بقلم المهندس/ طارق بدراوي
موسوعة" كنوز أم الدنيا"
شارع زيد بن ثابت هو أحد شوارع ضاحية مصر الجديدة التي تعد من أرقي ضواحي القاهرة وهو يتفرع من شارع الحجاز الذى يعد من أشهر وأطول وأهم شوارع الضاحية الراقية ويتقاطع مع شارع أحمد كامل وينتهي بنقطة تقاطعه مع شارع عبد الهادى المغربي وينسب هذا الشارع للصحابي الأنصارى زيد بن ثابت بن الضحاك من بني النجار أخوال النبي محمد ﷺ وكان أبوه قد توفي يوم بعاث وهي آخر معركة نشبت بين قبيلتي الأوس والخزرج بالمدينة المنورة وكان إسمها آنذاك يثرب وذلك قبل هجرة الرسول ﷺ وكانت هذه المعركة قبل الهجرة بخمس سنوات وتعد من أشهر وأدمى المعارك التي وقعت بين الأوس والخزرج وكانت قد أخذت بهم الأحقاد والضغائن إلى أن أخذوا يستعدون لهذه المعركة قرابة شهرين وحالف الخزرج قبائل بلي وأشجع وجهينة بينما حالف الأوس مزينة وقبائل اليهود بني قريظة وبنو النضير وغيرهم وقد سميت المعركة ببعاث نسبةً للمنطقة التي تصادم بها الحشدان وقامت عليها الحرب وكانت الحروب الأهلية قد أنهكت اليثربيين أوسهم وخزرجهم وأضعفتهم وضيعت مواردهم وأموالهم ولذا فبعد يوم بعاث قرر عقلاء الطرفين وضع حد لهذه الحال فإتفقوا على تنصيب رجل واحد منهم ملكا علي المدينة يقبله الطرفان فوقع الإختيار على عبد الله بن أبي بن سلول وفيما كانت قبيلتا الأوس والخزرج يجهزان له ملكه حدثت بيعة العقبة الأولى ثم الثانية ودخل الإسلام المدينة ثم هاجر إليها النبي ﷺ فزال ملك إبن أبي قبل أن يهنأ به ولو ليوم واحد فعاش تحت سيادة النبي ﷺ كرأس للنفاق وكأكبر منافق ومعاد للنبي ﷺ عرفه التاريخ الإسلامي مع أنه قد أشهر إسلامه ونزل فيه قرآنا يتلي إلي يوم القيامة يشير إلي نفاقه وتوعد الله له في الدنيا والآخرة والسبب في هذا واضح فقد كان يرى أن النبي ﷺ قد إنتزعه ملكه الذي كان يجهز له وبذلك فقد كان يوم بعاث نهاية الحروب الطاحنة التي دارت في الجاهلية بين الأوس والخزرج وبدخولهم في الإسلام جميعا أصبحت سيوفهم تسل على عدو واحد دفاعاً عن عقيدتهم ولما دخل النبي ﷺ المدينة كان زيد بن ثابت قد بلغ 11 عاما فأسلم هو وأهله جميعا وباركه الرسول ﷺ ودعا له وفي العام الثاني للهجرة خرج زيد مع قوم من الأنصار إلى غزوة بدر لكن رسول الله ﷺ رده لصغر سنه وجسمه وبعد أن حقق المسلمون النصر بإذن الله وأسروا عددا من المشركين كان فداء كل أسير منهم أربعين أوقية فمن لم يكن عنده كان عليه أن يعلم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة فكان زيد بن ثابت واحدا ممن تعلموا آنذاك وكان عمره 13 عاما وكان ممن أخذوا يتتبعون القرآن الكريم ويحفظونه ويكتبون الوحي للرسول ﷺ وبدأت تظهر عليه علامات النبوغ والتفوق في الثقافة والعلم والحكمة .
ومع الوقت كان كلما نزل الوحي على رسول الله ﷺ أرسل في طلب زيد بن ثاب ليكتب ويدون ما نزل من القرآن الكريم وهي مهمة حساسة جدا وخطيرة إذ أن مدون القرآن الكريم ليس بالإنسان العادي بل هو إنسان يجب أن تكون له ميزات غير عادية لهذا إختار الرسول ﷺ زيدا لهذا الأمر وقد تعلم زيد بن ثابت من النبي ﷺ أن يكون كريما مع أهل بيته يحسن رعايتهم ويبتسم في وجوههم قال ثابت بن عبيد ما رأيت رجلا أفكه في بيته ولا أوفر في مجلسه من زيد بن ثابت وقد قال النبي ﷺ خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ولذا فلا يتعارض سلوك زيد في بيته مع وقاره مع الناس في مجالسه ومحافظته على كرامته وهيبته وقد تعلم زيد في مدرسة النبوة أيضا أن الرحمة لا تقتصر على بني الإنسان فحسب بل تمتد إلى الطير والحيوان وسائر مخلوقات الله ورأى زيد ذات يوم مجموعة من الأولاد يلهون بطائر صغير أخذه منهم وأرسله ليعيش حرا طليقا كما خلقه الله سبحانه وتعالى ولما جاءت غزوة أحد في العام الثالث للهجرة ذهب زيد مع جماعة من أترابه إلى الرسول محمد ﷺ يرجونه أن يضمهم للمجاهدين وكان أهلهم يرجونه أكثر منهم ونظر إليهم الرسول ﷺ شاكرا وكأنه يريد الإعتذار ولكن رافع بن خديج وهو أحدهم تقدم إلى الرسول ﷺ وهو يحمل حربة ويستعرض بها قائلا إني كما ترى أجيد الرمي فأذن لي فأذن له وتقدم سمرة بن جندب وقال بعض أهله للرسول إن سمرة يصرع رافعا فحياه الرسول ﷺ وأذن له وبقي ستة من الأشبال منهم زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وبذلوا جهدهم بالرجاء والدمع وإستعراض العضلات لكن أعمارهم كانت صغيرة وأجسامهم غضة فوعدهم الرسول ﷺ بالخروج في الغزوة المقبلة وهكذا بدأ زيد مع إخوانه دورهم في الجهاد في سبيل الله كمقاتلين في سبيل الله بداية من غزوة الخندق سنة خمسة من الهجرة وكان عمره 16 عاما وفي السنة السابعة للهجرة وبعد عقد صلح الحديبية مع مشركي قريس بدأ الرسول ﷺ في إبلاغ دعوته للعالم الخارجي وإرسال كتبه لملوك الأرض وقياصرته فأمر زيدا أن يتعلم لغة اليهود فتعلمها في وقت وجيز ويقول زيد بن ثابت في ذلك أُتيَ بيَ النبي ﷺ وقال هذا من بني النجار وقد قرأ سبع عشرة سورة فقرأت عليه فأعجبه ذلك فقال تعلم لغة اليهـود فإني ما آمنهم على كتابي ففعلت فما مضى لي نصف شهـر حتى حذقتها قراءة وكتابة فكنت أكتب له إليهم بلغتهم وإذا كتبوا إليه قرأت له وبعد لغة اليهود تعلم زيد اللغة السريانية فعن ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت قال قال لي رسول الله ﷺ أتحسن السريانية قلت لا قال فتعلمها فإنه تأتينا كتب قال فتعلمتها في سبعة عشر يوما ويقول الأعمش كانت تأتي النبي ﷺ كتب لا يشتهى أن يطلع عليها إلا من يثق به ومن هنا أطلق عليه لقب ترجمان الرسول ﷺ .
وشهد زيد بن ثابت أيضاً غزوة تبوك المعروفة بإسم غزوة العسرة في السنة التاسعة للهجرة مع الرسول ﷺ وكان عمره حينذاك 20 عاما وكانت مع زيد راية بني النجار في هذه الغزوة وكانت أولا مع عمارة بن حزم فأخذها النبي ﷺ منه ودفعها لزيد بن ثابت فقال عمارة يا رسول الله أبلغكَ عني شئ فقال الرسول ﷺ ولكن القرآن مقدم وزيد أكثر أخذا منك للقرآن وقد إستمر زيد بجوار النبي ﷺ وكان الوحي ما يزال يتنزل من السماء والرسول ﷺ يتلوه وكان هناك ثلة مباركة تحفظ ما تستطيع والبعض الآخر ممن يجيدون الكتابة يحتفظون بالآيات مسطورة وكان منهم غير زيد بن ثابت الخلفاء الراشدين الأربعة أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان والإمام علي بن أبي طالب بالإضافة إلي الصحابة الكرام أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين وبعد أن تم نزول القرآن الكريم كان الرسول ﷺ يقرؤه على المسلمين مرتبا حسب سوره وآياته وقد قرأ زيد بن ثابت على رسول الله ﷺ في العام الذي توفاه الله فيه مرتين وسميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت لأنه كتبها لرسول الله ﷺ وقرأها عليه وشهد العرضة الأخيرة وكان يقرئ الناس بها حتى مات وبعد وفاة الرسول ﷺ كان القرآن الكريم محفوظا بالكتابة إلا أنه لم يجمع في مكان واحد ولم تكن كتابته منسقةً فكانت السورة أو مجموعة السور تكتب على أحجار ثم تربط معا بخيط ويتم وضعها في بيت من بيوت أمهات المؤمنين أو توضع عند أحد كتاب الوحي كزيد بن ثابت وعلي بن أبي طالب وأُبي بن كعب وكان بعض الصحابة يكتبون لأنفسهم بشكل خاص وقد ورد سببان لعدم كتابته وجمعه في مكان واحد وهما أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يترقبون نزول الوحي على النبي ﷺ في أي حين وينشغلون بذلك ليحفظوا ما ينزل بالإضافة إلي أن أدوات الكتابة وما يلزم لها لم تكن متوفرة بشكل كاف في ذلك الوقت .
ولما توفي النبي ﷺ تجمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة لكي يبحثوا في أمر إختيار خليفة للنبي ﷺ وكانت هذه السقيفة تقع داخل مزرعة كانت تتخللها بيوت متفرقة حيث كانتا تسكن قبيلة بني ساعدة الخزرجية داخل البساتين المتجاورة في الجهة الشمالية الغربية من المسجد النبوي الشريف وكانت مساحتها كبيرة وأمامها رحبة واسعة ولذا فقد كانت تتسع لعدد كبير وكان بقربها بئر لبني ساعدة وقد تحولت هذه السقيفة فيما بعد إلى مبنى وتغير شكله عبر العصور وهو الآن حديقة تطل مباشرة على السور الغربي للمسجد النبوي الشريف وكان الأنصار أوسهم وخزرجهم قد إتفقوا في هذا الإجتماع علي إختيار أمير عليهم من بينهم ووقع الإختيار علي سعد بن عبادة سيد الخزرج ولما علم كل من أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح بأمر إجتماع الأنصار بالسقيفة أسرعوا بالذهاب إلي هناك فلما جلسوا قام خطيب الأنصار فأثنى على الله وقال أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط نبينا ﷺ وقد دفت دافة منكم تريدون أن تختزلونا من أصلنا وتحصنونا من الأمر فلما سكت أراد عمر بن الخطاب أن يتكلم وكان قد أعد في نفسه خطابا يريد أن يلقيه فأشار إليه أبو بكر أن ينتظر ثم قام فقال أما بعد فما ذكرتم من خير فأنتم أهله وما تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أيهما شئتم وأخذ بيدي عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح فقال قائل من الأنصار يقال إنه الحباب بن المنذر منا أمير ومنكم أمير فكثر اللغط وإرتفعت الأصوات فقال يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله ﷺ قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر فقالت الأنصار نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر وقال زيد بن ثابت إن رسول الله ﷺ كان من المهاجرين وإن الإمام يكون من المهاجرين ونحن أنصاره كما كنا أنصار رسول الله ﷺ فقام أبو بكر الصديق فقال جزاكم الله خيرا يا معشر الأنصار وثبت قائلكم ثم قال أما لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم ثم أخذ زيد بن ثابت بيد أبي بكر فقال هذا صاحبكم فبايعوه ثم إنطلقوا وهنا قال عمر أبسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعه عمر وبايعه من كان حاضرا من المهاجرين ثم بايعه الأنصار وفي رواية أخرى أن عمر قال يا معشر المسلمين إن أولى الناس بأمر النبي ﷺ ثاني إثنين إذ هما في الغار وأبو بكر السباق المسن ثم أخذ بيده وبادر رجل من الأنصار وهو بشير بن سعد بن ثعلبة فضرب على يده قبل أن يضرب عمر على يده ثم ضرب على يده وتوالت مبايعات الناس له .
وبعد أن تولي أبو بكر الصديق الخلافة إنشغل المسلمون في البداية بحروب الردة وفي آخر وأشرس معاركها وهي معركة اليمامة مع مسيلمة الكذاب والتي وقعت في شهر شوال عام 11 هجرية كان عدد شهداء هذه المعركة بالذات من حفظة القرآن كبير وما أن هدأت نار الفتنة حتى فزع عمر بن الخطاب إلى الخليفة أبو بكر الصديق راغبا في أن يجمع القرآن الكريم قبل أن يدرك الموت والشهادة بقية القراء والحفاظ وفي البداية تحفظ الخليفة أبو بكر حيث لم يكن راغبا في عمل شئ لم يفعله الرسول ﷺ وشاور كبار الصحابة وإستخار ربه ويقول أبو بكر في ذلك ما لبث أن شرح الله صدرى لما إرتأه عمر ووقع إختيار الخليفة أبو بكر الصديق علي زيد ثابت ليعهد إليه بمهمة جمع القرآن الكريم وكان هذا الإختيار في محله نظرا لقوة الشباب في زيد وعدم فتور همته وفطانة عقله ورجاحته مما يعني شدة وعيه بما يؤديه من عمل فضلا عن عدم إتهامه في دينه فهو ثقةٌ لم يتهم في يوم ما بتجريح أو فسق أو ما شابه وإعتباره أحد كتاب الوحي الأوائل في عهد النبي ﷺ وكانت هذه ميزة كبرى له إلي جانب إستحسان خطه وحِرص ضبطه وحضوره العرضة الأخيرة للقرآن الكريم بين يدي النبي ﷺ ومن ثم دعا الخليفة زيد بن ثابت وأمره أن يبدأ جمع القرآن الكريم مستعينا بذوي الخبرة فإختار ثلاثة من قريش هم سعيد بن أبي العاص وعبد الرحمن بن الحارث وعبد الله بن الزبير ونهض زيد بالمهمة وأبلى بلاءا عظيما فيه فكان يقابل ويعارض ويتحرى حيث حرص زيد بن ثابت على التثبت مما جمعه ولم يكتف بالحفظ دون الكتابة وحرص على المطابقة بين ما هو محفوظ ومكتوب وكان يستشهد بشهيدين علي كل آية وهكذا حتى جمع القرآن الكريم كله مرتبا منسقا وقال زيد في عظم وجسامة هذه المسئولية الضخمة والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه لكان أهون علي مما أمروني به من جمع القرآن الكريم كما قال فكنت أتبع القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال وفي النهاية أنجز زيد المهمة على أكمل وجه وجمع القرآن الكريم في كتاب واحد وتم حفظه لدى الخليفة أبي بكر ثم إنتقل إلي عمر بن الخطاب ثم إلي أم المؤمنين السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما هذا وقد كان لجمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق مزايا عديدة من أهمها تدوين القرآن الكريم كله في مكان واحد كاملا منسقا وضبطه بالكتابة ومرتبا بالصورة التي هو عليها حتي اليوم وذلك بعد أن كان أجزاءً متفرقةً مما أدى إلي إطمئنان الصحابة لحفظ القرآن وزوال الخوف عليه من موت الحفظة مع إجماع الصحابة كلهم عليه وإعتباره المرجع والمصدر الذي يتم الرجوع إليه وقت الحاجة علاوة علي زوال أي شبهات من قلوب الصحابة والتي كانت موسومةً ببدعة الجمع .
وبعد وفاة الخليفة العظيم أبي بكر الصديق وتولي عمر بن الخطاب الخلافة كان زيد بن ثابت قريبا من الخليفة الجديد وكانت من أوائل المهام التي كلفه بها أن يتولى قسمة غنائم معركة اليرموك التي وقعت في شهر رجب عام 13 هجرية في بداية عهد عمر بن الخطاب وكان عمر يستخلفه أيضا إذا خرج للحج على المدينة المنورة وكان أحد أصحاب الفتوى الستة وكان الخمسة الآخرون هم الخليفتان عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب والصحابة عبد الله إبن مسعود وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعرى وما كان عمر ولا عثمان من بعده يقدمان على زيد أحدا في القضاء والفتوى والفرائض والقراءة وقد إستعمله عمر علي القضاء وجعل له راتبا من بيت المال وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله ﷺ أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في الله عمر وأصدقهم حياءا عثمان وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب وأفرضهم أي أعلمهم بالفرائض زيد بن ثابت وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ألا وإن لكل أمة أمينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح وبعد وفاة عمر بن الخطاب وتولي عثمان بن عفان الخلافة دخلت شعوب عديدة في الإسلام وكان لكل منها لغته كما أنها كانت لا تجيد اللغة العربية وكان الصحابة قد إنتشروا في البلاد المفتوحة وأخذ كل منهم يقرئ المسلمين القرآن في البلد الذى إنتقل إليه فتباينت القراءات وكان كل منهم يعلم الناس القرآن الكريم كما علمه النبي ﷺ فأدى ذلك إلى تعدد القراءات وتباين المقرئين من الصحابة في كل بلد فأبي بن كعب كان في الشام وعبد الله بن مسعود في العراق وغيرهما ووردت إختلافاتهم في كيفية الأداء وتعدد وجوه بعض القراءات فدخلت الخلافات بينهم وأنكر بعضهم قراءة بعض بحجة أنه لم يسمعها من النبي ﷺ مباشرة وكان من أخطر ما حدث هو أنه بعد فتح بلاد أرمينية وأذربيجان ودخل الكثير من أهلهما في الإسلام أن كاد فريقان منهما أن يقتتلا لخلاف في قراءة آية الحج في سورة البقرة ففريق يقول وأتموا الحج والعمرة لله وفريق آخر يقول إنها وأتموا الحج والعمرة للبيت وإحتدم الخلاف بينهما فهرع الوالي الصحابي حذيفة بن اليمان إلي المدينة المنورة مستنجدا بالخليفة عثمان بن عفان قائلا له أدركنا يا أمير المؤمنين وأخبره بما رآه من إختلافات المسلمين في قراءاتهم ونزاعهم .
وهنا قرر عثمان بن عفان والصحابة وعلى رأسهم حذيفة بن اليمان ضرورة توحيد المصحف فقال عثمان مَن أكتب الناس قالوا كاتب رسول الله زيد بن ثابت قال فأي الناس أعرب قالوا سعيد بن العاص والذى كان أشبه لهجة برسول الله ﷺ فقال عثمان فليملِ سعيد وليكتب زيد وتم تكليف زيد بن ثابت بكتابة عدد 7 نسخ من المصحف فجمع زيد أصحابه وأعوانه من الصحابة القرشيين لمعاونته في هذا النسخ فبخلاف سعيد بن العاص إختار عبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وأمرهم سيدنا عثمان أن يرجعوا عند اختلافهم مع زيد في كلمة إلى لسان قريش فعليهم أنزل القرآن وجاءوا بالنسخة التي كان قد سبق جمعها وكانت محفوظة لدى أم المؤمنين حفصة بنت عمر وباشروا مهمتهم الجليلة وكانوا دوما يجعلون كلمة زيد هي الحجة والفيصل وتم إنجاز العمل علي خير وجه وأرسل عثمان نسخة إلي كل ولاية من ولايات الدولة الإسلامية علي أن تكون هي المعتمدة كما أنه أرسل مع كل مصحف قارئا يقرئ المسلمين هناك حيث جعل زيد بن ثابت في المدينة وأرسل عبد الله بن السائب مع المصحف المكي إلى مكة المكرمة والمغيرة بن شهاب مع المصحف الشامي إلى الشام وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي وعامر بن عبد القيس مع البصري وكانت قراءة كل قارئ توافق قراءة أهل البلاد التي أرسلوا إليها كما أصدر عثمان قرارا ملزما للجميع بجمع كل ما لدى الصحابة من رقاع وجلود وأوراق مكتوبا عليها سور وآيات من القرآن الكريم وأمر بحرقها جميعا حتي لا يحدث أي خلط بينها وبين نسخ المصاحف التي تم إعتمادها وهي التي نأخذ بها حتي يومنا الحاضر وما زاد عليها هو فقط علامات التشكيل والنقط التي تم وضعها علي بعض الحروف تمييزا لها عن بعضها مثل الباء والتاء والثاء والفاء والقاف علي سبيل المثال ورحم الله سينا عثمان بن عفان علي حسن صنيعه فلا أحد يعلم ماذا كان من الممكن أن يحدث من فتن وخلافات لولا قراره القوى بنسخ تلك المصاحف وحرق ما غيرها وصدق الله العظيم حيث قال إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون وحقا تعهد الله بحفظ كتابه الكريم ويسخر من يقوم بهذه المهمة وقد كان لجمع القرآن الكريم في عهد عثمان عدة مزايا أهمها قطع بؤرة الخلاف بين المسلمين وإجتماعهم على مصحف واحد ومعرفة القراءات الثابتة للقرآن الكريم وتعلمها وتمسك الأمة الإسلامية بقراءة القرآن الكريم بما يوافق رسم المصاحف وكتابتها والتخلص من جميع الصحف التي لم تكن رسميةً ومتفق عليها من الجميع والتي كان بعضها يمثل خطرا داهما علي كتاب الله الكريم وأخيرا فقد كانت وفاة الصحابي الجليل زيد بن ثابت في عام 45 هجرية في زمن خلافة معاوية بن أبي سفيان وعند وفاته قال إبن عباس لقد دفن اليوم علم كثير كما قال أبو هريرة مات حبر الأمة ولعل الله أن يجعل في إبن عباس منه خلف .
|