بقلم المهندس/ طارق بدراوي
موسوعة" كنوز أم الدنيا"
شارع فريد سميكة هو أحد شوارع ضاحية مصر الجديدة ويمتد من شارع جسر السويس عند ميدان الألف مسكن وينتهي بتقاطعه مع شارع عثمان بن عفان مرورا بميدان الحجاز ومتقاطعا مع شارع عمار بن ياسر وموازيا للسور الجانبي للكلية الحربية بعد هذا التقاطع حيث يوازى شارع عمار بن ياسر السور الخلفي للكلية الحربية بينما يوازى شارع فريد سميكة السور الجانبي لها وينسب هذا الشارع لبطل رياضة الغطس الأوليمبي فريد باسيلي سميكة والذى كان أول مصري وعربي يفوز بميدالية فضية في الدورات الأوليمبية في رياضة الغطس من السلم الثابت وكانت في الأصل ذهبية لكنها ذهبت للأسف وللعجب بعد يومين أو ثلاثة لمنافسه الأميريكي كما فاز في نفس الدورة بميدالية برونزية في مسابقة السلم المتحرك وذلك خلال دورة أمستردام الأوليمبية التي أقيمت بالعاصمة الهولندية أمستردام خلال الفترة من يوم 4 مايو حتي يوم 27 يوليو عام 1928م وقامت بإفتتاحها ملكة هولندة حينذاك فيلهلمينا هيلينا وكانت تعد الدورة التاسعة ضمن ترتيب الدورات الأوليمبية الحديثة التي بدأت بدورة أثينا عام 1896م ندما نجح البارون الفرنسي العاشق للرياضة عشقا مبرحا بيير دى كوبرتان بعد أن بذل مجهودا خارقا في إعادة بعث الألعاب الأوليمبية من جديد وأن يعيد إليها الحياة بعد الممات كما ذكرنا في الفصل السابق وكان ميلاد بطلنا الأوليمبي فريد سميكة بمدينة الإسكندرية في يوم 12 يونيو عام 1907م وعاش طفولة مرفهة في عائلة مسيحية ثرية وألحقه أبوه باسيلي بك سميكة مدير الجمارك بمدارس النخبة فأتقن اللغتين الفرنسية والإنجليزية وكان عمه مرقص سميكة باشا يشغل منصب مدير مصلحة السكة الحديد كما كان عضوا بمجلس شورى القوانين وهو الذي كان وراء إنشاء المتحف القبطي بمصر القديمة وقام بإثرائه بالعديد من القطع الأثرية من مقتنياته الشخصية وأجاد سميكة السباحة ورياضة الغطس في طفولته وشارك في إستعراضات القفز في الماء بشواطئ الإسكندرية كما كان محبا للطيران وحصل على رخصته .
وفي عام 1926م سافر فريد سميكة إلى شقيقه الأكبر في الولايات المتحدة الأميريكية من أجل إستكمال دراسته وكان شقيقه يعمل حينذاك في منصب دبلوماسي مصري بأمريكا ولم يؤثر إنشغاله بالدراسة في أمريكا على عشقه لرياضة الغطس وشارك في بطولة أمريكا وحصل على المركز الثاني في منافسات القفز من السلم المتحرك وفي عام 1928م مثل مصر في أوليمبياد أمستردام وكان عمره حينذاك 21 عاما ليسجل إسمه إلى
جوار السيد نصير وإبراهيم مصطفى بطلي رياضتي رفع الأثقال والمصارعة كأول من رفعوا علما مصريا وعربيا وأفريقيا في المحفل الأوليمبي حينما فاز بالميدالية الفضية في مسابقة السلم الثابت والميدالية البرونزية في مسابقة السلم المتحرك وكانت فضية السلم الثابت في الأصل ذهبية كما ذكرنا في السطور السابقة وتسلمها بالفعل وتم عزف النشيد الوطني المصري لكن بعد يومين أو ثلاثة تم سحبها منه وحصوله على الفضية بعد أن إعترض ممثلو بطل الغطس الأميريكي بيتي ديسجارينز على النتيجة التي أثبتت مجموع نقاطها تفوق فريد سميكة وبناءا علي هذا الإعتراض إجتمع حكام المنافسة للتصويت على القرار وإختار 4 من أصل 5 فوز الأميريكي على أن يحل فريد ثانيا بينما إختار حكم وحيد فوز فريد سميكة على الغطاس الأميريكي وقبل فريد سميكة في النهاية بالنتيجة وأبلغ لجنة التحكيم بقدومه للنسخة المقبلة من الأوليمبياد للفوز بالميدالية الذهبية بعد أن سلمها لهم وحصل على الفضية لكن رغم قبول فريد سميكة بقرار لجنة التحكيم رفض جيمس ريان مدربه ذلك وألقى بالكرسي الذى كان يجلس عليه في حمام السباحة غاضبا ووجه حديثه للجنة التحكيم يتهمهم بالتحيز وبإختيار اللاعب الآخر لأنه أميريكي أبيض وأقسم يومها علي أن يعود مجددا للفوز بالذهب ببطل من غير أصحاب البشرة البيضاء .
وفي أواخر العشرينيات من القرن العشرين الماضي هاجر فريد سميكة إلي أمريكا وفي عام 1929م طلب الزواج من مابل فان دين آكر إبنة أحد الأثرياء وكان يعمل تاجرا للمجوهرات لنجوم هوليوود ولكن القانون العنصري آنذاك كان يمنع تزوج الأميريكية البيضاء من شخص قوقازي وذلك قبل أن تصدر المحكمة المحلية في كاليفورنيا حكمها بالسماح بهذه الزيجة التي أثارت ضجة كبيرة في الصحافة الأميريكية بحسب ما ذكرته صحيفة سان بيدرو في عددها الصادر يوم 12 فبراير عام 1929م وبعد أقل من عامين وقع الطلاق وتزوج فريد سميكة من أميريكية أخرى تدعى بيتي جين ويلسون وأنجب منها نجله الوحيد صادق وفي عام 1932م لم تشترك مصر في الدورة الأوليمبية العاشرة التي أقيمت بمدينة لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأميريكية ولكن فريد سميكة شارك خلال العتم المذكور في بطولة العالم للغطس وفاز بها كما حقق بطولة أمريكا في الغطس أكثر من مرة علاوة علي حصوله أيضا علي بطولة العالم في اليابان وفي نهاية عام 1932م إعتزل فريد سميكة وهو في أوج تألقه وأنهي دراسته في نفس العام وكان عمره 25 عاما فقط وقام برحلة حول العالم مع زميله بطل ومدرب الغطس الأميريكي المعروف والحائز علي عدة بطولات في هذه الرياضة هارولد سميث أبهرا فيها كل من شاهد عروضهما في الغطس المزدوج ثم لاحقا قاما برحلة مماثلة عبر الولايات المتحدة أقاما خلالها عروضا كرنفالية لتحفيز الشباب على ممارسة تلك الرياضة وبعد فترة خلال تواجده في أمريكا حصل على الجنسية الأميريكية لكنه رغم ذلك عاد لتدريب منتخب المملكة المصرية الأوليمبي في الغطس في عام 1935م والذي شارك تحت قيادته في الدورة الأوليمبية الحادية عشر التي أقيمت بالعاصمة الألمانية برلين في عام 1936م وفضلا عن ذلك فقد إقتحم فريد سميكة عالم هوليود السينمائي من خلال ظهوره كدوبلير في المشاهد الخطرة في أفلام طرزان مع جوني فايسمولر وفي فيلم ما وراء البحار و شارك بقفزاته في إثنين من الأفلام الوثائقية الشهيرة من إنتاج شركة مترو جولدوين ماير الشهيرة عن رياضة الغطس وهما الغطس المزدوج عام 1939م والرياضات المائية عام 1941م .
وكانت بداية الفصل الأخير من من حياة بطلنا فريد سميكة إثر إلتحاقه بالخدمة بالجيش الأميريكي في صيف عام 1942م بعد شهور من التدريب المتواصل وبسبب معرفته السابقة بالطيران حصل على رتبة ملازم ثان بسلاح الجو الأميريكي ولا تتوافر معلومات رسمية حول المهام التي أوكلت إليه لكن مذكرات قدامى المحاربين تشير إلى دوره كمصور جوي لمواقع اليابانيين وذلك بعد أن إضطرت الولايات المتحدة أن تشن الحرب علي اليابان بعد الهجوم الياباني المفاجئ علي الأسطول البحرى الأميريكي في ميناء بيرل هاربور بجزر هاواى في يوم 7 ديسمبر عام 1941م مما أدى إلي حدوث تغيير موازين للقوى في شرق آسيا حيث هيمنت القوات اليابانية بعد ضرب بيرل هاربور وهزيمة القوات الأميريكية هناك على دول شرق آسيا حيث تابع اليابانيون هجماتهم بالسرعة والفعالية على دول شرق آسيا وأصبحت في غضون عدة أشهر سيدة بحار الباسفيك تتجول بحرية تامة وتمارس سيادة مطلقة علي شواطئه بداية من ميدواى حتى شواطئ الصين وبداية من الأيوشين جهة أستراليا بالإضافة إلى قسم كبير في مياه المحيط الهندي .
وبعد حوالي شهرين كانت بداية الرد العسكري الأميريكي علي اليابان حيث نظمت البحرية الأميريكية عملية إرتداد على اليابانيين فقد بادرت وحدات مشتركة إلى إبادة جزر مارشال وجليبير كما أغارت قاذفات أميريكية على جزيرة ويك وفي يوم 4 مارس عام 1942م تمت غارة أخرى على جزر ماركوس التي تبعد 1500 كيلو متر من طوكيو وفي يوم 10 مارس عام 1942م أغارت طائرات منطلقة من حاملات الطائرات على القواعد اليابانية في لاي وسلامودا في جزيرة غينيا الجديدة ثاني أكبر جزر العالم والتي تقع شمال قارة أستراليا قرب إندونيسيا في جنوب غرب المحيط الهادي وأغرقت سفينة جوالة خفيفة وكاسحة ألغام ثم سفينة شحن إضافة إلى ذلك فقد كان الأميريكيون يعدون مفاجأة أخرى شديدة للعدو فقد بدأت أمريكا ضرب اليابان نفسها في يوم 18 أبريل عام 1942م للمرة الأولى وذلك بشن غارة جوية علي الأرخبيل الياباني بواسطة الطائرات الأميريكية وإستمرت بعد ذلك المعارك بين الجانبين إلي أن قامت معركة ميدواى والتي كانت المعركة المحورية في جبهة المحيط الهادى خلال المدة من يوم 4 إلي يوم 7 يونيو عام 1942م والتي كانت تريد اليابان من خلالها سحق الولايات المتحدة كقوة إستراتيجية في المحيط الهادى والتي تمكنت القوات البحرية الأميريكية خلالها بشكل حاسم من صد هجوم قوات البحرية الإمبراطورية اليابانية على جزيرة ميداوي مما ألحق الضرر بالأسطول الياباني مما ترتب عليه تحويل دفة الحرب على ساحة المحيط الهادى حيث أنه عقب هذه المعركة والتي خسرتها اليابان بدأ التفوق الأميريكي والذي إنتهى بهزيمة اليابان في النهاية وإستسلامها .
وفي وقت غير معلوم بالتحديد من نهاية عام 1943م سقطت طائرة أميريكية مقاتلة كانت تقل فريد وتؤكد التقارير وقوع الحادثة في قارة آسيا لكنها تتضارب حول تحديد الموقع الدقيق بين جزيرة غينيا الجديدة وإندونيسيا وإعتبرته الولايات المتحدة مفقودا أثناء العمليات الحربية وأصبح فريد أسير حرب بيد اليابانيين الذين كان يتمتع بشعبية طاغية في بلادهم قبل الحرب لسبق فوزه ببطولات عدة في اليابان ويروي الغطاس التاريخي سامي لي والذى كان يعد فريد المثل الأعلى له وبطل طفولته إنه إلتقى مصادفة في أحد المستشفيات بقائد السرب الجوي الذي كان يضم طائرة فريد سميكة وأنه أخبره أن سباحا أوليمبيا أميريكيا آخر كان قد وقع في يد اليابانيين أثناء الحرب وإقتيد إلى نفس معسكر الإعتقال الذي قضى فيه فريد فترة من الزمن وأنه عند دخوله إلى المعسكر شاهد مجموعة من الرؤوس المقطوعة علقها اليابانيون على أسوار المعسكر وكان ذلك في أوائل عام 1944م لإثارة ذعر الأميريكيين تعرف منها على رأس صديقه السابق فريد سميكة ولاحقا إستطاع سامي لي الوصول إلى عائلة فريد سميكة وأخبرهم بالقصة وبدورهم أخبروه أن الحكومة الأميريكية قد إعتبرتة شهيدا في عام 1945م وكرمته بوسام عسكري وأخبره إبنه الذي أصبح بدوره طيارا مقاتلا أنهم كانوا قد ظنوا خطأ أنه قتل في مكان ما من شمال أفريقيا على أيدي الألمان أو الطليان بعدما أجبروه على العمل كمترجم ومما يذكر أن فريد سميكه كان قد تنبأ لسامي لي بأنه سيصير بطلا أوليمبيا وبالفعل صار سامي لي أول رجل غير أبيض يفوز بميدالية أوليمبية في رياضة مائية وأول من يفوز بميداليتين ذهبيتين أولمبيتين علي التوالي وذلك في دورة لندن عام 1948م ويذكر سامي لي أن المصريين في لندن قد قالوا له حينذاك لقد جعلت من فريد سميكة ملهما وهاهي نبوءته قد تحققت ويذكر سامي لي أيضا أنه كان قد إلتقي ذات يوم بفريد سميكة وأن غاضب من تعنيف مدربي جيمس ريان لي في التدريبات فسألني البطل المصري هل تعرف لماذا يحتد عليك هذا المدرب لأنني عندما حققت الميدالية الذهبية في أولمبياد أمستردام عام 1928م عادت لجنة التحكيم بعد 3 أيام لتقول أن هناك خطأ وأن علي التنازل عنها لصالح سباح أمريكي ورغم عرض البطل الأميريكي منافسي بيتي ديسجاردنس بإحتفاظي بالميدالية وإقراره بأنني الفائز بها إلا أنني رفضت وقلت له سأعود في عام 1932م لأحققها ولكن جيمس ريان وكان مدربي حينذاك ألقى بالكراسي في حمام السباحة بعد إعادة التتويج وسحب الميدالية وقال أمام الجميع سأعود لكم ببطل من غير أصحاب البشرة البيضاء ليهزمكم جميعا ويحقق الذهب ويضيف سامي لي إختتم سميكة حديثه معي قائلا أنت هذا البطل يا سامي .
وكما ذكرنا في مقدمة هذا المقال فمن أهم معالم شارع عمار بن ياسر أنه يوازى السور الخلفي للكلية الحربية والتي يرجع تاريخ نشأتها في مصر لعام 1815م حيث أقيمت أول مدرسة عسكرية في مصر لتخريج ضباط الجيش في عهد محمد على باشا بحي بولاق بالقاهرة وذلك من أجل تخريج ضباط أكفاء يعتمد عليهم في بناء جيش نظامي حديث حيث كان محمد علي يدرك ويعي تماما أنه لابد من تأسيس قوة عسكرية نظامية حديثة ضمن مخططه الذى يستهدف بناء دولة عصرية حديثة علي النسق الأوروبي في مصر من ناحية ومن ناحية أخرى من أجل تحقيق أهدافه وأطماعه التوسعية وبحيث تكون تلك القوة العسكرية هي الأداة التي تحقق له تلك الأهداف وكان الجيش قبل توليه الحكم وفي بدايات حكمه يتكون من فرق غير نظامية تميل بطبيعتها إلي الشغب والفوضى والتمرد والعصيان وكان معظمها من الأكراد والألبان والأتراك والشراكسة إلي جانب جماعات من القبائل العربية التي إستوطنت مصر سواء في الصعيد أو في الصحراء الغربية والذين كان يلجأ إليهم الولاة كمرتزقة وقت الحاجة وكانت أعمال تلك الفرق بدائية ولا تتعدى أساليب حرب العصابات في الكر والفر فرأى محمد علي باشا أن جيشا بهذا الشكل لا يمكن الإعتماد عليه في تحقيق أهدافه ومن هنا بذل قصارى جهده في إنشاء جيش يماثل ويضارع الجيوش الأوروبية الحديثة في تكوينها وتشكيلاتها وقتالها ونظامها وإنضباطها فقرر أن يستبدل هؤلاء الجنود الغير نظاميين بجيش نظامي منضبط وطبقا للنظم العسكرية الحديثة .
وبدأ محمد علي في تنفيذ خطته لتكوين جيش قوى وحديث في عام 1815م أى بعد حوالي 10 سنوات من توليه الحكم بعد إنتهاء حملته العسكرية الأولي في الحجاز ضد الوهابيين حيث قرر تدريب عدد من جنود الأرناؤوط التابعين لفرقة إبنه طوسون باشا علي النظم العسكرية الحديثة في المدرسة العسكرية التي قام بإقامتها خصيصا لهذا الغرض في بولاق ولم يستجب هؤلاء الجنود لهذا الأمر بسبب طبيعتهم التي تميل إلى الفوضى والعشوائية فهاجوا وثاروا وهاجموا قصر محمد علي ودار قتال شرس بينهم وبين حرس القصر الذين إستطاعوا بعد عناء شديد أن يسيطروا على الموقف وهنا أدرك محمد علي تماما أنه لا يمكنه الإعتماد على أمثال هؤلاء الفوضويين من أجل تحقيق هدفه فأجل تنفيذ فكرته بعض الوقت وبعد حوالي 5 سنوات وفي عام 1820م لجأ محمد علي إلي الحيلة فأنشأ مدرسة حربية في أسوان وألحق بها ألف جندى من مماليكه ومماليك كبار أعوانه وقام بتدريبهم علي النظم العسكرية الحديثة علي يد ضابط فرنسي إسمه جوزيف سيف جاء إلي مصر عارضا خدماته علي محمد علي وإستوطن في مصر وإعتنق الإسلام وأصبح إسمه سليمان باشا الفرنساوى وقام هذا الرجل بجهد جبار في مجال إنشاء وتدريب وتسليح الجيش المصرى الحديث مع محمد علي باشا وإبنه القائد إبراهيم باشا وبعد مرور 3 سنوات من التدريبات العملية الشاقة نجحت التجربة نجاحا باهرا وتخرجت تلك المجموعة علي يد سليمان باشا الفرنساوى وليكون هؤلاء الضباط هم النواة واللبنة الأولي التي بدأ بها تكوين الجيش المصرى العصرى الحديث ويعتبر سليمان باشا الفرنساوى أبو العسكرية المصرية الحديثة وتكريما له أطلق إسمه علي شارع وميدان من أهم شوارع وميادين وسط القاهرة وبعد قيام ثورة 23 يوليو عام 1952م تم تغيير إسم الشارع والميدان فأصبحا شارع وميدان طلعت حرب وتم نقل تمثاله لتوضع في ساحة المتحف الحربي بالقلعة .
وبعد ذلك كان أمام محمد علي مشكلة وهي أنه بالتجربة ثبت أن الجنود الأكراد والألبان والأتراك والشراكسة لا يصلحون لكي يكونوا جنود في جيشه نظرا لعدم تقبلهم فكرة أن يندرجوا في جيش نظامي ولذا تحجج بحاجته إليهم في تأمين الثغور والحدود فأرسلهم إلي دمياط ورشيد ليخلي القاهرة منهم ولكي يطمئنهم أرسل بعض من أبنائه معهم كقادة لهم ثم أرسل إلى إبنه إسماعيل ليمده بعدد 20 ألف جندى من السودان بعد أن فتحها وضمها لمصر ليتم تدريبهم علي النظم العسكرية الحديثة في معسكرات تم إعدادها خصيصا لهذا الغرض في بني عدى قرب أسيوط ولكن تلك التجربة فشلت أيضا فشلا ذريعا نظرا لتفشي الأمراض بين الجنود السودانيين لإختلاف المناخ وعدم التأقلم علي الحياة العسكرية الشاقة وهنا أسقط في يد محمد علي وأدرك أنه لا مفر أمامه سوى الإعتماد على أبناء الفلاحين المصريين الذين لم يتجاوبوا أولا معه وكانوا يعتبرون أن إنخراطهم في سلك الجندية يعتبر نوع من السخرة ولكن بمرور الوقت تقبلوا هذا الأمر خاصة وأنهم شعروا تحت راية الجيش بروح الكرامة والعزة وأنهم يضمنون المأكل والملبس أثناء تجنيدهم بدلا من عملهم الشاق في الزراعة ونجحت تلك التجربة نجاحا باهرا وفي خلال 4 سنوات فقط وبحلول شهر يونيو عام 1824م أصبح لدى محمد علي باشا حوالي 25 ألف جندى نظامي تم تقسيمهم إلى عدد 6 كتائب فأمر بنقلهم إلي القاهرة وبذلك أصبح لمصر جيش نظامي بدأت أعداده في الزيادة وبعد 9 سنوات وفي عام 1833م بلغ تعداده حوالي 169 ألف جندى وضابط وبعد 6 سنوات أخرى وفي عام 1839م بلغ العدد حوالي 236 ألف جندى وضابط مما إستدعي إنشاء ديوان تمت تسميته ديوان الجهادية يكون إختصاصه الإشراف علي الجيش وتنظيم شئونه وتأمين إحتياجاته من الذخائر والأسلحة والمعدات والمؤن والأدوية وخلافه وتنظيم الرواتب والأجور وهو ماتطور بعد ذلك إلى نظارة ثم وزارة الحربية والآن أصبح يسمى بوزارة الدفاع كما أنشأ محمد علي باشا في عام 1836م مدرسة سماها المدرسة التجهيزية كانت مهمتها تجهيز وإعداد الطلبة للإلتحاق بالمدرسة الحربية والتي تحولت بعد ذلك إلي المدرسة الخديوية الثانوية التي مازالت قائمة حتي اليوم والتي تنقلت في أكثر من مكان في القاهرة حيث كانت في البداية بمنطقة القصر العيني ثم تم نقلها إلي حي أبي زعبل ثم إلي حي العباسية بشرق القاهرة عام 1863م حتي إستقرت في مكانها الحالي بشارع درب الجماميز بحي السيدة زينب في عام 1950م .
وقد إنتقلت المدرسة الحربية التي أنشئت في عهد محمد علي بعد ذلك إلى عدد من المواقع في صعيد مصر بإسنا ثم أخميم ثم الخانكة بالقرب من العاصمة القاهرة ثم إلي منطقتي العباسية وحدائق القبة حيث سميت المدرسة الثانوية الحربية وفي عام 1904م تم نقل الكلية إلى مقرها الحالي بشارع العروبة بمصر الجديدة وتعد الكلية الحربية المصرية بذلك أكبر الصروح التعليمية العسكرية وأقدمها في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بجذورها التي تمتد لأكثر من قرن ونصف من الزمان كما تعد أحد مفاخر الوطن العربي على إمتداد وإتساع تاريخه العريق وتقوم الكلية بإعداد الطلبة المستجدين المصريين الحاصلين علي شهادة الثانوية العامة أو الثانوية الأزهرية ليصبحوا ضباطا ثم قادة بالجيش إضافة إلى شباب الدول العربية والأفريقية الصديقة وذلك بعد الإلتحاق بها لمدة أربع سنوات دراسية لفترة 23 شهر ميلادي موزعة علي 3 سنوات ميلادية يحصلون بعدها علي درجة البكالوريوس في العلوم العسكرية التي تمنحها لهم الكلية والتي تتبع وزارة الدفاع المصرية ومما يذكر في هذا الشأن أنه عقب هزيمة الخامس من شهر يونيو عام 1967م ونظرا لحاجة الجيش إلي ضباط مؤهلين بصفة عاجلة تم إختصار مدة الدراسة بالكلية الحربية إلي مدة سنة تقريبا يتخرج بعدها الطالب برتبة الملازم ثاني علي أن يستكمل التدريبات والدراسة العملية اللازمة من خلال التدريبات والدورات التي تجريها الوحدة التي يلتحق بها .
وتاريخيا كان القبول بالكلية الحربية حتي توقيع معاهدة عام 1936م بين مصر وبريطانيا يكاد يكون مقصورا علي أبناء العائلة الحاكمة وأصهارهم وعلي أبناء طبقة كبار الملاك والأعيان وكبار رجال الدولة خاصة في ظل القيود التي كانت تفرضها بريطانيا علي مصر بخصوص تعداد وتسليح الجيش المصرى في ذلك الوقت وبتوقيع هذه المعاهدة يوم 26 أغسطس عام 1936م تم بموجبها فتح أبواب الكلية الحربية أمام أبناء الطبقة الوسطى من الشعب المصرى بهدف تخريج دفعات من الضباط المصريين لكي يتم إلتحاقهم بالجيش المصرى من أجل زيادة عدده وتجهيزه وإعداده للدفاع عن مصر والقناة بعد إنتهاء مدة المعاهدة المحددة بعشرين عاما حتي يمكن الإستغناء نهائيا عن وجود أى قوات بريطانية في مصر في خلال هذه المدة وتشاء الأقدار أن يلتحق تباعا بالكلية الحربية حينذاك مجموعة من الشباب المصرى معظمهم من الطبقة المتوسطة كان منهم الرئيسان الراحلان جمال عبد الناصر وأنور السادات بالإضافة إلي صلاح سالم وجمال سالم وحسن إبراهيم وزكريا محيي الدين وخالد محيي الدين وحسين الشافعي وعبد المنعم أمين ويوسف صديق وعبد الحكيم عامر وكمال الدين حسين وباقي تنظيم الضباط الأحرار الذين سيقومون بخلع الملك فاروق من الحكم وإنهاء عهد الحكم الملكي في مصر بعد عدة سنوات قليلة بعد قيام ثورة 23 يوليو عام 1952م ومن ثم نفيه خارج مصر التي غادرها إلي إيطاليا مساء يوم 26 يوليو عام 1952م .
وكان من أشهر خريجى الكلية الحربية رؤساء الجمهورية السابقين اللواء محمد نجيب وهو دفعة شهر نوفمبر عام 1917م وجمال عبد الناصر وهو دفعة شهر يوليو عام 1938م وأنور السادات وهو دفعة شهر فبراير عام 1938م وحسني مبارك وهو دفعة عام 1948م والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي وهو دفعة عام 1977م إلي جانب نواب رئيس الجمهورية السابقين عبد اللطيف البغدادي والمشير عبد الحكيم عامر وزكريا محي الدين وكمال الدين حسين وحسين الشافعي وعلي صبرى واللواء عمر سليمان كما كان من خريجي هذه الكلية العريقة من تقلد منصب رئيس الوزراء منهم زكريا محيي الدين وكمال الدين حسن علي كما برز العديد من القادة العسكريين من خريجي هذه الكلية منهم القادة الذين تولوا إعادة بناء القوات المسلحة المصرية بعد نكسة عام 1967م ومنهم الفريق أول محمد فوزى والفريق عبد المنعم رياض والفريق أول محمد أحمد صادق والفريق أول مدكور أبو العز وكان من خريجي الكلية أيضا قادة حرب أكتوبر العاشر من رمضان الكبار ومنهم المشير أحمد إسماعيل علي القائد العام والفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان والمشير محمد عبد الغني الجمسي رئيس هيئة العمليات واللواء إبراهيم فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية والإستطلاع والفريق محمد سعيد الماحي قائد سلاح المدفعية وقائدا الجيشين الثاني والثالث الميدانيين اللواء سعد مأمون واللواء عبد المنعم واصل والعميدان نبيل شكرى ومحمود عبد الله قائدا قوات الصاعقة وقوات المظلات وكان من خريجي الكلية أيضا من تقلدوا منصب وزير الدفاع والإنتاج الحربي والقائد العام للقوات المسلحة ومنهم المشير أحمد بدوى والمشير محمد عبد الحليم أبو غزالة والفريق أول يوسف صبرى أبو طالب والمشير محمد حسين طنطاوي والفريق أول صدقي صبحي والفريق أول محمد زكي وكان من خريجي الكلية أيضا من تولوا منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية ومنهم المشير محمد علي فهمي والفريق عبد رب النبي حافظ والفريق إبراهيم العرابي والفريق صفي الدين أبو شناف والفريق صلاح الدين عطية حلبي والفريق مجدى حتاتة والفريق حمدى وهيبة والفريق سامي عنان والفريق محمود حجازي والفريق محمد فريد حجازى والفريق أسامة عسكر وبالإضافة إلي ماسبق كان من خريجي الكلية الحربية من الشخصيات العامة الأديب الكبير الراحل يوسف السباعي والفنان الكبير أحمد مظهر والدكتور ثروت عكاشة الذى كان من أشهر من شغلوا منصب وزير الثقافة في حقبة الستينيات من القرن العشرين الماضي وصلاح نصر مدير المخابرات العامة المصرية في الفترة من عام 1958م وحتي عام 1967م وأمين هويدى الذى شغل منصب وزير الحربية ثم مدير المخابرات العامة المصرية بعد عام 1967م والمؤرخ العسكرى جمال حماد .
|