الجمعة, 6 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

سوق الحسبة

سوق الحسبة
عدد : 01-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”

سوق الحسبة هو أحد أشهر أسواق مدينة دمياط بشمال مصر وقد إحتل مكانة كبيرة عند الوافدين إلي المدينة من التجار علي مر الزمان حيث ذاع صيته كأحد المنافذ التجارية ببر مصر والدلتا خاصة وقد إعتاد هذا السوق على إستقبال الخيرات حيث كان يضم صوامع للقمح ومتاجر للجلود والأقمشة وتباع داخله الخضر والفاكهة والأضاحى ويقع مقر هذا السوق وسط مدينة دمياط بالقرب من شارع البحر حاليا سعد زغلول باشا سابقا كما كان بجواره منطقة الخليج الذي كان يستمد مياهه من نهر النيل عند كوبري دمياط القديم وكان هذا الخليج يسير وعند تقاطعه مع شارع سوق الغلال يمينا ومدخل سوق السمك بشارع الملكة فريدة شمالا كانت هناك قنطرة يعبر عليها الناس ومازال هذا الإسم القنطرة يطلق علي هذه المنطقة بالكامل حتي الآن وكان الخليج يستمر في مساره حتي يصل إلي سوق الحسبة وكانت منطقة الخليج المشار إليها من أهم أسباب إختيار الموقع الذى يشغله سوق الحسبة نظرا لموقعها الذى يضم كافة أطياف الشعب وسهولة ترويج البضائع بمختلف أنواعها وأطلق علي هذا السوق أيضا إسم جلاب الخير لكثرة خيراته وتاريخيا فقد إحتل سوق الحسبة بدمياط مكانة كبرى لدى ولاة مصر على مر العصور حيث كان أحد أهم الأسواق الإقتصادية التى يقصدها تجار الشام وبلاد الرافدين فضلا عن كونه واحدا من المناطق الحيوية التى تعد ميناء بحري نظرا لقربه من شاطئ النيل ومصب فرعه المعروف بإسم فرع دمياط في البحر المتوسط وهى الميزة التى تميز بها سوق الحسبة بدمياط عن باقى أسواق مصر وكان ذلك هو السبب فى إنشاء الجمارك قديما بالمدينة ويعود سبب تسمية هذا السوق بسوق الحسبة نسبة إلي وظيفة المحتسب وكان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب هو أول من وضع نظام الحسبة وإن كان مسمي المحتسب لم يظهر في عصره وكان يقوم بنفسه بعمل المحتسب فكان يطوف الشوارع والأسواق ودرته معه وهي عصا قصيرة مصنوعة من جلد البقر أو الجمل ومحشوة بنوى التمر فمتى رأى غشاشا علاه بها مهما كان شأنه عقابا له علي غشه .

وفي مصر فمع الفتح الإسلامي لها عام 21 هجرية الموافق عام 642م في عهد الخليفة عمر بن الخطاب دخل إليها أيضا نظام الحسبة لكن المؤرخين والباحثين يتوقفون أمام الدولة الطولونية بإعتبارها أول دولة مصرية مستقلة في ظل الإسلام والتي أسسها أحمد بن طولون في مصر والشام من الفترة ما بين عام 254 هجرية الموافق عام 868م وحتي عام 292 هجرية الموافق عام 905م ومعها تبلورت شخصية مصر الإسلامية وخلالها أيضا ظهر المحتسب كمنصب في الدولة له أهميته ومن ثم أخذت هذه الوظيفة تنمو وتتسع إختصاصاتها والأمر نفسه ينطبق على الدولة الفاطمية إذ كانت دولة مستقلة وتسعى إلى حكم العالم الإسلامي كله وعلي الرغم من أنها كانت شيعية وربما لأنها كانت كذلك وتريد أن تتصف بالعدل والإنصاف كنوع من أنواع الترويج والترغيب في مذهبها الشيعي إهتم الخلفاء الفاطميون بنظام الحسبة وكان للمحتسب دور كبير فيها أيضا وكان له أتباع يطوفون في الأسواق ويقومون بتنظيمها ويحتكون بالتجار والباعة وينشرون بينهم وعن طريقهم أفكار الدولة ومذهبها ودعوتها الخاصة كما كانوا يفتشون الفنادق العامة ويشرفون على السقايين كما إمتد عملهم من الأسواق إلي أحكام الشريعة إلي الإشراف علي المساجد وللسبب نفسه إهتم السلطان صلاح الدين الأيوبي بالحسبة والمحتسب لأنه كان مهتما بصفة خاصة بالأسواق في إطار إهتمامه بإعادة مصر إلى المذهب السني وكان يشترط أن تتوافر بعض الصفات وربما الشروط الخاصة في شخصية المحتسب طبقا لما ذكره عبد الرحمن بن نصر الشيرازي في كتابه الشهير الرتبة في طلب الحسبة ومنها أنه يجب أن يكون عارفا أو فقيها في الدين الإسلامي وأن يؤدى وظيفته علي أكمل وجه ولا يكون قوله مخالفا لفعله أي لايكون هناك إنفصال بين قوله وفعله كما يجب عليه أيضا أن يقصد بقوله وفعله وجه الله تعالي وطلب رضائه وأن يكون خالص النية لا يشوبه في سلوكه وتصرفاته رياء الأمراء وأن يتمتع بـالرفق ولين القول وطلاقة الوجه وسهولة الأخلاق عند أمره للناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر ومما يذكر أن لفظ المحتسب لم يكن مستعملا حينذاك ولم يبدأ إستخدامه إلا في عهد الخليفة المهدي ثالث الخلفاء العباسيين . وكانت سلطة القاضي موزعة بينه وبين المحتسب وقاضي المظالم فالقاضي كانت وظيفته فض المنازعات المرتبطة بالدين بوجه عام والمحتسب كانت وظيفته النظر فيما يتعلق بالنظام العام والجنايات التي يستدعي الفصل فيها إلي السرعة وكانت وظيفة قاضي المظالم هي الفصل فيما إستعصى من الأحكام علي القاضي والمحتسب فكان عمل القاضي مبنيا علي التحقيق والتدقيق والأناة في الحكم أما عمل المحتسب فكان مبنيا علي الشدة والسرعة في العمل وأحيانا كان القضاء والحسبة يسندان إلي رجل واحد وكان هذا العمل قديما وأثناء العصر الذهبى للإسلام عمل تطوعي رقابي وبشئ من التفصيل كانت مهمة المحتسب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمحافظة علي الآداب العامة والأمانة والفضيلة والنظر في مراعاة أحكام الشرع والإشراف علي نظام الأسواق ومنع بروز المحال حتي لا تعوق نظام المرور وإستيفاء الديون والكشف علي الموازين والمكاييل منعا للغش في الميزان ومعاقبة من يعبث بالشريعة أو يرفع الأسعار ومنع التعدي علي حدود الجيران ومنع أن ترتفع مباني أهل الذمة عن مباني المسلمين ووصل الأمر إلي أن إبن خلدون تناول أعمال المحتسب وكيف أنه كان من مهامه وواجباته أيضا البحث عن فاعلي المنكرات وتأديب الناس ومراقبة المصالح العامة بالمدينة ومنع مضايقة الناس في الشوارع ومنع الحمالين والسفن من زيادة الأحمال والحكم علي أصحاب المباني الآيلة للسقوط يهدمها ولم يكن يتوقف عمل المحتسب علي كل ذلك بل كان أيضا له الحق في نظر كل ما يرفع إليه من مظالم وشكاوى وإصدار الأحكام علي المخالفين بسرعة في الدعاوي خصوصا ما كان منها يتعلق بالغش والتدليس وتنفيذها علي الفور وذلك فضلا عن جمع الضرائب ونصيب بيت مال المسلمين وبإختصار كأن المحتسب بلغة العصر يقوم بوظيفة وزير التموين ووزير العدل ووزير الداخلية ومصلحة الدمغة والموازين وشرطة تنفيذ الأحكام في نفس الوقت وقد إستمر ذلك طوال الفترة من الفتح الإسلامي لمصر مرورا بالعهد الفاطمي والعهد الأيوبي .

ولكن في العصور الوسطى وبحلول عهد المماليك تبدلت الأحوال لتصبح وظيفة المحتسب أحد الوظائف الخاصة بالبلاط حيث كان شاغلها يعد من رجال الدولة أو الأمراء أو كبار الفقهاء وأصبح لها راتب من قبل الدولة فذهبت قيمتها وبدأت تستخدم هذه الوظيفة فى إستغلال الغلابة بداية من فرض الأتاوة وكانت عبارة عن جباية يفرضها رجال المحتسب على التجار بالأسواق ومنها سوق الحسبة بدمياط نظير التغاضي عن مخالفة الأسعار والتجاوز عن الغش فى الموازين وكان من لا يقوم بالدفع يرى مالا يحمد عقباه وكان مما ذكر في هذا الشأن أنه فى عام 873 هجرية الموافق عام 1468م أنه بعد أن تولي السلطنة في العام المذكور السلطان المملوكي الأشرف قايتباي أنه قام بتعيين يشبك الجمالي محتسبا لأسواق مصر والذي بدأ رحلته العملية بزيارة ثقيلة لمحافظة دمياط وتفقد أرجاء سوق الحسبة وبدأ يتخذ منه ملاذا وحلا للخروج من الأزمات الاقتصادية التى عصفت بالإقتصاد المصرى آنذاك وكان لهذا المحتسب هواية غريبة في تعذيب ضحاياه فكان يضرب المتهم بنفسه طبقا للمؤرخ إبن الصيرفي ثلاث علقات واحدة على مقعدته وأخرى على رجليه وثالثة على أكتافه ثم يتم حلق رأسه بالكامل كنوع من الذل وحدث في أحد الأيام وبالتحديد خلال عام 875 هجرية الموافق عام 1470م أن رفض بائع تين غلبان بدمياط أن يدفع الرشوة المعهودة لزبانية المحتسب فأمسكوا به وحملوه إلى ذلك الطاغية فضربه الثلاث علقات المعهودة ثم قام بتعليقه شبه عار على باب دكانه في هيئة فظيعة إذ علقه من أحد ذراعيه وربط ذراعه الأخرى في ظهره ثم لطخ جسده بالعسل وتركه في الشمس فتجمع عليه النحل والذباب فقاسى من العقوبة مالا يوصف وكان لذلك أثره عند السلطان قايتباي حيث لما وصله هذا النبأ قام فورا بإصدار فرمان بعزل يشبك الجمالي ومحاكمته لما بدر منه حيال هذا البائع الغلبان وبعد إنتهاء العصر المملوكى وخلال العصر العثماني الذى تلاه إستمر العمل بنظام الحسبة وكان المحتسب يقوم بجولاته في المدينة في شكل موكب مهيب كان يلفت على الدوام أنظار الرحالة وكان يصحبه في موكبه كثيرون من بينهم على وجه الخصوص حاملو الموازين وكان يوقع العقوبات الجسدية على المخالفين .

ومع بداية عصر محمد علي باشا في عام 1805م حاول أحد المحتسبين النشطاء وإسمه مصطفى كاشف كرد أن يجبر الأهالي على كنس الأسواق ورشها بصفة دائمة وأمر بإضاءة الفوانيس على أبواب البيوت وبتعليق فانوس على باب واحد من كل ثلاثة دكاكين مما أدى إلي إثارة معارضات قوية ضد هذه الأوامر فإضطر الوالي محمد علي باشا إلي إصدار أوامره إلي موظفه النشيط بضرورة الإلتزام بالمهمة التي كان يؤديها سابقوه من المحتسبين وأن يقتصر دوره علي القيام فقط بنفس إختصاصاتهم وبعد عدة سنوات قام محمد علي باشا في عام 1234 هجرية الموافق عام 1819م بإلغاء نظام الحسبة وصار وجودها قاصرا على الكتب والدراسات الفقهية ثم في عام 1253 هجرية الموافق عام 1838م تحول المحتسب الذى يتولى هذه الأمور إلي موظف عمومي في جهاز الدولة وكان هذا القرار من محمد علي باشا بإلغاء نظام الحسبة يعني إحداث تغيير جوهري في معنى وفكرة الحسبة فتاريخيا كان يشترط في المحتسب أن يكون عارفا أو فقيهاً في الدين الإسلامي كما ذكرنا في السطور السابقة لكن هذا الشرط لم يعد قائما في حال إختيار الموظف العام الذي يجب أن يكون مستوفياً لشروط أخرى كما أنه في نظام الحسبة لم يكن ممكنا لغير المسلم أن يمارسها أو يؤديها لكن في حالة الوظيفة العامة الأمر يختلف إذ من الممكن أن يتولاها أي إنسان مصري مسلم أو غير مسلم وبالفعل إستعان محمد علي باشا بالكثير من الأرمن حيث لم يكن لديه أى حساسية من هذه الناحية فالمعيار هنا هو المواطنة والكفاءة والأمانة وليس الديانة وبذلك دخلت الحسبة والمحتسب ذمة التاريخ والحق أن القرن التاسع عشر الميلادي في مصر كما في غيرها من البلدان والمجتمعات العربية والإسلامية شهد العديد من التحولات وإنقراض بعض الوظائف والفئات وهكذا كانت الدولة تتحول نحو مرحلة وحالة جديدة من الحداثة وتحول المحتسب وتحولت الحسبة معه في الوعي والثقافة العامة إلى ماض منصرم وذكرى .

وجدير بالذكر أن بلاد الأندلس بعد أن دخلها الحكم الإسلامي في العصر الأموى أيضا قد عرفت نظام الحسبة ووظيفة المحتسب وكان يتولى الحسبة في كل مدينة فيها موظف يسمي المحتسب أو صاحب السوق وكان معظم عمله يتعلق بالإشراف والرقابة علي الأسواق وكان يتم إختياره من بين القضاة المشهود لهم بالعلم والمعرفة والفطنة والأمانة والسيرة الحسنة والسمعة الطيبة لأن عملهم كان مرتبطا بالقضاء وكانت للمحتسب قوانين ولوائح يعمل بها وتدرس كما تدرس أحكام الفقه والشريعة والقانون لأنها تتعلق بعمليات البيع والشراء بين الأفراد حيث كان يتم تحديد أسعار عادلة لكل من البائع والمشترى لكافة السلع يجب الإلتزام بها وفي النهاية وبعد أن تعرفنا علي حكاية سوق الحسبة ونظام الحسبة ووظيفة المحتسب سواء في دمياط أو في غيرها من البلاد منذ بدايته في مصر مع الفتح الإسلامي لها وحتي عهد الأسرة العلوية وهي الحكاية التي لا يعرفها الكثيرون حتي من أهل مدينة دمياط نفسهم فمايزال سوق الحسبة أشهر وأهم أسواق المدينة قائما حتي وقتنا الحاضر ويتردد عليه أهالي مدينة دمياط وما يجاورها من مدن وقرى يوميا لشراء ما يلزمهم من الخضر والفاكهة بصفة أساسية وغيرها من البضائع والسلع بأسعار معتدلة ومما يذكر أنه خلال شهر رمضان المعظم في كل عام تنتعش به تجارة الياميش والمكسرات ويقبل عليه المشترون من كل حدب وصوب للحصول علي إحتياجاتهم منها ومؤخرا قامت محافظة دمياط برصف جميع الشوارع بسوق الحسبة بمدينة دمياط بتكلفة قدرها مليون جنيه حيث تعتبر هذه الشوارع من أهم المحاور المرورية الرئيسية بالمدينة وأخيرا فمن معالم سوق الحسبة مسجد الناصرية والذى يعد من أقدم وأشهر مساجد دمياط .
 
 
الصور :