بقلم المهندس/ طارق بدراوي
موسوعة" كنوز أم الدنيا"
شارع المماليك البحرية أحد شوارع جزيرة الروضة وهو يقع بالجزء الجنوبي منها ويمتد عرضيا من شارع الملك الصالح الذى يسير بمحاذاة الجانب الشرقي من الجزيرة حتي يلتقي بشارع عبد العزيز آل سعود الذى يسير بمحاذاة الجانب الغربي منها وجزيرة الروضة تقع وسط نهر النيل في القاهرة بمحاذاة مصر القديمة ومنطقة جاردن سيتي ويربطها بالقاهرة عدد 5 جسور وبالجيزة جسران ويقسمها شارع الروضة الذي يربط جسر الجيزة أو كوبرى عباس غربا بجسر الملك الصالح شرقا إلى قسمين الجزء الشمالي ويسمى المنيل أو منيل الروضة والجزء الجنوبي ويسمى المماليك حيث كان سلاطين دولة المماليك البحرية يشيدون قصورهم في تلك المنطقة ومن أشهر معالم الجزء الجنوبي من هذه الجزيرة مقياس النيل والذى يقع في الطرف الجنوبي لها وكان يستخدم لقياس فيضان النيل وعلى أساسه كان يتم تحديد الضرائب في العام الزراعي المقبل وقد تم بناؤه بعد الفتح الإسلامي لمصر عام 21 هجرية الموافق عام 642م وتم إعادة بناؤه بعد ذلك في العصر العباسي وقد عرف المصريون منذ أقدم العصور تشييد المقاييس في شتى أنحاء البلاد ليتعرفوا على إرتفاع النيل نظرا لعلاقته الوثيقة بري الأرض وتحصيل الخراج وأيضا فمن أهم معالم الجزء الجنوبي من جزيرة الروضة قصر المانسترلي باشا والذي يقع في نهاية الجزيرة ويطل على نهر النيل وهو قصر أثري يعد تحفة معمارية وهو مقام على مساحة 1000 متر مربع وقد تم إنشاؤه في عهد حسن فؤاد المانسترلي باشا في عام 1851م الذي ترجع تسمية القصر بهذا الإسم لموطنه بمدينة مانستر في مقدونيا وهو ما تبقى من مجموعة بنائية قام بإنشائها حسن فؤاد المانسترلي باشا وقد ألحق بهذا القصر متحف سيدة الغناء العربي أم كلثوم والذى أقامته وزارة الثقافة ملحقا بقصر المانسترلى ويجمع كل مقتنياتها العامة والخاصة لكي يتواصل هذا التراث مع الأجيال القادمة واللاحقة وذلك تقديرا لفنها الأصيل وحرصا على تراثها القيم وقد بدأ العمل لتجهيز وإقامة هذا المتحف في عام 1998م .
وإذا ما إنتقلنا إلي الجزء الشمالي من جزيرة الروضة سنجد أن من أهم معالمه قصر الأمير محمد علي توفيق نجل الخديوى توفيق ويطل هذا القصر على فرع النيل الصغير من ناحية الشرق ويعد تحفة معمارية ذات قيمة كبيرة جدا وتحيط به حديقة غناء متسعة وقد إختار الأمير محمد علي توفيق الأرض التي أقيم عليها القصر بنفسه وتم البناء عام 1901م في عهد شقيقه الخديوى عباس حلمي الثاني علي الطراز الإسلامي الذى عشقه الأمير وقام أيضا بوضع التصميمات الهندسية والزخرفية له وأشرف بالتالي علي جميع خطوات التنفيذ حيث أنه كان قد نال ثقافات عربية وأجنبية رفيعة المستوى وكان محبا للفنون بكافة صورها خاصة الإسلامية منها وقد مارس بالفعل بنفسه بعض الفنون وكان أحد أشهر هواة تربية الخيول العربية ذات الأنساب العريقة كما إشتهر بجمع التحف والآثار والمقتنيات الثمينة وكان له في هذا المجال عيون متخصصة مهمتهم البحث عن النادر من التحف وجلبها للأمير لكي يعرضها بقصره كما كان الأمير محبا للسفر فقد قام بعدة رحلات حول العالم طاويا قارات العالم أكثر من مرة ودون هذه الرحلات في كتب كثيرة تعد تسجيلا فريدا للأوضاع التي كانت عليها بقاع كثيرة من العالم في أوائل القرن العشرين الماضي وقد إنعكست صفات الأمير وجوانب شخصيته على قصره فخرج فريدا في طرازه متميزا عن قصور أقرانه من حكام وأمراء الأسرة وفي بادئ الأمر بني الأمير محمد علي توفيق القصر المخصص للإقامة والسكن ثم أكمل باقي منشآت القصر والذى بلغت مساحته الكلية حوالي 61711 متر مربع منها حوالي 5 آلاف متر هي مساحة المباني وحوالي 34 ألف متر مساحة الحديقة وباقي المساحة عبارة عن طرق داخلية وللقصر سور تم تشييده بالحجر الجيرى على طراز حصون العصور الوسطي وتعلوه شرفات للحراسة وجميع منشآت القصر تم تشييدها علي الطراز الإسلامي المعمارى في تناغم رائع مابين المدارس المعمارية الإسلامية المختلفة المملوكية والفاطمية والفارسية وكلها مزدانة في جوانبها بالآيات القرآنية والزجاج الملون والرخام المشغول وهي تشمل سراى الإستقبال وسراى العرش وسراى الإقامة ومتحف للصيد ومتحف للمقتنيات ومسجد وبرج الساعة .
وينسب شارع المماليك البحرية بجزيرة الروضة إلي طائفة المماليك البحرية أو مماليك الترك وهي سلالة من المماليك أغلبها من الأتراك القبجاق وهم تحالف من القبائل التركية نشأت في العصور الوسطى والذين فتحوا مناطق شاسعة من البلاد الآسيوية أثناء فترة التوسع التركي ما بين القرنين الحادى عشر والثالث عشر الميلاديين وقد حكمت هذه الطائفة مصر من عام 1250م إلى عام 1382م وخلفتهم طائفة المماليك البرجية ولفظ البحرية تعني النهر مشيرة إلى جزيرة الروضة في القاهرة التي عاش بها المماليك وبنى بها السلطان الأيوبي الصالح نجم الدين أيوب قلعة الروضة ومما يذكر أن دولة المماليك البحرية ومن بعدها البرجية قد شكلت واحدة من أقوى وأغنى الإمبراطوريات في ذلك الوقت والتي دام حكمهما من عام 1250م وحتي عام 1517م في مصر وشمال أفريقيا وبلاد الشام والشرق الأدنى وتعود قصة هذه الدولة إلي عام 1250م عندما توفي السلطان الأيوبي الصالح نجم الدين أيوب فقام المماليك الذين كان يملكهم كعبيد بقتل إبنه ووريث عرشه توران شاه وأصبحت شجرة الدر أرملة الملك الصالح سلطانة علي مصر لفترة قصيرة ثم تزوجت من الأتابك أي القائد العام للجند الأمير عز الدين أيبك التركماني وتنازلت له عن العرش و صار أيبك أول سلطان مملوكي علي مصر وحكم من عام 1250م وحتي عام 1257م عندما تم قتله وتم تنصيب إبنه الصغير علي المنصور سلطانا علي مصر ومع نهب المغول لمدينة بغداد عاصمة الدولة العباسية عام 1258م وقضائهم علي الخلافة العباسية نهائيا أصبحت القاهرة أكثر أهمية وأصبحت عاصمة لدولة المماليك والذين كانوا فرسان أقوياء نتيجة التطور التنظيمي والتكنولوجي وفنون الفروسية التي تعلموها من العرب الفاتحين ومع سقوط بغداد وإقتراب خطر المغول من الشام ومصر تم عزل السلطان الطفل علي المنصور وتم تنصيب السلطان سيف الدين قطز سلطانا علي المماليك وفي عام 1260م هزم المماليك جيش المغول في معركة عين جالوت الموجودة الآن في أرض الإحتلال الإسرائيلي وإضطر الغزاة في نهاية المطاف إلى التراجع إلى العراق وكانت هذه الهزيمة للمغول على يد المماليك أثرها الكبير في تعزيز موقف المماليك في جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط وبعد إغتيال السلطان قطز في طريق عودة المماليك إلي مصر تم تنصيب الظاهر بيبرس سلطانا علي مصر وكان بيبرس أحد القادة في معركة عين جالوت وكان في عام 1250م أحد قادة المماليك الذين دافعوا عن المنصورة ضد فرسان الحملة الصليبية السابعة التي قادها الملك لويس التاسع ملك فرنسا الذي هزم وأُسر هو وبعض قواده وتم سجنه في دار إبن لقمان بالمنصورة ثم تم افتداؤه .
وكان السلطان الظاهر بيبرس بحق من أعظم سلاطين دولة المماليك وكان من أفضل أعماله أنه أنشأ نظما إدارية جديدة في الدولة الإسلامية كما أنه إشتهر بذكائه العسكري والدبلوماسي وكان له دور كبير في تغيير الخريطة السياسية والعسكرية في منطقة البحر المتوسط وقد حارب المماليك بقيادة بيبرس بقايا الدول الصليبية في فلسطين وتمكنوا من الإستيلاء علي عكا وقد إستمر حكم دولة المماليك البحرية حتي تولي السلطان الصالح حاجي الحكم خلفا لأخيه السلطان المنصور علاء الدين ولم يمض على حكمه سوى سنة واحدة حتى خلع في عام 1382م وتسلطن الأمير برقوق من المماليك الجراكسة غير أنه خلع وسجن وأعيد الصالح حاجي إلي سدة الحكم وإستمر حكمه لمدة عام ثم قام بإخراج السلطان برقوق من سجنه وأُعيد إلى سلطانه وكانت هذه هي دولة المماليك البحرية وبدأ عهد دولة المماليك البرجية أو الجراكسة والذي إستمر حتي دب فيها الضعف والتمزق وبدأت في التدهور والإنهيار التدريجي بعد وفاة السلطان الأشرف قايتباى وتولي إبنه الناصر محمد بن قايتباي الحكم في عام 1496م حيث زادت التمردات والنزاعات بين الأمراء وكان هذا أثناء بروز الدولة العثمانية في آسيا الصغرى ومن ثم إنتهز العثمانيون الفرصة وهاجموا الشام التي كانت تابعة لمصر وإستطاعوا فتحها والإستيلاء عليها في عام 1516م بسبب قدراتهم العسكرية من جهة والخيانات والمؤامرات التي كانت تحدث هناك من جهة أخرى وكانت الشام في فترة الدولة البرجية تمثل عبئا على مصر بسبب مشاكلها وتمرداتها ومؤامراتها وضعفها في مواجهة القوى الخارجية ومع غزو العثمانيين للشام خرج الجيش المصري لحماية الشام كما كان يحميها من المغول والصليبيين على مر العصور الوسطى لكن في هذه المرة فشل السلطان الأشرف قنصوة الغورى الذى كان قد تولي الحكم عام 1501م في منع قوات العثمانيين من الإستيلاء علي الشام وإستنزف الجيش المصري في معركة مرج دابق ومات من الصدمة وقت المعركة وتولى خليفته طومان باي الحكم وفعل كل ما يستطيع كي يحافظ على مصر التي تبدد جيشها في الشام وجمع ما يستطيع من بقايا الجيش وحارب بجيش صغير للغاية في معركة الريدانية عام 1517م ليمنع دخول الجيوش العثمانية مصر لكنه تعرض للخيانة بعدما غدر به شيخ من العربان ودل العثمانيين على مكانه فقبضوا عليه وأعدموه علي باب زويلة وبذلك إنتهت الدولة البرجية والدولة المملوكية بصفة عامة بعد أن حكم المماليك مصر لمدة حوالي 267 عاما وبعدما تركوا لنا ثروة معمارية ضخمة تمثلت في العديد من المساجد والقباب والأسبلة والكتاتيب والوكالات التي تميزت بطرازها المعمارى المتميز وعناصرها المعمارية المتميزة وبحق كانت العمارة المملوكية هي درة العمارة الإسلامية في مصر .
|