بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
شارع باب الوداع هو أحد شوارع القاهرة ويقع بمنطقة الأباجية التابعة لقسم الخليفة وهو طريق طويل يمر داخل المقابر المطلة على شارع صلاح سالم المعروفة بإسم قرافة صحراء المماليك حيث يمر بمقابر باب الوزير ممتدا حتى يصل إلى ميدان صلاح الدين بالقلعة وهو ينقسم إلي قسمين يطلق علي القسم الأول منهما شارع باب الوداع بينما يطلق علي القسم الثاني إسم شارع قرافة باب الوزير وكان يطلق عليه قديما إسم شارع الصوة وشارع الثغرة وفى زمن على مبارك باشا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادى كان يطلق عليه إسم شارع الدحديرة وكان أوله من شارع المحجر تجاه حارة المارستان وآخره بوابة القرافة بجوار جامع الأنسى وكان يمكن للناظر من خلاله أن يرى مسجد المحمودية وجامعى السلطان حسن والرفاعى وبالطبع جامع محمد على باشا المشيد داخل أسوار قلعة صلاح الدين الأيوبي على الطراز العثمانى بقبته الضخمة وبمآذنه الرفيعة الحادة خلافا لمآذن الطراز المملوكى السميكة وفى العصر المملوكى كان هذا الشارع هو المسار الذى تسلكه الجنائز فعند وفاة الأمراء والسلاطين تتم الصلاة عليهم فى القلعة أو فى مصلى المؤمنى بالقرب من ميدان القلعة ثم يسلكون هذا الشارع متجهين إلى المدافن التى أعدوها لأنفسهم بقرافة صحراء المماليك كما كان يستخدمه السلطان فى خروجه إلى رحلة الحج المقدسة حيث كان موكب السلطان يبدأ من عند باب المدرج وينثنى شمالا عبر الحطابة ويدخل من باب الوداع مخترقا القرافة الشرقية ومن هناك يصل إلى العادلية حيث قبة السلطان المملوكي طومان باى .
ويتفرع من شارع باب الوداع عدد من الحارات والعطفات وطبقا لما نشره على مبارك باشا فبهذا الشارع من جهة اليسار ثلاث عطفات ودرب واحد والعطفات الثلاث هي عطفة النبلة وهي غير نافذة وعطفة الحرافيش وهي غير نافذة أيضا وكان بداخلها زاوية تعرف بزاوية الجوكانى وضريحان أحدهما لسيدى جعفر والأخر يقال له ضريح الشرفا وهما غير موجودين الآن وعطفة التكية وتوجد بها زاوية صغيرة تعرف بزاوية الشيخ رجب لأن بها ضريحه وأما الثلاثة دروب فهي درب النخلة وهو غير نافذ وهناك عطفة ودرب لم يذكرهما على مبارك موجودتان حاليا وهما عطفة المناخ وهى عطفة غير نافذة ودرب المنشكية ويفضى إلى مجموعة الأمير المملوكي منجك اليوسفى وأما من جهة اليمين فيشتمل الشارع على ست عطفات غير نافذة وهى عطفة محمد وكان بها زاوية تعرف بزاوية القدرى وهي غير موجودة حاليا وعطفة طرطور وبها زاويتان إحداهما بأولها تعرف بزاوية سيف اليزن والأخرى بوسطها وتعرف بزاوية الدنوشرى وبها ضريح يعرف بضريح سيدى العرابى وعطفة الأوسطى وهي غير موجودة حاليا والعطفة الصغيرة وعطفة سعفان الصغير وعطفة سعفان الكبير وهذه الثلاث عطفات غير موجودة حاليا وعلاوة علي ذلك فأيضا لقرافة صحراء المماليك الكثير من الذكر فى روايات أديب مصر العالمى الأستاذ نجيب محفوظ وعلى رأسها حكايات الحرافيش وهي تزخر بالعديد من المقابر والمساجد الأثرية كما أنها تشمل منطقة الحطابة والتي سميت بهذا الإسم نظرا لأنها كانت مساحة واسعة من الأرض يتم فيها وضع الحطب المستخدم كوقود للقاهرة ولذا فقد أطلق عليها إسم حارة الحطابة وتقع أيضا بالقرب منها منطقة تسمى الكسارة كان يقيم فيها العاملون فى تكسير الحطب وتجهيزه . والمهتم بهذا الجزء من التاريخ لن يجد أفضل من كتاب الخطط التوفيقية لعلى مبارك باشا وهو كتاب كبير فى عدة أجزاء يستعرض فيها مدن مصر وقراها ومبانيها ومساجدها ومقابرها المندثر منها والموجود وبقى أن نقول إن شواهد القبور المنتشرة في المنطقة عالم قائم بذاته ودراستها تعتبر من الدراسات المهمة فى علم الآثار الإسلامية حيث لها خصائص ودلالات وعبر وعظات ومن يدرس الآيات القرآنية والجمل والحكم التى تم نقشها على تلك الشواهد يعد أمر شديد الأهمية حيث أنها تعكس لنا جلال الموت وقدسيته وإحترامه بإعتباره الحقيقة الثابتة المطلقة وقديما قيل باب الوداع باب المرور ولو ما تموت منين هاتفوت ومما يذكر من العبارات المكتوبة علي شاهد أحد القبور أيها الواقف أمام قبرى لا تتعجب لأمرى فى الأمس كنت مثلك وغدا تكون مثلي وجدير بالذكر أن القسم الثاني من شارع باب الوداع والذى يسمي شارع قرافة باب الوزير والتي تقع إلي الشمال من منطقة الحطابة وتبدأ من المنطقة المنخفضة خلف مجموعة منجك وتكية الميرغنى ويحدها من الجنوب منطقة الحطابة ومن الشمال حديقة الأزهر ومن الشرق شارع صلاح سالم ومن الغرب سور صلاح الدين ويفصل تلك القرافة حاليا عن قرافة صحراء المماليك شارع صلاح سالم الذى فتح فى العصر الحديث أما فى الأصل فكانت قرافة باب الوزير جزء لا يتجزأ من صحراء المماليك التى كانت تمتد إلى الشمال حتى الريدانية وهي العباسية حاليا حيث قبة العادل طومان باى وجنوبا حتى القلعة من الموضع الذى كان يبدأ عنده ميدان القبق وكان يشغل جزء كبير من صحراء المماليك ويمتد فيما بين الثغرة التى ينزل من قلعة الجبل إليها وبين قبة النصر تحت الجبل الأحمر وفى عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون منع النزول إلى هذا الميدان خشية على قبور المسلمين أن يطأها الناس وقام هذا السلطان هو وأمراؤه من بعده بالتعمير فى ميدان القبق هذا حتى إمتلأ موضع هذا الميدان بالعمائر فكانت جبانة باب الوزير إذن تمثل الجزء الجنوبى من قرافة صحراء المماليك وتؤكد ذلك خريطة وصف مصر التي وضعها علماء الحملة الفرنسية كما تؤكدها تلك الصور القديمة التى إلتقطت لتلك المنطقة قبل أن يخترقها شارع صلاح سالم .
وعلى الجانب الشمالي من شارع باب الوداع توجد بوابة معقودة في نهاية زقاق صغير تؤدي إلى مسجد وخانقاة منجك اليوسفي والذى بناه الأمير منجك اليوسفي هذا المجمع المختفي حاليَا عن الأنظار وراء صف من المباني السكنية عام 750 هجرية الموافق عام 1349م خلال عهده كوزير للسلطان الناصر محمد بن قلاوون وكان قد شغل أيضا عدة مناصب هامة في الدولة في مصر والشام وتولى نيابة دمشق مرتين وله آثار كثيرة حيث كان له خان منجك ودار فخمة برأس سويقة العزى بقرب مدرسة السلطان حسن ويؤدي المدخل المنكسر للبوابة إلى ميدان مفتوح ويوجد في الطرف الجنوبي مسجد صغير مع مئذنة تتميز بأنها قائمة بذاتها في مقابله ويزيدها تميزا الحليات الحجرية الفريدة تحت شرفة الطابق الثاني ورتب فيه صوفية وقرر لهم في كل يوم طعاما ولحما وخبزا وفي كل شهر معلوما وجعل فيه منبرا ورتب فيه خطيبا يصلي بالناس فيه صلاة الجمعة وتقع الخانقاة بجوار الجدار الشمالي للمسجد على مستوى أدنى منه وتتكون من قاعة ذات إيوانين على جانبي فناء مغطى ودفن كل من منجك وزوجته في الخانقاة وعلى قبره توجد الكتابة الآتية بسم الله الرحمن الرحيم هذا قبر الأشرف العالي المولى السيفي منجك كافل المملكة الشريفة الإسلامية توفي يوم الخميس بعد العصر تاسع وعشرين ذي الحجة الحرام سنة ست وسبعين وسبعمائة ودفن بكرة يوم الجمعة سلخ شهر ذي الحجة غفر الله له ولمن ترحم عليه كما بنى منجك صهريجا يعرف بصهريج منجك والذي عرفت المجموعة بأكملها بإسمه وجدير بالذكر أن الأسقف الخشبية الملونة بالمسجد والخانقاة تحتوى على رنك منجك اليوسفي وهو عبارة عن جامة دائرية مقسمة لثلاث أجزاء يتضمن الجزء الأوسط منها سيفا يرمز لرتبة السلحدار أى حامل أسلحة السلطان .
ومن معالم شارع باب الوداع أيضا ضريج سيدى مرزوق وهو يقع بعطفة طرطور خلف سور القلعة وبجوار خانقاة نظام الدين الأصفهانى والضريح موقع على خرائط القاهرة فى عام 1936م تحت إسم مقام سيدى مرزوق وصاحب الضريح الأصلى حتى الآن مجهول ومنذ بضعة سنوات كانت جدران هذا الضريح كاملة أما الآن فلم يبق منه سوى جدار القبلة والجدار المقابل له إذ يقوم بعض الأهالى من فترة لأخرى بإنتزاع بعض أحجار منه حتى قارب على الإندثار كما ضاع سقفه وتراكمت الأتربة بداخله وجدار القبلة مبنى من الحجر المنحوت ويتوسطه محراب حجرى مجوف معقود بعقد مدبب ويخلو المحراب من أية زخرفة وعلى جانبيه توجد كتبيتان يعلو كل منهما عتب حجرى ثم نفيس ثم عقد عاتق والجدار الباقى من الواجهة الشمالية الغربية فهو مبنى بالحجر ويتميز بوجود حشوة مربعة تحتوى على زخارف هندسية مؤلفة من أطباق نجمية وأجزاؤها منفذة بالحفر البارز على الحجر كما يوجد بتلك الواجهة شباك مستطيل يغشيه ستارة حجرية يتخللها صفوف من دوائر مفرغة تعد من النماذج النادرة للشبابيك الحجرية المفرغة بهذا الشكل ومن المرجح أن هذه الستارة الحجرية قد أضيفت على هذا الشباك فى وقت لاحق على بناء الضريح وربما كان ذلك فى العصر العثمانى ومما يؤكد ذلك أن مساحة الستارة لا تنطبق تماما على فتحة الشباك بل يوجد فراغ واضح على الجانبين وعموما فكل هذا الأثر يعد بقايا تربة من عصر المماليك الجراكسة وهذا واضح من مبانيه وأحجاره ومميزات عمارته وقد إختلط الأمر على إحدى الباحثات فذكرت أن هذا الأثر هو مسجد سيف اليزن لكن من المتحقق أن موضع المسجد المذكور كان بأول العطفة وكان يسمى بجامع سيف اليزن وكان بداخله مقامه وقد هدم في السبعينيات من القرن العشرين الماضي .
وعلاوة علي كل ما سبق فمن معالم شارع الوداع أيضا سبيل شيخو وهو يقع أمام ضريح يونس الداوادار وهو سبيل أثري يحمل رقم 147 بسجلات وزارة الآثار المصرية وقد قام بإنشاء هذا السبيل الأمير المملوكي سيف الدين شيخو أو شيخون العمري الناصري أحد أمراء السلطان المملوكي السلطان حسن في عام 755 هجرية الموافق عام 1354م وذلك بعد أن بنى جامعه المعروف بجامع شيخون البحري قبل ذلك بخمس سنوات وكان الأمير سيف الدين شيخون قد بني العديد من المباني حيث أقام أيضا في عام 756 هجرية الموافق عام 1355م خانقاة لكي ينقطع فيها المتصوفون للعبادة تقع في مواجهة جامعه ويفصلهما شارع شيخون وأقام أيضًا حمامين بحي الصليبة وكان الأمير شيخون من أمراء المشورة لدى السلطان حسن ثم تولى نيابة دمشق غير أنه قد تم القبض عليه فيما بعد وسجن بالإسكندرية غير أنه لم يلبث أن عاد إلى السلطة مرة أخرى في عهد السلطان الصالح ولما عاد إلى السلطة عاد بشكل مثير حيث زاد نفوذه وسلطانه وكثر ماله حتى صار كأمواج البحر كما يقول المؤرخ تقي الدين المقريزي غير أنه وفي النهاية مات عليلا بضربة سيف غادرة في عام 758 هجرية الموافق عام 1357م ومن الغريب أن المقريزي لم يذكر السبيل بين أعمال شيخون التي ذكرها في الخطط كما لم يذكره جومار وهو مؤرخ رافق الحملة الفرنسية علي مصر ولم يذكره أيضا علي مبارك باشا في خططه التوفيقية أما الدكتور حسنى نويصر فقد ذكر أن السبيل كان قد تخرب وإستخدم كإصطبل للخيول في حين أطلق الجبرتي إسم الشيخونيتين على الجامع والخانقاة نسبة إلى الأمير شيخون وهذا السبيل فريد من نوعه وغريب عن أسبلة عصره بل وباقي العمائر الإسلامية إذ أنه محفور في الصخر ولم يبن بالطريقة المعتادة فيما عدا واجهته الخارجية المبنية بالحجر على شكل دخلة غائرة نصف دائرية تضم شباك التسبيل والسبيل يتكون من قاعتين مستطيلتين منحوتتين في الصخر تحتهما صهريج للماء محفور في الصخر أيضا ويعد هذا السبيل المثال الأول لطراز الأسبلة المملوكية المستقلة .
|