الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

ميدان عبد الرحمن الكواكبي

 ميدان عبد الرحمن الكواكبي
عدد : 09-2021
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”


ميدان عبد الرحمن الكواكبي أحد ميادين منطقة العجوزة بمدينة الجيزة ويلتقي معه من الجهة الشرقية شارع الفنان فريد شوقي ومن الناحية الغربية شارع الفريق عبد المنعم رياض ويتوسط هذا الميدان جامع كبير أطلق عليه إسم عبد الرحمن الكواكبي وحي العجوزة أحد أحياء محافظة الجيزة المحافظة المتاخمة لمدينة القاهرة عاصمة مصر وتقع على شاطئ نهر النيل ويحده من الشرق فرع نهر النيل الصغير والذى يسمى النيل الأعمى وشارع النيل الموازى له ومن الناحية الأخرى للنيل حي الزمالك ويحده من الشمال والشمال الشرقي كوبري 15 مايو الذى يؤدى إلي محور 26 يوليو الذي يفصل بين العجوزة والمهندسين والكيت كات ومن الشمال الغربي شارع جامعة الدول العربية الذي يفصل العجوزة عن المهندسين ومن الغرب شارع البطل أحمد عبد العزيز الذي يفصل العجوزة عن حي الدقي ومن الجنوب شارع نوال ويفصل العجوزة أيضا عن الدقي وكذلك يحده من الجنوب والغرب حي الدقي ومن أشهر الشوارع بالحي شارع النيل وشارع نوال وشارع عبد المنعم رياض وشارع الفالوجا أو محمود خليل الحصري وشارع الدكتور شاهين وشارع الفنان فريد شوقي وشارع أبو المحاسن الشاذلي وشارع المتحف الزراعي ومن أشهر الميادين بالحي ميدان سفنكس وميدان الدكتور شاهين وميدان أسوان وميدان أبو المحاسن الشاذلي وتاريخيا فقد ظهر إسم العجوزة كمسمى جغرافي للمرة الأولى في خرائط مصلحة المساحة المصرية عام 1905م وكان الحي يتبع آنذاك قسم عابدين حيث كانت أراضي حي الزمالك الشهير وحي العجوزة متصلتين ولا يفصلهما سوى فرع النيل الصغير المسمي بالبحر الأعمى كما أسلفنا القول والذى كان يمتلأ صيفا ويجف باقي أيام السنة فيزرع قاعه بالخضروات خلال فصل الشتاء وكان قبل ذلك قد بدأ الخديوى إسماعيل في تشييد قصره الكبير بالزمالك فى عام 1873م الذى تم تسميته بقصر الجزيرة والذى أصبح فندق ماريوت الآن وإستلزم البناء تحويل مجرى نهر النيل لعزل جزيرة الزمالك وإحاطتها بالماء من كل جانب حتى يمر نهر النيل في قلب القاهرة على غرار مرور نهر السين بقلب باريس لتصير حياة خديوي مصر لها خصوصية متميزة وإستكمل الخديوي مشروعه بإخلاء الجزيرة من سكانها الشعبيين القدامى ساكني العشش حيث أن كلمة الزمالك تعني العشش باللغة التركية ومفردها زملك وقام الخديوي بترحيل سكان الزمالك إلى الضفة الغربية للبحر الأعمى ومنحهم أراضي طرح النهر الناشئة بدلا من أرضهم السابقة ثم إستقدم الخديوي إسماعيل مئات من عمال السخرة العائدين من حفر قناة السويس في حفر البحر الأعمى ومنحهم مساحات من أراضي طرح النهر بمنطقة العجوزة وهكذا نشأت تركيبة سكانية جديدة بها شملت عدد ثلاث قرى هي العجوزة القبلية والبحرية والوسطى كان غالبيتها من عائلات صعيدية عاد مؤسسوها من حفر قناة السويس أو عائلات فقيرة مهجرة من موطنها الأصلي بالزمالك وكان أشهر المهاجرين من الزمالك للعجوزة هو الحاج عبد المنعم عسران عمدة الزمالك سابقا وقد أصدرت له وزارة الداخلية في عام 1895م أول وثيقة رسمية بتعيينه عمدة للعجوزات الثلاث القبلية والبحرية والوسطى وكانت لعسران هذا شهرة كبيرة في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين الماضي .

أما تسمية حي العجوزة بهذا الإسم فتبدأ من أواخر عهد الخديوي إسماعيل وبطلها هو محمد شريف باشا الذي كان صديقا ووكيل دراسة للخديوى بكلية سان سير العسكرية بباريس عاصمة فرنسا ثم وزير حربيته ثم رئيس وزرائه وهو أحد أهم شخصيات فترة الثورة العرابية حيث كان أحد مقاومي تغلغل النفوذ الأجنبي بمصر وهو مؤسس البرلمان والدستور المصرى كما كان يمتلك 30 فدانا من أراضي طرح النهر بالعجوزة وكان يتمنى أن يبني جامعا في ركن أرضه على النيل قرب كوبري الجلاء لكنه مات قبل أن يحقق أمنيته فإذا بأرملته نازلي هانم إبنة سليمان باشا الفرنساوي مؤسس الجيش المصري الحديث تتولى بنفسها تحقيق أمنية زوجها المتوفى وتقوم بالإشراف على بناء الجامع المذكور رغم تجاوز عمرها 90 عاما وقد شاهدها الفلاحون البسطاء من سكان العجوزات الثلاث وهي تشرف بنفسها على بناء الجامع في مكانه الحالي رغم كبر سنها وشيخوخيتها وساعدها العديد من أصدقاء زوجها الراحل في بنائه ومنهم الشيخ محمد عبده والشيخ جمال الدين الأفغاني ورفاعة الطهطاوي وغيرهم ويقع هذا الجامع الآن بشارع النيل قرب ناصية
شارع نوال بالعجوزة وما زال إسم محمد شريف باشا وزوجته نازلي هانم الفرنساوي محفورا على اللوحة التذكارية أعلى مدخل الجامع حتى الآن وقد نسب سكان المنطقة الجامع إلى هذه السيدة العجوز التي ظلت تقف بنفسها تحت مظلة لتراقب أعمال البناء لعدة سنوات وصار الجامع هو جامع الست العجوزة وصار كل ما حوله ينسب إليه وإليها وهكذا وتدريجيا صار إسم المنطقة كلها ينسب للعجوزة نازلي هانم الفرنساوي حتى ظهر رسميا في أوراق الدولة في وثيقة العمودية الصادرة لعسران عمدة الزمالك ثم عمدة العجوزة عام 1895م ثم في خرائط هيئة المساحة عام 1906م .


ويقول عادل ثابت مؤرخ الملكية في مصر إن الخديوي توفيق نفسه إستعمل إسم العجوزة قبل ذلك بسنوات عندما كان يسير على الكوبري الأعمى الجلاء الآن مع بعض ضيوفه الأجانب فلما سألوه عن الجامع الذي كان يقف وحيدا وسط المزارع على ضفة النيل الغربية قال لهم بالإنجليزية إنه جامع السيدة العجوزة ويتبقى من حكاية السيدة العجوزة أو نازلي هانم الفرنساوي أنها كانت تسكن سراي شريف باشا مقر وزارة الداخلية الآن وقد أنشأت على ناصية تقاطع شارعى شريف والشيخ ريحان سبيلا يشرب الناس منه مازال موجودا حتى الآن ثم توفيت عام 1915م عن مائة وعشر سنوات وقد أوقفت 26 فدانا للإنفاق على إقامة شعائر الصلاة ومهمات المسجد والكتاب والسبيل الملحقين به فكان يصرف لإمامه وخطيبه 30 جنيها وكذلك يصرف 14 جنيها لكل من المؤذن وقارئ سورة الكهف كل يوم جمعة وقد أنجبت العجوزة نازلي هانم الفرنساوى إبنة إسمها توفيقة والتي تزوجت من عبدالرحيم باشا صبري رئيس مجلس النواب وأحد أشهر زارعي الزهور في تاريخ مصر وكانت له وقتها منافسات كبيرة في هذا المجال مع الليدي كرومر زوجة اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني في مصر حينذاك والذي أنجب منها إبنتين أولهما نوال والتي ماتت في سن السادسة من عمرها وحزن والدها عليها حزنا شديدا فأطلق إسمها على السراي التي كان يسكنها وأصبح مقر أكاديمية ناصر العسكرية الآن فصار إسمها سراي نوال وإشتهر هذا الإسم ليصبح إسما للشارع الكبير الذي يقع فيه القصر حتى الآن أما البنت الأخرى فكانت نازلي أم الملك فاروق حيث أنها تزوجت من الملك فؤاد الأول وأنجبت منه الملك فاروق وشقيقاته الأميرات فوزية وفايزة وفائقة وفتحية وقد ورثت توفيقة عن والديها الثلاثين فدانا في قلب حي العجوزة الحالي ولكن منذ عام 1928م بدأت أرض شريف باشا وزوجته العجوزة نازلي هانم الفرنساوي في التفتت والتجزئة فقد بيعت قطعة منها للسفارة السوفيتية التي تقع علي ناصية شارعي نوال والنيل وأصبحت الآن برجا سكنيا ضخما ثم إقتطع جزء آخر في الأربعينيات لتوسعة شارع النيل الذي ميزته دائما أشجاره الضخمة العملاقة وكذلك عواماته التي ألهمت الأديب الكبير صاحب جائزة نوبل في الأدب نجيب محفوظ العديد من مؤلفاته والتي من أشهرها روايته ثرثرة فوق النيل والتي تحولت إلي فيلم سينمائي وهو بالمناسبة كان رحمه الله يقطن على مقربة من شارع نوال وظل شارع النيل مصيفا لسكان العجوزة الأصليين البسطاء يفرشون الحصير على شاطئ النيل ويجلسون ليلا ليستمتعوا بليالي الصيف لكن كل هذا إنتهى في لحظة في عام 1966م عندما سقط تروللى باص بركابه في النيل في حادث مروع شهير راح ضحيته 88 قتيلا فما كان من الحكومة وقتها إلا أن قامت بتنفيذ أكبر مذبحة لأشجار شارع النيل العملاقة الجميلة لتشق شارع الكورنيش الحالي ولم تكن هذه المأساة الوحيدة التي عانى منها سكان العجوزة فقد سبقتها مأساة أخرى عام 1940م عندما باع الملك فاروق 50 فدانا في نفس المنطقة إلى شركة بلجيكية فقامت بتبوير الخمسين فدانا التي كانت مزروعة بالقصب والخضروات وقسمتها إلى شوارع حي العجوزة الحالي الذي أقيمت فيه عمارات جديدة خنقت وحاصرت قرى العجوزة الثلاث السابق ذكرها من كل جهة وفكرت الحكومة في إزالة القرى الثلاث في أواخر الخمسينيات بعد أن صارت نشازا وسط حي العجوزة الحديث ومن خلفه أحياء المهندسين والأوقاف والصحفيين وكلها بدأت بمجموعة فيلات شهيرة للضباط الأحرار ولما عرض السكان الأمر على الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أثناء زيارته لإحدى مدارس الحي شرح له الصغار أبعاد القضية فتساءل من هنا قبل الثاني فلما قيل له إن قرى العجوزة الثلاث هي أقدم قرى أمر بإلغاء فكرة إزالة أي منها ولكن أزيلت إحدى العجوزات الثلاث عام 1972م للبدء في إنشاء كوبري 6 أكتوبر وهي العجوزة القبلية ثم أزيلت باقي العجوزتين عام 2005م .

وينسب ميدان عبد الرحمن الكواكبي إلي عبد الرحمن أحمد بهائي محمد مسعود الكواكبي المولود في مدينة حلب بشمال سوريا في عام 1855م لعائلة لها شأن كبير في تلك المدينة التي كانت تزدهر بالعلوم والفقهاء والعلماء ولما وصل إلي سن المدرسة درس الشريعة والأدب وعلوم الطبيعة والرياضة في المدرسة الكواكبية التي تتبع نهج الشريعة في علومها وكان يشرف عليها ويدرس فيها والده مع نفر من كبار العلماء في حلب ولم يكتف الكواكبي بالمعلومات المدرسية ومن ثم إتسعت آفاقه أيضا بالاطلاع على كنوز المكتبة الكواكبية التي تحتوي مخطوطات قديمة وحديثة ومطبوعات ظهرت في أول عهد الطباعة في العالم ولذلك فقد إستطاع أن يطلع على علوم السياسة والمجتمع والتاريخ والفلسفة وغيرها من العلوم وعندما بلغ عبد الرحمن الكواكبي الثانية والعشرين من عمره إلتحق كمحرر بجريدة الفرات وكانت جريدة رسمية تصدر في مدينة حلب ولكن إيمانه بالحرية وروح المقاومة لديه دفعته لأن يؤسس هو وزميله السيد هشام العطار أول جريدة رسمية عربية خالصة وهي جريدة الشهباء ولم تستمر سوى خمسة عشر عددا حيث أغلقتها السلطات العثمانية والتي كانت تحت سيطرة جمعية الإتحاد والترقي بسبب المقالات النقدية اللاذعة الموجهة ضدها وقد إشتغل الكواكبي بالعديد من الوظائف الرسمية فكان كاتبا فخريا للجنة المعارف ثم محررا للمقالات ثم صار بعد ذلك مأمور الإجراءات أي رئيس قسم المحضرين كما كان عضوا فخريا بلجنة القومسيون وكذلك كان يشغل منصب عضو محكمة التجارة بولاية حلب بالإضافة إلى توليه منصب رئيس البلدية في عام 1892م وقد إستمر الكواكبي بالكتابة ضد السلطة العثمانية التي كانت في نظره تمثل الإستبداد وعندما لم يستطع تحمل ما وصل إليه الأمر من مضايقات من السلطة العثمانية في حلب سافر الكواكبي إلى الهند والصين وسواحل شرق آسيا وسواحل أفريقيا كما سافر إلى مصر حيث لم تكن تحت السيطرة المباشرة للدولة العثمانية وذاع صيته فيها وتتلمذ على يديه الكثيرون وكان واحدا من أشهر العلماء .

وكانت لسياسة التتريك الدور الأساسي في إشعال المشاعر العربية حيث إستطاع القوميون الأتراك الطورانيون إقصاء السلطان العثماني عبد الحميد الثاني والوصول إلي السلطة وقاموا بمحاربة اللغة العربية وفرض اللغة التركية على العرب بالإضافة إلى تدهور الوضع الإقتصادي ولقد نتج عن ذلك قيام نهضة عربية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادى وكانت وفاة الكواكبي في ظروف غريبة عام 1902م وقد زعم أقاربه أن عملاء جمعية الإتحاد والترقي قد دسوا للكواكبي السم في فنجان قهوة وهو أمر لم يتم التأكد منه وعموما فإن الكواكبي قد أمضى حياته مصلحا وداعيا إلى النهوض والتقدم بالأمة العربية وقد شكل النوادي الإصلاحية والجمعيات الخيرية التي تقوم بتوعية الناس وقد دعا المسلمين لتحرير عقولهم من الخرافات وقد قسم الأخلاق إلى فرعين فرع أخلاقي يخدم الحاكم المطلق وفرع يخدم الرعية أو المحكومين ودعا الحكام إلى التحلي بمكارم الأخلاق لأنهم الموجهون للبشر ودعا إلى إقامة خلافة عربية على أنقاض الخلافة التركية وطالب العرب بالثورة على الأتراك وقد حمل الحكومة التركية المستبدة مسؤولية الرعية ولذا فهو يعد أحد رواد النهضة العربية ومفكريها في القرن التاسع عشر الميلادى وأحد مؤسسي الفكر القومي العربي وقد إشتهر بكتاب طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد الذي يعد من أهم الكتب العربية التي صدرت خلال القرن التاسع عشر الميلادى التي تناقش ظاهرة الإستبداد السياسي وتكريما له وتخليدا لفكره وكفاحه ونضاله من أجل حرية الإنسان وكرامته فقد بنت وزارة الأوقاف المصرية جامعا كبيرا بحي العجوزة وأطلقت عليه إسمه ومن الطريف أن الفنان الراحل فريد شوقي كان يقيم بفيلا خاصة تقع بالشارع المعروف بإسمه والتي كانت من أول ما تم بناؤه في هذا الشارع وهي تقع في مواجهة جامع الكواكبي ولذا فإن العامة يطلقون أحيانا علي جامع الكواكبي إسم الفنان فريد شوقي والذى سئل ذات يوم هل قدمت أى تبرعات من أجل تشييد هذا الجامع فأجاب بأنه في حقيقة الأمر لم يقدم أي تبرعات لبناء المسجد وإنما قدم له سجادة صلاة .
 
 
الصور :