بقلم المهندس/ طارق بدراوي
موسوعة" كنوز أم الدنيا"
شارع إبن رشد هو أحد شوارع منطقة المنشية بمدينة الإسكندرية العاصمة الثانية لمصر وهو يمتد من نقطة تقاطعه مع شارع عمر لطفي وحتي ينتهي بنقطة تقاطعه مع شارع الشهيد مصطفي حافظ كما يوجد شارع آخر بنفس الإسم بضاحية مصر الجديدة التي تعد من أرقي ضواحي القاهرة وتعد منطقة المنشية التي يتواجد فيها شارع إبن رشد بمدينة الإسكندرية من أهم وأشهر وأعرق وأقدم المناطق التجارية بالمدينة ومن أشهر معالمها ميدان المنشية الذى يطل على مجموعة من أهم وأشهر شوارع وسط مدينة الإسكندرية منها شارع نوبار باشا وشارع السبع بنات ويعود تاريخ إنشاء هذا الميدان إلى عام 1834م في عهد محمد علي باشا والذى أدرك بعد أن تولى حكم مصر في عام 1805م مدى أهمية مدينة الإسكندرية فعمل علي النهوض بها ووضع أسس تنميتها وتطويرها فأنشأ مجلسا أطلق عليه إسم مجلس الأورناطو كانت مهمته وضع لوائح البناء في المدينة وتخطيط شوارعها ومياديئها وكلف هذا المجلس المهندس المعمارى الإيطالي فرانشيسكو مانشيني والذى من إسمه إشتقت كلمة المنشية التي أطلقت علي الميدان وعلي المنطقة بأكملها بعمل تخطيط للميدان وللمنطقة بالكامل فقام بالمهمة خير قيام حيث خطط المنطقة تخطيطا عمرانيا متميزا غلب عليه الطابع الإيطالي في مبانيه ومنشآته ويظهر ذلك بوضوح في تصميمات وواجهات العديد من المباني المطلة والقريبة من الميدان مثل مبني وكالة منشة ووكالة مونفراتو وقصر القنصلية الفرنسية ومبنى المحكمة المختلطة الذى يسمى بسراى الحقانية الذى بدأ تشييده عام 1869م في عهد الخديوى إسماعيل علي يد المهندس المعمارى الإيطالي لازروف وتم الإنتهاء من بنائه وافتتاحه رسميا عام 1875م وبعد ذلك تم تجديده مرة أخرى عام 1886م في عهد الخديوى توفيق علي يد المهندسين المعماريين الإيطاليين الفونسو مانيسيكالكو وأوجستو سيزارياس وبمرور الوقت أصبح الميدان هو قلب الإسكندرية التجارى .
وفيما بعد وفي عهد الخديوى إسماعيل تم تكليف الفنان الفرنسي جاكمان بصنع تمثالين من البرونز لأبيه القائد إبراهيم باشا تم وضعه بميدان الأوبرا بالقاهرة وهو يمتطي ظهر حصانه والثاني لجده محمد علي باشا وهو يمتطي ظهر حصانه أيضا وتم وضعه وسط ميدان المنشية بالإسكندرية ومما يذكر أن الخديوى إسماعيل كان أول من قام بتجميل الميادين في مصر بوضع تماثيل العظماء والمشاهير بوسط الميادين الكبرى في المدن الكبيرة وبعد ذلك بسنوات عديدة أنشات الجالية الإيطالية بالإسكندرية وكانت أكبر وأشهر جالية اجنبية بالإسكندرية في ذلك الوقت نصبا تذكاريا بإمتداد ميدان المنشية تكريما للخديوى إسماعيل يشبه النصب التذكارى للجندى المجهول بميدان فينيسيا بالعاصمة الإيطالية روما ويعتبر نموذجا مصغرا منه وتم صنع تمثال للخديوى إسماعيل وتم وضعه في وسطه إلى أن تم نقله حاليا إلي ميدان الخديوى إسماعيل بكوم الدكة وتخصيص هذا النصب التذكارى للجندى المجهول للقوات البحرية وينسب شارعا إبن رشد بكل من مدينتي الإسكندرية والقاهرة إلي الفيلسوف والفقيه والقاضي والطبيب الأندلسي المسلم أبو الوليد محمد بن أَحمد بن محمد بن أَحمد بن أَحمد بن رشد والذى إشنتهر بإسم إبن رشد وبإبن رشد الحفيد وقد درس الفقه والأصول والطب والرياضيات والفلسفة وبرع في علم الخلاف وهو علم الفقه المقارن ومارس الطب وتولى قضاء قرطبة وعرفه الأوروبيون معرفة واسعة وكان ميلاده في يوم 14 أبريل عام 1126م بمدينة قرطبة ببلاد الأندلس ونشأ في أسرة من أكثر الأسر وجاهة في تلك البلاد والتي عرفت بالمذهب المالكي ومارست الفتوى والزعامة الفقهية فجده المشهور بإسم إبن رشد الجد للتمييز بينه وبين حفيده الفيلسوف كان شيخ المالكية وقاضي الجماعة وإمام جامع قرطبة كما كان أيضا من كبار مستشاري أمراء الدولة المرابطية وهي الدولة الإسلامية التي ظهرت خلال القرنين الخامس والسادس الهجريين الموافقين للقرنين الحادى عشر والثاني عشر الميلاديين في منطقة المغرب الإسلامي وتحديدا خلال الفترة من عام 1056م حتي عام 1147م أما والده فقد كان فقيها له مجلس يدرس فيه في جامع قرطبة وله تفسير للقرآن الكريم في أسفار وشرح على سنن النسائي وتولى القضاء في قرطبة عام 532 هجرية الموافق عام 1138م بينما كان إبنه إبن رشد الحفيد آنذاك في الثانية عشرة من عمره وقد ترك القضاء لينقطع إلى التدريس والتأليف في الفقه والتفسير والحديث إلى أن توفي عام 563 هجرية الموافق عام 1168م عندما كان إبنه في أوج نشاطه الفلسفي .
عايش إبن رشد الحفيد في شبابه أواخر عصر دولة المرابطين وتميز ذلك العصر بسلطة الفقهاء على الفكر والثقافة والمجتمع والسياسة وكان قد درس الفقه على يدي الفقيه الحافظ أبي محمد بن رزق وحفظ كتاب الموطأ للإمام مالك على يدي أبيه وديوان المتنبي ودرس أيضا الفقه على المذهب المالكي والعقيدة على المذهب الأشعري على أيدي الفقيه أبي مروان عبد الملك بن مسرة والفقيه إبن بشكوال وأبي بكر بن سمحون وأبي جعفر بن عبد العزيز الذي أجاز له أن يفتي في الفقه مع الفقيه أبي عبد الله المازري كما درس على يد أبي جعفر هارون وأبي مروان بن جبرول من بلنسية وفي الفلسفة تأثر بالفيلسوف أَبو بكر محمد بن يحيى بن الصَائِغ بن باجة التجيبي والمعروف بإبن باجة كما كان صديقا للفيلسوف والفقيه والطبيب أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن طفيل القيسي الأندلسي المعروف بإسم إبن طفيل وكان يعده أستاذه ولذا فهو يعد من أهم فلاسفة الإسلام والذى دافع عن الفلسفة وصحح للعلماء وللفلاسفة السابقين له كإبن سينا والفارابي فهم بعض نظريات فلاسفة اليونان سقراط وأفلاطون وأرسطو وقام إبن طفيل أستاذه بتقديمه لأبي يعقوب يوسف خليفة دولة الموحدين وهي الدولة الإسلامية اللاحقة لدولة المرابطين التي تأسست من سلالة الأمازيغ في القرن الثاني عشر الميلادى والتي حكمت بلاد المغرب العربي المغرب والجزائر وتونس وليبيا إضافة إلي بلاد الأندلس ما بين عام 1121م وعام 1269م وكان تأسيسها علي يد محمد بن تومرت ومن بعده إستطاع عبد المؤمن بن علي الكومي أن يستحوذ على بلاد المغرب الأقصى عام 1147م ثم علي المغرب الأوسط ومن ثم على كامل أفريقية حتى تونس وليبيا والأندلس عام 1160م وكانت عاصمتها مراكش كما كانت إشبيلية مقر الوالي الموحدي على الأندلس وأقبل على تفسير آثار الفيلسوف الإغريقي أرسطو تلبية لرغبة الخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف بعد أن رشحه له إبن طفيل لكي ينجز هذه المهمة بدلا منه .
وبعد أن أنجز إبن رشد هذه المهمة كتب آراءه الفلسفية الخاصة في مجموعة شاملة بالإضافة إلى مجموعة من المؤلفات الفلسفية المختلفة مثل فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من إتصال وكتاب الكشف عن المناهج العديلة كما ألف كتاب الكليات الذي جمع علمه الواسع ومعرفته في الطب ويعتقد أنه أول من إقترح مفهوم القصور الذاتي حتى أنه وصف القوة بأنها معدل العمل المبذول في تغيير الحالة الحركية للجسم المادي وأوضح أيضا أن الظاهرة وراء تشكيل قوس قزح هو الإنكسار وليس الإنعكاس كما كان الإعتقاد السائد بين الناس وكان إبن رشد بالإضافة إلى كونه باحثا في القانون فقد ألف الكثير من الكتب في الموضوعات المختلفة مثل كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد في الفقه ويسمى أيضا التمهيد الفقهي المتميز كما أنه قام بتأليف شروحات مفصلة لأعمال أرسطو حيث كانت تحليلا لكل جملة من جمله وعندما لم يجد له عمل في السياسة تحول إلى أفلاطون حيث آمن إبن رشد بالكثير من الأفكار التي قدمها أفلاطون كالمساواة بين الرجل والمرأة وفحص النصوص الأدبية وحين إستقال إبن طفيل من منصبه كطبيب للخليفة أبي يعقوب يوسف رشح له إبن رشد ليخلفه في منصبه فإستدعاه الخليفة إلى مراكش عام 578 هجرية الموافق عام 1182م وجعله طبيبه الخاص وقربه منه وقضى في مراكش زهاء عشر سنوات وكان الخليفة أبو يعقوب يستعين به إذا إحتاج الأمر للقيام بمهام رسمية عديدة ولأجلها طاف في رحلات متتابعة في مختلف أصقاع المغرب فتنقل بين مراكش وإشبيلية وقرطبة ثم ولاه منصب قاضي الجماعة في قرطبة ثم في إشبيلية فلما مات أبو يعقوب يوسف وخلفه إبنه المنصور الموحدي زادت مكانة إبن رشد في عهده ورفعه وقربه إليه ولكن كاد له بعض المقربين من الخليفة فأمر بنفيه وتلامذته إلى قرية اليسانة التي كان أغلب سكانها من اليهود وأحرق كتبه وأصدر منشورا إلى المسلمين كافة ينهاهم عن قراءة كتب الفلسفة أو التفكير في الإهتمام بها وهدد من يخالف أمره بالعقوبة وبقي بتلك القرية لمدة سنتين وبعد تأكد الخليفة من بطلان التهمة السياسية التي كانت وراء تلك النكبة عفا عنه وإستدعاه من جديد إلى مراكش وأكرم مثواه كأحد كبار رجال الدولة ثم إن الخليفة نفسه أخذ في دراسة الفلسفة والإهتمام بها أكثر من ذي قبل ولكن الفيلسوف لم يهنأ بهذا العفو فأصيب بمرض لم يمهله سوى سنة واحدة مكث بها بمراكش حيث توفي عام 595هجرية الموافق عام 1198م وقد دفن بها قبل أن تنقل رفاته في وقت لاحق إلى مسقط رأسه قرطبة .
وبخصوص فكر إبن رشد فكان يرى أن لا تعارض بين الدين الإسلامي الحنيف والفلسفة ولكن بلا شك أن هناك بالتأكيد طرقا أخرى يمكن من خلالها الوصول لنفس الحقيقة المنشودة ويقول بأن الروح منقسمة إلى قسمين إثنين القسم الأول شخصي يتعلق بالشخص والقسم الثاني فيه من الإلهية ما فيه وبما أن الروح الشخصية قابلة للفناء فإن كل الناس على مستوى واحد يتقاسمون هذه الروح وروح إلهية مشابهة ويدعي إبن رشد أن لديه نوعين من معرفة الحقيقة الأول معرفة الحقيقة إستنادا على الدين المعتمد على العقيدة وبالتالي لايمكن إخضاعها للتمحيص والتدقيق والفهم الشامل والمعرفة الثانية للحقيقة هي الفلسفة والتي ذَكر بأن عددا من النخبويين الذين يحظون بملكاتٍ فكرية عالية وعدوا بحفظها وإجراء دراسات جديدة فلسفية وفضلا عن ذلك كان إبن رشد مغرما بعلوم الفلك منذ صغره فكان يلاحظ الفلكيين حوله يتكاتفون لمعرفة بعض أسرار هذه السماء في وقت الظلام وحين بلغ الخامسة والعشرين من عمره بدأ إبن رشد يتفحص سماء المغرب من مدينة مراكش والتي من خلالها قدم للعالم إكتشافات وملاحظات فلكية جديدة وإكتشف نجما لم يكتشفه الفلكيون الأوائل كما كان إبن رشد يتمتع بملكة عقلية باهرة فكان يناقش نظريات عالم الفلك اليوناني المعروف كلوديوس بطليموس بل إنه نبذها من أصلها وأبدلها بنماذج جديدة تعطي تفسيرات أفضل لحقيقة الكون وقدم للعالم تفسيرا جديدا لنظرية رشدية نسبة إليه سميت إتحاد الكون النموذجي وكان من بعض إنتقاداته لنظريات كلوديوس بطليموس حول حركة الكواكب أن قال إنه من المناقض للطبيعة أن نحاول تأكيد وجود المجالات الغريبة والمجالات التدويرية فعلم الفلك في عصرنا لا يقدم حقائق ولكنه يتفق مع حسابات لا تنطبق مع ما هو موجود في الحقيقة ثم إنطلق يقدم الإنتقادات الحصيفة حيال بعض الفرضيات التي قدمها بعض علماء الفلك في عصره ثم قام بالمشاركة بوصف القمر بغير الواضح والغامض وقال إنه يحمل طبقات سميكة وأخرى أقل سماكة وتجتذب الطبقات السميكة نور الشمس أكثر من الطبقات الأقل سمكا وقدم للعالم وللغرب أول التفسيرات البدائية والقريبة علمياً لأشكال البقع الشمسية .
وفي آرائه الأخلاقية إنطلق إبن رشد من مذهبَي أرسطو وأفلاطون فنجده قد إتفق مع أفلاطون في أن الفضائل الأساسية الأربع وهي الحكمة والعفة والشجاعة والعدالة لكنه إختلف عنه بتأكيده أن فضيلتي العفة والعدالة عامتان لكافة أجزاء الدولة الحكماء والحراس والصناع وهذه الفضائل كلها توجد من أجل السعادة النظرية التي هي المعرفة العلمية الفلسفية المقصورة على الخاصة وقد قصر الخلود على عقل البشرية الجمعي الذي يغتني ويتطور من جيل إلى آخر وقد كان لهذا القول الأخير دور كبير في تطور الفكر المتحرر في أوروبا في العصرين الوسيط والحديث وأكد إبن رشد على أن الفضيلة لا تتم إلا في المجتمع وشدد على دور التربية الخلقية وقد بسط إبن رشد أهم آرائه الأخلاقية من خلال شروحه على الأخلاق إلى نيقوماخوس لأرسطو وجوامع السياسة لأفلاطون وأناط بالمرأة دورا حاسما في رسم ملامح الأجيال القادمة فألح على ضرورة إصلاح دورها الإجتماعي في إنجاب الأطفال والخدمة المنزلية وقد قال بعض الباحثين لقد تساءل الفيلسوف إبن رشد في القرن الثاني عشر الميلادي وهو يعاين إنطفاء آخر أنوار الحضارة العربية التي سمت في الشرق الأوسط وأسبانيا إلى ذرى شاهقة عما إذا لم يكن هذا الإنحطاط يرجع جزئيا على الأقل إلى الوضع الذي حبست فيه المرأة وإلى إنتباذها خارج الحياة الإجتماعية وفي مجال الفيزياء لم يتبع إبن رشد الأسلوب الإستقرائي في هذا المجال والذى طوره العالم العربي البيروني في ظل العالم الإسلامي بل كانت طريقته أقرب إلى الفيزياء الحديثة منه إلى طريقة البيروني بل كان كما وصفه مؤرخ العلوم روث جلاسنر عالما مفسرا إستحدث عدة فرضيات جديدة عن الطبيعة عن طريق مناقشة الكتابات القديمة ولا سيما تلك التي ألفها أرسطو ونظرا إلى منهجه وأسلوبه فقد صوره الكثيرون على أنه مجرد تابع مقلد لأرسطو وليس مبتكرا أو مجددا ولكن يرى جلاسنر أن أعمال إبن رشد كانت مهدا لنظريات وأفكار مبتكرة في الفيزياء ولا سيما شرحه لنظرية أرسطو المعروفة بالطبيعة الصغرى وكذلك نظرية المواضع المتتالية لوصف الحركة واللتان تبناهما العالم الغربي وصارت لهما أهمية كبيرة في تطور الفيزياء ككل وكذلك صاغ إبن رشد تعريفا للقوة على أنها معدل بذل الشغل الذي يؤثر في حركة الجسم المادي وهو تعريف مقارب لمفهوم القدرة في سياق الفيزياء الحديثة .
وإستفاض إبن رشد في شرح أفكاره عن علم النفس من خلال تعليقاته الثلاثة التي عقب فيها علي محاضرة أرسطو بعنوان عن الروح فقد أبدى إهتماما كبيرا بتفسير ذكاء الإنسان مستخدما الأساليب الفلسفية ومستندا على تفسير أفكار أرسطو وقد تبدلت مواقفه بصدد هذا الموضوع طوال فترة عمله مع تطور أفكاره وفي تعليقه القصير أول أعماله الثلاثة تتبع إبن رشد نظرية إبن باجة التي تزعم بوجود عقل مادي يختزن صورا معينة عن جميع الأشياء والمفاهيم التي يصادفها الإنسان ويسخر العقل الفعال تلك الصور في تأسيس المعرفة الكلية عن هذا المفهوم وفي تعليقه الأوسط إنتقل إبن رشد في نقاشه إلى أفكار الفارابي وإبن سينا قائلا إن العقل الفعال هو ما يمنح البشر قدرة الفهم بصفة عامة والتي تعرف بالعقل المادي ومتى تصادف الإنسان في تجاربه الشخصية بمفهوم معين لفترة كافية تنشط تلك القدرة وتمنح صاحبها المعرفة الكلية عن هذا المفهوم وهي فكرة مشابهة تماما لمفهوم الإستقراء في المنطق وفي تعليقه الأخير وهو أطولهم وأكثرهم إسهابا إقترح هو الآخر نظرية أخرى عرفت بإسم نظرية وحدة الفكر وإقترح فيها بوجود عقل مادي واحد فقط وهو لدى جميع البشر بصفة متطابقة منفصلا عن أجسادهم البشرية وحتى يتمكن إبن رشد من تفسير أفكار الأفراد المختلفة لجأ إلى إستخدام مفهوم جديد سماه الفكر وهو عبارة عن عملية تتحقق بداخل عقول البشر تشتمل لا على السعي إلى المعرفة الكلية بل على التدبر الفعال في الأشياء المعينة التي يصادفها الإنسان ولاحقا صارت تلك النظرية محل جدل حينما دخلت أول مرة أوروبا المسيحية ففي عام 1229م كتب عالم اللاهوت الكاثوليكي الإيطالي توما الأكويني نقدا مفصلًا للنظرية بعنوان عن وحدة العقل دعوى ضد الرشديين وعلاوة علي كل ما سبق كان لإبن رشد مؤلفات عدة في أربعة أقسام شروح ومصنفات فلسفية وعملية وشروح ومصنفات طبية وكتب فقهية وكلامية وكتب أدبية ولغوية لكنه إختص بشرح كل التراث الأرسطي وقد أحصى أستاذ الآداب المغربي جمال الدين العلوي عدد 108 مؤلفا لإبن رشد وصلنا منها عدد 58 مؤلفا بنصها العربي كما يصنف المفكر والفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري مؤلفات إبن رشد في سبعة أصناف وهي مؤلفات علمية تشتمل على إجتهادات في مجالات مختلفة كالفقه في كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد والطب في كتاب الكليات في الطب والردود النقدية كرده على الغزالي في كتب الضميمة وفصل المقال وتهافت التهافت ورده على الأشاعرة في كتاب الكشف عن مناهج الأدلة والمختصرات التي يدلي فيها إبن رشد بآراء إجتهادية ويعرض فيها ما يعتبره الضروري في الموضوع الذي يتناوله ككتاب الضروري في أصول الفقه أو مختصر المستصفى وكتاب الضروري في النحو .
وكان لإبن رشد مكانة كبيرة سواء في الشرق أو الغرب حيث أثنى بعض العلماء العرب والمسلمين عليه كما جاء عند الذهبي عن إبن أبي أصيبعة من قوله كان أوحد في الفقه والخلاف وبرع في الطب وقول الذهبي نفسه وكان يفزع إلى فتياه في الطب كما يفزع إلى فتياه في الفقه مع وفور العربية وقيل كان يحفظ ديوان أبي تمام والمتنبي وفي الغرب عرف إبن رشد في الغرب بتعليقاته وشروحه لفلسفة وكتابات أرسطو والتي لم تكن متاحة لأوروبا اللاتينية في العصور الوسطى المبكرة ومن باب التكريم للفيلسوف إبن رشد فقد تمت تسمية كويكب بإسمه إبن رشد 8318 تيمنا بإسم الفيلسوف العربي وأيضا كإنعكاس للإحترام الذي كان يكنه العلماء الأوروبيون لإبن رشد في العصور الوسطى فقد ورد إسمه في الكوميديا الإلهية لدانتي في قسم الجحيم بالأنشودة الرابعة مع الفلاسفة العظماء الذين ماتوا قبل المسيحية أو الذين لم يعمدوا بحسب وصف دانتي وإستلهاماً لهذا البيت من الأنشودة فقد جسدها المصور الإيطالي رافاييل في لوحته مدرسة أثينا والتي صور من خلالها إبن رشد وهو يرتدي العمامة العربية وينظر منتبها من خلف العالم الرياضي اليوناني فيثاغورث كما ظهر إبن رشد في القصة القصيرة التي كتبها جورجي لويس بورجيس بعنوان بحث إبن رشد والذي يبدو فيها إبن رشد يحاول العثور على معاني كلمات التراجيديا والكوميديا وأيضا أشير إليه بإيجاز في رواية يوليسيس للكاتب والشاعر الأيرلندي جيمس جويس إلى جانب موسى بن ميمون وأيضا يظهره الشاعر الباكستاني ألامجير هاشمي منتظراً خارج أسوار قرطبة في قصيدته في قرطبة وفي فيلم المصير للمخرج المصرى العالمي الراحل يوسف شاهين الذي أنتج عام 1997م كان هو الشخصية الرئيسية في الفيلم وفي جامعة بغداد تم تسمية كلية تربية بإسم كلية تربية إبن رشد وفضلا عن ذلك فقد كان إبن رشد هو أيضا عنوان لمسرحية للكاتب التونسي محمد الغزي والتي نالت الجائزة الأولى في مهرجان الشارقة للمسرح عام 1999م وأخيرا ففي عام 2007م قام مغني البوب المسلم كريم سلامة بتلحين وغناء أغنية بعنوان أرسطو وإبن رشد .
|