بقلم المهندس/ طارق بدراوي
موسوعة" كنوز أم الدنيا"
سان ستيفانو هو أحد الأحياء الراقية في مدينة الإسكندرية العاصمة الثانية لمصر وهو يتبع حي شرق ويوجد حاليا بالحي أحد أكبر مراكز التسوق في المدينة وهو سان ستيفانو جراند بلازا والذي بني في نفس موقع فندق سان ستيفانو القديم الذي شهد العديد من الأحداث التاريخية ويجاوره عدد أربع أحياء أخرى وهي جاناكليس ولوران وجليم وزيزينيا ويضم الحي محطة ترام سان ستيفانو وهي المحطة التي يتفرع عندها خط الترام إلي مسارين هما خط باكوس في الجنوب الشرقي وخط جليم في الشمال الشرقي ثم يعودان ويلتقيان عند محطة بولكلي ومما يذكر أن هذا الترام يربط وسط المدينة من عند محطة الرمل بشرقها عند محطة فيكتوريا ويتميز بلون عرباته الأبيض في الأزرق وإسم الحي سان ستيفانو مكون من كلمتين أولهما سان وهي إختصار لكلمة سانت بمعني قديس وثانيهما ستيفانو وهو النطق الإغريقي لإسم ستيفين أو بالعربية إسطفانوس وهو إسم قديس في الديانة المسيحية وتاريخيا أطلق إسم سان ستيفانو على قرية في بلغاريا وعلي قرية أخرى تقع علي ساحل بحر مرمرة في الجانب الأوروبي علي بعد حوالي 11 كم غرب مدينة إسطنبول في تركيا وقد شهدت هذه الضاحية توقيع معاهدة تاريخية سميت سان ستيفانو بين الإمبراطورية العثمانية وروسيا وذلك في يوم 29 صفر عام 1295 هجرية الموافق 3 مارس عام 1878م وذلك في ختام الحرب العثمانية الروسية التي وقعت بين عام 1877م وعام 1878م وإنتهت بإنتصار روسيا وقام بالتوقيع عليها وزير الخارجية العثماني صفوت باشا والسفير العثماني في برلين سعد الله بك كممثلين عن الإمبراطورية العثمانية والكونت نيكولاس بافلوفيتش إجناتيف والكسندر نليدوف نيابةً عن الإمبراطورية الروسية وبموجب هذه المعاهدة تم إنهاء الحرب العثمانية الروسية ونكاية في الدولة العثمانية التي كانت تتبعها مصر حينذاك ففي فترة الإحتلال الإنجليزي لمصر والتي بدأت عام 1882م أطلقت شركة الترام الأجنبية التي كانت تدير تشغيل الترام بمدينة الإسكندرية بعد أن كانت قد أنشأته عام 1860م في عهد والي مصر محمد سعيد باشا إبن محمد علي باشا على المنطقة المعروفة بسان ستيفانو هذا الإسم تخليدا لذكرى الإنتصار الروسي علي الدولة العثمانية .
وتعود خلفيات وملابسات هذه الحرب إلي عام 1293 هجرية الموافق عام 1876م عندما جلس السلطان العثماني عبد الحميد الثاني على عرش الدولة العثمانية خلفا للسلطان عبد العزيز خان ومنذ اليوم الأول الذي جلس فيه علي العرش كانت الدولة العثمانية محفوفةً بالإرتباكات الشديدة والإضطرابات العديدة والثورات الكثيرة المنتشرة بولاياتها الأوروبية في صربيا والجبل الأسود والبوسنة والهرسك وبلغاريا والتي كانت وراءها الدول الإستعمارية الكبرى بريطانيا وفرنسا وروسيا ولذا أرسل السلطان عبد الحميد الثاني جنوده لإخماد هذه الثورات وهو الأمر الذي جعل أمير الصرب بعد الهزيمة يطلب من الدول الأوروبية الإستعمارية التدخل والتوسط في الصلح وكانت هذه الدول قد إتفقت فيما بينها آنذاك على التضييق على الدولة العثمانية وإجبارها سياسيا على قبول مهادنة الصرب وكان ذلك مرة بالنصائح وتارة بالتهديد الصريح وبالفعل وافق السلطان عبد الحميد الثاني على عقد هدنة ولكن بشروط منها خضوع أمير الصرب للدولة العثمانية ودفعه غرامة حربية الأمر الذي أدى إلى التدخل من القيصر الروسي منفردا بالضغط علي السلطان عبد الحميد طالبا منه ضرورة عقد هدنة مع الصرب لمدة شهرين دون شروط فإضطر السلطان أن يوافق على ذلك وهنا إستاءت إنجلترا من تصرف القيصر الروسي لذلك وجه وزير خارجيَّتها اللورد دربي دعوةً للدول الأوروبية الكبرى لعقد مؤتمر في إسطنبول ووضعت عدة ثوابت منها ضرورة وقف الحرب مع الصرب وإحترام سيادة الدولة العثمانية ووافقت الدول الأوروبية على هذه الثوابت إلا أن القيصر الروسي بعد إضطراره للموافقة حذر بأنه سيلجأ إلى القوة إذا فشل المؤتمر والذى سبقته إجتماعات جانبية عقدت في دار السفارة الروسية بإسطنبول من دون دعوة الوفد العثماني ووضعَت خلال هذه الإجتماعات عدة إقتراحات لعرضها على المؤتمر وقد وصفت الدولة العثمانية هذه الإقتراحات بأنها تمس إستقلالها وسيادتها وحقوقها وبالتالي رفضتها رسميا .
وفي النهاية إنعقد مؤتمر إسطنبول وإنفض دون أن ينجز شيئا لكن إنفضاضه على هذا الشكل أدى إلى قطع العلاقات بين الدولة العثمانية والدول الأوروبية وراحت كل دولة تتصرف وفقا لمصلحتها خاصة روسيا التي رأت أن الحرب هي الحل المتبقي لتأمين مصالحها ومِن ثم أخذت تستعد للحرب دبلوماسيا وعسكريا حيث عقدت معاهدة مع النمسا تضمن لها حيادها في الحرب ومعاهدة أخرى مع رومانيا نصت على مشاركتها لها في الحرب علي الرغم من العلاقات المتوترة بين البلدين وأيضا أرسلت روسيا مندوبها إجناتيف إلى الدول الأوروبية الأخرى فعقد بينهم ما عرف بإسم بروتوكول لندن والذى حددوا فيه بعض المطالب وأرسلوها إلى السلطان عبد الحميد الثاني الذي عرضها بدوره على مجلس المبعوثان وهو البرلمان التركي فرفضها المجلس ومن ثم أبلغ السلطان العثماني قرار الرفض إلى الدول الأوروبية ولم يسع القيصر الروسي إسكندر الثاني بعد هذا الرفض العثماني وعدم الإنصياع الكامل إلى طلبات الدول الأوروبية إلا إعلان الحرب على الدولة العثمانية وأمر قواته بالتحرك في يوم 10 ربيع الآخر عام 1294 هجرية الموافق يوم 24 أبريل عام 1877م فعبرت القوات الروسية الأراضيَ الرومانية في طريقها على نهر الدانوب لعبوره وإكتساح الأراضي العثمانية وأعلنت رومانيا إشتراكها في الحرب إلى جانب روسيا وإستطاعت القوات المتحالفة عبور نهر الدانوب في يوم 15 جمادى الأولي عام 1294 هجرية الموافق يوم 27 مايو عام 1877م وإنضمت قوات الصرب والجبل الأسود هي الأخرى إلى القوات الروسية والرومانية وبذلك أصبحت الدولة العثمانية وحيدة تواجه تكتلا دوليا قويا وقد إتخذ هذا الصراع الحربي سمة صليبيةً منذ اليوم الأول لإندلاع القتال بين الطرفين المتحاربين إذ ركز الحلفاء على قصف الأحياء المسلمة في المدن التي إقتحموها وقاتلوا سكانها ممَا دفع شيخ الإسلام في الدولة العثمانية إلى إصدار فتوى تضمنت فرض القتال على كل مسلم بالغ عاقل قادر .
وأحرزت الجيوش الروسية إنتصارات سريعة فإستولت على عدة مدن في منطقة البلقان منها مدينة ترنوفو ونيقوبولي كما أنها إستطاعت أن تستولي علي مضائق البلقان ثم واصلت تقدمها إلى مدينة بلفنة وعند هذه المدينة نجح القائد العثماني عثمان باشا في وقف التقدم الروسي قرابة خمسة أشهر على الرغم من الحصار الشديد الذي فرضه القائد الروسي تودلبن على المدينة ولكن بعد سقوط بلفنة وجهت روسيا جيوشها إلى ما وراء جبال البلقان للإغارة على بلغاريا ثم بمساعدة ثوار الجبل الأسود إحتلت مدينة صوفيا البلغارية وإندفعت بعد ذلك إلى إسطنبول دون أن تجد مقاومةً تذكر وفي الوقت نفسه شق سكوبليف أبرع القادة الروس طريقه إلى إدرنة داخل الأراضي التركية والقريبة من الحدود البلغارية وإستولى عليها وسط تقهقر الجيوش العثمانية وإنسحابها من كل مكان كما إستولى الصربيون والرومانيون على بعض المدن مثل مدينة نيش وفيدين في الوقت الذي سيطر فيه اليونانيون على تساليا من دون إعلان حرب وفي نفس الوقت حقق الروس عدة إنتصارات على طول خط الجبهة في آسيا حيث سقطت بعض الحصون في أيديهم مثل قارص وأردهان وأرضوم حتى أن أرمينيا بكاملها سقطت في أيديهم وفي شهر المحرم عام 1295 هجرية الموافق شهر يناير عام 1877م إقتربت القوات الروسية من مشارف العاصمة العثمانية إسطنبول وأمام هذه الكارثة طلب السلطان عبد الحميد الثاني من روسيا وقف إطلاق النار وإبرام هدنة وبدأت روسيا بالفعل في إجراء مفاوضات الصلح في إدرنة مع الحكومة العثمانية ثم نقلت هذه المفاوضات إلى قرية سان ستيفانو قرب إسطنبول وتمخض عنها إبرام معاهدة سان ستيفانو في يوم 28 صفر عام 1295 هجرية الموافق يوم 3 مارس عام 1877م وكانت هذه المعاهدة هي أكثر المعاهدات ضررا بالدولة العثمانية حيث أملتها دولة منتصرة على دولة منهزمة وعلى قدر حجم الهزيمة كان حجم الخسائر السياسية والمادية وكانت الإقتراحات التي عرضت في للوصول إلي المعاهدة المشار إليها منها تقسيم بلاد بلغاريا إلى ولايتين ويعين على كل منها حاكم نصراني أجنبي أومن رعايا الدولة العثمانية مع تشكيل قوة من النصارى لحفظ الأمن على أن يكون ضباطها منهم ومن المسلمين وتعينهم الدولة العثمانية وتوحيد ولايتي البوسنة والهرسك على أن يعين عليها حاكم من قبل الدولة العثمانية علي أن توافق عليه الدول الأوروبية ويطبق عليها ما يطبق على بلاد البلغار وعلي أن تتنازل الدولة العثمانية بعد عقد الصلح مع الصرب والجبل الأسود لهما عن بعض الأراضي وإذا لم تقبل الدولة العثمانية هذه الإقتراحات فسوف ينسحب الأعضاء من إسطنبول ويقطعون علاقة دولهم بها .
وبإختصار كان بروتوكول هذه المعاهدة عبارة عن إنذار شديد اللهجة من الجماعة الدولية للسلطان العثماني يطالب بوضع ترتيبات مناسبة تتعلق بتحسين أوضاع النصارى في الأراضي العثمانية وإجراء إصلاحات في البوسنة والهرسك وبلغاريا وعقد صلح مع الجبل الأسود على أساس منح الإقليم إضافات إقليمية يطالب بها مع تأكيد الصلح الذي عقده السلطان العثماني مع الصرب وإجراء إصلاحات في هذين الإقليمين لتطمئن نفوس سكانهما وتخفيض عدد القوات العثمانية فيهما على أن تراقب الدول الأوروبية تنفيذ هذه الإجراءات بواسطة سفرائها وبذلك تم إنشاء إمارة ذاتية الحكمِ لبلغاريا بعد ما يقرب من 500 عام من الحكم العثماني لها ويحتفل البلغار باليوم الذي تم فيه التوقيعُ على هذه المعاهدة في اليوم الثالث من شهر مارس في كل عام كيوم للإستقلال ومع ذلك فإن بلغاريا الموسعةَ التي تصورتها المعاهدة أزعجتِ الدولَ المجاورة وكذلك فرنسا وبريطانيا العظمى وكانت النتيجة حينذاك أنه لم توضعِ المعاهدة موضعَ التنفيذ مطلقا إذ حلت محلها معاهدة برلين التي أعقبت مؤتمرَ برلينَ الذي عقدَ بعد ثلاثة أشهر من توقيع معاهدة سان ستيفانو ووفقا للموقفِ الروسي الرسمي لم تقصد روسيا من خلال التوقيعِ على هذه المعاهدة أكثر من أن تكون مسودة أولية مؤقتة وذلك حتي تتمكن من عمل تسوية نهائية مع القوى العظمى الأخرى والخلاصة أن معاهدة سان ستيفانو تعد منَ المعاهدات الفارقة والمهمةِ في تاريخِ الدولة العثمانية فقد فرضت على العثمانيين المهزومين أمام روسيا إدخالَ إصلاحات جوهرية على أوضاعِ المسيحيينَ في الدولة العثمانية لا سيما في ولاياتها الأوروبية وهو ما أعطي حقوقا وإمتيازات للأقلية لاتتمتع بها الأغلبية المسلمة وكان ذلك إشارة إلى رغبة الدول الأوروبية في إضعاف وتفجير الدولة العثمانية من الداخل وإثارة الإضطرابات والقلاقل في المناطق التي تحكمها خاصة في القارة الأوروبية وذلك بعد إضعافها للغاية في المحيطِ الدولي بحيث أصبحت تمثل رجل أوروبا المريض كما أطلق عليها حينذاك والذي ينتظر الجميع موته والتخلص منه من أجل تقسيم تركته الكبيرة .
ومن أهم معالم حي سان ستيفانو الفندق القديم الذى كان معروفا بإسم سان ستيفانو وقد بني هذا الفندق مكان قصر الكونت ستيفان زيزينيا والذى ينسب إليه حي زيزينيا أحد أحياء الإسكندرية الراقية والذى إستقر به المقام في مدينة الإسكندرية عام 1854م في عهد محمد سعيد باشا إبن محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة ويرجح أن زيزينيا كان قد جاء إلى مصر هربا من مذابح الأتراك في صربيا واليونان وعمل بتجارة القطن وكان أحد المقربين من الأسرة العلوية حيث منح أراضي كثيرة في القطر المصري في مدينة الإسكندرية وكان من أعماله في مصر أنه شيد كنيسة القديس ستيفان والتي تهدمت في ثمانينيات القرن العشرين الماضي والتي سميت فيما بعد كنيسة سان ستيفانو بعد أن سميت المنطقة المتواجدة بها بهذا الإسم وكان قد تم بناؤها عام 1863م في عهد الخديوى إسماعيل وقد سمي أيضا الفندق الذى تم إفتتاحه في يوم 26 يونيو عام 1887م بنفس الإسم سان ستيفانو في حفل كبير شرفه بالحضور الخديوى توفيق ورئيس الوزراء حينذاك نوبار باشا والذى قام بتصميمه المهندس المعمارى بوجوس نوبار الذى نال تعليمه الهندسي في المدرسة المركزية بالعاصمة الفرنسية باريس وهو نجل نوبار باشا أول رئيس للوزراء في مصر وقد تم بناء هذا الفندق علي مساحة قدرها 30 ألف متر مربع في موقع ما بين البحر المتوسط وطريق الحرية أحد أهم وأشهر شوارع الإسكندرية وبحيث يكون له شاطئ خاص وكان معماره مستوحي من الطراز المعمارى لعصر النهضة الأوروبية والذى كان سائدا في ذلك الوقت في المنتجعات السياحية الفاخرة والكازينوهات التي تطل علي الشواطئ الفرنسية والشواطئ البلجيكية مابين مصيف دوفيل بفرنسا ومصيف أوستيند ببلجيكا كما كان الكازينو الملحق بالفندق مشيدا أيضا على نفس الطراز المعماري حيث كان المهندس بوجوس نوبار مفتونا بهذه المنتجعات والتي شاهدها وأعجب بها أثناء فترة دراسته لفنون العمارة بباريس وقد أشرف على بناء الفندق مير أميتدجيان من كلية الفنون الجميلة في باريس وكان ممول البناء شركة سكة حديد ترام الرمل وكانت تستهدف تشجيع إستقرار السكندريين في المناطق الجديدة التي إمتد إليها العمران في مدينة الإسكندرية شرقي أحيائها القديمة في ذلك الحين وبالتالي يزيد الإقبال على الترام حيث كانت المنطقة التي تشمل مناطق الإبراهيمية وسبورتينج وزيزينيا وبولكلي وجليم وسان ستيفانو والسراى وسيدى بشر في ذلك الوقت مناطق شبه مهجورة لا يسكنها إلا مجموعات قليلة من البدو وفيها عدد متفرق من الفيلات التي يمتلكها أثرياء المدينة ولا يقيمون بها إقامة دائمة ويمضون فيها أشهر الصيف فقط .
وكان هذا الفندق يشمل عدد 100 غرفة وقاعة سينما مكشوفة وقاعة حفلات وعدد من المقاهي والمطاعم ومع بداية القرن العشرين الماضي أصبح الفندق ملتقى النخبة من أهل الإسكندرية من الأثرياء ورجال المال والشخصيات العامة وأفراد العائلة الحاكمة وكان علي رأسهم الخديوى توفيق والخديوى عباس حلمي الثاني كما كان يتوافد عليه شخصيات عالمية من المشاهير من خارج مصر منهم الأرشيدوق لو سالفاتور من أفراد العائلة الإمبراطورية النمساوية المجرية ولذا كان يعتبر فندق سان ستيفانو وقتها من أهم المعالم السياحية لمدينة الإسكندرية وفي عام 1900م نشر أحد الكتاب الألمان كتابا عن فندق سان ستيفانو ذكر فيه إن فندق سان ستيفانو يعد أفضل مكان في مصر للنقاهة والإستشفاء وأيضا لقضاء العطلات القصيرة خاصة لمن يعملون في الهند أو يعيشون في الأماكن الحارة في مصر كما إمتدح الكاتب الفندق نظرا لتوافر الماء الساخن وضوء الكهرباء به وكذلك كياسة صاحبه في ذلك الحين وهو لويجي شتاينشنيدر ومما يذكر أنه في عام 1901م كان إيجار الغرفة في ذلك الوقت قيمته 25 قرشا في الليلة الواحدة مع خصومات خاصة خلال فصل الشتاء وهو مبلغ كانت له قيمته في هذا الزمان وكان مما يميز الفندق أيضا وجود شاطئ خاص به وحتي بداية الثلاثينيات من القرن العشرين الماضي لم يكن طريق الكورنيش قد بني بعد وبالتالي لم يكن هناك فاصل بين الفندق والشاطئ الخاص فكانت المساحة الرملية أمام الفندق ممتدة لا يقطعها شئ وكان الشاطئ مقسما إلى قسمين يفصل بينهما حائط خشب قسم للسيدات وقسم للرجال ومع بناء طريق الكورنيش في بداية ثلاثينيات القرن العشرين الماضي في عهد الملك فؤاد الأول وعلي يد رئيس وزراءه حينذاك إسماعيل صدقي باشا وهو المشروع الذي وجه إليه الكثير من النقد حينها أصيب فندق سان ستيفانو بالضرر إذ فصل طريق الكورنيش بينه وبين شاطئه الخاص ولكي يتم تعويض هذا الخلل تم ربط الفندق بشاطئ البحر عن طريق نفق يمر أسفل طريق الكورنيش مما يسهل العبور الى الشاطئ مباشرة من دون المرور على طريق الكورنيش وعلاوة علي ذلك كان خط ترام الإسكندرية الشهير والمتميز باللونين الأزرق والأبيض القادم من الرمل ينتهي خلف الفندق وقد شهد فندق سان ستيفانو عصره الذهبي في الفترة ما بين الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية أى مابين عام 1918م وعام 1939م فإلى جانب الحفلات الصاخبة والألعاب النارية الأسبوعية كانت إدارة الفندق تنظم عددا من المسابقات الطريفة التي يفد إليها نجوم المجتمع وصفوته وكان من تلك المسابقات الطريفة التي تم تنظيمها بالفندق مسابقة سميت مسابقة الأوتومبيل قام بتمويلها حينذاك نادي السيارات الملكي وعقدت في الفندق خلال فصل الصيف في شهر سبتمبر عام 1931م وكان من بين الحضور إسماعيل صدقي باشا رئيس الوزراء في ذلك الحين والأمير عمر طوسون وبقية الوزراء وقد إشتمل الحفل على مسابقة فكاهية تدعى الأوتو بيجاما حيث يتم إختيار السيدة التي ترتدي البيجاما الأكثر أناقة والأنسب للسيارة التي تجلس عليها السيدة أو الآنسة الحسناء من الخارج وفازت يومها بتلك الجائزة الآنسة أمينة البارودي وقد جلست على مقدمة سيارة سوداء مرتدية بيجاما من الساتان الأسود تزين الجزء الأعلى منها كريات بيض والجزء الأسفل تحدده شرائط من الفراء .
وفي الشتاء كانت أهم المسابقات التي كانت تقام أثناء الكرنفال السنوي الذي يتم في شهر فبراير وهو تقليد أوروبي كانت الجاليات الأجنبية التي كانت تسكن في الإسكندرية تتمسك به وأثناء هذا الكرنفال يتجول الناس في الشوارع مرتدين الملابس التنكرية وتتنافس فنادق وملاهي الإسكندرية علي إقامة المسابقات لأحسن زي تنكري في الكرنفال ومما يذكر أنه قد فاز شخص يوناني يدعي بانايوتي سولوس من الجالية اليونانية بالإسكندرية وعدد من أصدقائه بالجائزة الأولى في هذا الكرنفال عام 1922م وعام 1923م عن ملابسهم الإسكتلندية كما كان يقام أيضا عرض سنوى للزهور بالفندق وحتى يجتذب فندق سان ستيفانو زبائن جدد من غير النزلاء كانت إدارة الفندق تقدم أبونيه موسمي يسمح لحامله بإستخدام كافة خدمات ومرافق الفندق بأسعار رمزية وبجانب ملاعب التنس والكازينو والشاطئ والحفلات الموسيقية كانت هناك بالفندق صالة سينما مكشوفة كان يعرض بها غالبا أفلام أميريكية قديمة وكانت صالة هذه السينما المكشوفة تعد الملتقى المناسب للشباب في ذلك الحين وكانت بمثابة ناد صغير وبجانب حياة المرح والترفيه بالفندق كان ضمن ما شاهده جانب آخر يتمثل في أنه للمرة الأولى يعقد مجلس النظار أي الوزراء إجتماع فيه وذلك خلال فصل صيف عام 1901م خلال فترة تولي مصطفي فهمي باشا رئاسة مجلس النظار في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني وكان ذلك مثار سخرية من جانب الصحفيين الذين قاموا بكتابة مقالات تحمل عناوين مثل وزراؤنا في الكازينو لما في لفظ الكازينو من تناقض مع هيبة الإجتماع الوزاري حيث كان التقليد قبل ثورة يوليو عام 1952م ومنذ بداية عهد النظارات أي الوزارات في مصر في عصر الخديوي إسماعيل عام 1878م أن تنتقل كافة مصالح وهيئات الدولة لتقضي فصل الصيف في الإسكندرية وأن يمضي مجلس الوزراء أشهر الصيف في الإسكندرية أيضا وأن يتم عقد إجتماعات مجلس الوزراء فيها ولتصبح مدينة الإسكندرية العاصمة الصيفية لمصر ولم يكن هناك مقر ثابت ومجهز للوزارة بمدينة الإسكندرية حينذاك فكانت المشكلة الدائمة في تحديد مقر للإجتماعات الصيفية لمجلس النظار وذلك منذ نظارة نوبار باشا الأولي في شهر أغسطس عام 1878م ومن ثم كانت تعقد الإجتماعات أحيانا بأحد الفنادق مثل فندق سان ستيفانو القديم أو غيره من الأماكن وإستمر الأمر علي هذا المنوال حتي قامت الحكومة المصرية برئاسة محمد سعيد باشا رئيس النظار أى رئيس الوزراء بشراء مبني في منطقة بولكلي ليكون مقر للوزارة خلال فصل الصيف وذلك في يوم 13 يوليو عام 1913م في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني وليصبح هذا المبني مقرا لإجتماعات مجلس النظار طوال أشهر الصيف .
وفي خلال الحرب العالمية الثانية تعرضت الإسكندرية لغارات جوية كانت تشنها قوات المحور ضد الإنجليز وخاصة خلال عام 1942م فتوقف الفندق عن إستقبال النزلاء وتحولت بعض حجراته إلي فصول دراسية لطلبة كلية فيكتوريا والتي كانت قد تحولت إلي مستشفي للجيش الإنجليزي وذلك رغم رفض إدارة الفندق للأمر لكن قرارا رسميا صدر من محافظ الإسكندرية حينذاك بضرورة تنفيذ الأمر وكانت فكرة تحويل الفندق إلى مدرسة مصدرا لكثير من المفارقات الساخرة وقد قام أحد المدرسين الإنجليز بوصف تلك المرحلة الإنتقالية في مسيرة الفندق بحس فكاهي قائلا إن نزلاء الفندق فوجئوا ذات يوم حين نزولهم لتناول وجبة الإفطار بعدد من التخت المدرسية مكومة في ركن الكازينو وهو المكان المخصص للفرقة الموسيقية في الأيام العادية كما تحول البار الموجود في الكازينو إلى حجرة ترفيه للتلاميذ أما البار الأميريكي فقد أضيفت له بعض اللمسات والتعديلات حتى يصبح حجرة قراءة لنظار المدرسة كما إحتلت مكاتب تلاميذ الصفوف الإبتدائية مكان طاولات الكازينو وفي آخر لحظة قبل بدء الدراسة قام العمال بإنزال إعلان عن نوع من البيرة المعلق على مدخل الفندق وبعد إنتهاء الحرب في منتصف عام 1945م أعيد إفتتاح الفندق مرة أخرى وظل يعمل حتي فترة الستينيات من القرن العشرين الماضي حيث تم تأميمه من قبل الدولة ومن الطريف أنه عند تأميم الفندق أن مالكه حينذاك الخواجة اليهودي بارسيلون والذي كان قد عاد متعبا إلي الفندق بعد رحلة سفر طويلة ولم يكن قد علم بعد بقرار التأميم أوى إلى الفراش مباشرة بغرفته بالفندق وفي الصباح فوجئ بمن جاء يطالبه بدفع حساب الغرفة التي نام فيها فلم يعد الفندق ملكا له وبعد التأميم خضع الفندق لشركة الفنادق المصرية وللأسف الشديد بدأ يفقد قيمته وبريقه نتيجة سوء الإدارة وتلقي بعد ذلك ضربة موجعة أثرت عليه سلبا بعد إقامة فندق فلسطين بحدائق المنتزة عام 1964م بمناسبة عقد مؤتمر القمة العربي الثاني به في نفس العام ومن ثم توجهت الأنظار وتوجه الإهتمام إلي الفندق الجديد .
وبعد ذلك تلقي فندق سان ستيفانو ضربة موجعة أخرى في عام 1967م حيث صدرت الأوامر بإغلاق النفق المؤدي من الفندق الى الشاطئ الخاص به خوفا من قيام العدو الإسرائيلي بأي عمليات تخريبية عن طريق هذا النفق وبذلك تم إغلاق الشريان الحيوي الذي كان يصل الفندق بشاطئ البحر المتوسط ومع ذلك ظل هذا الفندق العريق يقاوم ففي نهاية الستينيات من القرن العشرين الماضي عندما إنتشر جنون البيتلز في العالم كله كانت المنافسة شديدة بين فنادق الإسكندرية خصوصا في فصل الصيف لجذب أحسن الفرق الموسيقية للعمل بها وكان منها فرقة The Cats أو القطط التي إستقرت في فندق سان ستيفانو وكان قائد الفرقة هو الموسيقار عزت أبو عوف وذلك في محاولة مستميتة للحفاظ علي إستمرار الفندق وجذب الأنظار إليه وإغراء ضيوف الإسكندرية بالإقامة به وفي هذه الفترة أيضا إستضاف الفندق مهرجان التليفزيون لعدة سنوات متتالية وكان من أشهر ضيوف مهرجان التليفزيون في أحد السنوات الممثل الإنجليزي روجر مور الذي كان يقوم بدور جيمس بوند في السينما العالمية وفي عام 1978م شهد الفندق جانبا من مباحثات السلام بين الرئيس المصرى أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجين وقد عقدت هذه المحادثات صيفا ولذلك تم إختيار مدينة الإسكندرية لتكون مقرا لهذه المحادثات وعلى الرغم من كون فندق فلسطين بحدائق المنتزة أكثر عصرية إلا أن إسمه والحدث الذي بني من أجله وهو مؤتمر القمة العربي الثاني عام 1964م حالا دون وقوع الإختيار عليه وبسبب محادثات السلام هذه أجريت تعديلات في فندق سان ستيفانو منها إدخال أجهزة التكييف في الغرف وإقامة مركز صحفي فيه وفي فترة الثمانينيات من القرن العشرين الماضي دخل هذا الفندق العريق في مرحلة أفول كبيرة وتم إستئجاره من قبل إحدى شركات القطاع الخاص لكنها فشلت فشلا ذريعا في إدارته وعجزت عن إدارته وتشغيله وكانت النتيجة أن هبط جدا مستوى الفندق وتم إنهاء عقد الإيجار مع هذه الشركة بشكل ودى وعرضت أسرة الفايد السكندرية الأصل مالكة محلات هارودز الشهيرة بالعاصمة البريطانية لندن شراءه في تلك الفترة وتفاوضت معهم الجهات المسؤولة من أجل تقييم قيمة صفقة الشراء لكن تعثرت المفاوضات مع آل الفايد بسبب العديد من المعوقات والعراقيل الإدارية فصرفوا النظر عن إتمام البيع ومن ثم لم تتم الصفقة ولاحقا قامت محافظة الإسكندرية بوضع يدها على الشاطئ الخاص بالفندق مما أفقده ميزة كبرى كان يتمتع بها وأفقده أيضا الكثير من قيمته السوقية ثم صدر بعد ذلك قرار من وزارة السياحة المصرية بإغلاق الفندق بشكل نهائي في عام 1993م والإكتفاء بتشغيل المقاهي والكافتيريات الخارجية الخاصة به .
وفي أواخر القرن العشرين الماضي وتحديدا في عام 1997م تم بيع الفندق لمجموعة شركات المهندس طلعت مصطفي والتي تعد من كبريات الشركات الرائدة في مجال التطوير العقاري في مصر والشرق الأوسط حيث أن لها باع طويل وخبرة واسعة في هذا المجال وبلغت قيمة صفقة البيع حينذاك 250 مليون جنيه والتي بدأت في هدم الفندق القديم وفي يوم 9 يناير عام 1999م كانت معاول الهدم تقوم بهدم ما تبقى من الجناح الغربي منه بعد أن تم إزالة باقي المبنى قبلها وبذلك تحول أقدم وأعرق فنادق مدينة الإسكندرية والذي شهد الكثير من التحولات الإجتماعية والسياسية التي مرت بها الإسكندرية بصفة خاصة ومصر بصفة عامة خلال أكثر من قرن من الزمان إلى أطلال ووقف المهندسون المشرفون على عملية هدم الفندق العريق يحلمون بالفندق الجديد ذي الطراز الفرنسي ويتحدثون عن الأربعين طابقا التي ستقام مكان الفندق القديم ومن الطريف حينذاك أن قيل إن كمية الفئران التي تكاثرت في الفندق أثناء فترة إغلاقه قد أقلقتها أصوات آلات هدم الفندق فتحركت في أسراب تقض مضاجع البيوت السكنية الآمنة المحيطة بموقع الفندق وبالفعل تم تشييد مجمع تجارى فندقي سكني هو سان ستيفانو جراند بلازا في موقع الفندق القديم والذى تم إفتتاحه عام 2007م والذى يضم مركز تجارى كبير به محال تجارية عديدة وتوكيلات لمتاجر ومحلات عالمية وفروع لعدة بنوك ومجمع لدور السينما وعدة مطاعم ومقاهي وكافتيريات وجراج خاص وفندق الفور سيزونز والذى يعد من أفخم الفنادق في منطقة الشرق الأوسط والذى تشمل جميع غرفه شرفات مطلة علي البحر المتوسط ويمكن للنزلاء الإستمتاع بخدمة الواي فاي في جميع أنحاء الفندق مجانا ويضم هذا الفندق عدد 7 مطاعم ونادى صحي ومركز لياقة بدنية وسبا متكامل موزع على مستويين ويوفر عدد 14 غرفة علاج وساونا وغرفة بخار وحمام سباحة مغطي ومكشوف ومركز مجهز لرجال الأعمال ويبلغ إرتفاع هذا المجمع 30 طابقا ويعد أعلي مبني بمدينة الإسكندرية ويعد موقعه موقعا متميزا في قلب المدينة يسهل الوصول إليه بالسيارات الخاصة وبكافة وسائل المواصلات وعلي رأسها ترام الإسكندرية الشهير حيث توجد محطة ترام تقع خلفه تماما وعلي مسافة قريبة منه كما أنه يبعد مسافة حوالي 3 كيلومترات عن محطة قطار سيدى جابر الشهيرة ومسافة حوالي 5 كيلو مترات عن مطار النزهة الدولي بالإسكندرية ومسافة حوالي 9 كيلو مترات عن وسط مدينة الإسكندرية ومسافة حوالي 10 كيلو مترات عن مدخل مدينة الإسكندرية للقادم من القاهرة من الطريق الصحراوى أو الزراعي ومسافة حوالي 60 كيلو متر عن مطار برج العرب الدولي ويوفر الفندق سيارات ليموزين عند الطلب لنقل النزلاء من وإلي هذا المطار أو مطار النزهة ويتبقي أن نقول إن الشركة المالكة للمبنى تعتزم إنشاء ميناء لليخوت خاص به وكذلك شاطئ خاص لنزلائه ورواده .
|