بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
متحف الدكتور محمد الجزار متحف خاص أسسه الجيولوجي المصرى الدكتور محمد الجزار في منزله والذى تخرج من قسم الجيولوجيا بكلية العلوم بجامعة القاهرة ثم حصل على ماجستير في الجيولوجيا من نفس الكلية قبل أن يسافر إلى الولايات المتحدة الأميريكية في بداية السبعينيات من القرن العشرين الماضي ليدرس إدارة الأعمال في جامعة كولومبيا ثم يمتهن العمل كجيولوجي في عدة شركات للبترول وبسبب عمله عايش الكثير من عينات الأحجار والصخور المبهرة الآتية من باطن الأرض مما سمح له بالإطلاع على تفاصيل أخذت لبه ومن ثم فقد إستهوته هواية جمع المعادن والصخور والأحجار وهو يتمتع بأن لديه ما سماه بثقافة الزلط وقد بدأ مزاولة هذه الهواية منذ عام ١٩٩٦م وإستطاع أن يجمع آلاف الأنواع التي إقتناها في منزله مثل أشجار متحجرة منذ ألاف السنين وصخور البازلت والجرانيت وأحجار الزمرد وقطع من نيازك تساقطت على الأرض مصدرها القمر والمريخ وزين مدخل المنزل بصخور ضخمة إتخذت أشكال منحوتة من عمل الطبيعة كما يضم متحفه أكثر من 500 قطعة تشمل عدد كبير من المعادن والصخور والشهب والنيازك والأحجار الكريمة والكتب العلمية والنباتات النادرة والحفريات مع شرح تفصيلي لها وقد جاءت له فكرة هذا المتحف بعد أن طاف العديد من دول العالم لإستنطاق الأرض حتي تبوح له بأسرار أحجارها وصخورها ومعادنها النادرة وتمكن من زيارة معالم جيولوجية كثيرة في كل من المكسيك والبرازيل وروسيا وبولندا وفي مصر أيضا حيث زار أماكن كثيرة بالصحراء الغربية منها الواحات البحرية والواحات الخارجة والواحات الداخلة والوادى الجديد ومنطقة أبو رواش ومناطق عديدة في محافظتي بني سويف والمنيا كما زار العديد من المناطق بالصحراء الشرقية وجبال شبه جزيرة سيناء والبحر الأحمر منها حلايب وشلاتين ومرسي علم ويقول الدكتور الجزار إنه بين الإنسان والأرض علاقة وطيدة وخالدة ويقول عن متحفه إن المتحف بداخله طاقة إيجابية تملأ كل جوارح من يزوره حيث يشم داخله رائحة عبق الأرض وإمتزاجها بتاريخ عمر الإنسان وإلتصاقها بالحضارات المختلفة مما يجعله ملتقى فكري لكل علماء الجيولوجيا على وجه الأرض حيث يشعرك المكان وأنت بداخله وكأنك تمكث في عصور ما قبل التاريخ منذ ملايين السنين بين صخور يرجع تاريخها لبدء الخليقة ولحضارات مختلفة يحتضنها المتحف بين جدرانه كما أنك تستطيع أن ترى وتلمس نيزك من القمر وآخر من المريخ وبيضة نعام مرسوم عليها خريطة العالم وأن تتجول في عالم تاريخ الأرض من خلال لوحة تعريفية للكوكب الذى نعيش عليه بداية من حوالي 4.6 بليون عام تقريبا .
ويشير الدكتور الجزار إلي أهمية علم طبقات الأرض فى كافة نواحى الحياة حيث يمكن الإستفادة من الجيولوجيا فى التنقيب عن الآثار فى باطن الأرض وتحديد أماكن تواجدها بالإضافة إلى أهميه كبيرة أخرى فى ترسيم الحدود الدولية بين الدول المختلفة وذلك عن طريق دراسة طبقات الأرض في المناطق المتنازع عليها بين الدول وبالتالي الحكم علي أي دولة تتبعها من واقع معرفة طبقات الأرض في كل دولة ومن معروضات متحف الدكتور الجزار العينات المتحجرة للأخشاب والنخيل والفواكه والبذور المختلفة والتي تتراوح أعمارها ما بين 28 وحتي 35 مليون سنة والتي تم إستخراجها من منطقة الغابات المتحجرة بعد أن تعرضت قديما إلي تفاعل وسط درجات حرارة إما بالغة الإرتفاع أو شديدة التدني ومع غياب تام للأوكسجين في قطاعات بعينها في دول المكسيك وباقي دول قارة أمريكا الشمالية ومن ضمن مقتنيات المتحف أيضا قطعة سيلكة بوزن يتراوح بين ثمانية وعشرة كيلو جرامات وهي تنتمي إلي مواد سطح القمر بطبيعتها الشفافة النقية وقد إبتاعها الدكتور الجزار خلال إحدي رحلاته إلي بعض دول قارة أوروبا وذلك إلي جانب قطعة من حجر الأماتيست وهو من أندر الأحجار الكريمة وحجر صانة أسنون الذي حصل عليه العالم المصري الدكتور الجزار خلال رحلته بدول شرق آسيا وهو يعتبر من أكبر أحجار الزمرد الأخضر في العالم وتتضمن مجموعته أيضا إحدي أقدم الحفريات المسماة بترايلوبيت حيث يبلغ عمرها أكثر من 570 مليون سنة وهي عبارة عن ارجل لمفصليات بحرية متحجرة ومنقرضة يرجع تاريخها إلي ملايين السنين حصل عليها خلال زيارة إلي بولندا ومن الترايلوبيت إلي عينات المجموعة الشمسية والتي تضم 71 قمرا بها صخور وأحجار رسوبية متنوعة في تشكيلاتها المعدنية يصل أعمار بعضها إلي أكثر من 200 مليون سنة وتضم هذه المجموعة حوالي 500 عينة جيولوجية .
ويؤكد الدكتور الجزار أن منطقة هضبة أبو رواش المصرية والتي تقع جنوب غرب القاهرة في نطاق محافظة الجيزة والتي تبلغ مساحتها حوالي 90 كيلو متر مربع من المناطق الرئيسية التي يتم دراستها من جانب علماء الجيولوجيا في الجامعات الأميريكية لإحتوائها علي ترسيبات وتكوينات جيولوجية يرجع تاريخها إلي أكثر من مائتي مليون عام وكذلك الحال بالنسبة إلي منطقة تل الزلط وقبة الحسنة وهي محمية طبيعية توجد إلي الغرب من منطقة أبو رواش وتبعد عن أهرامات الجيزة مسافة 8 كيلو مترات ويبلغ عمرها 100 مليون سنة حيث انها تعود إلي العصر الطباشيرى وتتميز المنطقة بأفضل الحفريات المرشدة التى تدل على البيئات القديمة وكذلك منطقة الجبل الأحمر قرب مدينة نصر والمقطم وبها تكوينات فريدة من خام الحديد فضلا عن تكوينات البازلت ويوضح الدكتور الجزار أن الجبل الأحمر كان بركانا ناشطا في حقبة تاريخية سابقة وتضم جنبات متحفه بعض العينات منها ويضيف الدكتور الجزار أنه يوجد أيضا في السجل المصري من المعالم الجيولوجية فوالق البحر الأحمر وفوالق جبل المقطم التي أكد أنها البنك المركزي لثروات مصر الجيولوجية ووفقا للدكتور الجزار فإن هذه المناطق تستحق أكبر قدر من الإهتمام ونشر الوعي حول أهميتها العلمية ويعرف الدكتور الجزار الأنواع الرئيسية للصخور بأن بعضها رسوبية وتتكون تحت مسطحات مائية وأخري نارية وتتكون في نطاق المرتفعات الأرضية وصخور متحولة وهي بين هذين النوعين .
وتضم أيضا مواقع الكنوز الجيولوجية في مصر وفقا للدكتور الجزار منطقة نخل في وسط شبه جزيرة سيناء والتي شهدت موقع سقوط نيزك سماوي في فترة سابقة وترتب علي ذلك تشكيل العديد من التكوينات الجيولوجية النادرة وحول مركز جيولوجي آخر في مصر يشير الدكتور الجزار إلي إحتواء مجموعته بالقارة الأفريقية علي بعض الحفريات المجلوبة من جبل قطراني وهو منطقة صخرية من الحجر الجيرى توجد بمنطقة منخفض الفيوم وهي المنطقة التي تعتبر مهد التاريخ وذات أقدم طريق ممهد عرفه التاريخ وقد تم إدراج منطقة جبل قطراني من قبل منظمة اليونيسكو العالمية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة قبل عامين علي
قائمة حماية التراث العالمي وتبلغ مساحة هذا الجبل 115 كيلو متر مربع وإرتفاعه حوالي 300 متر وهو يتضمن تكوينات لحجر البازلت ومجموعة من الرواسب الحفرية البحرية والنهرية والقارية التي يرجع تاريخها لنحو 35 مليون سنة لحيوانات فقارية منقرضة منها جدود الفيلة والقرود والحيتان وديناصور الفيوم كما تم العثور ضمن هذه الحفريات علي حفرية لأقدم قرد فى العالم والذى يسمى إيجيبتوبتكس والذى يوضح العلاقة فى حركة تطور الأجناس وأيضا وجدت حفريات لحيوان الأرسينوثيريوم أى خرتيت الفيوم الضخم أو القديم الذى يشبه الخرتيت فى الشكل ويختلف عنه فى وجود 4 قرون ممتدة من الجمجمة وليس قرنين من الطبقة الجلدية ولذلك فإن منطقة جبل قطرانى قد تم إعتبارها أنها تحوى تطور الحضارة الإنسانية وتاريخ العالم وفي النهاية يؤكد الدكتور محمد الجزار أنه يتم توفير جولات مجانية لزيارة متحفه وذلك من أجل تعريف الناس بمجموعته الكبيرة من الحفريات والأحجار والصخور كما أنه يرغب في أن يصبح منزله مركزا تعليميا يتوافد عليه الزوار والباحثون وطلاب الكليات المختلفة خاصة كليات العلوم المحليون والأجانب للتجول ومشاهدة ما فيه من حفريات وصخور ويأمل في أن يتمكن من الإستمرار في زيادتها مع متابعة دراساته الخاصة بالأرض والبحث عن مزيد من عينات الأحجار والصخور والحفريات خلال جولات مقبلة في مصر وخارجها كما أنه يعرب عن رغبته في أن يضم المتحف المصرى الكبير مع إفتتاحه قسم خاص بالحفريات يعرض من خلالها التراث المصري .
|