السبت , 7 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

شارع سلمان الفارسي

شارع سلمان الفارسي
عدد : 06-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوي
موسوعة" كنوز أم الدنيا"

شارع سلمان الفارسي هو أحد شوارع ضاحية مصر الجديدة التي تعد من أرقي ضواحي القاهرة وهو يمتد من نقطة تقاطعه مع شارع بلال بن رباح ويسير موازيا لحديقة إبن رشد ويمتد حتي ينتهي بتقاطعه مع شارع مصطفي مختار وينسب هذا الشارع إلي الصحابي الجليل وأحد رواة الحديث النبوي الشريف وهو يعد أول الفرس إسلاما حيث أن أصله من بلاد فارس ثم ترك أهله وبلده سعيا وراء معرفة الدين الحق فإنتقل بين البلدان ليصحب الرجال الصالحين من القساوسة وكان مولده في عام 568م بقرية تسمي جي تابعة لأصبهان بإيران حاليا وكان أبوه أحد دهاقينها أي من كبار تجارها وأصحاب الحظوة بها وكان سلمان أحب خلق الله إليه فلم يزل به حتى حبسه في بيته كما تحبس الجارية فإجتهد في المجوسية حتى كان قاطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة وكان لأبيه ضيعة عظيمة فشغل في بنيان له يوما فقال لسلمان يا بني إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فإذهب فباشرها وأمره ببعض ما يريد فخرج ثم قال لا تحتبس علي فإنك إن إحتبست علي كنت أهم إلي من ضيعتي وشغلتني عن كل شئ من أمري فخرج يريد ضيعة أبيه فمر بكنيسة من كنائس النصارى فسمع أصواتهم فيها وهم يصلون وكان لا يدري عن الكثير من أمور الدنيا نتيجة حبس أبيه له في بيته فقرر الدخول إلي الكنيسة لينظر ماذا يصنعون فلما رآهم أعجبه صلواتهم ورغب في أمرهم وقال في نفسه هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه وظل بالكنيسة حتى غربت الشمس دون أن يأتي ضيعة أبيه وقبل أن ينصرف سأل بعض من بالكنيسة أين أصل هذا الدين فقيل له بالشام ثم إنصرف ورجع إلى أبيه وكان قد بعث في طلبه وشغله ذلك عن عمله كله فلما رآه أبوه قال له أي بني أين كنت ألم أكن عهدت إليك ما عهدت فقال له يا أبت مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس فقال أبوه أي بني ليس في ذلك الدين خير دينك ودين آبائك خير منه فقال لأبيه كلا والله إنه لخير من ديننا فما كان من الأب إلا أن جعل في رجله قيد وحبسه في بيته فبعث إلى النصارى في الكنيسة التي كان قد مر بها قائلا إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم .
وبالفعل عندما قدم عليهم ركب من الشام أخبروه بهم فأرسل إليهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة فأخبروني ففعلوا فألقي الحديد من رجليه ثم خرج معهم حتى قدم الشام فلما قدمها سأل من أفضل أهل هذا الدين قالوا الأسقف في الكنيسة فجاءه وقال له إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك فقال إدخل فدخل معه لكنه كان رجل سوء يأمر الناس بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها شيئًا إكتنزه لنفسه ولم يعطه للمساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق فأبغضه بغضا شديدا نظرا لما يفعل ثم مات فإجتمعت إليه النصارى ليدفنوه فقال لهم إن هذا رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتم بها كنزها لنفسه ولم يعط المساكين وأراهم موضع كنزه سبع قلال مملوءة فلما رأوها قالوا والله لا ندفنه أبدا فصلبوه ثم رموه بالحجارة ثم جاءوا برجل جعلوه مكانه كان أفضل منه وأزهد في الدنيا فلم يحب سلمان أحدا مثلما أحب هذا الرجل ولم يزل معه حتى حضرته الوفاة فقال يا فلان قد حضرك ما ترى من أمر الله وإني والله ما أحببت شيئا قط حبك فماذا تأمرني وإلى من توصيني قال لي يا بني والله ما أعلمه إلا رجلا بالموصل فإئته فإنك ستجده على مثل حالي فلما مات وغيب لحق سلمان بالموصل فأتي صاحبها فوجده على مثل حاله من الإجتهاد والزهد فقال له إن فلانا أوصاني إليك أن آتيك وأكون معك فقال فأقم أي بني فأقام عنده على مثل أمر صاحبه حتى حضرته الوفاة أيضا فقال له إن فلانا أوصى بي إليك وقد حضرك من أمر الله ما ترى فإلى من توصي بي وما تأمرني به فقال والله ما أعلم أي بني إلا رجلا بنصيبين فلما تم دفنه لحق بالآخر فأقام عنده على مثل حالهم حتى حضره الموت فأوصى به إلى رجل من أهل عمورية ببلاد الروم فأتاه فوجده على مثل حالهم وفي هذه البلاد إكتسب سلمان بعض المال وأصبح له بعض الغنم والبقر ثم إحتضر معلمه فكلمه إلى من يوصي به فقال أي بني والله ما أعلمه ما بقي أحد على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه ولكن قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم مهجره بين حرتين إلى أرض سبخة ذات نخل وإن فيه علامات لا تخفى بين كتفيه خاتم النبوة يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة فإن إستطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فإفعل فإنه قد أظلك زمانه فلما دفن الرجل إنتظر سلمان حتى مر به رجال من تجار العرب من بني كلب فقال لهم تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم غنمي وبقراتي هذه فقالوا له نعم فأعطاهم إياها وحملوه حتى إذا جاءوا به وادي القرى غدروا به وباعوه عبدا لرجل يهودي بوادي القرى ويشاء القدر أن يرى سلمان النخل فطمع أن يكون هذا البلد هو ما وصفه له صاحبه وقدم رجل من بني قريظة وادي القرى فإبتاعه من اليهودى الذى كان إشتراه فخرج به حتى وصلا المدينة فما أن رآها سلمان إلا وقد عرف وصفها وظل عبدا عند مالكه وفي هذا الوقت كان النبي ﷺ قد بعث في مكة المكرمة وبدأ دعوته ثم هاجر إلي المدينة المنورة ومر بقباء وكان سلمان يعمل لصاحبه في نخلة له فجاءه إبن عم له وقال له يا فلان قاتل الله بني قيلة يقصد أهل المدينة والله إنهم الآن لفي قباء مجتمعون على رجل جاء من مكة يزعمون أنه نبي فأخذت سلمان رعدة حتى كاد أن يسقط فوق صاحبه ونزل وسأل صاحبه ما هذا الخبر فرفع صاحبه يده فلكمه لكمة شديدة وقال ما لك ولهذا أقبل على عملك فقال له لا شئ إنما سمعت خبرا فأحببت أن أعلمه .
ولما جاء المساء وكان عند سلمان شئ من طعام حمله وذهب إلى رسول الله ﷺ وهو بقباء فقال له بلغني أنك رجل صالح وأن معك أصحابا لك غرباء وقد كان عندي شئ من الصدقة فرأيتكم أحق من بهذه البلاد فهاك هذا فكل منه فأمسك وقال لأصحابه كلوا فقال في نفسه هذه خلة مما وصف لي صاحبي ثم رجع وتحول رسول الله ﷺ إلى المدينة فجمع شيئا كان عنده ثم جاءه به وقال له إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية فأكل رسول الله ﷺ وأكل أصحابه فقال سلمان في نفسه هذه خلتان ثم جاء رسول الله ﷺ وهو يتبع جنازة وهو وسط أصحابه فإستدار سلمان ينظر إلى ظهره لكي يرى الخاتم الذي وصف له فلما رآه النبي ﷺ يستدبره أدرك بفطنته أنه يريد التثبت من شئ وصف له فألقى رداءه عن ظهره فنظر سلمان إلى الخاتم فعرفه فإنكب عليه يقبله وهو يبكي من شدة الفرحة وقص عليه حديثه كله من البداية فأعجب رسول الله ﷺ بما سمع ونظرا لأن سلمان كان عبدا مملوكا للرجل اليهودى فقد فاته مع رسول الله ﷺ بدر وأحد وكان شديد الحزن علي ذلك فقال له النبي ﷺ كاتب يا سلمان أي إفتدى نفسك من الرق بأن تتفق مع سيدك علي مال أو خلافه لكي يمنحك حريته فكاتب صاحبه على ثلاث مائة نخلة وأربعين أوقية فقال رسول الله ﷺ لأصحابه أعينوا أخاكم فأعانوه بالنخل حتى إجتمعت ثلاث مائة وغرسها الرسول ﷺ بنفسه ويقول سلمان في ذلك فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها واحدة وبقي علي سلمان المال فأتي رسول الله ﷺ بمثل بيضة دجاجة من ذهب من بعض المغازي وقال ما فعل الفارسي المكاتب فدعوه له فقال له خذها فأد بها ما عليك فقال سلمان وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي قال خذها فإن الله سيؤدي بها عنك فأخذها فوزن لهم منها أربعين أوقية وأوفاهم حقهم فأعغتق وشهد مع رسول الله ﷺ الخندق حرا ثم لم يفته بعد ذلك معه مشهد ومن الطريف أن المهاجرين كانوا يريدون أن يكون سلمان منهم فهو قد قدم المدينة من خارجها مثلهم بينما كان الأنصار يريدونه معهم فهو مقيم بالمدينة قبل أن يهاجر إليها النبي ﷺ وحسم الرسول ﷺ الأمر بقوله سلمان منا أهل البيت وكانت غزوة الخندق في السنة الخامسة للهجرة هي أول معارك سلمان التي يخوضها مع النبي محمد ﷺ وكان هو الذي أشار عليه بحفر الخندق حول المدينة المنورة للدفاع عنها أمام جيش قريش وحلفائها من القبائل مثل غطفان وأسد وسليم ومن يهود بني النضير الذين كان النبي ﷺ قد أجلاهم عن المدينة المنورة في العام الثالث للهجرة لخيانتهم العهد مع المسلمين ومحاولتهم قتل النبي ﷺ وكان تعداد هذا الجيش حوالي 10 آلاف مقاتل ولما جمع النبي ﷺ الصحابة للتشاور معهم في الأمر وبحث كيف ستكون مواجهة تلك الأحزاب قال سلمان آنذاك يا رسول الله كان الفرس يحفرون الخنادق للدفاع في الحرب فكنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا .

وسر النبي ﷺ بهذا الرأي الذى لم يكن معروفا أو معتادا عند العرب ومن ثم إستقر الرأي بعد المشاورة على حفر الخندق في الجهة الشمالية للمدينة لأن شمال المدينة هو الجانب المكشوف أمام العدو والذي يستطيع منه دخول المدينة وتهديدها أما الجوانب الأخرى فهي حصينة منيعة تقف عقبةً أمام أي هجوم يقوم به الأعداء فكانت الدور من ناحية الجنوب متلاصقة عالية كالسور المنيع وكانت حرة واقم من جهة الشرق وحرة الوبرة من جهة الغرب تقومان مقام حصن طبيعي وكانت ديار بني قريظة في الجنوب الشرقي كفيلة بتأمين ظهر المسلمين إذ كان بين الرسولِ محمد ﷺ وبني قريظة عهد ألا يمالئوا عليه أحدا ولا يناصروا عدوا ضده وتم تحديد مكان الخندق وجعل الرسول ﷺ جبل سلع وهو أشهر جبال المدينة خلف ظهره بحيث يستفيد المسلمون من مناعته في حماية ظهور الصحابة ولقد كانت خطة الرسول محمد ﷺ في الخندق متطورةً ومتقدمةً بالنسبة للعرب إذ لم يكن حفر الخندق من الأمور المعروفة لدى العرب في حروبهم بل كان الأخذ بهذا الأسلوب غريبا عنهم وبهذا يكون الرسول محمد ﷺ هو أولَ من إستعمل الخندق في الحروب في تاريخ العرب والمسلمين وكان هذا الخندق مفاجأة مذهلة لأعداء الإسلام وأبطل خطتهم التي رسموها وقد إقترن حفر الخندق بصعوبات جمة فقد كان الجو باردا والريح شديدة والحالة المعيشية صعبة بالإضافة إلى الخوف من قدوم العدو الذي يتوقعونه في كل لحظة ويضاف إلى ذلك العمل المضني حيث كان الصحابة يحفرون بأيديهم وينقلون التراب على ظهورهم ولا شك في أن هذه الظروف بطبيعة الحال تحتاج إلى قدر كبير من الحزم والجد والحذر فكانت هناك مجموعة من الأنصار تقوم بحراسة الرسول محمد ﷺ في كل ليلة وعلى رأسهم عباد بن بشر وقد قسم الرسول ﷺ أعمالَ حفر الخندق بين الصحابة كل أربعين ذراعا لعشرة منهم ووكل بكل جانب جماعة يحفرون فيه وقد شارك الرسول ﷺ الصحابةَ جوعَهم وفي ذلك يقول أبو طلحة شكونا إلى رسول الله ﷺ الجوعَ فرفعنا عن بطوننا عن حجر حجر فرفع رسول الله ﷺ عن حجرين كما شارك الرسول ﷺ الصحابةَ في حفر الخندق وكان يرتجز بكلمات شاعر الأنصار عبد الله بن رواحة وهو ينقل التراب ويقول :-
والله لولا الله مـا إهتدينا ولا تصـدقـنا ولا صـليـنا
فأنزلن سكيـنـة عـلـيـنا وثبـت الأقـدام إن لاقيـنـا
إن الأعادي قد بـغوا علينـا وإن أرادوا فتنة أبيـنا
ولقد كان لهذا التبسط والمرح في ذلك الوقت أثره في التخفيف عن الصحابة مما يعانونه نتيجة للظروف الصعبة التي يعيشونها كما كان له أثره في بعث الهمة والنشاط بإنجاز العمل الذي كلفوا بإتمامه قبل وصول عدوهم وكان الصحابة يستأذنون الرسول محمدا ﷺ في الإنصراف إذا عرضت لهم ضرورة فيذهبون لقضاء حوائجهم ثم يرجعون إلى ما كانوا فيه من العمل فأنزل الله تعالى فيهم إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَإسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ومعنى هذه الآية الكريمة أنه إذا استأذنك يا محمد الذين لا يذهبون عنك إلا بإذنك في هذه المواطن لقضاء بعض حاجاتهم التي تعرض لهم فإذن لمن شئت منهم في الإنصراف عنك لقضائها وإستغفر لهم فكان الرسول محمد ﷺ إن شاء أذن للمستأذن إذا رأى ذلك ضرورة له ولم ير فيه مضرة على الجماعة فكان يأذن أو يمنع حسب ما تقتضيه المصلحة ويقتضيه مقام الحال كما قسم الرسول ﷺ أصحابه إلى مجموعات للحراسة ومقاومة كل من يريد أن يخترق الخندق وواصل المسلمون عملهم في حفر الخندق فكانوا يحفرونه طول النهار ويرجعون إلى أهليهم في المساء حتى إكتمل حفر الخندق حسب الخطة المنشودة قبل أن يصل جيش الأحزاب إلى أسوار المدينة ولما علم الرسول ﷺ بقرب قدوم جيش الأحزاب أمر بوضع ذراري المسلمين ونسائهم وصبيانهم في حصن بني حارثة حتى يكونوا في مأمن من خطر الأعداء وقد فعل الرسول محمد ﷺ ذلك لأن حماية الذراري والنساء والصبيان لها أثر فعال على معنويات المقاتلين لأن الجندي إذا اطمأن على زوجه وأبنائه يكون مرتاح الضمير هادئ الأعصاب أما إذا كان الأمر عكس ذلك فإن أمر الجندي يضطرب ومعنوياته تضعف ويستولي عليه القلق والخوف مما يكون له أثر سلبي يؤدى إلي تراجعه عن القتال وحدث بعد أن وضع الرسول محمد ﷺ النساء والأطفال في هذا الحصن نظرا لإنشغال المسلمين بمواجهة الأعداء أنه لما نقض يهود بني قريظة عهدهم مع الرسول ﷺ وكادوا أن يسمحوا للأحزاب بإقتحام المدينة من جانبهم أرسلت يهوديا ليستطلع وضع الحصن الذي فيه نساء المسلمين وأطفالهم فأبصرته السيدة صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها عمة الرسول محمد ﷺ فأخذت عمودا ونزلت من الحصن فضربته بالعمود علي رأسه ضربة قوية فقتلته فكان هذا الفعل من السيدة صفية رادعا لليهود من التحرش بهذا الحصن الذي ليس فيه إلا النساء والأطفال حيث ظن يهود بني قريظة أن عليه حماية من الجيش الإسلامي أو أن فيه على الأقل من يدافع عنه من الرجال .

وأقبلت الأحزاب بجندها العشرة آلاف وإستخلف الرسول ﷺ إبن أم مكتوم على المدينة وخرج في ثلاثة آلاف من المسلمين فجعلوا ظهورهم إلى جبل سلع فتحصنوا به وجعلوا الخندق بينهم وبين الأحزاب وكان شعارهم هم لا ينصرون ولما أراد المشركون مهاجمةَ المسلمين وإقتحامَ المدينة وجدوا خندقا عريضا يحول بينهم وبينها فلجأوا إلى فرض الحصار على المسلمين ولم يكونوا مستعدين لذلك حين خرجوا من ديارهم إذ كانت هذه الخطة كما قالوا مكيدةً ما عرفتها العرب ولم يكونوا قد أدخلوها في حسابهم أو أنها خطرت ببالهم وأخذ المشركون يدورون حول الخندق لكي يتحسسوا نقطة ضعيفة لينحدروا منها وأخذ المسلمون يتطلعون إلى جولات المشركين يرشقونهم بالنبل حتى لا يجترئوا على الإقتراب من الخندق وأن يحاولوا إقتحامه أو أن يهيلوا عليه التراب ليبنوا به طريقا يمكنهم من عبوره وكره فوارس من قريش أن يقفوا حول الخندق من غير جدوى في ترقب نتائج الحصار فإن ذلك لم يكن من شيمهم فتلبس منهم للقتال جماعةٌ فيها عمرو بن عبد ود العامري القرشي أحد فرسان العرب المشاهير وعكرمة بن أبي جهل المخزومي القرشي وضرار بن الخطاب الفهري القرشي وهبيرة بن أبي وهب المخزومي القرشي وغيرهم ثم خرجوا على خيلهم وأقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق وتيمموا مكانا ضيقا منه فإقتحموه وجالت بهم خيلهم في السبخة بين الخندق وجبل سلع وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم وكان عمرو بن عبد ود قد قاتل يوم بدر حتى أثخنته الجراح ولم يشهد يوم أحد فلما وقف هو وخيله قال من يبارز فبرز له علي بن أبي طالب فقال له يا عمرو إنك كنت عاهدت الله ألا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه فقال له أجل فقال له علي فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام فقال لا حاجة لي بذلك قال فإني أدعوك إلى النزال فقال له لم يا إبن أخي فوالله ما أحب أن أقتلك فقال له علي لكني والله أحب أن أقتلك فحمي عمرو عند ذلك ونزل عن فرسه فعقره وضرب وجهه ثم أقبل على علي فتنازلا وتجاولا فقتله علي وخرجت خيلهم منهزمةً وعادوا أدراجهم هاربين وقد بلغ بهم الرعب مبلغه .

حاول المشركون عدة مرات علي مدار عدة أيام إقتحام الخندق أو لبناء الطرق به لكن المسلمين كافحوا مكافحةً شديدة ورشقوهم بالنبل وناضلوهم أشد النضال حتى فشل المشركون في محاولاتهم وظل الخندق حائلا بين الجيشين ولم يجر بين الطرفين قتال مباشر وحرب داميةٌ وإقتصر الأمر على المراماة والمناضلة وفي هذه المراماة قتل رجال من الجيشين ستة من المسلمين وعشرة من المشركين بينما كان قتل واحد أو إثنين منهم بالسيف ومن جانب آخر كان المسلمون حذرين من إحتمال أن يغدر يهود بني قريظة الذين كانوا يسكنون المدينة المنورة بالعهد مع المسلمين فيقع المسلمون حينئذ بين نارين اليهود خلف خطوطهم والأحزاب بأعدادهم الهائلة من أمامهم ونجح حيي بن أخطب زعيم بني النضير في إستدراج كعب بن أسد زعيم بني قريظة لينضم مع الأحزاب لمحاربة المسلمين حيث إنطلق حيي إلى ديار بني قريظة فأتى كعب بن أسد وصاحب عقدهم وعهدهم والذى كان قد عاقد الرسولَ محمدا ﷺ على أن ينصره إذا أصابته حرب فضرب عليه حيي الباب فأغلقه كعب دونه فما زال يكلمه حتى فتح له بابه فقال حيي إني قد جئتك يا كعب بعز الدهر وببحر طام جئتك بقريش على قادتها وسادتها وبغطفان على قادتها وسادتها وقد عاهدوني وعاقدوني على ألا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه فقال له كعب جئتني والله بذل الدهر ويحك يا حيي فدعني وما أنا عليه فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاءا بالعهد فلم يزل حيي بكعب حتى أعطاه عهدا من الله وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك فإستجاب له كعب بن أسد ونقض عهده وبرئ مما كان بينه وبين المسلمين ودخل مع المشركين في المحاربة ضدهم وسرت الشائعات بين المسلمين بأن بني قريظة قد نقضت عهدها معهم وكان هذا ما يخشاه الرسول محمد ﷺ ولذلك إنتدب الزبير بن العوام ليأتيه من أخبارهم فذهب الزبير فنظر ثم رجع فقال يا رسول الله رأيتهم يصلحون حصونهم ويدربون طرقهم وقد جمعوا ماشيتهم وبعد أن كثرت القرائن الدالة على نقض بني قريظة للعهد أرسل الرسول محمد ﷺ زعيما الأوس والخزرج سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله عنهما بالإضافة إلي الصحابيين عبد الله بن رواحة وخوات بن جبير وقال لهم إنطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا فإن كان حقا فإلحنوا لي لحنا أعرفه أي قولوا لي كلاما لا يفهمه أحد سواي ولا تفتوا في أعضاد الناس حتي لا تتأثر روحهم المعنوية وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فإجهروا به للناس حتي يطمأنوا فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم قد نقضوا العهد فرجعوا فسلموا على الرسول محمد ﷺ وقالوا عضل والقارة فعرف الرسول محمد ﷺ مرادهم وعضل والقارة قبيلتان من كنانة سبق منهما الغدر بأصحاب الرسول محمد ﷺ قبل ذلك وإستقبل الرسول ﷺ غدر وخيانة بني قريظة ونقضهم للعهود والمواثيق بالثبات والحزم وإستخدام كل الوسائل التي من شأنها أن تقوي روح المؤمنين وتثبتهم وتصدع جبهات المعتدين فأرسل في الوقت نفسه سلمة بن أسلم في مائتي رجل وزيد بن حارثة في ثلاثمائة رجل يحرسون المدينة المنورة ويظهرون التكبير ليرهبوا بني قريظة وفي هذه الأثناء إستعدت بنو قريظة للمشاركة مع الأحزاب فأرسلت إلى جيوشها عشرين بعيرا كانت محملة تمرا وشعيرا وتينا لتمدهم بها وتقويهم على البقاء إلا أنها أصبحت غنيمة للمسلمين الذين إستطاعوا الإستيلاء عليها ومصادرتها وأتوا بها إلى الرسولِ محمد ﷺ .

وأمام هذه الظروف الحرجة فكر الرسول محمد ﷺ في أن يختار قبيلة غطفان بالذات لمصالحتها على مال يدفعه إليها على أن تترك محاربته وترجع إلى بلادها فهو يعلم أن غطفان وقادتها مجرد مرتزقة ليس لهم من وراء الإشتراك في هذا الغزو أي هدف سياسي يريدون تحقيقه أو باعث عقائدي يقاتلون تحت رايته وإنما كان هدفُهم الأول والأخير من الإشتراك في هذا الغزو الكبير هو الحصولَ على المال بالإستيلاء عليه من خيرات المدينة المنورة عند إقتحامها وإحتلالها ولهذا لم يحاول الرسول محمد ﷺ الإتصال بقيادات الأحزاب من اليهود كحيي بن أخطب وكنانة بن الربيع أو قادة قريش كأبي سفيان بن حرب لأن هدف أولئك الرئيسي لم يكن المال وإنما كان هدفهم هدفا سياسيا وعقائديا يتوقف تحقيقه والوصول إليه على هدم الكيان الإسلامي من الأساس لذا فقد كان إتصاله فقط بقادة غطفان المرتزقة الذين لم يترددوا في قبول العرض الذي عرضه عليهم الرسول ﷺ حيث إستجاب القائدان عيينة بن حصن الفزاري الغطفاني والحارث بن عوف المري الغطفاني لطلب الرسولِ محمد ﷺ وحضرا مع بعض أعوانهما إلى مقر قيادة الرسول ﷺ وإجتمعا به وراء الخندق مستخفين دون أن يعلم بهما أحد وشرع الرسول ﷺ في مفاوضتهم وكانت المفاوضات تدور حول عرض تقدم به الرسول ﷺ يدعوهم فيه إلى عقد صلح منفرد بين المسلمين وبين غطفان الموجودة ضمن جيوش الأحزاب كان من أهم بنوده أن توادع غطفان المسلمين وتتوقف عن القيام بأي عمل حربي ضدهم وخاصة في هذه الفترة علي أن تفك غطفان الحصار عن المدينة المنورة وتنسحب بجيوشها عائدة إلى بلادها علي أن يدفع المسلمون لغطفان مقابل ذلك ثلثَ ثمار المدينة كلها من مختلف الأنواع لسنة واحدة ولما توصل الرسول ﷺ إلي ذلك الإتفاق وقبل عقد الصلح مع غطفان شاور الرسول محمد ﷺ الصحابةَ خاصة الأنصار أصحاب المدينة في هذا الأمر فكان رأيهم في عدم إعطاء غطفان شيئاً من ثمار المدينة وقال السعدان سعد بن معاذ وسعد بن عبادة سيدا الأوس والخزرج يا رسول الله أهذا أمر تحبه فنصنعه أم شيئا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به دون نقاش أم شيئا تصنعه لنا فقال لهما بل شئ أصنعه لكم والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما فقال له سعد بن معاذ قولته الشهيرة التي خلدها الزمن يا رسول الله قد كنا وهؤلاء على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وكانوا لا يطمعون في ثمرة واحدة من ثمار المدينة إلا فضلا منا أو بالثمن أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نترك لهم أموالنا وثمارنا بلا ثمن والله ما لنا بهذا من حاجة ووالله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا فسر الرسول ﷺ بذلك وقال أنتم وذاك وقال لعيينة والحارث إنصرفا فليس لكما عندنا إلا السيف .

وتشاء الأقدار آنذاك أن يأتي رجل من غطفان هو نعيم بن مسعود الأشجعي الغطفاني إلى الرسولِ محمد ﷺ ليعلن إسلامه ويقول له يا رسول الله إن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت فقال له الرسول محمد ﷺ إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن إستطعت فإن الحرب خدعة فذهب من فوره إلى بني قريظة وكان عشيرا لهم في الجاهلية فدخل عليهم وقال قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم قالوا صدقت قال فإن قريشا ليسوا مثلكم البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون أن تتحولوا منه إلى غيره وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره فإن أصابوا فرصة إنتهزوها وإلا لحقوا ببلادهم وتركوكم ومحمدا فينتقم منكم قالوا فما العمل يا نعيم قال لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن قالوا لقد أشرت بالرأي ثم مضى نعيم على وجهه إلى قريش وقال لهم تعلمون ودي لكم ونصحي لكم قالوا نعم قال إن اليهود قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد وأصحابه وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه ثم يوالونه عليكم فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم ثم ذهب إلى غطفان فقال لهم مثل ذلك وبعثت قريش وغطفان إلى اليهود وكان اليوم يوم سبت إنا لسنا بأرض مقام وقد هلك الكراع والخف فإنهضوا بنا حتى نناجز محمدا فأرسل إليهم اليهود إن اليوم يوم السبت وقد علمتم ما أصاب مَن قبلنا حين أحدثوا فيه ومع هذا فإنا لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهائن فلما جاءتهم رسلهم بذلك قالت قريش وغطفان صدقكم والله نعيم فبعثوا إلى اليهود إنا والله لا نرسل إليكم أحدا فإخرجوا معنا حتى نناجز محمدا فقالت بنو قريظة صدقكم والله نعيم فتخاذل الفريقان ودبت الفرقة بين صفوفهم وخارت عزائمهم وبذلك نجحت حيلة نعيم بن مسعود أيما نجاح فغرست روح التشكيك وعدم الثقة بين قادة الأحزاب مما أدى إلى كسر شوكتهم وهبوط عزيمتهم ودعا النبي محمد ﷺ على الأحزاب فصرفهم بحوله وقوته وزلزل أبدانهم وقلوبهم وشتت جمعهم بالخلاف ثم أرسل عليهم ليلا الريح الباردة الشديدة وألقى الرعب في قلوبهم وأنزل جنودا من عنده سبحانه فقد كان الرسول محمد ﷺ يقول لا إله إلا الله وحده أعز جنده ونصر عبده وغلب الأحزاب وحده فلا شئ بعده وإنصرفت الأحزاب عن المدينة وزال الخطر عنها وبلا شك فقد كانت غزوة الخندق من الغزوات المهمة التي خاضها المسلمون ضد أعدائهم وحققوا فيها نتائج مهمة منها أنهم حققوا الإنتصار علي أعدائهم وهزموهم وأجبروهم علي التراجع والتفرق مدحورين بغيظهم وقد خابت أمانيهم وآمالهم كما غيرت هذه الغزوة إستراتيجية المسلمين حيث من بعدها تحول المسلمون من موقف الدفاع إلى الهجوم وقد أشار إلى ذلك الرسول محمد ﷺ حيث قال الآن نغزوهم ولا يغزوننا نحن نسير إليهم ولذا فبعد غزوة الخندق كان المسلمون إذا سمعوا عن طريق عيونهم بأمر أي جماعة أو قبيلة تفكر في غزو المدينة كانوا يسارعون بمهاجمتها وإجهاض تفكيرها قبل أن تتحرك نحو المدينة كما كشفت هذه الغزوة يهود بني قريظة وحقدهم على المسلمين وتربص الدوائر بهم فقد نقضوا عهدهم مع الرسول محمد ﷺ في أحلك الظروف وأصعبها .

وعند عودة الرسول ﷺ إلي المدينة من غزوة الخندق جاءه جبريل عليه السلام عند الظهر وهو يغتسل في بيت أم سلمة فقال أو قد وضعت السلاح فإن الملائكة لم تضع أسلحتهم وما رجعت الآن إلا من طلب القوم فإنهض بمن معك إلى بني قريظة فإني سائر أمامك أزلزل بهم حصونهم وأقذف في قلوبهم الرعب فسار جبريل في موكبه من الملائكة فأمر الرسول محمد ﷺ مؤذنا فأذن في الناس من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة وإستعمل على المدينة إبن أم مكتوم وأعطى الراية لعلي بن أبي طالب وقدمه إلى بني قريظة فسار علي حتي ديار بني قريظة وضرب المسلمون الحصار عليها 25 ليلة ولما إشتد الحصار وعظم البلاء على بني قريظة أرادوا الإستسلام والنزول على أن يحكم الرسول ﷺ فيهم سعدَ بن معاذ حيث كانوا يظنون أنه سيرأف بهم بسبب الحلف الذى كان بينهم وبين قومه الأوس قبل الإسلام فجئ بسعد محمولا لأنه كان قد أصابه سهم في ذراعه يوم الخندق فسأل الرسول وزعماء بني قريظة أترضون بحكمي قالوا نعم فقضى أن تقتل المقاتلة وهم الذين خانوا العهد وحاربوا مع الأحزاب وأن تسبى النساء والذرية وأن تقسم أموالهم وتوزع الأراضي والديار علي المهاجرين دون الأنصار فأقره الرسول محمد ﷺ وقال له قضيت بحكم الله فيهم من فوق سبع سماوات وقد نجا من اليهود كل من أوفي بالعهد وكان جزاء اليهود من جنس عملهم حين عرضوا بخيانتهم أرواحَ المسلمين للقتل وأموالَهم للنهب ونساءهم وذراريهم للسبي فكان أن عوقبوا بذلك جزاءا وفاقا لما إقترفته أيديهم وهكذا فبالقضاء على بني قريظة خلت المدينة تماما من الوجود اليهودي وصارت خالصة للمسلمين وجمع الصحابة الغنائم التي خلفتها بنو قريظة فكانت ألفا وخمسمائة سيف وألفا رمح وثلاثمائة درع وألفا وخمسمائة ترس وجحفة بالإضافة إلي عدد كبير من الشياه والإبل وآنية كثيرة فوزعت أربعة أخماس الغنائم وهي الأموال المنقولة كالسلاح والأثاث وغيرها بين المحاربين من أنصار ومهاجرين ممن شهدوا الغزوة والخمس المتبقي هو سهم الله ورسوله المقرر في القرآن الكريم ولما تم توزيع الأراضي والديار علي المهاجرين دون الأنصار أمر الرسول ﷺ المهاجرين أن يردوا إلى الأنصار ما أخذوه منهم من نخيل وأرض والتي كانوا ينتفعون بثمارها .

وبعد غزوة الخندق والتي كان لسلمان الفارسي دور كبير فيها بفكرته بحفر الخندق وبعد أن إستعرضنا تلك الغزوة ونتائجها واصل سلمان مسيرته في الإسلام وشهد المشاهد كلها بعد ذلك بيعة الرضوان وصلح الحديبية وغزوة خيبر وفتح مكة وخلافه وبعد وفاة النبي محمد ﷺ شارك سلمان في فتوح العراق وتولى إمارة المدائن والتي تقع علي بعد عدة كيلو مترات جنوب شرق العاصمة العراقية بغداد ورغم ذلك فكان يعمل بيده فإذا تحصل له مال إشترى به طعاما ودعا الفقراء ليأكلوا معه وكان الخلفاء قد جعلوا له راتبا قدره خمسة آلاف درهم إلا أنه كان ينفقها على الفقراء فقد روى الحسن البصري أنه كان عطاء سلمان خمسة آلاف وكان على ثلاثين ألفا من الناس يخطب في عباءة يفرش نصفها ويلبس نصفها وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف يده كما كان الصحابة يعظمون قدره فقد روي أنه لما حضر معاذ بن جبل الموت وكان بأرض الشام قال له أصحابه أوصنا قال إن الإيمان والعلم مكانهما من إبتغاهما وجدهما قالها ثلاثا فإلتمسوا العلم عند أربعة أبي الدرداء وسلمان الفارسي وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن سلام الذي كان يهوديا فأسلم فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول إنه عاشر عشرة في الجنة وحين سئل علي بن أبي طالب عن أصحاب النبي محمد ﷺ فقال عن أيهم تسألون قيل عن عبد الله قال علم القرآن والسنة ثم إنتهى وكفى به علما قالوا عمار قال مؤمن نسي فإن ذكرته ذكر قالوا أبو ذر قال وعى علما عجز عنه قالوا أبو موسى قال صبغ في العلم صبغة ثم خرج منه قالوا حذيفة قال أعلم أصحاب محمد بالمنافقين قالوا سلمان قال أدرك العلم الأول والعلم الآخر بحر لا يدرك قعره وهو منا أهل البيت قالوا فأنت يا أمير المؤمنين قال كنت إذا سألت أعطيت وإذا سكت إبتديت كما أنه حين قدم سلمان على عمر بن الخطاب وهو الخليفة قال عمر للناس أخرجوا بنا نتلق سلمان وقد قال عنه الإمام الذهبي كان لبيبا حازما من عقلاء الرجال وعبادهم ونبلائهم أما صفته فقد كان رجلا قويا طويل الساقين كثير الشعر وأخيرا كانت وفاة سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه بالمدائن عام 33 هجرية في عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان عن عمر يناهز 85 عام تقريبا ودفن بضريح أصبح حاليا داخل مسجد ومزار سمي بمرقد سلمان الفارسي وهو يعد أحد مراقد بغداد التاريخية والأثرية وأحد المعالم الدينية المهمة في العراق وذلك لوجود وجود ضريح حذيفة بن اليمان وجابر بن عبد الله الأنصاري وطاهر بن الإمام الباقر بالإضافة إلي ضريح الصحابي سلمان الفارسي به وهو يقع في منطقة المدائن جنوب العاصمة بغداد ويبعد عن مركز العاصمة 30 كيلو متر وقد تم تشييد هذا المرقد بتصاميم مغربية توحي إلى العمارة العثمانية أو العباسية والمزدانة بنقوش مغربية بديعة ويعلو ضريح سلمان الفارسي قبة بقطر 8 متر وبإرتفاع 17 متر كما أن للمرقد منارتان بإرتفاع 23 متر وقطر مترين .
 
 
الصور :