الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

شارع الأحنف بن قيس
-ج2-

شارع الأحنف بن قيس 
-ج2-
عدد : 05-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوي
موسوعة" كنوز الدنيا"

وفي العام السابع عشر للهجرة كانت هناك مهمة أخرى شارك فيها الأحنف بن قيس فبعد أن إتخذ الخليفة عمر بن الخطاب قرارا بعدم توغل المسلمين داخل الأراضي الفارسية وجعل الخليفة للمسلمين حامية في منطقة رامهرمز شرقي إقليم الأهواز التي تقع جنوب غرب إيران حاليا وحامية في منطقة مناذر وحامية في منطقة تيرى وكلها مناطق تقع بإقليم الأهواز أما المنطقة التي تقع شرقي نهر تيرى والمنطقة التي تقع شرقي رامهرمز فكانت تحت سيطرة الفرس بقيادة الهرمزان أحد قادة الفرس الكبار وكانت تدفع الجزية للمسلمين على ألا يقاتلوا المسلمين وعلى أن يمنعهم المسلمون إذا حدثت حرب على أهل فارس وكان كسرى يزدجرد حينذاك قد ظل يحفز الجيوش الفارسية لقتال المسلمين الذين سيطروا على أرضهم ومن ثم بدأت الجيوش الفارسية تتجمع وتتجه نحو مدينة تسمى تستر وتقع هذه المدينة على نهر كارون الموجود في منطقة الأهواز وواجه الهرمزان جيش المسلمين الذين إنتصروا عليه فإنسحب نحو حصن تستر المنيع الذى ضرب المسلمون عليه الحصار قرابة 18 شهرا وفي النهاية لم يجد الهرمزان مناصا من أن يصعد أعلي الحصن ويغلق عليه بابه وينادى على المسلمين قائلا إن معي في جعبتي مائة سهم لو أطلقتها لقتلت مائة منكم فسهمي لا يخطئ فأي نصر تحققونه إذا أخذتموني وقتلت منكم مائة فقالوا له ماذا تريد قال أريد أن أنزل على رأي عمر بتأمين سلامتي ومصالحة أهل تستر وبعد أن تناقش المسلمون قَبلَوا عرض الهرمزان فألقى الهرمزان بالسهام وسلم نفسه للمسلمين ووفاءا للعهد مع الهرمزان قرر المسلمون إرساله إلى سيدنا عمر بن الخطاب ليرى فيه رأيه وليحكم فيه ووصلت الأنباء إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتمام النعمة على المسلمين بفتح تستر بعد عام ونصف العام من حصارها وأَسر الهرمزان الذي طالما نقض عهده مع المسلمين عدة مرات فأرسل سيدنا عمر بن الخطاب برسالة يأمر فيها أن يتوجه النعمان بن مقرن على رأس الجيوش الإسلامية إلى مدينة السوس عاصمة الآهواز ويرجع أبو موسى الأشعري بجيشه إلى البصرة وأن يكون على الجيش سيدنا المقترب بن ربيعة وهو من صحابة النبي وكان إسمه الأسود بن ربيعة وقال للنبي لما سأله مَا أَقدمكَ فقال جئت لأقترب إلى الله تعالى بصحبتك فسماه المقترب وأن يأتي إليه الهرمزان ومعه فرقة لحراسته وعلى رأس هذه الفرقة أنس بن مالك رضي الله عنه والأحنف بن قيس رضي الله عنه والمغيرة بن شعبة الثقفي رضي الله عنه حيث كان عمر يعلم تمام العلم أن الهرمزان ذو مكر ودهاء وحيلة فأمر أن تصطحبه هذه الحامية التي على رأسها هؤلاء الثلاثة من المقاتلين المسلمين المهرة حتي المدينة المنورة وفيهما إتنان من الدهاة وهما الأحنف والمغيرة ليرى رأيه في هذا الرجل الذي نقض عهده أكثر من مرة مع المسلمين .

وكانت المهمة الأكبر التي عهد بها الخليفة عمر بن الخطاب للأحنف بن قيس بعد ذلك هي فتح إقليم خراسان الموجود في شرق الدولة الفارسية وكان لهذا الإقليم أهمية قصوى حيث كان هو محل إختفاء كسرى يزدجرد الثالث آخر ملوك الفرس الذى كان قد سقطت دولته وسقطت عاصمته المدائن في يد المسلمين بعد معركة القادسية عام 15 هجرية لكنه ظل علي قيد الحياة وأخذ يتنقل من بلد لآخر ويحرض أهلها علي حرب المسلمين وإنتهي به الأمر آنذاك في مدينة مرو الشاهجان إحدى مدن إقليم خراسان ومن ثم كان من الضرورى توجه جيوش المسلمين إلى حيث يوجد يزدجرد للتخلص منه حيث كان المسلمون يدركون أن التخلص منه سوف ينهي أي وجود للدولة الفارسية التي كان يحاول إحياؤها مرة أخرى وبحيث لا تقوم لها قائمة بعد ذلك فهو الرأس الذي بوجوده يلتف حوله الفرس ويدافعون عنه حماسةً للدولة الفارسية وعلي ذلك فقد كانت حملة خراسان تحمل طابعا خاصا فالجيش متوجه إلى ملك الفرس كسرى الذي بقتله لن تقوم للفرس قائمة وكما ورد في الحديث الذي رواه أبو هريرة إن رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ إِذَا هلك كسرى فَلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذى نفسي بيده لتنفقن كنوزهما فِي سبيل اللَّه ولطابع المعركة الخاص أخرج سيدنا عمر بن الخطاب على رأس الجيش قائدا خاصا كان يقود جيشا للمرة الأولي وهو سيدنا الأحنف بن قيس إذ أخرجه الخليفة عمر بن الخطاب ن البصرة على رأس جيش لفتح خراسان ولمطاردة يزدجرد الثالث كسرى فارس الفار الهارب وفريقه والذى كان منذ مولده كأنما كتب عليه الهروب فقد هربت به أمه وهو طفل خوفا عليه من جده كسرى أبرويز حيث أنجبه والده شهريار بن أبرويز من إحدى الجوارى بالمخالفة لما كان يراه جده فخشيت أن يقتله جده ونشأ في رعاية أخواله في معبد النار بمدينة إصطخر الفارسية ثم أحضروه بعد أن حدثت عدة فتن في البلط الفارسي ولم يجدوا من سلالة آل ساسان إلا يزجرد ليتولى الحكم وكان عمره يومئذ إحدى وعشرين سنةً وفيما بعد ومنذ صعوده إلى عرش فارس وهو يهرب فقد تقلد حكم فارس أثناء وجود الجيوش الإسلامية في العراق وأثناء حكمه دخل المسلمون إلى المدائن في عام 15 هجرية كما ذكرنا في السطور السابقة وإستولوا عليها فهرب كسرى إلى مدينة حلوان وهي في إيران حاليا على بعد ما يقرب من مائتي كيلو متر شرقي المدائن وبدأت الجيوش الإسلامية في إستكمال فتح بلاد فارس وإتجه المسلمون إلى مدينة حلوان وإنتصرت جيوش الإسلام في معركة جلولاء شمالي المدائن عام 16 هجرية فهرب يزدجرد من حلوان إلى الري ومكث في الري فترة لأن سيدنا عمر أمر المسلمين بعدم الإنسياح في بلاد فارس كما ذكرنا في السطور السابقة قبل أن يوطدوا ويدعموا أوضاعهم في البلاد المفتوحة وكان ذلك في العام السابع عشر الهجري ثم واصل المسلمون بعد فترة الدخول والتوغل في أرض فارس بعد نصيحة بعض المخلصين بضرورة غزو الفرس والتخلص من كسرى يزدجرد حيث أنه طالما بقي علي قيد الحياة سيلتف الموالون له حوله سيكون شوكة في ظهور المسلمين ومحرضا علي حربهم وبث الفتنة بينهم من أجل إستعادة عرشه وما فتحوه من بلاد فارس وكان علي رأس هؤلاء الناصحين سيدنا الأحنف بن قيس .

وأخذ سيدنا عمر بن الخطاب برأي سيدنا الأحنف بن قيس قائلا له لقد سبقتني القول ومن ثم بدأ سيدنا عمر يرسل الجيوش لغزو بلاد فارس وأرسل في البداية جيشا إلي الرى كان على رأسه سيدنا نعيم بن المقرن المزني ولما توجه هذا الجيش إلى الري هرب كسرى إلى مرو الشاهجان أو مرو الكبرى في عمق بلاد فارس حتى يأمن من وصول الجيش الإسلامي إليه وإستقر بها ومنها بدأ بتحفيز الجيوش الفارسية مرة أخرى لمحاربة المسلمين وهنا قام بعمر بإصدار امره إلي الأحنف بن قيس قائلا له إذهب إلى أهل البصرة فإني قد وليتك على جيش من جيوشها ثم أرسل رسالة إلى سيدنا أبي موسى الأشعري والي البصرة وسيد قومه فقال له أتاك الأحنف بن قيس سيد قومه فَخذ برأيه وأَمره على جيش من الجيوش وأرسله إلى خراسان وكان ذلك في بداية العام التاسع عشر الهجري حيث إنشغل المسلمون بفتح أصبهان والقتال في منطقة الرى فلم يخرج الأحنف بن قيس بجيشه من البصرة إلا في أواخر العام الحادي والعشرين من الهجرة وتوجه بجيشه إلى خراسان وفي طريقه يمر بأصبهان وقد حاصرها سيدنا عبد الله بن عبد الله بن عتبان فيستكمل طريقه إلى خراسان دون الإشتراك مع جيش عبد الله بن عتبان حيث كان ملتزما إلتزاما شديدا بتنفيذ أوامر سيدنا عمر بن الخطاب ولما توجه نحو خراسان في عمق البلاد الفارسية ليفتحها واجه في بادئ أمره مدينة هرات والتي تقع في غرب أفغانستان حاليا ففتحها عَنوة وبعد الإنتصار الذي حققه في هرات تمركز بها وبدأ بإرسال الجيوش من داخلها فأرسل جيشا لفتح مدينة سَرَخس على رأسه الحارث بن حسان وأرسل مطرف بن عبد الله إلى نيسابور عاصمة خراسان وتقع سرخس وهي في تركمانستان حاليا ونيسابور وهي في شمال شرق إيران حاليا وتسقط المدينتان ويتوجه الأحنف بن قيس بالقوة الرئيسية من هرات إلى مرو الشاهجان التي يتحصن فيها يزدجرد والذى عندما وصل إلي علمه قدوم جيش المسلمين ترك في مرو الشاهجان كنزه الدفين الذي جمعه من المدائن وحلوان والرى وغيرها بعد أن دفنه في مكان لا يعلمه أحد ويتجه إلى مرو الروذ أو مرو الصغرى وهي تقع على بعد مائتي كيلو متر من مرو الشاهجان على أقصى حدود الدولة الفارسية حيث بعدها مباشرة تقع بلاد الصين وإستولى الأحنف بن قيس على مرو الشاهجان وإستخلف عليها حاتم بن النعمان الباهلي وتوجه بجيشه إلى مرو الروذ لمتابعة ومطاردة يزدجرد والذى علم بأن جيش المسلمين يتابعه وأنه قادم من مرو الشاهجان فهرب إلى أقصى شمال الدولة الفارسية إلى مدينة بلخ وهذه المدينة على بعد أربعمائة وخمسين كيلو مترا من مرو الروذ وتقع في أوزبكستان حاليا وبعدها يوجد نهر جيحون ووراء هذا النهر الأراضي التركية كما أنه تقع شرقها مملكة الصين وبين مملكة الصين ومملكة الترك توجد مملكة الصغد والتي إندثرت مع الزمان .

وكان يزدجرد قد أقام المعاهدات مع هذه الدول الثلاثة ألا يغزوهم ولا يغزونه وكان من شروط المعاهدة أن يدافع بعضهم عن بعض وقت الأزمات وقبل أن يهرب يزدجرد من مرو الروذ إلى بلخ أرسل إلى هذه الممالك الثلاثة لينجدوه من هذا الهجوم المتوالي والمطاردة العنيفة من المسلمين وإستولي سيدنا الأحنف بن قيس على مرو الروذ وأرسل فرقة إلى بلخ وتبعها هو بكامل الجيش بعد السيطرة على مرو الروذ ووصل إلى بلخ ولم يجد يزدجرد مكانا يهرب إليه فقد وصل إلى أقصى نقطة في مملكته حيث سقطت كل أملاك الدولة الفارسية وحدث أنه في أثناء خروج يزدجرد من مرو الروذ إلى بلخ أن إستسلم إقليم طخارستان في شمال الدولة الفارسية من ناحية جرجان وأقصى شمال خراسان وقد إستسلم هذا الإقليم دون قتال وولَى عليه سيدنا الأحنف بن قيس ربعي بن عامر رضي الله عنهما الذي كان هو أول الرسل الذين ذهبوا إلى رستم في موقعة القادسية وقبل ذلك سنجده في المدينة المنورة أثناء غزوة الأحزاب وأثناء حصار المشركين للنبي والمسلمين وما أصاب المسلمين في ذلك الوقت من الخوف والجوع والشدة وهاهو قد أصبح بعد خمسة عشر عامًا أميرًا على طخارستان ولم يبق أمام يزدجرد إلا محاربة المسلمين خاصة وأنه لم يأتِ إليه مدد من الممالك الثلاثة التي أرسل يستحثها لإرسال المدد لينقذوه ولما وصلت الرسائل إلى ملك الترك وملك الصغد وملك الصين قرر ملك الصغد وملك الترك أن يرسلا مددا لمساعدة يزدجرد في حربه مع المسلمين أما ملك الصين فكان أحكمَ من ملكي الترك والصغد ومن ثم كان رده مختلفا والحوار الذي دار بينه وبين ورسول يزدجرد كان حوارا عجيبا أسلم به كثير من حاشية ملك الصين حيث حاور ملك الصين رسول كسرى وبدأه بالقول إن حقا على الملوك نجدة الملوك على من غلبهم لكن صف لي هؤلاء القوم الذين أخرجوكم من بلادكم فإني أراك تذكر قلةً منهم وكثرة منكم ولا يبلغ أمثال هؤلاء القليل الذين تصف منكم مع كثرتكم إلا بخير عندهم وشر فيكم فقال الرسول سلني عما أحببت فقال ملك الصين أيوفون بالعهد قلت نعم فقال ملك الصين وما يقولون لكم قبل القتال قال الرسول يدعوننا إلى واحدة من ثلاث إما دينهم فإن أجبنا أجرونا مجراهم أو الجزية والمنعة أو المنابذة ويتضح من أسئلة ملك الصين أنه كان يتابع الحروب الإسلامية فالحروب تدور رحاها في المملكة المجاورة وإستمرت مدة 12عاما فهو يسأل عن أمور محددة يريد أن يستوثق منها من رسول يزدجرد وسأل ملك الصين أيضا فكيف طاعتهم أمراءهم قال الرسول أطوع قوم لمرشدهم وكانت هذه هي مفاتيح النصر التي يجيب بها رسول كسرى على أسئلة ملك الصين و هنا رد ملك الصين فما يحلون وما يحرمون فعدد عليه الرسول بعض الأمور وقد أثرَ ما ذكره في ملك الصين لكن ما كان يهم ملك الصين هو السؤال التالي الذي طرحه على رسول كسرى فقال له هل يحلون ما حرم عليهم أو يحرمون ما حلل لهم قال الرسول لا فقال ملك الصين إن هؤلاء القوم لا يزالون على ظَفَر حتى يحلوا حرامهم أو يحرموا حلالهم ثم قال ملك الصين أخبرني عن لباسهم فيشرح له الرسول بساطة ثيابهم فقال ملك الصين للرسول أخبرني عن مطاياهم فقال الرسول الخيل العِرَاب الأصيلة ووصفها له والإبل العظيمة ووصفها له فكتب ملك الصين إلى يزدجرد إنه لم يمنعني أن أبعث إليك بجند أوله بمرو وآخره بالصين الجهالة بما يحق علي ولكن هؤلاء القوم الذين وصف لي رسولك لو يطاولون الجبال لهدوها ولو خلا لهم سربهم أزالونا ما داموا على ما وصف فسالمهم وإرضَ منهم بالمساكنة ولا تهجهم ما لم يهجوك وكان قرار ملك الصين هو رفض طلب يزدجرد بنجدته بإرسال مدد ينجده خوفًا من حرب المسلمين .

ولنعد الآن إلي الأحنف بن قيس الذى كان أسرع من ملك الترك وملك الصغد فوصل بجيشه إلى بلخ قبلهما وحارب يزدجرد وإلتقى الجيشان في أول معركة يحارب فيها يزدجرد بنفسه فقد تعود الهرب منذ دخول الجيوش الإسلامية إلى أرض فارس وبدأ القتال وتخيل حال جيش ظل يهرب من مكان إلى آخر حتى ألجأته الظروف للحرب مع جيش يتقدم من مكان إلى آخر وكيف حاله وهو يقابل جيشا يحرص على الموت حرصهم على الحياة وكانت هذه المعركة من أقصر المعارك في الفتوحات الإسلامية فما هي إلا ساعات قليلة حتى عملت السيوف الإسلامية في رقاب الجيش الفارسي وكان يزدجرد يقاتل في مؤخرة الجيش وكالمعتاد لما رأى سيوف المسلمين تأخذ مأخذها من جيشه لاذ بالفرار بقلة من جيشه عابرا نهر جيجون داخلا في مملكة الترك ووقف سيدنا الأحنف بن قيس على آخر حد من الحدود الفارسية ولم يكن له أن يعبر إلى مملكة الترك دون أن يأذن له الخليفة عمر بن الخطاب وكان قد أرسل إلى الأحنف رسالة بأنه إذا وصل إلى هذه النقطة فلا يعبر إلى مملكة الترك حيث لم يفكر سيدنا عمر في الدخول في الأراضي التركية لأن جيوش المسلمين التي كانت تحارب في أرض فارس في ذلك الوقت كانت موزعة في مناطق عديدة داخل حدود الإمبراطورية الفارسية وكان تعداد جندها حينذاك مجتمعة قوامه عشرون ألف مسلم ولذا فقد خشي سيدنا عمر بن الخطاب من تشتت الجيوش في الأراضي التركية إذا دخلوها خاصة وأنها أراضي جديدة عليهم ولم يتعرفوا عليها بعد وبذلك يضيع النصر الذي حققته في البلاد الفارسية ومن ثم كانت أوامره الصارمة ألا يتعدى المسلمون نهر جيحون ويدخلون بلاد الترك حتى وإن هرب كسرى يزدجرد خلف هذا النهر وبعد الإنتصار الذي حققه سيدنا الأحنف بن قيس في بلخ والوصول إلي آخر حدود الدولة الفارسية وبعد أن إطمأن على الوضع فيها تركها عائدا بجيشه إلى مرو الروذ بعد أن ترك بها حامية للدفاع عنها ومن جانب آخر لم ينته الأمر بالنسبة لكسرى يزدجرد بعد فبالأمس القريب كان ملكا على مملكة كبيرة من أقوى الممالك في ذلك الوقت واليوم أصبح فارا هاربا مطارَدا وقد فَقَدَ كنزه المدفون في مرو الشاهجان وفقد وضعه الإجتماعي وما بين عشية وضحاها سلب منه كل ما يملك وبعد أن كان يتقلب في النعيم أصبح من أهل الجحيم لكنه لم يستسلم لقدره وما يزال يهرب من مدينة لأخرى ويجمع حوله أنصاره ويناوئ جيوش المسلمين .

وأمام الوضع المأساوى الذى كان يزدجرد قد وصل إليه لم يكن أمامه إلا أن يستنجد بملك الصغد وملك الترك على الجيش الإسلامي رغبة في الإنتصار عليه وتحرير كنزه المدفون في مرو الشاهجان على أن يقتسم الكنزَ مع ملك الترك ووافق ملك الترك علي ذلك وعبرت الجيوش التركية التي تحالفت مع الجيش الفارسي نهر جيجون وإضطرت الحامية المرابطة في بلخ إلى الإنسحاب إلى الأحنف بن قيس في مرو الروذ لما رأت كثرة عدد الجيش القادم من مملكة الترك وبذلك إستولي يزدجرد وملك الترك على بلخ مرة أخرى وبدأت الجيوش الفارسية المتحالفة مع الجيوش التركية تزحف إلى مرو الروذ لمقابلة الأحنف بن قيس وعسكرت هذه الجيوش قرب مرو الروذ وجهز الأحنف بن قيس جيشه لما علم بإنسحاب الحامية الإسلامية من بلخ وإلتقت الجيوش في معركة في مرو الروذ وهذه المعركة ليست على غرار معركة بلخ فالجيوش التركية كانت كبيرة العدد بجانب جيش الصغد وبقايا الجيش الفارسي فكانت من المعارك الشديدة في هذه الفترة وإستمرت هذه المعركة أياما وكانت فلول الفرس تأتي من جهات مختلفة ومن خارج حدود مرو الروذ وأحاطت هذه الفلول بالجيش الإسلامي وكانت العادة القتال نهارا وفي أثناء الليل خرج الأحنف ليلا ليعرف أخبار جنوده ولعله يسمع برأي ينتفع به فمر برجلين ينقيان علفا وأحدهما يقول لصاحبه لو أن أميرنا أسند ظهرنا إلى هذا الجبل وجعل النهر على يميننا ومن خلفنا وكان قتالنا من وجه واحد رجوت أن ينصرنا الله فقد خشي المسلمون الحصار في أرض لا يعرفونها فسمع الأحنف بن قيس ذلك الرأي وأعجبه فلما أصبح جمع الناس وقال لهم إني أرى أن تجعلوا ظهوركم إلى هذا الجبل ثم قال لهم أنتم اليوم قليل وعدوكم كثير فلا يهولنكم فكم من فئة قليلة غلبت فئة كَثيرة بِإذن اللَّه وَاللَّه مع الصابرين وبعد الوضع الذي إتخذه المسلمون بدأت الكفة ترجح نسبيا في جانب المسلمين ولكن لم يتحقق النصر الكامل وقاتل المسلمون من جهة واحدة فأصبح الأمر معتمدا على كفاءة المقاتل المسلم وبراعته وإستبساله في القتال وليس على حصار الفرس والترك كما كان في بداية المعركة .

وفي ليلة من ليالي المعركة خرج الأحنف قائد الجيوش طليعةً لأصحابه أو دورية إستكشافية بين الحدود الفاصلة بين الجيشين ليدرس الموقف ليعرف كيف ينتصر على هذا الجيش حتى إذا كان قريبا من عسكر ملك الترك وقف فلما كان وجه الصبح خرج فارس من الترك بطوقه فضرب بطبلة وكانت عادة الترك أنهم لا يخرجون حتى يخرج ثلاثة من فرسانهم أكفاء كلهم يضرب بطبلة ثم يخرج باقي الجيش بعد خروج الثالث فحمل الأحنف علي أولهم الذى خرج فتقاتلا فطعنه الأحنف فقتله وأخذ طوق التركي ووقف فخرج الفارس الثاني ففعل فعل صاحبه فحمل عليه الأحنف فتقاتلا فطعنه فقتله وأخذ طوقه ووقف ثم خرج الثالث من الترك ففعل فعل الرجلين فحمل عليه الأحنف فقتله ثم إنصرف الأحنف إلى جنده وخرجت الجيوش التركية بعد الثالث فأتوا على فرسانهم فوجدوهم قتلى وكانوا أهل تشاؤم وتفاؤل كالفرس فتشاءم قائدهم وتطير وتسربت الهزيمة إلى قلوب جيشه وقد تعددت الروايات بالنسبة لموقف هذا القائد وجيشه التركي فبعض الروايات ذكرت أنهم عادوا إلى بلادهم ولم يقاتلوا بعد أنه قالوا قد طال مقامنا وقد أصيب فرساننا وما لنا في قتال هؤلاء القوم خير فرجعوا وإرتفع النهار للمسلمين ولم يروا منهم أحدا وأتاهم الخبر بإنصراف جيش الترك إلي بلخ بينما تذكر بعض الروايات الأخرى أن المعركة تمت وحمل الأحنف بن قيس رايته وإنطلق مع جنده داخل الجيش التركي وأوقع بهم هزيمة رهيبة وفي أثناء هذا القتال ترك يزدجرد جيش الترك مقابل المسلمين بمرو الروذ وإنصرف بحاميته الفارسية إلى مرو الشاهجان وكان بها حامية إسلامية صغيرة على رأسها حاتم بن النعمان وكان الجيش الفارسي أكبر نسبيا من الجيش الإسلامي فضرب عليهم الحصار وإستطاع يزدجرد ومن معه الدخول إلى مرو الشاهجان بعد إنسحاب الحامية الإسلامية لكي يتمكن من الحصول على كنزه المدفون فيها ثم العودة إلي مملكة الترك وفي الوقت الذي وصلت فيه هذه الأنباء إلى الأحنف بن قيس كان الجيش الإسلامي قد حقق إنتصاره على الجيش التركي وكان أمام الأحنف إختياران إما أن يسير إلى بلخ بالقوة الأساسية أو يسير إلى مرو الشاهجان حيث يزدجرد وكنزه المدفون فإختار الأحنف أن يسير إلى مرو الشاهجان لسببين أولهما أنه لا يريد أن يقع بين جيشين في الشمال والجنوب والسبب الثاني طاعته لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب في عدم تجاوزه نهر جيحون ولما علم يزدجرد أن الأحنف لحقه وقادم إليه أسقط في يده فهو لم يكن يتوقع أن تأتي إليه الجيوش بل توقع أنها ستذهب إلى الجيش التركي فهرب يزدجرد كعادته بعد أن جمع خزائنه وكانت كبيرة عظيمة وأراد أن يلحق بالترك فقال له أهل فارس أي شئ تريد أن تصنع فقال أريد اللحاق بقائد الترك فأكون معه أو بالصين فقالوا له إن هذا رأي سوء إرجع بنا إلى هؤلاء القوم فنصالحهم فإنهم أوفياء وهم أهل دين وإن عدوا يلينا في بلادنا أحب إلينا من عدو يلينا في بلاده ولا دين له ولا ندري ما وفاؤهم فأبى عليهم ذلك فقالوا له دع خزائننا نردها إلى بلادنا ومن يلينا لا تخرجها من بلادنا فأبى فإعتزلوه وقاتلوه فهزموه وأخذوا الخزائن منه وإستولوا عليها وإنهزم منهم ولحق بقائد الترك وعبر نهر جيحون من بلخ إلى فرغانة وصالح الجنود الفارسيون سيدنا الأحنف بن قيس على الجزية وأعطوه كنز يزدجرد فباعه المسلمون بمائة وخمسين مليون درهم وقسم مائة وعشرين مليون درهم على جيوش المسلمين في فارس وهو العشرين ألف جندي مسلم فكان نصيب الفرد ستة آلاف درهم .

وأرسل الأحنف بن قيس إلى الخليفة سيدنا عمر بن الخطاب بخبر الفتح ومعه ثلاثون مليون درهم خمس الغنائم فما كان من سيدنا عمر بن الخطاب إلا أن جمع الناس وقرأ عليهم كتاب الأحنف بن قيس ثم خطب خطبة فقال إن الله تعالى ذكر رسوله ﷺ وما بعثه به من الهدى ووعد على أتباعه من عاجل الثواب وآجله خير الدنيا والآخرة ثم تلا قول الله تعالي هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون الحمد لله الذي أنجز وعده ونصر جنده ألا إن الله سبحانه وتعالي قد أهلك ملك المجوسية وفرق شملهم فليسوا يملكون بأيديهم شبرا يضر بمسلم ألا إن الله قد أورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأبناءهم لينظر كيف تعملون ألا وإن جند المِصرين الكوفة والبصرة قد أوغلوا في البلاد والله بالغ أمره ومنجز وعده فقوموا بأمر الله يوف لكم بعهده ويؤتكم وعده ولا تبدلوا ولا تغيروا فيستبدل الله بكم غيركم فإني لا أخاف على هذه الأمة إلا أن تؤتي من قبلكم وبلا شك فإن كلمات سيدنا عمر بن الخطاب علينا أن نضعها نصب الأعين لتكون لنا درسا نتعلمه من الفتوحات الفارسية وتعيه قلوبنا وخاصة آخر كلامه فهو لا يخاف على هذه الأمة من الفرس أو الروم أو الصين أو من غير ذلك بقدر ما يخاف أن تؤتى هذه الأمة من قبلها وذلك إذا أحلَت الأمة حرامها وحرمت حلالها وإذا حدثت الفرقة بين المسلمين حتى لو حقق كل فرد أعلى درجات التقوى طالما أنه يعمل بمفرده ولا يتعاون مع الآخرين لتحقيق أمة مترابطة ومتماسكة وقوية البنيان ودائما ما كان سيدنا عمر يقول لجيوش المسلمين إني أخاف عليكم من الذنوب أخوف من جيش الفرس ومن جيش الروم وكان الجيش الإسلامي في ذلك الوقت قد حقق هذه الصفات التي هي مفتاح النصر لذا أتم الله تعالى لهم فتح المملكة الفارسية ودانت لهم مملكة من أعظم الممالك في ذلك الوقت .

وبعد هذا السقوط المفزع الذي لحق بيزدجرد إضافة إلى محاربة جنده له وأخذ كنزه وصل إلى ملك الترك فإستقبل إستقبال الملوك ثم سأله أحد عماله وكان فيما سبق على مرو الشاهجان وكان إسمه ماهويه أن يزوجه إبنته فغضب يزدجرد غضبا شديدا وقال له إنما أنت عبد من عبيدي فعمل ماهويه على تقليب الحاشية على يزدجرد وقررت الحاشية قتله فهرب يزدجرد من الحاشية الفارسية حتى إنتهى إلى بيت طحان فير فآواه وأطعمه ثم سقاه الخمر فلعبت برأسه فأخرج تاجه ووضعه على رأسه فعرفه الطحان ثم أخبر ماهويه وتشاءم ماهويه من قتل يزدجرد بنفسه أو أحد من حاشيته فقد كانوا يعتقدون أن من قتل كسرى أو قتل ملكا عذبَ بالنار في الدنيا فأوحى إلى الطحان بقتله فأخذ فأسه وضرب يزدجرد فإجتز رأسه بها وبعد قتل الطحان لكسرى قال ماهويه ما ينبغي لقاتل ملك أن يعيش فقتل الطحان وألقى جثة يزدجرد في نهر جيحون وحملت المياه جثته إلى مكان قريب من مرو الشاهجان وهناك تعرف عليه مطران على مرو يقال له إيلياء فجمع أتباعه من النصارى وقال لهم إن ملك الفرس قد قتل وهو إبن شهريار بن كسرى وإنما شهريار هو إبن شيرين المؤمنة التي قد عرفتم حقها وإحسانها إلى أهل ملَتها من غير وجه ولهذا الملك عنصر في النصرانِية مع ما نال النصارى في ملك جده كسرى أبرويز من الشرف وقبل ذلك في مملكة ملوك من أسلافه من الخير حتى بنى لهم بعض البِيعَ فينبغي لنا أن نحزن لقتل هذا الملك من كرامته بقدر إحسان أسلافه وجدته شيرين إلى النصارى وقد رأيت أن أبني له ناووسا أي ضريحا وأحمل جثته في كرامة حتى أواريها فيه وإنتهت بذلك قصة آخر ملك تولى حكم فارس وكان ذلك في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان عام 30 هجرية الموافق عام 651م وكان من عادة الفرس أن يبدأوا التقويم من إعتلاء كسرى لكرسي العرش وبموت الملك ينتهي التقويم ويبتدئ تقويم جديد ببداية عهد كسرى جديد ولم يأت بعد يزدجرد أحد ليسير المجوس إلى هذه اللحظة بالتقويم اليزدجردي وما زالت هذه الطائفة باقية وموجودة حتي الآن وتعرف بالزرادشتية .

وقبل أن نختم مقالنا هذا يقفز إلي أذهاننا تساؤل هام وهو هل يوجد تعارض بين الفتوحات الإسلامية التي كانت عن طريق حروب شديدة مع قوله تعالى لا إِكراه في الدين مع أن الآية واضحة وصريحة وأن الفرس لم يهاجموا المسلمين بل المسلمون هم الذين حاربوهم في بلادهم ففي الحقيقة أن هذا الأمر من الأهمية بمكان ولا بد من الوقوف على حقيقته وفي هذا يقول أحد العلماء إن حركة الفتوحات الإسلامية لم تكن فقط لمجرد الدفاع عن الدولة الإسلامية كما يحاول بعض المسلمين الدفاع عن الإسلام والقول بأن الإسلام لا يحارب إلا دفاعا ويظن أنه يخدم الإسلام بذلك حتى لا يطلق على الإسلام أنه دين إرهاب أو أنه يحاول الضغط على غير المسلمين لكي يعتنقوا الإسلام وهنا نذكر أن الإسلام ليس دينا دفاعيا فقط بل هناك فرض عين على المسلمين جميعا أن ينشروا الدعوة خارج حدودهم حتى يعم الإسلام ربوع الأرض والمسلمون لم يفرضوا الإسلام على أية أمة من الأمم لكنه يحرر هذه الشعوب من الطواغيت التي تحكمهم وتمنعهم من إختيار الدين المناسب فمثلا كان الشعب الفارسي يتبع ولاته في عبادة النار ولا يحق لأفراده إختيار ما يدينون به لكن دين الله لا بد وأن يصل إلى هذه البلاد وإلى كل فرد ثم يترك له حرية الإختيار في إعتناقه للإسلام أو عدم إعتناقه أما إذا تركه المسلمون دون إبلاغ فهم آثمون فكانت مهمة الجيوش الإسلامية محاربة الطبقة الحاكمة التي تأبى أن تطيع أمرَ الإسلام بعد عرض الإسلام عليهم وبعد عرض الجزية والجزية عبارة عن ضريبة وليست غرامة نظير أ، يحمي المسلمين أهل البلاد الاذين يحكمونها ولا يدخل أهلها في الإسلام وكانت حل أفضل للمعاهدين من الأموال والضرائب التي يدفعونها لحكوماتهم وكانت أقل مما يدفعه المسلمون زكاةً ولذا كانت هذه الشعوب تغتبط بالحكم الإسلامي بعد عرض هذه الأمور الثلاثة الإسلام أو الجزية أو المنابذة فإن رفض القوم الإسلام أو الجزية قاتل الجيش الإسلامي الجيش الفارسي والجيش الرومي ولا علاقة له في الحرب بمن لا يحاربفكانت جيوش المسلمين لا تقاتل الفلاحين ولا من يعبد الله في محرابه أو في كنيسته أو في صومعته أو حتى في معبد النار لكنها كانت تقاتل فقط من يقفون أمام نشر دين الله حتى إذا خلَى بين الناس وبين الإختيار ترك لهم المسلمون حرية العقيدة يعبدون ما شاءوا أن يعبدوا بعد توضيح الإسلام لهم فإن رضوه دينا كان بها وإن لم يرضوه أقروهم على ديانتهم فعلي الرغم من أن الدولة الفارسية كانت تعبد النار وليسوا أهل كتاب ومع دفعهم الجزية كان يتركهم المسلمون يعبدون النار وفي مقابل الجزية يمنعهم المسلمون ويدافعون عنهم ولم يكن غرض المسلمين من الفتوحات التكالب على الدنيا بل أوقف سيدنا عمر بن الخطاب الحروب خشية كثرة الغنائم على نفوس المسلمين فهل هناك قائد أي جيش فاتح يوقف الحروب لأنه يخاف على أتباعه من كثرة الغنائم ولم تحمل الرسائل التي بعثها سيدنا عمر بن الخطاب إلي قادة المسلمين وإلي حكام الفرس والروم بين طياتها أي غرض من أغراض الدنيا بل كان جل همه الآخرة وترك الدنيا وأنهم لو وضعوا أعينهم على الآخرة لربحوا الدنيا والآخرة وإذا وضعوا أعينهم على الدنيا خسروهما معا وكان هذا هدف نبيل من أهداف الفتوحات الإسلامية ومن ثم علينا ألا نخجل من ذكر إنتشار الإسلام في هذه البلاد بهذه الحروب بل إن الإسلام قد أعطى الفرصة لمن هم علي غير دين الإسلام ليتعرفوا عليه تاركا لهم حرية الإختيار وعلينا ألا نلتفت لدعاوى من يسمون أنقسهم في هذه الأيام بالمجددين والتنويرين بضرورة أن يعتذر المسلمون عن الفتوحات وأن تلك الفتوحات كانت تستهدف الحصول علي الغنائم وعلي السبايا ونهب ثروات البلاد المفتوحة وفي زماننا هذا فإن الأمر قد أصبح سهلا في ظل الثورة التكنولوجية ووسائل التواصل المتاحة ونستطيع أن نصل برسالة الإسلام إلي كل بيت في كل أنحاء الدنيا عن طريق وسائل الإعلام والقنوات الفضائية ومواقع الإنترنت وهو المر الذى تتبعه جميع المؤسسات الإسلامية في العالم الإسلامي وعلي رأسها مؤسسة الأزهر الشريف .

ولنعد إلي الأحنف بن قيس فنجده قد عاصر الفتنة في عهد الخليفة عثمان بن عفان وكان من أشد الناس حزنا علي مقتله وبعد أن وقعت الفتنة بين الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وكان قد بايع عليا في المدينة المنورة وفي موقعة الجمل قال لفريق معاوية لا أقاتلكم ومعكم أم المؤمنين ولا أقاتل إبن عم رسول الله وقد أمرتونى ببيعته ولكنى أعتزل وبعد ذلك شارك الأحنف فى معركة صفين مع الإمام علي ضد معاوية وبعد مقتل الأمام على أصبح معاوية خليفة وبايعه الأحنف علي أساس أن الأمر قد حسم وأصبح معاوية خليفة للمسلمين وقال له معاوية أنت الشاهر سيفك علينا يوم صفين والمخزل عن أم المؤمنين يوم الجمل فرد عليه الأحنف مغلظا له القول يامعاوية إن القلوب التى أبغضناك بها لفى صدورنا وإن السيوف التى قاتلناك بها لفى أغمادها وإن تمشى إلى الحرب نهرول إليها ولأن معاوية بن أبي سفيان كان من دهاة العرب أيضا في الحلم والأناة طبقا لمقولته الشهيرة لانحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا وهو القائل أيضا لو أن بيني وبين الناس شعرة ما إنقطعت أبدا إذا أرخوها شددت وإذا شدوها أرخيت وهو القول الذى صار مثلا بإسم شعرة معاوية ولم يغضب معاوية من قول الأحنف وقال لأخته أم الحكم التى سمعت الحوار من وراء حجاب فسألته لم صبرت علي قول الأحنف هذا الذى إذا غضب غضبت له مائه ألف من بنى تميم لايدرون فيما غضب وقال عنه يزيد بن معاوية أرسل أبي إلى الأحنف بن قيس فلما وصل إليه قال له يا أبا بحر ما تقول في الولد قال يا أمير المؤمنين هم ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا ونحن لهم أرض ذليلة وسماء ظليلة وبهم نصول على كل جليلة فإن طلبوا فأعطهم وإن غضبوا فأرضهم يمنحوك ودهم ويحبوك جهدهم ولا تكن عليهم ثقيلا فيملوا حياتك ويودوا وفاتك ويكرهوا قربك فقال له معاوية بن أبي سفيان لله أنت يا أحنف لقد دخلت علي وأنا مملوء غضبا وغيظا على يزيد فلما خرج الأحنف من عنده رضي عن يزيد وبعث إليه بمائتي ألف درهم ومائتي ثوب فأرسل يزيد نصفهم إلى الأحنف أي مائة ألف درهم ومائة ثوب .

وعندما جمع معاوية بن أبى سفيان أنصاره من أجل أخذ البيعة بالخلافة من بعده لإبنه يزيد أيده الجميع وكان أشدهم تأييدا إبن المقفع العذرى الذى أشار بسيفه إلى معاوية وقال هذا هو الخليفة فإن هلك فهذا وأشار إلى يزيد ومن أبى فهذا وأشار إلى سيفه فقال له معاوية إجلس فأنت سيد الخطباء ثم إلتفت إلى الأحنف بن قيس سيد بنى تميم قائلا ماتقول يا أبا بحر فقال الأحنف نخافكم إن صدقنا ونخاف الله إن كذبنا وأنت يا أمير المؤمنين أعلم بيزيد فى ليله ونهاره وسره وعلانيته فإن كنت تعلمه للأمة خيرا فلا تشاور فيه وإن كنت غير ذلك فلا تزوده الدنيا وأنت صائر إلى الأخرة وتفرق الناس لايذكرون من الإجتماع إلا قول الأحنف بن قيس الذى أغضب معاوية والذى أضمر هذه الواقعة فى نفسه وأراد أن ينتقم من الأحنف فسلط عليه رجلا أبله وجعل له مكافأة إن صفع سيد بنى تميم فتضيع مكانته فى قومه إذا تمسك بالحلم ورضى بالصفعة وإذا ثار وغضب يقولون ضاع حلمه ودهاؤه أمام مجنون وبالفعل تقدم الرجل المجنون ولطم الأحنف بن قيس أمام قومه فرد الأحنف بهدوء لم لطمتنى فقال الرجل جعل لى مكافأة أن ألطم سيد بنى تميم فقال الأحنف بدهاء شديد ما صنعت شيئا عليك بحارثة بن قدامة فإنه سيد بنى تميم فإنطلق ولطمه فقطع إبن قدامة يده فورا وهذا ما أراده الأحنف وهكذا رد اللطمة بأشد منها بهدوء وذكاء شديد ومات الأحنف بالكوفة ببلاد العراق وعمره 75 عاما عام 72 هجرية في عهد الخليفة الأموى الخامس عبد الملك بن مروان وفى عهد إمارة مصعب بن الزبير بن العوام في دار إبن أبي عصيفير بالكوفة فجاءت إمرأة على بغل في رحالة وحولها جماعة نساء فقالت أيها الأمير إن إبن عمي مات بأرض غربة فأذن لي أندبه فقال أنت وشأنك فقالت لله درك من مجن في جنن ومدرج في كفن أسأل الله الذي إبتلانا بفقدك وفجعنا بيومك أن يوسع لك في لحدك وأن يكون لك في يوم حشرك ثم أقبلت على الناس فقالت أيها الناس إن أولياء الله في بلاده شهود على عباده وإنا لقائلون حقا ومثنون صدقا ثم قالت لقد عشت حميدا مودودا ومت شهيدا فقيدا ولقد كنت في المحافل شريفا وعلى الأرامل عطوفا ومن الناس قريبا وفيهم غريبا وإن كنت لمسودا وإلى الخلفاء موفدا وإن كانوا لفقدك لمستمعين ولرأيك لمتبعين وسار مصعب بن الزبير فى جنازته بغير رداء حزنا على هذا التابعي التقي والداهية الكبير الذى رد صفعة معاوية بقطع يد صاحبها قبل أن يقوم من مكانه وقال مصعب يومذاك ذهب اليوم الحزم والرأي .

يمكنكم قراءة الجزء الاول من المقال عبر الرابط التالى

https://www.abou-alhool.com/arabic1/details.php?id=51393
 
 
الصور :