بقلم المهندس/ طارق بدراوي
موسوعة" كنوز أم الدنيا"
شارع عبادة بن الصامت هو أحد شوارع حي مصر القديمة الموازية لشارع كورنيش النيل وهو يبدأ بنقطة تقاطعه مع شارع مسلمة بن مخلد المتفرع من شارع كورنيش النيل ويمتد متقاطعا مع شارع عقبة بن نافع وشارع سعد بن أبي وقاص وحي مصر القديمة هو أحد أحياء مدينة القاهرة عاصمة مصر ويقع جنوبي القاهرة ويضم القاهرة القبطية والفسطاط ومنطقة المنيل وجزيرة الروضة وهو يعد من الأحياء العريقة في مدينة القاهرة وكانت منطقة مصر القديمة سابقا تسمي بمصر العتيقة ويحد حي مصر القديمة من الشمال حي السيدة زينب ومن الجنوب حي البساتين ودار السلام ومن الغرب يفصل النيل بينه وبين حي الجيزة والدقي ومن الشرق حي الخليفة وينقسم حي مصر القديمة إلي عدة مناطق فرعية هي الفسطاط وخرطة أبو السعود وعزبة الفسطاط والفرنساوي وخرطه الشيخ مبارك والمنيل والروضة ومنطقه كوم غراب وفم الخليج والمدابغ وحسن الأنور والسكر والليمون وأرض السادات ودير النحاس وهرمل وأثر النبي وأبو سيفين والطيبي والجباسة وحوش الغجر وعشش القرود والعلواية وكانت أحدث التجمعات السكنية بهذا الحي هي مدينة الفسطاط الجديدة والتي تقع خلف حديقة الفسطاط بين بحيرتي عين الصيرة وهي أرقى منطقة سكنية الآن بالحي ويتم أمامها مباشرة إنشاء متحف الحضارات بمنحة من منظمة اليونيسكو العالمية والذي سوف يصبح أكبر المتاحف المصرية بعد المتحف المصري الكبير بالهرم وبجوار المتحف تم إنشاء مبنى دار الوثائق القومية بمنحة من الدكتور محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة إحدى إمارات دولة الإمارات العربية المتحدة وعاشق مصر وعاشق الثقافة والعلم حيث تبرع الرجل الذى يعشق مصر وشعبها بمبلغ 120 مليون جنيه من أجل بناء مقر جديد لدار الوثائق القومية بمنطقة مصر القديمة ومما يذكر أيضا أنه يوجد شارع بنفس الإسم في محافظة الجيزة يمتد من نقطة تقاطعه مع شارع سعد زغلول حتي ينتهي بنقطة تقاطعه مع شارع المحطة الممتد من شارع البحر الأعظم حتي شارع صلاح سالم وتوجد في نهايته محطة سكك حديد الجيزة .
وينسب هذا الشارع للصحابي الأنصارى الخزرجي عبادة بن الصامت والذى ولد في المدينة المنورة عام 38 قبل الهجرة الموافق عام 585م وقد شهد بيعة العقبة الأولى ويقول عبادة في ذلك كنت ممن حضر العقبة الأولى وكنا إثني عشر رجلا فبايعنا رسول الله ﷺ على بيعة النساء وذلك قبل أن تفترض الحرب على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف وأخبرنا الرسول ﷺ إننا إن وفينا فلنا الجنة وإن خالفنا ذلك فأمرنا إلى الله إن شاء عذب وإن شاء غفر وشهد عبادة أيضا بيعة العقبة الثانية والتي كان فيها النصر والحماية حيث قال النبي ﷺ أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم فقالوا يا رسول الله نبايعك فقال تبايعوني على السمع والطاعة في المنشط والمكره والنفقة في العسر واليسر لا تخافوا في الله لومة لائم وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة فبايعوه على ذلك فقال رسول الله ﷺ للأنصار أخرجوا منكم إثني عشر نقيبا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس فكان عبادة بن الصامت أحد نقباء الخزرج وبموجب هذه البيعة بدأت هجرة الصحابة من مكة المكرمة إلي المدينة المنورة ثم هجرة النبي ﷺ بعد ذلك وبعد الهجرة آخى رسول الله ﷺ بين عبادة بن الصامت وبين أبي مرثد الغنوي وشهد عبادة بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع الرسول ﷺ كما إستعمله النبي ﷺ على بعض الصدقات وكان من صفات عبادة بن الصامت أنه كان رجلا طويلا جسيما جميلا أسود البشرة حافظا للقرآن الكريم وكان أحد خمسة من الأنصار حفظوا القرآن الكريم في زمن النبي الكريم محمد ﷺ هم معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبي بن كعب وأبو الدراداء وأبو أيوب الأنصارى وكان يعلم أهل الصفة الذين كان لهم مكان خاص بهم بالمسجد النبوى الشريف القرآن الكريم كما أنه كان من رواة الحديث النبوى الشريف وقد روى عن النبي محمد ﷺ عدد 181 حديثا وكان له من الولد الوليد وكانت أمه جميلة بنت أبي صعصعة أخت الصحابي الجليل قيس بن أبي صعصعة ومحمد وكانت أمه أم حرام بنت ملحان وداود وعبيد الله وغير معلوم لنا من أسماء أمهاتهما ومما يذكر عن الصحابي الجليل عبادة بن الصامت أنه قال خلوت برسول الله ﷺ فقلت أي أصحابك أحب إليك حتى أحبه قال أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب ثم سكت فقلت ثم من يا رسول الله قال من عسى أن يكون إلا الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبو عبيدة بن الجراح وسعيد بن زيد وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص ومعاذ بن جبل وأبو طلحة الأنصارى وأبو أيوب الأنصارى وأنت يا عبادة وأبي بن كعب وأبو الدرداء وعبد الله بن مسعود ثم هؤلاء الرهط من الموالي سلمان الفارسي وأبو يحيي صهيب الرومي وبلال بن رباح وعمار بن ياسر .
وفي عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب عين عمر عبادة بن الصامت عاملا علي صدقات بني فزارة وبعد ذلك لما توجه القائد عمرو بن العاص نحو مصر لفتحها بأمر من الخليفة وكان معه جيش قوامه حوالي 4 آلاف مقاتل وطلب عمر منه أن يجعل ذلك سرا وأن يسير بجنده سيرا هنيا وهكذا سار عمرو بن العاص إلى مصر مخترقا صحراء سيناء ومتخذا الطريق الساحلي ومع ذلك بقي عمر بن الخطاب مترددا في أمر هذا الفتح فأرسل كتابا إلى عمرو بن العاص وهو بمدينة رفح مفاده هو أنه إذا كان لم يدخل حدود مصر فليتوقف عن مواصلة السير نحوها وإن كان قد دخل في حدودها فليكمل سيره فلم يستلمه عمرو ويقرأه إلا بعد أن دخل حدود مصر ويعتقد بعض المؤرخين أن تلك كانت حيلةً بارعةً من عمرو بن العاص والذى كان راغبا في فتح مصر وبالتالي تأمين حدود الدولة الإسلامية بالشام من غارات الروم جعلته يزحف نحو مصر دون أن يخالف أمر الخليفة عمر بن الخطاب وقد وصل الجيش إلى العريش في يوم عيد الأضحى 10 من شهر ذي الحجة عام 18 هجرية الموافق يوم 12 ديسمبر عام 639م فوجدها خالية من القوات البيزنطية فدخلها بسهولة ثم إنحرف جنوبا تاركا طريق الساحل حتى وصل إلى مدينة الفرما وهي تقع قرب مدينة بور سعيد حاليا من ناحية الشرق وضرب عمرو الحصار علي الفرما وتحصنت حاميتها البيزنطية وراء الأسوار وجرت مناوشات بين الطرفين إستمرت مدة شهر ثم إقتحمها المسلمون في يوم 19 من شهر المحرم عام 19 هجرية الموافق يوم 20 يناير عام 640م ثم سار إلى بلبيس وفتح خلال سيره سنهور وتانيس وهما بمحافظة الشرقية حاليا ثم ضرب عمرو الحصار على المدينة وقاتل حاميتها الرومية شهرا وكان الروم قد تحصنوا فيها بقيادة قائد داهية يدعي الأرطبون كان قد فر من بيت المقدس عندما حاصرها عمرو بن العاص إلي مصر وكان بها أرمانوسة إبنة المقوقس عظيم القبط في مصر وقد جهزها بأموالها وجواريها وغلمانها وهي في طريقها نحو قيسارية لتتزوج من الإمبراطور الرومي قسطنطين الثالث ولما دخل المسلمون مدينة بلبيس أرسل عمرو بن العاص أرمانوسة في جميع مالها إلى أبيها المقوقس في صحبة قيس بن سعد بن عبادة وسار عمرو بعد ذلك بجيشه من بلبيس متاخما للصحراء فمر بمدينة عين شمس ثم هبط إلى قرية على النيل إسمها أم دنين وتقع إلى الشمال من حصن بابليون بمصر القديمة وعسكر قريبا منها ولما علم المقوقس بذلك قَدِمَ من الإسكندرية إلى حصن بابليون ليشرف على القتال بنفسه وجرت مع حامية المدينة بعض المناوشات على مدى عدة أسابيع لم تسفر عن نتيجة حاسمة فأرسل عمرو إبنه عبد الله ليطلب من الخليفة عمر بن الخطاب مددا وقدره بثمانية آلاف مقاتل فأمده عمر بأربعة آلاف رجل وقال له إنى قد أمددتك بأربعة آلاف رجل على كل ألف رجل منهم رجل بألف رجل وبذلك يكون المدد الذى أرسلته هو ما طلبته ثمانية آلاف مقاتل وكان الأربعة الذين يعنيهم الخليفة عمر بن الخطاب هم الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت ومسلمة بن مخلد والذين يعدون من أبرع وأشجع فرسان المسلمين وكانت لهم صولات وجولات قبل ذلك في فتوح الشام وحاصر المسلمون القوات البيزنطية المتحصنة داخل حصن بابليون ويذكر إبن ظهيرة فى كتاب الفضائل الباهرة فأحاط المسلمون بالحصن ومن جانب آخر فبعد وصول الإمدادات بدأ عمرو بن العاص في إرسال الفرق العسكرية للسيطرة على الأقاليم المختلفة فأرسل فرقة من الجنود للسيطرة على مدينة الفيوم وفرقة أخرى توغلت في جنوبي الدلتا فإستولت على أتريب ومنوف في إقليم المنوفية حاليا كما راح يستعد لمهاجمة حصن بابليون وحاول إستفزاز الجنود البيزنطيين وحملهم على الخروج من الحصن .
وبالفعل ففي شهر شعبان عام 19 هجرية الموافق شهر يوليو عام 640م خرج القائد الرومي تيودور على رأس عشرين ألفا وسار بهم بإتجاه عين شمس فشكل عمرو فرقتين يبلغ عدد أفراد كل منها خمسمائة مقاتل وأرسل إحداهما إلى أم دنين والأخرى إلى مغار بني وائل وخرج من عين شمس فلما وصل البيزنطيون ظنوا أن المسلمين فروا من عين شمس ولكن في الطريق بين المعسكرين خرج أفراد الكمين الذي أعده عمرو فإجتاحت فرقة من المسلمين مؤخرة الجيش البيزنطي التي فوجئت وأُخذت على حين غرة فحاولوا الفرار نحو أم دنين فأطبقت عليهم الفرقة الأخرى وأضحوا بين ثلاثة جيوش ونجحت فئة قليلة منهم في بلوغ الحصن وهلكت فئة كبيرة منهم وركز عمرو جهوده العسكرية على فتح الحصن فسار إليه في شهر شوال عام 19 هجرية الموافق لشهر سبتمبر عام 640م وأحكم وشدد حوله الحصار وبادر عدد من قواد الروم بالخروج إلى العاصمة الإسكندرية تاركين الحامية تتولى مهمة الدفاع عن الحصن والذين زاد في إحباطهم وخوفهم أن بعض المصريين إعتنقوا الإسلام وإنضموا إلى الجيش الإسلامي فكانوا له أعوانا وأدلاء يصحبونه ويدلونه على الطرق والمواقع ويخبروه عن أسرار وأوضاع الروم وبعث المقوقس عظيم القبط في مصر إلى القائد عمرو بن العاص رسلا لينهاه عن دخول البلاد وإستمرار القتال وبحسب ما ذكر فى موسوعة النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة للمؤرخ إبن تغرى بردى إن عمرو بن العاص حبس الرسل عنده يومين وليلتين حتى خاف عليهم الموقس وتساءل فى أصحابه أترون أنهم يقتلون الرسل ويحبسونهم ويستحلون ذلك فى دينهم وكان هدف عمرو فيما فعله مع الرسل إنما أراد بذلك أنهم يرون حال المسلمين ورد عمرو الرسل بعد ذلك ومعهم ثلاثة شروط هى دخول الإسلام أو دفع الجزية أو القتال فسأل المقوقس الرسل كيف رأيتموهم فقالوا رأينا قوما الموت أحب إلى أحدهم من الحياة والتواضع أحب إليهم من الرفعة وليس لأحدهم فى الدنيا رغبة ولا نهمة فما كان من المقوقس إلا أن طلب من عمرو إرسال رسول له للتفاوض معه .
وبعث عمرو بن العاص بعشرة أفراد علي رأسهم الصحابى عبادة بن الصامت وكان شديد السمار قوى البنيان طويل القامة وأمره عمرو أن يكون هو متكلم القوم وألا يتحدث إلا فى خلال الشروط الثالثة التى وضعها بنفسه للتفاوض فلما رآه المقوقس قال نحوا عنى هذا الأسود وقدموا غيره يكلمنى فقالوا جميعا إن الأسود أفضلنا رأيا وعلما وهو سيدنا والمقدم علينا فتساءل المقوقس وكيف رضيتم أن يكون هذا الأسود أفضلكم وإنما ينبغى أن يكون دونكم فقالوا كلا إنه وإن كان أسود كما ترى فإنه من أفضلنا موضعا ورأيا وليس ينكر فينا السواد فقال له المقوقس تقدم يا أسود وكلمنى برفق فإننى أهاب سوادك وإن إشتد كلامك على إزددت لك هيبة وبدأ عبادة حديثه إلى المقوقس موضحا له أن الأسود الذى يكلمه قد جندل من جند الروم العشرات وإنه ترك خلفه ألفا من أصحابه فى مثل سواده وقوته وبنيانه وليس لهم رغبة سوى الجهاد فى سبيل الله وإتباع رضوانه فقال المقوقس لأصحابه هل سمعتم من كلام الرجل قط لقد هبت منظره وإن قوله لأهيب عندى من منظره إن هذا وأصحابه أخرجهم الله لخراب الأرض وما أظن ملكهم إلا سيغلب على الأرض كلها ورد المقوقس علي عبادة وأخبره بأن الروم يعدون جيشا لا يحصى عدده وأنهم أى المسلمين لن يطيقوا ذلك وعرض عليه أن يصرف لكل رجل منهم دينارين ولأميرهم مائة دينار ولخليفتهم ألف دينار قبل أن تأتى قوة الروم الكبيرة فرد الصحابى الجليل بأنهم على إستعداد للقتال والتضحية من أجل رضوان الله وجنته وإن كم من فئة قليلة إنتصرت بفضل الله وغلبت فئة كثيرة وليس أمامهم إلا الثلاث شروط التى وضعها عمرو بن العاص وطمأنهم بأنهم سيكونون آمنين على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم ونسائهم وذراريهم إن هم قبلوا دفع الجزية لكن المقوقس رفض تلك الشروط هو وأصحابه بحجة أن تسليمهم يعنى الذل والعبودية فخرج عبادة وأصحابه وإستمر الحصار والقتال فطلب المقوقس من عمرو المهادنة مدة شهر للتفكير في الأمر فمنحه ثلاثة أيام وغادر المقوقس حصن بابليون وتوجه إلى العاصمة الإسكندرية حيث أرسل عهد الصلح إلى القسطنطينية عاصمة الروم وطلب موافقة الإمبراطور البيزنطي هرقل عليه لكن هرقل رفض الصلح وإتهم المقوقس بالتقصير والخيانة ونفاه وإستأنف الطرفان القتال ووصل نبأ وفاة الإمبراطور هرقل إلى حامية حصن بابليون فإضطربوا لموته وإنخفضت روحه المعنوية وتراجعت قدرتهم القتالية مما أعطى الفرصة للمسلمين لتشديد الحصار علي الحصن قبل أن يقتحموه في يوم 21 ربيع الآخر عام 20 هجرية الموافق يوم 9 أبريل عام 641م ولما رأى الزبير بن العوام إضطرابا وخللا فى الحصن نصب سلما وأسنده إلى سور الحصن وقال إنى أهب نفسى لله عز وجل فمن شاء فليتبعنى فما شعروا إلا والبطل العربى المسلم الزبير بن العوام ومعه البطل مسلمة بن مخلد على رأس الحصن يكبران ومعهما سيفيهما فظن أهل الحصن أن المسلمين قد إقتحموه فهربوا تاركين مواقعهم وإندفع الناس على السلم وكبر الزبير فأجابه المسلمون من الخارج وعمد الزبير وأصحابه إلى باب الحصن ففتحوه فنزل الزبير وفتح باب الحصن لأفراد الجيش الإسلامي فدخلوه وإستولوا عليه وأعطى عمرو أهل الحصن عهدا بالأمن والأمان وبعد ذلك طلب عمرو من الخليفة أن يأذن له بالزحف نحو الإسكندرية لفتحها فأذن له فتوجه نحوها وفترك حاميةً عسكريةً في حصن بابليون بقيادة خارجة بن حذافة .
ولم يجد عمرو أي مقاومة عسكرية طوال طريقه نحو الإسكندرية إلا من بعض الحصون والتي إستطاع الإستيلاء عليها ووصل إلي الإسكندرية في منتصف شهر رجب عام 20 هجرية الموافق أواخر شهر يونيو عام 641م وكانت الإسكندرية حينذاك مدينةً منيعة ذات حصون عظيمة وقد عسكر الجند المسلمون بالقرب منها وقام عمرو بتشديد الحصار على المدينة ونقل معسكره إلى مكان بعيد عن مرمى المجانيق وإستمر الوضع على ذلك مدة شهرين شن عمرو خلالها العديد من الغارات على مدن دلتا النيل شرقي الإسكندرية وقد نجحت هذه الغارات في السيطرة على ما تبقى من قرى وبلدات بقية الوجه البحري وإستبطأ عمر بن الخطاب نبأ فتح الإسكندرية فأرسل إلى عمرو يعظه ويستعجله وينبهه على أن النصر لن يكون حليف المسلمين إلا لو أخلصوا النية لله وطلب منه أن يخطب في الناس ويحضهم على قتال عدوهم ويرغبهم في الصبر والنية وأن يدعو المسلمين الله ويسألوه النصر وقد شكل كتاب عمر عاملا دفع المسلمين فإقتحموا حصون الإسكندرية ففتحوها بحد السيف في يوم 28 ذى القعدة عام 20 هـجرية الموافق يوم 8 نوفمبر عام 641م بعد حصار دام أربعة أشهر ونصف وفر البيزنطيون منها بكل إتجاه للنجاة بأنفسهم وأذعن سكانها من المصريين لجيش المسلمين وأمن عمرو بن العاص أهلها ولم يقتل ولم يسب وجعلهم أهل ذمة كأهل حصن بابليون ومن دخل منهم الإسلام دخل بإرادته دون إجبار أو قهر وتتباين الروايات التاريخية حول كيفية إتمام فتح الإسكندرية وجلاء الروم عنها نهائيا فقال البعض إن الفتح كان عنوة بينما قال آخرون إنه كان صلحا لكن مما لا خلاف فيه أن دخولها تحت سلطان دولة الخلافة الراشدة كان في أواخر شهر المحرم عام 21 هـجرية الموافق أوائل شهر يناير عام 642م وبذلك أصبحت مصر ولاية إسلامية وتم تعيين عمرو بن العاص كأول وال مسلم علي مصر وظل واليا عليها حتي العام الأول من تولي الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان الخلافة ثم عاد واليا عليها مرة أخرى بعد تولي معاوية بن أبي سفيان الخلافة عام 41 هجرية وحتي وفاته بعد سنة تقريبا من تلك الولاية ودفن في تراب مصر وخلال فترة ولايته شيد مدينة الفسطاط شرقي النيل بمصر القديمة لتكون عاصمة لمصر بدلا من الإسكندرية وشيد بها مسجده المعروف بإسمه في منطقة مصر القديمة والذى ما يزال قائما حتي وقتنا الحاضر والذى يعد أول مسجد جامع في مصر وفي قارة افريقيا كلها وخارج بلاد العراق والشام وبالطبع فقد أجريت عليه العديد من الإضافات والتجديدات والإصلاحات والترميمات والتوسعات خلال العصور الإسلامية المختلفة حتي أصبح بصورته الحالية .
وفي عام 22 هجرية الموافق عام 643م أرسل الوالي عمرو بن العاص جيشا لفتح الصعيد كان من قواده عبادة بن الصامت وعندما وصل هذا الجيش إلي قرية البهنسا التابعة لمركز بني مزار بمحافظة المنيا حاليا وكانت ذات أسوار منيعة وأبواب حصينة كما أن حاميتها الرومانية قاومت جيش المسلمين بشدة وضراوة مما أدي إلي سقوط عدد كبير من الشهداء المسلمين وهو ما كان سببا في قدسية هذه القرية داخل نفوس أهلها ولذا فقد أطلقوا عليها إسم مدينة الشهداء وتوجد فيها في الناحية الغربية منها جبانة المسلمين التي يوجد فيها وحولها عدد كبير من القباب والأضرحة التي يقال إنها تنسب لشهداء الجيش الإسلامي الذين شاركوا في فتح مصر وإستشهدوا على هذه الأرض خلال حملتهم من أجل فتح بلاد الصعيد المصري وتضم أيضا أضرحة ومقامات الصحابة والتابعين والعلماء المسلمين الذين زاروا مصر واقاموا بها ولذا يفخر أهل هذه القرية حتي اليوم بها لإحتواء ترابها على أجساد هؤلاء الشهداء من الصحابة بل والبدريين منهم أي من حضروا غزوة بدر مع الرسول ﷺ وبعد موقعة البهنسا إنطلقت الجيوش بقيادة عبادة بن الصامت جنوبا نحو باقي بلاد الصعيد من أجل إستكمال الفتح الإسلامي حيث وصل إلى القرية التي كانت معروفة بإسم أنتنيو بوليس والتي تغير إسمها إلي قرية الشيخ عبادة حاليا وكانت مدينة أثرية وعتيقة ومن أشهر القرى الأثرية المصرية القديمة خلال عصور مصر المختلفة حيث كان تشييدها في عهد الملك رمسيس الثاني ثم أعيد بناؤها مرة أخرى فيعهد الإمبراطور الروماني هادريان على أنقاض المدينة القديمة بيسا وهي تقع على النيل من ناحية الشرق وتبعد عن مدينة ملوى 8 كم وعن المنيا 46 كم وعلم عبادة من الأهالى أن هذه القرية هي القرية التى جاءت منها السيدة مارية بنت شمعون القبطية زوجة الرسول ﷺ فقرر البقاء هناك وبنى مسجدا فى المكان الذى كان يوجد به منزل أسرة السيدة مارية وكان هذا هو أول مسجد فى ملوى وأعفى أهل البلد من الخراج وأكرمهم إكراما للسيدة مارية وتغير إسم البلد ليصبح الشيخ عبادة وجدير بالذكر أن مسجد الشيخ عبادة يقع على مسافة لا تزيد على100 متر من النيل ومساحة المسجد صغيرة نسبيا تبلغ 200 متر مربع وبوابته خشبية من الطراز الأيوبي وهى الواجهة الغربية الرئيسية للمسجد المطلة على النيل ويوجد أعلاها مستطيل عليه زخارف نباتية وهندسية ويتوسطه لوحة رخامية قديمة وعلى جانب المسجد توجد زخارف تؤدى إلى ميضة الوضوء وهى غرفة مربعة يتوسطها عمودان أثريان من الرخام وعلى أطرافها حمامات بلدية أمامها حنفيات المياه وخلفها مساحة للصلاة وفى نهايتها بئر قديمة للوضوء صالحة للإستخدام ويوجد على اليسار باب جانبى للمسجد ويأخذ هذا المسجد الشكل المربع وهو مبنى بالطوب القديم وقد تم تجديد هذا المسجد في عهد الخديوى إسماعيل وأضاف إليه مئذنة أعلى من المئذنة التي كانت فوق المسجد ووضع أعلى بابه لوحة حجرية منقوشة نقش بارز تحمل إسمه وتاريخ التجديد .
وبعد أن إستقرت الأمور للمسلمين بالشام وفي خلافة الفاروق عمر بن الخطاب كتب يزيد بن أبي سفيان إليه قد أحتاج أهل الشام إلى من يعلمهم القرآن الكريم ويفقههم في الدين فأرسل إليه عمر ثلاثة رجال هم معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبا الدرداء فأقام عبادة بحمص فإستخلفه عليها أبو عبيدة بن الجراح عندما سار لفتح طرطوس ففتحها وإنتقل عبادة بن الصامت بعد ذلك إلي فلسطين وكان أول من وَلِي القضاء بها من قبل الخليفة عمر بن الخطاب ولما تولي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه الشام ساءت العلاقة بين عبادة ومعاوية لأشياء أنكرها عليه عبادة رضي الله عنه فقال لمعاوية لا أساكنك بأرض ورحل إلى المدينة المنورة فقال له عمر ما أقدمك فأخبره بفعل معاوية فقال له إرحل إلى مكانك فقبح الله أرضا لست فيها وأمثالك فلا إمرة له عليك وفي خلافة عثمان بن عفان شارك عبادة بن الصامت في فتح جزيرة قبرص عام 28 هجرية وإستشهدت هناك زوجته أم حرام بنت ملحان عند نزول جيش المسلمين إلي الجزيرة عندما جفلت دابتها فسقطت من فوقها ودفنت هناك وما زال قبرها معروفا بإسم قبر المرأة الصالحة وحدث بعد ذلك أن كان عبادة بن الصامت مع معاوية يوما فقام خطيب يمدح معاوية ويثني عليه فقام عبادة بتراب في يده فحشاه في فم الخطيب فغضب معاوية فقال له عبادة إنك لم تكن معنا حين بايعنا رسول الله ﷺ بالعقبة على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ومكسلنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله وأن نقوم بالحق حيث كنا لا نخاف في الله لومة لائم وقال رسول الله ﷺ إذا رأيتم المداحين فإحثوا في أفواههم التراب فكتب معاوية إلى الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه إن عبادة بن الصامت قد أفسد عليّ الشام وأهله فإما أن تكفه إليك وإما أن أخلي بينه وبين الشام فكتب إليه عثمان أن يرحل عبادة حتى يرجعه إلى داره بالمدينة المنورة فلما دخل علي عثمان داره إلتفت إِليه وقال يا عبادة ما لنا ولك فقام عبادة بين ظهراني النَاس قائلا سمعت رسول الله ﷺ يقول سيلي أموركم بعدي رِجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرونَ عليكم ما تعرِفون فلا طاعة لمن عصى ولا تضلوا بربكم ولما حضرت عبادة الوفاة قال أخرجوا فراشي إلى الصحن ثم قال إجمعوا لي موالي وخدمي وجيراني ومن كان يدخل علي فجمعوا له فقال إن يومي هذا لا أراه إلا آخر يوم يأتي علي من الدنيا وأول ليلة من الآخرة وإني لا أدري لعله قد فرط مني إليكم بيدي أو بلساني شئ وهو والذي نفس عبادة بيده القِصاص يوم القيامة ولا حرج على أي أحد منكم في نفسه شئ من ذلك إلا إقتص مني قبل أن تخرج نفسي فقالوا بل كنت مؤدبا قال اللهم فإشهد ثم قال أما لا فإحفظوا وصيتي لكم أنه لا حرج على أي إنسان منكم يبكي علي فإذا خرجت نفسي فتوضئوا وأحسنوا الوضوء ثم ليدخل كل إنسان منكم المسجد فيصلي ثم يستغفر لعبادة ولنفسه فإن الله تبارك وتعالى قال وإستعينوا بِالصبر والصلاة ثم أسرعوا بي إلى حفرتي ولا تتبعني نار ولا تضعوا تحتي أرجوانا وكانت وفاته عام 34 هجرية في أواخر عهد الخليفة عثمان بن عفان بمدينة الرملة في فلسطين عن عمر يناهز 72 عاما ودفن بالقدس الشريف في بقيع الرحمة الملاصق للباب الذهبي وما يزال قبره معروفا هناك .
|