بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
عزبة النخل حي يقع بين محافظتي القاهرة والقليوبية وهو يقع شمال شرق القاهرة ويتوسط حي عين شمس وحي المرج ويحده من الشمال حي الخصوص التابع لمحافظة القليوبية حيث يعد شارع خالد بن الوليد المتفرع من ترعة الطوابة بعزبة النخل من الشوارع الفاصلة بين محافظتي القليوبية والقاهرة وكان يمر بهذا الحي ترعة التوفيقية وترعة المصيلحة وكان هذا الحي منطقة ريفية تعد من أقدم المناطق الريفية في القاهرة وكان يشتهر بزراعة النخيل ولذلك سمي بعزبة النخل وذلك قبل ترك حرفة الزراعة وتحويل الحي لمنطقة سكنية تدريجيا منذ منتصف القرن العشرين الماضي حيث ظهر علي المنطقة طفرة عمرانية كبيرة مما أدى إلي إختفاء الأراضى الزراعية بها تماما كما تم مد الخط الأول لمترو أنفاق القاهرة الكبرى إلى محطته الأخيرة المرج الجديدة وقبلها محطة المرج القديمة وقبلها محطة عزبة النخل التي أنشئت عام 1989م قادما من مناطق عين شمس والمطرية وحلمية الزيتون وحدائق القبة ورمسيس والتحرير والسيدة زينب ومصر القديمة ودار السلام والمعادى وطرة والمعصرة ووادى حوف وحلوان في أقصي جنوب القاهرة وبذلك أصبحت منطقة عزبة النخل أحد أحياء القاهرة بعد أن كانت المنطقة عبارة عن قرية ثم ضاحية صغيرة وكان من ضمن معالم هذا الحي مسجد الأميرة فريال إبنة الملك فاروق وكان يقع قرب محطة مترو الأنفاق والذى تم إنشاؤه عام 1947م وساهمت الأميرة المذكورة في إنشائه وقد تم هدمه منذ سنوات لتوسعة الشارع المواجه للمحطة .
ومن المعالم الحديثة بحي عزبة النخل الكوبري المعروف بإسم الحي أي كوبرى عزبة النخل والذي يربط حي المطرية بحي المرج بالمرور أعلى مترو الأنفاق بما يساهم في تخفيف الضغط المروري على الطريق السطحي للقادم من شارع عين شمس إلى الدائري ويبلغ طوله 250م وإستلزم إنشائه تحويل العديد من خطوط المياه لتعارضها مع أعمدة وقواعد الكوبري ومما يذكر أن إنشاء هذا الكوبري يعد جزءا من مشروع حيوي هو مشروع محور مؤسسة الزكاة الذي يربط ما بين الطريق الدائري بحي المرج وصولا الي منطقة مسطرد وترعة الإسماعيلية والذى يربط بين أحياء المرج والمطرية وعين شمس وفضلا عن ذلك فقد تم تأسيس ما يسمي بالمسجد الكبير بدلا من مسجد الأميرة فريال في نفس موقعه والذى يعد أيقونة معمارية فنية تجمع بين الرقي والجمال حيث يعد مبنى فريد في تصميمه بألوانه الجميلة التي تسحر العيون وتخطف القلوب ليس فقط لجاذبيته ولكن لأن كل تلك الصفات توحدت لتخرج بيت من بيوت الله فوسط الكثير من المباني متدنية التصميم وعشوائية الهيئة المحيطة به والتي تؤذي العين ووسط المناطق الشعبية والمعروفة بطبيعة مبانيها يخرج إلي الوجود هذا المسجد بتصميم رائع يغير مفهوم المعمار لكل المحيطين ومن داخل محطة عزبة النخل يمكنك مشاهدة هذا المسجد الشاهق يعلن عن وجوده بعدد 6 مآذن وعدد 3 قباب وواجهة كبيرة تتلألأ باللون الأزرق والذى يسكب في النفس الهدوء بجانب حالة الروحانيات التي يشعر بها المصلون داخل المسجد كما تبدو بوابته الرئيسية أمام محطة المترو أما باقي المداخل فتتوزع على 3 شوارع وقد إمتدت رحلة بناء هذا المسجد الكبير لأكثر من 14 عاما لأنه إعتمد بشكل كامل على التبرعات والمجهودات الذاتية .
ومن أهم شوارع عزبة النخل شارع الشيخ يوسف الدجوى والذى يمتد من شارع غرب السكة الحديد الموازى لخط سكة حديد مترو الأنفاق القادم من منطقة عين شمس متجها إلي عزبة النخل والمرج والمرج الجديدة وينتهي بتقاطعه مع شارع ترعة التوفيقية وينسب هذا الشارع إلي الشيخ يوسف بن أحمد نصر الدجوي وهو فقيه مصري عمل بالتدريس في الأزهر الشريف وكان عضواً في هيئة كبار العلماء وله كتابات في شتى الأمور الإسلامية وكان من أهم كتاباته سبيل السعادة والذى ألفه عام 1912م في فلسفة الأخلاق الدينية وأسرار الشريعة الإسلامية والرد على الملحدين وأيضا كتاب الجواب المنيف في الرد على مدعي التحريف في الكتاب الشريف أخرجه عام 1913م رد فيه على القس الإنجليزي كولدساك الذي طعن في القرآن الكريم وأنقص من شأن الإسلام وكان كتابه الثالث خلاصة علم الوضع وأصدره عام 1917م وقد نال عنه الجائزة الأولى من لجنة فحص الكتب العلمية وكتاب رسائل السلام ورسل الإسلام والذى أصدره عام 1922م إثر تكليف مشيخة الأزهر له بإخراجه بمناسبة إعتناق الألوف المؤلفة من أهل قارتي أوروبا وأمريكا الدين الإسلامي وقد ترجم إلى اللغة الإنجليزية وطبعت المشيخة الأزهرية منه عشرة آلاف نسخة وقد وجهت صحيفة الأهرام الغراء في نهاية عام 1939م نصحها وإرشادها الى زعيمي دول المحور الهر أدولف هتلر والسونيور موسوليني بإتباع ما جاء بهذا الكتاب والعمل بالتعاليم الموجودة بين دفتيه إذ انها تدعو للوئام والسلام ونبذ الحرب وعلاوة علي ذلك كان من مؤلفاته النادرة رسالة في تفسير قوله تعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون دعا فيها علماء المسلمين شرقا وغربا للإجتماع والتشاور لإستنباط أسرار القرآن الكريم كما نشر عنه كتاب مقالات وفتاوى بعد مماته وكان ميلاد هذا الشيخ الجليل في قرية دجوة بمحافظة القليوبية عام 1870م ونشأ فى بيت علم وفضل ووجاهة إذْ كان والده عمدة قريته وكان منزله محط الغادين والرائحين ومثابة مَن يفد إلى القرية من العلماء والأعيان وكان به مكتبة عامرة بكتب الفقه والأدب والتاريخ وقد دفع بولده الصغير إلى من يحفظه كتابَ الله فبدت دلائل النبوغ على الطفل الناشئ إذ تمتع بذاكرة حافظة تستوعب ما يراد إستيعابه دون جهد وكان يسمع الحوار العلمى فى منزل والده فيعيه على الرغم من حداثة سنه وقد كف بصره وهو صغير بسبب إصابته بمرض الجدري ولما حدث ذلك أخذت أمه تبكي وتتألم فقال لها والدها وكان من كبار الصالحين في زمانه لا تحزني إن الله سبحانه سيعوضه عن بصره ببصيرة نافذة تجعله عالما كبيرا يرجع إليه في حل المشكلات ولم يمنعه كف بصره من إستكمال تعليمه وتحقيق طموحه فإتجهت الرغبة إلى إلحاقه بالأزهر الشريف بعد أن درس فى القرية مبادئ الفقه والحديث والنحو والسيرة النبوية .
وبالفعل دخل يوسف الدجوى الأزهر وتلقى العلم على يد كبار علماء عصره كالشيخ هارون عبدالرازق البنجاوى والشيخ سليم البشرى شيخ الأزهر وغيرهما وما كاد ينتظم فى دروسه حتى برز بين أقرانه لأن ما درسه من مبادئ العلوم كان سلما إلى إرتقاء ذهنه وقد أُوتى جلدا على الدرس فكان لا ينقطع عن حلقات الدروس بالأزهر فكان دائم التردد على مجالس الأساتذة حتى أصبح موضع الثقة بين زملائه يتوجهون إليه حين يحتاجون إلى إستعادة ما قال الأستاذ فى درسه ويذهبون فى المساء إلى منزله ليتذاكروا معا مسائل العلم .
ولم يمر زمن طويل حتى أخذ يدرس لإخوانه كتب الأزهر قبل أن ينال درجة العالمية فيجتمع حوله الطلاب واثقين بعلمه والتي نالها فعلا في عام 1897م وكان إمتحانه النهائى يوما مشهودا إذ إجتمع له الأفذاذ منعلماء الأزهر الشريف مقدرين مكانته وفى مقدمتهم شيخ الأزهر العلامة سليم البشرى فأطالوا نقاشه ليكشفوا عن معدنه النفيس ومنحوه أعلى الدرجات وسارع بعضهم إلى زيارة منزله مهنئين واثقين بما سيجرى عليه من خير للعلم وتم تعيينه مدرسا بالأزهر وكان لعلمه العميق وفهمه الناضج وأسلوبه البليغ أن رأت المشيخة أن تسند إليه مهمة تدريس الكتب العويصة على غير عادتها مع زملائه وكان لذلك أثر عميق فى جذب الطلاب إلى الدراسة والإلتفاف حوله وشهدوا بإحاطته الشاملة وبصره النافذ فى الدقائق المشتبهة وتخرج على يديه كثير من العلماء وكبار الأساتذة ورؤساء المحاكم الشرعية والمحامين وكان الشيخ الدجوى آيةً فى الذكاء وسرعة الخاطر وجودة البيان وقوة الذاكرة وسعة العلم يحضر حلقات دروسه فى الأزهر الشريف مئات من العلماء وطلبة العلوم وتتوارد إليه أسئلة مطلوب منه بيان الرأي الشرعي والفقهي وإصدار فتاوى بشأنها من شتى الأقطار الإسلامية والجهات كما كان سمحا كريما يعطف على الغرباء ويهش لتلامذته وطلابه .
وقد تنوعت دروس الشيخ الدجوى فلم تقتصر على مجال واحد لذا أراد الشيخ أن يتسع بعلمه إلى أرحب مجال فقام بتنظيم دروس فى علوم التفسير كان يلقيها بالرواق العباسى بالجامع الأزهر تشبها بالإمام محمد عبده فإتسعت حلقة درسه وحضر الطلاب بأوراقهم ليسجلوا ما يفتح الله به على فضيلة الشيخ الجليل ولم يقتصر جهد الشيخ يوسف الدجوى على الطلاب إذ رأى أن تكون الصحافة أيضا من ميادينه العلمية كما إنضم الشيخ الدجوى إلى هيئة كبار العلماء فى دفاعها عن الإسلام ومعارضتها لرؤية الشيخ على عبد الرازق فى كتابه الإسلام وأصول الحكم الذى قال فيه إن الشريعة الإسلامية شريعة روحية محضة لا علاقةَ لها بالحكم ولا دخلَ لها بالسياسة والتنفيذ فى أمور الدنيا وقد أثر الشيخ الدجوى فى جيل من الشباب الذين تربوا على فكره وتوجيهاته من بينهم طلائع الحركة الوطنية فى ثورة عام ١٩١٩م أمثال الشيخ محمود أبوالعيون والشيخ مصطفى القاياتى وعبدالله عفيفى وقد كان هؤلاء وغيرهم ثمرة من ثمار جمعية النهضة الإسلامية التى ألفها الشيخ الدجوى لمقاومة الإلحاد فى شتى مظاهره وإختار لها ذوى الغيرة الدينية من رجال مصر فكانت الجمعية الدينية الثانية فى مصر إذ سبقتها جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية وقد بذلت الجمعيتان جهدا كبيرا فى مقاومة الإلحاد ومناهضة الجماعات التبشيرية التي إستشرى فسادها وعم ضررها حتى ضجت البلاد من شرها وأدت واجبها خير أداء وإنتشرت فروعهما في جميع الأنحاء فتوقف هذا التيار الجارف كما شارك أيضا الشيخ يوسف الدجوى في تأسيس الجمعية العظمى لمساعدة منكوبي حرب الأناضول بمناسبة الحرب التركية اليونانية التي نشبت بين الدولتين ما بين عام 1919م وعام 1922م .
وفضلا عن ذلك كانت للشيخ يوسف الدجوى مواقف مشهودة في خدمة أهداف البلاد الوطنية وكان من تلك المواقف إحتجاجه لدى المندوب السامي البريطاني في مصر على إعتقال الزعيم سعد زغلول باشا وصحبه المجاهدين ونفيهم إلي جزيرة سيشل في المحيط الهندى في شهر ديسمبر عام 1921م ولما أسست المشيخة الأزهرية مجلة الأزهر في عام 1931م كان من أول من وقع الإختيار عليهم لتحريرها الشيخ الدجوي فكتب فيها البحوث في الدين والتفسير والحكمة وكان من مواقفه أيضا ذلك الكتاب الذي رفعه إلى ملك بريطانيا طالبا منه تخفيف حكم الإعدام الذي صدر على شاب من شباب الأزهر وهو الشيخ محمد الشافعي البنا وقد إستجيب طلبه ومما يذكر أنه علي الرغم من علو مكانة شيخنا الجليل كان رقيق العاطفة يتألم لألم المسلمين ويحرص على وحدة الصف الإسلامى فى مواجهة تيارات الإلحاد القوية وينسى خصوماته الفكرية مع غيره من العلماء ولا يتحرج أن يأنس لكلام أحد تلامذته ويتعاون معه فى خدمة الإسلام والمسلمين و كانت وفاة شيخنا الجليل بعد حياة حافلة بالعلم والعطاء فى يوم الثلاثاء 4 من شهر صفر عام 1365 هجرية الموافق يوم 8 من شهر يناير عام ١٩٤٦م عن عمر يناهز 76 عاما قضاها في الأعمال الصالحة ونشر العلوم النافعة والدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة والجهاد في سبيله بقلمه ولسانه وصلى عليه الشيخ مصطفي عبد الرازق شيخ الجامع الأزهر آنذاك في مسجد الأميرة فريال في عزبة النخل وحمل نعشه على الأكتاف وسط جماعة كبيرة جدا من علماء الأزهر وغيرهم من عارفي قدره الشيخ الجليل ودفن في مقابر عائلته في حي عزبة النخل وتم إطلاق إسمه علي شارع كبير من شوارعها تكريما له .
|