بقلم المهندس/ طارق بدراوي
موسوعة" كنوز أم الدنيا"
شارع أفلاطون أحد شوارع حي الشاطبي بمدينة الإسكندرية العاصمة الثانية لمصر والذى يمتد من نقطة تقاطعه مع شارع أبو قير أو طريق الحرية الذى يمتد من خلف الترام بعرض المدينة من الشرق إلي الغرب موازيا لطريق الكورنيش حتي ينتهي بتقاطعه مع شارع عمر لطفي الذى يعد من أهم وأطول شوارع مدينة الإسكندرية والذى يمتد من حي سيدى جابر مخترقا مناطق سبورتينج وكامب شيزار والشاطبي والأزاريطة ومحطة الرمل حتي ينتهي بمنطقة بحرى أو الأنفوشي بعد النصب التذكارى للجندى المجهول ويعود إسم منطقة الشاطبي إلي العالم أبو عبد الله محمد الشاطبي الذى دفن بهذه المنطقة وتمت تسميته بالشاطبي نسبة إلى شاطبة وهي مدينة كبيرة ذات قلعة حصينة تقع بشرق بلاد الأندلس شرقي مدينة قرطبة وقد خرج منها الكثير من العلماء وقد إنتقل إلى مصر بعدما جاوز الثلاثين من عمره وكان ذلك في عام 572 هجرية الموافق عام 1176م بعد إنتهاء حكم الفاطميين لمصر وإستقلال السلطان صلاح الدين الأيوبي بالحكم فيها وقيام الدولة الأيوبية بعد أن كانت وزارة صلاح الدين الأيوبي تابعة لنور الدين محمود زنكي في الشام ولما فتح السلطان صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس بعد معركة حطين الشهيرة عام 583 هجرية الموافق عام 1187م توجه الإمام الشاطبي إلى بيت المقدس وصلى به وصام فيه شهر رمضان المعظم وإعتكف وكان الإمام الشاطبي رحمه الله أحد الأعلام الكبار المشهورين في الأقطار الإسلامية وقد تعلم قراءات القرآن الكريم وأتقنها وحفظ الحديث وتبصر في اللغة العربية فإشتهر إسمه وقصده الطلبة من جميع الأقطار وله قَصيدتَان شهيرتان هما اللامية والرائية وضع فيهما خلاصة علمه في علوم القراءات واللغة والنحو والصرف ومن يتدبرهما يمكنه معرفة قدر ومكانة علمه ولذا فقد خضع لهما كبار الشعراء وكبار البلغاء وحفظها الكثيرون وقد عرف عنه أنه كان ورعا تقيا عازفا عن مناصب الدنيا وأعطياتها ولقد رزق الإمام الشاطبي رحمه الله القبول مِن الناس مما جعلهم يجمعون على إمامته وزهده وإخلاصه وتقواه وورعه ولما توفي دفن في ضريح يوجد الآن في زاوية تسمي زاوية الشاطبي توجد على مقربة من البحر بالمنطقة التي سميت بإسمه أى الشاطبي بمدينة الإسكندرية ويزورها الكثيرون من أهالي المدينة .
وينسب شارع أفلاطون للفيلسوف اليوناني الشهير أريستوكليس بن أريستون المعروف بإسم افلاطون والذى ولد في عام 427 ق.م في مدينة أثينا باليونان خلال السنوات الأخيرة من العصر الذهبي لها وقد لقِبَ بأفلاطون بسبب إتساع جبهته وعظم جسمه وكان من عائلة أرستقراطية عريقة الأصول وقد ترعرع وتربى على يد زوج أمه فورلامس وليس في أحضان والده حيث توفي والده عندما كان طفلا وتزوجت والدته بعد وفاة والده وكانت نشأة أفلاطون خلال الحرب البيلوبونيزية التي نشبت بين أثينا وإسبرطة من أجل النزاع علي سيادة البلاد والتي دارت رحاها في أرجاء اليونان جميعا وتجاوزت حدود اليونان حتى شملت بلاد الفرس ولبثت مضطرمة أكثر من ربع قرن من الزمان ما بين عام 431 ق.م وعام 404 ق.م وإنتهت بعد أن زعزعت دعائم القوة السياسية في أثينا ولم يعد يحسب لها حساب أو يخشى لها بأس وكانت قد إضطربت خلال أعوام الحرب أمورها الداخلية والخارجية ثم عمت الفوضى السياسية في أعقاب تلك الحرب وعلي الرغم من ذلك كانت الفترة التي عاش فيها أفلاطون من أكثر الفترات ثقافة وإزدهارا في تاريخ اليونان حيث شهدت تنوعا ثقافيا وفكريا وحضاريا في أثينا والتي بدأت خلال عهد بيركليس الذى يعد أعظم الساسة في اليونان القديمة إلي جانب أنه كان رجلا محبوبا وإشتهر بوسامته وطيبته وحزمه عند الضرورة وشجاعته في القتال وسماحته في حالة النصر وكان قد وصل إلى السلطة كرئيس للحزب الشعبي في أثينا عام 460 ق.م وقد إنتخب عضوا في مجلس العموم الذي كان يحكم الدولة في تلك الأيام وسرعان ما أظهر براعة سياسيه فضلا عن الإستقامة والنزاهة وفي غضون عامين بات أبرز أعضاء الحكومة وبقى كذلك طوال الثلاثين سنة التالية .
وفي ذلك الوقت إندمج أفلاطون مع مثقفي عصره لكنه لم يشترك في الحياة السياسية آنذاك لأن السياسيين إنشغلوا في توسيع حدود أثينا وأهملوا إتجاهات الخير والعدل في بلادهم وقد تلقى أفلاطون تعليمه في الفلسفة والشعر والرياضة من قبل معلمين أثينيين بارزين مثل الفيلسوف كراتيلوس كما أنه تأهل في عدد من الدورات الأوليمبية القديمة التي بدأت منذ عام 776 ق.م وكانت تقام كل 4 سنوات وحقق إنتصارات عديدة فيها وتعلم الرسم والنحو والشعر والموسيقى بشكل جيد خلال فترات حياته المختلفة وكان يميل إلى الفلسفة بشكل خرافي مع أنه أبدع في الفن إبداعا شديدا وقد إلتقى أفلاطون بالفيلسوف اليوناني سقراط وتعرف عليه وهنا كانت نقطة الإنطلاق في تعلم الفلسفة حيث أُعجب به إعجابا شديدا ولازمه لمدة حوالي 8 سنوات وتأثر به تأثرا شديدا في فلسفته ومعارفه العلمية في مجال المنطق والأخلاق وإعتبره معلمه وأستاذه كما أصبحت فلسفة سقراط أساس لحواراته التي وفرت بدورها صورة أكثر وضوحا عن سقراط خاصة أن الأخير لم يترك أي أعمال كتابية خاصة به وبالإضافة إلى ذلك ففقد درس وتعرَف على أفكار عالم الرياضيات اليوناني المشهور إقليدس والفيلسوفين اليونانيين تلميذى سقراط أنتيستينس وأرستيبوس .
وقد شكلت حادثة إعدام سقراط وشربه السم القاتل صدمة كبيرة لأفلاطون مما جعله يذهب لزيارة إقليدس والمكوث عنده حوالي ثلاث سنوات وبعد ذلك إنتقل إلى مصر وتعرف على كهنة عين شمس فأُعجب بهم وبعلمهم الفلكي ثم توجه إلى قورينا وهي مدينة إغريقية تأسست في منطقة الجبل الأخضر في شمال شرق ليبيا وإلتقى بتيودورس عالم الرياضيات المشهور كما سافر أفلاطون إلى سيراكيوز وهي مدينة تقع جنوب شرق جزيرة صقلية وعقد صداقة مع ديونيسيوس الصغير حاكم البلاد وقد أثرت آراؤه في مجموعة من قضايا وأمور الحكم كما أنه وجهه لدراسة الهندسة بإعتبارها علما مهما لكل حاكم مثالي لكن الحاكم بعد فترة من الوقت طرد أفلاطون حيث إتهمه بالطمع والتطلع للحكم فعاد إلى بلده أثينا التي نشا وترعرع فيها وكان قد بلغ عمره 40 عاما ومكث أفلاطون مدة 12 عاما في هذه الرحلات ودرس مع العديد من الفلاسفة بما فيهم أتباع عالم الفيزياء والرياضيات الشهير فيثاغورس وعندما بلغ من العمر أربعين عاما عاد إلى موطنه أثينا وجدير بالذكر أن زيارة أفلاطون لمصر تركت في نفسه من غير شك آثارا قوية فقد شاهد فيها آثار تلك الحضارة الضخمة التي كان يتحدث عنها اليونانيون في إعجاب لا حد له ولا شك في أن أفلاطون حاول أن يفهم هذه الحضارة بعض الشئ رغم أنه لم يكن يعرف اللغة المصرية ولم يكن يستطيع أن يتحدث إلى المصريين مباشرة إلا أنه عرف ما عرف من أمر مصر بواسطة اليونانيين الذين إلتقي بهم فيها شأن المؤرخ اليوناني أبو التاريخ هيرودوت ومن هنا نستطيع أن نقول إن الحضارة المصرية لم تؤثر في فلسفة أفلاطون تأثيرا مباشرا وبعدعودة أفلاطون إلى أثينا أسس أكاديمية للتعليم العالي في أحد أطراف أثينا خاصة للأعمال الفلسفية التي أسسها عام 387 ق.م وجعل منها معبدا لربات الشعر وقد عرفت بهذا الإسم لإطلالها على حديقة البطل أكاديموس وأقام فيها أفلاطون يعلم الناس على طريقة أستاذه سقراط وكان لا يطلب من أحد أجرا وإصطفى من بين تلاميذه ثمانية وعشرين تلميذا كان يذهب بهم في بعض الأحيان إلى منزله بما فيهم تلميذه النجيب الفيلسوف اليوناني أرسطو الذي إنضم إلى الأكاديمية وكان عمره 17 عاما .
وقد ظلت الأكاديمية مركزا للتدريس والتأليف بدون إنقطاع حتى أغلقها الإمبراطور الروماني جستنيان عام 529م وقد وضع أفلاطون تصورا ممنهجا وعقلانيا لبعض المفاهيم وعلاقتها المتبادلة في علم الميتافيزيقا كالأخلاق وعلم النفس الأخلاقي وإحتوت أعماله على مناقشات في الجماليات والفلسفة السياسية وعلم الكونيات وفلسفة اللغة وغيرها الكثير ولم تنحصر إنجازاته في الفلسفة بل توسعت لتشمل النواحي الرياضية والعلمية وعن حياته الخاصة فإن أفلاطون لم يتزوج بل قضى حياته في سبيل العلم والتدريس وكان يستمتع بوجوده بين تلاميذه حيث طور أفكارهم بشكل كبير ونظمها ووجهها نحو الخير والصلاح لا لفساد البلاد وتدميرها وبعد رحلة طويلة من التعلم والتنقل والترحال وإيصال العلم لتلامذته ومريديه توفي أفلاطون عام 347 ق.م في أثينا عن عمر يناهز 80 عاما في نفس يوم ميلاده بعد أن أمضى سنواته الأخيرة يكتب في الأكاديمية وقد أقيم له ضريح بعد موته وأصبح تلاميذه يحتفلون سنويا بعيد ميلاده ووفاته حيث كانوا يعتبرون ذلك اليوم مقدساً وقد كان لأفلاطون تأثير كبير على الفلسفة وطبيعة البشر حيث إشتمل عمله على مجموعة واسعة من الأفكار المتعلقة بالرياضيات والعلوم الطبيعية والنظريات السياسية والأخلاق كما وضحت معتقداته أهمية علم الرياضيات في التعليم وضرورته لفهم الكون بأسره وبالإضافة إلى ذلك فقد أسس أفلاطون عملا يقوم على إستخدام العقل لتطوير مجتمع أكثر عدلا ووسطية ويقوم على المساواة بين الأفراد وقد صاغ أفلاطون كتبه في أسلوب الحوار وإتخذ من سقراط بطلا للكثير من تلك المناقشات المكتوبة فيجري على لسانه ما يريد أن يقوله هو من فلسفة مضافة إلى فلسفة سقراط أستاذه وبذلك إمتزجت آراء سقراط بآراء أفلاطون حتى لا تستطيع أن تميز بينهما في كثير من المواضع ولم يكن أفلاطون في كتابته فيلسوفا فقط بل كان كذلك أديبا فنانا فكان حواره مملوء حياة بما أودعه من خيال حسن وفكاهة لطيفة وقص حوادث وإدخال أشخاص ذوي شخصيات مختلفة يمثلون أدوارهم تمثيلا دقيقا .
وكان الواضح في أسلوب أفلاطون أنه أسلوب خيالي فهو لا يشرح فكره بوضوح وبطريقة علمية مباشرة ولكن يشرحه من طريق الإستعارات والأساطير والقصص وهي طريقة جميلة في كثير من الأحيان ولكنها مربكة فكثيرا ما يتردد الباحث هل هو يريد المعنى الحقيقي لكلامه أو هو قد أتى به على طريق الإستعارة وأنه يرمي إلى معنى آخر وقد جاء هذا من قبل أنه فيلسوف وشاعر أو فيلسوف وأديب معا وإجتماع الفلسفة والشاعرية خطر لأن غرض الفلسفة فهم الحقيقة وشرحها من الطريق العلمي وغرض الشاعرية مجرد شعورك بالحقيقة ووصف إحساسك بها بعرض صور وإستعارات ومجازات وما إليها فإذا كان الإنسان فيلسوفًا شاعرا فهناك الخوف من أنه لا يعمد إلى الحقيقة الخارجية فيشرحها بل يعمد إلى شعوره بها فيشرحه على الطريقة الشعرية فكان أفلاطون بديعا في مزج الشعر بالفلسفة فخرج قوله حكيما جميلا ولكنك لا تدري في كثير من الأحيان أين هو حكيم وأين هو جميل ثم لا تعرف أهو حكمة فتركن إلى ظاهر لفظه أو هو خيال وشعر فتحاول أن تتبين ما يرمي إليه وبالإضافة إلى الإنتاج المدون الضخم لأفلاطون نجد أرسطو يشير في الميتافيزيقا إلى مذهب الأفلاطونيين في الأعداد والمثل وهذا موقف لا نجد في محاوراته تفصيلات عنه ولهذا فقد رجح المؤرخون أن ما نسبه أرسطو لمعلمه أفلاطون من آراء تؤلف في مجموعها الجزء الشفوي على الكلمة المكتوبة والعبارة المركزة ومما يؤيد هذا الرأي أن أرسطو نفسه كان تلميذا لأفلاطون وكان يواظب على حضور مناقشاته الأكاديمية فهو إذن كان على علم بالتعاليم الشفوية للمدرسة وكل هذه الآراء كان لها تأثير كبير على تطور الفكر الأفلاطوني وظهوره على صورة مذهب الأفلاطونية المحدثة في مدرسة الإسكندرية وعند كل من الإسلاميين والمسيحيين فيما بعد .
|