بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
متحف إيمحوتب بسقارة يقع إلي يمين منطقة سقارة الأثرية وهو يضم أكثر من250 قطعة أثرية وقد أقيم هذا المتحف بسقارة تخليدا لذكري المهندس المعماري المصري القديم إيمحوتب وتكريما له بإعتباره أول وأشهر معماري في التاريخ وأول مهندس عرفته الإنسانية يمتلك تفكيرا معماريا واضحا وأول من وضع تصميما يتم تنفيذه علي سطح الأرض وليس بالإعتماد علي البناء التراكمي فكان هو أول من بني معبدا بالحجر في التاريخ المصري وأول من إستخدم الأعمدة في البناء وأول من بني هرما وقبله كانت المعابد تبني من البوص والخشب والطين وسعف النخيل ليس هذا فحسب بل كان أيضا هو أول من سقف المعابد بكتل من الحجارة وأول من شيد تمثالا فوق سطح الأرض ووضعه في مقصورة وقبله كانت التماثيل توضع تحت الأرض وفضلا عن ذلك كان هو أول من فكر في إقامة المقابر الهرمية في مصر ونفذ المجموعة الهرمية للملك زوسر ثاني ملوك الأسرة الثالثة الفرعونية عام 2620 ق.م مما أحدث ثورة في العمارة المصرية القديمة خاصة عندما قام بإستخدام الحجر لأول مرة وعلي نطاق واسع في بناء مجموعة هرمية متكاملة منذ ما يقرب من خمسة آلاف سنة وكان وقتها دفن الموتي يتم في باطن الأرض في مقابر من الطوب الطيني ولكن إيمحوتب قام بتصميم المقبرة الهرمية المدرجة للملك زوسر والذى يعد أضخم مبني حجرى في التاريخ حيث تبلغ أبعاد قاعدته 109 متر في 125 متر ويبلغ إرتفاعه 62 متر وهو يتكون من عدد 6 مصاطب تم بناؤها تباعا علي مدى حوالي 14 عاما ويبدو في بنائه التقنية العالية التي وصل إليها المصريون القدماء في فن تقطيع وتسوية الأحجار والبراعة في إختيار موقع بناء الهرم حيث التربة أسفله قوية ومتماسكة بحيث تتحمل الأحمال العالية الناتجة من وزن أحجار البناء وذلك فضلا عن أن كل مصطبة كانت تقل في السمك عن المصطبة التي تحتها نظرا لأن كل مصطبة يقل عدد ما تحمله من مصاطب كلما صعدنا إلي أعلي ومن ثم تقل الأوزان والأحمال عليها ومن ثم يقل سمكها ومن الملاحظ أن هذه التقنية هي نفسها التقنية التي ما زالت متبعة حتي وقتنا الحاضر في المباني متعددة الأدوار التي يتم تشييدها بنظام الحوائط الحاملة حيث تكون الحوائط سميكة في بداية المبني من أسفل وكلما صعدنا إلي أعلي بالبناء يتم تقليل سمكها وبعد الملك زوسر قام كل ملك فرعوني ببناء هرم خاص به من أجل حفظ جسده المحنط بعيدا عن أعين الناس وكانت مادة البناء دائما هي حجارة الآجر الطينية ذات الغلاف الحجري وقد إستغرق بناء كل منها أعواما عديدة نظرا لعدم وجود الآلات المتطورة في ذلك الزمان وبالإضافة إلي هذا الهرم قام إيمحوتب ببناء مجموعة متكاملة بجواره منها معبد الوادي الذي يجمع كل النبلاء والأمراء لدفن الملك ليبدأ السير منه إلي المعبد الجنائزي الذي يقام فيه التحنيط والشعائر ثم يتم السير بعد ذلك في الطريق الصاعد إلي الهرم للدفن في المقبرة .
ويتكون متحف إيمحوتب في سقارة من ست قاعات عبارة عن صالة طويلة بها قاعتان ثم 4 قاعات علي إمتداد الصالة علي الجانبين وتقع القاعة الأولي في مواجهة المدخل وتحتوي علي قاعدة تمثال للملك زوسر بالإضافة إلي وجود عدد 4 لوحات جرافيك تستعرض فن العمارة قبل وبعد إيمحوتب ولوحات إكتشفها العالم الأثري الفرنسي جان فيليب لوير ثم قاعة البعثات التي تضم حفائر من بعثات مختلفة وذلك في خمس فتارين للعرض ويوجد بالقاعة الآن نحو 62 قطعة أثرية وهي تمثال من المتحف المصري لآمون إم إييبت من حفائر البعثة الألمانية بسقارة وتابوت علي هيئة مومياء مغطي برقائق من الذهب الملون وهو مجموعة الطبيب قار موضوعة داخل فترينة مقسمة إلي صفين الأول يحتوي علي عدد 21 تمثالا برونزيا كلها لتماثيل الآلهة أكبرها تمثال لإيزيس والصف الثاني يحتوي علي عدد20 قطعة من موائد القرابين وأوان فخارية كلها من الفخار ما عدا ثلاث من الألباستر وخمس قطع من الحجر الجيري وهي عبارة عن تمثال للملك أبسماتيك من العصر المتأخر ولوحتين جنائزيتين وقطعتين من الحجر الجيري عليهما نقش ملون بالإضافة إلي مجموعة معروضة في فاترينة البعثة الفرنسية التي قادها المستكشف الفرنسي آلان زيفي وبها20 قطعة منها قناع من المتحف المصري أما القاعة الثالثة وتسمي سقارة ستايل فهي تضم عدد 76 قطعة أثرية منها60 آنية من الأواني مختلفة من الألباستر شست بالإضافة إلي لوحة من الحجر الجيري بها منظر لصناعة الألباستر وعدد 16 تمثال أغلبها من الدولة القديمة عدا تمثال واحد من الدولة الوسطي وأشهر القطع تمثال بتاح شبسس في هيئة القارئ وتمثال آخر داخل ناووس لرجل وزوجته وبالنسبة للقاعة الرابعة فهي تضم عدد 8 عناصر معمارية وهي جدران من الفسيفساء بطول 10 أمتار تم تجميعها من أكثر من مكان تشمل عنصر الكوبرا والأعمدة والسقف من الحجارة وعنصر الأرج وعمود وتمثال للملك زوسر فاقد الرأس من الحجر الجيري وتمثال صغير من البرونز لإيمحوتب ويظهر حليق الرأس ويرتدي قلادة ويمسك في يده بردية .
وتأتي بعد ذلك قاعة مقابر سقارة وهي تشمل عدد 9 فتارين يوجد بإحداها تابوت خشبي وتمثال وقارب كنموذج لمقبرة وحجرة الدفن وتوجد بها أيضا مجموعة من الأثاث الجنائزي موزعة في فاترينتين وقناع ملون من حفائر البعثة اليابانية وتمثال صغير للملك بيبي ونصوص الأهرام وبردية ومسلة ولوحة المجاعة وهي موجودة علي حامل في مواجهة مدخل القاعة ثم تأتي قاعة مكتبة لوير وهي تضم حاليا أكثر من عدد 300 كتاب منها دوريات ومطبوعات لهيئة الآثار المصرية كما تحتوي علي فاترينة بها متعلقات شخصية للعالم الأثري الفرنسي جان فيليب لوير منها بوصلة وكاميرا وصور فوتوغرافية خاصة كما توجد لوحات جرافيك تتحدث عن لوير وأعماله بسقارة وأما القاعة التي تم تخصيصها لبيان وشرح عملية الدفن فقد تم بها نحت شكل مقبرة كاملة وتضم تابوتا خشبيا وبعض بقايا الحفائر من الفخار والألباستر أو الأخشاب وأما المومياء الخاصة بهذه المقبرة فهي لمينب رع إبن الملك زوسر وقد تم عرضها في فاترينة خاصة تمت معالجتها للحفاظ علي هذه المومياء وعلاوة علي تلك القاعات فقد تم تخصيص قاعة للكتب الخاصة بمنطقة سقارة والمهندس للعالم لوير الفرنسي وكان هو المرمم للمجموعة الهرمية للملك زوسر وتضم المكتبة مجموعة كتب بثلاث لغات هي العربية والإنجليزية والفرنسية وفضلا عن ذلك توجد قاعة للتهيئة المرئية خارج المتحف تضم ماكيتا للمنطقة الهرمية بسقارة وشاشة للعرض السينمائي توضح منطقة آثار سقارة بالكامل وما تم بها من حفائر وبعض البازارات علي مساحة 200 متر مربع كما يوجد خلف المتحف مخزنان متحفيان مجهزان علي أعلي مستوي لتخزين آثار المنطقة بطريقة متحفية تسهل علي الدارسين البحث والدراسة ويؤكد علماء الآثار أن أهم تخطيط صممه المهندس إيمحوتب هو تلك الممرات أسفل الهرم التي تؤدي إلي حجرة الدفن لتضليل اللصوص ويبلغ طول هذه الممرات يبلغ 3 كيلو مترات وجدير بالذكر أن فكرة متحف إيمحوتب بسقارة كانت في البداية إقامة قاعة واحدة لعرض الترميم المعماري الذي تم في مجموعة من آثار الأسر الفرعونية القديمة لكن تطورت الفكرة بعد ذلك إلي إنشاء متحف متكامل يشتمل علي خدمات للسائحين علي مساحة 3 أفدنة أي حوالي 12 ألف متر مربع في طابق واحد بطراز عصري حديث لا يحاكيه أي طراز .
ولا يمكننا أن نتحدث عن منطقة سقارة وآثارها ومتحف إيمحوتب دون أن نذكر عالم الآثار الفرنسي الكبير جان فيليب لوير والذى قضي 70 عاما من عمره الطويل بين رحاب آثار سقارة وتم الإعتماد علي خريطته لشرح المنطقة الأثرية في سقارة وتم تخصيص قائمة ومكتبة بإسمه إضافة الي إستعراض كامل لأهم إكتشافاته الأثرية عرض فيه مكتبه الخاص وأدواته وصوره وإكتشافاته ومجموعة من الكتب التي يستطيع الزائر الإطلاع عليه وقد ولد هذا العالم الكبير في العاصمة الفرنسية باريس في السابع من شهر مايو عام 1902م وبدأ في عام 1926م يعمل لدى مصلحة الآثار المصرية في البحث في والتنقيب علي الآثار المصرية وكان من المفترض أن تكون مدة عمله في مصر ستة أشهر فقط فإذا به يبقى بها ثلاثة أرباع القرن يعمل بصفة مستمرة في سقارة حيث عاش فترة طويلة مع عائلته في منزل صغير في هذه المنطقة وأعاد خلال هذه المدة الطويلة مجموعة الملك زوسر الجنائزية بسقارة إلي الوجود من جديد عبر إعادة عشرات الآلاف من الكتل الحجرية إلى أماكنها الأصلية ويرجع إليه الفضل في وضع سقارة على قوائم الأماكن المستهدف زيارتها سياحيا بعد أن كان تاريخها مدفون كما أنه قام بترميم هرم زوسر المدرج وكان هو آخر علماء الآثار الأجانب الفرنسيين الأحياء الذين عملوا في هذا الحقل على غرار مؤسسه أوجوست مارييت وجاستون ماسبيرو وبيير لاكو وكانت وفاته في شهر مايو عام 2001م عن عمر يناهز 99 عاما هذا وتضم منطقة سقارة أيضا إلى جانب ذلك مقابر وجبانات من عصور وأسر مختلفة وجبانات لحيوانات السراييوم ومقابر صخرية ومقابر حور محب ومقابر الوزير الفرعوني في عهد إخناتون رعموزة ودير الأنبا أرميا القبطي ويقال إن كل هذا ليس سوى 12% من آثار سقارة بينما الباقي لم يكتشف بعد .
|