بقلم المهندس/ طارق بدراوي
موسوعة" كنوز أم الدنيا"
شارع مصدق هو أحد شوارع حي الدقي بمحافظة الجيزة وهو يمتد من شارع الدقي حتي ينتهي بتقاطعه مع شارع محيي الدين أبو العز وهما من أكبر وأشهر وأهم شوارع الحي متقاطعا مع شارع حفني ناصف وشارع طهران وشارع الخليج العربي وشارع الدكتور ميشيل باخوم وشارع محمد الغزالي وشارع عدنان عمرو وشارع جمال سالم ويتميز شارع مصدق بأنه شارع تجارى حيوى حيث يشمل العديد من المتاجر والمحال التجارية والمعارض والمطاعم والكافيهات والعديد من الشركات المختلفة الأنشطة وعيادات الأطباء وحي الدقي حي سكني وتجاري حيوي حيث أنه يضم العديد من الفنادق المتعددة المستويات مثل فندق الشيراتون وفندق بيراميزا وفندق سفير الدقي وهذه من فئة الخمس نجوم إلي جانب العديد من الفنادق فئة الأربع والثلاث نجوم وكذلك تنتشر بحي الدقي العديد من السفارات والقنصليات للعديد من الدول الأجنبية والعربية والمستشفيات والمراكز الطبية ومعامل التحاليل والأشعة مثل مستشفي الشبراويشي ومستشفي عنوس ومستشفي مصر الدولي ومعامل ساريدار ومعامل البرج ومعامل المختبر كما يوجد بالحى العديد من المساجد والكنائس المعروفة مثل مسجد أسد بن الفرات ومسجد الصحابة وكنيسة السيدة العذراء مريم وكنيسة الشهيد مارجرجس وتمر به طرق رئيسية تربط بين شطري مدينة القاهرة الكبرى في محافظتي القاهرة والجيزة وكانت منطقة الدقي قرية من قرى ريف الجيزة مثل معظم أنحاء تلك المحافظة حتى دخلت الحيز العمراني الحضري بداية من عام 1964م وقد جعلها قربها من مدينة القاهرة متنفسا للأثرياء والموسرين قبل ذلك الوقت ليتملكوا فيها القصور والمزارع كما سكنها بعضهم سكنا مستديما ويرجع تسمية الدقي إلي وجود عائلة تسمي عائلة الدقي التي سكنت هذه المنطقه منذ القدم وقد أتت إليها من صعيد مصر وتمركزت فيها ثم مالبثت أن رحلت إلي الأرياف وتمركزت بقرية سلامون قبلي التابعة لمركز الشهداء بمحافظة المنوفية وأصبحت من أكبر العائلات فيها وما زالت تلك العائلة تعيش بهذه القرية حتي الآن وما زال لها أفرع في كفر الدوار بمحافظة البحيرة وفي شبرا الخيمة والإسماعيلية ومدينة نصر وحلوان والجيزة وتعتبر عائلة أبو حشوة بزاوية الناعورة بالشهداء فرع من فروع عائلة الدقي .
ويعود إسم شارع مصدق إلي رئيس مجلس وزراء إيران الأسبق محمد مصدق والذى ولد في عام 1880م ويعد من أبرز قادة إيران السياسيين وكان هذا الشارع يسمي في السابق شارع الشاه محمد رضا بهلوى وكان قد أطلق هذا الإسم علي هذا الشارع في أوائل السبعينيات من القرن العشرين الماضي في عهد الرئيس الراحل أنور السادات تكريما لموقفه النبيل ودعمه لمصر في حرب أكتوبر عام 1973م وبعد قيام الثورة الإسلامية في إيران بقيادة آية الله الخميني في عام 1979م قامت محافظة الجيزة بتغيير إسم الشارع إلي شارع مصدق والذى نشأ في أسرة تنتمي إلى طبقة الصفوة الإيرانية الحاكمة حيث كان والده وجده لأبويه وزراء الجباية أي الضرائب وورث عنهم إشتغالهم بالسياسة وبدأ حياته السياسية مع إندلاع الثورة الدستورية ما بين عام 1905م وعام 1907م وإنتخب آنذاك نائبا عن دائرة أصفهان في البرلمان الجديد الذي سمي مجلس إيران لمدة عام كما شغل منصب نائب المرشد العام للجمعية الإنسانية وفي عام 1919م غادر إيران متجها إلى سويسرا إحتجاجًا على المعاهدة الأنجلو فارسية إلا أنه في عام 1920م دعاه رئيس مجلس وزراء إيران الجديد حسن بیرنیا ليتولى أولا منصب وزير العدل ثم تم إحتياره وزيرا للمالية في حكومة أحمد قوام في عام 1921م ثم وزيرا للخارجية عام 1923م ثم أسند إليه حكم مقاطعة أذربيجان في نفس العام إلى أن أُعيد إنتخابه مرة أخرى في نفس العام 1923م لمجلس إيران وفي عام 1925م إقترح أنصار رضا خان في المجلس إصدار تشريع بإلغاء حكم سلالة قاجار وتعيين رضا خان شاها الأمر الذي عارضه محمد مصدق بشدة وألقى كلمة في المجلس الإيراني أشاد فيها بإنجازات رضا خان وشجعه على إحترام الدستور الإيراني وأن عليه أن يسعي ليكون رئيسا للوزراء وليس شاها لكن ما حدث أنه في شهر ديسمبر عام 1925م إنقلب المجلس على الملك الشاب أحمد شاه قاجار وتم إعلان رضا شاه عاهلا لإيران .
وفي عام 1941م أجبر الشاه الجديد محمد مصدق على إعتزال الحياة السياسية وفي نفس العام 1941م أجبر البريطانيون الشاه على التنحي عن عرشه لإبنه وولي عهده محمد رضا بهلوي ونفيه خارج إيران وذلك بعد الغزو البريطاني السوفيتي المشترك لإيران نتيجة تعاطف النظام الإيراني حينذاك مع المانيا النازية وفي عام1944م عاد مصدق للحياة السياسية وأعيد إنتخابه مرة أخرى لعضوية البرلمان الإيراني وتسلم قيادة الجبهة الوطنية الإيرانية بهدف إرساء الديموقراطية وإنهاء الإحتلال البريطاني وتأميم النفط الإيراني المتمثل في شركة النفط الأنجلو إيرانية وعين رئيسا لحكومة مقاطعة فارس وظل يتابع تنامي قوة الشاه محمد رضا بهلوى وفي عام 1951م أجاز البرلمان تأميم النفط فزادت قوة مصدق وعين رئيسا للوزراء وتشاء الأقدار أنه في نفس العام 1951م ألغى مصطفى النحاس باشا رئيس مجلس وزراء مصر في يوم 8 أكتوبر عام 1951م المعاهدة المصرية البريطانية المعروفة بإسم معاهدة عام 1936م وطالب الشعب المصرى بمقاومة الإحتلال لإجبار بريطانيا على الجلاء عن الأراضي المصرية وكان لهذين الأمرين صدى واسع في العالم وحينذاك دعا مصطفي النحاس باشا محمد مصدق لزيارة مصر وتم إستقباله بحفاوة بالغة من جانب الشعب المصري الذي خرج يستقبله فى مطار القاهرة بعدما كانت قد ساءت وتوترت العلاقات المصرية الإيرانية بعد الخلافات التي دبت بين شاه إيران والملك فاروق بعد طلاق الأميرة فوزية أخت الملك فاروق من الشاه في أواخر الأربعينيات وبعد الإستقبال البالغ الذي ناله مصدق من المصريين وقف رئيس الوزراء الإيراني في شرفة فندق شبرد القديم بشارع إبراهيم باشا سابقا وهو شارع الجمهورية حاليا ليلقي خطبة للشعب المصري إلا إنه لم يستكملها بسبب الكثافة الجماهيرية التي كانت تملأ الشوارع من محطة مصر حتي ميدان الأوبرا فلم تكن الميكروفونات أمامه كافية ليصل صوته للجماهير الغفيرة كذلك لم يستطع حبس دموعه فبكي وتأثرت جموع الشعب بدموعه وإشتعلت الهتافات ولم يتمكن من إلقاء خطبته وإستكملها في اليوم التالي عبر الإذاعة المصرية .
وبعد زوال الحكم الملكي وقيام ثورة 23 يوليو عام 1952م وعزل الملك فاروق من الحكم أعجب الرئيس جمال عبد الناصر بتجربة وشخصية محمد مصدق لدوره الوطني بعد إدخال إدارته إصلاحات إجتماعية وسياسية واسعة كان من بينها الضمان الإجتماعي وتنظيم الإيجارات وإستصلاح الأراضي لكن تأميمه لصناعة النفط الإيرانية التي سيطرت عليها بريطانيا منذ عام 1913م من خلال شركة النفط الأنجلو إيرانية كانت هي الخطوة التي حظيت بإهتمام الرئيس جمال عبد الناصر بالرجل بشدة فقد كانت مصر تسعى بكل جهدها إلى طرد الإحتلال الإنجليزي وإجلاء آخر جندي عن أراضيها وكان الصراع آنذاك بين مصدق وبين الشاه كبيرا بعد هذه الإصلاحات الإجتماعية والسياسية التي كان قد أدخلها مصدق لأول مرة في إيران فقرر الشاه إقالته من منصب رئيس الوزراء في عام 1953م بتدخل من المخابرات المركزية الأميريكية إلا أن الشعب خرج على قرار الشاه ونزل إلى الشوارع وأجبروا الشاه على التراجع عن قراره .
وإضطر الشاه في ذلك الوقت أن يمنح كامل الصلاحيات التي طلبها مصدق بالسيطرة علي الجيش وهو ما كان قد طالب به مسبقا ومن جانب آخر إضطر البرلمان إلى منح مصدق السلطات التي يتيحها له قانون الطوارئ وذلك بعد بروز شعبيته الجارفة في الشارع حيث إقتنع البرلمان إلى حاجته إلى مراسيم بقوانين تمكنه من تحقيق إصلاح برلماني وتعديل قوانين الإنتخابات والقضاء والتعليم فعين مصدق المرجع الشيعي والسياسي آية الله أبوالقاسم الكاشاني رئيسا لمجلس النواب دعما لقوته وأثبت العلماء المسلمين من أنصار كاشاني وأعضاء حزب توده أنهما أهم حلفاء مصدق السياسيين على الرغم من علاقاتهما المتوترة مع بعضهما البعض وحاول مصدق بسلطة قانون الطوارئ الممنوحة له من تعزيز مؤسسات الدولة السياسية عن طريق تقليص صلاحيات الأسرة المالكة فقطع ميزانية الشاه الشخصية ومنعه من التواصل المباشر مع الدبلوماسيين الأجانب وتم نفي شقيقة الشاه التوأم الأميرة أشرف بهلوى إلى فرنسا بسبب نشاطها السياسي وتدخلها فى السياسة ودعمها للمعارضين لحكومته ونقل إلى الدولة الأراضي التي كانت تمتلكها العائلة المالكة وفي شهر يناير عام 1953م نجح مصدق في الضغط على البرلمان وإستطاع ان يحصل علي موافقته من أجل تمديد قانون الطوارئ لمدة 12 شهرا أخرى ومن ثم تمكن من إصدار مرسوم قانون الإصلاح الزراعي الذي أنشأ المجالس القروية وأقر زيادة حصة الفلاحين من الإنتاج مما أضعف قوة الطبقة الأرستقراطية في البلاد حيث أنه بهذا القانون ألغى نظام الزراعة الإقطاعية السارية في إيران منذ قرون وإستعاض بها نظام الزراعة الجماعية وملكية الأراضي الحكومية وكانت هذه الإصلاحات وسيلة للتحقق من قوة حزب توده ومع ذلك فقد إزداد الوضع الداخلي والإقتصادي سوءا حيث إنهارت العملة الإيرانية وإنتشرت البطالة وبدأ الإيرانيون يزدادون فقرا وتعاسة يوما بعد يوم بسبب المقاطعة البريطانية وبدأ مع الوقت إئتلاف مصدق السياسي بالتفكك وإزداد خصومه وإنسحب عدد من حلفائه وذلك بسبب جهود بعض الإيرانيين الذين كانوا عملاء بريطانيون وإنقلبوا ضده وكان من بينهم مظفر بقائي رئيس حزب العمال الكادحين وحسين مكي الذي ساعد في الإستيلاء على مصفاة عبادان عندما تم تأميم النفط الإيراني وإعتبر في وقت ما أنه وريث مصدق وخليفته المنتظر ولكن الطامة الكبرى كانت في فتوى مجموعة من رجال الدين الإيرانيين بأن مصدق معاد للإسلام والشريعة بسبب تحالفه مع كتل اليسار والليبراليين فإنسحب رئيس البرلمان آية الله أبو القاسم الكاشاني من التحالف مع مصدق وكان كاشاني قد رشح نفسه مرة أخرى في ذلك الوقت رئيسا للمجلس النيابي وإتهم كتلة مصدق بأنها تقف ضد توليه المنصب في حين إتهمه أنصار مصدق بتهمة بيع القضية الوطنية لمصلحة الشاه .
وبعد ذلك ومع نجاح مؤامرة الإنقلاب علي محمد مصدق الذى سنتناوله في السطور القادمة بإذن الله كان محمود إبن آية الله أبي القاسم الكاشاني ثاني الخطباء في الراديو الإيراني لتأييد ومباركة هذا الإنقلاب وفي هذه الفترة إزداد تعثر الحكومة البريطانية أمام سياسات مصدق المتصلبة خاصة بعد مرارة فقدان سيطرتها على صناعة النفط الإيرانية وفشل محاولاتها المتكررة للتوصل إلى تسوية معه وفي شهر أكتوبر عام 1952م كان مصدق قد أعلن أن بريطانيا هي عدو لإيران وقطع جميع العلاقات الدبلوماسية معها وكانت بريطانيا في ذلك الوقت منغمسة في مشاكل عديدة بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية ولم تكن قادرة على حل تلك القضية بمفردها فإتجهت نحو الولايات المتحدة لمساعدتها ولم تكن الولايات المتحدة الأميريكية في ذلك الوقت متوافقة مع سياسات بريطانيا وحاول البريطانيون عبر عدة وساطات إقناع الأمريكان بالوقوف إلي جانبهم إلا أن وزير الخارجية الأميريكي حينذاك دين أتشيسون كان مقتنعا بأن سياسة الحكم أو الخراب البريطانية كانت مدمرة ومحتومة النتائج في إيران إلا أن الموقف الأميريكي تبدل في أواخر عام 1952م بعد إنتهاء فترة ولاية الرئيس الأميريكي هارى ترومان وإنتخاب دوايت أيزنهاور رئيسا لأمريكا ففي شهري نوفمبر وديسمبر عام 1952م إقترح مسؤولون في المخابرات البريطانية على المخابرات الأميريكية خلع مصدق ثم أشار رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل لإدارة دوايت أيزنهاور الجديدة أن مصدق مع أنه شديد الإشمئزاز من الإشتراكية إلا أنه إعتمد إلي حد كبير على حزب توده الموالي للسوفييت وأن المد الشيوعي في إيران قد يؤدي إلي أن تتجه إيران بسرعة نحو فلك الشيوعية والسوفييت في وقت تزداد فيه مخاوف الحرب الباردة لذا فبعد دخول إدارة أيزنهاور البيت الأبيض الأميريكي بداية من يوم 20 يناير عام 1953م إتفقت مع المملكة المتحدة على العمل سويا لإزاحة محمد مصدق ووجهتا إليه علنا إتهاما بأن سياسته تضر ببلاده إلا أنه في ذات الوقت بدأ التحالف الهش بين مصدق وكاشاني بالإنهيار في شهر يناير عام 1953م عندما عارض كاشاني طلب مصدق بتمديد صلاحياته الإضافية سنة أخرى وفي شهر مارس عام 1953م بدأ وزير الخارجية الأمريكي الجديد جون فوستر دالاس بتوجيه الأوامر لوكالة الإستخبارات المركزية التي كان يرأسها حينذاك شقيقه الأصغر آلان دالاس بالتخطيط للإطاحة بمصدق وفي يوم 4 أبريل عام 1953م صادق آلان دالاس على إعتماد مليون دولار لإستخدامها في إسقاط مصدق بأي شكل من الأشكال فبدأ مكتب السي آي ايه في طهران بإطلاق حملة دعائية ضد مصدق ثم ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في أوائل شهر يونيو عام 1953م أن مسؤولي الإستخبارات الأميريكية والبريطانية إجتمعوا في بيروت من أجل وضع اللمسات الأخيرة لخطة إسقاط مصدق .
وبعدها بفترة قصيرة ذكرت تقارير نشرت لاحقا أن رئيس الإستخبارات المركزية فرع الشرق الأدنى وأفريقيا كيرميت روزفلت حفيد الرئيس الأسبق تيودور روزفلت قد وصل إلي طهران لإدارة الخطة وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز عام 2000م بعض الأجزاء من وثيقة سربت لوكالة المخابرات المركزية معنونة بإسم سجل الدائرة السري الإطاحة بمصدق رئيس وزراء إيران شهر نوفمبر عام 1952م إلى شهر أغسطس عام 1953م وقد تركزت تلك المؤامرة والمعروفة بإسم عملية أجاكس وهو الإسم السرى الذى أطلقته المخابرات المركزية الأميريكية بالإضافة إلى دونالد ويلبر مهندس وكالة المخابرات المركزية علي مخطط عملية الإطاحة بمصدق في إقناع الشاه كي يصدر مرسوم بإقالة مصدق كما حاول ذلك قبل بضعة أشهر ولكن الشاه كان مرعوبا في السعي لمثل هذه الخطوة الخطيرة التي لا تحظى بشعبية ومشكوك فيها قانونا وقد تستغرق الكثير من الوقت لإقناع أصحاب النفوذ وتحتاج إلى إجتماعات كثيرة وتحركات كبيرة تمولها الولايات المتحدة والتي كان من ضمنها رشوة شقيقته التوأم أشرف بهلوى ببعض المال ومعطف من فرو المنك كي يتمكنوا من التأثير علي الشاه وتغيير رأيه وقد وقع الإنقلاب على مصدق يوم 19 أغسطس عام 1953م حيث كان قد إحتدم الصراع بين الشاه ومصدق بداية من أوائل شهر أغسطس عام 1953م فتدهور الوضع السياسي تدهورا لم يعرف من قبل وأخيرا وافق الشاه في النهاية على الإطاحة بمصدق وقام بإصدار قرار إقالته بعد أن قال كيرميت روزفلت له بكل صراحة إن الولايات المتحدة ستمضي قدما في تنفيذ مخطط الإطاحة بمصدق سواء وافق أم لم يوافق وقد رفض مصدق قرار إقالته رسميا في مرسوم مكتوب وإلتجأ الشاه إلى بغداد يوم 16 أغسطس عام 1953م وبصحبته زوجته الملكة ثريا ومرافقه الخاص بطائرته الخاصة وإستقبل بحفاوة بالغة بالرغم من إستنكار حكومة مصدق ثم توجه بعدها إلى إيطاليا وقبل أن يغادر طهران وقع قرارين الأول بعزل مصدق والثاني بتعيين الجنرال فضل الله زاهدي محله وعند هذه النقطة بدأت عجلة مخطط الإطاحة بمصدق في الدوران السريع حيث قام كيرميت روزڤلت ضابط الإستخبارات الأميريكي والقائد الفعلي للإنقلاب بتنظيم إخراج تظاهرات معادية لمصدق والإعلان عنها في وسائل الإعلام الإيرانية والدولية وبعد إحتجاجات واسعة النطاق تم تدبيرها من قبل فريق روزفلت وإطلاق الهتافات الرخيصة التي تحط من هيبة مصدق وحدوث إشتباكات شابتها أحداث عنف وشغب في الشوارع حيث تم نهب وحرق العديد من المساجد والصحف مما أدى إلي سقوط حوالي 300 قتيل كما تم البدء في إطلاق القيادات الموالية لنظام الشاه من قبل فريق وكالة الإستخبارات المركزية والتي شملت بخلاف قائد الجيش فضل الله زاهدي وشخصيات أخرى مثل الإخوة راشدين وشعبان جعفري والذى كان أحد أشهر رجال الفتوة في طهران كما كان أيضا أحد الممارسين لرياضة الزورخانة التقليدية في إيران وهي رياضة شبيهة برياضة المصارعة وعلاوة علي ذلك فقد كان من المؤيدين لنظام الشاه وكان يتلقى الدعم المادي من وكالة الإستخبارات الأميريكية ووكالة الإستخبارات البريطانية نظير ذلك وبعد إندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979م إنتقل شعبان إلى الولايات المتحدة للعيش فيها لأنه كان من بين المطلوبين من قبل الحكومة الثورية الجديدة لكونه أحد مؤيدى ومساعدي نظام الشاه .
وفي يوم 19 أغسطس عام 1953م وكمحاولة لكسب اليد العليا إنضم الجيش بأكمله للأحداث وإنتشرت الدبابات بالعاصمة طهران وتم قصف مقر الإقامة الرسمي لرئيس مجلس الوزراء ووفقا لكتابات كيرميت روزفلت تمكن مصدق من الفرار من الغوغائيين الذين هاجموا منزله ونهبوه وفي اليوم التالي سلم نفسه للجنرال زاهدي الذي كان قد إتخذ مع وكالة الإستخبارات المركزية مقرا لقيادة المؤامرة علي مصدق بنادي الضباط وبعد إعتقال مصدق نقل إلى سجن عسكري كما تم إصدار حكم بالإعدام علي وزير الشئون الخارجية ونائب مصدق حسين فاطمي بأمر من محكمة عسكرية شكلت من قبل الشاه وتم تنفيذ هذا الحكم رميا بالرصاص بالفعل في يوم 29 أكتوبر عام 1953م وبعد إعتقال مصدق ونجاح مخطط الإطاحة به وفي يوم 22 أغسطس عام 1953م عاد الشاه من روما وسرعان ما وصلت حكومة فضل الله زاهدي الجديدة إلى إتفاق مع شركات نفط أجنبية لتشكيل كونسورتيوم وإستعادة تدفق النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية بكميات كبيرة وإعطاء الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى حصة الأسد من النفط الإيراني وفي المقابل فإن الولايات المتحدة قد قامت من يومها بتمويل مؤسسات عديدة في إيران لضمان خضوعها لسياستها وتدعيما للنفوذ الأميريكي في منطقة تقع علي مقربة من الإتحاد السوفيتي في مرحلة الحرب الباردة وكان من أهم تلك المؤسسات الجيش وقوات الشرطة السرية المعروفة بإسم السافاك والتي تم إنشاؤها عام 1957م بمساعدة ودعم وكالة الإستخبارات المركزية الأميريكية وكانت مهمة هذا الجهاز هو قمع المعارضين لشاه إيران ووضعهم تحت المراقبة وإستخدم في ذلك كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة حيث كان هذا الجهاز يمارس كافة أنواع التعذيب والتجويع داخل السجون بالإضافة إلى التصفية الجسدية لقادة المعارضة وقد تم حل هذا الجهاز فيما بعد في شهر فبراير عام 1979م بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران وقد ظل أمر هذا التمويل مستمرا حتى الإطاحة بالشاه بعد قيام الثورة الإسلامية عام 1979م هذا وبعد نجاح الإنقلاب حوكم العديد من حلفاء ومؤيدي مصدق السابقين وتم سجنهم وتعذيبهم كما حكم على بعضهم بالإعدام وفي يوم 21 سبتمبر عام 1953م حوكم مصدق أمام محكمة صورية هزلية إستفاض بعدها محاميه جليل بزركمهر في كشف أنها لم تكن تتمتع بالحد الأدنى من شروط العدل والحيادية وتم الحكم علي مصدق بالإعدام ثم خفف الحكم لاحقا بعد طلب من النيابة العامة إلى سجن إنفرادي لمدة ثلاث سنوات وقال مصدق ردا علي هذه الأحكام إن حكم هذه المحكمة قد زاد أمجاد بلدي التاريخية وأنا ممتن للغاية لإدانتها لي وستعرف الليلة الأمة الإيرانية معنى الدستورية وقد ظل تحت الإقامة الجبرية في مقر إقامته في مدينة أحمد آباد شمالي إيران حتى وفاته في يوم 5 مارس عام 1967م عن عمر يناهز 85 عاما .
وفي النهاية لا يفوتنا أن نذكر أن الإنقلاب الذى تم تنفيذه علي مصدق تحت إشراف وكالة المخابرات المركزية الأميريكية ظل راسخا في أذهان القوى الثورية الإيرانية وكان هو أحد المحركات الأساسية والشرارة الملهمة لقيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979م ضد الشاه والتي نجحت في إسقاط نظامه إلي الأبد وكانت هذه الحادثة بمثابة نقطة تجمع في الإحتجاجات المناهضة للولايات المتحدة الأميريكية خلال الثورة الإيرانية وحتى يومنا هذا مما جعل مصدق واحدا من أكثر الشخصيات شعبية في التاريخ الإيراني وجدير بالذكر أن هذه الثورة قد إندلعت في إيران بمشاركة فئات مختلفة من الناس وحولت إيران من نظام ملكي ديكتاتورى تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي الذي كان مدعوما من الولايات المتحدة وإستبدلته في نهاية المطاف بالجمهورية الإسلامية عن طريق الإستفتاء في ظل المرجع الديني الراحل آية الله روح الله الخميني قائد الثورة بدعم من العديد من المنظمات اليسارية والإسلامية والحركات الطلابية الإيرانية وكانت أحداث هذه الثورة قد بدأت بإحتجاجات وبمظاهرات ضد الشاه ونظامه في شهر أكتوبر عام 1977م وتطورت لكي تصبح حملة مقاومة مدنية شملت كلا من العناصر العلمانية والدينية وإشتدت في شهر يناير عام 1978م وإستمرت الإضرابات والمظاهرات إلي أن شلت البلاد بين شهري أغسطس وديسمبر من عام 1978م وإنتهي الأمر بمغادرة الشاه إيران نهائيا إلى المنفى يوم 16 يناير عام 1979م وسقوط نظامه إلي الأبد حيث توفي بالقاهرة بمستشفي القوات المسلحة بالمعادى في يوم 27 من شهر يوليو عام 1980م أثناء علاجه من مرض سرطان الغدد الليمفاوية بعد أن إستضافته مصر في عهد الرئيس المصرى الراحل أنور السادات وشيعت جنازته عسكريا من قصر عابدين وتم عزف السلام الإمبراطوري الإيراني وحمل النعش ملفوفا بعلم إيران فوق عربة مدفع تجرها ثمانية من الخيول العربية ودفن بالمقابر الملكية بمسجد الرفاعي .
هذا ولم تعترف الولايات المتحدة بدورها في الإطاحة بمصدق رسميا لسنوات عديدة على الرغم من أن إدارة الرئيس دوايت أيزنهاور عارضت بشدة سياسات مصدق والذى كان قد كتب بغضب حول مصدق في مذكراته واصفا إياه بأنه غير عملي وساذج ومع ذلك لم يعترف أيزنهاور بأي تورط في الإنقلاب وفي نهاية المطاف تم كشف تورط وكالة الإستخبارات المركزية في هذا الإنقلاب وذلك بعد خلاف سار داخل الوكالة وعرض في جلسات الإستماع في الكونجرس والتي بدأت عام 1970م وقد برر المسؤولون بوكالة الإستخبارات المركزية تدخلها في تنفيذ هذا الأمر بأن تأييد الإنقلاب كان ضروريا من الناحية الإستراتيجية وأثنوا على كفاءة الذين قاموا بالمهمة في حين وصف منتقدو العملية بأنها عملية تتسم بالإستقواء وأنها غير قانونية وغير أخلاقية وإقترح لاحقا إطلاق إسم النكسة عليها ومن المثير للإنتباه أنه مع مرور الوقت ومرور عدد من السنين أن وكالة الإستخبارات المركزية وعلي الرغم من تواجدها المكثف في طهران ظلت علي قناعة بإستقرار نظام الشاه ولم يكن لديها صورة دقيقة وتقدير دقيق لأبعاد الإضطرابات والإحتجاجات العنيفة علي نظام الشاه والتي لم تستطع ان تقلل خلالها من مدى السخط الشعبي عليه حتي فوجئت بأحداث الثورة الإيرانية عام 1979م والتي إنطلقت على حين غرة وأسفرت عن الإطاحة بالشاه نفسه ونفيه خارج البلاد من قبل حركة أصولية يرأسها آية الله الخميني وعموما فقد كان الإنقلاب علي مصدق والمدعوم من الولايات المتحدة نهاية للحقبة الديموقراطية في إيران بالكامل ورسخت الحكم الديكتاتورى للشاه وهي الحقبة التي إستمرت حتي عزل الشاه وبعد مرور سنين طويلة من هذه الأحداث وفي شهر مارس عام 2000م وفي عهد الرئيس الأميريكي الأسبق بيل كلينتون صرحت وزيرة الخارجية الأميريكية مادلين أولبرايت بأن إدارة أيزنهاور بررت أفعالها بخصوص الإطاحة بمصدق نظرا لأسباب إستراتيجية ولكن من جانب آخر فقد كان هذا الإنقلاب بوضوح نكسة للتنمية السياسية في إيران وأنه من السهل علينا أن نرى حتي الآن هذا العدد الكبير من الإيرانيين ما زالوا يشعرون بالسخط والإستياء الشديد من هذا التدخل من قبل أمريكا وعلاوة علي ذلك ففي العام نفسه نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرا مفصلا حول الإنقلاب ودور وكالة الإستخبارات المركزية خلاله إستنادا إلى وثائق تم رفع السرية عنها في ذلك الوقت .
|