بقلم المهندس/ طارق بدراوي
موسوعة" كنوز أم الدنيا"
شارع الثلاثيني بالمدينة الباسلة بور سعيد يعد أحد أهم وأقدم شوارع المدينة التاريخية حيث مر منه العديد من حكام مصر مثل الخديوى عباس حلمى الثاني والرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات ومدينة بور سعيد هي أحد مدن إقليم قناة السويس وهي مدينة حديثة نسبيا حيث تم إنشاؤها مع بداية حفر قناة السويس في شهر أبريل عام 1859م في عهد محمد سعيد باشا والي مصر ما بين شهر يوليو عام 1854م وشهر يناير عام 1863م وهي تشتهر بإسم المدينة الباسلة بمصر بعد تصدى أهلها للعدوان الثلاثي علي مصر عام 1956م وتعد هي العاصمة لمحافظة بور سعيد التي تضم أيضا مدينتي بورفؤاد والفرما والتي كانت تعد مفتاح مصر الشرقي حيث كانت تشرف على الطريق القادم من الصحراء وتملك ناصية البحر وكان بها ميناء عظيم يطل على فرع النيل البيلوزي أحد فروع النيل السبعة في دلتا مصر والذى إندثر بالإضافة إلي 4 فروع أخرى ليتبقي فقط فرعا دمياط ورشيد المتواجدان حاليا وكانت الفرما تتوسط طريق الغزو المشهور القادم من الصحراء أو من ناحية الشرق ومن البحر شمالا وهو طريق رفح العريش الفرما القرين العباسة بلبيس عين شمس بابليون وبذلك كانت هي الحصن الأمامي لمدينة منف عاصمة مصر القديمة على طريق القوافل وكان الفينيقيون يدخلون مصر بمراكبهم من هذا الطريق والذي شهد أيضا تسرب الهكسوس لمصر وقد أقام الهكسوس مدينة ملاصقة لها إسمها جات أورات وبنوا عليها القلاع العظيمة والحصون ووضعوا بها حامية قدرها مائتا ألف جندي وفي العصر الإغريقي إكتسبت الفرما شهرة وأهمية تاريخية كبيرة حيث فتحها الإسكندر الأكبر المقدوني من دون قتال قبل دخوله مصر عام 332 ق.م وقد سمي الإغريق اليونانيون الفرما بإسم بيلوز ومعناها الطينة وكثرة الأوحال وإنسحب الإسم على المنطقة كلها فسميت منطقة بيلوز وقد تزايد عدد سكانها حينذاك حتي وصل إلى حوالي مائة ألف نسمة .
وتعد مدينة بور سعيد ثالث مدينة في مصر إقتصاديا بعد عاصمتي مصر الأولي والثانية القاهرة والإسكندرية وهي مدينة ساحلية تقع شمال شرق مصر وتطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط عند مدخل قناة السويس الشمالي ويحدها شمالا البحر المتوسط ومن الشرق محافظة شمال سيناء ومن الجنوب محافظة الإسماعيلية ومن الغرب محافظة دمياط وبحيرة المنزلة وتبلغ مساحة المدينة حوالي 1351 كيلو متر مربع وترجع أهمية شارع الثلاثيني والذى أطلق عليه المهندس فرديناند ديليسبس إسمه عند تأسيس المدينة إلى أنه الشارع الوحيد الذى يربط غرب المدينة بشرقها من حدودها الغربية مع طريق محافظة دمياط ويمر بالمدينة وصولا إلى البر الغربى لقناة السويس فى نقطة عبور الركاب والدواب إلى البر الشرقى إلي مدينة بورفؤاد وقد أطلق أهل بور سعيد فيما بعد على الشارع إسم الثلاثينى حيث إنه كان بعرض ثلاثين متر وقد كان هذا طفرة فى ذلك الوقت الذى كانت فيه الشوارع ضيقة لا يتعدى عرضها ستة أو ثمانية أمتار علي الأكثر لمجرد مرور البشر والدراجات وعربات الكارو فقط وفى أعقاب ثورة عام 1919م عرف الشارع من وقتها وحتى وقتنا الحالى بإسم الزعيم سعد زغلول باشا قائد هذه الثورة ليستقر هذا الإسم علي الشارع وإن كان أهل بور سعيد ما زالوا يطلقون عليه إسم شارع الثلاثينى وقد إندثر تماما إسمه القديم ديليسبس ولم يعد يعرفه إلا المؤرخين فقط .
ومن أهم المعالم القديمة بشارع الثلاثيني المسجد التوفيقى وهو يقع في نطاق حي العرب حاليا وهو أول مساجد المدينة الحديثة ويعود تاريخ إنشائه إلى عام 1860م حيث قامت شركة قناة السويس ببناء مسجد للعمال المصريين وكان وقتها عبارة عن شونة للأغلال عليها مئذنة وإستجابة لمطالب الأهالي تنازلت شركة القناة عن المسجد الذي أقامته بالأرض المقام عليها وصدرت التعليمات في شهر يونيو عام 1869م في عهد الخديوى إسماعيل بإعادة إنشاء المسجد من الخشب وقد واجهت بلدية بورسعيد عدة صعوبات إزاء عملية إعادة إنشاء هذا المسجد منها عدم توفر مواد البناء مثل الطوب والأخشاب وعدم توفر المياه اللازمة لعملية البناء مما أدى إلى تأجيل الحكومة لإنشاء مسجد جديد ومن ثم فقد إتجهت إلى إصلاح وتوسعة المسجد المقام بالفعل والعناية بفرشه وترتيب الموظفين من الدعاة وخدام المسجد اللازمين لإقامة الشعائر وخدمة المسجد وكذلك توفير زيت لإضاءته ولم يصمد هذا المسجد المقام من الخشب طويلا إذ تسببت المجاري الخاصة به في خلل بنيانه وتعطل إقامة الشعائر به وذلك لأنها كانت ضيقة ولعدم تفريغها بإنتظام خارج المسجد وقد إستغرق إصلاح المسجد عدة أشهر وعلى أثر وفاة إمام وخطيب المسجد في شهر أكتوبر عام 1878م ومنعا لعدم تعطل صلاة الجمعة والجماعة فإنه لم يتم إنتظار تعيين الأوقاف لإمام آخر إذ تقدم قاضي قضاة بورسعيد وعمد ووجهاء حي العرب وكان يعرف آنذاك بقرية العرب بإختيار الشيخ عبد الرحمن أبي الحسن لهذه الوظيفة لما تميز به من سعة العلم وحسن الخلق وقدرته على الخطابة وإرشاد المسلمين لأمور دينهم وأحكامه وقد تمت الموافقة على هذا التعيين ومع إتساع بورسعيد وزيادة سكانها وبخاصة قرية العرب فقد إستوجب ذلك إنشاء مسجد آخر بها نظرا لتداعي وسقوط المسجد القديم وعند زيارة الخديوي توفيق لبورسعيد في عام 1881م ورؤيته لمسجد القرية لمس مدى ما يعانية المصلون من المشاق في وصولهم إليه والصلاة به ومن ثم فقد أصدر أمرا خديويا إلى ديوان الأوقاف بإنشاء مسجد آخر جديد وإنشاء مدرسة ملحقة به لتربية الأطفال وقد إحتفل في يوم السابع من شهر ديسمبر عام 1882م بإفتتاح هذا المسجد في موكب ضخم سار في أنحاء مدينة بورسعيد يتقدمه العلماء وعلى رأسهم إمام المسجد الشيخ عبد الرحمن ابي الحسن شيخ علماء المسلمين ببورسعيد والقاضي وأعيان المدينة وأرباب الطرق الصوفية وأمامهم الموسيقى وأطلق علي المسجد إسم المسجد التوفيقي نسبة إلي الخديوى توفيق .
ومن أهم معالم شارع الثلاثيني أيضا الكنيسة اليونانية وهى من اقدم الكنائس بالمدينة وبنيت للطائفة اليونانية في عام 1888م حيث كانت الجالية اليونانية هي الجالية الأكبر في المدينة حيث كان يبلغ عدد اليونانيين وقتها حوالى 17 ألف نسمة ولذا فقد منحها فرديناند ديلسيبس أرضا لبناء كنيسة ومدرسة وهي تعتبر من التحف المعمارية الخالدة التي تزخر بها بور سعيد وتتميز بتخطيطها المعمارى الذى يأخذ شكل الصليب وببرج أجراسها المربع وقبتها الوسطي التي تعلو المثمن الموجود بسقفها والذى يقع في منطقة إلتقاء ضلعي الصليب
وإلي جوار الكنيسة تأسست أيضا المدرسة اليونانية التي أنشأتها الجالية اليونانية ببورسعيد عام 1919م كما توضح اللوحة التذكارية بها وقد توقفت عن العمل عام 1956م بعد إنتهاء العدوان الثلاثى وهجرة الجاليات الأجنبية من المدينة وظلت مهجورة لسنوات عديدة إلى أن تحولت في نهاية الستينيات من القرن العشرين الماضي إلى مقر للمعهد الفنى التجارى والذى ألغى مؤخرا وأغلق أبوابه وظل المبني ضمن أملاك الجمعية اليونانية ببور سعيد التي يصل عدد أفرادها حاليا نحو الثلاثين وكان أن فكر الأنبا تادرس أسقف بورسعيد في إستئجار المدرسة وإعادة تأهيلها وافتتاحها لخدمة أبناء بور سعيد من المسلمين والمسيحيين وبالفعل نجح في التعاقد على إيجارها من الجمعية اليونانية في شهر ديسمبر عام 2014م بشرط واحد هو الحفاظ على الطابع المعمارى الأثرى للمدرسة وتم تأهيل المبني وتزويد الفصول بأجهزة تكييف وسبورات ذكية على أحدث الوسائل التعليمية وأجهزة عرض وتم تجهيز الفصول لتدريس الحاسب الآلى وتأسيس قاعة كبيرة متعددة النشاط لإكتشاف وصقل مواهب التلاميذ وتم أيضا تجهيز أحد الفصول لتكون مصلى للطلاب المسلمين وعلي أن تتولى الراهبات إدارة المدرسة حرصا على التربية السلوكية السليمة وتقول مديرة المدرسة بأن منهج المدرسة سيكون إفشاء السلوك الإنسانى السليم ونبذ التعصب وعودة المدرسة الحقيقية التي تقدم الموسيقى والرسم والرياضة بجوار باقى العلوم الحديثة .
ويلتقي شارع الثلاثيني ببور سعيد مع شارع رمسيس عند ميدان المنشية الذى كان يسمي في الماضي ميدان ديليسبس وكان يتوسطه تمثال نصفي له وحاليا أصبح إسمه ميدان سعد زغلول ثم يمتد شار ع الثلاثيني حتي مدخل معدية بور فؤاد وكان أيضا من معالم الشارع قنطرة إيفل والتى بناها المهندس جوستاف إيفل مصمم برج إيفل بالعاصمة الفرنسية باريس والتي لم يعد لها أثر الآن بالإضافة إلى البنك العثمانى وقسم الميناء وفندق ناسيونال الذى لم يتبق منه سوى أطلال وقد شهد الشارع مرور الخديوى عباس حلمى الثاني أثناء زيارته لبور سعيد عام 1893م والذى إنطلق موكبه خارجا من الصلاة فى المسجد التوفيقى كما شهد الشارع أيضا موكب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أثناء عبوره منه أمام الكنيسة اليونانية فى العيد القومي لمدينة بورسعيد يوم 23 من شهر ديسمبر عام 1961م ومر منه أيضا الرئيس الراحل أنور السادات ونائبه الذى أصبح رئيسا لمصر من بعده حسنى مبارك يوم إفتتاح تفريعة قناة السويس في يوم 19 ديسمبر عام 1980م في آخر زيارة رسمية قام بها الرئيس السادات للمدينة الباسلة ومع إنطلاق ثورة 25 يناير عام 2011م كان شارع الثلاثينى هو أهم محطات تحرك المواطنين فى مدينة بور سعيد بإعتباره الشريان الأهم لإلتقاء البورسعيدية من كافة بقاع المدينة لكثرة تقاطعاته العرضية الرابطة به والتى تبدو كفروع لشريان مياه رئيسي كما شهد الشارع ذاته إنطلاق مسيرات تفويض القوات المسلحة ومواجهة الجماعات الإرهابية قبل ثورة 30 يونيو عام 2013م والتى تحركت أغلبها من مسجد مريم القطرية الذى يتوسط الشارع .
|