بقلم المهندس/ طارق بدراوي
موسوعة" كنوز أم الدنيا"
شارع إبن ماجد هو أحد شوارع ضاحية مصر الجديدة التي تعد من أرقي ضواحي القاهرة وهو يمتد من شارع الحجاز ويمتد متقاطعا مع شارع إبن ظافر الموازى لشارع الحجاز ثم يكمل مساره حتي ينتهي بنقطة تقاطعه مع شارع عبد الهادى المغربي وينسب هذا الشارع إلي شهاب الدين أحمد بن ماجد بن محمد بن عمر بن فضل بن دويك بن يوسف بن حسن بن حسين بن أبي معلق بن أبي الركائب المكني بإبن ماجد وإبن أبي الركائب كما لقب بالشهاب وشهاب الحق وشهاب الدين دلالة على تدينه وتقواه ومحافظته علي فرائض الإسلام كما لقب أيضا برابع الثلاثة والمعلم أسد البحار وربان الجهازين ومعلم بحر الهند دلالةً على علمه وهو رحالة وعالم في الجغرافيا إستطاع أن يدهش الناس في جميع أنحاء العالم بمؤلفاته ودراساته المهمة التي إعترف بأهميتها جميع من إهتموا بدراسة الرحلات والإستكشافات وكان البرتغاليون هم أول مَن أشاروا إلى أهمية إكتشافات إبن ماجد الجغرافية فحرصوا على دراسة علومه والإستفادة منها في الوصول إلى إكتشافاتهم في علم الجغرافيا وكان ميلاد أحمد بن ماجد علي الأرجح عام 821 هجرية الموافق عام 1418م في مدينة جلفار التي تقع على الساحل الجنوبي للخليج العربي بإمارة رأس الخيمة حاليا والتي كانت تابعة آنذاك لمملكة هرمز والتي قامت في القرن العاشر الميلادي على السواحل الشرقية للخليج العربي وإشتهرت بالتجارة والثراء .
تحدث إبن ماجد عن أنه ينتسب إلى القبائل العدنانية من تهامة ونجد والحجاز وكان أبوه وجده ملاحين مشهورين وقال إبن ماجد عن جده عليه الرحمة كان نادرة في ذلك البحر يقصد المحيط الهندى وإستفاد منه والدي وأسهما في معرفة القياسات وأسماء الأماكن وصفات البحر والبحار كما درس أحمد بن ماجد على أيدى عدد من خبراء شئون البحار حيث شهد حلقاتهم ومناظراتهم على متن السفن الراسية بالموانى العمانية معتمدا على نفسه فى إستنباط قياسات النجوم ورصد مطالعها ومغاربها وحركاتها وأثرها فى المواسم البحرية وقد بدأ إبن ماجد في سن العاشرة مصاحبة والده في رحلاته البحرية وقاد تحت إشرافه أول رحلة وهو في سن السابعة عشرة وتعلم البحار الصغير الفلك والرياضيات والجغرافيا جنبا إلى جنب مع التاريخ والأدب كما كانت لإبن ماجد معرفة واسعة بخليج عدن والمحيط الهندي ومضيق ملقا وهو الممر المائي الذى يقع في جنوب شرق آسيا بين شبه جزيرة ماليزيا وجزيرة سومطرة الإندونيسية وصولا إلى بحر الصين الجنوبي حيث إهتم بتوفير معلومات حول الرياح المحلية والموسمية وحركة المد والجزر فى الخليج العربى والبحر الأحمر وبحر العرب ووسائل الملاحة بعيدة المدى والملاحة الساحلية فتميزت معلوماته بدقة كبيرة في العصر الذى عاش فيه وبلا شك فقد تعلم أحمد بن ماجد من خبرة والده في الملاحة وأصبح مشهورا أكثر منه وصنف من بين أشهر البحارة العرب وأكثرهم خبرة وعلم .
وكان لأحمد بن ماجد شهرة كبيرة في منطقة السواحل الشرقية لقارة أفريقيا بسبب رحلاته الكثيرة إليها وتشير بعض الروايات إلي أن البحار البرتغالي فاسكو داجاما قد إستعان بإبن ماجد في عام 1498م عندما إلتقي به بمنطقة مالندي وهي مدينة تطل على خليج ماليندي الذي يشكل جزءا من الشريط الساحلي الكيني الممتد على المحيط الهندى بالقرب من ساحل ملبار وهو الشاطئ الجنوبي الغربي من أراضي شبه القارة الهندية وهو خط ساحلي طويل يبلغ طوله حوالي 850 كيلو متر وهو يقع ضمن المنطقة الإستوائية ويمر في عدة ولايات في الهند وكانت مهمة داجاما إكتشاف طريق إلى الهند للحصول على منتجاتها من البهارات والتوابل وكان إبن ماجد معروفا في منطقة ملبار بإسم كاناكا أي الشخص الذي يمتلك خبرة في الفلك والبحار وإستطاع داجاما إقناع أحمد بن ماجد لكي يقود السفن الخاصة بالبرتغال في المحيط الهندي فتمكن من الوصول إلى ميناء كلكتا بالهند في عام 1498م والأمانة تقتضي أن نذكر أنه في رواية أخرى لم يكن من رافق فاسكو داجاما هو أمير البحار أحمد بن ماجد بل بحار هندى مسيحي وقد رأى المفكر فيراند أن إبنَ ماجد بحار يستحق الإعجاب والتقدير وأنه ذروة التأليف الفلكي الملاحي لعصره وعده أول كاتب للإرشادات البحرية ومقدما لوصف وشرح عن البحر الأحمر ولم يوازه في مجال الملاحة الشراعية أو يفقه أي مفكر أوروبي كما ذكر المستشرق البرتغالى كتانهيدا واصفا للقاء إبن ماجد لفاسكو داجاما في مالندى على الساحل الشرقى من أفريقيا قائلا وصعد إلى سفينته العمانى أحمد بن ماجد وأبحر معه ليدله على طريق الهند فهو بحار العرب الأول وربان سفينة فاسكو داجاما وعن هذا أيضا جاء ذكر لإبن ماجد في كتاب المحيط للأميرال التركي سيدي على بن سيف حين ذكر رحلته إلى المحيط الهندي وإلتقى مع إبن ماجد ووصفه بالبحار المتمرس وعالم البحار العماني القدير الذي عرف البحر وخبر الملاحة فيه وأكد أنه هو مرشد فاسكو داجاما وكان ذلك من خلال معرفته بالصلات التاريخية بين عمان والمغرب العربي والوثائق التي حصل عليها من سلطنة عمان ومملكة المغرب وقد صدر هذا الكتاب بسلطنة عمان في بدايات القرن الحادى والعشرين في عام 2005م بنفس العنوان.
وقد ألف أمير البحار أحمد بن ماجد أكثر من ثلاثين كتابا ورسالةً وأرجوزة أرسى فيها وأسس قواعد علم جديد هو علم البحار والذى لم يكن معروفا من قبل ومن هذه الكتب كتاب الفوائد في أصول علم البحر والقواعد ومن أهم ما إحتواه هذا الكتاب ما ذكره في الملاحة البحرية وعلم الملاحة العربي وإرتباطه بعلم البحار موضحا تاريخ علم البحر والملاحة البحرية حتى القرن الخامس عشر الميلادي كما يلقي هذا الكتاب الضوء على مدى تأثر البرتغاليين فيما بعد بعلوم المسلمين وبتقاليد الملاحة البحرية بشكل عام وفي المحيط الهندى بشكل خاص ويتحدث الكتاب أيضا عن العلوم والثقافات التي يجب أن يلم بها ربان السفينة فيقول إن لركوب البحر واجبات كثيرةً أهمها معرفة المنازل والمسافات والقياس والإشارات وبخلاف هذا الكتاب فلإبن ماجد ثلاثة مؤلفات أخرى بارزة فى شئون البحار قام بترجمتها إلى اللغة الروسية المستشرق ثيودور شوموفسكى بعد أن عثر على أرجوزة مخطوطة لإبن ماجد في مكتبة مدينة إسطنبول بتركيا وعلى ثلاث مخطوطات أخرى في مكتبة مدينة ليننجراد بدولة روسيا الإتحادية ثم ترجمت بعد ذلك إلى اللغة العربية بعنوان ثلاثة أزهار فى معرفة البحار وله أيضا مؤلف بإسم تصنيف القبلة فى جميع الدنيا والذى ضبط وحدد فيه إتجاه القبلة فى جميع بقاع الأرض حيث أوجد إبن ماجد صلة بين تقسيمِ دائرةِ الأفقِ إلى عدد 32 جزءا وبين إستخدام قبضة اليد والذراع مبسوطةً في إتجاه البصر أمام الراصد فقبضة اليد من الخنصر إلى الإبهام والذراع ممدودة إلى الأمام تمثل جزء واحد من عدد 32 جزء من محيط دائرة مركزها نقطة إتصالِ الذراعِ بالكتف فلو إستقبلنا إتجاه الشمالَ لأمكنَ بإستخدامِ قبضةِ اليدِ فقط التعرف على أي إتجاه آخرَ على دائرة الأفق وبالإضافة إلي ما كتبه أمير البحار أحمد بن ماجد فقد رسم الكثير من الخرائط البحرية وقام برحلات عديدة إلى شرق قارة أفريقيا وبلاد الهند وبلاد جنوب شرق قارة آسيا وربما وصل إلى الصين وفضلا عن ذلك كان من الأرجوزات التي ألفها أمير البحار أحمد بن ماجد علي سبيل المثال لا الحصر أرجوزة بعنوان الأرجوزة الحجازية والتي إحتوت أكثر من 1000 بيت حول الملاحة البحرية في البحر الأحمر وجزره وشعابه المرجانية والذى كان معروفا بإسم بحر القلزم وفضلا عن ذلك كان الإرث الحقيقي للبحار بخلاف كل ما سبق إثنان من كتب أمير البحار أحمد بن ماجد الشهيرة المكتوبة بخط اليد بالإضافة أيضا إلي عملين شعريين مكتوبين بخط اليد وهذه الأعمال الأربعة هي الآن من أهم المعروضات البارزة في المكتبة الوطنية في العاصمة الفرنسية باريس .
وبخلاف الكتب التي قام بتأليفها أمير البحار أحمد إبن ماجد فقد إستحدث أدوات ملاحيةً جديدة أهمها تصميمه البوصلة البحرية المقسمة إلى 22 درجة والتي ماتزال مستعملةً حتى الآن وكان يسميها الحقة بضم الحاء وتحدث عنها قائلا ومن إختراعنا في علم البحر تركيب مغناطيس على الحقة ولنا فيه حكمة كبيرة لم تودع في كتاب ذلك أن البوصلةَ التي عرفها العرب من الصين كانت بدائيةً لاتعدو وضع قضيب مغناطيسي على عودى خشب خفيفين ووضعهما على وعاء فيه ماء فيطفوان وهما يحملان القضيب فيتحرك العودان الحاملان على الماء بحسب إتجاه القضيب المغناطيسي مشيرا إلي إتجاه شمال جنوب أما بوصلة إبن ماجد فقد جعل فيها القضيب المغناطيسي مثبتا من منتصفه على محور عمودى منصوب على قاعدة رسمت عليها الإتجاهات الأصلية الأربعة وهذا التثبيت للقضيب المغناطيسي يتم بحيث يكون حر الحركة بالدوران أفقيا حول المحور العمودي مما يؤهله للدوران أفقيا بحرية ليشير نحو الشمال المغناطيسي ثم إنه وضع المجموعة كلها في وعاء زجاجي يحفظها ويسهل إستخدامها ويجعلها قابلةً للحمل والنقل والغالب أنه أول من سماها الحقة وهي لفظة عربيةٌ تعني الإناء الصغير ومما يذكر أن العرب كانوا قد عرفوا آلات ملاحيةً وفلكية لتحديد خطوط العرض معتمدين في ذلك على معرفتهم الدقيقة بمواقع النجوم وكان من هذه الآلات التي إبتكرها وطورها أمير البحار أحمد بن ماجد هو وأصدقاؤه المزولة الشمسية وهي آلة توقيت نهارية والإصطرلاب وهو آلة فلكية قديمة وأطلق عليها العرب ذات الصفائح وهو نموذج ثنائي البعد للقبة السماوية ويظهر كيف تبدو السماء في مكان محدد عند وقت محدد بالإضافة إلي الآلة التي أذهلت المستكشف البرتغالي ڤاسكو داجاما حين رآها وهي وردة الرياح وهي آلة من الخشب تقسم عليها دائرة الأفق إلى الجهات الأربع الأصلية أي أربعة أرباع وهذه تقسم إلى أثمان وبدورها تقسم هذه إلى ستة عشر قسما فإلى ست وثلاثين أي يقسم ما بين كلِ جهتين إلى أقسام صغيرة وتستخدم لمعرفة إتجاه الرياح بدقة ومن أين تهب .
ولم يقتصر نبوغ إبن ماجد على علم الجغرافيا والملاحة فقط بل نبغ أيضا في اللغة العربية فتميز أسلوبه بالدقة في المعاني والألفاظ وتكثيف الحقائق العلمية والإبتعاد عن الحشو في العرض وعلاوة علي ذلك فقد كان مطلعا على كثير من الكتب في العديد من المجالات وفي النهاية نذكر أنه من المعروف أن أمير البحار أحمد بن ماجد قد أدى فريضة الحج إلى بيت الله الحرام وإتخذ لقبا جديدا بالإضافة إلي ألقابه التي ذكرناها في السطور السابقة وهو لقب حاج الحرمين الشريفين وكثيرا ما كان ينصح الناس بإلتزام الطهارة عند ركوب البحر ونذكر أيضا ما قاله إبن ماجد عن نفسه حيث قال ونهاية التقدم في الزمن بداية المتأخرين بعده وقد عظمنا علمهم ومؤلفاتهم وأجللنا قدرهم بقولنا إنا رابع ثلاثة وربما يكون في علم البحار الذي إخترعناه في البحر ورقة واحدة تفيد في البلاغة والصحة والهداية على الطريق والدلالة في مسارب البحر بأكثر مما صنفوه وأخيرا فإننا لا نعلم علي وجه اليقين متي كانت وفاة أحمد بن ماجد وإن كان يظن أنه قد توفي عام 906 هجرية الموافق عام 1501م عن عمر يناهز 83 عاما وبعد ان أنجز الكثير خلال حياته في فترة شهدت الإنتقال بين قرنين هجريين التاسع والعاشر وأيضا الإنتقال بين قرنين ميلاديين الخامس عشر والسادس عشر وحديثا وإحياءا لذكراه نشر مركز المزماة الإماراتي كتابا تحت عنوان أحمد بن ماجد ملاح من جلفار من تَأْليف الدكتور سالم حمد كما صدر كتاب بعنوان أرجوزة تحفة القضاة أحمد بن ماجد من تأليف وتحقيق حسن صالح شهاب عام 1991م عن إتحاد كتاب وأدباء دولة الإمارات العربية المتحدة .
|