بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
ميدان تريومف هو أحد أكبر وأشهر وأهم ميادين ضاحية مصر الجديدة التي تعد من أرقي ضواحي القاهرة وكلمة تريومف كلمة فرنسية تعني النصر وهو أحد الميادين بتلك الضاحية التي تحمل أسماء أجنبية والتي منها أيضا ميدان روكسي وميدان هليوبوليس وميدان سانت فاتيما حيث كانت تسمي الميادين والشوارع في بداية تأسيس الضاحية بأسماء أجنبية ومع مرور الزمن بدأت تسمي الميادين والشوارع بأسماء عربية مثل ميدان الأهرام وميدان صلاح الدين وميدان سفير وميدان الإسماعيلية وشارع أبو بكر الصديق وشارع عمر بن الخطاب وشارع عثمان بن عفان وشارع الإمام علي بن أبي طالب وشارع السيد الميرغني وشارع هارون الرشيد ويتميز هذا الميدان بشكله الدائرى وبأنه تلتقي عنده عدد 3 شوارع رئيسية كبيرة من شوارع الضاحية هي شارع عثمان بن عفان وشارع النزهة وشارع نخلة المطيعي وما لايعرفه الكثيرون أن هذا الميدان قد تغير إسمه مرتين كانت المرة الأولي في أواخر السبعينيات من القرن العشرين الماضي عندما أصبح إسمه ميدان الشهبانو وهي فرح ديبا زوجة شاه إيران السابق محمد رضا بهلوى الذى إستضافته مصر بعد قيام الثورة الإيرانية عام 1979م ثم غيرت محافظة القاهرة إسمه في عام 2003م ليصبح ميدان الملك الحسين بن طلال الملك السابق للملكة الأردنية الهاشمية إلا أن قاطنى مصر الجديدة وروادها خاصة سكانها القدامي لم يعترفوا بهذين التغيرين ولا بالإسمين الجديدين له ومازالوا يطلقون عليه إسمه الأصلي ميدان تريومف وقد قامت المملكة الأردنية حينذاك بنقل أحد الأعمدة الأثرية الرومانية الحقيقية والذى يعود تاريخه إلي القرن الثاني الميلادي خصيصا من مدينة جرش الأثرية إلى هذا الميدان بالإضافة إلي مجسم معدني يتزين بشعار المملكة الأردنية الهاشمية والعلم الأردني محاطا بسنابل القمح وقد حفر عليه عبارة نصها من ثنايا القلب عهد من الوفاء للحسين وكان هذا المجسم موجودا في السابق على دار رئاسة الوزراء في جبل عمان بالعاصمة الأردنية عمان قبل أن يتم نقله إلى القاهرة وفي هذا المجسم التذكاري الذي يتوسط الميدان توجد كتابة نصها المملكة الأردنية الهاشمية تقديم من جلالة الملك عبد الله الثاني إبن الملك الحسين بن طلال وشعب المملكة الأردنية الهاشمية إلى سيادة الرئيس محمد حسني مبارك وشعب جمهورية مصر العربية ذلك وفاء للمغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال .
تم إفتتاح الميدان بمسماه الجديد في العام المذكور 2003م بمشاركة الدكتور عبد الرحيم شحاتة محافظ القاهرة آنذاك والدكتور هاني الملقي سفير الأردن بالقاهرة في إحتفال كبير ضم كبار المسؤولين المصريين وأعضاء السلك الدبلوماسي الأردني وذلك في إطار التعاون الأخوي بين البلدين الشقيقين والحرص من جانب قيادتي البلدين على تدعيم أواصر الصداقة والمحبة بين الشعبين المصرى والأردني وفي هذا اليوم صرح السفير الأردني بأن الميدان يجسد معاني العلاقات الأخوية التي تجمع بين قيادتي وشعبي البلدين الشقيقين وأن الميدان قد أصبح معلما يحفل بالروعة والعراقة من حيث ما يتضمنه من آثار رومانية إستقدمت خصيصا من مدينة جرش بالاضافة للمجسم المعدني واللذان تحيط بهما الأزهار والخضرة اليانعة على مدار السنة في ظل الرعاية الدائمة من الجهات المختصة في ضاحية مصر الجديدة والتعاون الرائع بهذا الخصوص مما يجسد خصوصية العلاقة الأخوية بين البلدين الشقيقين ومما يذكر أنه في العام الماضي 2020م تم تطوير هذا الميدان وزراعة عدد 110 شجرة إلى جانب نشر المسطحات الخضراء وأحواض الزهور به وذلك ضمن الخطة الموضوعة من أجل عودة شوارع منطقة مصر الجديدة إلى سابق عهدها خاصة مع المحاور الجديدة التى يتم إنشاؤها والتي ساهمت إلي حد كبير في إحداث سيولة مرورية فى المنطقة وقد شملت أيضا أعمال التطوير في الميدان رفع كفاءة الجداريتين والمسلة والسنبلة الموجودين بالميدان وهى الأعمال المهداة من المملكة الأردنية الهاشمية لمصر فى عام 2003م بإشراف وزارة الثقافة وأساتذة كلية الفنون الجميلة كما أن حي النزهة المتواجد في نطاقه الميدان قام أيضا بطلاء العقارات المحيطة به كما تم تغيير أعمدة الإنارة والكابلات الكهربائية ورفع كفاءة المنطقة المحيطة به .
والملك الحسين بن طلال بن عبد الله الأول الهاشمي الذى سمي بإسمه ميدان تريومف ولد في يوم 14 نوفمبر عام 1935م في العاصمة الأردنية عمان ليكون أكبر أبناء الأمير آنذاك طلال بن عبدالله وهو ثالث ملوك المملكة الأردنية الهاشمية وقد بدأ دراسته في عمان في الكلية العلمية الإسلامية ثم إلتحق بكلية فيكتوريا بمدينة الإسكندرية ثم أكمل تعليمه في الخارج بالمملكة المتحدة وبعد أن تولى والده الملك طلال حكم المملكة الأردنية الهاشمية عام 1951م خلفا لأبيه الملك عبد الله الأول بعد إغتياله في ساحة المسجد الأقصى بالقدس سمي وليا للعهد وفي العام التالي 1952م عزل مجلس النواب الأردني الملك طلال بعد عام من توليه الحكم نظرا لمرضه آنذاك مما حدا بالمجلس لتعيين مجلس وصاية على العرش حتى يبلغ الحسين السن الدستورية للحكم إذ اعتلى العرش وهو يبلغ من العمر سبعة عشر عاما فقط والتي بلغها في يوم 2 مايو عام 1953م وقد حكم الحسين الأردن بالنظام الملكي الدستوري وكانت فترة حكمه لبلاده هي الأطول حتي الآن بين أفراد أسرته الذين توجوا ملوكا للأردن أو للعراق منذ عام 1920م وقد بدأ عهده بما إصطلح على تسميته تجربةً ليبرالية إذ سمح في عام 1956م بتشكيل أول حكومة برلمانية منتخبة في تاريخ الأردن ولكن بعد شهورٍ قليلة على تلك التجربة أجبرَ الحسين تلك الحكومة التي كانت برئاسة سليمان النابلسي على الإستقالة حيث أعلن الأحكام العرفية وحظر الأحزاب السياسية وكانت الأردن عندما تولي حكمها الملك الحسين لاتزال دولة فتية حديثة تحكم الضفة الغربية لنهر الأردن أيضا ونتيجة لحرب عام 1948م فقد كانت المملكة الأردنية ملاذا لأعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينين الفارين من الحرب هذا ويعد البعض الأردن بأنه بلد محدود الموارد الطبيعية فيما يرفض آخرون هذا الرأي ويرون أنه بلد غني بموارده المتنوعة وبمقاصده السياحية المشهورة .
جدير بالذكر في تلك المرحلة وبعدها أن الملك الحسين قاد بلده خلال أربعة عقود من الحروب والأزمات في الصراع العربي الإسرائيلي والحرب الباردة بنجاح موازنا بين الضغوط التي كانت على الأردن من قبل القوميين العرب والإتحاد السوفيتي والدول الغربية والكيان الإسرائيلي حيث أدى ذلك إلى تحول الأردن في نهاية 46 عاما من عهده إلى دولة حديثة مستقرة ومما يذكر أنه بعد عام 1967م م بذل الحسين جهودا متزايدة لأجل حل القضية الفلسطينية وقام بدور الوساطة بين الأطراف المتعددة المتنازعة في منطقة الشرق الأوسط مما أظهره بمظهر صانع السلام وعلى الرغم من تعرض الملك الحسين لعدد كبير من محاولات الإغتيال والإنقلاب عليه يذكر إلا أنه قد نجا منها جميعا ومما يذكر أن الأردن في عهد الملك الحسين كان قد دخل في ثلاثة حروب مع الكيان الإسرائيلي كان أبرزها حرب الأيام الست عام 1967م والتي إنتهت بفقدان الأردن لثلاث محافظات منه كانت تشكل ما يعرف بإسم الضفة الغربية لنهر الأردن وفي عام 1970م حدث صدام عنيف بين الجيش الأردني وفصائل المقاومة الفلسطينية التي كانت تتخذ من الأردن قاعدة لها بعدما شعر المسؤولون في البلاد بتنامي سلطتهم التي تهدد أمن الأردن والسلم الإجتماعي فيه وأنهم يمثلون دولة داخل الدولة وإنتهي هذا الصدام بخروج مقاتلي المنظمات الفلسطينية من الأردن فيما إصطلح عليه فلسطينيا بإسم أيلول الأسود وأردنيا بإسم فترة الأحداث المؤسفة وفي عام 1988م أعلن الحسين قرار فك الإرتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية المحتلة متنازلا عن السلطة الرسمية والشرعية فيها لصالح منظمة التحرير الفلسطينية التي عدتها جامعة الدول العربية في قمة الرباط الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين وتبع ذلك إعتراف دولي بالمنظمة فيما عده كثيرون في الأردن غير دستوري حيث تنازلت المملكة بذلك عن أراض أردنية بنص دستورها الصادر عام 1952م وفي عام 1989م رفع الملك الأحكام والقوانين العرفية معيدا الإنتخابات مجددا وذلك بعد الإنتفاضة التي شهدها الأردن خصوصا في الجنوب على إرتفاع أسعار الخبز فيما عرف شعبيا وإعلاميا بإسم إنتفاضة أو هبة نيسان وبعد توقيع إتفاقية أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل وفي عام 1994م أصبح الملك الحسين الزعيم العربي الثاني بعد الرئيس المصرى أنور السادات الذي وقع إتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979م الذي يوقع على معاهدة سلام مع إسرائيل والتي إشتهرت بإسم معاهدة وادي عربة رغم الرفض الشعبي العارم لها وأخيرا كانت وفاة الملك الحسين عن عمر يناهز 64 عاما بمرض السرطان الذى كان يعالج منه في الولايات المتحدة في يوم 7 من شهر فبراير عام 1999م وتعد جنازته الأكبر في التاريخ من حيث عدد الزعماء الدوليين الذين حضروها منذ عام 1995م وقد خلفه في الحكم إبنه الأكبر الأميرآنذاك عبد الله بن الحسين الذي أصبح إسمه الملك عبد الله الثاني بن الحسين والذى ما يزال ملكا علي المملكة الأردنية الهاشمية حتي وقتنا الحاضر .
|