بقلم المهندس/ طارق بدراوي
موسوعة" كنوز أم الدنيا"
شارع الرفاعي هو أحد شوارع حي الخليفة الذى يعد من الأحياء القديمة والعريقة بمدينة القاهرة عاصمة مصر ويقع قرب منطقة السيدة زينب وهو يدعى أيضا حى القلعة وذلك بسبب أن قلعة صلاح الدين تطل عليه ويربطة بقلب القاهرة شارع القلعة المؤدى الى العتبة الخضراء وتعود بدايته ونشأته إلى عصر الدولة الفاطمية وقد سمي بهذا الإسم للإشارة إلي الخليفة الفاطمي الموجود بالحكم أيا كان من هو ويعتبر حي الخليفة من أغنى أحياء القاهرة بالآثار التاريخية والدينية والتي تعتبر علامة مميزة للحي وثروة قومية يلزم الحفاظ عليها وتطويرها حيث يوجد فيه مجموعة من المعالم الأثرية مثل قلعة صلاح الدين ومسجد ومدرسة السلطان حسن ومسجد الرفاعي ومسجد شيخون ومسجد أحمد بن طولون وجامع وضريح الإمام الشافعي وجامع الإمام الليثي وجامع الخضيري ومسجد سرغطمش وسبيل أم عباس ومن أشهر شوارعه شارع الألفي وشارع شيخون وشارع صلاح الدين وشارع السلطان حسن وشارع سكة المحجر وشارع الرفاعي والحي ذو طبيعة شعبية حاليا حيث لا تزال تحمل حاراته وشوارعه روح المواطن المصري الأصيل بشهامته ورجولته وكل عاداته الحميدة كما تنتشر به العقارات القـديمة ذات التاريخ والطراز البنائي القديم ويمتد شارع الرفاعي من شارع القلعة ويتقاطع مع شارع سوق السلاح الذى كان يسمي سويقة العزى نسبة إلي الأمير المملوكي عز الدين بهادر ثم إشتهر بإسم سوق السلاح بعد أن إنتشرت به الورش التي تخصصت في تصنيع الأسلحة البيضاء مثل السيوف والرماح والخناجر ثم ينحني شارع الرفاعي بعد ذلك ويواصل مساره ليتقاطع مع شارع درب اللبانة ثم يمتد حتي يلتقي بميدان صلاح الدين الذى يلتقي عنده أيضا شارع السلطان حسن وشارع شيخون وشارع سكة المحجر وشارع صلاح الدين ومن أهم معالم هذا الشارع :-
-- مسجد ومدرسة السلطان حسن والذي بدأ السلطان الناصر حسن بن محمد بن قلاوون في بنائهما عام 757 هجرية الموافق عام 1356م وهو يعد تحفة معمارية من عصر المماليك ويتضمن أبوابا برونزية مطعمة بالذهب والفضة وألواح من الرخام وأرضيات من الرخام الملون ونافورة كان يخرج منها الشربات في المناسبات الخاصة وتبلغ مساحته 7906 متر مربع وموقعهما مابين القلعة وبركة الفيل وقد إستغرقت عملية البناء 7 سنوات حيث إنتهت عام 1363م وكان السلطان حسن قد مات قبل أن ينتهي البناء بسنتين ولم يدفن في الضريح الموجود بالمسجد بل دفن فيه ولداه الشهاب أحمد وإسماعيل وهذا الأثر الهام يعد من أعظم آثار العمارة اﻹسلامية في مصر وأجلها شأنا فقد جمع بين ضخامة البناء والفن الهندسي المعمارى الرفيع وتبدو فيه مظاهر دقة صناعة البناء وجمال وتنوع الزخارف ودقة أعمال الحفر علي الحجر ودقة وجمال وروعة أعمال الرخام في إيوان القبلة ومحرابيها ومنبر المسجد وبالمسجد صحن مكشوف مساحته 32م × 34.6م وتشرف عليه 4 إيوانات متقابلة ومتعامدة أكبرها إيوان القبلة وتحصر بينها 4 مدارس لتدريس مذاهب اﻹسلام اﻷربعة ويتوسط الصحن قبة معقودة تغطي مكان الوضوء مرتكزة علي 8 أعمدة رخامية ومساحة القبة 21م × 21م وإرتفاعها 48م ومدخل المسجد يمتاز بضخامته وتنوع وجمال زخارفه المحفورة في الحجر وللمسجد مئذنة إرتفاعها 84م وهي أعلي مئذنة في مساجد هذا العصر وإلي يسارها توجد مئذنة أخرى أقل إرتفاعا وكان للمسجد باب نحاسي يعد من أجمل الأبواب المكسوة بالنحاس المشغول علي هيئة أشكال هندسية تحصر بينها حشوات محفورة ومفرغة بزخارف دقيقة وكذلك كان باب المنبر علي نفس الشكل وكان بالمسجد مجموعة كبيرة من الثريات النحاسية الضخمة والمشكاوات الزجاجية التي كانت تستخدم في إضائته ولهذا المسجد أيضا واجهتان هامتان أولها الواجهة الرئيسية وطولها 150م وبها شبابيك وتنتهي من أعلى بكورنيش ضخم من المقرنصات متعددة الحطات والتي تبرز حوالي 1.5م وهذه الواجهة بها المدخل العظيم الذى يبلغ إرتفاعه 38م ويمتاز بزخارفه المتنوعة المحفورة أو الملبسة بالرخام وبمقرنصاته البديعة وبه الباب النحاسي السابق وصفه وثانيها الواجهة المطلة علي ميدان صلاح الدين وتتوسطها قبة المسجد وعن يمينها توجد المئذنة الكبيرة وعن يسارها توجد المئذنة الصغيرة للمسجد ويعد هذا المسجد في وقتنا الحالي من أهم المزارات الإسلامية السياحية الهامة في مدينة القاهرة والتي يقصدها السائحون من جميع الجنسيات العربية والأجنبية للتعرف علي فنون العمارة اﻹسلامية في عصورها المختلفة في مصر ومشاهدة آثار مصر الإسلامية العظيمة التي لاتتواجد في دولة إسلامية أخرى وجدير بالذكر أن صورة مسجد السلطان حسن هي الصورة المطبوعة علي ورقة العملة المصرية فئة المائة جنيه .
-- مسجد الرفاعي وهو قلعة إسلامية تطاول مسجد ومدرسة السلطان حسن ويقع أمامهما مباشرة وكلاهما يظهر عظمة البناء والعمارة الإسلامية ورغم أن هذا المسجد يعرف بالرفاعى نسبة للشيخ أحمد الرفاعى شيخ الطريقة الصوفية المعروفة بالرفاعية والتي تعود سيرتها في مصر إلى القرن السابع الهجري الموافق للقرن الثالث عشر الميلادى عندما بدأت مصر التعرف على مبادئ التصوف على يد ضيف عراقي يدعى أبو الفتح الواسطي الذي جاء إلى مصر بوصية من إمامه القطب الصوفي أحمد الرفاعي المسمى عند أتباعه بالرفاعي الأكبر وتقوم هذه الطريقة علي العمل بمقتضي الكتاب والسنة ثم أخذ النفس بالمجاهدة والمكابدة والإكثار من الذكر وقراءة الأذكار والأوراد وذلك وفق إرشادات الشيخ الرفاعي الأكبر وتوجيهاته مع ضرورة التسليم والإنقياد له والإنصياع لأوامره وعلي أتباع هذه الطريقة أن يتمسكوا بالكتاب والسنة ثم تعاليم الشيخ وأن يعملوا بما قاله من الإلتزام بالسنة وموافقة السلف الصالح علي حالهم ولباس ثوب التعرية من الدنيا والنفس وتحمل البلاء ولبس الوقار وإجتناب الجفاء وقد أشار عليه بالذهاب إلى الإسكندرية لنشر منهج طريقته الرفاعية وقد نزل الضيف العراقي المشار إليه بالإسكندرية عام 620 هجرية وعمل على نشر منهج إمامه على مدار 12 عاما مات بعدها ودفن بمسجد يعرف اليوم بمسجد الواسطي وبعد ذلك بنصف قرن إستقبلت مصر ضيفا عراقيا جديدا هو الحفيد الأقرب للرفاعي الأكبر ويدعى أحمد الصياد الذي طاف عقب وفاة جده دولا عربية كثيرة كان من ضمنها مصر ناشرا منهج جده في التصوف وعندما نزل الصياد إلي مصر تزوج من إبنة أحد أمراء المماليك لينجب علي أبو شباك الذي أسس بعد ذلك فرع الطريقة في مصر ويطلق عليه مريدو الطريقة الرفاعي الصغير نسبةً لجده القطب الصوفي أحمد الرفاعي ومن هذا يتضح لنا أن مؤسس الطريقة أحمد الرفاعي لم يدفن بالمسجد المعروف بإسمه وكان بموقع هذا المسجد قبل إنشائه مسجد فاطمي عـرف بمسجد الذخيرة الذي أنشأه ذخيرة الملك جعـفر متولي الشـرطة ووالى القاهرة ومحتسبها حوالي عام 516 هجرية وكان هناك أيضا زاوية عرفت بزاوية الرفاعى إشـتملت على قـبور الشيخ على أبى شباك وهو من ذرية الشيخ أحمد الرفاعي كما ذكرنا في السطور السابقة والشيخ يحيى الأنصاري وغيرهما وفى عام 1286 هجرية الموافق عام 1869م أمرت المرحومة خوشيار هانم والدة الخديوي إسماعيل الملقبة بالوالدة باشا بتجديد زاوية الرفاعي فإشترت الأماكن المجاورة لها وهدمتها وعهدت إلى المرحوم حسين فهمي باشا وكيل الأوقاف ببناء مسجد كبير تلحق به مدافن لها ولأسرتها وقبتان للشيخ على بن أبى شـباك والشيخ يحيى الأنصاري وإسـتمر العمل سائرا في بنائه حتى إرتفع على وجـه الأرض نحو مترين وفى نفس الوقت كان العمـل سائرا في أعمال النجارة والأبسطة اللازمة للمسجد وفى حوالي عام 1298 هجرية الموافق عام 1880م توقف العمل بالمسجد ثم توفيت خوشيار هانم عام 1885م وإستمر التوقف حتى عام 1905م حـيث إستؤنفت العمارة وإستكمل بناء المسجد بمباشرة هوتس باشا مهندس الآثار العربية وقتئذ وفى ختام عام 1329هجرية الموافق عام 1911م إنتهي البناء وإفتتح المسجد لصلاة الجمعة عام 1330هجرية الموافق عام 1912م في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني وقد أراد المهندس حسين فهمي أن يجارى مدرسة السلطان حسن فإمتازت منارته بالرشاقة والجمال وأقيمت على قواعد مستديرة مثل منارتي السلطان حسن كما نجد أن الشبابيك النحاسية بالواجهات وضع لها تصميم خاص برسوم جميلة ويقابل الداخل مـن الباب القبلي الغربي للمسجد حجرة طعمت مصاريعها بالسن المدقوق أويمة وحليت أعتابها وما حولها بنقوش ملونة ومطعمة بالرخام وبهـا قبر الشيخ على أبى شـباك حفيد الرفاعى الكبير وقد أقيمت فوقها قبة حليت مقرنصاتها بالذهب والألوان وتتوسطها مقصورة خشبية مطعمة بالسن والأبنوس ولهـا أعمدة رشيقة وبها خرط دقيق ويسترعى النظر لهذه القبة أن قطبها مفرغ بأشــكال هندسية غطـيت بالزجاج الملون ومكتوب برقبتها تم الفراغ منها عام 1377 هجرية الموافق عام 1909م وقد فتح بأجنابها الأربعة أبواب تؤدى إلى الجامع حليت أعتابها بالزخارف الدقيقة وطعـمت بالسن والأبنوس وبين البابين القبليين قبة حجرية تحتها قبر الشيخ يحيى الأنصاري وهى التي تظهر من الخارج بين المنارتين ويتوسـط الجدار الشرقي المحراب الكبير وقد كسي بالرخام الدقيق الملون كما حلى عقده وتواشـيحه بمزارات رخامية ملونة وفوقه مقرنص مذهب ويقوم على جانب المحراب منبر كبير طعـمت محاشيه بالسن والأبنوس وخشب الجوز وكرسي المصحـف كبير وصناعته مثل صناعة المنبر والجانب البحري من المسجد فيه ستة أبواب منها أربعة توصل إلى المدافن وإثنتان يوصلان إلى رحبتين بين المدافن وتبلغ مساحة المسجد الكلية حوالي 6500 متر مربع والمساحة المخصصة للصلاة حوالي 1767متر مربع فقط حيث هناك مساحة كبيرة من المسجد تم تخصيصها للمقابر الملكية منها مقبرة خوشيار هانم وإبنها الخديوى إسماعيل وزوجاته وأبنائه الثلاثة الخديوى توفيق والسلطان حسين كامل والملك فؤاد وحفيديه الخديوى عباس حلمي الثاني والملك فاروق إلي جانب شاه إيران الراحل محمد رضا بهلوى الذى إستضافه الرئيس الراحل أنور السادات وتوفي في شهر يوليو عام 1980م وليدفن بالمقابر الملكية بمسجد الرفاعي وجدير بالذكر أن صورة مسجد الرفاعي هي الصورة المطبوعة علي ورقة العملة المصرية فئة العشرة جنيهات .
|