الأحد, 8 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

شارع السيوفية

شارع السيوفية
عدد : 02-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوي
موسوعة" كنوز أم الدنيا"

شارع السيوفية يعد من أهم الشوارع الأثرية في مصر الإسلامية وهو متفرع من شارع المعز لدين الله الفاطمي ويعد جزء من الشارع الأعظم وهو يبدأ من تقاطع شارع محمد علي وينتهي بتقاطعه مع شارع الصليبة وقد سمي شارع السيوفية بهذا الإسم حيث كانت تنتشر فيه ورش السيوف بكثرة خلال العصر المملوكي ومن الناحية التاريخية كان شارع السيوفية في الماضي من التاريخ القديم وكان في بدايته جزء من مدينة القطائع التي شيدها أحمد بن طولون لتكون عاصمة لمصر بعد أن إستقل بحكم مصر في عام 254 هجرية الموافق عام 868م وقد شهدت هذه المنطقة إزدهارا عمرانيا ملموسا في العصر الفاطمي وإستمر هذا الإزدهار خلال العصر الأيوبي نظرا لتشييد قلعة صلاح الدين الأيوبي بتلك المنطقة والتي ساهمت في عمرانه وفي العصر المملوكي أصبح هذا الشارع سكنا لأفراد الطبقة الحاكمة وصفوة المماليك وإستمر هكذا الوضع في العصر العثماني ومن بعده عهد أسرة محمد علي باشا وتاريخيا كانت هذه المنطقة عبارة عن مجموعة بساتين تحيط ببركة الفيل وكانت هذه البركة عندما أنشأ القائد جوهر الصقلي مدينة القاهرة خارج باب زويلة ولم يكن عليها مبان ثم عمر الناس حولها بعد عام 600 هجرية الموافق عام 1203م ولم تكن بركة الفيل عميقة وكان الماء لا يتواجد فيها بإستمرار بالمعنى المفهوم الآن من لفظ بركة وإنما كانت البركة عبارة عن أرض زراعية يغمرها ماء النيل سنويا وقت الفيضان وكانت تروى من الخليج المصري وبعد نزوح الماء بعد موسم الفيضان كانت تنكشف الأرض وتزرع بها محاصيل شتوية وكان أشهر محصولاتها البرسيم حيث كان يستهلك في تغذية دواب القاهرة ولذا فقد كانت بركة الفيل معتبرة في دفاتر المساحة من النواحى المربوط على أراضيها الخراج ولم يحذف إسمها من جداول أسماء النواحى إلا بعد ان تحولت معظم أراضيها إلى مساكن حيث تحولت أراضيها من الزراعة إلى السكن عام 620 هجرية الموافق عام 1223م خلال العصر الأيوبي وفي العصر المملوكي كانت وقف أيتام الملك الظاهر بيبرس ثم إستولى الأمراء على أجزاء من مساحتها بعد ذلك وإستمر التعدى على أرضها ونسى إيقافها ولم يبق من أرضها من غير بناء إلى عام 1215 هجرية الموافق عام 1800م التى رسم فيها علماء الحملة الفرنسية خريطة القاهرة إلا قطعة أقيم عليها فيما بعد سراى عباس باشا الأول والى مصر مابين عام 1848م وعام 1854م وهى المعروفة بسراى الحلمية وحديقتها الكبيرة .
وفي عام 1892م قسمت أراضى الحديقة وفي عام 1902م هدمت السراي وقسمت أراضيها أيضا وبيعت جميع القطع وأقيم عليها عمارات حديثة تعرف بين أخطاط القاهرة بالحلمية الجديدة ولم تكن البركة المشار إليها علي شكل فيل وأنه قد أتي إسمها من شكلها كما يقول العامة وإنما كانت على شكل بيضاوي مفرطح من جهتيه الشرقية والغربية وقد وصفها إبن سعيد في كتابه المغرب بأنها كانت دائرة كالبدر والمناظر حولها كالنجوم وقد إختلف في سبب تسمية البركة ببركة الفيل فهناك رأى ينسبها إلى رجل إسمه الفيل كان أحد أصحاب الوالي أحمد بن طولون وهناك رأى ثاني ينسبها إلى دار الفيلة التي كانت واقعة على حافة البركة وهناك رأى ثالث يذكر أنها قيل لها بركة الفيل لأنه كان يسبح فيها فيل كبير يخرج الناس لرؤيته وكان اللفظ الوثائقي في زمن المماليك والعثمانيين فهو إما بركة الفيل أو بركة الأفيلة والرأى المرجح في هذا الأمر هو أن سبب التسمية أن الأمير خمارويه بن أحمد بن طولون كان مغرما بإقتناء الحيوانات من السباع والنمور والفيلة والزرافات وغيرها وأنشأ لكل نوع منها دارا خاصة له وكانت دار الفيلة واقعة على حافة البركة من الجهة القبلية الشرقية حيث شارع نور الظلام وكان الناس يقصدون البركة للنزهة والفرجة على الفيلة ومن ثم إشتهرت بينهم بإسم بركة الفيل من وقتها وحتي اليوم هذا ويضم شارع السيوفية مجموعة عظيمة من الآثار الإسلامية بكل أنواعها المختلفة من قصور ومساجد وتكايا وقباب وأضرحة وأسبلة وهي ترجع إلى عصور مختلفة ومن أشهر معالمه تكية الدروايش والتي تعد من أهم المعالم التاريخية في هذا الشارع والتي أنشأها الدراويش في القرن السابع عشر الميلادى على بقايا أثر قصر ومدرسة سنقر السعدي والتي تعود إلى العصر المملوكي وهي تتكون من عدد 4 أقسام وهي منطقة الحجرات السكنية للطلبة وتحيط بها حديقة يتوسطها نافورة ثم منطقة الإنشاد الديني والموسيقى والرقص الدوراني المولوي ثم منطقة الخدمات والإستقبال والمدخل الرئيسي ومما يذكر أن مسميات هذه المجموعة المعمارية الرائعة تتعدد حيث يطلق عليها السمعخانة أو تكية الدراويش أو التكية المولوية أو مدرسة سنقر السعدي أو قبة حسن صدقة وتحمل هذه المدرسة رقم 263 كأثر مسجل وكانت المنشأة الرئيسية في هذا المجمع مملوكية الأصل وقد بناها الأمير شمس الدين سنقر السعدى نقيب المماليك السلطانية في عهد السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في عام 715 هجرية الموافق عام 1315م وكانت هذه المجموعة المعمارية تضم مدرسة لتعليم القرآن وقبة للدفن ورباطا للنساء والأرامل وقد إستخدم دراويش الطريقة المولوية في العصر العثماني هذه المجموعة لشعائرهم وأنشأوا بها قبة عرفت فيما بعد بالسمعخانة وتضم القبة ضريحا للشيخ العارف بالله حسن صدقة حفيد الشيخ ناصر الدين صدقة الذي دفن بالقبة والذي كان واحدا من أبرز الدراويش في العصر العثماني لذلك سميت بقبة حسن صدقة نسبة إلى الشيخ حسن صدقة المدفون بها أما بالنسبة للتكية المولوية فقد شيدها الدراويش المولوية في القرن الحادى عشر الهجرى الموافق للقرن السابع عشر الميلادى على أجزاء من بقايا قصر ومدرسة سنقر السعدي كذلك أنشأ فيها السمعخانة على الطراز الباروكي العثماني وتعد هذه التكية حاليا من أهم المعالم السياحية في القاهرة القديمة ولم يبق من الأثر المملوكي سوى المدخل والقبة والمئذنة والقبة من الداخل تحوي تابوت مكتوب عليه إسم منشئ المدرسة وتاريخ الإنشاء 715 هجرية كما تضم القبة رفات الشيخ حسن صدقة .
ومن معالم الشارع أيضا قصر الأمير طاز الشهير والذي أنشئ عام 1352م وهو حاليا مركز الإبداع الفني وهذا القصر يعد أحد القصور التاريخية التي أنشئت خلال العصر المملوكي في مصر وقد أنشأه صاحبه الأمير سيف الدين طاز بن قطغاج أحد الأمراء البارزين في عصر دولة المماليك البحرية ولم يكن الموقع الذي تم إختياره لبناء هذا القصر قد تم إختياره بالمصادفة ولكنه إختير نظرا لقيمته المكانية حيث بنى بشارع من أهم شوارع مصر المملوكية آنذاك وقد تم بناؤه على أنقاض بيوت قام بشرائها الأمير طاز من أهلها أو أخذها عنوة وأشرف أمير من أتباعه يسمي الأمير منجك على عمارة القصر بنفسه كما تشير المصادر التاريخية وكان لهذا الموقع أكبر الأثر في مراقبة الحياة السياسية بمصر والمشاركة في أحداثها آنذاك حيث شهد حادثة لم تحدث من قبل وهى نزول السلطان من مقر حكمه ليفتتح هذا القصر وقد كانت هذه سابقة لم تحدث من قبل كما أنه شاهد تدبير الأحداث التي توالت لإزاحة وتولية السلاطين أبناء الناصر محمد بن قلاوون كما إرتبط قصر الأمير طاز بكونه مقرا ينزل به الولاة من البشوات المعزولين عن حكم مصر وذلك خلال العصر العثماني ففي عام 1709م نزل به باشا مصر المعزول الوزير خليل كما نزل به أيضا ولي باشا المتولي المعزول أيضا عن حكم مصر عام 1713م والأمير طاز صاحب هذا القصر كان مملوكا للسلطان المملوكي محمد بن قلاوون وكان يعمل ساقيا يتذوق الطعام والشراب والدواء قبل أن يتناوله السلطان وهى مهنة لا تخول إلا لأصحاب الثقة وقد تزوج إبنته بعد ذلك وبدأ يذيع صيته ويبزغ إسمه بعد ذلك خلال حكم السلطان المملوكي عماد الدين إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون مابين عام 1343م وعام 1345م وقد عرف عنه أنه كان حسن الشكل طويل القامة بطلا شجاعا محبا للعلماء كثير الخيرات عالى الهمة قوي العزم وافر التجمل ظاهر الحشمة وقد أصبح في عهد أخيه الصالح زين الدين حاجى أحد الأمراء ممن بيدهم الحل والعقد في الدولة في ذلك الوقت ثم زادت وجاهته خلال فترتي حكم الناصر حسن بن الناصر محمد الأولى من عام 748 هجرية الموافق عام 1347م إلى عام 752 هجرية الموافق عام 1351م والثانية من عام 755 هجرية الموافق عام 1354م وحتي عام 762 هجرية الموافق عام 1361م ومالبث أن جعله دوادار دولته ثم ولاه نيابة حلب ولكنه خرج على السلطان فثار عليه أمراء حلب حتى هزم وعزل عن نيابتها وأُمر بكحل عينه فعمى وإعتقل بالكرك ثم نقل إلى الإسكندرية فسجن بها فترة ثم أفرج عنه فعاد إلى القدس ومنها إتجه إلي دمشق في أواخر عام 762 هجرية الموافق عام 1361م وظل بها حتى مات في يوم العشرين من شهر ذي الحجة عام 763 هجرية الموافق يوم 9 من شهر أكتوبرعام 1362م .

وفي عهد الخديوى إسماعيل تم بناء عدد من الفصول بهذا القصر وتم إستغلاله كمدرسة حربية لفنون القتال وتم وضع بعض المعدات الحربية به لهذا الغرض وفي الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادى وعندما بلغ قصر الأمير طاز من العمر خمسمائة عام رأت الحكومة الخديوية حينذاك أن تحيل القصر إلي الإستيداع وقررت تحويله إلي مدرسة للبنات بإيعاز من علي مبارك باشا أحد رواد التنوير في ذلك الوقت ولكن لم تمض سوي عشرات قليلة من السنين إلا وأخلت وزارة التربية والتعليم القصر ليس من أجل ترميمه والحفاظ عليه بعد أن ظهرت عليه آثار الشيخوخة بشكل واضح ولكنها أخلته لتحويله إلي مخزن ولأن القصر كبير ومتسع ويقع في قلب القاهرة فقد كان مؤهلا من وجهة نظر الوزارة أن يكون المخزن الرئيسي لمئات الألوف من الكتب الدراسية وعشرات العربات التي تم تكهينها ومئات الأطنان من الخردة بمختلف أنواعها ولأن الناس علي دين ملوكهم فلم يستشعر سكان المنطقة حرجا في إستعمال فناء القصر كمقبرة للحيوانات النافقة ومقلبا للقمامة فلم يحتمل القصر كل هذا الهوان وهو الذي شهد وشاهد مئات السنين من العز والنعيم فإنطوي علي نفسه بعد أن داهمته الأمراض والعلل وتمايلت الكثير من جدرانه وإنهارت العديد من غرفه وفي شهر أكتوبر عام 1992م تم إدخال القصر إلي غرفة العناية المركزة بعد أن عصفت رياح الزلزال الشهير حينذاك بالكثير من أركانه وأعمدته وعلي مدي عشر سنوات ظل الحال علي ما هو عليه إلي أن تم إعلان وفاة القصر إكلينيكيا في يوم 10 مارس عام 2002م عندما إنهار جانب كبير من الجدار الخلفي للقصر والمطل علي حارة ضيقة بها عشرات البيوت المتهالكة ويسكنها مئات الآلاف من المواطنين الذين أصبحت حياتهم جميعا مهددة بالخطر المنتظر بين لحظة وأخرى بعد أن أصبح الإنهيار الكامل للقصر مسألة ساعات لا أكثر ولا اقل وهنا قامت وزارة الثقافة ببدء مشروع ترميم وإصلاح وإعادة تأهيل للقصر بعد إهماله لفترات طويلة ولكن المهمة كانت صعبة وشاقة للغاية بسبب تهدم وتلف أجزاء كثيرة منه وقد أفادت بيوت الخبرة العالمية والخبراء الأجانب عندما عرض الأمر عليهم بأن الموضوع قد إنتهي بالفعل وأن أي محاولات للإنقاذ تعتبر مضيعة للوقت ولأن أبرز هوايات المصري في وقت الشدة هي تحدي الصعاب والمستحيل أو ما يبدو لغيرنا مستحيلا فقد هرول الجميع الي موقع القصر شبه المنهار وفي لحظات بدأت أجهزة التنفس الصناعي وتدليك القلب في العمل بسرعة خارقة وتمت عملية الإنقاذ ووقف العالم مبهورا وهو يري الحياة تعود إلي القصر الذي تم ترميمه بكفاءة تامة لا يمكن وصفها ولم يكتف المصريون بالإنقاذ والترميم ولكن المفاجأة الأكبر كانت في الإكتشافات الأثرية المهمة التي واكبت ذلك وأدت إلي إزاحة الستار عن المزيد من خبايا وأسرار القصر وهو العمل الذي تم إنجازه بشكل رائع بكل المقاييس .
ومن معالم شارع السيوفية أيضا سبيل أم عباس والذي يقع عند تقاطع شارع الركبية وشارع السيوفية مع شارع الصليبة أمام حمام الأمير شيخون بالقاهرة وهو معدود من الآثار التاريخية وقد قامت الأميرة بمبا قادن أم والي مصر عباس باشا الأول بتشييده في عام 1867م قبل وفاتها بفترة قصيرة في نفس العام وبعد حوالي 13 عاما من وفاة عباس باشا الأول ترحما عليه وكصدقة جارية علي روحه والذي قتل في قصره بناحية بنها في شهر يوليو عام 1854م وأصرت والدته الأميرة بمبا قادن علي أن يسمى السبيل بإسم سبيل أم عباس وليس سبيل الأميرة بمبا قادن تخليدا لذكرى ولدها المتوفي وقد تم تخطيط حجرته على شكل مثمن وهي ذات ثلاثة شبابيك توجد أمامها أحواض الشرب ويوجد في صدر هذا السبيل لوحة من الرخام تسمي الشاذروان وكان له فائدة مزدوجة الأولى تبريد مياه الشرب والثانية تنقية المياه من الشوائب العالقة بها إن وجدت ويغطي الحجرة قبة مثمنة الأضلاع بدون منطقة إنتقال وهذا التخطيط من الأمثلة النادرة بمدينة القاهرة حيث توجد حجرات التسبيل المربعة بكثرة بينما تقل الحجرات النصف دائرية المنقولة عن الأسبلة العثمانية وواجهة هذا السبيل مكسوة بالرخام وزخارفها من طراز الباروك والركوكو وقد كتب الخطاط العثماني الشهير العربي الأصل عبد الله بك زهدي في الشريط العلوي للسبيل سورة الفتح بأكملها ومهرها بتوقيعه الشخصي أما بقية النقوش والزخارف المتواجدة على واجهة السبيل فتحوي آيات من القرآن الكريم ذات صلة بوظيفة السبيل وكان هذا الخطاط ذائع الصيت يتلقى راتبا شهريا مدى حياته بأمر من السلطان العثماني عبد المجيد الأول وقدره 7500 قرش بعد قيامه بتنفيذ الكتابات التي إزدانت بها الأعمال المعمارية والتوسعات التي أمر بها السلطان العثماني في الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة وقد خصص سبيل أم عباس لتوزيع مياه الشرب النقية على المارة طلبا للثواب وإستجلابا للدعاء وكانت تخلط بمواد تعطي عطرا خاصا مثل ماء الورد أو ماء الزهر أو العنبر وذلك للتغلب على أي عطن قد يلحق بها من جراء تخزينها بالصهاريج الخاصة بالسبيل والتي توجد تحت الأرض وكانت تلك الصهاريج تملأ بمعرفة سقائين عن طريق نقلها في قرب جلدية من أعماق نهر النيل حتى تكون خالية من الشوائب والمواد العالقة وكانت تلك المرحلة تتم في شهر أغسطس من كل عام في موسم الفيضان حيث تكون الشوائب في أقل معدلاتها وعلاوة علي ما سبق قامت السيدة بمبا قادن بإلحاق كتاب بهذا السبيل عينت به معلمين لتعليم وتحفيظ الأطفال القرآن الكريم والعلوم الحديثة كما في المدارس الحكومية التي أنشئت على عهد الخديوى إسماعيل وذلك علي عكس ما كان يراه إبنها عباس باشا الأول الذى أغلق المدارس التي كان قد أسسها جده محمد علي باشا وأوقف تيار التحديث في البلاد حتي تم وصف عهده بالتخلف والرجعية ومما يذكر عن هذا السبيل أيضا أنه كان يوفر مياه الشرب للمارة وأيضا للبيوت التي لا يقدر أصحابها على تحمل أجور السقائين بحسب ما أورده علي مبارك باشا في مؤلفه الشهير الخطط التوفيقية ومن الطريف أن هذا السبيل قد إرتبط بمثل شعبي مصري يردده الكثير من المصريين وهو آه ما هو سبيل أم عباس للتعبير عن الشئ الذي يؤخذ منه دون حساب .

ومن أهم معالم شارع السيوفية أيضا مسجد ألماس الحاجب ويعود تاريخ إنشاء هذا المسجد إلي عام 729 هجرية الموافق عام 1329م أى خلال العصر المملوكي الذى ترك ‏خلفه‏ ‏العديد‏ ‏من‏ ‏المساجد‏ ‏والزوايا‏ ‏والخانقاهات والأسبلة والأضرحة والوكالات ‏والمدارس‏ والبيوت الأثرية ‏التي تتميز جميعها ‏بثراء‏ ‏فنون‏ ‏العمارة‏ ‏وأعمال‏ ‏المعادن‏ ‏والرخام‏ ‏والخشب‏ ‏والفسيفساء‏ ‏خاصة‏ ‏في‏ ‏عمل‏ ‏محاريب ومنابر وأبواب وقباب ومآذن‏ ‏المنشآت‏ ‏الدينية‏ ‏التي‏ ‏إهتم‏ ‏فيها‏ ‏المعمارى‏ ‏المسلم‏ ‏بالأعمال‏ ‏الخشبية والجصية والرخامية وبالنقوش والزخارف الهندسية الرائعة‏ وكلمة ألماس تتكون من مقطعين أل وتعني يموت وماس وتعني لا فيكون إسم الأمير لا يموت أو الخالد لكنه في حقيقة الأمر قد مات مخنوقا على يد سلطانه الناصر محمد بن قلاوون عام 734 هجرية الموافق عام 1334م وهذا المسجد يعد تحفة معمارية لا مثيل لها وهو لا يتشابه مع أي مسجد آخر وفي حقيقة الأمر فإن كل المساجد في مصر لا تتشابه مع بعضها البعض حيث أن كل واحد منها يعد تحفة قائمة فريدة نادرة لا مثيل لها ولمسجد ألماس الحاجب واجهتان إحداهما هى الواجهة الشمالية الغربية وهى الواجهة الرئيسية للمسجد وتقع علي شارع السيوفية وبها المدخل الرئيسى ويعلوه المئذنة كما أنه يوجد بها واجهة القبة الضريحية الملحقة بالمسجد أما الواجهة الثانية فهى الواجهة الشمالية الشرقية وتطل علي حارة تسمي حارة ألماس وهى واجهة بسيطة بها مدخل ثانى يوصل لداخل المسجد والواجهة الرئيسية يبلغ طولها 40.24 متر ويتوسطها المدخل الرئيسى ويزين تلك الواجهة على يمين ويسار المدخل حنيتان ذواتى صدر مقرنص بواقع حنية فى كل جانب ويتوج كل منها ثلاث حطات من المقرنصات وبداخل كل حنية من أسفل نافذة مستطيلة مغشاة بمصبعات نحاسية يعلوها نافذة بشكل قنديلية تتكون من نافذتين مستطيلتين متوجتين بعقد حدوة فرس يعلوها قمرية مستديرة ويغشى تلك القنديليات أحجبة من الخشب المفرغ بهيئة زخارف نباتية غاية فى الدقة ويعلو تلك القنديليات كتابات من عبارات دعائية نص أحدها اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه إجمع بيننا وبين الصدق والإخلاص والخشوع والهيبة والنور واليقين والمعرفة والحفظ والعصمة والنشاط والقوة والفهم والبيان فى القرآن وأدخلنا مدخل صدق وأخرجنا مخرج صدق وإجعل لنا من لدنك سلطانا نصيرا .

أما المدخل الرئيسى والمدخل في البنيان الإسلامي له شأن عظيم فهو عنوان البناء وهو رسالة الترحيب التي توجه للقادم إليه وهو الذي يفصل بين عالمين الحاجز بين عالم الدنيا بضجيجها وصخبها وبين عالم الروح والسكينة والهدوء لهذا لابد للمدخل أن يكون رائعا بديعا ترتفع إليه الهامات وترنو له الأبصار بالإعجاب ولذلك فقد تفنن الصناع في تجميل مداخل وأبواب المساجد وفي مدخل مسجد ألماس الحاجب نجد أن هذا المعني قد تم تحقيقه علي أكمل وجه حيث نجد مدخلا يعد تحفة فنية رائعة فهو يتميز بأنه مدخل غائر عميق يغطيه سقيفة من مقرنصات ذات دلايات ويعلو بابه شباكان تزينهما أخشاب مثقوبة حلت محل الزخارف الجصية الملونة وفتحة الباب عبارة عن فتحة مستطيلة يعلوها عتب من صنجات مزررة يعلوه عقد عاتق من صنجات مزررة كذلك ويعلو العقد العاتق نافذة توأمية متوجة بعقدى حدوة فرس يغشيها أحجبة من الخشب المفرغ بهيئة زخارف نباتية غاية فى الدقة ويعلو تلك النافذة كتابات تأسيسية والباب يتكون من ضلفتين من الخشب المصفح بالنحاس وتزدان الصفائح النحاسية بشكل أطباق نجمية وأجزائها وبداخلها زخارف نباتية غاية فى الإتقان ويزين كل ضلفة من أعلى شريط كتابى ويزينها من أسفل كتابات تظهر تاريخ السنة التى قامت فيها لجنة حفظ الآثار العربية بترميم الباب ونص تلك الكتابات جدد هذا الباب فى عصر الخديوى عباس حلمى الثانى سنة ثلاثين وثلثمائة وألف هجرية 1911م أما الواجهة الفرعية فيبلغ طولها 20.5 متر وهى واجهة غير مستقيمة لتساير خط تنظيم الطريق وبهذه الواجهة باب ثانى عبارة عن فتحة مستطيلة يعلوها عتب مستقيم مزرر فوقه عتب آخر بسيط ثم عقد عاتق ويعلو الباب شباك مستطيل مغشى بمصبعات نحاسية ويوجد إلي اليسار منه شباك آخر بنفس الشكل.

وللوصول إلي داخل المسجد لابد أن ننزل ثلاث درجات بعدما رفع الزمن الشارع خارج المسجد عن أرضيته وقد بني هذا المسجد علي الطراز المملوكي السائد في ذلك العصر الذي إحتفظ بصحن أوسط مكشوف ذو مساحة مستطيلة إذ تبلغ أبعاده نحو 61.16 متر في 26.11 متر تحيط به أربعة أروقة تتكون بوائكها من صفوف من الأعمدة عدد كل منها أربعة بوائك يعلوها خمسة عقود مدببة يحيط بها زخارف نباتية تنتهي كل منها بشكل زهرة والأعمدة متعددة الألوان والأحجام ويبدو أنها جلبت من أماكن شتي ربما من معابد فرعونية أو كنائس خربة فالمصري عادة ما يصنع من الحجارة مكانا يتعبد فيه إلى الله وتنتقل تلك الأحجار والأعمدة من دار عبادة لآخر ومن عصر لآخر فهي فرعونية ثم قبطية ثم إسلامية فالعبادة واحدة والرموز فقط تختلف ويذكر المقريزى إن الرخام المستخدم فى هذه الأعمدة ربما يكون قد جلب من بلاد الشام ومن جزر البحر المتوسط ومن بلاد الروم وقد ابدع المهندس المصرى المسلم العبقري في أن جعل هناك توازن وتناغم في ألوان هذه الأعمدة حيث نجد رواق القبلة بهذا المسجد وهو الرواق الجنوبي الشرقي يتكون من صفين من الأعمدة العمود الأول من ناحية اليمين من البازلت الأخضر والتالي من الجرانيت الأحمر والثالث من الرخام مضلع الشكل والرابع من الرخام لكنه أملس كبير الحجم وهذه التشكيلة من الأعمدة مختلفة الألوان والأحجام تتوازي مثيلاتها على الجانب الأخر وتبدأ بعمود رخام أملس يجاوره عمود رخام مضلع ثم عمود جرانيتي أحمر ثم تختتم السيمفونية بعمود من البازلت الأخضر وهذه الثنائية في الألوان في رواق القبلة تتكرر في جميع الأروقة ومن المدهش أن كل ألوان الأعمدة تتجمع وتتكثف في ألوان الرخام الذى يكسو المحراب الذى يتميز بأنه عميق التجويف وتعلوه زخارف جصية وإلى جانبه يوجد منبر خشب يرجع تاريخه الى العصر العثماني والأمر الأكثر دهشة تلك الفتحات التي توجد بين البوائك إذا نظرت إليها وأنت واقف على الأرض ستري ما يدهشك وهو شكل التاج المذهب الذي يزين أفريز السقف الخشبي للمسجد ويشرف هذا الرواق على الصحن ببائكة من خمسة عقود ويحيط بعقوده وكذا عقود بقية الأروقة إطار رفيع من زخارف نباتية دقيقة محفورة فى الحجر وقد فتحت فى كوشات عقود المسجد جميعها كذلك نوافذ وضعت فى دخلات متوجة بعقود منكسرة ويحيط بتلك الفتحات كذلك زخارف نباتية دقيقة محفورة فى الحجر أما الرواق الشمالى الشرقى فهو غير منتظم الشكل حيث أن جزء منه بعمق بلاطة واحدة والباقى بعمق بلاطتين ولجأ مهندس المسجد لذلك حتى يساير خط تنظيم الطريق بحارة ألماس ويشرف هذا الرواق على الصحن ببائكة من ثلاثة عقود ويقع فى بداية هذا الرواق إلى اليسار من الداخل مزولة يغشى واجهتها حجاب من خشب الخرط وبهذا الحجاب باب خشبى من ضلفتين أما الرواق المواجه له وهو الرواق الجنوبى الغربى فنجده يتكون من بلاطتين تسير عقودهما بشكل متعامد على جدار القبلة ويشرف هذا الرواق على الصحن ببائكة من ثلاثة عقود وتختلف أعماق البلاطات بهذا الرواق كذلك لأن حائط المسجد الجنوبى الغربى غير مستقيم حتى يساير خط تنظيم الطريق وآخر الأروقة وهو الرواق الشمالى الغربى فيتكون من بلاطة واحدة تسير عقودها بشكل مواز لجدار القبلة ويشرف على الصحن ببائكة من خمسة عقود ويوجد بهذا الرواق ثلاثة أبواب منها بابان إلى يمين الداخل الأول ويؤدى لسلم حلزونى يؤدى لقمة المئذنة أما الباب الثانى فيؤدى لغرفة صغيرة وعلى يسار الداخل باب يوصل لداخل القبة الضريحية الملحقة بالمسجد .

وتشغل هذه القبة الضريحية الركن الشمالى الغربى من المسجد وأهم ما فيها محرابها الصغير بعموديه الجميلين وبقايا الخردة الرخامية الدقيقة التى ما زالت موجودة به حتي الآن ويوجد أسفلها قبر منشئ المسجد الأمير ألماس الحاجب الذى عني عناية خاصة به حيث نجد بهذه القبة الضريحية المحراب المشار إليه مكتوبا به آيات قرآنية مكتوبة على الخشب المحفور على جوانبه كما توجد علي القبر تركيبة وتشكيلات من الرخام تتميز بالرؤوس المستديرة والقبة أعلاه تتميز بجمال الدوائر الجصية والإرتفاع الشاهق ويزينها الزجاج الملون الذي يضفي على المكان هالة من نور ويدل صنع المقبرة على عناية ألماس الحاجب بها وبكل تفاصيلها وعلى دقة الصانع وتظهر جماليات الرخام المستخدم والعناية الفائقة بالشبابيك والمصارع ومن المحزن في الأمر أن المقبرة مغلقة ولا يسمح بدخولها رغم أنها تحمل الكثير من جماليات الفن الإسلامي . ومئذنة المسجد تقع على يمين المدخل الرئيسى وهى ليست المئذنة الأصلية له ولكنها ترجع للعصر العثمانى وتبدأ بقاعدة مربعة بها باب معقود يؤدى لداخل المئذنة أما الطابق الأول فهو مثمن الشكل فتح بكل ضلع من أضلاعه نوافذ يتقدم أربعة نوافذ منها مشترفات حجرية تقوم على مقرنصات وينتهى هذا الطابق بحطات من المقرنصات تحمل شرفة خشبية ذات درابزين من قوائم بسيطة يلى ذلك الطابق الثانى وهو أسطوانى الشكل يخلو من الفتحات والزخارف وينتهى هذا الطابق بحطات من المقرنصات إتسع بها بدن الطابق ليكون قاعدة لقمة المئذنة التى تأخذ شكل القلة وهو نمط قمم المآذن الذى إنتشر فى العصر المملوكى بشقيه البحرى والجركسى هذا وقد تعرض هذا المسجد للإغلاق مدة بلغت حوالي 17 عاما والسبب مياه المجاري والمياه الجوفية التي إنتهزت فرصة إنخفاضه عن مستوي سطح الشارع فوجدت فيه متنفسا وحاول الأهالي التحايل عليها بإنشاء طبالي خشبية يصلون فوقها بيد أن المياه كسبت المعركة حتى علت بإرتفاع مترين فتوقفت الصلوات فيه وخيم الصمت على أرجائه وتم إغلاقه وفي المكان الذي كان يركع فيه المصلون نبتت الحشائش والبوص والطحالب وركدت فيه المياه العفنة إلى أن تنبه له المسئولون ونالته عين العناية والإهتمام وقامت شركة مختار إبراهيم للمقاولات بناءا علي تكليف المجلس الأعلي للآثار لها بأعمال الترميم بهذا المسجد والتي إستمرت 7 سنوات ليعود مسجد ألماس الحاجب إلى سابق بهائه ورونقه ويتم إفتتاحه من جديد ‏وقد تضمنت‏ ‏أعمال‏ ‏الترميم‏ ‏المعماري‏ ‏مشروعا‏ ‏خاصا‏ ‏بخفض‏ ‏منسوب‏ ‏المياه‏ ‏الجوفية التي كانت تظهر بأرضية المسجد‏ ‏وحقن‏ ‏الحوائط‏ ‏وأساسات‏ ‏المسجد‏ و‏تغيير‏ ‏كافة‏ ‏الحوائط والجدران‏ ‏المتآكلة مع إستخدام أحجار كالأحجار الأصلية التي كانت مبنية بها هذه الحوائط والجدران‏ ‏وتغيير‏ ‏الأرضيات‏ ‏الحجرية‏ ‏بصحن‏ ‏المسجد‏ ‏والأروقة‏ ‏المحيطة‏ ‏به‏ و‏الترميم‏ ‏الدقيق‏ للأعمدة‏ ‏والوزرات‏ ‏الرخامية‏ ‏الموجودة‏ ‏بالمسجد والمحافظة عليها‏ ‏وكذلك‏ ‏تنظيف‏ ‏وعزل‏ ‏الأشرطة‏ ‏والزخارف‏ ‏الموجودة‏ ‏بجوانب‏ ‏صحن‏ ‏المسجد وبالقبة الضريحية وإستكمال مابها من نواقص‏ ‏‏وكذلك‏ إستكمال‏ ‏العناصر‏ ‏الزخرفية‏ ‏بالمسجد‏ ‏طبقا‏ ‏للوثائق‏ ‏والأصول‏ ‏الأثرية التي تصف المسجد بالصورة التي كان قد تم إنشاؤه عليها ‏.‏
 
 
الصور :