الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

شارع أبو العلاء المعرى

شارع أبو العلاء المعرى
عدد : 01-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوي
موسوعة" كنوز أم الدنيا"


شارع أبو العلاء المعرى هو أحد شوارع ضاحية مصر الجديدة التي تعد من أرقي ضواحي القاهرة وهو يمتد من نقطة تقاطعه مع شارع كعب بن مالك ويسير موازيا لحديقة الأحنف بن قيس ويتقاطع مع شارع الأحنف بن قيس وشارع أحمد رياض وشارع يوسف الصحابي ثم يمتد موازيا لحديقة يوسف الصحابي وينتهي في آخره وينسب هذا الشارع للشاعر والمفكر والنحوي والأديب الذى عاش في العصر العباسي أحمد بن عبَد الله بن سلَيمان القضاعي التنوخي المعِري والمعروف بإسم أبو العلاء المعرى وكان مولده في معرة النعمان بجنوبي محافظة إدلب بسوريا حاليا في عام 362 هجرية الموافق عام 973م وقد إكتسب لقبه منها وقد لقب برهين المحبسين أولهما محبس العمى حيث فقد بصره وهو في سن الرابعة من عمره نتيجة إصابته بداء الجدرى وكان لا يعرف من الألوان إلا اللون الأحمر لأنه إرتداه أثناء علاجه من مرض الجدري وقد تعايش المعري مع وضعه الجديد وإعتبر فقدان البصر نعمة من النعم التي يحمد الله عليها فكان يمارس حياته بشكل طبيعي يلعب الشطرنج ويشارك أقرانه في المناظرات الأدبية سواء كانت جدية أم هزلية وترعرع المعري بالمعرة مسقط رأسه وتولى والده تعليمه اللغة والنحو وحفظ الحديث النبوي وكان ثاني المحبسين محبس البيت وذلك لأنه إعتزل الناس قبل عدة سنوات من وفاته وهو ينتمي لعائلة بني سليمان والتي بدورها تنتمي لقبائل تنوخ وهي قبائل عربية كانت تقطن في جنوب سوريا والأردن وغربي العراق وشمال الجزيرة العربية منذ القرن الأول قبل الميلاد وكان جده الأعظم أول قاض في المدينة وقد عرف بعض أعضاء عائلة بني سليمان بالشعر وبدأ يقرأ الشعر في سن مبكرة حوالي الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره في بلدته معرة النعمان ثم ذهب للدراسة في حلب وغيرها من المدن الشامية الكبرى فدرس علوم اللغة والأدب والحديث والتفسير والفقه والشعر على نفر من أهله والذين منهم القضاة والفقهاء والشعراء وقرأ النحو في حلب على يد العالم اللغوى أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه ويدل شعره ونثره على أنه كان عالما بالأديان والمذاهب وفي عقائد الفرق وكان آية في معرفة التاريخ والأخبار وقال الشعر وقد أخذ المعري النحو وشعر المتنبي عن محمد بن عبد الله بن سعد النحوي وهو أحد رواة شعر المتنبي وكان من صفاته الذكاء والفهم وحدة الذهن والحفظ وتوقد الخاطر .

ولم يكتف المعرى بما حصله من علم في حلب فإنتقل إلي طرابلس الشام ليروى ظمأه من العلم في خزائن الكتب الموقوفة بها كما وصل إلى أنطاكية وتردد على خزائن كتبها ينهل منها ويحفظ ما فيها وقد حباه الله تعالى ذاكرة قوية فكان آية في الذكاء المفرط وقوة الحفظ حتى إنه كان يحفظ ما يقرأ عليه مرة واحدة ويتلوه كأنه كان يحفظه من قبل ويروى أن بعض أهل حلب سمعوا به وبذكائه وحفظه على صغر سنه فأرادوا أن يمتحنوه فأخذ كل واحد منهم ينشده بيتا وهو يرد عليه ببيت من حفظه على قافيته حتى نفد كل ما يحفظونه من أشعار فإقترح عليهم أن ينشدوه أبياتا ويجيبهم بأبيات من نظمه على قافيتها فظل كل واحد منهم ينشده وهو يجيب حتى إنتهي كل ما في جعبتهم من الشعر وفي أواخر عام 398 هجرية الموافق عام 1008م إنتقل المعرى إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية ومكث فيها قرابة عام وسبعة أشهر طلبا للعلم والإستزادة منه وتحمل في سبيل ذلك الكثير من المشاق والصعاب وكانت بغداد في تلك الفترة تعيش عصرها الذهبي في عهد الخلافة العباسية وكانت تشهد نهضة علمية واسعة وإزدهارا في جميع حقول العلم والأدب إذ كانت تضم في أرجائها الكثير من الشعراء والكتاب والأدباء وكان يقصدها الفقهاء والمحدثين والفلاسفة والمتكلمين وكانت تزخر بدور العلم والمدارس والمكتبات وحلقات الدرس ومن الجدير بالذكر أن المؤرخين لم يذكروا إلا القليل عن الفترة التي عاشها المعري في بغداد وكان من الأخبار التي ذكرت أنه كان يقصد المكتبات المعروفة وكان يشارك أيضا في مجالس الأدب ومما يدور فيها من مجادلات ويتردد على المجمع الفلسفي بدار عبد السلام البصري وسابور بن أردشير وفي بغداد برزت موهبته النادرة في الحفظ فكان يحفظ كل ما يصل إلى مسامعه حتي أنه كان يحفظ لغات العجم التي يسمعها من غير فهم معانيها فكأن نعمة البصر التي فقدها صغيرا قد تحولت طاقتها إلى قوة الحافظة فكان حقا عجيب الحفظ والفهم .

ومما يؤكد ذلك ما حكاه تلميذه أبو زكريا التبريزي من أنه رأى بعض جيرانه في مسجد معرة النعمان وكان يقرأ بعض تصانيف أبي العلاء عليه فتغير من الفرح فأحس أبو العلاء بذلك من غير أن يرى وجهه فأخبره الخبر فأذن له بمخاطبة قريبه فكلمه بلسان الآذرية نسبة إلى أذربيجان فأعاد أبو العلاء عليه الحديث بلسانهم من غير أن يفهم منه شيئا وعلى الرغم من أن نية المعرى كانت تتجه للإقامة في بغداد إلا أنه لم يستحسن العيش فيها إذ أنه دخل في خصومة مع المرتضي العلوي أخي العالم والإمام الشريف الرضي بسبب تعصب المعري للمتنبي وتحامل المرتضي عليه وكان أبو العلاء في مجلس المرتضي ذات يوم وجاء ذكر المتنبي فتنقصه المرتضي وأخذ يتتبع عيوبه ويذكر سرقاته الشعرية فقال أبو العلاء لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلا قصيدته لك يا منازل في القلوب منازل لكفاه فضلا فغضب المرتضي وأمر به فسحب من رجليه حتى أُخرج مهانا من مجلسه وإلتفت لجلسائه قائلا أتدرون أي شيء أراد الأعمى بذكر تلك القصيدة فإن للمتنبي ما هو أجود منها لم يذكره قالوا النقيب السيد أعرف فقال إنما أراد قوله وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل وفي تلك الأثناء جاءت الأخبار إلى أبي العلاء بمرض أمه فسارع بالرجوع إلى موطنه بعد نحو عام ونصف العام من إقامته في بغداد فغادرها عائدا إلى بلدته المعرة في أواخر شهر رمضان عام 400 هجرية الموافق شهر مايو عام 1010م وشرع في التأليف والتصنيف ملازما بيته وإذا أراد التأليف أملى على كاتبه علي بن عبد الله بن أبي هاشم وكان أبو العلاء المعرى قَد عزم على إعتزال الناسَ وهو في بغداد وقبل عودته إلي مدينته ومسقط رأسه معرة النعمان خصوصا بعد أن ورد إليه خبر وفاة والدته فحزن عليها حزنا شديدا وعبر المعري عن هذا الحزن بشدة في قصائده الشعرية وفي معظم رسائله المنثورة وكانت هذه الأشعار والرسائل خير من عبر عن الحالة النفسية الصعبة التي كان يعيشها في تلك الفترة وقد عزز فكرة تركه بغداد أنه رأى تنافس العلماء والرؤساء على الجاه والسلطان وتيقن أن الدنيا كما هي مَفطورة على الشرور والدَواهي وقال ذات مرة وأنا وحشي الغريزة أنسي الولادة وكتب إلى خاله أبي القاسم قبيل تركه بغداد ولما فاتني المقام بحيث إخترت أجمعت على إنفراد يجعلني كالظبي في الكناس ويقطع ما بيني وبين الناس إلا من وصلني الله به وصل الذراع باليد والليلة بالغد .

وقال المعرى بعد إعتزاله بفترة طويلة لزمت مسكني منذ سنة أربعمائة بعد الهجرة وإجتهدت على أن أُتوفى على تسبيح الله وتحميده وكان وراء ذلك القرار بالعزلة من جانب المعرى أنه إجتمعت عوامل عدة ساهمت في إتخاذه له منها تعرضه لمصاعب عدة في حياته كان أشدها تأثيراً على نفسه ما لحق به من مشاكل وأذى من الناس مما جعله يمقت الحياة وأن يتفرغ للتاليف والتصنيف ومنها أيضا أن طبعه كان ميالا إلى حب الوحدة بالإضافة إلي فقده لبصره وهو صغير ناهيك أيضا عن فقده لوالديه في أصعب الأوقات والظروف وما كان يعانيه من فقر شديد بالإضافة إلى المعاملة السيئة التي تلقاها من أهل بغداد وبقي في عزلته هذه حتى مماتة ورغم هذه العزلة إلا أن بيت المعري كان مقصدا لطالبي العلم بعد أن إنتشرت شهرته العلمية في كل الأرجاء ومن الجدير بالذكر أن المعري عاش في هذه العزلة زاهدا في الحياة معرضا عن لذاتها وشهواتها لباسه الخشن من الثياب وطعامه العدس وحلاوته التين وفراشه لباد وكان يداوم على الصيام ويمتنع عن تناول لحوم الحيوانات ومنتجاتها من سمن وزبد ولبن وبيض وظل لا يأكل اللحم 45 سنة ليس تدينا إنما إعتقادا منه أنه بذلك يجنبها الألم عند الذبح وكسر المعري عزلته الشخصية في منزله مرة واحدة فَقط عندما ضَربَ العنف بلدته في إحدى الحوادث حيث ذهب المعري إلى حلب للتوسط مع أميرها المرداسي صالح بن مرداس والذى كان قد خرج بجيشه إلى المعرة عام 417 هجرية الموافق عام 1036م ليخمد حركة عصيان أهلها وذلك من أجل إطلاق سراح شَقيقه أبو المجد وعدد من أعيان المسلمين الآخرين من معرة النعمان والذين كانوا مسؤولين عن تدمير خمور رجل مَسيحي إتهم بالتحرش بإمرأة مسلمة فخرج أبو العلاء متوكئا على رجل من قومه فلما علم صالح المرداسي بقدومه إليه أمر بوقف القتال وأحسن إستقباله وأكرمه وعلى الرغم من أنه كان رهينَ المحبسين فقد عاش سنواته الأخيرة في مواصلة عمله والتعاون مع الآخرين وكان يتمتع بإحترام كبير وجذبت فَلسفته العديد من الطلاب فضلا عن المراسلات مع العلماء في الخارج ولم يتزوج المَعري قط ومما يذكر عنه أنه قد جمعت أخباره مما كتبه المؤرخون وأصحاب السير في كتاب بإشراف عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بعنوان تعريف القدماء بأبي العلاء .

وتكمن عبقرية أبي العلاء المعري في فلسفته فهو فيلسوف عصره وشاعر زمانه وكان له كثير من التصانيف المشهورة والرسائل المأثورة في ضروب مختلفة فمنها كتاب لزوم ما لا يلزم أو اللزوميات ورسالة الغفران وهي أشهر مؤلفاته وتميزت بأنها أكثر فاعلية وتأثيرا في التراث العربي لأنه ركز على الحضارة العربية الشعرية بطريقة تمس كافة جوانب الحياة الخاصة وكانت هي الرافد الرئيسي الذى إستعان به الشاعر الإيطالي الشهير دانتي أليجيرى في إخراج مؤلفه الشهير الكوميديا الإلهية في أوائل القرن الرابع عشر الميلادى كما كان له كتب أخرى منها كتاب فقرات وفترات أو فصول وغايات والأيك والغصون في الأدب ورسالة الملائكة وأدب العصفورين وإستغفر وإستغفري وتاج الحرة في عظات النساء وتعليق الجليس وغير ذلك من المؤلفات والتصانيف والتي زادت على خمسة وخمسين مصنفا ونظرا لما تمتع به المعرى من العبقرية ومن تمتع بالسجايا التي كان يتصف بها المعرى ولعمق رؤيته فكان لابد له من أن يلقى في زمنه كيدا وحسدا مما أثار عليه حقد وغل بعض أقرانه ونقمة حساده فأطلقوا ألسنتهم عليه بالأقاويل وأثاروا حوله زوابع من الفتن والإتهامات بالكفر والزندقة وحرضوا عليه الفقهاء والحكام ولكن ذلك لم يدفعه إلى اليأس أو الإنزواء وإنما كان يتصدى لتلك الدعاوى بقوة وحزم ساخرا من جهل حساده والذين ربما نسبوا إليه ما ليس له وكان من ذلك وضع الشعر الإلحادي على لسانه أو نسبة ما يحكيه على لسان غيره إليه ولو كانت حكاية الرأي المختلف عما يحكيه واردا في القصيدة نفسها فإنه ينسب جهلا أو عمدا إليه بينما هو يحاول حكاية الرؤى السائدة في عصره وقد إتهمه بعض المعاصرين أنه فاطمي شيعي بينما يكون واقع الأمر خلاف ذلك فيأتي رجل بعلم عبد الله العلايلي لينسبه إلى غير مذهبه بحجج واهنة في كتابه المعري ذلك المجهول ويتناسى أن أبا العلاء أرسل إليه داعي الدعاة الفاطمي هبة الله الشيرازي برسائل فقد كان أبو العلاء يجادل داعي الدعاة ويحاوره في رسائل عدة ولا يستجيب له وقد مات أبو العلاء وهو يراسل داعي الدعاة وقد رد أبو العلاء بنفسه علي متهميه بالإلحاد في مؤلف سماه زجر النابح أوضح فيه طرائقه الشعرية في عرض آراء الفرق المختلفة ومقاصده الأصلية من أشعاره وكشف في كتاب آخر أسماه الفصول والغايات عن إيمانه بعذاب القبر والبعث والنشور وبكل ما له علاقة بعقيدة الأمة الإسلامية فيما يتصل بالغيب وأخيرا فقد مرض أبو العلاء المعري في نهاية حياته مرضا قصيرا لمدة 3 أيام ثم توفي وكان ذلك في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر ربيع الأول عام 449 هجرية الموافق يوم 18 يونيو عام 1057م عن عمر يناهز 84 عاما ودفن في منزله بمعرة النعمان وفي حضور عدد 84 شاعرا وقفوا علي قبره وأنشد كل منهم قصيدة يرثيه بها وفي الأربعينيات من القرن العشرين الماضي تم بناء المركز الثقافي العربي بمدينة معرة النعمان علي مساحة 500 متر مربع وهو من الأبنية الأثرية الهامة والجليلة بها لما يمتاز به هذا المبنى من طراز معماري فريد غني بزخارفه البديعة البناء في وسط شارع أبي العلاء ويطل على الشارع الرئيسي بواجهة معمارية مؤلفة من مدخل بقنطرة مرتفعة ترتكز على عمودين من الحجر ومن ثم يؤدي المدخل إلى باحة مكشوفة يرى فيها ضريح الشاعر والفيلسوف أبي العلاء المعري ضمن قبر متواضع خلا من الزخرفة والصنعة ولطالما كان شاعرنا متواضعاً وبسيطا .
 
 
الصور :