بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
الدكتور أحمد فخرى أستاذ جامعي ومستكشف وعالم آثار مصري يعد من رواد دراسات تاريخ الشرق الأدنى القديم وقد تتلمذ على يديه أجيال وأجيال من علماء الآثار المصريين ولم يكتف بعمله داخل جدران الجامعة فقط حيث شارك في العديد من أعمال الحفائر والإستكشافات ولذا فهو يعد واحدا من أبرز علماء المصريات ويعرف بإسم راهب الصحراء نظرا لأنه عشق الصحراء الغربية وقاد العديد من الإكتشافات بها خاصة فى الواحات الخارجة والبحرية وسيوة وأثمرت حفائرة عن إكتشاف تاريخ جديد للمنطقة ظل مجهولا آلاف السنين ومهد الطريق لإكتشافات الدكتور زاهي حواس من بعده في منطقة وادي المومياوات الذهبية في الواحات البحرية ومنطقة سن العجوز بهضبة أهرام الجيزة ولم تقتصر أبحاث وإستكشافات مجهودات الدكتور أحمد فخري علي مصر فقط بل إمتدت إلي اليمن والتي اقام فيها مجموعة من الحفائر والدراسات الناجحة لإعادة إكتشاف آثار وتاريخ وحضارة اليمن القديمة بالإضافة إلى إشرافه على العديد من المعارض الخارجية للآثار المصرية وعلاوة علي ذلك كان للدكتور أحمد فخري إنتاجا علميا ضخما وغزيرا تنوع بين التأليف والترجمة وتعد مؤلفاته وكتبه ركيزة أساسية لأى مكتبة آثار عربية حيث ترك لنا أمهات الكتب التي يعتمد عليها كل طلبة ودارسي الآثار مثل الأهرامات المصرية ومصر الفرعونية والواحات البحرية وواحة سيوة ودراسات في تاريخ الشرق القديم وبين آثار العالم العربي واليمن ماضيها وحاضرها ورحلة أثرية إلى اليمن كما قام بترجمة كتاب إنتصار الحضارة وشجرة الحضارة وكتاب تاريخ الشرق الأدنى والذى كان من تأليف المستكسف وعالم الآثار والمصريات والمؤرخ الأميريكي جيمس هنري برستد وكتاب قصة الإنسان منذ فجر ما قبل التاريخ حتي بداية العصر الحديث والذى كان من تأليف رالف لنتون الكاتب والعالم الأميريكي المعروف في مجال الأنطروبولوجيا أي علم دراسة الإنسان .
وكان مولد العالم الجليل الأستاذ الدكتور أحمد فخرى في يوم 21 مايو عام 1905م بالفيوم وكانت وفاته في يوم 7 يونيو عام 1973م عن عمر يناهز 68 عاما وبين التاريخين أفني الدكتور أحمد فخرى عمره في خدمة الآثار المصرية والتي بدأ رحلته معها بعد أن حصل على دبلوم علم المصريات من جامعة فؤاد الأول عام 1928م وإستكمل تعليمه في برلين على يد عالم المصريات الألماني كورت زيته وتابع دراسته في بروكسل على يد عالم الآثار والمصريات البلجيكي جيان كابارت وأنهاها في ليفربول بإنجلترا وبعد عودته إلي مصر عين في مصلحة الآثار المصرية عام 1930م كما أنه بدأ حياته في السلك الجامعي في تدريس مادة التاريخ القديم بكلية الآداب بجامعة القاهرة وتتلمذ علي يديه الكثير من علماء الآثار المصريين الذين برزوا منذ حقبة الأربعينيات من القرن العشرين الماضي أبرزهم الأستاذ الدكتور عبدالعزيز صالح الذى كان من رواد علم المصريات والذى منح علم المصريات ملامح قومية بصورة كبيرة فقد كانت شجاعته تكمن فى أن مؤلفاته التى حملت آراء جديدة بل وفيرة كتبت بلغة عربية رصينة ولم يقلد غيره فى الكتابة بلغة أجنبية ثم ترجمة ما يكتب إلى العربية أو يكتب بلغة اجنبية ويتجاهل حق المصريين في معرفة تاريخهم الوطني وكان من تلاميذه أيضا الأستاذ الدكتور علي رضوان أستاذ التاريخ والحضارة المصرية القديمة بكلية الآثار بجامعة القاهرة والحاصل على جائزة الدولة التشجيعية فى الآثار عام 1983م وعضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية والذى حصل على الدكتوارة فى الآثار المصرية القديمة فى شهر يوليو عام 1968م من جامعة ميونيخ بالمانيا وشغل منصب رئيس قسم الآثار المصرية القديمة بكلية الآثار بجامعة القاهرة ما بين عام 1980م وعام 1987م ثم منصب عميد كلية الآثار بها ما بين عام 1987م وعام 1993م ولم يكتف الدكتور احمد فخرى كما ذكرنا في السطور السابقة بمنصبه الجامعي فنجده قد رافق عالم الآثار المصري وعميد الآثريين المصريين سليم حسن صاحب موسوعة مصر القديمة ذلك العمل الذي يتكون من 16 جزءا ولم يمهله القدر لكي يستكملها وإشترك معه في بعثة حفرياته وبعثاته العلمية بمنطقة أهرامات الجيزة وسقارة والأقصر التي كان قد بدأها سليم حسن في عام 1928م وإستمرت حتي عام 1939م وذلك خلال عام 1931م وعام 1932م وبعد ذلك إنطلق الدكتور أحمد فخرى إلي الصحراء الغربية محبوبته حيث الواحات البحرية وواحة سيوة والوادى الجديد لكي يجرى بها أعمال الحفائر والإستكشافات بمفرده والتي أدرك من خلالها قيمة التراث غير المادي وإرتباطه الوثيق بعلوم الآثار فقام بدراسة تعد من الدراسات الفريدة من نوعها عن عادات وتقاليد أهل الواحات بل قرر أن يعود إلى القاهرة ممتطيا الوسائل التقليدية وهي الجمال
وكان من أهم إستكشافات الدكتور فخرى ما يلي :-
-- معابد عين المفتلة بالواحات البحرية وهي عبارة عن أربعة معابد أو مقاصير كل مقصورة منها مستقلة عن الأخرى وهي تعود إلى عصر الأسرة السادسة والعشرين الصاوية والتي حكمت مصر من عام 664 ق.م حتي عام 525 ق.م وإتخذت من مدينة سايس أو صاو وهي قرية صالحجر الحالية بمركز بسيون بمحافظة الغربية عاصمة لها وقد أشرف على بناء هذه المقاصير الكاهن شبن خونسو ثم أكملها من بعده حاكم الواحات البحرية جد خونسو إيوف عنخ فى عهد الملك أحمس الثانى المعروف بإسم أمازيس وقد بنيت هذه المقاصير من كتل من الحجر الرملى وكسيت جدرانها بطبقة رقيقة من الملاط وإستخدم فى نقشها أسلوب النقش الغائر وكان قد تم إكتشاف أول مقصورة منها في عام 1901م علي يد عالم الآثار الألماني جورج إشتيندورف ولما قام الدكتور أحمد فخرى بالعمل في الموقع إكتشف المقاصير الثلاثة الأخرى في النصف الأول من القرن العشرين الماضي وقد بنيت هذه المقاصير من كتل من الحجر الرملى وكسيت جدرانها بطبقة رقيقة من الملاط وإستخدم في نقشها أسلوب النقش الغائر وتم إعادة إستخدام العديد من كتل تلك المقاصير ومن ثم فُقد العديد من نقوشها ويلاحظ أن تخطيط المقاصير بسيط وتصميمها المعمارى غير مميز وهي تقع أعلي هضبة رملية مرتفعه علي مقربة من مدينة الباويطي عاصمة الواحات البحرية وتطل هذه الهضبة على مناطق زراعية محاطة بمجموعة من الجبال والهضاب وقد سميت تلك المنطقة بعين المفتلة نظرا لقربها من عين مياه تسمى بعين المفتلة تقع إلى الشمال الشرقى من المقاصير وهى تعد من أهم عيون المياه الطبيعية في منطقة الواحات البحرية . -- مقبرة هضبة السوبي وتم إكتشافها بواسطة الدكتور أحمد فخرى أيضا في النصف الأول من القرن العشرين الماضي وكان مدخل هذه المقبرة قد طمس وأصبح إيجادها متعذرا إلا أنه قد تم مؤخرا إعادة إكتشاف هذه المقبرة الموجودة أسفل منازل الأهالي في مدينة الباويطى وقد عثر علي مقابر أخرى لم يتحدث عنها الدكتور أحمد فخري من قبل حيث قامت البعثة بالنزول الي نفق أرضي بعمق أكثر من 12 مترا ووجدت العديد من المقابر الملونة التي تؤرخ بعصر الأسرة السادسة والعشرين الصاوية أيضا .
-- مقبرة ومعبد زد خنسو أف عنخ حاكم إقليم الواحات البحرية ويعود تاريخها إلي عصر الفرعون أحمس الثاني من الأسرة السادسة والعشرين الصاوية وقد إكتشفها الدكتور أحمد فخري في النصف الأول من القرن العشرين الماضي .
– في واحة سيوة زار الدكتور أحمد فخرى بقايا معبد أم عبيدة والذى يقع على بعد مئات الأمتار الى الجنوب الشرقى من معبد الوحى الشهير فى منطقة أجورمي بسيوة وكان يربط بينهما طريق معبد وقد وجد الدكتور فخرى هذا المعبد فى حالته الراهنة أى لم يتبق منه سوى جدار واحد فقط وذلك بسبب إستخدامه كمحجر فى وقت من الأوقات وكذلك كجبانة فى بعض أجزاءه لكنه إستطاع أن يتخيل تخطيط المعبد حيث كان يبدأ بصالة ذات دعامات أو فناء مفتوح يقع خلفها الجزء الداخلى من المعبد والذى يطلق عليه فى اللغات الأوروبية بروناوس ثم المقصورة الرئيسية كما كان يوجد أمام المعبد وداخل السور المحيط بقايا مبنى من الألاباستر وقد عثر على واحدة من كتل هذا المبنى وقد زينت جوانبها الأربعة بشكل لرأس آدمية ذات قرون وزار الدكتور فخرى أيضا معبد الزيتون بواحة سيوة وهو يقع وسط المنازل التى تقع على بعد حوالى ٢ كيلو متر جنوب شرق عين الزيتون وقد أقام الأهالى منازلهم حول وفوق المعبد وقد وصفه الدكتور فخرى بأنه يعد معبدا ضخما قياسا بباقي معابد الواحة وقد تم بناؤه بكتل من الحجر المقطوع بعناية وحجم مناسب وكانت معظم أجزاءه وقت زيارة الدكتور فخرى مختفية داخل المنازل لدرجة أنه قال إنه لايمكن وضع تخطيط كامل للأثر الآن بدون إزالة بعض المنازل ومن أكثر أجزاء المعبد حفظًا الجزء الذى يقع داخل المنزل الذى كان يسكنه رجل من كبار سكان الواحة يدعي سيدى رضا السنوسى ويبدو أن هذا الجزء هو الذى نقل تخطيطه الدكتور أحمد فخرى وهو يتكون من حجرتين غير مزخرفتين ومبنيتين بكتل من الحجر الجيرى ويوجد فى الجدار الأيسر للحجرة الأولى فتحة بالقرب من السقف كانت تستخدم للإضاءة طولها حوالى 50 سم وإرتفاعها حوالى 20 سم كما يزين عتب الباب المؤدى إلى الحجرة الثانية قرص الشمس المجنح يزينه حيتا الكوبرا ولكن نقشه لم يكتمل وتوجد على كل جانب من جانبى المدخل فجوة ربما كانت تستخدم لوضع تمثال صغير أو مسارج للإضاءة وللحجرة سقف مقبب ولا تزال جدران المعبد باقية فى أماكنها لكن لاتوجد زخارف من أى نوع على هذه الأحجار ومما يذكر أنه قد سقطت قنبلتان على بعض المنازل المشيدة فوق سطح المعبد خلال الحرب العالمية الثانية لكن لحسن الحظ لم يسقط سقف المعبد .
-- مقابر المزوقة وهي تقع على مسافة 5 كيلو متر من قرية القصر وعلى بعد حوالي 37 كيلو متر من مدينة موط العاصمة القديمة للواحات الداخلة بالوادى الجديد ولها طريق ممهد وهى عبارة عن جبانة ترجع إلى العصر الرومانى وتضم مقابر منحوتة فى الصخر وعليها نقوش زاهية تمثل خيرات الواحات ومنها إله الزرع وإله الماء ومزارع الشعير وموسم حصاد القمح والنخيل والطيور والتحنيط والحساب والعقاب والأبراج السماوية وقد إكتشفت هذه المقابر في عام 1973م على يد الدكتور أحمد فخرى قبل وفاته بفترة قصيرة وبها مقبرتان لشخصين أحدهما يسمي بادى أوزير والآخر يسمي بادى باستت وقد أكدت البعثة الأميريكية التي زارت تلك المنطقة أن بادى أوزير كان كاهنا بمعبد تحوت بمدينة الأمهدة الأثرية ويدل ذلك علي تزامن مقابر المزوقة ومدينة الأمهدة فى عصر واحد وهو العصرالرومانى حيث كانت الأمهدة هى المدينة السكنية وكانت المقابر إلى الغرب منها بمنطقة المزوقة .
-- منطقة سن العجوز وهي تشغل حافة الجبانة الشرقية لهرم الملك خوفو وقد شيد كبار موظفي الأسرة السادسة الفرعونية مقابر مقطوعة في الصخر كشف عن بعضها المرحوم العالم الجليل الدكتور أحمد فخري وقد قام الدكتور زاهي حواس بعمل حفائر في هذا الموقع في عام 1977م خاصة في المنطقة شمال شرق تمثال أبو الهول ويعود تسمية هذه المنطقة بهذا الإسم إلى أسطورة قديمة لإحدى السيدات المسنات وكانت تتمني أداء فريضة الحج لأكثر من 20 عاماً وفى سنتها الأخيرة وقبل أن تخلع آخر سنة من أسنانها تقدمت لقرعة الحج وألقت بالسنة فى الصحراء بجوار أبوالهول وبعدها بيوم تم قبولها فى القرعة وسافرت وتوفاها الله بالحجاز وكانت هذه السيدة تمثل رمزا للمنطقة لطيبة أخلاقها وعطفها على الجميع فسميت المنطقة بسن العجوز تكريما لها ومنذ ذلك الحين والجميع يتبرك بهذه الواقعة والأطفال الصغار يلقون بأسنانهم بجوار أبوالهول والكبار يذهبون إلى هناك تبركا بسن العجوز ليطلبوا أمنياتهم .
-- المدخل الغربي لهرم سنفرو المائل بمنطقة دهشور بالجيزة وكان هذا الهرم قد تم إكتشافه عام 1894م من خلال بعثة عالم الآثار الفرنسي جان جاك دى مورجان والذى كان أول من قام بأعمال الحفريات في المنطقة المذكورة ولم يكن معروفا صاحبه حتي تمكن المستكشف المصرى المهندس عبد السلام حسين في عام 1945م من الكشف عن إسم الملك سنفرو مكتوبا أكثر من مرة مع العلامات التي كان يكتبها عمال المحاجر على الكتل الحجرية للهرم وبعد ذلك وفي عام 1951م إستطاع عالم الأثار الدكتور أحمد فخري أن يكتشف مدخله الغربي أثناء أعمال تنظيف الممرات الداخلية له وعلاوة علي ذلك إكتشف الدكتور فخرى الهرم العقائدي أو الكا الذى يوجد في منطقة دهشور أيضا بجوار الهرم المنحني بمسافة 55 مترا في عام 1956م . وكان من أهم مؤلفات الدكتور أحمد فخرى كتاب تاريخ مصر الفرعونية وهو يتناول تاريخ موجز عن تاريخ مصر القديمة منذ نشأة الحضارة المصرية بوادي النيل حتى دخول الإسكندر الأكبر مصر عام 332 ق.م ويستعرض الكاتب إلى جانب ذلك أيضا حكايات الحكام وتاريخ الأسرات والحضارة المصرية القديمة من جميع جوانبها الفن والطب والأدب والصناعة والزراعة وغيرها الكثير وكما ذكرنا في صدر هذا المقال لم يكتف الدكتور أحمد فخرى بالآثار المصرية فقط بل إمتد نشاطه إلي خارج مصر حيث كانت له رحلة إلي اليمن خلال الفترة من شهر مارس إلى نهاية شهر مايو عام 1947م وكان حصيلة رحلته الأثرية هو كتاب رحلة أثرية إلى اليمن وهذا الكتاب يشمل عدد 3 أجزاء وقد ألفه ونشره باللغة الإنجليزية في مطلع الخمسينيات من القرن العشرين الماضي وضم الكتاب أيضا محاضرات كان قد ألقاها على طلاب أقسام الآثار في بعض الجامعات العربية والأوروبية وكـذا دراسات شـارك بها في الندوات والمؤتمرات التي إنعقدت لمناقشة قضايـا الآثار وقد رأت لجنة الكتاب بوزارة الثقافة في عام 1988م ترجمة الجزء الخاص بوصف الرحلة الأثرية وأوكلت موضوع ترجمته إلى عضو اللجنة الأستاذ الدكتور يوسف محمد عبد الله وخولت له أن يستعين بمن يراه من المتخصصين في الدراسات الأثرية وتمت إعادة طباعته في عام 2004م ضمن فعاليات صنعاء عاصمة الثقافة العربية ويحتوي هذا الجزء على مقدمة وثمانية فصول وعدد من النقوش اليمنية القديمة بالإضافة إلى موجز عن تاريخ اليمن وجدير بالذكر أن بلاد اليمن كانت وستظل مقصد علماء الآثار من مختلف الجنسيات منذ قرون وحتى الوقت الحاضر وقد زار اليمن الكثير من العلماء منذ منتصف القرن الثامن عشر الميلادي حين زارها المكتشف الألماني كارستين تيبور مابين عام 1761م وعام 1762م والذى وصل في البداية إلي الإسكندرية ومنها إلي القاهرة ثم سيناء ثم توجه إلي ميناء السويس ووصل منها إلى جدة ومن جدة إلى مكة ثم المخا في اليمن وكتب عن كل المناطق التي زارها ورسم خرائط لها وتحدث عن السكان والقبائل والمذاهب والأديان وقد طالت فترة بقائه في اليمن فزار مناطق صنعاء وبيت الفقيه وأبو عريش وغيرها وتلاه العديد من علماء الآثار الآخرين الذين حظوا حظوه والذين قدموا دراسات أثرية هامة وفي بداية القرن العشرين الماضي زار اليمن أيضا عدد من الرحالة العرب كان منهم الرحالة التونسي عبد العزيز بن إبراهيم الثعالبي والذى زار أيضا مصر وسوريا والعراق والحجاز وكان منهم أيضا عالمنا الجليل الدكتور أحمد فخري .
وصف الدكتور فخرى رحلته بداية من توجهه إلي ميناء السويس حيث إستقل باخرة متوجهة إلي ميناء عدن في يوم 18 مارس عام 1947م وإلى أن عاد إلى القاهرة على الطائرة من العاصمة اليمنية صنعاء في يوم 31 مايو عام 1947م كما إستعرض أيضا رحلته من عدن حتى وصوله إلى صنعاء وقد طاف بنا من خلال الوصف من مدينة إلى أخرى مستعرضا العديد من المواقع الأثرية والقديمة في مدن تعز وإب وذمار أبرزها جامع معاذ بن جبل وقلعة الدملؤة وجبل التعكر ويؤكد أن الظروف قد سمحت له أن يستمع من الناس الذين وصفوا له مختلف المواقع القديمة المجاورة ودلوه أيضا على كثير من الأحجار المنقوشة في كثير من الأماكن البعيدة أو تلك التي أعيد إستعمالها في المنازل الحديثة وأثناء وصوله إلى صنعاء إستقر في ضيافة الدولة وأشار إلى وجود الكثير من المخطوطات العربية في جميع أرجاء اليمن وعلى الأخص في صنعاء بعضها في مكتبات خاصة وبعضها الآخر في المكتبات الملحقة بالمساجد وأهمها مكتبة الجامع الكبير التي تحوي الآلاف من أهم المخطوطات، بالإضافة لمكتبات زبيد وبيت الفقيه والتي تعتبر بمثابة كنوز علمية للدارسين في جميع أنحاء العالم وعن رحلته من صنعاء إلى مأرب قدم لنا الدكتور فخرى نبذة عنها وعن الفريق الذي رافقه في تلك الرحلة والعوائق التي واجهتهم وتحدث عن القرى والمناطق التي مروا بها وحديثه مع الناس في هذه المناطق بل ومع النساء القرويات وحرص على تسجيل مشاهداته بصدق وأمانة وعبر عن دهشته عندما شاهد النساء يعملن في الحقول ويتحملن العبء الكبير في سير أعمال الزراعة وهو بهذا ينقل لنا صورة عن الحياة الريفية في تلك الفترة من الزمن وهي نموذج للحياة الريفية في كل المناطق اليمنية والتي مر علي العديد منها مثل بني حشيش ووادي السر والقرى المحيطة به ووادي حريب القراميش حتى وصلوا إلى مدينة صرواح التاريخية والتي يقول الدكتور أحمد فخرى عنها تعتبر آثار مدينة صرواح من بين الآثار الباقية في حالة جيدة حيث توجد معابد مختلفة وبقايا أعمال ري قديم كانت تخزن الماء لري الوادي الخصيب الفسيح وما زال الأهالي يحصلون على الماء من بئرين قديمتين .
وأمضى الدكتور فخرى في صرواح ثلاث ليال في الهواء الطلق ثم غادرها إلى سد مأرب والذى وصل إليه بعد عدة أيام من السفر الشاق والمرور بالجبال والسهول في وقت الصباح وهناك ظل طوال اليوم وحتى المساء يشتغل في نسخ النقوش وعلى الأخص لوحتي أبرهة وشرحبئيل وإستمر في دراسته للآثار حتى عصر اليوم الثاني وبعدها إتجه إلى مدينة مأرب ويقول الدكتور فخرى عن سد ومدينة مأرب إن هذا السد الشهير قد تهدم مرات عديدة ولكنه رمم وكان آخر ترميم له ما قام به أبرهة الأشرم في القرن السادس الميلادي وإن بقاياه مازالت قائمة والمياه التي كانت تأتي إلى السد من وديان كثيرة نتيجة تجمع مياه الأمطار التي تسقط على جزء كبير من الجبال الشرقية لليمن تضيع ولا تستخدم في الوقت الحاضر ويعيش قليل من البدو بالقرب من السد وعلى أطلال مدينة مأرب التي كانت في يوم ما مدينة عظيمة وشامخة وحصل الدكتور فخرى علي قسط من الراحة في مدينة مأرب حيث أعد له جزء من دار الضيافة ثم بدأ العمل فورا مبتدئا بنقل النقوش الموجودة على الأحجار التي وجدها في فناء المسكن وأمضى أربعة أيام في زيارة أماكن مختلفة ونقل النقوش التي وجدها إما على المعابد أو متناثرة بين الأنقاض ويقول الدكتور فخرى إن كثير من هذه الأحجار الأثرية المنقوشة أو المزخرفة قد أعيد إستخدامها في بناء مبان تابعة للحكومة وإن مدينة مأرب التي كانت عاصمة مملكة عظيمة أصبحت الآن قرية صغيرة وبدلا من أن تمر من خلال أبوابها قوافل اللبان والبخور في طريقها إلى أسواق العالم الرئيسية نرى الآن من وقت لآخر جمالا قليلة يمتلكها البدو تحمل الملح لكي يباع في أسواق صنعاء كما قدم الدكتور فخرى نبذة عن الحياة الإجتماعية لدى سكان وقبائل منطقة مأرب وتولد لديه إنطباع عن تخوف القبائل من الغرباء لكنه إستطاع أن يكسب ثقتهم وأن يبدد خوفهم .
وبين مأرب والجوف شد الدكتور فخرى رحاله من مدينة مأرب إلى الجوف وإستعرض خط سير رحلته ومروره عبر الصحراء الواقعة بين مأرب والجوف ومروره بمنطقة رغوان وقرية حربة سعود ومقابلته لبدو الصحراء من قبيلة دهم ووصوله إلى مدينة براقش والتي تفحص نقوشها ومعالمها وإلتقط بعض الصور الفوتوغرافية هناك وبعد وصوله إلى منطقة حزم الجوف جعلها مركزا لدراساته وتمكن من زيارة كل الأماكن الهامة بالمنطقة مثل خربة آل علي ومدينة هرم ومعين واصفا تلك المناطق ومعجبا بأحجار حزم الجوف ومعين الجرانيتية المزخرفة وحاول إلتقاط صور لها وعمل تخطيط سريع لمناظرها وبعد زيارته لمنطقة حزم الجوف وما حولها عاد إلى صنعاء بصحبة ثمانية جنود يعرفون الطريق مارا بعدة مناطق منها وادي هران ومرهبة وذيبين وعمران وإستعرض الدكتور فخرى بعد ذلك أسماء الرحالة والزوار السابقين لمناطق مأرب والجوف وأشار إلى أن أول رحلة علمية لليمن قام بها المكتشف كارستين تيبور خلال عام 1761م وعام 1762م كما ذكرنا في السطور السابقة وعلي الرغم من أنه لم يزر مناطق مأرب والجوف إلا أن الدكتور فخرى قد أشاد به وذلك لقيامه بلفت إنتباه العالم لتلك البلاد وتعتبر معلوماته بالإضافة إلى مادته الأثرية الغزيرة التي تضمنها كتابه أولى الخطوات نحو إكتشاف آثار اليمن ويقول الدكتور فخرى أيضا إن هناك رحالة آخرين وصلـوا اليمن وتركوا لنا تقارير عن رحلاتهم ولكن أغلبهم إهتموا بحياة الناس أكثر من إهتمامهم بالآثار ومن ضمن هؤلاء من إهتم بالنقوش القديمة ولكن لم يتمكن أحد منهم من الوصول إلى مأرب قبل المستشرق والصيدلي الفرنسي جوزيف رينو الذي ذهب إلى هناك في عام 1843م والمستشرق الفرنسي جوزيف هاليفي في عام 1870م صاحب كتابي تقرير عن بعثة أثرية في اليمن ورحلة في نجران والمستشرق النمساوى إدوارد جلازر في عام 1888م وتطرق إلى إنجازات رينو ومغامراته أثناء رحلته إلى مأرب وقيامه بعمل تخطيط لأطلال سد مأرب ونسخ بعض النقوش التي رآها ومعاناته أثناء تنقلاته وقد تم نشر النقوش السبئية الستة والخمسين المنسوبة لمملكة سبأ والتي نقلها في صنعاء وصرواح ومأرب بالإضافة إلى مذكراته عن الرحلة ورسوماته لسد ومدينة مأرب حيث نشرها فرزنل القنصل الفرنسي بجدة بعد ذلك بسنتين أي في عام 1845م وينتقل بعد ذلك الدكتور فخرى إلي ذكر معلومات قيمة عن مدينة صرواح الأثرية القديمة والمنطقة التي تقع فيها والتي يصفها من الناحية الجغرافية ويدلنا علي أن آثار صرواح القديمة تتركز في ثلاثة مواقع هي البنا والقصر والخريبة وإن كانت هناك أحجار منقوشة في كل مكان ولربما تكشف التنقيبات الأثرية في المستقبل عن موقع الجبانة القديمة وإذا ما قورنت آثار صرواح بآثار مناطق أخرى فإنها تعتبر نسبيا في حالة جيدة من الحفظ وأطلالها كثيرة ويمكن إعتبارها بوجه عام أكبر المناطق الأثرية في اليمن بعد مأرب وتقع المواقع الثلاثة المذكورة في السطور السابقة على خط واحد في وسط الوادي المستدير حيث تقع الخريبة في الوسط بينما تقع البنا وبقايا خزان للمياه وسد على بعد 900 متر إلى الشمال منها أما القصر وهي قرية حديثة شيدت داخل قلعة من العصور الوسطى فتقع على مسافة 800 متر إلى الجنوب منها ومن أهم المواقع الأثرية في صرواح معبد المقه وقد وصفه الدكتور فخرى وصفا تاما وقدم لنا شرحا وافيا عن النقوش الموجودة به وترجمتها وأخيرا لا ننسي أن نذكر أنه تكريما لهذا العالم الجليل تم إطلاق إسمه علي أحد الشوارع الكبيرة بحي مدينة نصر .
|