بقلم المهندس/ طارق بدراوي
موسوعة" كنوز أم الدنيا"
شارع أنس بن مالك هو أحد شوارع ضاحية مصر الجديدة التي تعد من أرقي ضواحي القاهرة وهو يمتد من نقطة تقاطعه مع شارع الصحابي عمار بن ياسر ويمتد حتي ينتهي بتقاطعه مع شارع محمد الدميرى وينسب الشارع إلي الصحابي الجليل أبي حمزة أنس بن مالك بن النضر النجاري الخزرجي المولود في العام العاشر قبل الهجرة الموافق عام 612م بالمدينة المنورة وهو ينتمي إلى بني النجار أحد بطون قبيلة الخزرج أخوال جد النبي محمد ﷺ عبد المطلب بن هاشم فأم جده عبد المطلب هي سلمى بنت عمرو بن زيد بن أسد من بني النجار وقد قتل مالك بن النضر أبو أنس ببلاد الشام فتزوجت أمه أم سليم مليكة بنت ملحان النجارية وهي أيضا صحابية من أبي طلحة الأنصاري وكان لأنس شقيقان أكبر منه هما البراء وزيد بالإضافة إلي شقيق له من أمه كان يسمي أبو عمير وما أن هاجر النبي محمد ﷺ إلى المدينة حتى دفعت أم سليم إبنها أنس للنبي ﷺ ليقوم على خدمته وكان عمره يومها عشر سنين وقالت له يا رسول الله هذا أُنيس إبني غلام لبيب كاتب أتيتك به يخدمك فإدع الله له فقبله النبي محمد ﷺ ودعا له قائلا اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره وإغفر ذنبه وبالفعل فقد عاش طويلا ورزقه الله العديد من الأبناء والأحفاد وكان أنس نظرا لكونه كاتب يمتلك ميزة عظيمة لم تكن متوفرة إلا في النفر القليل من أصحاب رسول الله ﷺ مما يدل على فطنته وذكائه منذ الصغر وقد كان هذا الذكاء وهذه الفطنة من الأهمية بمكان إذ حفظ رضي الله عنه وفَقه وتعلم من رسول الله ﷺ وروى عنه الكثير من الأحاديث وقد خدم أنس بن مالك النبي محمد ﷺ مدة مقامه بالمدينة عشر سنين عامله فيها النبي محمد معاملة الولد وكناه أبو حمزة فكان يخصه ببعض أحاديثه وأحيانا ما كان يناديه يا بني وما عاتبه على شئ فعله وما ضربه قط وروى الترمذي بسنده عن أنس رضي الله عنه قال خدمت النبي ﷺ عشر سنين فَما قَالَ لي أُف قط وما قال لشئ صنعته لم صنعته ولا لشئ تركته لم تركته وكان رسول الله ﷺ من أَحسن الناس خلقا ولا مسست خزا قط ولا حريرا ولا شيئا كان أَلين من كف رسول الله ﷺ ولا شممت مسكا قط ولا عطرا كان أَطيب من عرق النبي ﷺ ونظرا لقربه منَ الرسول ﷺ فقد حفظ تماما ما كان يفعله وبالتالي كان يقلده تمامَ التقليد وعن هذا قال أَبو هريرةَ رضي الله عنه ما رأيت أَحدا أشبه صلاة برسول الله ﷺ منَ إبن أُم سليم وأيضا فقد قدم الإمام الذهبي ترجمته عن الصحابي أنس بن مالك بقولِه الإمام المفتي المقرئ المحدث راويةُ الإِسلام خادم رسول الله ﷺ وقرابته مِنَ النساء وتلميذه وتبعه وآخر الصحابة وفاة .
وقد وعد رسول الله ﷺ أنس بن مالك رضي الله عنه بالشفاعة له يوم القيامة ويقول أنس بن مالك في ذلك إنه قد قال للنبي ﷺ خويدمك أنس إشفع له يوم القيامة فقال أنا فاعل فقلت فأين أطلبك قال إطلبني أول ما تطلبني عند الصراط فإن وجدتني وإلا فأنا عند الميزان وإلا فأنا عند حوضي لا أخطئ هذه الثلاثة مواضع ومما رواه أنس أيضا قوله أتاني معاذ بن جبل من عند رسول الله ﷺ فقال من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا بها قلبه دخل الجنة فذهبت إلى رسول الله ﷺ وقلت يا رسول الله حدثني معاذ أنك قلت من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا بها قلبه دخل الجنة قال صدق معاذ صدق معاذ صدق معاذ وكان النبي ﷺ يثق بأنس ويأتمنه على بعض أسراره وبالمقابل كان أنس بن مالك رضي الله عنه خادما أمينا فقد خدم رسول الله ﷺ أحسن خدمة وبقي ملازما له في سفره وحضره وسلمه وحربه وإطلع على بعض خصوصيات النبي ﷺ ولكنه لم يتكلم بها لأحد ويقول في ذلك أنس بن مالك أتى علي رسول الله ﷺ وأنا ألعب مع الغلمان فسلم علينا وبعثني إلى حاجة فأبطأت على أمي فلما جئت قالت ما حبسك قلت بعثني رسول الله ﷺ لحاجة قالت ما حاجته قلت إنها سر قالت لا تخبر بسر رسول الله ﷺ أحدا فقال أنس والله لو حدثت به أحدا لحدثتك به وكان أنس رضي الله عنه يفتخر بتلقيبه بخادم رسول الله ﷺ وقد روى أنس بن مالك الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة عن النبي ﷺ وعن خلق كثير مِنَ الصحابة الكبار كأَبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ومعاذ بن جبل وأُسيد بنِ حضير وأَبِي طلحةَ وأمه أم سليم بنت ملحان وخالته أُم حرام بنت ملحان وزوجها عبادة بنَ الصامت وأبِي ذر الغفارى وأَبي هريرة ومالِك بن صعصعةَ وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين كما كان لأنس بن مالك رضي الله عنه الأثر الكبير في غيره من الناس ذلك أنه كان رضي الله عنه يحمل الكثير من كنوز السنة النبوية العطرة بفضل الصحبة الطويلة لرسول الله ﷺ وبخلاف الصحابة الكرام فقد روى عنه عدد كبير من عظماء التابعين من أهمهم صديقه الحميم قتادة بن دعامة وحفيده ثابت بن عبد الله بن أنس وإبن أخيه إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة ومولاه وكاتبه محمد بن سيرين كما روى عنه الكثير من التابعين منهم العالم الكبير بن شهاب الزهرى وأبو قلابة ومكحول والإمام الحسن البصرى وحميد الطويل وعبد العزيز بن صهيب والشعبي وأيضا الخليفة الأموى العظيم الملقب الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز وكذلك سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وثابت البناني وإبن المنكدر وعمرو بن عبد الله السبيعي ويحيي بن أبي كثير الطائي وسليمان بن مهران الأعمش وغيرهم وهذه الأسماء التي ذكرناها هم أعمدة العلمِ في زمانهم وناقلو السنة عن جدارة وكلهم مِنَ الثقات الأفذاذ وقيل إنه في المرتبة الثالثة بعد عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما في كثرة الأحاديث التي رواها وحفظها من رسول الله ﷺ ومسنده ألفان ومائتان وستة وثمانون حديثا وقد إتفق له البخاري ومسلم على مائة وثمانين حديثا وإنفرد البخاري بثمانين حديثا ومسلم بتسعين حديثا .
ومن جانب آخر فلم يكن أنس بن مالك رغم صغر سنه في وقت خدمته للرسول ﷺ بمعزل عن الأحداث السياسية لدولة الإسلام الوليدة فقد خرج أنس مع النبي محمد ﷺ إلى بدر وهو غلام عمره حوالي 13 عاما لا للقتال لكن لكي يخدمه وما شارك يومها في القتال كما شارك أنس مع النبي محمد ﷺ فيما بعد في ثماني غزوات منها خيبر وفتح مكة وحنين والطائف كما شهد بيعة الرضوان وصلح الحديبية وعمرة القضاء وحجة الوداع وبعد وفاة النبي محمد ﷺ إستخلف أبو بكر الصديق على المسلمين والذي شهد بداية عهده ردة العديد من القبائل على سلطة المسلمين وعلى دين الإسلام وقرر الخليفة شن الحرب علي المرتدين والتي شارك فيها أنس وكان أحد الرماة المهرة وكان ممن شهد معركة اليمامة آخر تلك الحروب ضد مسيلمة الكذاب وبعد إستقرار الأمور أراد أبو بكر الصديق أن يبعث أنس بن مالك إلى البحرين ليتولى جمع أموال الزكاة فإستشار عمر بن الخطاب فقال له عمر إبعثه فإنه لبيب كاتب فبعثه وبعد أن أنجز مهمته عاد إلي المدينة المنورة ليجد الخليفة الأول قد مات وخلفه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب فبدأ بمبايعته ثم دفع إليه المال ثم إنطلق أنس وشارك في فتوح العراق وبلاد فارس وشهد معركة القادسية الشهيرة عام 15 هجرية والتي تعد المعركة الكبرى في فتوحات بلاد فارس والتي كانت تحت قيادة الصحابي الجليل وأحد العشرة المبشرين بالجنة سيدنا سعد بن أبي وقاص وشهد أيضا فتح تستر بمنطقة الأهواز جنوبي غرب إيران حاليا وهو الذي قدم المدينة المنورة على الخليفة عمر بن الخطاب بحاكمها القائد الفارسي الهرمزان أسيرا ضمن عدد 3 كانوا علي رأس الحامية التي رافقته وكان الإثنان الآخران هما الأحنف بن قيس والمغيرة بن شعبة الثقفي .
وبعد الفتوحات وبعد أحداث الفتنة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وإنتهاء الأمر بتولية معاوية الخلافة سكن أنس بن مالك البصرة وأقام فيها يحدث الناس بما يحفظ من الحديث النبوي الشريف حتى أحصى علماء الحديث أكثر من مائتي راو عنه ولما أعلن عبد الله بن الزبير عن نفسه كخليفة للمسلمين وبويع بمكة المكرمة بعد موت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان كتب إبن الزبير إلى أنس بن مالك ليصلى بالناس بالبصرة فصلى بهم أربعين يوما ثم تعرض أنس بعد ذلك إلى محنة عظيمة فبعد ثورة عبد الرحمن بن الأشعث على حكم الأمويين في العراق إستعرض الحجاج بن يوسف الثقفي أهل البصرة فجاء أنس فقال له الحجاج يا خبيث جوال في الفتن مرة مع علي ومرة مع إبن الزبير ومرة مع إبن الأشعث أما والذي نفسي بيده لأستأصلنك كما تستأصل الصمغة ولأجردنك كما يجرد الضب فقال أنس من يعني الأمير قال إياك أعني أصم الله سمعك فقال أنس إنا لله وإنا إليه راجعون فأمر به الحجاج فختم في يده وقيل في عنقه عتيق الحجاج وقد أراد الحجاج بذلك التصرف أن يذله وإنصرف أنس فتابعه بعضهم فقال لولا أني ذكرت ولدي وخشيت عليهم بعدي لكلمته بكلام لا يستحييني بعده أبدا وكتب إلى الخليفة وقتها عبد الملك بن مروان كتابا جاء فيه إني خدمت رسول الله ﷺ عشر سنين والله لو أن اليهود والنصارى أدركوا رجلا خدم نبيهم لأكرموه وإن الحجاج يعرض بي حوكة البصرة فغضب عبد الملك غضبا شديدا وأرسل إلى الحجاج برسالة يعنفه فيها ويأمره بأن يعتذر لأنس فجعل يقرأها ووجهه يتغير وجبينه يرشح عرقا ويقول يغفر الله لأمير المؤمنين وسار الحجاج إلى أنس وقال له يا أبا حمزة غضبت قال أغضب تعرضني لحوكة البصرة فقال الحجاج يا أبا حمزة إنما مثلي ومثلك كقول الذي قال إياك أعني وإسمعي يا جارة أردت أن لا يكون لأحد علي منطق أردت أن يعلم أهل العراق إذ كان من إبنك ما كان وإذ بلغت منك ما بلغت أني إليهم بالعقوبة أوسع .
وفي أواخر حياته أصيب أنس بن مالك بالبرص وضعف جسده ولزم بيته وروى أنه كان يتخذ خاتما عليه نقش أسد رابض وكان من وصايا الرسول ﷺ له إذا دخلت بيتك فسلم على أهل بيتك حتى يكثر الخير فيه وأسبغ الوضوء يزد في عمرك وسلم على من لقيك من أمتي تكثر حسناتك وبت وأنت طاهر فإن مت مت شهيدا وإرحم الصغير ووقر الكبير تكن من رفقائي يوم القيامة وإذا قدرت أن تمسي وتصبح وليس في قلبك غش لأحد فإفعل وأكثر الصلاة بالليل والنهار يحبك حافظاك وإن إستطعت أن لا تزال تصلي فإفعل فإن الملائكة لا تزال تصلي عليك ما دمت تصلي وبالغ في الغسل من الجنابة تخرج من مغتسلك ليس عليك ذنب ولا خطيئة وكانت وفاته في البصرة في خلافة الوليد بن عبد الملك ولكن على خلاف في سنة وفاته وعموما كانت ما بيت عام 90 هجرية وعام 93 هجرية وكان هو آخر من بقي بالبصرة من أصحاب النبي محمد ﷺ وآخر من بقي ممن صلى إلى القبلتين ويقول ثابت البناني إنه عندما حضرت الوفاة أنس بن مالك قال له هذه شعرة من شعر رسول الله ﷺ فضعها تحت لساني فوضعتها تحت لسانه فدفن وهي تحت لسانه وكان قد أوصى أن يغسله ويصلي عليه محمد بن سيرين فغسله وصلى عليه وقيل صلى عليه أيضا قطن بن مدرك الكلابي كما أوصى أن تدفن معه عصا للنبي محمد ﷺ كانت عنده فدفنت معه بين جنبه وقميصه وقد عد التابعين وفاة أنس خسارة كبيرة لأهل الحديث فقد روى قتادة بن دعامة أنه لما مات أنس بن مالك قال مورق العجلي ذهب اليوم نصف العلم فسئل كيف ذاك يا أبا المعتمر قال كان الرجل من أهل الأهواء إذا خالفنا في الحديث قلنا تعال إلى من سمعه من النبي ﷺ وقد فاقت دعوة النبي محمد ﷺ لأنس وهو صغير بأن يبارك له الله في ولده فكثر نسله حتى جاوز المائة في حياته إلا أنه إبتلي بفقد عدد كبير منهم فمات من ولده وولد ولده 129 فرد حتى مقدم الحجاج بن يوسف للبصرة منهم 80 وقيل 70 في الطاعون الجارف الذي أصاب أهل البصرة عام 69 هجرية وقد إشتهر بعض نسله برواية الحديث كأولاده أبو بكر بن أنس بن مالك والنضر بن أنس بن مالك وعبيد الله بن أنس بن مالك وأحفاده ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك قاضي البصرة وحفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك وقد خلف أنس بن مالك بستانًا له كان يثمر في السنة مرتين وكان فيه ريحان يجئ منه ريح المسك كما ورث عن أبيه بئرًا في المدينة المنورة كانت من أعذب آبار المدينة قيل إنها كانت تسمى في الجاهلية البرود .
|