بقلم المهندس/ طارق بدراوي
موسوعة" كنوز أم الدنيا"
شارع كعب بن مالك هو أحد الشوارع المتفرعة من شارع الحجاز الذى يعد من أهم وأطول شوارع ضاحية مصر الجديدة التي تعد من أرقي ضواحي القاهرة وهو يبدا من نقطة تقاطعه مع شارع الحجاز أحد أهم وأطول وأشهر شوارع الضاحية الراقية ويمتد متقاطعا مع شارع أبو العلاء المعرى الموازى لشارع الحجاز ويمتد حتي ينتهي بتقاطعه مع شارع التابعي الأحنف بن قيس وينسب هذا الشارع إلي الصحابي الأنصارى الخزرجي الجليل كعب بن مالك عمرو بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة العقبي الأحدي وكان يكنى في الجاهلية بأبي بشير وقد شهد بيعة العقبة الثانية مع النبي ﷺ ضمن الثلاثة والسبعين رجلا والإمرأتين والذين قال لهم النبي ﷺ يومها لهم تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروفِ والنهي عن المنكر وعلى أن تقولوا في الله لا يأخذكم في الله لومةُ لائم وعلى أن تنصروني إذا قدِمت عليكم وتمنعوني ما تمنعونَ منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنةُ فقبلوا وبايعوا الرسول ﷺ علي ذلك وكانت تلك البيعة تمهيدا لمجئ النبي ﷺ والمهاجرين من صحابته من أهل مكة المكرمة وقدومهم أرض المدينة المنورة لبدء نشر الدعوة من هناك وعاد أهل بيعة العقبة الثانية إلى ديارهم في المدينة المنورة منتظرين قدوم النبي ﷺ وهجرته إليهم وبعد الهجرة آخي النبي ﷺ بينه وبين الصحابي الجليل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وقيل آخى بينه وبين الصحابي الجليل الزبير بن العوام رضي الله عنه وهما من العشرة المبشرين بالجنة وقد روى كعب بن مالك عن النبي ﷺ ثلاثين حديثا إنفرد منها الإمام البخاري بحديث واحد والإمام مسلم بحديثين وكان كعب بن مالك أحد ثلاثة شعراء من الأنصار للنبي ﷺ وكان الإثنان الآخران هما حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وتم وصفه بأن كان من طليعة شعراء العصر الإسلامي الذين حملوا عبء الدفاع بشعرهم عن الإسلام فقد عبر بشعره عن أسمى المعاني الإنسانية التي جاء بها الإسلام وصور بأشعاره وقصائده المجتمع المسلم في أزهى عصوره التاريخية والصحابة من المهاجرين الذين نصروا رسول الله ﷺ والأنصار الذين آووه ومعه الصحابة من المهاجرين كما كان للصحابي كعب بن مالك الأنصاري مناقب عديدة ولذا فقد تم وصفه بأنه كان ذلك الطود الشامخ الذي جمع بين قوة السنان وفصاحة اللسان وغزارة الإيمان ورقة الوجدان وفضلا عن ذلك كان ولده عبد الله بن كعب من أعلم الأنصار وولده عبد الرحمن بن كعب ممن يفتي في المدينة المنورة من بعد الصحابة وكان حفيده عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب من فقهاء المدينة المنورة البارزين وقيل عنه إنه كان أعلم قومه وأوعاهم .
ومن المثير للإنتباه أن الشاعر كعب بن مالك علي الرغم من أنه كان له أثر كبير في حياة وتاريخ الإسلام والدعوة الإسلامية إلا أنه لم ينل من مؤرخي الأدب ما هو جدير به فلا يزال الربع الأول من حياته قبل أن يصل حبله بالإسلام غامضا ولا تزال توجد فجوات في حياته لم يعرف عنها أحد شئ وإنما ما ذكر وتم توثيقه عنه كان بعد إسلامه ولم يشهد كعب بن مالك غزوة بدر مثله مثل بعض الصحابة من المهاجرين والأنصار حيث كان الخروج وقتها إختياريا لإعتراض قافلة قريش التجارية القادمة من الشام والتي كان علي رأسها كبير قريش آنذاك أبو سفيان بن حرب وكانت بها أموال المهاجرين التي تركوها في مكة المكرمة ثم شاءت الأقدار أن يتطور الأمر وتحدث غزوة بدر لكنه حضر غزوة أحد ودافع يومها عن النبي ﷺ في بسالة وشجاعة حتي كاد أن يقتل وجرح عدد 17 جرحا ولم يتخلف بعدها كعب بن مالك عن أي مشهد من المشاهد مع النبي ﷺ حتي جاءت غزوة تبوك في العام التاسع للهجرة وكان لكعب فيها موقف يعد من أهم المواقف في حياته ولذلك قصة بدأت عندما أرسلت عيون النبي ﷺ برسائل تفيد أن الروم قد حشدوا جيشا ضخما شمالي الجزيرة العربية وأنهم ينوون غزو المدينة المنورة فنادى المنادى في المدينة بالتجهز للخروج لملاقاة الروم عملا بما إستنه النبي ﷺ بعد غزوة الخندق بأن يغزو المسلمون أعداءهم قبل أن يغزوهم وقد عرفت هذه الغزوة بإسم غزوة العسرة لأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعيشون في ذلك الوقت في أشد وأصعب الظروف ويروى لنا كعب بن مالك أحداث هذه القصة بعدما تخلف هو وإثنان آخران عن تلك الغزوة دون عذر وإعترف الثلاثة وأقروا بذلك أمام النبي ﷺ وفي ذلك يقول كعب بن مالك إنه لم يتخلف عن رسول الله ﷺ في غزوة غزاها قط بعد غزوة بدر إلا في غزوة تبوك وإنه شهد مع النبي ﷺ ليلة العقبة وأحد وما بعدها حتي خيبر والفتح وحنين ويعترف كعب بأنه لم يكن له عذر في تخلفه لأنه كان يملك الزاد والراحلة ويقول في ذلك كان من خبري حين تخلفت عن رسول الله ﷺ في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة ووالله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة ويتحدث عن الشدة التي كان يعاني منها الصحابة الكرام في زمن تلك الغزوة فيقول فغزاها رسول الله ﷺ في حر شديد وإستقبل سفرا بعيدا ومفازا وإستقبل عدوا كثيرا أما هو فأخذ يتلكا في الخروج مع النبي ﷺ والصحابة ويقول كل يوم في نفسه سأخرج غدا حتي خرج جيش المسلمين من المدينة المنورة وعلي رأسه النبي ﷺ إلي تبوك ولم يخرج معهم .
ويستمر كعب في ذكر أحداث القصة حتى يصل إلى موعد اللقاء مع رسول الله ﷺ بعد عودته منتصرا من تبوك بعد 50 يوما من الخروج من المدينة المنورة وكان من عادة الرسول ﷺ أن يتوجه أولا إلي المسجد النبوى الشريف ويصلي ركعتي شكر لله ثم يبدأ في إستقبال الناس وهنا يتحدث كعب بن مالك عن قدوم من تخلفوا مثله عن غزوة العسرة وإعتذار غيره منهم عن أسباب تخلفهم وكيف كانوا يأتون بالحجج التي تجعل رسول الله ﷺ يقبل منهم أعذارهم بينما هو لم يعتذر كما إعتذر غيره رغم أنه كان قادرا على صنع ذلك ويقول كعب عن هذا الموقف فجئت أمشي حتى جلست بين يدى النبي ﷺ فقال لي ما خلفك ألم تكن قد إبتعت ظهرك والمقصود راحلته قال قلت يا رسول الله إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ولقد أُعطيت جدلا ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عقبى الله والله ما كان لي عذر والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك هكذا كان يتكلم رضي الله عنه بكل قوة وجرأة ولم يعتذر كما إعتذر غيره ولم يُنافق كما نافق الآخرون إنما صدع بالحق وجاء على ذكر الحقيقة كما هي فجاء تصديق ذلك من رسول الله ﷺ حيث قال أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك وهنا تبدأ أول مراحل الإبتلاء وتمثل ذلك في نصائح المحبين له من أقاربه وأصحابه حيث قال وثار رجال من بني سلمة فأتبعوني وقالوا لي والله ما علمناك أذنبت ذنبا قبل هذا لقد عجزت في أن لا تكون إعتذرت إلى رسول الله ﷺ بما إعتذر به إليه المخلفون فقد كان كافيك ذنبك إستغفار رسول الله ﷺ وكانوا يقصدون أنه لو فعل مثلما فعل غيره لكفاه إستغفار رسول الله ﷺ له وكان من شدة إلحاحهم عليه أنه فكر بالفعل في التراجع وقال فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله ﷺ فأكذب نفسي ولكن الله ثبت قلبي وزاد من ثباتي حيث تذكرت أمرا في غاية الأهمية وقلت لهم هل لقي هذا معي من أحد قالوا نعم لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت فقيل لهما مثل ما قيل لك وحقا فإن وطأة هذا الأمر وشدته تقل مع وجود أقران مشاركين لي فيه فإن كان مثل هذا الأمر الذي حصل معي قد حصل مع غيرى فهذا من شأنه أن يخفف عني خاصة إذا كان هؤلاء من المعروفين بصدقهم وصلاحهم فقلت من هما قالوا مرارة بن ربيعة العامري وهلال بن أمية الواقفي فلما عرفهما وتبين له صلاحهما وصدقهما إطمأنت نفسه وقلل هذا من شدة ألمه وحزنه وقال في ذلك إن قومه لما ذكروا له رجلين صالحين قد شهدا بدرا وفيهما أسوة حسنة مضيت حين ذكروهما لي .
وبعد هذا الإبتلاء الأول جاء الإبتلاء الثاني وهو المقاطعة وكانت مقاطعة المجتمع له بكل فئاته حيث نهى رسول الله ﷺ كافة المسلمين عن التعامل مع الثلاثة الذين أقروا بتخلفهم عن غزوة تبوك دون عذر وكان وقع ذلك شديدا عليهم ثم ما لبث الرسول ﷺ أن أرسل إليهم بألا يمس أي منهم إمرأته حتي يقضي الله في أمرهم وقد وصف كعب ذلك بقوله حتى تنكرت لي في نفسي الأرض فما هي بالأرض التي أعرف وإستمرت المقاطعة بكل ثقلها وآلامها خمسين يوما ذاق فيها كعب وأصحابه من المصاعب ما ذاقوا وقد عبر عن بعض ذلك فقال فكنت أخرج فأشهد الصلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد وآتي رسول الله ﷺ وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام أم لا ثم أصلي قريبا منه وأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي وإذا إلتفت نحوه أعرض عني وهكذا تستمر القصة بلياليها الطويلة وإضطر الثلاثة فيها إلى الإنعزال عن الناس لأنه أخف عليهم وقال كعب عن ذلك حتى إذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو إبن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام فإزداد الألم علي نفسي وأصبحت أشك في نفسي فبحثت عن إجابات أدحض بها هذا الشك عن نفسي عند أعز الناس علي وهو إبن عمي أبي قتادة ولكن أحدا من المسلمين لا يمكنه أن يخالف أمر رسول الله ﷺ فلما قلت له يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمن أني أحب الله ورسوله فسكت فعدت فناشدته فسكت فعدت فناشدته فقال الله ورسوله أعلم ففاضت عيناي بالدمع وتوليت وبعد هذه المقابلة الصعبة وعقب هذا اللقاء القاسي المرير مع أبي قتادة جاءه الإبتلاء الثالث الذي عبر عنه بقوله وبينما أنا أمشي في سوق المدينة المنورة إذا نبطي من نبط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك قال فطفق الناس يشيرون له إلي حتى جاءني فدفع إليَ كتابا من ملك غسان وكنت كاتبا فقرأته فإذا فيه أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فإلحق بنا نواسيك نعم لقد إستغل ملك غسان هذه الظروف التي يمر بها كعب لأنه يعلم أبعاد مثل هذا الطلب ويعلم ما يعنيه إستمالة قلبه في هذه الحالة فكعب له مكانته في المجتمع فهو معروف بشعره ومكانته وسمو مكانته ويعلم كذلك أثر ذلك في شق صف المسلمين ولذلك كان ملك غسان شديد الحرص على ذلك لكن كعب لم ير في ذلك مخرجا مما هو فيه ومما يعانيه يخرجه من الضيق والألم إلى أوسع أبواب العزة فذلك يكون مع غير المؤمن فالمؤمن يعلم علم اليقين أن الدنيا بكل ما فيها لا تعدل عند الله جناح بعوضة وأن أي حل يأتي في غير طاعة الله تعالى ورضوانه إنما هو الخسران بعينه والخيبة بكل معانيها فكان هذا الكتاب بالنسبة إلى كعب بمثابة الإبتلاء ولذا فقد قال حين قرأه وهذا أيضا من البلاء فتياممت بها التنور فسجرتها بها نعم حرق كعب بن مالك ذلك الكتاب ولم يندم علي حرقه وهو يعلم أنه من ملك غسان نفسه وهو ما يعني في زماننا منحه الجنسية أو حق اللجوء السياسي حرق الكتاب في التنور وهو يعلم أن فيه سبب نجاته من العزلة التي يحياها ويعلم أن فيه ما ينسيه الألم الذي هو فيه ولكن كعبا لم يكن يسأل عن دنيا يصيبها أو عن مكانة يتطلع إليها في هذه الدنيا الفانية نعم لا غرابة في هذا فالمؤمن حين يخالط الإيمان بشاشة قلبه يسمو هدفه وتشمخ نفسه وتصبح عنده الدنيا بكل ما فيها مجرد أوهام لا تساوى جناح بعوضة ولا يمكنها أن تجذب قلبه أو تبعده عن حب الله تعالى أو حب رسوله ﷺ .
وقد أتي بعد ذلك الفرج أتي بعد التأكد من ثبات الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة العسرة دون عذر وبعد مقاومتهم وصبرهم على كل أنواع الإبتلاءات التي تعرضوا لها وفي ذلك يقول كعب فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهي عن كلامنا ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا فبينما أنا جالس على الحال التي ذكرنا الله عز وجل بها قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على سلع يقول بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر رضي الله عنك وعن أصحابك يا كعب لقد ضربتم بثباتكم وصمودكم وثبركم أروع النماذج على صدق الإيمان وعلى صحة اليقين وحسن التوكل على الله فكانت تجربتكم من أروع التجارب وصمودكم من أعظم أنماط الصمود فقال معبرا عن فرحته بتوبة الله عليه فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج الله قال أخبر رسول الله ﷺ الناس بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا فذهب قبل صاحبي مبشرون وركض رجل إليَ فرسه وسعى ساع من أسلم قبلي وأوفى الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني فنزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته والله ما أملك غيرهما يومئذ وإستعرت ثوبين فلبستهما وإنطلقت أتأمم رسول الله ﷺ يتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بالتوبة ويقدمون لي التهنئة بتوبة الله علي حتى دخلت المسجد وسلمت علي رسول الله ﷺ فقلت له يا رسول الله إن من توبتي ألا أحدثك إلا صدقا وأن أخلع نفسي من سهمي في خيبر وأتنازل لبيت المال عن كل مالي تكفيرا عن ذنبي فقال له الرسول ﷺ إخلع عنك سهمك في خيبر ولكن إبق عليك بعض مالك فهو خير لك ولقد بقيت قصة هؤلاء الثلاثة منارة شامخة عبر العصور وأصبحت توبتهم رمزا خلده القرآن الكريم وستبقى الآيات التي نزلت في هذا الشأن في سورة التوبة تتلى إلى يوم الدين حيث قال تعالى لقد تاب الله علي النبي والمهاجرين والأنصار الذين إتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم / وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتي إِذا ضاقت عليهم الأَرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا مالجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم .
وفي النهاية نذكر أن قصة كعب بن مالك وصحبه الذين تخلفوا عن غزوة العسرة دون عذر تدلنا على مدى ترابط بين أعضاء ذلك المجتمع الفريد الذي كان فيه أفراده جميعا على أمر رسول الله ﷺ وأن أوامره ﷺ كانت تجري عليهم جميعا وكيف أنهم كانوا فاعلين في مجتمعهم تجمعهم المحبة ويضمهم الرضا والقبول بتعاليم رسول الله ﷺ وأن تخلف صحابي واحد منهم عن أمر الجماعة يعني الكثير وأول ما يعني إنعزاله عن بؤرة هذا المجتمع وإستحقاقه للمقاطعة التي توصله إلى أشد حالات المرارة والصعوبة وأن الندم على ما فات من التقصير شرط لتداركه ولذلك قال كعب نادما بعد تخلفه عن غزوة العسرة إنني هممت أن أرتحل فأدركهم فيا ليتني فعلت وأن المتخلف عن رسول اللَّه ﷺ من غير أهل الأعذار الحقيقية أو ممن خلفه رسول اللَّه ﷺ لمصلحة لا عذر له وفي هذه الحالة يكون منافقا وأن فضيلة الصدق وملازمتها وان كان فيها مشقة فإن عاقبتها خير وإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة كما ثبت في الحديث الصحيح ومما نتعلمه أيضا من قصة كعب بن مالك إستحباب التبشير بالخير وإستحباب تهنئة من رزقه الله خيرا ظاهرا أو صرف عنه شرا ظاهرا وهناك أيضا في هذه القصة الكثير والكثير من الحكم والعبر وهي أكثر من أن تعد أو تحصى ولكن المقام هنا لا يتسع وما لا يدرك كله لا يترك جله وأخيرا كانت وفاة كعب بن مالك علي الأرجح في زمن خلافة الخليفة الأموى الأول معاوية بن أبي سفيان مابين عام 51 هجرية وعام 53 هجرية في قول آخر وكان قد بلغ من العمر حوالي 77 عاما وكان قد فقد بصره قرب آخر عمره .
|