بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
ستانلي هو أحد أشهر أحياء وشواطئ مدينة الإسكندرية العاصمة الثانية لمصر والذي كان يقطنه في بدايات القرن العشرين الماضي عدد كبير من الإنجليز وهو ما تؤكده القصور والفيلات المشيدة على الطراز الإنجليزي بشكل مائل يغطيها القراميد الأحمر والتي لا يزال بعضها قائما ومن خلفها تظهر كنيسة جميع القديسين الإنجليزية التي شيدها بعض أفراد الجالية البريطانية في مصر وأشرف عليها أسقف لندن بنفسه وهي خاصة بالطائفة الأنجليكانية في مصر ولذا فإن هذا الحي يتخذ حتي في إسمه ملمحا إنجليزيا ورغم عدم وجود روايات مؤكدة تشير لماذا سمي هذا الحي بإسم ستانلي فإن الباحثين في التاريخ يقولون إنه ربما أطلق على الحي إسم الصحفي والرحالة الإنجليزي المعروف هنري مورتون ستانلي الذي إكتشف منابع النيل الإستوائية عند بحيرة فيكتوريا في عام 1875م وتبعها بالوصول إلى بحيرة إدوارد عام 1889م وكان أن أطلقت بلدية مدينة الإسكندرية إسمه في مطلع القرن العشرين الماضي علي الحي والشاطئ اللذان يحملان إسمه بالمدينة وشاطئ البحر في حي ستانلي يعد من أروع وأجمل شواطئ المدينة ويعد شاطئ مميز لا يوجد مثيله في مصر وإعتاد الأوروبيون تسميته ستانلي باي أى خليج ستانلي وهو من الخلجان النادرة في البحر المتوسط حيث يحتضن تكوينات صخرية نادرة وينخفض هذا الشاطئ عن منسوب الكورنيش بمقدار 3 طوابق وينفرد دون غيره بوجود كبائن في شكل نصف دائري تحيط به وهذه الكبائن يتم تأجيرها للمصطافين وكانت من قبل عبارة عن أكواخ خشبية متراصة ونظرا للإقبال المتزايد على الشاطئ قامت بلدية الإسكندرية عام 1932م بإنشاء المزيد من الأكواخ على 3 مستويات تطورت فيما بعد للكبائن التي لا تزال سمة مميزة للشاطئ ولكل هذه الأسباب مجتمعة كان ولايزال شاطئ ستانلي أحد أشهر أماكن الإصطياف التي يسعى الجميع إليها فعلى رماله كان يمكن رؤية الرجال في الماضي وقد إرتدوا البزات البيضاء الشاركسكين والقبعات الإنجليزية أما السيدات فكن يرتدين أبهى الأزياء الفرنسية ولا تفارقهن المراوح الدانتيل كذلك كانت الجميلات يقمن بعروض أحدث موديلات ملابس البحر أما في المساء فكانت القصور والفيلات الفخمة والأندية الليلية حوله قبلة لطبقات المجتمع الراقية وفي وقتنا الحاضر يعد شاطئ ستانلي أحد الشواطئ التي يوجد بها أعلى درجات الأمان لكونه مراقب بالكاميرات بالإضافة لوجود إدارة حازمة للشاطئ والكبائن .
وكان هذا الفندق وجهة الكثير من المشاهير والملوك ورؤساء الدول فقد توافد عليه عدد من المشاهير الذين كانوا من زبائنه منهم ملك الأردن الملك حسين بن طلال وزوجته والرئيس أنور السادات وزوجته ومن الكتاب والأدباء والشعراء نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وأنيس منصور وأحمد رامي ومن العلماء أحمد زويل ومجدي يعقوب وقد توافد أيضا نجوم وكواكب السينما المصرية على هذا الشاطئ دون غيره كعمر الشريف وأحمد رمزي وحسن يوسف والكثير من المطربين ونجوم الغناء المصريين والعرب وعلى رأسهم العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ وأجمل الفنانات ومنهم فاتن حمامة وصباح وشادية وسعاد حسني وسهير رمزي وليلى فوزي ومريم فخر الدين والفنانات السكندريات هند رستم وشويكار وزبيدة ثروت كما حظي الشاطئ بزيارة الكاتبة الإنجليزية أجاثا كريستي ومن أهم معالمه فندق ومطعم سان جيوفاني الذي يتمتع بموقع متميز وكان يفتح على البحر مباشرة ويصل عمر هذا الفندق المتميز إلى أكثر من 80 عاما حيث بناه رجل يوناني يسمي جيوفاني على شاطئ ستانلي في عام 1939م وهو يحتوي على 32 غرفة في 3 طوابق ويضم 10 أجنحة ملكية فاخرة وجميع هذه الغرف والأجنحة تطل على البحر مباشرة وكلها مكيفة الهواء ومفروشة بأثاث خشبي داكن اللون وملحق بكل منها حمام خاص وتشمل كل منها تليفزيون وثلاجة ميني بار وخدمة الواى فاى وفضلا عن ذلك يقدم الفندق العديد من الخدمات المتميزة حيث يوجد به حمام سباحة متميز مع إطلالات خلابة على المنطقة المحيطة به كما تتوافر به قاعة إجتماعات وإمكانية لإقامة الأفراح بالإضافة إلى جراج خاص .
وإلي جانب هذا الفندق يوجد أيضا كازينو السرايا وهو يعد واحدا من معالم الحي الباقية وكان يطلق عليه أيضا السفينة لأنه يشبه السفينة كما أن الجلوس به يشعرك فعلا وكأنك في سفينة في عرض البحر وكان يتردد عليه أثرياء المجتمع وأشهر الفنانين والفنانات حيث كان يأتي للغناء فيه الكثير من المطربين مثل شفيق جلال وإسماعيل يس بل إن الملك فاروق كان دائم التردد عليه للعب الورق وقد تحول بعد العصر الملكي لإقامة الأفراح ثم تم إغلاقه وحاليا تدرس الحكومة هدمه وإنشاء فندق عالمي في موقعه وكان أيضا من معالم حي ستانلي فندق صغير يسمى الدوفيل كان يتكون من طابقين وكان ملحقا به ملهى يسمي ملهي الضفدعة ومما يذكر أن حي ستانلي كان مما يميزه أنه كان يشمل العديد من الفيلات التي كانت تسكنها أشهر العائلات وما تواجد فيه من عمارات كانت لا تزيد في الإرتفاع عن 5 طوابق علي الأكثر وكانت تسمى بأسماء أصحابها وكان من أهم وأبرز معالمه أيضا قصر الأمير يوسف كمال أحد أفراد أسرة محمد علي باشا حيث كان حفيدا للأمير أحمد رفعت باشا الإبن الأكبر للقائد إبراهيم باشا إبن محمد علي باشا وحاليا يشغله مقر المتحف البحري القومي وموقعه يعد موقعا فريدا في مواجهة شاطئ ستانلي على مساحة تتجاوز 3 أفدنة وهو عبارة عن مبنيين رئيسيين الأول كان يطلق عليه السرايا وكان مقرا لإقامة الأمير يوسف كمال أما المبنى الآخر فيعرف بمبنى الضيافة وكان يوجد عدد من المباني الملحقة به تشمل جراجا للسيارات وصوبة لزراعة النباتات ومكان لغسيل وكي الملابس وسكن لإعاشة الخدم ويشتمل المكان أيضا علي حديقة كبيرة تضم الكثير من الأشجار والنباتات النادرة والتشكيلات الصخرية الرائعة وقد آلت ملكية المكان للدولة عقب قيام ثورة 23 يوليو عام 1952م وصدور قرار بمصادرة جميع القصور الملكية وفيما بعد وفي عام 1986م صدر قرار جمهوري بتخصيص هذا المكان لإنشاء المتحف البحري القومي .
ومن المعالم الحديثة التي تم تشييدها في حي ستانلي كوبرى يعرف بإسم الحي أي كوبرى ستانلي وهو كوبرى خرساني وكان هو الأول الذي يخترق البحر المتوسط وأضحى أحد أهم معالم الإسكندرية بجمال تصميمه وبطرازه المعماري الفلورنسي الإيطالي المستوحى من معمار قصر المنتزة كما أن به إضاءة تميزه ولذا فقد أسهم في رفع مستوى المنطقة ويبلغ طوله 490 مترا وعرضه 21 مترا ونفذته شركة المقاولون العرب وبلغت تكلفته 30 مليون جنيه وكان الغرض من تشييده تحسين سيولة المرور على كورنيش الإسكندرية وهو يعد من أهم إنجازات محافظ الإسكندرية الأسبق محمد عبد السلام المحجوب حيث أنه قام بتوسعه كورنيش الاسكندرية وكان هذا الكوبرى أحد أهم التوسعات لهذا الكورنيش وجدير بالذكر أن فندق سان جيوفاني الذى تحدثنا عنه في السطور السابقة كاد أن يتعرض إلى الهدم عند الشروع في بناء كوبري ستانلي إلا أن حملة قومية ثقافية قوية إعترضت على هذا الأمر بشدة ليتم هدم مطبخين فقط منه ويظل في موقعه ليتمتع الزائر له بأجمل الإطلالات على البحر المتوسط على الإطلاق وقد تم إفتتاح كوبرى ستانلي في يوم 2 سبتمبر عام 2001م وكان هذا ضمن المرحلة الثالثة لأعمال تطوير كورنيش الإسكندرية كما أن الكوبري يعد قبلة لراغبي التنزه ليلا للإستمتاع بضوء القمر وتناول الآيس كريم أو وجبة من الذرة المشوية الساخنة أو تناول حمص الشام أو غزل البنات أو الترمس وأيضا يشهد الكوبرى في الصباح الباكر الكثير من هواة صيد الأسماك من أعلي الكوبرى بإستخدام السنانير وبعد أن كان الحي يشهد مواكب الأمراء والملوك أصبح يشهد مواكب الزفاف الشعبية بأجوائها المرحة حيث أصبح كوبري ستانلي مزارا سياحيا لا بد أن تطوف به الزفة سواء كانت بالسيارات أو بعربات الحنطور حيث تجد العريس يصطحب عروسه لإلتقاط صور تذكارية وتصاحبهما تهليلات ومباركات من المارة والسيارات العابرة والتي تحييهم بنغمات أبواقها ولقد ظهر الجسر بشكل إعلامي في فيلم صايع بحر بطولة أحمد حلمي كما ظهر في فيلم الدادة دودي بطولة ياسمين عبد العزيز بالإضافة إلى إعلانات شركة إتصالات للتليفون المحمول وعلاوة علي ذلك يشهد كوبرى ستانلي تجمعات فى أعياد الحب كل عام لإلقاء الورود الحمراء من الشباب فى مياه البحر من أعلاه إحتفالا بتلك المناسبة وعلي العكس فأحيانا يشهد الكوبرى أيضا أحداث حزينة منها إلقاء الورود من فوقه فى البحر حدادا على أرواح ضحايا الطائرة المصرية التي سقطت في مياه البحر المتوسط عندما كانت عائدة إلي مصر من باريس في شهر مايو عام 2016م .
|