بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
ميدان روكسي أحد أهم وأكبر ميادين ضاحية مصر الجديدة حيث تلتقي عنده العديد من الشوارع الهامة بتلك الضاحية الراقية منها شارع الخليفة المأمون وشارع إبراهيم اللقاني وشارع السيد الميرغني وشارع المقريزى وشارع القبة وشارع الحجاز وينسب شارع الخليفة المأمون إلي أبو العباس عبد الله بن هارون الرشيد سابع خلفاء بني العباس والذى ولد عام 170 هجرية الموافق عام 786م وتوفي غازيا في سبيل الله في يوم 19 رجب عام 218 هجرية الموافق يوم 10 أغسطس عام 833م بطرسوس بسوريا وشهد عهده إزدهارا في النهضة العلمية والفكرية في العصر العباسي الأول وذلك لأنه شارك فيها بنفسه وكان أبوه الخليفة هارون الرشيد قد توفي عام 809م في خراسان وأخذت البيعة لإبنه محمد الأمين وفقا لوصية والده التي نصت أيضا أن يخلف المأمون أخاه الأمين إلا أن الخليفة الجديد سريعا ما خلع أخاه من ولاية العهد وعين إبنه موسى الناطق بالحق وليا للعهد وكان المأمون آنذاك في خراسان فلما علم بأن أخاه قد خلعه عن ولاية العهد أخذ البيعة من أهالي خراسان وتوجه بجيش لمحاربة أخيه وإستمرت الحروب بينهما أربع سنوات إلى أن إستطاع المأمون محاصرة بغداد والتغلب على الأمين وقتله عام 813م ظافرا بالخلافة وقد تفرد عهد المأمون بتشجيع مطلق للعلوم من فلسفة وطب ورياضيات وفلك وإهتمام خاص بعلوم اليونان وقد أسس الخليفة عام 830م جامعة بيت الحكمة في بغداد والتي كانت من كبريات جامعات عصرها وإخترع في عهده الإسطرلاب وعدد من الآلات التقنية الأخرى كما حاول العلماء قياس محيط الأرض مما يدل على الإعتراف بكرويتها من ناحية وتطور العلوم من ناحية ثانية وقد تكون عمليات الترجمة التي رعاها هو وحاشيته وولاته أبرز سمات عهده إذ نقلت خلالها العلوم والآداب السريانية والفارسية واليونانية إلى العربية وقد إكتسبت من خلاله اللغة العربية مكانة مرموقة إذ تحولت من لغة شعر وأدب فحسب إلى لغة علم وفلسفة وكذلك فقد ساهمت عمليات الترجمة في إرساء منسوب ثقافي عال في الدولة ثم عهد بولاية العهد قسطا من الزمن لعلي الرضا وأخذ الشعار الأخضر بدلا من الشعار الأسود ثم عاد إلى شعار بني العباس الأسود وعين أخاه محمد المعتصم وليا للعهد وقد زار المأمون مصر ودمشق والجزيرة السورية وأخذت البيعة لولي عهده أخيه محمد المعتصم بالله وقد إستمرت عمليات الترجمة والنهضة العلمية في عهده كما إفتتحها سلفه المأمون .
وبخصوص شارع إبراهيم اللقاني فهو ينسب إلي إبراهيم بن إبراهيم بن حسن بن علي بن عبد القدوس بن الولي الشهير محمد بن هارون اللقاني المالكي المصري والذى لقب ببرهان الدين وكانت كنيته أبو الأمداد وأيضا أبو إسحاق وكان له إتصال هو وقبيلته المنحدر منها بالنسب الشريف وكان لا يظهره تواضعا منه وإسم اللقاني نسبة إلى لقانة وهي قرية من قرى مصر وكان من أبرز نسله في الفترة المعاصرة الأستاذ الدكتور إسماعيل أحمد اللقاني صاحب علم الأمراض الباطنة والكبد في كبار السن ومؤسس قسم أمراض الشيخوخة وطب المسنين في كلية الطب جامعة الإسكندرية وأما شارع المقريزى فهو ينسب إلي أحمد بن علي المقريزي والمعروف بإسم تقي الدين المقريزي وهو مؤرخ مسلم ويعد شيخ المؤرخين المصريين وكان ميلاده بالقاهرة في عهد دولة المماليك البحرية في عام 1364م وتوفي أيضا في القاهرة عام 1442م عن عمر يناهز 78 عاما في عهد دولة المماليك البرجية وقد عرف بالمقريزى نسبة لحارة في مدينة بعلبك بلبنان تعرف بحارة المقارزة حيث يقال إن أجداده من بعلبك وأن والده قد إرتحل إلي مصر وعاش في القاهرة حيث ولى بها بعض الوظائف وقد شغل المقريزي العديد من وظائف الدولة في عصره تولي فيها الحسبة والخطابة والإمامة عدة مرات ثم عمل مع الملك الظاهر برقوق مؤسس دولة المماليك البرجية ودخل دمشق مع ولده الناصر عام 1408م وعرض عليه قضاؤها فأبى وعاد فيما بعد إلى مصر وقد إحتل المقريزي مركزا عاليا بين المؤرخين المصريين في النصف الأول من القرن التاسع الهجري الموافق للنصف الأول من القرن الخامس عشر الميلادى حيث أن معظم المؤرخين الكبار كانوا تلاميذ له ومنهم أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي مؤلف الكتاب التاريخي النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة والسخاوي وكان المقريزى في أواخر سني عمره قد زهد في المناصب والمسؤوليات وإنقطع للكتابة ليترك العديد من المؤلفات المهمّة ويقول السخاوي الذى تتلمذ وتعلم علي يديه إنه قرأ بخط المقريزي أن مؤلفاته زادت على 200 مجلد كبير ولكن ما طبع منها حتى اليوم نحو أربعين كتابا فقط ومعظمها طبع أكثر من مرة حتي أن بعضها طبع عشر طبعات وقد إستحق كتاب المقريزي السلوك لمعرفة دول الملوك المكانة الأولى بين كتب التاريخ في عصره وكان من مؤلفاته أيضا كتاب عقد جواهر الأسفاط من أخبار مدينة الفسطاط الذي حاول فيه المقريزي أن يكتب عن تاريخ مصر خلال الفترة التي إمتدت منذ الفتح العربي إلى مرحلة ما قبل تأسيس الدولة الفاطمية في مصر وكتاب إتعاظ الحنفا بأخبار الخلفا حول تاريخ مصر في زمن الدولة الفاطمية وكتاب إغاثة الأمة بكشف الغمة الذي يتحدث فيه عن تاريخ المجاعات في مصر وأسبابها .
وأخيرا فإن شارع السيد الميرغني فهو ينسب إلي السيد علي الميرغني وهو زعيم ديني وسياسي سوداني كان يعد زعيم الأسرة الميرغنية المعروفة في مصر والسودان وأريتريا والتي عرفت بقيادة الطريقة الختمية الصوفية وقد إستقرت أسرته في كسلا وسواكن وقد ناصبت المهدية العداء وتحالفت مع الحكومة المصرية وإستقطبت عددا من سكان الشرق للطريقة الختمية وهو إبن السيد محمد الحسن إبن محمد عثمان الميرغني الختم وكانت والدته من قبيلة الأنقرياب ببربر وقد ماتت في سواكن وعمره نحو تسع سنوات وكان ميلاده بجزيرة مسوي بإقليم مروي بالسودان أثناء إقامة والده بالشايقية لنشر مبادئ الطريقة الختمية وإرشاد انصارها والتي إمتدت لنحو عامين أما تاريخ مولده فغير معروف على وجه الدقة وقد جاء في المعلومات التي نشرتها الأسرة الميرغنية بمناسبة وفاته أنه ولد في عام 1880م وجاء في نشرة أخرى أنه ولد في عام 1870م لكن التاريخ الأول هو الأقرب إلي الصحة حيث أنه يوافق تاريخ وجود أبيه في الشايقية وبعد مولده بفترة وجيزة إنتقلت أسرته إلى كسلا وشرع والده في بناء مسجد يحمل إسمه ولما قامت الثورة المهدية وقف المراغنة ضدها بشدة لإعتبارات متعددة ولما زحف الأنصار على كسلا قاوم هذا الزحف المراغنة وآزرتهم بعض قبائل الشرق وفي أواخر عام 1885م سافر السيد محمد عثمان الميرغني إلى مصر لمقابلة المسئولين إلا أنه توفي في يوم 15 يناير عام 1886م بعد ثلاثة أيام من وصوله إلى القاهرة ودفن في باب الوزير وقد أصبح قبره مزارا وكان من أثر ذلك أن زاد نفوذ المراغنة بالقاهرة وخاصة بين النوبيين المقيمين بمصر وقد ظل الإبن السيد علي فترة في سواكن هو وأسرته ثم لم يلبث أن إنتقل هو وحده إلى مصر وصار تحت رعاية عمه السيد محمد سر الختم الميرغني .
وقد ظل السيد علي الميرغني بالقاهرة نحو خمس سنوات كان فيها يتلقى العلم في الأزهر الشريف ويجاور العلماء ويرتاد المكتبات خصوصا مكتبات أقربائه وقد عاد السيد علي بعد ذلك إلى سواكن ليشغل نفسه بالحرب الدائرة هناك وشئون طائفته الدينية وكان السيد علي رجلا حصيفا لا يفقد الرؤية وكان مثقفا ثقافة واسعة وكان يجيد العمل في السياسة وكان هو المحرك الأساسي في كثير من الحركات التحررية وإن كان من وراء الستار وكان من مميزاته الإزدواجية وكان هذا نابعا من قدرة سياسية عظيمة ومن طبيعة أتباعه وكان حذرا محاذرا لا يقطع في الأمر بسرعة ولكن كان هذا البطء في إتخاذ القرار في بعض الحالات يكلفه كثيرا ويضيع عليه الكثير من الفرص وعندما عاد السيد علي إلى السودان كان المهديون قد إنحسروا في الشرق بداية من عام 1891م وإستيلاء الإيطاليين على كسلا في عام 1896م وقد أعطى ذلك مجالا للمراغنة ليستردوا مكانتهم ويعيدوا نفوذهم في الشرق وبالفعل إنتقل السيد علي إلى كسلا وشرع في العمل بين القبائل التي إستقبلته بحرارة وبعد سقوط الخرطوم في يد الحملة المصرية الإنجليزية المشتركة وبعد القضاء على المهدية وعودة السودان إلى الحكم الثنائي الإنجليزي المصري ذهب السيد علي إليها في عام 1901م حيث إستقبل بحفاوة بالغة وإسترد المراغنة أراضيهم وتوسعت طريقتهم حتى صارت أقوى مما كانت عددا ونفوذا فإنتشرت من بلاد تشاد غربا وحتى سواحل البحر الأحمر شرقا ومن الإسكندرية شمالا حتى بلاد الصومال جنوبا وقد قسم المراغنة المناطق في السودان فيما بينهم فكانت مناطق رئاسة السيد علي الميرغني هي بربر ودنقلا وحلفا والخرطوم وكردفان ومقره الخرطوم بحري وقد إعتبر السيد علي الميرغني رأسا سياسيا لبلاد السودان وزعيم رسمي لبيت المراغنة وخاصة في الدوائر الحكومية وقد ظلت أسهمه ترتفع مع مرور الأيام لظروف سياسية وإجتماعية وخاصة بعد وفاة أخيه السيد أحمد في عام 1928م وظهور طائفة الأنصار ككتلة واحدة بزعامة السيد عبد الرحمن المهدي .
تعاون السيد علي وسائر المراغنة تعاونا مخلصا مع الإنجليز في السودان حيث كان المراغنة لا يرون بديلا لحكم الإنجليز للسودان إلا المهدية التي أضرت بهم أو الحكم المصري المباشر الذي كانوا لا يريدونه وقد إستمر تعاون السيد علي مع الإنجليز حتى عام 1940م وقد كوفئ على ذلك بتسهيل طلباته وإستمرار الإعانة التي تدفع له والمكانة الإجتماعية والسياسية التي تمتع بها ولقد إعتبر السيد علي في دوائر الحكومة رجل السودان الأول وكان يقدم على كل السودانيين وقد أعطي النياشين ولقب سير وقد ترأس الوفد السوداني الذي ذهب إلى بريطانيا عام 1919م لتهنئتها على الإنتصار في الحرب العالمية الأولى وفي عام 1940م إختلفت الموازين فإنقلب السيد علي الذي كان متعاونا مع الإنجليز ومعارضا لوحدة وادي النيل ولنفوذ المصريين إلى جانب مصر ووحدة وادي النيل وإنقلب السيد عبد الرحمن المهدي الذي كان مطاردا إلى صف الإنجليز وصار صديقهم المفضل وعلاوة علي ذلك فقد أصبح السيد على الميرغني مقربا من أعضاء مؤتمر الخريجين وإنتخب رئيسا لحزب الأشقاء الذي كان يدعو للإتحاد مع مصر وإنتهت الجهود التي قام بها السيد الميرغني على مدار عقود من الإستعمار وقد رفض السيد على الميرغنى عروض عديدة من الامبراطورية البريطانية بأن يكون ملكا علي السودان وكذلك رفض عروضا مصرية بأن يكون رئيسا لإتحاد مصر والسودان وكان آخرها إبان زيارته لمصر قبل إنفصال السودان عن مصر والتي قابل فيها الرئيس الراحل اللواء محمد نجيب وحينها قال له إنه من الأفضل أن يكون السودان قائما بذاته لفترة ثم بعدها يكون البحث في إمكانية الوحدة مع مصر وقد إنتهت الجهود التي قام بها السيد علي الميرغني علي مدار عقود من الإستعمار والحكم الأجنبي بحصول السودان علي كامل إستقلاله دون إقتتال وكان أيضا سندا للإتحاديين وإختلف مع الرئيس السوداني إسماعيل الأزهري ولما إنقسم الحزب الإتحادي وقف مع حزب الشعب الديموقراطي وإلي جانب ذلك أنشأ جريدة صوت السودان وكان مهتما بالعلم وفي نهاية حياته أصيب السيد علي بداء في كليته فإستأصلت ولم يمكث بعدها طويلا حتى توفاه الله عام 1968م ودفن بمسجده العامر بالخرطوم بحري . |