بقلم المهندس/ طارق بدراوي
موسوعة" كنوز الدنيا"
شارع عقبة بن نافع هو أحد شوارع حي مصر القديمة بالقاهرة وهو يمتد من شارع كورنيش النيل ويسير شرقا متقاطعا مع شارع الصحابي الزبير بن العوام وشارع الصحابي عبادة بن الصامت وينتهي بنقطة تقاطعه مع شارع الصحابي قيس بن سعد وحي مصر القديمة هو أحد أحياء مدينة القاهرة عاصمة مصر ويقع جنوبي القاهرة ويضم القاهرة القبطية والفسطاط ومنطقة المنيل وجزيرة الروضة وهو يعد من الأحياء العريقة في مدينة القاهرة وكانت منطقة مصر القديمة سابقا تسمي بمصر العتيقة ويحد حي مصر القديمة من الشمال حي السيدة زينب ومن الجنوب حي البساتين ودار السلام ومن الغرب يفصل النيل بينه وبين حي الجيزة والدقي ومن الشرق حي الخليفة وينقسم حي مصر القديمة إلي عدة مناطق فرعية هي الفسطاط وخرطة أبو السعود وعزبة الفسطاط والفرنساوي وخرطه الشيخ مبارك والمنيل والروضة ومنطقه كوم غراب وفم الخليج والمدابغ وحسن الأنور والسكر والليمون وأرض السادات ودير النحاس وهرمل وأثر النبي وأبو سيفين والطيبي والجباسة وحوش الغجر وعشش القرود والعلواية وكانت أحدث التجمعات السكنية بهذا الحي هي مدينة الفسطاط الجديدة والتي تقع خلف حديقة الفسطاط بين بحيرتي عين الصيرة وهي أرقى منطقة سكنية الآن بالحي ويتم أمامها مباشرة إنشاء متحف الحضارات بمنحة من منظمة اليونيسكو والذي سوف يصبح أكبر المتاحف المصرية بعد المتحف المصري الكبير بالهرم وبجوار المتحف تم إنشاء مبنى دار الوثائق القومية بمنحة من الدكتور محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة إحدى إمارات دولة الإمارات العربية المتحدة وعاشق مصر وعاشق الثقافة والعلم حيث تبرع الرجل الذى يعشق مصر وشعبها بمبلغ 120 مليون جنيه من أجل بناء مقر جديد لدار الوثائق القومية بمنطقة مصر القديمة .
وينسب شارع عقبة بن نافع للقائد والمجاهد المسلم التابعي عقبة بن نافع الفهري القرشي المولود في العام الأول قبل الهجرة بمكة المكرمة والذى آمن بالنبي محمد صلي الله عليه وسلم ولكنه لم يره وهو يعد قائد من أبرز قادة الفتح الإسلامي الذين فتحوا بلاد أفريقية والمغرب العربي في صدر الإسلام في عهد الخلافة الراشدة وأيضا في عهد الدولة الأموية ولقب بفاتح أفريقية حيث برز إسمه مبكرا في ساحة أحداث حركة الفتح الإسلامي التي بدأت تتسع بقوة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب حيث إشترك هو وأبوه نافع في الجيش الذي توجه لفتح مصر وتحريرها من الرومان بقيادة عمرو بن العاص والذي توسم فيه خيرا وشأنا في حركة الفتح فأرسله إلى بلاد النوبة لفتحها فلاقى هناك مقاومة شرسة وقتالا شديدا ففي أول يوم رشقوهم بالنبل وجرح منهم عامتهم وإنصرفوا بجراحات كثيرة فلم تفتح النوبة ورجع عقبة بالجند ولكنه مهد السبيل أمام من جاء بعده لكي تدخل بلاد النوبة في الإسلام بدون أن تفتح حينما تولي ولاية مصر عبد الله بن سعد بن أبي السرح فسأله أهل النوبة الصلح والموادعة فأجابهم إلى ذلك وإصطلحوا على غير جزية على هدية ثلاثمائة رأس في كل سنة ويهدي إليهم المسلمون طعاما مثل ذلك وبعد عودة عقبة من النوبة أسند إليه عمرو بن العاص مهمة قيادة دورية إستطلاعية لتفقد أحوال منطقة برقة ولدراسة إمكانية فتح الشمال الأفريقي وتأمين الحدود الغربية والجنوبية لمصر ضد هجمات الروم وحلفائهم من قبائل البربر ولكي يوافوه بأخبارها قبل أن يتقدم إليها فسار عقبة إلى زويلة وأطراف برقة وما جاورها من البلاد وتبين له أن قبائل البربر التي تقطن تلك النواحي كانت في سكون شامل وهدوء كامل وأرسل عقبة المعلومات التي حصل عليها إلى عمرو بن العاص الذي قرر مواصلة السير لفتح كامل بلاد إنطابلس التي تعرف اليوم ببرقة ولم يكن الطريق إلى برقة آنذاك صحراويا بل كانت عليه سلسلةٌ من المدائن والمنازل متصلة وأكثره أرض خصبة ذات زرع وكانت الرحلة بمثابة نزهة للمسلمين فلم يصادفوا مقاومةً تذكر وإنضمت إليهم أثناء السير بضعة قبائل بربرية معلنةً ولائها للإسلام والمسلمين ولما بلغت خيل إبن العاص برقة ضربوا الحصار عليها وعرض عليهم عمرو بن العاص الثلاث خصال التي عرضها على المقوقس وأهل مصر ومن قبلهم الشام وهي الإسلام أو الجزية أو القتال ووجد أهل برقة أنه لا طاقة لهم بقتال المسلمين فقبلوا المصالحة على أن يؤدوا جزية للمسلمين قوامها 13 ألف دينار وأن يبيعوا من أحبوا من أبنائهم في جزيتهم وقيل كذلك دينار عن كل شخص بالغ .
وإستمر عمرو بن العاص مسيره بالجند حتى طرابلس فحاصرها شهرا وعلم المسلمون آنذاك أنّ الجهة البحرية خالية من الدفاعات وغير محصنة وأنهم يستطيعون النفاذ إليها من هناك فرأوا إستغلال حركة الجزر وإنتظار إنحسار الماء عن المدينة من جهة البحر فدخلت جماعة منهم بين أسوار المدينة والبحر وقاتلت الحامية المسؤولة عن الدفاع عن هذه الجهة وصاح أفرادها الله أكبر فترددت أصداء التكبير في أزقة المدينة وطرقاتها فذعر المدافعون عنها ودبت الفوضى في صفوفهم فحملوا ما إستطاعوا من متاعهم وأسرعوا إلى السفن وأبحروا عليها هاربين ولما رأى الحراس فرار الحامية البيزنطية تركوا مراكزهم فدخل عمرو وجيشه إلى المدينة وفي اليوم التالي فاجأ إبن العاص أهل سبرت بخيله وكانوا مستأمنين على منعة طرابلس التي كانت تحول بينهم وبين المسلمين فهاجمها صباحا على حين غرة وذعر السكان وقد ظنوا أن المسلمين لا يزالون يحاصرون طرابلس فإضطروا إلى فتح أبواب المدينة عند أول هجمة إسلامية وإستولي المسلمون على ما فيها لأنّها فتحت عنوة ولما تمكن إبن العاص من فتح سبرت كاتب الخليفة عمرَ بنَ الخطاب يعلمه بالنصر وأن التالي بلاد أفريقية أي تونس وما بعدها ويستأذنه في إفتتاحها فأبى عمر قائلا لا إنها ليست بأفريقية ولكنها المفرقة غادرةٌ مغدور بها لا يغزوها أحد ما بقيت ويروي البلاذري ما مفاده أن الخليفة لما سمع بأخبار أفريقية وأوضاعها السياسية وتاريخها عرف أنها ليست مأمونة الجانب ولا ميسورة الفتح ولا قريبة الطاعة فعجل بإيقاف عمرو وخلال الفترة ما بين تمام فتح برقة وحصار المسلمين لطرابلس وفتحها كان عمرو بن العاص قد وجه عقبة بن نافع نحو الطريق الداخلي بين برقة وزويلة لإفتتاح الواحات حتى لا تتحول إلى أماكن تجمع للمقاومة البربرية فتقطع طريق العودة على المسلمين فإفتتح أجدابية في طريقه صلحا على أن تؤدي 5 آلاف دينار جزية للمسلمين ثم واصل عقبة حتى بلغ زويلة فصالحه أهلها وصار ما بين برقة وزويلة للمسلمين وبعد أن تم فتح إقليمَي طرابلس وفزان شارك عقبة في الحملات التي تلت ذلك لإتمام إخضاع بقية قبائل الصحراء وإدخالها في الإسلام أو العهد وولاه عمرو بن العاص برقة بعد فتحها وعاد إلى مصر لأنه كان يعرف ويدرك مهارته في القيادة وفي المبارزة والقتال .
وقد تعاقب عدة ولاة على مصر بعد واليها الأول عمرو بن العاص كان منهم عبد الله بن سعد بن ابي السرح ومحمد بن أبي بكر ومعاوية بن حديج وغيرهم وأقر جميعهم عقبة بن نافع في منصبه كقائد لحامية برقة وقد ظل عقبة أيضا في منصبه قائدا لحامية برقة خلال عهدي الخليفتين عثمان بن عفان وعلي بن أبى طالب وكان عقب إغتيال الخليفة عمر بن الخطاب في شهر ذى الحجة عام 23 هجرية أن تولي الخلافة الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان وعين عبد الله بن سعد بن أبي السرح علي ولاية مصر بدلا من عمرو بن العاص والذى أرسل إلي الخليفة الجديد عثمان بن عفان أنه سوف يستكمل الفتوحات الإسلامية في بلاد أفريقية فوافقه الخليفة وأرسل له مددا يتكون من 10 آلاف فارس وسمي هذا الجيش بجيش العبادلة لكثرة من إسمهم عبد الله فيه مثل عبد الله بن سعد بن أبي السرح وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص كما أمد الخليفة عثمان بن عفان الجيش بألف بعير من عنده لنقل العاجزين وإجتمع القائدان عبد الله بن سعد بن أبي السرح وعقبة بن نافع فقال له عقبة إن المعركة ستكون مع ملك طاغية يبسط نفوذه من طرابلس إلى طنجة والقبائل تظهر له الولاء والطاعة لأنه خلصهم من حكم الروم وإنفصل عن البلاط البيزنطي وإسمه جريجوريوس ونحن لن نقاتل هذه القبائل بل سنذهب إلى مقره الذي يمارس فيه ظلمه وطغيانه والتي يتخذها عاصمة له وهي سبيطلة وهي مدينة حصينة تقع في وسط غرب تونس وتم تجهيز الجيش وإنطلق الجيش إلى العاصمة وكانت أنباء هذا الجيش قد وصلت إلى مسامع جريجوريوس فجمع ضباطه وجنوده وخطب فيهم خطبة حماسية لكي يجعلوا نهاية العرب علي أيديهم في هذه المعركة الفاصلة وأعلن جريجوريوس مكافأة ضخمة وسخية لمن يقتل القائد عبد الله بن سعد بن أبي السرح وهي 1000 دينار وأن يزوجه إبنته وسمع عبد الله بن سعد بالمكافأة فضحك ساخرا وأعلن في الجيش الإسلامي أن من يقتل جريجوريوس له ألف دينار ويزوجه إبنة هذا الملك ودارت إشتباكات بين الفريقين لم تسفر عن نتيجة حاسمة وإستبطأ الخليفة عثمان بن عفان النصر فأرسل مددا آخر لهذا الجيش بقيادة عبد الله بن الزبير لم يلبث أن وصل وإنضم إلى الجيش الإسلامي وعقد عبد الله بن سعد وعبد الله بن الزبير إجتماعا لوضع خطة الغزو وقال عبد الله بن الزبير مادام الفارق بيننا وبينهم كبير في العدد والعتاد فيجب أن ندبر حيلة لقهرهم وخاصة أن مدينة سبيطلة ذات أسوار عالية ولا يمكن إقتحامها بسهولة والحيلة هي أن نجهز مجموعة من الفرسان الخبراء المهرة بعيدا عن الإشتباكات حتي إذا إنتهت الإشتباكات عند الظهر وأراد الأعداء أن يعودوا إلى مواقعهم تنقض عليهم هذه المجموعة فتبيد بعضهم وتأسر البعض الآخر فوافق عبد الله بن سعد على هذه الفكرة وبالفعل بدأت الإشتباكات في اليوم التالي وعندما إنتهت في وقت الظهر كما جرت العادة في الأيام السابقة وعندما تراجع مقاتلو الروم البربر فاجأتهم المجموعة التي تم إختيارها بعناية من أبطال المسلمين وإقتحمت مدينة سبيطلة وقتلت القائد جريجوريوس وأسرت إبنته وإنتهت بذلك أخطر قوة كانت تناوئ المسلمين في هذه البلاد .
وفي زمن الفتنة منذ أواخر عهد الخليفة عثمان بن عفان وخلال عهد الخليفة علي بن أبي طالب نأى عقبة بن نافع بنفسه عن أحداثها وصب إهتمامه على الجهاد ونشر الإسلام بين قبائل البربر ورد غزوات الروم في بلاد الشمال الأفريقي وبعد أن إستقرت الأمور عام 41 هجرية وأصبح معاوية بن أبي سفيان خليفة للمسلمين أصبح معاوية بن حديج واليا على مصر وأُرسل عقبة إلى الشمال الأفريقي في حملة جديدة لمواصلة الفتح الإسلامي الذي توقفت حركته أثناء الفتنة حيث كانت هناك عدة بلاد في الشمال الأفريقي قد خلعت طاعة المسلمين بعد إشتعال الفتنة ومنها ودان وأفريقية وجرمة وقصور خاوار فحارب عقبة تلك القرى وأعادها إلى الدولة الإسلامية وإستخلف معاوية عقبة علي أفريقية وبعث إليه عشرة آلاف فارس فأوغل بهم في بلاد المغرب حيث تغلغل في الصحراء بقوات قليلة وخفيفة لشن حرب عصابات خاطفة في أرض الصحراء الواسعة ضد القوات الرومية النظامية الكبيرة التي لا تستطيع مجاراة المسلمين في الحرب الصحراوية وإستطاع عقبة وجنوده أن يقضوا على الحاميات الرومية المختلفة في منطقة الشمال الأفريقي حتى أتى واديا فأعجب بموقعه وبنى به مدينته المشهورة وسماها القيروان أي محط الجند حيث إتخذها قاعدة الجيش الإسلامي المتقدمة والواغلة في المغرب الكبير كما بنى بها جامع القيروان الكبير والذى لا يزال حتى الآن يعرف بإسم جامع عقبة وفي عام 55 هجريةعزله معاوية بن أبي سفيان وولى بدلا منه أبو المهاجر دينار أفريقية فعاد للمشرق وبعد وفاة معاوية وفي خلافة إبنه يزيد أعاد عقبة مرة ثانية للولاية عام 62 هجرية حيث ولاه المغرب بعد أن فصل ولاية أفريقية عن ولاية مصر وجعلها ولاية مستقلة بذاتها فرحل عقبة من الشام ومعه خمسة وعشرون رجلا من الصحابة وعشرة آلاف فارس ولما مر بمصر إستقبله واليها مسلمة بن مخلد ولما دخل عقبة أفريقية إعتقل أبا المهاجر وألبسه الحديد وأعاد إعمار القيروان وجهز عقبة جيشا قوامه حوالي 10 آلاف جندي وإستخلف زهير بن قيس البلوي على القيروان وخرج للغزو فزحف إلى الجريد والتي تقع جنوب غرب تونس أولا وفتحها فتحا ثانيا كما فتح حصن لميس ومدينة باغانة حيث دار قتال عنيف مع الروم إنتهى بإنتصار المسلمين وحصولهم على الكثير من الغنائم كذلك صالح عقبة أهل فزان وتابع تقدمه غربا نحو الزاب وهي منطقة تقع في الشمال الشرقي للصحراء الجزائرية أسفل سفوح جبال أطلس الصحراء وإصطدم مع الروم في وادي المسيلة وهزمهم وتقدم نحو مدينة تاهرت التي تقع شمالي الجزائر فهزم جموع البربر من قبائل زناتة ومكناسة وهوارة وغيرها ولما إقترب من المدينة إستغاث البربر بالروم الذين أسرعوا لنجدتهم لأنهم وجدوا الفرصة سانحة للإنتقام من المسلمين وتجديد التحالف مع البربر ولما رأى عقبة كثرة العدو وقف خطيبا في صفوف الجيش فحمد الله وقال أيها الناس إن أشرافكم وخياركم الذين رضي الله عنهم وأنزل فيهم كتابه بايعوا رسول الله ﷺ بيعة الرضوان على من كفر بالله إلى يوم القيامة وهم أشرافكم باعوا أنفسهم من رب العالمين بجنته بيعةً رابحة وأنتم اليوم في دار غربة فلاقوا أعداءكم بقلوب صادقة فقاتلوا عدوكم على بركة الله وعونه والله لا يرد بأسه عن القوم المجرمين وإشتبك المسلمون والروم في معركة إنتهت بهزيمة الروم وحاولوا الإنسحاب مع حلفائهم من البربر والفرنجة إلى داخل تاهرت فقطع عليهم المسلمون الطريق إلى باب المدينة وقتلوا كثيرا منهم وغنموا أموالهم وسلاحهم .
وبعد تحقيق عقبة بن نافع لهذه الإنتصارات توجه إلى بلاد المغرب الأقصى قاصدا مدينة طنجة وتحول عقبة في سيره نحو الساحل عبر ممر تازة بشمال شرق المغرب بإتجاه طنجة وإنهزم البربر والأفارقة أمامه بعد أن كثر فيهم القتل فلاذوا بالحصون والقلاع وفي هذه المعارك قتل الكثير من البربر وخاصةً بربر قبيلة أوربة الأمازيغية فكان ذلك عاملا مهمًا دفع زعيمهم كسيلة إلى الفرار من الجيش مترصدا عقبة حتى يعود إلى الشرق من غزوته ليثأر منه لنفسه وللبربر وأخذ يعد جيشا بربريا بالإتفاق والتنسيق مع الروم للتصدي لعقبة ولم يحاصر عقبة الحصون التي تتطلب جهدا وقوة لفتحها وفضل مهاجمة غير البربر من سكان المغرب النصارى وتوغل غربا حتى وصل قرب طنجة وعندما وصل المسلمون إلى أحواز إمارته سارع يوليان حاكم طنجة وسبتة لمقابلة عقبة وقدم إليه الهدايا طالبا المهادنة وعقد معه معاهدة صلح وأرشده إلى مواطن الضعف عند البربر ووجهه نحوهم وتجنب الصدام مع المسلمين فقبل عقبة أن يبقيه أميرا على بلاده وتابع زحفه غربا وفكر عقبة بعبور البحر لمتابعة الفتح في شبه جزيرة أيبيريا فنصحه يوليان بعدم إجتياز البحر حتى لا يترك الروم وراء ظهره بينما البربر أمامه وقال له إن هؤلاء لا يعلم عددهم إلا الله وهم في جاهليةٌ لم يدخلوا في دين النصرانية ولا غيره ووصف له عاداتهم وتقاليدهم فتوجه عقبة للقضاء على ما تبقى من قواعد الروم ولإخضاع بربر المغرب الأقصى وبدأ بالسوس الأدنى خلف طنجة حيث مساكن قبائل مصمودة ثم سار عقبة جنوبا إلى مدينة وليلي القديمة شمالي مدينة مكناس بشمال المغرب فإفتتحها وهناك إلتقى بجموع بربر الأطلس المتوسط وهزمهم وإتبعهم جنوبا إلى صحراء بلاد درعة بوسط المغرب فقاتلهم مجددا وهزمهم وتتبعهم في الصحراء حتى تارودانت جنوبي المغرب وبنى مسجدا في مدينة درعة ثم حول أنظاره نحو الشمال الغربي إلى منطقة تافلالت فدار حول جبال الأطلس العليا ودخل بلاد صنهاجة حيث أطاعه الناس دون قتال وأتبع ذلك بدخول منطقة قبائل هسكورة في طريقه إلى مدينة أغمات بجنوب وسط المغرب قرب مدينة مراكش المغربية ولم يخرج أهل أغمات للقاء المسلمين بل إعتصموا بمدينتهم ولكنهم لم يلبثوا أن نزلوا على حكم عقبة بعد أن ضرب عليهم الحصار مدة قصيرة ومن أغمات إتجه عقبة غربا إلى مدينة تفيس عاصمة منطقة الوادي فضرب الحصار عليها حتى فتحها وبنى فيها مسجدا وبدخول المسلمين مدينة تفيس الحصينة فتح أمامهم وادي السوس الأقصى وقصد عقبة عاصمته وهي مدينة إيجلي التي بنى فيها مسجدا هي الأخرى ودعا عقبة قبائل المنطقة إلى الدخول في الإسلام فأجابته قبائل جزولة الذين أتوه فأسلموا ثم عادوا إلى منازلهم ومن إيجلي سار إلى ماسة جنوبي مدينة أغادير المغربية ومنها إلى رأس إيغيران يطوف على المحيط الأطلسي وبعدما وصل للمحيط إعتقد عقبة أنه أنهى فتح بلاد المغرب ويقال إنه سار بفرسه في مياه المحيط حتى بلغت بطنه وقال يا رب لولا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهدا في سبيلك وورد في موضعٍ آخر إنه قال يا رب لولا أن البحر منعني لمضيت في البلاد إلى مسالك القرنين مدافعا عن دينك مقاتلا من كفر بك وأدخل عقبة فرسه في البحر حتى بلغ الماء السرج وقال اللهم إني أطلب السبب الذي طلب عبدك ذو القرنين فقيل له يا ولي الله وما السبب الذي طلبه فقال ألا يعبد في الأرض إلا الله وحده لا شريك له .
وبعد أن حقق عقبة بن نافع كل هذه الإنتصارات قرر العودة إلى القيروان وفي طريق العودة إستمعت له الكثير من القبائل ودخلت في الإسلام وإنضم بعض رجالها إلى الجيش الإسلامي وترك عقبة أحد أصحابه في منطقة وادي تنسيفت في منتصف المسافة بين مدينتي مراكش والصويرة حاليا يدعى شاكر لتعليم البربر أصول الإسلام وهذا الموضع عرف بإسم هذا التابع فهو رباط شاكر أو رباط سيدي شاكر أو سيدي شيكر حسب النطق الدارج بتلك الأنحاء وحتى ذلك الوقت لم يجد عقبة مقاومة جدية لكنه عندما دخل بلاد دكالة والتي تقع بين الدار البيضاء شمالا ومراكش شرقا وعبدة جنوبا والمحيط الأطلسي غربا ودعا أهلها إلى الإسلام إمتنعوا عليه ودبروا الغدر به فقاتلهم وهزمهم لكن ذلك كلف المسلمين غاليا إذ قتل الكثير منهم بما فيهم عدد من القادة فسمي ذلك الموضع بمقبرة الشهداء ثم تابع عقبة سيره حتى وصل إلى بلاد هسكورة بجبال أطلس الكبرى حيث يقول بعض الباحثين إن معركةً أخرى جرت بين المسلمين وأهل تلك الأصقاع إنتهت بهزيمتهم فيما قال آخرون إن بربر هسكورة فروا من أمام عقبة وأنه لم يقاتله أحد بعد ذلك من أهل المغرب ولما بلغ عقبة مدينة طبنة شرقي الجزائر صرف جل عساكره إلى القيروان حتى بقي في قلة من جنده يقدر عددهم بحوالي 300 رجل فقط معظمهم من الصحابة والتابعين فإستغل كسيلة ذلك للثأر من المسلمين وإتصل بالروم والفرنجة وحشد منهم ومن قبائل البربر غير المسلمة جيشا قوامه خمسون ألف مقاتل تقريبا وإعترض عقبة ومن معه عند تهودة في الزاب جنوب جبال الأوراس شمال شرق الجزائر فلما رأى عقبة جيش العدو أيقن بالنهاية فأخلى سبيل أبي المهاجر وطلب منه الإنصراف إلى المشرق وكذلك من المسلمين الذين يرغبون في العودة وصمم هو على أن يقتل في سبيل الله لكن أبا المهاجر رفض وأفراد الجيش بل إن أبا المهاجر رفض أن تفك قيوده كي لا يغرى بالإنسحاب ونزل هو والجنود عن خيولهم وكسروا أغماد سيوفهم كي لا تعاد فيها وسرعان ما إشتبك عقبة ورجاله مع جيش كسيلة في معركة غير متكافئة فقتل عقبة وأبو المهاجر وأغلب الجيش ووقع في الأسر قلة منهم محمد بن أوس الأنصاري ويزيد بن خلف العبسي واللذين إفتداهما إبن مصاد البربري المسلم صاحب قفصة وأرسلهم إلى زهير بن قيس البلوي نائب عقبة على القيروان وقد ذكرت أغلب المصادر أن المكان الذي قتل فيه عقبة بن نافع ورفاقه هو بلدة تهودة من بلاد الزاب بالقرب من بسكرة وقد سميت المنطقة المجاورة بمدينة سيدي عقبة ويقع اليوم مسجد وضريح ينسب لعقبة بن نافع بها وهي تبعد عن مدينة بسكرة بحوالي 20 كم وهذا المسجد ذكره العلامة إبن خلدون وقال فيه إنه أشرف مزار في بقاع الأرض لما توفر فيه من عدد الشهداء والصحابة والتابعين ويعد ثالث أقدم المساجد في المغرب العربي بعد مسجد القيروان ومسجد أبي المهاجر دينار .
|