بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
حارة الجداوى حارة تحمل إسم قائد مملوكي شهير لا يعرفه الكثيرون ولا يعرفون تاريخه حيث أنها تنسب الى الأمير حسن بك الجداوي زعيم المجاهدين كما وصفه الجبرتي أثناء مقاومته للإحتلال الفرنسي وتمتد هذه الحارة من خلف مديرية أمن القاهرة وخلف عمائر أوقاف تحت الربع حتى شارع الأشراقية بموازاة شارع تحت الربع والذى يقع بين باب زويلة وباب الخلق والذى تم إنشاؤه علي يد القائد الفاطمي جوهر الصقلي مع بنائه للقاهرة ليكون سكنا لعساكر البربر والسودان خارج أبواب القاهرة وكان يحمل إسم حارة السودان وفي عهد السلطان المملوكي الظاهر بيبرس تم تطوير الربع وتقسيم المساحة المحيطة به وذلك بعد أن شب فيه حريق وعرف بخط تحت الربع وكان ربعا كبيرا يشتمل على 120 مسكنا وهذا الشارع يعرف حاليا بشارع أحمد ماهر رئيس وزراء مصر ما بين شهر أكتوبر عام 1944م وشهر فبراير عام 1945م والذى تم إغتياله بالبرلمان ويعد في الوقت الحاضر قلعة لصناعة فوانيس رمضان كما أنه يشمل العديد من الآثار الإسلامية التي تبرز روعة وجمال وسمات العمارة المملوكية منها مسجد السلطان المؤيد شيخ وقصر الأمير المملوكي المتوكل وكان حسن بك الجداوي يطلب من الأغنياء مساعدة المجاهدين لشراء أسلحة وبارود وذخائر ومؤن وكل مستلزمات المقاومة وكان من يدفع منهم مالا يستهدف صيانة نفسه وذلك خوفا من إنتقام المقاومين الذين كانوا متترسين في منطقة بولاق بالقاهرة وضواحيها لذلك قال الجبرتي في عجائبه وأما المعلم يعقوب فإنه كرنك في داره بالدرب الواسع جهة الرويعي وإستعد إستعدادا كبيرا بالسلاح والعسكر المحاربين وتحصن بقلعته التي كان يشيدها بعد الواقعة الأولى وكان معظم حرب حسن بك الجداوي معه .
وكان حسن بك الجداوي من خشداشية أي من المقربين من محمد بك أبو الدهب وكان من الشجعان الموصوفين والأبطال المعروفين ولما إنفرد علي بك الكبير بحكم مصر ولاه إمارة جدة فلذلك لقب بالجداوي وذلك في عام 1184هـجرية الموافق عام 1770م وإبتلي فيها بأمور ظهرت بها شجاعته وعرفت فروسيته ثم عاد الى القاهرة وأقام فى منزله وهو أشبه بقصر به بستان خاص يصل الى الخليج المصرى موضع مديرية أمن القاهرة حاليا حوالي 10 سنوات وكانت أبرز معارك حسن بك الجداوى ضد الفرنسيين معركة بئر عنبر بين القائد الفرنسي لويس شارل أنطوان دوزيه أحد قادة الحملة الفرنسية الكبار من جهة وأهالي قفط المقاومين بقيادة حسن بك الجداوي من جهة أخرى والتي وقعت في يوم 2 أبريل عام 1799م ويقول المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي عن تلك المعركة إتجه الجنرال بليار إلى قنا بعد معركة أبنود قرب أسيوط في إنتظار المدد والذخيرة من الجنرال ديزيه ليواصل عملياته العسكرية ضد الأهالي والعرب والمماليك وكان قد وصل الجنرال ديزيه خبرعن كارثة السفن الفرنسية في معركة أبنود النيلية وبناءا على ذلك إتجه الجنرال ديزيه من أسيوط قاصدا قنا على رأس مجموعتين من الفرسان وفرقة مشاة وقرر أن يقوم بنفسه بقيادة العملية التي قررها بليار خصوصا بعد وصول مؤن وتعزيزات جديدة وفي قنا وضع الجنرال ديزيه ومعه الجنرال بليار خطة لهزيمة الأهالي ومن معهم وبناءا عليها شرع الجنرال ديزيه في توجيه قواته لسحق قوات حسن بك الجداوي وعثمان بك حسن الذين إنسحبوا بعد معركة أبنود إلى طريق القصير وكانت خطة الجنرال ديزيه قطع الطريق على رجال حسن بك الجداوي حتى لا يصلوا إلى النيل من أحد طريقين وهما طريق بئر عنبر وطريق حجازة قرب الجبل الشرقي ولذلك قام الجنرال ديزيه بحملة مكونة من 1500 جندي وسار بها إلى بئر عنبر بينما عهد إلى الجنرال بليار بإحتلال حجازة والتي إحتلها فعلا وإستطلع ديزيه خبر رجال حسن بك الجداوى فعلم أنهم مقبلون فإتجه بجنوده لملاقاتهم عند بئر عنبر حيث إلتقت القوتان وفشل ديزيه في تحقيق أي إنتصار على القوات المصرية بينما نجح المماليك بقيادة حسن بك في تحقيق نصر سريع خاطف ثم إنسحبوا من أرض المعركة تاركين خلفهم أرض المعركة مغطاة بجثث الضباط والجنود الفرنسيين حوالي 51 ضابط وجندي فرنسي من بينهم الكولونيل دوبلسيه أما عدد الجرحي فكان 43 فارسا وعدد 50 ضابط فرنسي .
ومن أشهر آثار حارة الجداوى حمام السلطان المملوكي المؤيد شيخ والذى أنشئ عام 823 هجرية الموافق عام 1420م علي يد السلطان المملوكى المؤيد أبو النصر شيخ المحمودي الجركسي الأصل والذى كان من البنائين الكبار للقاهرة المملوكية وكان قد قدم إلى القاهرة في أوائل عام 783 هـجرية الموافق عام 1381م فإشتراه محمود اليزدي تاجر المماليك ولذلك عرف بالمحمودي وقدمه إلى السلطان الظاهر برقوق وقت أن كان أتابكا أي قائدا للجند فأعتقه وعلمه الفروسية وعينه في جملة وظائف وفي عام 815 هجرية الموافق عام 1412م تولي ملك مصر حتي توفاه الله في شهر المحرم عام 824 هجرية الموافق شهر يناير عام 1421م وتتكون العمارة الخارجية لهذا الحمام من واجهتين حجريتين ظاهرتين الأولي تتوسطها من أعلاها قنديلية بسيطة ذات فتحتين سفليتين معقودتين بعقدين حدوديين تعلوهما قمرية دائرية وفى طرفها الجنوبى فتحة باب ذات عقد مدبب منكسر يحيط به إطار حجرى بارز والثانية تقع في الناحية الشمالية الغربية وتتوسطها من أعلي قنديلية بسيطة ذات فتحتين سفليتين معقودتين بعقدين حدوديين تعلوهما قمرية دائرية أيضا أما الواجهتين الآخريين فهما غير ظاهرتين وكانت تقوم فوق هذه الواجهات الحجرية الاربعة قبة آجرية تبدو مناطق إنتقالها الخارجية على هيئة مثمن أصم خال من التفاصيل المعمارية والزخرفية تعلوه رقبة أسطوانية بها 28 نافذة معقودة بعقود مدببة وكانت تعلوها قبة آجرية لم يعد لها وجود حاليا أما عمارته الداخلية فهى عبارة عن سلم هابط به أربع درجات حجرية تنتهى الى دركاة مستطيلة يغطيها قبو مدبب وفى ضلعها الشمالى فتحة باب تفضى الى فسقية مربعة كانت تغطيها قبة آجرية سقطت وفى الاركان الأربعة لهذه الفسقية أربعة أبواب متشابهة يفضى كل منها إلى حجرة مستطيلة يغلب على الظن أنها كانت تستخدم لحفظ أدوات الحمام ومتعلقات مستخدميه وتحيط بهذه الفسقية أربعة إيوانات ذات أقبية مدببة تعلوها قنديلية بسيطة ومن الجدير بالذكر أن هذا الحمام كان يطل على حارة المحمودية التى عرفت بحارة الأشراقية وأنه كان له بابان أحدهما بشارع تحت الربع وثانيهما بالحارة المشار إليها وكان أول حمامين انشأهما السلطان المؤيد شيخ بالقاهرة . |