بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
شارع عثمان بن عفان هو أحد أهم وأطول شوارع ضاحية مصر الجديدة والتي تعد من أرقي ضواحي القاهرة وهو يمتد من تقاطعه مع شارع فريد سميكة شرقا ويسير غربا ليتقاطع أولا مع شارع عبد العزيز باشا فهمي ثم يمر بميدان تريومف الذى يلتقي عنده بشارعي النزهة ونخلة المطيعي ثم يستمر حتي يتقاطع مع شارع أبو بكر الصديق عند ميدان سفير ثم يمتد ليتقاطع مع شارع عمر بن الخطاب عند ميدان الإسماعيلية ثم يمتد لكي يمر بميدان صلاح الدين وينتهي بتقاطعه عند ميدان الأهرام مع شارعي بيروت والأهرام ومن أهم معالمه المسجد المعروف أيضا بإسم مسجد عثمان بن عفان وهو يقع عند تقاطع شارع عثمان بن عفان مع شارع عبد العزيز فهمي وينسب هذا الشارع إلي الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان الذى تم إختياره خليفة للمسلمين خلفا للخليفة الراشد الثاني الفاروق عمر بن الخطاب في آخر شهر ذي الحجة عام 23 هجرية وإستمرت فترة خلافته 12 سنة وبالتحديد حتي أواخر شهر ذي الحجة عام 35 هجرية وإسمه بالكامل هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو الملقب بقريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ويلتقي نسبه بنسب الرسول محمد صلي الله عليه وسلم عند الجد الثالث في عبد مناف وأمه هي أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وهي إبنة عمة النبي محمد صلي الله عليه وسلم فأمها هي البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم الجد الأول للنبي محمد صلي الله عليه وسلم وكان مولد عثمان بن عفان عام 576م بعد عام الفيل بست سنين وهو من بطن بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وكانوا من كبار سادات قريش وكان أبوه عفان بن أبي العاص إبن عم أبي سفيان بن حرب وكانت له شقيقة هي آمنة بنت عفان وبعد وفاة والده عفان والذى توفي في الجاهلية تزوجت أمه من عقبة بن أبي معيط الأموي القرشي وأنجبت منه ثلاثة أبناء وبنت هم الوليد بن عقبة وخالد بن عقبة وعمارة بن عقبة وأم كلثوم بنت عقبة فهم إخوة لعثمان من أمه وقد أسلمت أمه وماتت في خلافته وكان أحد الذين حملوها إلى قبرها في البقيع .
وكان عثمان غنيا شريفا في الجاهلية ومن أحكم قريش عقلا وأفضلهم رأيا كما كان محبوبا من قبلهم وهو لم يسجد لأي صنم طوال حياته كما أنه لم يشرب الخمر لا في الجاهلية ولا في الإسلام كما أنه كان على علم بمعارف العرب في الجاهلية من الأنساب والأمثال وأخبار الأيام وكان يعمل بالتجارة ورحل في تجارته إلى الشام والحبشة وعاشر أقواما غير العرب فعرف من أحوالهم وأطوارهم ما كان لا يعرفه غيره من قومه وكان أبوه قد ترك له تجارة واسعة نماها بكده وإجتهاده فأصبح من كبار الأثرياء كما أصبح يعد من رجالات بني أمية الذين لهم مكانة في قريش كلها وإشتهر بالكرم والجود ونال مكانة مرموقة في قومه ومحبة كبيرة وقد أسلم عثمان بن عفان حينما كان في الرابعة والثلاثين من عمره حين دعاه صديقه الحميم أبو بكر الصديق إلى الإسلام قائلا له ويحك يا عثمان واللَّه إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل هذه الأوثان التي يعبدها قومك أليست حجارة صماء لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع فقال بلى واللَّه إنها كذلك فقال له أبو بكر هذا محمد بن عبد الله قد بعثه اللَّه برسالته إلى جميع خلقه فهل لك أن تأتيه وتسمع منه فقال نعم فإصطحبه أبو بكر لكي يقابل الرسول فقال له حينما رآه أجب اللَّه إلى جنته فإني رسول اللَّه إليك وإلى جميع خلقه ويقول عثمان عن هذا الموقف فواللَّه ما ملكت حين سمعت قوله أن أسلمت وشهدت أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وأن محمدا عبد الله ورسوله فكان بذلك من السابقين الأولين وقبل دخول محمد بن عبد الله دار الأرقم وكان أول الناس إسلاما بعد أبي بكر وعلي بن ابي طالب وزيد بن حارثة فكان رابع من أسلم من الرجال وكان عثمان قد حدث له موقف عند عودته من الشام وقد قصه على النبي محمد حينما دخل عليه فقال عثمان يا رسول الله قدمت حديثا من الشام فلما كنا بين معان والزرقاء فنحن كالنيام فإذا مناد ينادينا أيها النيام هبوا فإن أحمد قد خرج بمكة فقدمنا فسمعنا بك وكان عثمان يكنى في الجاهلية أبا عمرو فلما تزوج من السيدة رقية بنت النبي محمد صلي الله عليه وسلم وزفّتها إليه أم المؤمنين خديجة بنت خويلد كان يقال لها حين زفت إليه أحسن زوجين رآهما إنسان رقية وزوجها عثمان وأنجب منها إبنه عبد الله فكناه المسلمون أبا عبد الله والذى مات صغيرا ولما توفيت السيدة رقية في السنة الثانية للهجرة حزن عليها حزنا شديدا وواساه النبي وزوجه من إبنته أم كلثوم ومن ثم كان عثمان يلقب بذي النورين لزواجه من إبنتي النبي محمد صلي الله عليه وسلم وهو يعد الرجل الوحيد في العالم وحتي قيام الساعة الذى إنفرد بالزواج من إبنتي نبي .
وبعد إعلان النبي محمد صلي الله عليه وسلم بدعوته في مكة قابل الصحابة أنواع عديدة من الأذى والتعذيب من قبل كفار قريش وكان من ضمنهم عثمان إذ عذب من قبل عمه الحكم إبن أبي العاص بن أمية الذي أخذه فأوثقه وقال أترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث والله لا أحلك أبدا حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين فقال عثمان والله لا أدعه أبدا ولا أفارقه فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه ولكن الأذى إشتد بالمسلمين جميعا وإشتد الأمر حين قتل ياسر وزوجته سمية فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين لَو خَرَجتم إِلَى الحبشَةِ فَإِن بِهَا ملكا صالحا لَا يظلم عنده أحد ومن ثم بدأت الهجرة فخرجوا من مكة حتى وصلوا ساحل البحر الأحمر ثم أمروا عليهم عثمان بن مظعون ووجدوا سفينتين فركبوا مقابل نصف دينار لكل منهم وعلمت قريش فأسرعت في تعقبهم إلى الساحل ولكنهم كانوا قد أبحروا وكان ممن هاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الأولى والهجرة الثانية عثمان بن عفان ومعه فيهما إمرأته رقية بنت رسول الله وكان وصولهم للحبشة في شهر رجب من السنة الخامسة من البعثة فوجدوا الأمن والأمان وحرية العبادة وقد تحدث القرآن عن هجرة المسلمين الأوائل إلى أرض الحبشة حيث قال تعالى في سورة النحل وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وقد نقل القرطبي قول قتادة أن المراد في هذه الآية أصحاب محمد صَلَى الله عليه وسلم الذين ظلمهم المشركون بمكة وأخرجوهم فلحقت طائفة منهم بالحبشة ثم بوأهم الله تعالى دار الهجرة وجعل لهم أنصارا من المؤمنين وقال تعالى أيضا في سورة الزمر قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ وقال إبن عباس إن المقصود هنا جعفر بن أبي طالب والذين خرجوا معه إلى الحبشة ولما أشيع أن أهل مكة قد أسلموا وبلغ ذلك مهاجري الحبشة أقبلوا حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن ما وصلهم من أنباء عن إسلام أهل مكة كان باطلا فدخلوا في جوار بعض أهل مكة وكان ممن رجع إلى مكة عثمان بن عفان وزوجته رقية وإستقر المقام بهما فيها حتى أذن الله بالهجرة إلى المدينة المنورة بعد بيعة العقبة الثانية .
وبعد أن إستقر المهاجرون في المدينة المنورة كان الماء العذب قليل وكانت هناك بئر في المدينة تسمي بئر رومة وكان يمتلكها رجل يهودى كان يبيع الماء لأهل المدينة مما كان يرهقهم فقال النبي صلي الله عليه وسلم من يشترى لنا بئر رومة وأضمن له مشربا في الجنة فبادر عثمان بن عفان دون أن يخبر أحدا وتفاوض مع اليهودى وإشترى منه البئر ووهبها لله ولرسوله وللمؤمنين يحصلون منها علي ما يلزمهم من ماء مجانا وفي العام الثاني للهجرة لما خرج المسلمون لغزوة بدر كانت السيدة رقية بنت رسول الله وزوجة عثمان مريضة بمرض الحصبة ولزمت الفراش في الوقت الذي دعا فيه رسول الله للخروج لملاقاة قافلة المشركين التجارية وسارع عثمان للخروج مع رسول الله إلا أنه تلقى أمرا منه بالبقاء إلى جانب زوجته رقية لتمريضها وإمتثل لهذا الأمر وبقي إلى جوارها إلى أن توفيت وجهزت ثم حمل جثمانها ودفنت في البقيع وفيما هم عائدون من دفنها إذ بزيد بن حارثة قد أقبل على ناقة رسول الله صلي الله عليه وسلم يبشر بسلامته ة وبإنتصار المسلمين علي المشركين في بدر وقتل وأسر عدد كبير منهم وبعد عودة الرسول محمد علم بوفاة إبنته رقية فخرج إلى البقيع ووقف على قبرها يدعو لها بالغفران وضرب النبي محمد لعثمان سهما من الغنائم حيث إعتبره مشاركا لهم في الغنيمة والفضل والأجر والثواب ولذا فقد قد عد عثمان من البدريين وفي العام الثالث للهجرة شارك عثمان في غزوة أحد وفي العام السادس للهجرة لما قصد النبي صلي الله عليه وسلم مكة المكرمة لأداء العمرة ومنعه أهلها من الدخول للحرم فنزل النبي محمد الحديبية ورأى أنه من الضروري إرسال مبعوث إلى قريش يبلغهم فيها نواياه السلمية بعدم الرغبة في القتال وحرصه على إحترام بيت الله الحرام وأن المسلمين جاءوا فقط لأداء مناسك العمرة ثم العودة إلى المدينة المنورة .
ووقع الإختيار على أن يكون المبعوث إلى قريش خراش بن أمية الخزاعي فلما دخل مكة أرادت قريش قتله فمنعهم الأحابيش فلما عاد أخبر الرسول بما صنعت قريش فأراد رسول الله أن يرسل سفيرا آخر فوقع الإختيار في بداية الأمر على عمر بن الخطاب فإعتذر عن الذهاب إليهم لأن قريش تكرهه وسوف لا يرحبون بقدومه ومن ثم ستفشل مهمته وأشار على رسول الله أن يبعث عثمان مكانه لأن له قبيلة تحميه من أذى المشركين حتى يبلغ رسالة رسول الله وقال لرسول الله إني أخاف قريشا على نفسي قد عرفت عداوتي لها وليس بها من بني عدي قومي وعشيرتي من يمنعني وإن أحببت يا رسول الله دخلت عليهم فلم يقل رسول الله شيئا فقال عمر ولكن أدلك يا رسول الله على رجل أعز بمكة مني وأكثر عشيرة وأمنع عثمان بن عفان فقبل النبي هذا الرأي وإستحسنه ودعا عثمان وقال له إذهب إِلى قريش فأخبرهم إنا لم نأت للقتال وإنما جئنا زوارا للبيت معظمين لحرمته ومعنا الهدي ننحره وننصرف فخرج عثمان بن عفان وقابله رجال قريش وقالوا له أين تريد فقال بعثني رسول الله إليكم يدعوكم إلى الله وإلى الإسلام تدخلون في دين الله كافة فإن الله مظهر دينه ومعز نبيه فقالوا له قد سمعنا ما تقول ولا كان هذا أبدا ولا دخلها علينا عنوة فإرجع إلى صاحبك فأخبره أنه لا يصل إلينا فقام إليه أبان بن سعيد بن العاص فرحب به وأجاره وعرض المشركون على عثمان أن يطوف بالبيت فأبى قائلا والله لا أطوف بالبيت حتي يطوف رسول الله وقام عثمان بتبليغ رسالة الرسول محمد إلى المستضعفين بمكة وبشرهم بقرب الفرج والمخرج وأخذ منهم رسالة شفهية إلى رسول الله جاء فيها إقرأ على رسول الله منا السلام إن الذي أنزله بالحديبية لقادر على أن يدخله بطن مكة وتسربت شائعة إلى المسلمين مفادها أن عثمان قتل فدعا رسول الله أصحابه إلى مبايعته على قتال المشركين ومناجزتهم فإستجاب الصحابة وبايعوه على الموت وقال النبي بيده اليمنى وهذه يد عثمان وضرب بها على يده اليسرى وكان عدد الصحابة الذين أخذ منهم الرسول المبايعة تحت الشجرة ألف وأربعمائة صحابي وما لبث المسلمون أن تأكدوا أن عثمان لم يقتل وإنتهي الأمر بعقد صلح الحديبية وأن يعود المسلمون إلي المدينة المنورة وأن يفدوا في العام القادم ويدخلوا مكة معتمرين ويمكثوا بها 3 أيام ثم يعودون إلي المدينة مرة أخرى .
وفي العام السابع للهجرة ومع زيادة عدد المسلمين في المدينة المنورة ضاق المسجد النبوى الشريف بالمصلين حيث كانوا يجتمعون فيه ليصلوا الصلوات الخمس ويحضروا خطب النبي ويتعلموا فيه القرآن وأمور دينهم فرغب النبي من بعض الصحابة أن يشتري بقعة بجانب المسجد لكي تزداد مساحة المسجد حتى يتسع لأهله فقال من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة فإشتراها عثمان بن عفان من ماله الخاص وأضيفت للمسجد ووسع ذلك على المسلمين وفي العام التاسع للهجرة ندب رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم الناس إلى الخروج لملاقاة الروم وحلفائهم من قبائل الغساسنة الذين تجمعوا في تبوك شمال شبه الجزيرة العربية والذين جاءت أخبارهم إلي المدينة المنورة بأنهم قد أعدوا جيشا ضخما لكي يهاجموا به المدينة المنورة ويقتحموا علي المسلمين دورهم وأعلمهم الرسول صلي الله عليه وسلم المكان الذي يريد ليتأهبوا لذلك تطبيقا للمبدأ الذى إستنه الرسول صلي الله عليه وسلم بعد غزوة الخندق بأن نهاجم عدونا ونحبط مخططه قبل أن يهاجمنا وألا نسمح له بالإقتراب من المدينة المنورة حصن الإسلام الحصين وبعث الرسول صلي الله عليه وسلم إلى مكة المكرمة والطائف وإلى جميع قبائل العرب يستنفرهم وأمر الناس بالصدقة وحثهم على النفقة والحملان خاصة وأن المسافة بعيدة بين المدينة وتبوك ولا بد من أن يكون من يخرج لديه راحلة فجاءوا بصدقات ومؤن وعتاد كثير ولكن كانت لا تكفي فصعد الرسول منبره ونادى في الناس من يجهز جيش العسرة وهو الإسم الذى أطلقه القرآن الكريم علي هذه الغزوة لأن الوقت كان صيفا والمؤن كانت شحيحة ولم تكن ثمار المدينة المنورة قد نضجت بعد فما كان من عثمان إلا أن قدم مائة بعير بكل ما تحمله من زاد وعتاد فنزل النبي صلي الله عليه وسلم درجة من منبره وكرر القول من يجهز جيش العسرة فزاد عثمان مائة بعير أخرى فنزل النبي صلي الله عليه وسلم درجة أخرى وكرر مقولته فزاد عثمان مائة بعير أخرى فدعا الرسول صلي الله عليه وسلم له وقال والله ما ضر عثمان ما فعل بعد ذلك فلما سمع ذلك من الرسول صلي الله عليه وسلم إستشرفت نفسه الإنفاق وزاد في العطاء وقام بمفرده بتجهيز ثلث الجيش بتسعمائة وأربعين بعيرا وبستين فرسا وكانت نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها .
وبعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم كان عثمان من الصحابة وأهل الشورى الذين يؤخذ رأيهم في كبرى المسائل في خلافة أبي بكر الصديق فقد كان عمر بن الخطاب للحزامة والشدائد وعثمان بن عفان للرفق والأناة حيث كان عمر وزيرا للخلافة في عهد الصديق أما عثمان فكان أمينها العام وكان رأيه مقدما عند الصديق فبعد أن قضى أبو بكر على حركة الردة أراد أن يحرر بلاد العراق والشام من الفرس والروم وأن يدعو أهل هذه البلاد إلي الإسلام فقام في الناس يستشيرهم فقال الألباب ما عندهم ثم إستزادهم أبو بكر فقال ما ترون فقال عثمان إني أرى أنك ناصح لأهل هذا الدين شفيق عليهم فإذا رأيت رأيا لعامتهم صلاحا فإعزم على إمضائه فإنك غير ظنين فقال كبار الصحابة علي وعبد الرحمن وطلحة والزبير وسعد وسعيد بن زيد ومن حضر ذلك المجلس من المهاجرين والأنصار صدق عثمان ما رأيت من رأي فأمضه ولما أراد الصديق أن يبعث واليا إلى البحرين إستشار أصحابه فقال عثمان إبعث رجلا قد بعثه رسول الله إليهم فقدم عليه بإسلامهم وطاعتهم وقد عرفوه وعرفهم وعرف بلاده وكان عثمان يقصد العلاء بن الحضرمي فبعث الصديق العلاء إلى البحرين ومما يذكر أنه في إحدى الفترات من خلافة أبي بكر الصديق حدث قحط وأزمة اقتصادية فإجتمع الناس إلى أبي بكر وقالوا السماء لم تمطر والأرض لم تنبت والناس في شدة شديدة فقال أبو بكر إنصرفوا وإصبروا فإنكم لا تمسون حتى يفرج الله الكريم عنكم فما لبث أن جاءت تجارة لعثمان من الشام تحمل طعاما فإجتمع الناس إلى باب عثمان فقرعوا عليه الباب فخرج إليهم عثمان وقال ما تشاءون قالوا الزمان قد قحط السماء لا تمطر والأرض لا تنبت والناس في شدة شديدة وقد بلغنا أن عندك طعاما فبعنا حتى نوسع على فقراء المسلمين فقال عثمان حبا وكرامة إدخلوا فإشتروا فدخل التجار فإذا الطعام موضوع في دار عثمان فقال يا معشر التجار كم تربحونني على شرائي من الشام قالوا للعشرة إثنا عشر فقال عثمان قد زادني قالوا للعشرة خمسة عشر فقال عثمان قد زادني قال التجار يا أبا عمرو ما بقي بالمدينة تجار غيرنا فمن زادك قال زادني الله بكل درهم عشرة أعندكم زيادة قالوا اللهم لا قال فإني أشهد الله أني قد جعلت هذا الطعام صدقة على فقراء المسلمين ويقول إبن عباس فرأيت من ليلتي رسول الله في المنام وهو على برذون أبلق الذي فيه سواد وبياض عليه حلة من نور في رجليه نعلان من نور وبيده قصبة من نور وهو مستعجل فقلت يا رسول الله قد إشتد شوقي إليك وإلى كلامك فأين تبادر قال يا إبن عباس إن عثمان قد تصدق بصدقة وإن الله قد قبلها منه وزوجه عروسا في الجنة وقد دعينا إلى عرسه ولما إشتد المرض بأبي بكر الصديق إستشار الناس فيمن يحبون أن يقوم بالأمر من بعده فأشاروا بعمر بن الخطاب وكان رأي عثمان في عمر اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته وأنه ليس فينا مثله فقال أبو بكر يرحمك الله يا عثمان والله لو تركته ما عدتك .
وبعد وفاة أبي بكر الصديق وتولي عمر بن الخطاب الخلافة كان عثمان ذا مكانة عند عمر فإذا أراد الناس أن يسألوا عمر في مسألة طلبوا الأمر من عثمان أو عبد الرحمن بن عوف وإذا لم يقدر هذان على الأمر طلبوا ذلك من العباس بن عبد المطلب عم الرسول صلي الله عليه وسلم وكانت مكانة عثمان في خلافة عمر بن الخطاب كمكانة الوزير من الخليفة فقد جاء في بعض الروايات بأنه هو الذي أشار على عمر بفكرة الديوان وكتابة التاريخ وكان ممن أيدوا رأي عمر في عدم تقسيم أرض الفتوح على الفاتحين وإبقائها فيئًا للمسلمين وللذرية من بعدهم ولما إتسعت الفتوحات وكثرت الأموال جمع عمر ناسا من أصحاب رسول الله ليستشيرهم في هذا المال فقال عثمان أرى مالا كثيرا يسع الناس وإن لم يحصوا حتى يعرف من أخذ منهم ممن لم يأخذ خشيت أن ينتشر الأمر فعمل عمر برأي عثمان وتم تدوين الدواوين وقد ذكرت بعض الروايات أن الذي أشار على عمر بجعل السنة الهجرية تبدأ بالمحرم هو عثمان وذلك أنه لما تم الإتفاق على جعل مبدأ التاريخ الإسلامي من هجرة النبي إختلفوا في أي الأشهر يجعل بداية للسنة فقال عثمان أرخوا من المحرم أول السنة وهو شهر حرام وأول الشهور في العدة وهو منصرف الناس من الحج فرضي عمر ومن شهده من أصحابه رأي عثمان وإستقر عليه الأمر وأصبح مبدأ تاريخ الإسلام ومما يذكر أنه من مظاهر ثقة عمر بن الخطاب الكاملة في عثمان بن عفان أنه لما إستخلف عام 13 هجرية بعد وفاة أبي بكر الصديق بعث تلك السنة على الحج عبد الرحمن بن عوف فحج بالناس وأذن عمر في تلك السنة لأمهات المؤمنين زوجات النبي صلي الله عليه وسلم في الحج فحملن في الهوادج وبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف فكان عثمان يسير على راحلته أمامهن فلا يدع أحدا يدنو منهن أو يمر عليهن .
وبعد وفاة عمر بن الخطاب تولي عثمان بن عفان الخلافة وكان عمر قد إختاره مع خمسة آخرين وكلهم من كبار الصحابة السابقين إلي الإسلام ومن العشرة المبشرين بالجنة والذين توفي النبي صلي الله عليه وسلم وهو عنهم راض وهم عبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله علي أن يجتمعوا ويختاروا من بينهم الخليفة وإنتهي الأمر بإختيار عثمان بن عفان وبعد إختياره خليفة لم يغير عثمان من سياسة عمر المالية وإن كان قد سمح للمسلمين بإقتناء الثروات وتشييد القصور وإمتلاك المساحات الكبيرة من الأراضي حيث كان عهده عهد رخاء على المسلمين وقام بتوجيه كتاب إلى الولاة وكتاب آخر إلى عمال الخراج وأذاع كتابا على العامة ضمنها عناصر السياسة المالية العامة والتي قامت على عدة أسس عامة وهي عدم إخلال الجباية بالرعاية وأخذ ما على المسلمين بالحق وإعطاء المسلمين ما لهم من حق من بيت مال المسلمين وأيضا أخذ ما على أهل الذمة لبيت مال المسلمين بالحق وإعطاؤهم ما لهم وعدم ظلمهم علي أن يتخلق عمال الخراج بالأمانة والوفاء وتفادي أية إنحرافات مالية أما عن الولايات فحينما تولى عثمان الخلافة أقر الولاة الذين كان قد تم تعيينهم من قِبل عمر بن الخطاب في ولاياتهم عاما كاملا كما أوصاه عمر وبعد ذلك أبقى البعض وعزل آخرين وعمل على التعيين في الولايات حسب الحاجة وذلك بعد الأخذ بمشورة الصحابة وفي عهده قام بضم بعض الولايات إلى بعضها بما رآه في مصلحة المسلمين فقد ضم البحرين إلى البصرة كما ضم بعض ولايات الشام إلى بعضها الآخر نتيجة لوفاة بعض الولاة أو طلب البعض منهم الإعفاء من العمل وقد كان دائم النصح لولاته بالعدل والرحمة بين الناس كما أنه حدد لهم معالم السياسة التي يجب أن يعملوا بها من إعطاء الحقوق للمسلمين ومطالبتهم بما عليهم من واجبات وإعطاء أهل الذمة حقوقهم ومطالبتهم بما عليهم من واجبات وبالوفاء حتى مع الأعداء وأن لا يكون همهم جباية المال وكان يكتب إلى ولاته ببعض التعليمات في الأمور المستجدة التي تتعلق بإدارتهم للولايات إضافة إلى كتبه للعامة والتي كان يصدر فيها تعليمات محددة يلتزم بها الجميع ومن ذلك إلزامه الناس في الولايات بالمصاحف التي كتبت في المدينة على ملأ من الصحابة وكان حريصاً على أن يتنافس الأمراء فيما بينهم في الجهاد وفتح بلدان جديدة وكان يشترط أحيانا بعض الشروط على الولاة ليضمن أن تصرفاتهم ستكون في صالح المسلمين .
وعن الفتوحات في عهد الخليفة عثمان بن عفان فقد فتحت العديد من البلدان وتوسعت الدولة الإسلامية توسعا كبيرا فقد فتحت في أيام خلافته أذربيجان وأرمينية وخراسان وكرمان وسجستان وبلاد النوبة وأفريقية وقبرص وقد أنشئ في عهده أول أسطول بحري إسلامي لحماية الشواطئ الإسلامية من هجمات الروم البيزنطيين وكان أعداء الإسلام بعد مقتل عمر بن الخطاب وخصوصا في بلاد الفرس والروم قد طمعوا في إسترداد السيطرة علي تلك البلاد فبدأ يزدجرد ملك الفرس يخطط لذلك في العاصمة التي كان يقيم فيها وهي مدينة فرغنة عاصمة سمرقند وأما زعماء الروم فكانوا قد تركوا بلاد الشام وإنتقلوا إلى القسطنطينية عاصمتهم وبدأوا في البحث عن الوسائل التي تمكنهم من إسترداد ملكهم وكانوا قد تحصنوا بالإسكندرية في عهد عمر بن الخطاب فطلب عمرو بن العاص منه أن يأذن له بفتحها وكان له ذلك وكانت معززة بتحصينات كثيرة وكانت المجانيق فوق أسوارها وكان هرقل إمبراطور الروم قد عزم علي أن يباشر القتال بنفسه ولا يتخلف أحد من الروم لأن الإسكندرية هي معقلهم الأخير وتمكن عمرو من فتحها وفي عصر عثمان تجمعوا مرة أخرى في الإسكندرية ونقضوا الصلح وإستعانوا بقوة الروم البحرية إلا أن المسلمين إستطاعوا أن ينتصروا عليهم ويطردونهم من البلاد وكانت المعسكرات في عهد عثمان تتوزع في عواصم الولايات الكبرى فمعسكر العراق كان مركزه الكوفة والبصرة ومعسكر الشام في دمشق ومعسكر مصر كان مركزه الفسطاط وكانت هذه المعسكرات تقوم بحماية الدولة الإسلامية كما تعمل على مواصلة الفتوحات فإذا ما تم الفتح دعوا أهل البلاد المفتوحة إلي الإسلام فمن دخل منهم الإسلام دخل ومن تمسك بديانته فله ذلك ولا يتم إكراهه علي الدخول في الإسلام حيث يقول الله تعالي لا إكراه في الدين .
وكان من أعظم الأعمال التي قام بها عثمان بن عفان خلال فترة خلافته الجمع الثاني للقرآن الكريم حيث مع إمتداد الفتوحات الإسلامية في قارتي آسيا وأفريقيا حدث أن إنتشر الإسلام في بلاد كثيرة ودخل فيه من لا يجيدون اللغة العربية لغة القرآن وتفرق الصحابة في تلك البلاد وتوفي الكثير منهم مما أدى إلى ظهور قراءات متعددة وإنتشرت لهجات مختلفة فكان الخوف من إختلاف كتابة القرآن الكريم وتغير لهجته وتغير بعض كلماته فجمع عثمان المسلمين على لغة قريش أي لهجة قريش وهي لهجة العرب حيث قدم حذيفة بن اليمان على الخليفة عثمان في المدينة المنورة وكان واليا علي أذربيجان وأرمينية منزعجا من إختلاف أهل تلك البلاد في القراءة وقال لعثمان يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب إختلاف اليهود والنصارى فجمع عثمان المهاجرين والأنصار وشاورهم في الأمر وفيهم عدد من أعلام وعلماء وكبار الصحابة وفي طليعتهم علي بن أبي طالب وعرض عثمان هذه المسألة وناقشهم فيها فأجابوه إلى رأيه بضرورة توحيد المصاحف والقراءات في كل الولايات ولم يعرف يومئذ لهم مخالف فأرسل عثمان إلى أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب والتي كانت لديها نسخة القرآن الكريم التي كتبت في عهد أبي بكر الصديق أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها السيدة حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت الأنصارى وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا إختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شئ من القرآن فإكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل ولاية بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف عند أي شخص أن يحرق وقد إختلف في عدد المصاحف التي فرقها في الولايات فقيل إنها أربعة وهو الذي إتفق عليه أكثر العلماء وقيل إنها خمسة وقيل إنها ستة وقيل إنها سبعة وقيل إنها ثمانية وأما كونها ثمانية فإن الثامن كان لعثمان يقرأ فيه وهو الذي قتل وهو بين يديه وفضلا عن هذا العمل قام عثمان بن عفان أيضا بتوسعة كل من المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوى الشريف بالمدينة المنورة .
وخلال النصف الثاني من فترة خلافة عثمان بن عفان بدأت تطل فتنة إستعر أوارها يوما بعد يوم أدت في النهاية إلى إستشهاده وكان من بين أسباب تلك الفتنة إنتشار الرخاء في عهده وأثره في المجتمع وطبيعة التحول الإجتماعي وظهور جيل جديد غير جيل كبار الصحابة بعد وفاة الكثير منهم مثل عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود والعباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن حرب بالإضافة إلى إنتشار الشائعات والعصبية الجاهلية وعلو صوت المنافقين الذين وجدوا من يستمع إليهم علاوة علي المؤامرات الخارجية التي كانت تحيكها بقايا إمبراطوريتي الفرس والروم ووفق معتقد أهل السنة كان المدبر الرئيسي للفتنة هو شخص يسمي عبد الله بن سبأ الذي كان يهوديا وأظهر الإسلام في عهد عثمان والذى حرض مجموعة من الثوار الذين ثاروا علي عثمان على محاصرته في داره وتم تزوير كتاب علي أنه صادر منه ورد فيه بأنه يريد قتلهم بعد أن أعطاهم الأمان على أنفسهم وعندما إشتد أمر أهل الفتنة وتهديدهم للخليفة بالقتل تحرك الصحابة لردهم وقتالهم وهو ما رفضه عثمان وأمر بألا يرفع أحد السيف للدفاع عنه وأن لا يقتل أحد بسببه في مدينة رسول الله فقد كان يعلم بأنهم لا يريدون أحدا غيره فكره أن يتوقى بالمؤمنين وأحب أن يقيهم بنفسه ولعلمه بأن هذه الفتنة فيها قتله فعن عبد الله بن حوالة أن رسول الله محمد قال من نجا من ثلاث فقد نجا ثلاث مرات موتي والدجال وقتل خليفة مصطبر بالحق معطيه وعن إبن عمر قال ذكر رسول الله فتنة فمر رجل فقال يقتل فيها هذا المقنع يومئذ مظلوما قال فنظرت فإذا هو عثمان بن عفان وكان أن هاجم المتمردون دار عثمان وأصيب في ذلك اليوم أربعة من شبان قريش وقتل منهم أربعة ثم هجموا على الخليفة عثمان بن عفان وكان قد أصبح صائما فقتلوه فسقط شهيدا رضي الله عنه وهو يقرأ في المصحف فإنتضح الدم على قوله تعالى في سورة البقرة فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وكان ذلك في يوم الجمعة الموافق 18 من شهر ذي الحجة عام 35 هجرية وعمره إثنتان وثمانون سنة ودفنه علي بن أبي طالب ليلة السبت بين المغرب والعشاء بالبقيع .
|