الخميس, 5 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

حي تورييل

حي تورييل
عدد : 03-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوي
موسوعة" كنوز أم الدنيا"

حي تورييل هو أحد الأحياء الراقية والحديثة نسبيا بمدينة المنصورة عروس الدلتا وعاصمة محافظة الدقهلية ويعد هو الحي الأرقي في المدينة في الوقت الحاضر ومدينة المنصورة مدينة مصرية قديمة وعريقة وتطل على الضفة الشرقية لفرع دمياط بنهر النيل وتواجه مدينة طلخا التابعة لمحافظة الدقهلية أيضا مباشرة والتي لها إدارة مستقلة عن مدينة المنصورة ويربط بينهما كوبرى المنصورة طلخا القديم والمخصص للمشاة وللسيارات غير كوبرى المنصورة طلخا المعدني للسكك الحديدية والذى يربط محافظات منطقة وسط الدلتا بمحافظات شرق الدلتا حيث يربط مابين محافظات القليوبية والغربية وكفر الشيخ والمنوفية ومن وراءهما محافظتي البحيرة والإسكندرية غربي الدلتا وبين محافظات الدقهلية والشرقية ودمياط ومن وراءهما محافظات القناة الثلاثة بور سعيد والإسماعيلية والسويس وتبعد مدينة المنصورة مسافة حوالي 120 كيلو متر عن مدينة القاهرة عاصمة مصر في الإتجاه الشمالي الشرقي منها ويربط بينها وبين مدينة القاهرة الطريق الزراعي القاهرة / قليوب / بنها / ميت غمر / أجا / المنصورة وأيضا طريق القاهرة / بنها / قويسنا / بركة السبع / طنطا / المحلة الكبرى / المنصورة وقد أنشأها الملك الكامل محمد بن الملك العادل من ملوك الدولة الأيوبية عام 616 هجرية الموافق عام 1219م وكان يطلق عليها إسم جزيرة الورد لأنها كانت محاطة بالمياه من ثلاث جهات وكانت بها أكبر حدائق ورد في مصر وقد سميت بالمنصورة بعد النصر الكبير الذي حققه الشعب المصري على الحملة الصليبية السابعة بقيادة الملك لويس التاسع الفرنسي والتي إنتهت بأسره هو وقواده وسجنه في دار القاضي إبن لقمان بالمنصورة حتي إفتدى نفسه وقواده بالمال مع الإنسحاب بقواته والعودة إلي بلاده وقد ظهرت أول خريطة رسمية لمدينة المنصورة في نهاية القرن التاسع عشر الميلادى في عهد الخديوى توفيق عام 1887م بمقياس رسم 1 : 2000 ويتضح منها أن العمران كان مقصورا على الرقعة المحصورة ما بين نهر النيل شمالا والمدافن القديمة مكان الساحة الشعبية حاليا وقد ذكرها المؤرخ الكبير تقي الدين المقريزى في مخطوطاته فقال إن هذه البلد على رأس بحر أشموم والذى سمي فيما بعد البحر الصغير وبناها الملك الكامل ناصر الدين محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب في عام 616 هجرية عندما نزل الفرنجة الصليبيون مدينة دمياط وإحتلوها فنزل في موضع هذه البلدة وخيم به وبنى قصرا لسكناه وأمر من معه من الأمراء والعساكر بالبناء فبنيت هناك عدة دور ونصبت الأسواق وأدار عليها سورا مما يلي البحر يقصد فرع النيل الشرقي وستره بالآلات الحربية والستائر ولم يزل بها حتى دحر الصليبيين وإسترجع مدينة دمياط ثم صارت المنصورة مدينة كبيرة بها المساجد والحمامات والأسواق وجدير بالذكر أن الحملة الصليبية التي يشير إليها مؤرخنا المقريزى في مخطوطاته هي الحملة الصليبية الخامسة التي قادها حاكم عكا الصليبي جان دى برين والتي إنتهت بهزيمته وطلبه الصلح وإنسحابه إلي عكا مرة أخرى بعدما تكبد خسائر فادحة وكبيرة في أفراد جيشه وعدته وعتاده .

وتعود قصة تأسيس حي تورييل والذى يقع شرقي مدينة المنصورة عندما وفد إلي المدينة في بدايات القرن العشرين الماضي قادما من الإسكندرية الخواجة الفرنسي فيتا تورييل الذي كان يعمل كاتبا في المحكمة المختلطة بالمدينة ثم ترك هذه الوظيفة ليعمل في مجال تجارة القطن بمساعدة إبنه الذكر الوحيد حينذاك إيلي حيث كان باقي أولاده من الإناث وقد نجحت تجارته نجاحا كبيرا ولم تمر عشر سنوات إلا وقد أصبح الخواجة فيتا تورييل من كبار تجار القطن المعروفين في إقليم الدلتا وإفتتح شركة لتجارة الأقطان في شارع السكة القديمة بالمنصورة سماها شركة فيتا تورييل وأبنائه والمقصود بهم إبنه إيلي والوافد الجديد إبنه الصغير روفائيل وكان إيلي تورييل يمتلك حس مرهف وإحساس بجمال الطبيعة وذات يوم وهو متواجد في ميناء المنصورة النهرى للإشراف علي نقل القطن بالمراكب الشراعية إلي المحالج ثم بعد ذلك يأخذ طريقه بالقطار إلي الإسكندرية ليتم تصديره إلي مصانع الغزل والنسيج بإنجلترا لفت نظره وجود منطقة زراعية تعد شبه جزيرة حيث أنها تطل علي نهر النيل من جهة الشمال وعلي ترعة البحر الصغير من الغرب وعلي فرع هذه الترعة من الجنوب وعلي الضفة الأخرى لهذا الفرع كانت توجد قرية صغيرة تسمي كفر البداماص وكانت هذه الأرض تغمرها المياه كثيرا وإنتاجها الزراعي قليل ووجد هذه المنطقة شبيهة إلي حد كبير بمدينة لوهافر الفرنسية التي تقع علي بحر المانش والتي كان قد زارها مع أبيه منذ سنوات فقرر إيلي شراء هذه الأرض ليضمها إلي دائرة أملاك الأسرة الشاسعة وكان إيلي تورييل قد تزوج من فتاة تنتمي لعائلة ثرية من الإسكندرية ولم تكن تريد الإقامة بالمنصورة وأخذت تلح عليه للإنتقال إلي الإسكندرية لكنه لم يستطع أن يعرض هذا الأمر علي والده ولكن بعد وفاة والده إنتقل للإقامة والعمل في الإسكندرية وأصبحت شركته بالمنصورة فرعا لشركته التي أسسها في الإسكندرية وهناك إتسعت أعماله ونمت ثروته بصورة كبيرة ودخل في مجال الإستثمار في الأعمال المصرفية حتي أصبح من الأسماء المعروفة في مجال البنوك والعمل المصرفي كما أسس شركة للإستثمار العقارى مع أخوته وأزواج أخواته سماها شركة الأملاك الرفيعة بالقطر المصرى وذات يوم كان إيلي تورييل في زيارة له لفرع شركته بمدينة المنصورة وتجول في المدينة التي عاش فيها فترة شبابه ولفت نظره أن بعض العمال يقومون ببناء فيلا علي ضفة فرع ترعة البحر الصغير بكفر البداماص فسأل لمن هذه الفيلا وعلم أنها لإبراهيم بك الشناوى أحد أعيان المنصورة .

وفي هذه اللحظة الفارقة إتخذ إيلي تورييل قراره بتخطيط أرضه التي كان قد إشتراها منذ سنوات وكان قد باع فيها بعض قطع الأراضي التي بنيت عليها فيلات رائعة الجمال وإستعان بالمهندس المعمارى الإيطالي الشهير لويجي دل كورى لعمل هذا التخطيط والذى جاء علي النظام الشبكي المتعامد الذى يشبه رقعة الشطرنج والذى يشمل شبكة من الشوارع الأفقية والرأسية الواسعة والمتعامدة علي بعضها تطل عليها قطع أراضي بمساحة حوالي 3500 متر مربع لكل منها وبحيث يتم البناء علي جزء منها مع ترك باقي المساحة كفراغات وممرات وحدائق صغيرة بين كل مبني وآخر يتم تشييده علي هذه الأراضي بحيث يتم إستغلال هذه الفراغات كحدائق ومتنزهات ولذا فقد إنتشرت مهنة الجنايني في هذا الحي والذى كانت وظيفته الإهتمام والعناية بهذه الحدائق وظهرت أول خريطة للمخطط العام للحي الجديد في عام 1939م وغير إيلي تورييل إسم شركته للإستثمار العقارى لتصبح شركة أراضي الدقهلية وكان هذا التخطيط مختلفا عما إعتاد عليه أهل المنصورة حينذاك حيث كان الأسلوب المتبع في المدينة هو وجود شوارع ضيقة تتراص علي جانبيها المباني الملتصقة ببعضها البعض وفي العام المذكور بلغ عدد المنازل في حي تورييل حوالي 30 منزلا فقط وكان هناك إقتراح من بعض أعضاء مجلس إدارة شركة أراضي الدقهلية ومعظمهم كما ذكرنا من أسرة إيلي تورييل آنذاك بتسمية الحي جاردن سيتي لكن إيلي تورييل لم يوافق علي ذلك وإقترح أن يكون الحي إسمه تورييل وهو الإسم الذى أطلق بالفعل علي الحي وقد نال هذا الإسم موافقة وقبول أعضاء مجلس إدارة شركته للإستثمار العقارى علي أساس أن هذا الإسم سيخلد إسم الأسرة إلي الأبد ونما الحي بعد ذلك عمرانيا تدريجيا بداية من حقبة الاربعينيات مرورا بحقبة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن العشرين الماضي وأصبح هو المكان المحبب لسكني كبار التجار وأصحاب المصانع والوافدين والأعيان والأثرياء وكبار المهنيين من الأطباء والقضاة والمحامين والمهندسين كما عرف الحي بأنه حي المبدعين وأصحاب الهمم وطبقا لإحصائيات عام 2007م بلغ عدد المنازل والعمارات في الحي المذكور عدد 630 منزل وعمارة بعد أن إختفت تقريبا الفيلات التي كان يتميز بها الحي في البداية وحلت محلها عمارات متعددة الطوابق .

ومما يذكر أن أعمال الخواجة تورييل لم تتوقف على بناء الحي وتأسيسه فقط بل أنشأ به حديقة حيوان المنصورة على مساحة 3 أفدنة وتبرع بها للدولة وكانت ثاني حديقة حيوان يتم إنشائها في مصر بعد حديقة الحيوان بالجيزة وقبل إنشاء حديقة الحيوان بالإسكندرية كما أقام نادى بالحي سماه نادى سبورتينج أو النادى الرياضي والذى أصبح حاليا نادى الشرطة وبالطبع فقد بني فيلا له بالحي الجديد كما قام المهندس الإيطالي مخطط الحي لويجي دل كورى ببناء فيلا خاصة به وجعل له مكتبا في الطابق الأرضي منها ومما يذكر أن حي تورييل كان منفصلا عن باقي أحياء المنصورة بترعة البحر الصغير وكان هناك كوبرى معدني هو وسيلة الربط بين مناطق المنصورة القديمة وبين حي تورييل والذى كان يفتح عدة مرات خلال النهار لزوم مرور المراكب الشراعية وإستمر هذا الوضع حتي أواخر الخمسينيات من القرن العشرين الماضي عندما تم ردم ترعة البحر الصغير في عام 1960م وبذلك أصبح الحي متصلا بمناطق المنصورة القديمة وللأسف الشديد فقد أصاب حي تورييل في السنوات الأخيرة ما أصاب كل أحياء مدن مصر حيث أصبح حيا مزدحما وبعد أن كان يتسم بالهدوء والسكينة أصبح حيا تنتشر فيه الضوضاء وأصوات كلاكسات السيارات والموتوسيكلات وإنتشرت فيه المحلات التجارية ومقار المكاتب المهنية والشركات مما يزيد من زحامه ووجود إختناقات مرورية به علي مدار اليوم وبعد أن كان إيلي تورييل منذ حوالي 100 عام يحلم بحي أوروبي حديث في المنصورة وتم بالفعل تحقيق جزء من هذا الحلم قبل وفاته إلا أن هذا الحلم في الوقت الحاضر قد تحول ليكون مجرد حلم مرة أخرى بعد أن تحول حي تورييل إلي حي لا يختلف كثيرا عن أحياء المنصورة القديمة .
 
 
الصور :