بقلم المهندس/ طارق بدراوي
موسوعة" كنوز أم الدنيا"
حسين فخرى باشا سياسي مصري من أصل شركسي تولي منصب النظارة في العديد من النظارات المصرية وصلت إلي 26 مرة ضاربا بذلك الرقم القياسي لتولي منصب النظارة في مصر وكان له الكثير من الإنجازات في مجال التعليم تشهد له بالوطنية وعلاوة علي ذلك فقد تولي رئاسة مجلس النظار لمدة 3 أيام في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني كما سنرى في السطور القادمة وكان ميلاد حسين فخرى باشا في قصر والده بمنطقة المغربلين بالقاهرة في يوم 25 سبتمبر عام 1843م وكان والده الفريق جعفر صادق باشا الشركسي من عائلة جنكات والذى كان يعد أعظم قادة المدفعية في الجيش المصري وكان إسمه الأصلي جركس جعفر أغا الجركسي وقد غيره إلى إسم جعفر صادق وتخرج من المدرسة الحربية وإلتحق بالجيش المصري وصار يترقى في الرتب إلى أن نال رتبة اللواء وشارك بفعالية كبيرة في حروب الجيش المصري ضد الدولة العثمانية كقائد متميز للمدفعية المصرية تحت قيادة القائد إبراهيم باشا إبن محمد علي باشا وكان له دور كبير في إنتصار الجيش المصري على الجيش العثماني في معركة نصيبين أو نزيب الفاصلة وقد إرتبطت هذه المعركة الفاصلة في تاريخ مصر بإسم اللواء جعفر صادق باشا ورفعته إلى مصاف كبار القادة العسكريين العظام وفي عام 1850م عين مديرا للشرقية ثم مديرا للقليوبية ثم مديرا للدقهلية عام 1851م ثم محافظا للسويس عام 1852م ثم أميرا للحج فرئيسا لمجلس طنطا ثم رئيسا لمجلس إستئناف قبلي وشارك في عهد محمد سعيد بشا في حرب القرم وهي الحرب التي قامت بين الإمبراطورية الروسية والدولة العثمانية في يوم 4 أكتوبر عام 1853م وإستمرت حتى عام 1856م ودخلتها مصر وتونس وبريطانيا وفرنسا إلى جانب الدولة العثمانية في عام 1854م والتي كان قد أصابها الضعف ثم لحقتها مملكة سردينيا التي أصبحت فيما بعد مملكة إيطاليا وتكريما له منحه السلطان العثماني عبد الحميد الأول سيف الفخار .
وفي عام 1865م عين حكمدارا للسودان وتم في عهده فتح منطقة فاشودة بجنوب السودان قرب الحدود السودانية الأوغندية وأُخمدت الثورة التي شبت بين الجنود السودانيين المرابطين في كسلا شرقي السودان وعاد إلي مصر عام 1866م بسبب مرضه وعين رئيسا لمجلس إستئناف قبلي في محافظة أسيوط ثم وكيلا لمجلس الأحكام فرئيسا لمجلس أول تفتيش زراعة الوجه البحري وفي عام 1879م تولي رئاسة مجلس الأحكام وإستقال من العمل الحكومي عام 1884م بسبب تقدمه في السن وبعيدا عن مناصبه الرسمية كان عضوا في جمعية المعارف التي أسسها محمد عارف باشا عام 1868م لنشر الثقافة والعلوم عن طريق التأليف والترجمة والنشر وعني جعفر باشا بتعليم إبنه حسين فأحضر له مدرسين في قصره ثم ألحقه بالمدارس الأميرية وعند بلوغه عمر 20 عاما في عام 1863م كان قد حصل علي أعلي الشهادات التي كانت تمنحها المدارس الأميرية حينذاك وتم تعيينه معاونا لمحافظة القاهرة ثم نقل إلى نظارة الخارجية في شهر نوفمبر عام 1864م وفي يوم 1 يناير عام 1867م إنتدبته الحكومة المصرية لتأدية مهمة في العاصمة الفرنسية باريس حيث إشتركت مصر حينذاك في معرض أوروبي للمرة الأولى فأرسلته مندوبا عنها ضمن الوفد المصري الذي بعثت به ليمثلها في الإكسبوسيون كما كانوا يقولون حينذاك لأن لفظة معرض لم توضع للدلالة على ذلك المسمى الحديث إلا بعد أن إنتعشت اللغة العربية في أواخر عهد الخديوى إسماعيل .
وأثناء وجود حسين فخرى في باريس أرسل له والده يطلب منه البقاء لدراسة العلوم القانونية وتمكن والده من إلحاقه بسلك الإرسالية المصرية ومن ثم أقبل على تلقي الدروس في علوم الإدارة والقانون حتي حلول عام ١٨٧٠م حين إرتفع زئير المدافع وقامت حرب طاحنة بين فرنسا والمانيا فأخرست الأساتذة وكشرت الحرب عن أنيابها فإنزوت التلامذة فعاد أدراجه إلي مصر ولم يعاود فرنسا وديارها إلا بعد أن وضعت الحرب أوزارها وتقرر الصلح وإستقر السلام وما زال عاكفا على البحث والدرس في مدينة أُليس والتابعة لإقليم Trouence بجنوب فرنسا حتي فاز بإحراز الإجازة في عام 1874م التي كان يفتخر بتوقيع جول سيمون عليها وهو الوزير الخطير والكاتب القدير والفيلسوف الفرنسي الشهير وعاد إلي مصر وعين في نظارة الحقانية ثم ترقى نائبا عموميا في محكمة مصر الإبتدائية المختلطة في يوم ٢١ يونيو عام 1875م وبقي في هذه الوظيفة أربع سنوات تقريبا ثم تولي أولي مناصبه الوزارية كناظر للحقانية في نظارة مصطفي رياض باشا الأولى التي تولت الحكم في أوائل عهد الخديوى توفيق من يوم 21 سبتمبر عام 1879م وحتي يوم 10 سبتمبر عام 1881م وترأس خلال توليه منصبه لجنة لوضع قانون للنظارة وفقا للنسق الأوروبي تضمن المحاكم الأهلية وقانون الإنتخابات وتنظيم المحاكم الشرعية ونظم للأخيرة لائحة مخصوصة وقد توقفت أعمال هذه اللجنة عن عملها نظرا لقيام الثورة العرابية في يوم 9 سبتمبر عام 1881م وفي شهر نوفمبر من نفس العام 1881م تولى رئاسة مجلس إدارة بنك مينا البصل بالإسكندرية متطوعا بعد أن إستأذن الحكومة وتنازل عن مرتبه نظير شغل هذا المنصب وكان هذا البنك من البيوتات المالية التجارية المشهورة بالإسكندرية وكان كل الذين إختلطوا به يشهدون له بالدراية في إستثمار المال ولكن مع الصدق والنزاهة والإستقامة لكنه عاد مرة أخرى ناظرا للحقانية في نظارة محمد شريف باشا الرابعة التي تولت الحكم من يوم 21 أغسطس عام 1882م وحتي يوم 10 يناير عام 1884م فأعاد إحياء مشروع اللجنة السابقة لوضع القوانين والتي أنجزتها بالفعل وفتحت المحاكم بالوجه القبلي وفي عام 1885م وكان بعيدا عن المناصب الوزارية إنتدبته الحكومة لحضور المؤتمر الدولي الذي إنعقد في باريس للإقرار على حياد قناة السويس فقام بهذه المهمة بما أوجب رضا فرنسا عنه ولذا فقد منحته وسامها العلمي عند إختتام المؤتمر وبعد إبتعاده عن المناصب الوزارية حوالي 4 سنوات عين مرة أخرى ناظرا للحقانية في نظارة مصطفى رياض باشا الثانية التي تولت الحكم من يوم 9 يونيو عام 1888م وحتي يوم 12 مايو عام 1891م وأثناء توليه منصبه في هذه النظارة إحتدم الصدام بينه وبين المستر سكوت القاضي الإنجليزي الذي عين لإعادة النظر في النظام القضائي المصري عام 1890م حيث قدم حسين فخري باشا تقريرا مضادا لآرائه وفي النظارة التالية تولي منصب ناظر الحقانية مرة أخرى وكانت هذه النظارة برئاسة مصطفي فهمي باشا والتي حكمت البلاد من يوم 14 مايو عام 1891م حتي يوم 15 يناير عام 1893م حينما تم إقالتها وتم إختيار حسين فخرى باشا رئيسا للنظار وناظرا للداخلية في نفس اليوم ولم يمكث في المنصب سوى 3 أيام فقط أي حتي يوم 18 يناير عام 1893م نظرا لمعارضة بريطانيا بسبب موقفه السابق من المشروع البريطاني لإصلاح القضاء المعروف بمشروع سكوت المشار إليه في السطور السابقة والذى بسببه وضعته بريطانيا في القائمة السوداء . وخلال هذه الأيام الثلاثة المشهودة شبت أزمة حادة في البلاد نظرا لرغبة الخديوى عباس حلمى الثانى تغيير نظارة مصطفى فهمى باشا الذى كانت تطلق علية الصحف الأجنبية الصادرة في مصر وقتها لقب السير مصطفى فهمى حيث أنه إشتهر بتنفيذ الأوامر أكثر من إصدارها وكان يعتبر أول رئيس للنظار المتعاطفين مع الإنجليز بلا تحفظ ومن ثم أراد الخديوى عباس حلمي الثاني التخلص منه حين أرسل إليه رئيس ديوانه يطلب منه تقديم إستقالته بناءا على رغبة الخديوى وكان رد مصطفى فهمى باشا غاية الإستفزاز إذ قال بالحرف الواحد لن أستطيع أن أقطع برأى فى هذه الرغبة قبل أن أستشير اللورد كرومر المندوب السامى البريطاني فى مصر وكان رد فعل الخديوى الفورى إقالة النظارة فورا وتكليف حسين فخرى باشا بتشكيل النظارة الجديدة وهو ما رفضه اللورد كرومر وأصر على بقاء مصطفى فهمى باشا وتم تصعيد الموقف وتدخلت سلطات الإحتلال البريطاني بإرسال القوات العسكرية إلى المطبعة الحكومية لمنع طبع الجريدة الرسمية التي تحمل مراسيم التشكيل الحكومي كما إحتلت قواتهم نظارات الداخلية والمالية والحقانية كما أرسلت الحكومة البريطانية من لندن إنذارا بوجوب إلغاء التعيين حمله اللورد كرومر إلي الخديوى عباس حلمي الثاني وكان نصه إن الحكومة الإنجليزية تنتظر أن يؤخذ رأيها فى المسائل الخطيرة مثل تغيير النظار وأنه فى الوقت الحاضر لا تبدو أية ضرورة للتغيير لذلك لا تستطيع الحكومة الإنجليزية أن توافق على تعيين حسين فخرى باشا ولم تكتفِ البرقية برفض خطوة الخديوى وإنما رفعت السقف إلى التهديد الواضح والقاطع بأن لفت وزير الخارجية البريطانى نظر كرومر قائلا يجب على اللورد أن يعرف الخديوى بأنه إذا كان يرفض أخذ رأيه فإن العاقبة ستكون وخيمة عليه وأنه يجب على اللورد عندئذ أن يراجع حكومة جلالة الملكة لتلقى تعليماتها ورد الخديوى علي اللورد كرومر بأن قال إنه يرى تنازله عن العرش أهون عليه من إرجاع مصطفى فهمى باشا فرد كرومر بأن أمهله لليوم التالى للوقوف على رأيه النهائى وترك له صورة البرقية لتزداد الأزمة إشتعالا فسلطة الإحتلال تصمم على رأيها وتهدد الخديوى عباس بخلعه إذا لم ينصع لإرادتها وأمام ذلك نشطت أطراف داخلية وخارجية للوساطة بين الطرفين فبعد لقاء الخديوى عباس واللورد كرومر حضر إلى عابدين قنصل أسبانيا بصفته أقدم القناصل وقنصل المانيا وقنصل النمسا وطلبوا من الخديوى عباس تغيير حسين فخرى باشا لحسم الإشكال لاسيما وأن المسألة إنتقلت من دور المبادئ الأصلية إلى دور الشخصيات وفى نفس الوقت نشطت الوساطات الداخلية ففى عصر يوم 17 يناير عام 1893م ذهب بطرس غالى باشا وتيجران باشا وهما من النظار إلى اللورد كرومر محاولين الوصول إلى التفاهم تمهيدا لزيارة اللورد للخديوى فى اليوم التالى 18 يناير عام 1893م .
وإقترحت الوساطة حلا يقرب المسافة بين الطرفين وكان ألا يعود مصطفى فهمى باشا إلى منصبه كرئيس للنظار تحقيقا لرغبة الخديوى لكن فى نفس الوقت يستقيل حسين فخرى باشا الذى إختاره الخديوى تحقيقا لرغبة كرومر ويعين مصطفي رياض باشا رئيسا للنظار ويقدم الخديوى بلاغا رسميا بذلك إلى كرومر والذى وضع صيغة هذا البلاغ بنفسه وكان نصه يرغب الخديوى رغبة شديدة فى أن يوجه عنايته لإيجاد أصدق العلاقات الودية مع إنجلترا وأنه يسير بكل رضا بموجب نصيحة الحكومة الإنجليزية فى كل المسائل الهامة فى المستقبل وكان الحل المطروح قد تم بالرضا والتوافق بين القطبيين الدوليين وقتئذ فرنسا وبريطانيا ففرنسا كانت ترى أن مصطفى فهمى باشا يعمل ضد نفوذها فى مصر وبالتالى فإن إبعاده يعد نصرا لها أما بريطانيا ومن خلال كرومر فكانت ترى أن فخرى باشا يؤيد نفوذ فرنسا وإبعاده يعد نصرا لها أما الخديوى عباس حلمي الثاني فقد نفذ رغبته فى إبعاد فهمى لكنه عجز عن فرض البديل الذى إختاره وهو حسين فخرى باشا وكان مصطفي رياض باشا هو الحل الذى توافقت عليه أطراف الأزمة وبالفعل إستدعى الخديوى رياض باشا وكلفه بقبول رئاسة المجلس مع بقاء النظار الذين إنتخبهم سموه فوعده رياض باشا بالتفكير فى ذلك وإنصرف فأرسل الخديوى خلفه من يلح عليه فى القبول نظرا للحالة الحاضرة فتوجه وعاد وأخبر الخديوى أنه قبل تقريبا وسيقابل سموه في قصر القبة عند الغروب وبالفعل توجه إليه كما وعد وقبل الرئاسة وكانت صيغة التكليف الذى وجهه الخديوى إلى مصطفي رياض باشا إنه بناءا على ما إتصفتم به من الغيرة والإخلاص عهدنا إليكم بتشكيل هيئة النظارة وكونوا واثقين بأنه يمكنكم فى كل الأحوال أن تعتمدوا على تعضيدنا ومساعدتنا لكم وبالرغم مما حمله هذا التكليف من إيجابية من الخديوى نحو رياض باشا إلا أنه يصفه فى مذكراته قائلا لم تكن له مميزات النظار فقد كان عديم القدرة وغير مهذب ومهينا لمن هم أقل منه وكان يجهل كل اللغات الأوروبية وكان يحتفظ دائما بسلوكيات الأتراك القدماء وهكذا إنتهت الأزمة ولكنها لم تكن الأخيرة بين الخديوى عباس حلمي الثاني وبين اللورد كرومر واللورد هربرت كيتشينر من بعده . وفي نظارة نوبار باشا التي حكمت البلاد من يوم 15 أبريل عام 1894م حتي يوم 12 نوفمبر عام 1895م عاد حسين فخرى باشا مرة أخرى وزيرا للأشغال والمعارف العمومية ثم عاد إلي نفس المنصب مرة أخرى في عهد نظارة مصطفى فهمي باشا والتي كانت أطول النظارات عمرا في تاريخ النظارات المصرية حيث حكمت البلاد حوالي 13 عاما من يوم 12 نوفمبر عام 1895م وحتي يوم 11 نوفمبر عام 1908م وكان من إنجازاته خلال توليه منصب ناظر المعارف العمومية أنه كان أول من أدخل تعليم الدين والسلوك في منهج التعليم الإبتدائي عام 1897م كما أنه قرر صرف إعانات للكتاتيب الأهلية لتشجيعها على النهوض بمستواها وتشجيعا لتعليم البنات ضاعفت النظارة الإعانة عن كل تلميذة بما يساوي تلميذين وقام بتأليف لجنة لفحص مباني المدارس بسبب كثرة الإنهيارات وإهتم بإنشاء المباني المدرسية التي مازالت قائمة حتي اليوم مثل المدرسة السعيدية والمدرسة السنية ومدرسة المعلمين الناصرية بالمنيرة والتي أصبحت كلية دار العلوم وفضلا عن ذلك فقد أنشأ قسما للمعلمات في المدرسة السنية وفي عام 1903م أنشئت مدرسة لمعلمات الكتاتيب وأنشئت أول مدرسة للمعلمين الأولية في العام التالي 1904م وكانت له أيضا إنجازاته في نظارة الأشغال العمومية حيث أتمت الحكومة في عهده بناء الدار الكبرى للمحاكم الأهلية ودار الكتب ودار العاديات المصرية والمتحف المصرى بالتحرير ومتحف الفن الإسلامي وإقامة كباري جزيرة الروضة وتشييد خزان أسوان وقناطر أسيوط ومن بعدهما قناطر زفتى وقناطر إسنا وهدارات غاطسة خلف القناطر الخيرية وبهذا دخلت مصر مرحلة مهمة في تاريخ الري وهي مرحلة التخزين السنوي وضبط النهر وبذلك أمكن تعميم وتطوير نظام الصرف وتمويل رى الحياض بالوجه القبلي ومع إنتهاء مدة عمل النظارة في يوم 11 نوفمبر عام 1908م إعتزل حسين فخرى باشا العمل العام علي الرغم من الإلحاح عليه في الدخول كرة أخرى في النظارة الجديدة حيث أصر على الإنقطاع إلى الراحة والسكينة وهما من أخص الصفات التي إمتاز بها طوال حياته سواء في أيام العمل أو في أيام الأجازات ولكنه كان في الحالين عنوان المواظبة والمثابرة على الحضور في جميع الجلسات التي تعقدها الجمعيات العلمية والفنية التي إنتظم فيها بعد إعتزاله العمل الحكومي فلا يكاد يخلو من إسمه محضر من محاضر المجمع العلمي المصري والجمعية الجغرافية الخديوية ولجنة العاديات المصرية ولجنة حفظ الآثار العربية وكان كل أقرانه يشهدون بأنه كان على الدوام يحضر في الميعاد المحدد بالتمام بلا تقديم ولا تأخير وكانت وفاته في عام 1920م عن عمر يناهز 77 عاما .
وأخيرا نذكر أن حسين فخرى باشا قد أنجب إثنين من الأبناء هما محمود فخري باشا الذى تقلد منصب سفير مصر بفرنسا وشغل منصبا وزاريا عدة مرات وتزوج من الأميرة فوقية كريمة الملك فؤاد الأول من زوجته الأولى الأميرة شويكار وجعفر بك فخرى المحامي الشهير وكان أولهما محمود فخرى باشا قد ولد في عام 1885م وتلقى تعليمه بمدرسة الآباء اليسوعيين بالقاهرة والمعروفة بإسم الجيزويت وظل بها حتى حصل على شهادة الثانوية العامة عام 1903م ثم إلتحق بمدرسة الحقوق وتخرج منها عام 1907م وعين عقب تخرجه وكيلا للنيابة وإستمر يرتقي درج الوظائف القضائية حتى أصبح سكرتيرا خاصا لرئيس الجمعية العمومية ومجلس شورى القوانين عام 1910م ثم أصبح وكيلا للنيابة في محكمة مصر المختلطة ثم مفتشا بوزارة الداخلية فوكيلا لمحافظة الإسكندرية عام 1914م وفي العام التالي 1915م إختير مساعدا لمحافظ القاهرة ثم أمينا للسلطان حسين كامل ثم عين محافظا للعاصمة القاهرة وأثناء تقلده هذا المنصب حرص علي وضع مجموعة صور فوتوغرافية لأسلافه محافظي مصر من عهد المغفور له محمد علي باشا إلى وقته فكان عددهم ٩٥ محافظا ورأى أن يضع ترجمة حياة المغفور له قاسم رسمي باشا أحد محافظي مصر السابقين وصاحب الوقف الخيري الشهير في وسط المجموعة كذكرى خالدة لمقامه الجليل وقدم هذه المجموعة هدية إلى ديوان عام المحافظة لتحفظ دائما في مكتب المحافظ وبعد ذلك شغل محمود فخرى باشا منصب وزير المالية في وزارة محمد توفيق نسيم باشا الأولى والتي تولت الحكم من يوم 21 مايو عام 1920م وحتي يوم 16 مارس عام 1921م وكان من أهم أعماله حينذاك تدخل الحكومة للمحافظة على أسعار القطن في السوق بعد إنهياره وتأزم الأزمة المالية وفي وزارة محمد توفيق نسيم باشا الثانية والتي تولت الحكم من يوم 30 نوفمبر عام 1922م وحتي يوم 9 فبراير عام 1923م تولى منصب وزير الخارجية وبعدها شغل منصب وزير مصر المفوض في باريس من عام 1923م وحتي عام 1946م وفي الواقع كان هذا الإختيار في محله حيث صادف أهله وقوبل لدى الشعب المصري بالسرور والبشر لما لمعاليه من المكانة السامية والحب الأكيد في قلوب الجميع منذ كان محافظا للقاهرة وفي يوم وصوله إلي باريس لكي يتقلد مهام منصبه في يوم أول مارس عام 1924م إحتشد جمهور غفير عند قوس النصر في باريس حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر ووصل محمود فخرى باشا حيث مكان قبر الجندي المجهول يحف به القائد الفرنسي الشهير الجنرال جورو والكاردينال دبوا وكان المكان مزدانا بالأزهار تتخللها أوراق الغار وعندئذ ألقى معالي فخري باشا خطبة نفيسة رد عليها الجنرال جورو بكلمات مناسبة للمقام ثم إنصرف الحاضرون وهم يتحدثون بجلال ذلك الإحتفال وشمائل هذا الرجل الجليل وفضلا عن ذلك فقد أسندت إليه علاوة على عمله السابق مفوضيات بلجيكا وأسبانيا والبرتغال في عام 1927م وقد قام محمود فخرى باشا بكتابة مذكراته في أعوامه الأخيرة وكانت وفاته في عام 1955م عن عمر يناهز 70 عاما .
وكان الإبن الثاني جعفر بك فخرى من قيادات حزب الوفد وكان يعمل بالمحاماة وشارك في ثورة عام 1919م وما تلاها من أحداث ولما عاد وفد الحكومة المصرية الذى كان يترأسه عدلي يكن باشا رئيس الوزراء حينذاك إلي البلاد يوم 5 ديسمبر عام 1921م بعد فشل المفاوضات مع الحكومة البريطانية وقوبل بالسخرية والإهانة والتحقير وقدم عدلي يكن باشا تقريرا للسلطان فؤاد شرح فيه سير المفاوضات حتي تم قطعها والعودة إلى مصر وأعرب عن إستحالة البقاء في الوزارة بعدما حدث وقدم إستقالة وزارته في اليوم التالي 6 ديسمبر عام 1921م وتم قبولها من جانب السلطان فؤاد وكان من نتائج فشل تلك المفاوضات أن زاد نشاط الحركة الوطنية في مصر بشكل كبير في ذلك الوقت والتي إنتهزت فرصة حلول يوم 18 ديسمبر وهو يوافق تاريخ إعلان الحماية البريطانية على مصر قبل 7 سنوات في عام 1914م للقيام بحركة إحتجاجات واسعة النطاق تشمل جميع مديريات القطر المصرى ومراكزه ونشر سعد زغلول باشا نداءا وجهه إلى كافة المصريين بضرورة مواصلة التحرك ضد الإحتلال الإنجليزى وحثهم فيه على التمسك بحقوقهم كاملة أيا كانت الوسائل التى تتبع لمحاربتهم وتحول دون بلوغ أمانيهم ودعا جميع القوى الوطنية إلى عقد إجتماع موسع وهنا أرسل اللورد اللنبي المندوب السامي البريطاني في مصر في يوم 22 ديسمبر عام 1921م خطابا للزعيم سعد زغلول باشا يطالبه بالإبتعاد هو وعدد 8 من رفاقه منهم جعفر بك فخرى عن القاهرة إلي الريف حيث توجه وكيل حكمدار بوليس القاهرة إلى بيت الأمة بيت الزعيم الوطنى سعد زغلول باشا لتسليم السكرتير الخاص لسعد باشا كتابا من الجنرال كلايتون مستشار وزارة الداخلية نصه إلى سعد زغلول باشا بناءا على تعليمات المارشال القائد العام أبلغ معاليكم الأمر الآتى سعد زغلول باشا ممنوع بهذا تحت الأحكام العرفية من إلقاء الخطب ومن حضور إجتماعات عامة ومن إستقبال وفود ومن الكتابة إلى الجرائد والمجلات ومن الإشتراك فى الشؤون السياسية وعليه أن يغادر العاصمة القاهرة بلا توان وأن يقيم فى مسكنه بالريف تحت مراقبة مدير المديرية وسلم وكيل الحكمدار إلى سكرتير سعد زغلول باشا أيضا خطابات مماثلة إلى كل من مصطفى بك النحاس وجعفر بك فخرى وسينوت بك حنا وعاطف بك بركات وصادق بك حنين والأستاذ أمين عز العرب والأستاذ مكرم عبيد وفتح الله بركات باشا وكان رد سعد زغلول باشا بكتاب نصه جناب الجنرال كلايتون مستشار وزارة الداخلية نتشرف بإخباركم بأننى إستلمت خطابكم بتاريخ اليوم الذى تبلغوننى فيه أمر جناب الفيلد مارشال أدموند اللنبى بمنعى من الإشتغال بالسياسة وإلزامى بالسفر إلى عزبتى بلا تأخير للإقامة فيها تحت مراقبة المدير وهو أمر ظالم أحتج عليه بكل قوتى إذ ليس هناك ما يبرره وبما أننى موكل من قبل الأمة المصرية للسعى فى إستقلالها فليس لغيرها سلطة تخلينى من القيام بهذا الواجب المقدس لهذا سأبقى فى مركزى مخلصا لواجبى وللقوة أن تفعل بنا ما تشاء أفرادا وجماعات فإننا جميعا مستعدون للقاء ما تأتى به بجنان ثابت وضمير هادئ علما بأن كل عنف تستعمله ضد مساعينا المشروعة إنما يساعد البلاد على تحقيق أمانيها فى الإستقلال التام ورد الآخرون بخطابات نصها واحد هو جناب الجنرال كلايتون مستشار وزارة الداخلية أتشرف بإخباركم أننى إستلمت خطابكم بتاريخ اليوم الذى تبلغوننى فيه أمر جناب الفيلد مارشال أدموند اللنبى وردى عليه هو نفس الرد الذى أرسله معالى رئيسنا سعد زغلول باشا اليوم على الخطاب المرسل إليه فى المعنى ذاته .
وكان جعفر بك فخرى أيضا من الأبطال الثلاثة مع مصطفي النحاس باشا وويصا واصف باشا في القضية الشهيرة المعروفة بقضية الأمير أحمد سيف الدين شقيق الأميرة شويكار والدة زوجة أخيه محمود باشا فخرى والذى كان قد أطلق الرصاص في عام 1898م علي الأمير فؤاد قبل أن يصبح سلطانا ثم ملكا وتم القبض عليه ومحاكمته ومكث في السجن سنتين ثم تم الحجر عليه وعلي أملاكه وإيداعه في مصحة بإنجلترا في عام 1900م وحاولت شقيقته الأميرة شويكار وأمه الأميرة نجوان إخراجه منها دون جدوى حتي تمكنتا من تهريبه إلي إسطنبول وكان قد تم توكيل الثلاثة مقابل 117 ألف جنيه أتعاب فى حالة الحصول على قرار رفع الحجر عن الأمير أحمد سيف الدين وعشرة آلاف جنيه فى حالة تقدير نفقة تصل إلى 22 ألف جنيه له وبدأت أولى الجولات أمام مجلس البلاط يوم 30 مارس عام 1927م وفي يوم 23 أغسطس عام 1927م توفي سعد زغلول باشا وبعد حوالي شهر واحد وفي يوم 22 سبتمبر عام 1927م إنتخب حزب الوفد مصطفى النحاس باشا رئيسا لحزب الوفد خلفا لسعد زغلول باشا بعد فوزه علي منافسه فتح الله بركات باشا وليخلفه أيضا في رئاسة مجلس النواب حتي شهر مارس عام 1928م حيث شكل مصطفي النحاس باشا وزارته الأولى يوم 17 مارس عام 1928م والتي إستمرت حتي يوم 25 يونيو عام 1928م وليخلفه ويصا واصف في رئاسة مجلس النواب ولم ينس مصطفي النحاس باشا وهو الرجل العف النزيه في غمرة مشاغله أن يرسل خطابا إلى شوكت بك وكيل الأميرتين نجوان وشويكار يبلغه فيه بتنحيه عن المشاركة في الدفاع عن الأمير أحمد سيف الدين وذلك نظرا لأن القانون يحظر أن يقوم الوزراء ورئيسهم بأعمال خاصة خلال توليهم مناصبهم ورد عليه شوكت بك بخطاب شكر على ما بذله من مجهود أثناء الفترة التي تولى فيها الدفاع عن الأمير أما ويصا واصف الذى أصبح رئيسا لمجلس النواب فلم يكن هناك أي مانع قانوني لإستمراره في الدفاع عن الأمير وفي مساء يوم سقوط وزارة النحاس باشا خرجت الصحف التى تصدر فى المساء ثم الصحف التي صدرت في صباح اليوم التالى وهي صحف الإتحاد والأخبار والسياسة بمانشيتات عريضة ساخنة في هجوم شرس علي الوفد وقياداته كان منها فضائح برلمانية خطيرة رئيس مجلس الوزراء مصطفي النحاس باشا ورئيس مجلس النواب ويصا واصف يستخدمان السلطتين التنفيذية والتشريعية لمصالحهما الذاتية وتحت هذه المانشيتات نشرت صورة لعقد أتعاب المحامين الثلاثة بعد سرقته من منزل جعفر بك فخرى بمدينة الإسكندرية قبل ثلاثة أشهر ونصف وتقدم مصطفي النحاس باشا للنيابة ببلاغ يتهم هذه الصحف بسبه وقذفه لأنها وصفته هو وزميليه بالمجرمين بالفطرة وبالخسة والنذالة .
وعلي الرغم من أن النيابة قد حفظت التحقيق إلا أنها أحالت المحامين الثلاثة إلى مجلس تأديب المحامين لإرتكابهم عشرة إتهامات من بينها المبالغة فى الأتعاب وعدم قطع النحاس باشا صلته بالقضية بعد رئاسته للحكومة ومواصلة ويصا واصف مرافعته فيها رغم تركه الإشتغال بالمحاماة بعد إنتخابه رئيسا لمجلس النواب وأنهم قبلوا الدعوى دون التثبت من ظروفها مستغلين نفوذهم السياسى وأمام مجلس تأديب المحامين دارت واحدة من أكثر المعارك القانونية ضراوة فند فيها خمسة من ألمع المحامين هم نجيب الغرابلى ومحمود بسيونى وكامل صدقى وحسن صبرى ومكرم عبيد كل الإتهامات وكان دفاع مكرم عبيد فى 156 صفحة بالغة الروعة وجاء فيه ليس للسياسة ضمير فى أى بلد من بلاد الله أما فى مصر فليس للسياسة عقل أيضا وأنهى مرافعته قائلا إجتمعت فى هذه القضية كل عناصر الظلام بل وعناصر الإجرام فمن سرقة إلى تزوير إلى شهادة الزور إلى شراء الذمم إلى الدس والتلفيق وكنا فى كل ذلك مجنيا علينا لا جناة فقولوا كلمتكم حاسمة فاصلة فإن شعاعا واحدا من نوركم يكفى لتبديد كثيف الظلام وكلمة واحدة من عدالتكم أنفذ إلى الباطل من حد السهام وفي يوم 7 فبراير عام 1929م قضى مجلس التأديب بأن التهم التى أسندت إلى النحاس باشا وويصا واصف باشا وجعفر بك فخرى خالية من كل أساس وأثبت فى أسباب الحكم تزييف عبارات الترجمة العربية التى نشرت فى الصحف لبعض وثائق القضية المحررة بالتركية وتصيد الشهود ليشهدوا زورا لمصلحة الإتهام ضد النحاس باشا وزميليه وفي حقيقة الأمر كانت هذه القضية جزء من محاولات إغتيال مصطفي النحاس باشا سياسيا وقد لحقها فيما بعد عدد 7 محاولات لتصفيته جسديا ونجا منها جميعا بفضل الله تعالي وحول هذه القضية يقول المؤرخ عبد الرحمن بك الرافعى الخصم السياسى للوفد إن الحكومة فى ذلك الوقت عرضت عليه أن يتولى المرافعة عن النيابة فإعتذر لأنه كان يرى أن التهمة لا أساس لها من الصحة وعموما فإن هذه القضية تعطينا فكرة عن الصراعات السياسية فى تلك المرحلة من تاريخ مصر وطبيعتها وكيفية محاولة الإغتيال المعنوى وهى المحاولات التى قد تنجح أحيانا كما نجحت مع بعض الشخصيات في كل عصر منذ القدم وحتي عصرنا الحالي .
|