليه حين يختلفون فيمن يتولى السلطة وكان ينصحهم بأن يتولى من يجمعون عليه ويأمر باقي الأمراء بالقسم على المصحف بين يديه على الولاء والطاعة التامة للسلطان الجديد الذى يتم التوافق عليه .
والشيخ حسن الأنور بن سيدى زيد الأبلج بن مولانا الإمام الحسن السبط بن مولانا الإمام على بن أبي طالب من السيدة فاطمة الزهراء البتول بنت أشرف الخلق سيدنا النبى الكريم محمد عليه الصلاة والسلام وهو والد السيدة نفيسة رضى الله عنها ويذكر أنه منذ طفولته وأبوه الأبلج كان يأخذ بيده ويدخله على مقام جده رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخاطب رسول الله صلي الله عليه وسلم ويقول يا رسول الله إنى راض عن إبنى الحسن فهل أنت راض عنه وظل هكذا حتى يقال إن النبى جاءه فى المنام وأخبره أنه راض عنه برضاه عنه وقد تم تعيينه واليا علي المدينة المنورة من قبل الخليفة العباسي أبو عبد الله أبو جعفر المنصور لمدة 5 سنوات وكانت السيدة نفيسة رضي الله عنها في معيته في المدينة المنورة قبل أن تصل لسن الزواج وكانت تذهب إلى المسجد النبوي وتسمع إلى شيوخه وتتلقى الحديث والفقه من علمائه حتى لقبها الناس بلقب نفيسة العلم وهكذا عاشت في المدينة لا تفارق الحرم النبوي قارئة ذاكرة وحجت أكثر من ثلاثين حجة أكثرها ماشية وكان معروفا عن أبيها حسن الأنور إنه كان ثريا وينفق كل أمواله فى الخير ومساعدة المحتاجين لذلك كان محبوبا بين الناس حتى خاف الخليفة من أن يقوم بإنقلاب عليه مما دفعه إلى عزله من ولاية المدينة المنورة وتم حبسه ظلما ثلاث سنوات ولكن سرعان ما ظهر الحق وإتضحت الرؤية للخليفة المنصور العباسى فأفرج عنه فقدم إلى مصر ومعه إبنته السيدة نفيسة وزوجها وغيرهما من باقي أهله وأقام في مصر إقامة دائمة حتي وفاته وإشتهر بالتصدق وقضاء حاجات الناس وكانت هاتان الصفتان هما أكثر الصفات التى إلتصقت بسيدى حسن الأنور والتى جعلت الفقراء المحتاجين يترددون على محل إقامته طلبا للمساعدة وذلك وفقا للقصة التى إشتهر بها والتى يسردها الشيخ على عبد الغفور إمام مسجده حاليا قائلا إنه ذات مرة لجأ إبن ثابت الزبيرى وإبنه عبد الله إليه بغرض قضاء دينهما المقدر بسبعمائة دينار فبعث برسول لدائنهما فأقر بالدين لديهما فما كان منه إلا قضاء الدين من حسابه الخاص بل زاد فى العطاء ومنحهما مائتى دينار لكي يبدأ كل منهما حياته من جديد هذا ويعد مسجده أحد المساجد التى لم تلق شهرة كبيرة على الرغم من تاريخه العريق وموقعه الجغرافى المتميز حيث يقع المسجد بمنطقة الجيارة وفي الأصل كان منزله ثم تم تحويله بعد وفاته إلى مسجد وضريح دفن فيه ودفن معه فيما بعد في مشهده إبنه زيد أخو السيدة نفيسة رضي الله عنها وكان بالمسجد حديقة كبيرة لأنه كان يعشق النباتات فكان يرى بها رمزا للخير والعطاء وعند تجديده على يد المماليك تمت إزالة بعض من المساحات الخضراء حتى زحفت البيوت عليه من أجل التوسع العمراني ولكن مازالت المساحات الخضراء صامدة حتى الآن حتى لو كانت صغيره نسبيا . |