بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
شارع خليل أفندى أغا هو أحد شوارع حي جاردن سيتي والذى يعد واحد من أرقى أحياء العاصمة المصرية القاهرة والذى ينحصر بين شارع القصر العيني شرقا وشارع كورنيش النيل غربا ويقع هذا الشارع في منتصف الحي تقريبا ويمتد من الشمال من تقاطعه مع شارع جمال الدين أبو المحاسن حتي ينتهي جنوبا بتقاطعه مع شارع عائشة التيمورية وقد أسس حي جاردن سيتي الخديوى إسماعيل ضمن خطته لإنشاء مناطق وأحياء جديدة في القاهرة وتحويلها إلي عاصمة عصرية حديثة علي غرار العواصم الأوروبية الكبيرة كروما وفيينا ولندن وباريس والتي تلقي تعليمه بها وزارها عدة مرات وأعجب بتخطيطها العام وطرقها وشوارعها وميادينها ومتنزهاتها وحدائقها ومنشآتها وقصورها ومنازلها فقرر أن يجعل من القاهرة قطعة من باريس وأن تكون هي باريس الشرق وقد صمم الحى بحيث تكون شوارعه دائرية وخطط الحى حتى يكون على طبقات وكل شارع مخصص لطبقة معينة فكان هناك شارع للحرس وشارع للإسطبلات وشارع للخدم وكان موضع جاردن سيتي موضعا قديما مغمورا بمياه النيل فحوله السلطان الناصر محمد بن قلاوون إلى ميدان سمي بالميدان الناصري وغرس فيه الأشجار وإفتتحه في عام 718 هجرية الموافق عام 1318م وكانت تقام بالميدان عروض الخيل التي كان الملك الناصر شغوفا بتربيتها والعناية بها وفي زمن الخديوي إسماعيل بدأت تنمية عمرانية وحركة معمارية واسعة بالمنطقة من أجل تشييد قصور فخمة فاخرة على إمتداد كورنيش النيل بحي جاردن سيتي كان من أشهرها قصر الدوبارة وقصر فخري باشا وقصر الأميرة شويكار وجميعها تعكس خليطا من المعمار الإسلامي بالتمازج مع المعمار الباريسي والإيطالي وقتذاك ومازالت هذه القصور وغيرها من ملامح حي جاردن سيتي موجودة شاهدة على عصر الأرستقراطية والنخبة والزمن الجميل وإن كان قد توارى وإنسحب في شموخ ليفسح المكان وغيره لأزمنة غاب معها كل ما هو جميل وأصيل وراق ورائع وذلك للأسف الشديد .
وترجع خصوصية حي جاردن سيتي لخصوصية سكانه فجميعهم من الطبقة الأرستقراطية أو طبقة النخبة التي شكلت المناخ الإجتماعي والإقتصادي والسياسي قبل ثورة عام 1952م ولهذه النخبة المتأصلة قصص ونوادر مع هذا الحي الجميل حيث كان أبناء معظم الأسر التي تسكنه يعرفون بعضهم البعض وتربطهم صلات إجتماعية خاصة بين الهوانم كما كانت هناك أيضا صلات وجلسات في مجالات الإقتصاد والسياسة بين البشاوات والبكاوات من أهل هذا الحي الذي فضل أن يتوارى حاليا وراء ما تبقى من أشجار الكافور وحدائق الزهور التي كانت بذورها تستورد من إيطاليا مثل الجارونيا والبونسيه والتيوليب الفرنسي وعصفور الجنة الذى كان يستورد من النمسا وكان من إشتراطات البناء في الحي الراقي ألا يزيد إرتفاع معظم مساكنه عن خمسة طوابق وبحيث تقع كلها داخل حديقة صغيرة أو متوسطة محاطة بسور من الحديد الأسود اللامع تتسلل عليه أغصان الياسمين وتطل من ورائه أشجار الكافور العملاقة التي كان يصل طولها حتى أسطح هذه البنايات والتي كان سكانها يحضرون الجناينية على حسابهم الخاص لتهذيب هذه الأشجار وإعادة تهذيب أغصان وزهور الياسمين التي تعطر مدخل البنايات ولذلك سميت المنطقة بجاردن سيتي أى مدينة الحدائق وكانت معظم هذه البنايات تبدأ ببعض السلالم الرخامية المزخرفة التي تنتهي بباب البناية الحديدي الأسود المشغول على الطريقة الفرنسية المعروفة معماريا وديكوريا بإسم الفيرفورجيه أي تطويع النحت والنقش على الحديد الأسود ويبطن الحديد المشغول يدويا هذا بزجاج مشطوف زخرفي غير شفاف ويفتح هذا الباب العملاق على مساحة عرضية تعكس درجات لدرج رخامي مزركش ثم تنتهي بالمصعد الذي يتشابه الباب الخاص به بباب العمارة في تناغم معماري وحوار حضارات وناس ودنيا كانت بخير ومن أشهر الشخصيات التي عاشت في حي جاردن سيتي كان الزعيم الوطني ورئيس حزب الوفد القديم ورئيس الوزراء عدة مرات مصطفي النحاس باشا ووزير داخليته وسكرتير عام حزب الوفد القديم والرئيس الأسبق لحزب الوفد الجديد محمد فؤاد سراج الدين باشا وشريف صبرى باشا خال الملك فاروق وشقيق الملكة نازلي وأحد اعضاء مجلس الوصاية علي العرش في الفترة من شهر مايو عام 1936م وحتي بلوغ الملك فاروق سن الرشد بالتقويم الهجرى في شهر يوليو عام 1937م والدكتور علي إبراهيم باشا الذى كان وزيرا للصحة في العهد الملكي لعدة مرات وسمعان صيدناوى مالك محلات صيدناوى قبل تأميمها والدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب المصرى سابقا من عام 1991م وحتي عام 2011م .
وينسب شارع خليل أفندى أغا إلي خليل أفندي أشهر أغا من أغوات زمانه ولالا حينه وأوانه حيث كان كبير أغوات الوالدة باشا هوشيار هانم قادين زوجة القائد إبراهيم باشا إبن محمد علي باشا والي مصر وهي أم الخديوى إسماعيل وكان مقربا منها والتي جعلته مربيا لولدها إسماعيل والأغا كلمة تركية تطلق على الرئيس أو القائد كما تطلق على الخصي أسمر البشرة الذى يؤذن له بدخول غرف النساء واللالا لفظ يطلق على من يقوم بتربية أولاد السلاطين والأمراء وكان خليل أفندي دائما ما يرتدي الزي الرسمي الذي إختاره الخديوى إسماعيل له وهو البدلة الإسطنبولي السوداء وكانت بأزرار مغلقة وقميص أبيض ويعلو رأسه الطربوش الأحمر القصير ويكون في قدميه حذاء من جلد الفرنيه الأسود وعندما تولى الخديوى إسماعيل حكم مصر في عام 1863م لم ينس فضل مربيه عليه فقام بتوليته المهام الكبار منها منصب كبير المشرفين على الأمور الخاصة للخديوي أو كما كان يطلق عليه البشكرجي وكان هذا المنصب غير منتشر في مصر قبل أن يشغله خليل أفندي أغا وعلاوة علي ذلك فقد كان ناظر السرايات وكلفه الخديوى إسماعيل بالإشراف على أفراح أبنائه وهم الأمراء محمد توفيق باشا وحسين كامل وحسن باشا والأميرة فاطمة وهي الأفراح التي إستمرت أربعين ليلة متتالية وسميت بأفراح الأنجال وظل يعمل لسنوات طويلة مع الخديوي إسماعيل وعائلته وإزداد قربا من العائلة بأكملها حتى أنه كان يتعامل كأنه فرد منها وفى عام 1869م كلفته هوشيار هانم بمباشرة أعمال بناء مسجد الرفاعى الذى أصبح فيما بعد يضم المقابر الملكية وترتيب مايلزم من العمال ومواد البناء فإنطلق بعزم لايفتر وهمة لاتلين فى إنجاز ماكلف به ويلاحظ أنه في ذلك الوقت إشتهر خليل أفندى أغا في ربوع مصر المحروسة وكان محل إجلال الجميع من الوزراء والعلماء والأعيان وإنتشرت الشائعات بين عامة الشعب التي تؤكد أن خليل آغا هو من يحكم مصر فعليا وأن مقاليد الحكم صارت بيديه ووصل الأمر إلى أن وزراء هذا الزمان كانوا يقبلون يديه كنوع من إظهار الولاء له معتقدين أن التودد لخليل أفندى أغا هو الضامن الوحيد لبقائهم في مناصبهم ونظرا لنفوذه الكبير وكلمته النافذة في الدوائر الحكومية كانوا يعتبرونه صاحب اليد العليا في المحروسة بعد الخديوى إسماعيل وقد بلغ نفوذ خليل أغا إنه كان يتوسط ليصلح بين زوجات الخديوي إسماعيل ومحظياته عند حدوث خلاف أو شقاق بينهن .
ومما يذكر عن خليل أغا أنه كان من الرواد الداعين الى التعليم الأهلي بعيدا عن التعليم الأميري الحكومي الذى تقدمه الحكومة فى مدارسها إذ انشأ في شهر ديسمبر عام 1869م جهة المشهد الحسينى مدرسة لتعليم الأيتام وأوقف عليها الأوقاف الجزيلة ليخلد بها إسمه وذكراه عن طريق إيواء الفقراء والقادمين إلى القاهرة والأيتام حيث كان يتم رعايتهم وتصرف لهم الأموال والإعانات والمأكل والملبس وكذلك الكتب والأدوات الدراسية والتعليمية ويتم تعيين المدرسين لهم وكان التلاميذ والوافدون للتكية ومدرسة خليل أغا يحفظون القرآن الكريم ويدرسون صحيح الدين الإسلامي والقواعد النحوية والخط العربي وكذلك اللغة التركية وقد تحولت المدرسة والتكية بعد ذلك إلى مدرسة إبتدائية مع مطلع القرن العشرين الماضي وبالتحديد في عام 1905م وأنشئ بها قسم للتعليم الثانوي لتدريس اللغتين الفرنسية والإنجليزية إلى جانب اللغة العربية وظل التدريس بها باللغة الإنجليزية إلى أن ألغى ذلك القسم لصعوبة توافر المدرسين ووزع التلاميذ على المدرسة الخديوية ومدارس أخرى وفي عام 1921م بدأ إنشاء مبناها الجديد بشارع الجيش بالعباسية والتي إنتقلت إليه في يوم 29 يناير عام 1928م وقام بإفتتاحها الملك فؤاد الأول في حفل أقيم بفناء المدرسة التي بنيت على الطراز السلطاني والسرايات والقصور الخديوية والملكية ودعي إلي هذا الحفل الكبراء والأمراء والأعيان والباشاوات وفى عهد الملك فاروق وفي عام 1946م تحولت المدرسة فى نظامها التعليمى من الدراسة الإبتدائية إلى الدراسة الثانوية وقد تخرج من مدرسة خليل أغا خلال القرن العشرين الماضي الكثير من المشاهير والنجوم والأدباء والكتاب الكبار يأتي في مقدمتهم الزعيم محمد فريد باشا والموسيقار والفنان الشيخ زكريا أحمد والأديب الكبير إحسان عبد القدوس والكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل والفنان الكبير محمد عوض والصحفي طارق فودة والكابتن إبراهيم شراب لاعب نادى السكة الحديد والدكتور محمد رجائي الطحلاوي محافظ أسيوط الأسبق والدكتور محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان الأسبق وجدير بالذكر أن خليل أغا قد تمكن من تحقيق ثروة ضخمة كما إمتلك الكثير من هدايا الوالدة باشا والخديوى إسماعيل حتى أصبحت له الكثير من الأملاك في أكثر من مكان في حي جاردن سيتي وكذلك أراض زراعية بمحافظتي الغربية وكفر الشيخ كانت تتعدى مساحتها 1800 فدان وأكثر من منزل كما كانت له أوقاف هائلة وكان يملك أيضا عمارات سكنية معروفة فى حي القلعة وفضلا عن ذلك فقد أعد خليل أغا مدفنا له بشارع السيدة نفيسة بقرافة الإمام الشافعى وكان قد ألحق بالمدفن سبيلا لا وجود له الآن لرى العطشى من المارة وعن ذلك يذكر على مبارك فى الخطط التوفيقية سبيل خليل أغا هو بجوار مشهد الإمام الشافعى أنشأه خليل أغا باش أغوات والدة الخديوى إسماعيل فى عام 1288هجرية وجعل بجواره مدفنا وبستانا نضرا وعدة مساكن وشعائره مقامة من طرفه .
|