بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
السلطان أورخان غازى هو أورخان غازي بن عثمان بن أرطغرل ثاني أبناء السلطان عثمان غازي مؤسس الدولة العثمانية ووالدته هي مال خاتون بنت الشيخ إده بالي معلم أبيه السلطان عثمان غازى وجده لأبيه هو الأمير الغازي أرطغرل بن سليمان شاه وجدته لأبيه هي حليمة خاتون وهو يعد ثاني السلاطين العثمانيين والذى إستكمل تأسيس الدولة العثمانية بعد أبيه السلطان عثمان غازى وقد حرص أبوه على إعداده لتولي المسؤولية ومهام الحكم فعهد إليه بقيادة الجيوش التي كان يرسلها إلى حدود الدولة البيزنطية حيث كان أورخان رجلا عسكريا من الطراز الأول وكان هو من أسس الجيش العثماني الإسلامي ومؤسس جيش الإنكشارية أي المقاتلين الجدد وهو الجيش الذى قدر له أن يكون أعظم جيش في العالمين الإسلامي والمسيحي لفترة طويلة من الزمن وأن يلقي الرعب في قلوب الملوك والأباطرة والأمراء الأوروبيين لمدة أربعة قرون متتالية وكان أورخان غازى أيضا هو من أنهي نفوذ البيزنطيين في بلاد آسيا الصغرى وفي عهده بدأت الفتوحات الإسلامية في الشرق الأوروبي وكان أبوه السلطان عثمان غازى قد أوصي له بالحكم من بعده وترك له وصية سجلها المؤرخ العثماني عاشق الحلبي جاء فيها يا بني أحط من أطاعك بالإعزاز وأنعم على الجنود ولا يغرنك الشيطان بجهدك وبمالك وإياك أن تبتعد عن أهل الشريعة يا بني لسنا من هؤلاء الذين يقيمون الحروب لشهوة حكم أو سيطرة أفراد فنحن بالإسلام نحيا وللإسلام نموت وهذا يا ولدي ما أنت أهل له يا بني إنك تعلم أن غايتنا هي إرضاء رب العالمين وأنه بالجهاد يعم نور ديننا كل الآفاق فتحدث مرضاة الله عز وجل وعلى الرغم من أن أورخان لم يكن أكبر أبناء السلطان عثمان غازي فإن أخاه الأكبر علاء الدين لم يعلن العصيان أو يعارض وصية أبيه بل إنه قدم الصالح العام للدولة على الصالح الخاص له وقد عين أورخان أخاه الأكبر علاء الدين في الصدارة العظمى أي رئاسة الوزراء فكان أول رئيس للوزراء في تاريخ الدولة العثمانية فقام بتدبير الأمور الداخلية بإقتدار على حين تفرغ أورخان لإستكمال الفتوحات العثمانية الإسلامية سواء في منطقة الأناضول أو في شرق القار ة الأوروبية والتي كانت قد بدأت في عهد أبيهما العظيم السلطان عثمان غازى .
وكان ميلاد السلطان أورخان غازى علي الأرجح في عام 681 هجرية الموافق عام 1281م في عاصمة أبيه سوجوت أو سكود والتي كانت أول عاصمة للدولة العثمانية وعاش 80 عاما وفقا لكتاب بإسم مناقب أورخان كتب في عصره وغير معلوم لنا كيف قضى أورخان غازي طفولته وشبابه المبكر كما لا نعرف كيف تربى وكيف حصل على التعليم وكان أول ظهور موثق له في التاريخ في عام 1298م عند زواجه من إبنة صاحب قلعة يار حصار والتي إستولي عليها أبوه السلطان عثمان غازى وتدعى نيلوفر خاتون والتي ولدت له إثنين من الأبناء هما سليمان ومراد ثم ظهر مرة أُخرى عندما نقل والده مركز دولته مؤقتا إلى مدينة يني شهر والتي تقع شمال غرب الأناضول في عام 1299م حينما أُرسله أبوه مع الأتابك كندز ألب صاحب الخبرة إلى قلعة قراجة حصار وفي عام 1300م فتح أورخان غازى قلعة كوبري حصار ومن بعدها أصبح أميرا للحدود في قراجة حصار وبعد ذلك حصل على رتبة بكلربك أى أمير الأمراء وعين قائدا لجيش أبيه الصغير وشارك في غالبية عمليات والده العسكرية حيث إشترك في حصار مدينة إزنيق عام 1301م وفي حرب ديم بوز عام 1303م بينما لم يشارك في حرب لفكه لبقائه في إسكي شهر وقراجة حصار لمواجهة تهديدات الإمارة الكرميانية التركمانية المجاورة وهي الإمارة الإسلامية التي كانت قد نشأت عام 1250م جنوبي الأناضول وكان حكامها من أصول أرمنية وإعتنقوا الإسلام وقد بقي معه وإلي جواره رجال والده الموثوق بهم ككوسه ميخائيل وصالتوق ألب وبالفعل ففي أثناء إنشغال والده بالفتوحات قام الأمير الكرمياني چفدر تتر بالهجوم على سوق قراجة حصار ونهبه ثم إنسحب فطارده أورخان ولحق به قرب قلعة چفدر حصار وأعاد ما نهبوه وتم أسر إبن چفدر تتر وبعد ذلك عقد السلطان عثمان غازى معاهدة مع الكرميانيين بموجبها تم إطلاق سراح هذا الأسير وعاد إلي والده وعندما قرر السلطان عثمان غازى البقاء في قراجة حصار لصد أي هجوم محتمل للكرميانيين أرسل ولده أورخان مع بعض القادة العسكريين من رفاق دربه إلى صقارية بشمال تركيا حاليا في عام 1305م ووفقا لعاشق باشا زاده فإن تلك الغزوة كانت أول حرب يقودها أورخان غازي وعلاوة علي ذلك فقد فتح أورخان قلعة قرە چپوش ذات الأهمية الإستراتيجية وقلعة قرە تكين الواقعة أمام مدينة إزنيق وقلعة أبسو وإنضم بعد ذلك إلى والده في مدينة يني شهر وكان الهدف من تلك الحملات والغزوات قطع الإمدادات القادمة إلى إزنيق وإجبار حاميتها على الإستسلام وقد إكتسب أورخان تجربته العسكرية وإزدادت حنكته في تلك الحروب وفضلا عن ذلك فقد أرسل عثمان غازى ولده أورخان عندما بلغ من العمر 20 عاما لكي يتولى حكم مقاطعة ناقهير الصغيرة لكن الأخير لم يمكث فيها طويلا وعاد إلى عاصمة أبيه سكود عام 1309م .
وبعد عودة أورخان غازى إلي العاصمة سوجوت بدأ أبوه عثمان غازى يركز مجهوداته في فتح المدن البيزنطية الكبيرة المعزولة في منطقة الأناضول ورأى أن يبدأ بفتح مدينة بورصة فبنى بالقرب منها قلعتين تشرفان عليها وتحيطان بها وفي إحدى الروايات ثلاثة حصون وإستمر الحصار العثماني لِبورصة أكثر من 10 سنوات ويرجع طول مدة الحصار إلى عدم إمتلاك العثمانيين آنذاك أية أدوات تمكنهم من إحكام الحصار كما أن المدينة نفسها كانت حصينة ومنيعة إذ كانت تحميها قلعة يبلغ طولها 3400 متر تحتوي على عدد 14 برج مراقبة وعدد6 أبواب ضخمة وكان هناك أيضا سوران سميكان في المنطقة الواقعة تحت جبل أولوطاغ المجاور لِلمدينة ومما يذكر أنه في أثناء إستمرار عملية الحصار قام عثمان وقادته بتطهير ما يجاور المناطق التي سيطروا عليها من بقايا الحصون الرومية ففتحوها الواحد تلو الآخر ودخل بعض قادة تلك الحصون مع حامياتهم في خدمة عثمان وأسلم البعض منهم فيما بقي البعض الآخر على المسيحية وفي تلك الفترة أُصيب عثمان بداء الصرع وبذلك لم يعد قادرا على قيادة حصار مدينة بورصة بنفسه فعهد إلى إبنه أورخان بإستكمال الأمر وإعتزل هو الخروج مع الجيوش ولازم دياره وإستمر حصار أورخان للمدينة دون أي قتال أو حرب لكنه تابع عزلها عن محيطها ففتح مدينة مودانيا الساحلية وهي إحدى مدن تركيا حاليا والتي تقع في محافظة بورصة ضمن منطقة مرمرة والتي تبعد عن إسطنبول مدة ساعتين بحرا وبذلك تمكن من قطع صلة مدينة بورصة المحاصرة بالبحر ثم فتح بلدة پرونتكوس في الساحل الجنوبي لإزميد وغير إسمها إلى قرە مرسل تيمنا بإسم فاتحها قرە مرسل بك كما فتح بلدة أدرانوس الواقعة جنوب بورصة على قمة جبل أناضولي طاغ والتي وصفت بأنها مفتاح المدينة وسميت أورخان ألي وبذلك ضيق العثمانيون الحصار على المدينة حتى دب اليأس في قلب حاكمها وحاميتها وأيقن الإمبراطور البيزنطي أن سقوطها في أيدي المسلمين قد أصبحت مسألة وقت لا أكثر فإتخذ قرارا صعبا وأمر عامله عليها بإخلائها ففعل وإنسحبت الحامية البيزنطية من المدينة ودخلها أورخان في يوم 2 من شهر جمادى الأولى عام 726 هجرية الموافق يوم 6 أبريل عام 1326م ولم يتعرض لأهلها بسوء بعد أن أقروا بالسيادة العثمانية علي المدينة وتعهدوا بدفع الجزية وسلم صاحب المدينة المدعو أقرينوس نفسه إلى أورخان ثم أشهر إسلامه أمامه وبايع أباه السلطان عثمان غازى ودخل في طاعته فأُعطي لقب بك إكراما له وتقديرا لما أبداه من شجاعة وبسالة وصبر خلال الحصار الطويل لمدينة بورصة وأصبح من قادة جيوش الدولة العثمانية البارزين فيما بعد وتأثر به عدد آخر من قادة الروم البيزنطيين الذين بقوا في المدينة وحصونها المجاورة فأشهروا إسلامهم أيضا وإنضموا تحت لواء العثمانيين وبهذا فتحت مدينة بورصة بعد طول إنتظار وأسرع أورخان غازى عائدا إلى العاصمة مدينة سكود لينقل الخبر السعيد إلى والده السلطان عثمان غازى .
وكان السلطان عثمان غازى في ذلك الوقت قد إشتد عليه المرض وكان طريح الفراش ولما دخل أورخان على والده وشاهده ينازع الموت إغرورقت عيناه بالدموع وخاطبه قائلا يا أعظم سلاطين البر والبحر كم قهرت أبطالا وإفتتحت بلدانًا ما لي أراك في هذه الحالة فأجاب عثمان لا تجزع يا بني هذا مصير الأولين والآخرين وإنني الآن أموت فرحا مسرورا لكونك تخلفني وتقوم مقامي بإدارة هذا الملك السامي ثم فاضت روحه بعد صراع مرير مع داء المفاصل أو النقرس إلى جانب الصرع الذي كان قد أُصيب به في سنواته الأخيرة وجدير بالذكر أن داء النقرس كان مرضا وراثيا في الأُسرة العثمانية وعانى منه الكثير من سلاطينها ولم يفت السلطان عثمان غازى تنظيم أمور دولته من بعده حيث أوصى بالملك لإبنه الثاني أورخان لإمتلاكه مقومات الإمارة والقيادة الفذة على عكس أخيه الأكبر علاء الدين باشا الذي كان يميل أكثر للورع الديني والعزلة وتنظيم وإدارة الشؤون الداخلية للبلاد وقد إختلف المؤرخون في تحديد موعد وفاة السلطان عثمان غازى وإن كان الأرجح أنه قد توفي في يوم 21 رمضان عام 726 هـجرية الموافق ليوم 21 أغسطس عام 1326م عن عمر يناهز السبعين عاما وهكذا تولي أورخان مقاليد الحكم علي بلاد أبيه وقد بلغ من العمر أربعين عاما وإكتفى شقيقه الأكبر علاء الدين بمنصب الوزارة وإدارة الشؤون الداخلية للبلاد وليكون بِهذا أول صدر أعظم أي رئيس الوزراء في التاريخ العثماني كما ذكرنا في السطور السابقة وكان الإتفاق على أن يخلف أورخان أبيه أحد أهم الإنجازات الكبيرة التي حققها العثمانيون في تلك الفترة المبكرة من تاريخهم فقد تخطوا ظروف وفاة زعيمهم الكبير من دون أن تتكبد دولتهم الوليدة أى خسارة لوحدتها ذلك أن العثمانيين لم يتبعوا التقليد التركي أو المغولي كما كانت تفعل الإمارات التركمانية المحيطة بهم القائم على إقتسام السلطة وتوزيعها بين الإخوة وهكذا ورث أورخان دولةً موحدة لكن لم تكن قد تبلورت قوانينها بعد أو تكون لها عملة موحدة أو حدود واضحة ويحيطُ بها جيران يتربصون بها وكان عليه أن يستكمل مسيرة أبيه وأن يبدأ في إقامة دولة راسخة الأقدام مع مواصلة التوسع على حساب جيرانه وتحويل أتباعه إلى أُمة قوية موحدة .
وكان أول عمل قام به أورخان هو أن نقل عاصمة دولته إلى مدينة بورصة نظرا لموقعها الإستراتيجي الهام كما كان من أهم أعماله تأسيسه للجيش الإسلامي العثماني وجعله جيشا دائما وليس إستثنائيا فقد كان قبل ذلك لا يجتمع إلا وقت الحرب وقد عمل أورخان كذلك على زيادة عدد جيشه الجديد وأصبح يضم الآلاف من المجاهدين في سبيل الله كما أنشأ مراكز خاصة يتم فيها تدريب جنود الجيش والإرتقاء بهم وتعليمهم مهارات القتال ولذا فقد إحتل الجيش مكانة بالغة الأهمية في حياة الدولة العثمانية حيث كان أداة للحكم والحرب معا إذ كانت الحكومة العثمانية جيشا قبل أي شئ آخر وكان كبار موظفي الدولة هم في الوقت نفسه قادة الجيش ومن هنا جاء القول الشائع بأن الحكومة العثمانية والجيش العثماني وجهان لعملة واحدة وبإختصار فقد إستطاع أورخان أن يؤسس جيشا إسلاميا نظاميا دائم الإستعداد للجهاد وأمضى أورخان الفترة الأولى من عهده منشغلا بالفتوحات في منطقة الأناضول حيث أرسل أورخان قواد جيوشه لفتح ما تبقي من بلاد آسيا الصغرى الخاضعة لنفوذ البيزنطيين ففتحوا أهم مدنها تباعا وأضحت كل من نيقوميدية ونيقية بمنطقة شمال غرب الأناضول في بدايات عهد أورخان هدفا في سياسته التوسعية ثم إستولى على شبه جزيرة بيثينيا الواقعة في أقصى الشمال وتجاور بحر مرمرة والبوسفور والبحر الأسود وعلى قلعتي سمندرة وأبيدوس المحصنتين واللتان كانتا تحرسان الطريق العسكري بين القسطنطينية ونيقوميدية ونزل في تراقيا في جنوب شرق البلقان وهي المنطقة التي تضم شمال شرق اليونان وجنوب بلغاريا وتركيا الأوروبية وتطل على ثلاث بحار هي البحر الأسود وبحر إيجة وبحر مرمرة ثم راح يعد العدة لمهاجمة مدينة نيقية كما فتح السلطان بنفسه مدينة أزميد وهي مدينة يونانية قديمة بآسيا الصغرى ولم يبق من المدن المهمة بتلك المنطقة سوى مدينة أزنيك فحاصرها وضيق عليها الحصار حتى دخلها بعد سنتين وإنتهى بذلك نفوذ البيزنطيين في بلاد آسيا الصغرى وقد أدت السياسة السمحة التي إتبعها أورخان مع قادة وسكان المناطق والبلاد المفتوحة والتي كان يتبعها والده قبله إلى أن الغالبية العظمى من الروم البيزنطيين الذين كانوا يسكنون هذه المناطق دخلوا الإسلام طوعا حيث إتبع سياسة اللين والرفق وهو ما جذب إليه قلوب الأهالي حيث لم يعارضهم في إقامة شعائر دينهم وسمح لهم بحرية الحركة والتنقل ونحو ذلك كما أفتى الفقهاء الذين كان السلاطين العثمانيون يستشيرونهم في كل ما يتصل بتشريعات الدولة ونظمها بأن كل من أسلم بأهله من السكان صار من أهل ورعايا الدولة وقد سهلت هذه الفتوى على العثمانيين فتح إمارة قرة سي الواقعة على بحر مرمرة فيما بعد في عام 736 هجرية الموافق عام 1336م كما سنذكر في السطور القادمة بإذن الله وبهذا سيطر العثمانيون على الركن الشمالي الغربي لآسيا الصغرى .
وفي عام 729 هجرية الموافق عام 1329م وهو عام يعد من نقاط التحول في التاريخ العثماني حيث كان العثمانيون قد أضحوا خلال المدة من عام 1305م وعام 1329م على مقربة من القسطنطينية كما كانت نيقوميدية ونيقية قد حوصرتا من كل الجهات وأصبحتا علي وشك الوقوع في أيدي المسلمين وكانت نيقية تحديدا مستعدة للإستسلام بسبب الجوع الذي ألم بأهلها وحاميتها بعد إنقطاعها عن سائر بلاد الروم لا سيما بعد فتح بورصة التي كانت بمثابة الشريان الحيوي إليها وقد دفعت الحالة القائمة البيزنطيين إلى الإعتقاد بأن الوضع أصبح مسألة حياة أو موت لا سيما أن المسلمين بعد إستيلائهم على بحيرة إزنيق بالكامل أخذوا يستعدون بقيادة أورخان غازى للقيام بهجوم حاسم أخير لفتح نيقية ونيقوميدية وحدث في غضون ذلك أن إعتلى الإمبراطو أندرونيقوس الثالث باليولوك العرش البيزنطي فسعى لإنقاذ نيقية وإيقاف التقدم العثماني المندفع تجاه عاصمة الروم على أمل أن يعيد الوضع على الحدود الإسلامية البيزنطية إلى حالة الإستقرار والركود لِذلك قاد بنفسه حملةً عسكريةً بلغ تعدادها 4 آلاف رجل وعبر بها مضيق البوسفور في يوم 2 شعبان عام 729 هجرية الموافق يوم 1 يونيو عام 1329م وهبط في أسكدار وتوجه إلي بيليكانون وهدفه الظاهر العبور إلى الطرف الآخر من مضيق نيقوميدية وأن يهبط من وادي يالاق دار وينقذ نيقية وما أن علم أورخان بذلك حتى سار مع حوالي ثمانية آلاف من جنوده وسيطر على تلال بيليكانون قاطعا بذلك الطريق الإستراتيجي الذي كان على البيزنطيين إستخدامه للوصول إلى نيقوميدية وفي يوم 11 شعبان عام 729 هجرية الموافق يوم 10 يونيو عام 1729م أرسل أورخان عدد 300 فارس نبال أسفل التلال لِاستدراج البيزنطيين إلى حيثُ يتمركز الجيش العثماني لكن الروم تمكنوا من صدهم ورفضوا التقدم أكثر من ذلك بعد أن شعروا بالفخ الذى نصبه لهم العثمانيون فهبط عليهم العثمانيون من مواقعهم وإشتبك الجيشان في معركة قوية بالقرب من ميناء جبزي بلرب من سهل المكان المسمى قديما بيليكانون وأصبح اليوم إسكي حصار ودارت الدائرة على الجيش البيزنطي الذى حاول التقهقر والإنسحاب لكن العثمانيين لم يمنحوه الفرصة لذلك فقتل من جنده الكثيرون وتكبد حسائر فادحة وسرت شائعة تقول إن الإمبراطور قتل في المعركة مما أشاع الفوضى والخوف والهلع في صفوف جنود الجيش البيزنطي وفي واقع الأمر أن الإمبراطور البيزنطي كان قد أُصيب إصابةً طفيفة فولى هاربا إلى العاصمة البيزنطية القسطنطينية عن طريق البحر وكان هروبه هذا إيذانا بتخلي الأباطرة البيزنطيين عن إقليم آسيا الصغرى إلى الأبد وطاردت الجيوش العثمانية فلول المنهزمين البيزنطيين الهاربة إلى فيلكورين وهي مدينة ساحلية صغيرة وأعملت فيها القتل وأسرت من تبقي من الجيش البيزنطي ولم يتمكن من الهرب وفقد أورخان غازى في هذه المعركة عدد 275 جنديا فقط وغنم المسلمون السرادق الإمبراطوري والرايات الإمبراطوريَّة الرومية وتوجس الإمبراطور البيزنطي خوفا بعد هذه الهزيمة فطلب من العثمانيين بحث طرق المصالحة .
وفي واقع الأمر كانت هزيمة البيزنطيين في معركة بيليكانون قاضية على الأمل في المحافظة على نيقية مما دفع الإمبراطور البيزنطي للتوقف عن المقاومة في الأناضول أو تعزيز الحاميات البيزنطية المتبقية هناك كذلك لا شك وأن هزيمة البيزنطيين وإنتصار أورخان غازى وفتحه نيقية فيما بعد كان كفتح القسطنطينية آنذاك ونقطة تحول في العلاقات العثمانية البيزنطية فلم يعد أمام أورخان أي حاجز ليستولي على نيقية ومن بعدها نيقوميدية وقد أدى هذا النصر أيضا إلى إنضمام كل القلاع الصغيرة التي تقع على الساحل إلى الأراضي العثمانية بما فيها جبزي وهاراكا وكان سقوط كل حصون وقلاع الأناضول يعني وقوع العاصمة القسطنطينية في دائرة الخطر وإشتهر أورخان بعد هذا الإنتصار وأنشأ علاقات صداقة مع أول سلاطين الأسرة الجلائرية حسن بزرك كما وصلت أخبار إنتصاراته إلى القاهرة ودمشق حيث عم الفرح وخلع عليه الخليفة العباسي الشرفي الموجود بالقاهرة أبو الربيع سليمان المستكفي بالله ألقابا تشريفية كثيرة هي السلطان وسلطان الغزاة والغازي إبن الغازي وشجاع الدين والدنيا وإختيار الدين وسيف الدين وبعد هزيمة البيزنطيين في بيليكانون شدد أورخان الحصار على مدينة نيقية ولما رأى أهلها أن الأمل مفقود في وصول أى مدد من القسطنطينية وأن الإمبراطور تخلى عنهم لذا فأمام الأمر الواقع المفروض عليهم أعلنوا إستسلامهم وفتحوا أبواب المدينة للمسلمين ولم يحاول أى منهم مقاومة الجنود العثمانيين فسقطت المدينة في يوم 21 من شهر جمادى الأولى عام 731 هجرية الموافق يوم 2 مارس عام 1331م وأظهر أورخان تساهلا وتسامحا كبيرين مع سكان المدينة المفتوحة فسمح لهم بِالبقاء فيها أو مغادرتها لو شاؤوا ولم يعارض من أراد البقاء منهم في إقامة شعائر دينهم وأذن لِمن يريد الهجرة خارج المدينة بأخذ كافة منقولاته وبيع ممتلكاته وعقاراته مع تمام الحرية في إجراءاته وقد دفعت هذه المعاملة الطيبة المتسامحة الكثير من سكانها إلى إعتناق الدين الإسلامي وأصلح أورخان ما تهدم من مباني المدينة وأسوارها ولم يبخل في الإنفاق على تحسينها وتجميلها وحول بعض كنائسها إلى مساجد ومدارس وأسس بها مجموعةً جديدةً من المدارس والتكايا للفقراء والمحتاجين والمعوزين وأنشأ وقفا لزوجته نيلوفر خاتون وسرعان ما إستعادت المدينة مركزها الهام وبخاصة في صناعة القيشاني ونسيج الحرير وأضحت أزهى مدن الدولة العثمانية وأكثرها رخاءا ومركزا للحياة العقلية الإسلامية وجعل السلطان أورخان غازى أكبر أولاده المدعو سليمان باشا حاكما عليها لكنه لم يلبث في هذا المنصب إلا قليلا حتى عين صدرا أعظم أي رئيسا للوزراء بعد وفاة عمه علاء الدين باشا هذا وقد غير إسم المدينة من نيقية إلى إزنيق وبسقوطها في أيدي المسلمين إنتهت تقريبا سلطة الإمبراطورية البيزنطية عمليا علي إماراتها في منطقة آسيا الصغرى إلا من بعض المدن الصغيرة المتفرقة .
وواصل السلطان أورخان غازى بعد ذلك فتوحاته داخل الأراضي المتبقية للدولة البيزنطية في آسيا الصغرى فأرسل قوة عسكريةً في عام 733 هجرية الموافق عام 1333م بقيادة إبنه سليمان لفتح المناطق الواقعة شمالي نهر صقارية الذى يعد ثالث أطول الأنهار التركية ففتح قلاع كوينيك ومودرينة وتركجي وبسقوط تلك القلاع تقلصت الممتلكات البيزنطية في آسيا الصغرى إلي أقصي حد ولم يعد لها سوى بعض المدن المتفرقة أشهرها نيقوميدية وآلاشهر وهرقلة وتعرض الإمبراطور البيزنطي آنذاك لضغط مزدوج فقد كثف التركمان المنطلقون من إماراتهم الساحلية على بحر إيجة غاراتهم على الأراضي البيزنطية في شرق أوروبا كما تعرضت الممتلكات البيزنطية في البلقان لغارات من قبل الصربيين فحرص على ضمان حياد أورخان ليتفرغ لهذين الخطرين وشرع في إجراء مفاوضات معه وكان أورخان بغضون ذلك الوقت قد ضرب الحصار على نيقوميدية بجيش كبير حركه من خالكيديكة وشرع المسلمون يقذفون أسوارها بالمنجنيق وقد ذكر القائد الرومي يوحنا قانتاقوزن الذي أصبح إمبراطورا لاحقا معلومات مهمة حول هذا الموضوع ووفقا لتلك المعلومات فإنه هرع بسرعة لمساعدة المدينة وأرسل السلطان أورخان غازى رسولا بينما كان الأُسطول البيزنطي في الطريق وعلى وشك الوصول إلى نيقوميدية وأخبر قانتاقوزن أنه مستعد للإنسحاب وترك المدينة وشأنها إن وافق الإمبراطور على شروطه الخاصة للصلح ومستعد للحرب إن لم يوافق ورضي الإمبراطور بهذا مضطرا وتم توقيع معاهدة صلح بين الطرفين في شهر ذي الحجة عام 733 هجرية الموافق شهر أغسطس عام 1333م وقد نصت المعاهدة علي إقامة علاقات صداقة بين السلطان أورخان غازى وبين الإمبراطور البيزنطي وعدم القيام بأي تحركات عدائية ضد المدن البيزنطية وفي المقابل يتعهد الروم بِدفع مبلغٍ من المال للعثمانيين وأرسل السلطان أورخان غازى كبادرة علي حسن نيته عدة هدايا إلى الإمبراطور منها خيول تركمانية وعربية مطهمة وكلاب صيد سلوقية وفراء نمور وسجاد وحصل في المقابل على أطباقٍ من الفضة وأقمشة صوفية وحريرية وبطانات سروج إلى جانب عدد 12 ألف قطعة ذهبية كجزية سنوية لقاء تراجعه عن حصار مدينة نيقوميدية .
وقد أدى إندفاع العثمانيين بإتجاه الغرب إلى رغبتهم في تأمين واجهة لهم على الساحل الجنوبي لبحر مرمرة وكان موقع إمارة قرە سي يحقق لهم هذه الرغبة لذلك تطلع أورخان إلى ضمها ويذكر يوحنا قانتاقوزن أن محاربي قرە سي قد قاموا بغارات على الروملي قبل العثمانيين وكانت إمارة قرە سي تضم في الغرب مضيق إدرميت وبرغمة وطروادة وأيدين جك في جنوب سواحل مرمرة وبالق أسير في الشرق وقد كان القرە سيون في مقدمة الإمارات التركمانية التي شرعت بالإغارة على منطقة الروملي الأوروبية غربي مضيق البوسفور وعلي مضيق چنق قلعة من الناحية الأخرى وكان من المعروف أن الأمير ياخشي بك كان قد أغار على شبه جزيرة كاليبولي وتراقيا قبل سنوات من عبور العثمانيين إليها وبدأ العثمانيون في الإستيلاء على أراضي إمارة قرە سي قطعة قطعة في الفترة الممتدة بين عام 1336م وعام 1361م وكان الأمير دمير خان أمير قرە سي قد أراد أن يتحد سابقا مع عثمان غازي في سبيل توحيد الجبهة الإسلامية ضد البيزنطيين وبعد وفاة دمير خان دب النزاع بين ولديه طورسون وتيمورطاش حول الأحقية في العرش فلجأ طورسون إلى أورخان على أمل أن يحصل منه على العون ضد شقيقه ولم يفوت أورخان هذه الفرصة ليضم أراضي قرە سي إلى ملكه فعقد مع الأمير معاهدة نصت على ضم بلاده بالكلية للدولة العثمانية على أن يترك قلعة بهرام ومنطقة قزلجه طوزلة التي تخرج مقادير وافرة من الملح وبهذا أصبحت إمارة قرە سي أول إمارة إسلامية في الأناضول يضمها العثمانيون إلى أملاكهم وذلك في عام 735 هجرية الموافق عام 1335م وبذلك أضحى الساحل الجنوبي لبحر مرمرة عثمانيا بالكامل وغدا العثمانيون يتحكمون في مضيق الدردنيل كما أصبحوا هم الأقوى في المنطقة وبعد الإنتهاء من ضم إمارة قرە سي حول أورخان غازى أنظاره مجددا ناحية نيقوميدية طامحا في ضمها إلى ممتلكاته ولم يعبأ بمعاهدة الصلح المنعقدة بينه وبين الروم سابقا وذكر قانتاقوزن أن أندرونيقوس إمبراطور البيزنطيين خرج في سفر طويل بجيشه لِمواجهة المتمردين الأرناؤوط الألبان في عام 1337م ولم يكن هناك أى إحتمال لمجيئه إلى شبه جزيرة نيقوميدية وكانت حاكمةُ المدينة في تلك الفترة أميرة من عائلة الإمبراطور ولم يفوت أورخان تلك الفرصة وسارع بمحاصرة نيقوميدية وعندما وصل إلى هناك إنضم إليه كل المحاربين المسلمين الذين في الجوار ولم يصمد أهل المدينة أمام الحصار بسبب الجوع ونقص المؤن فقررت الأميرة الإستسلام وإتفقت مع أورخان على شروط التسليم ونصت الإتفاقية على رحيل من يريد من الروم إلى القسطنطينية ودخول الجيش العثماني أثناء ترك هؤلاء للقلعة وهكذا فتحت نيقوميدية في عام 737 هجرية الموافق عام 1337م وسميت إزميد وبفتحها إمتدت الأراضي العثمانية من الشواطئ الآسيوية لبحر إيجة حتى شواطئ البحر الأسود في شمال غرب الأناضول كما أنه بإستيلاء السلطان أورخان غازى على بورصة وإزنيق وإزميد وصل العثمانيون إلي درجة من القوة عززت ودعمت دولتهم المستقلة .
وإذا ما ألقينا نظرة نحو الجانب الغربي للدولة العثمانية الوليدة فسوف نجد أنه عندما إعتلى أورخان عرش الدولة العثمانية في عام 1326م خلفا لأبيه العظيم السلطان عثمان غازى كانت القبائل التركية قد عبرت البوسفور إلى الجانب الأوروبي عدة مرات بدون أن تحقق نجاحا ملموسا أو تترك أثرا قويا ولذلك فحينذاك لم يعرها الإمبراطور البيزنطي أية أهمية لكن نشأت من هذه الغزوات مع مرور الزمن حملات منظمة نمت شيئا فشيئا على أيدي إمارات الأناضول التركمانية والراجح أن آمور بك حاكم آيدين قد قام بغارات متكررة على الأراضي البيزنطية في أوروبا وحاول الإمبراطور البيزنطي التحالف مع الغرب الأوروبي لِوقف هذا الزحف التركماني بصفة عامة والعثماني بصفة خاصة على الرغم من المعاهدة المبرمة مع أورخان فتقرب من البابا يوحنا الثاني والعشرين وأقنعه بضرورة شن حملة صليبية ضد العثمانيين ويبدو أن إنهماك حكام الغرب الأوروبي في مشكلاتهم الداخلية والخارجية وعدم موافقة رجال الدين البيزنطيين الأرثوذكس على التعاون مع البابا والكنيسة الكاثوليكية أفسد هذا المشروع مما أعطى أورخان فرصة طيبة إستغلها بنجاح للتوسع في أوروبا ففي عام 737 هجرية الموافق عام 1337م حاول أورخان مهاجمة القسطنطينية وتثبيت أقدام المسلمين في تراقيا بواسطة أُسطول صغير يتكون من ست وثلاثين سفينة لكنه تراجع أمام أسطول البيزنطيين الأكبر والأقوى حينذاك ومع ذلك فقد أوقعت هذه الغزوة الرعب في قلب الإمبراطور البيزنطي فسعى إلى مصالحة أورخان والتقرب منه وزوجه إبنته ولكن هذا الزواج لم يحل بين العثمانيين وبين الإندفاع إلى الأمام لاحقا خاصة بعدما توفي الإمبراطور البيزنطي أندرونيقوس الثالث باليولوك يوم 30 من شهر ذي الحجة عام 741م الموافق يوم 15 يونيو عام 1341م ومن ثم فسرعان ما تدهورت أوضاع الإمبراطورية البيزنطية بعد وفاته حيث عانت من الحروب الأهلية والصراع الداخلي على السلطة بين زعماء إعتراهم الوهن والضعف فلم يقدروا الخطر الذي يواجه دولتهم ومن جهة أُخرى كان الشعب الرومي قد ثقته بنفسه وبزعمائه وأباطرته الذين راحوا يتسابقون للإستعانة بالعثمانيين ضد بعضهم البعض في الوقت الذي إزدادت فيه قُوة الدولة العثمانية مما أدى إلي القضاء نهائيا على تلك المعاهدة المبرمة المشار إليها مع الإمبراطور البيزنطي أندرونيقوس الثالث وقد تنازع على عرش الإمبراطورية البيزنطية آنذاك كل من الإمبراطور الشرعي يوحنا الخامس باليولوك والإمبراطور يوحنا السادس قانتاقوزن .
وقد بلغ من شدة ضعف الإمبراطورية البيزنطية أن أخذت الدويلات البحرية الإيطالية صاحبة المستعمرات التجارية القائمة بجوار العاصمة البيزنطية القسطنطينية تتقاتل فيما بينها لتدفع كل منها الأُخرى عن مركز السيادة التجارية في المياه البيزنطية دون أن يكون للروم رأى في ذلك بل إن بعضها تطاول على الإمبراطورية نفسها فكانت جمهورية جنوة تسيطر على مستعمرة غلطة الواقعة على الجانب المقابل من مضيق القرن الذهبي وفي عام ة 1348م أعلن الجنويين الحرب على الروم عندما قرر الإمبراطور يوحنا قانتاقوزن إنقاص قيمة التعريفات الضريبية على السفن الداخلة إلى الجانب البيزنطي من القرن الذهبي في سبيل إستقطاب التجارة إلى الإمبراطورية وتحويل إنتباه التجار عن الجنويين ودامت الحرب بين الطرفين حوالي سنة وإنتهت بتنازل الجنويين عن بعض الأراضي المحيطة بغلطة وبإبقاء الروم على التعريفات الضريبية السابقة وبعد ذلك أدت المنافسة التجارية القوية بين البندقية وجنوة إلي نشوب حرب طاحنة بينهما وخلال تلك الحرب حالف البيزنطيون البنادقة بهدف الجنويين والإنتقام منهم وزودوهم بِبعض السفن الحربية غير أنهم تعرضوا لهزيمة قاسية على يد الجنويين ومما يذكر أنه أثناء هذا الصراع وفي عام 1351م حدثت مفاوضات بين العثمانيين والصرب في محاولة من القيصر الصربي أسطفان دوشان إستقطاب أورخان غازى إلى جانبه وكان من ضمن المباحثات أن تتم تقوية أواصر العلاقات الصربية العثمانية عن طريق المصاهرة فعرض أسطفان دوشان أن يزوج إبنته تيودورة لأورخان أو لأحد أبنائه غير أن المفاوضين الصرب هوجموا من قبل نقفور أورسيني حاكم إمارة إپيروس الرومية بإيعاز من الإمبراطور البيزنطي لإفشال تلك المباحثات فتوقفت المفاوضات ولم يتم الزواج وإستمرَّت الأعمال الحربية بين الصرب والعثمانيين .
وكان الإمبراطور البيزنطي يوحنا السادس قانتاقوزن قد إستنجد سابقا بِأمير آيدين آمور بك في حروبه ضد البلغار فأرسل إليه الأخير جيشه وأُسطوله عدة مرات ودخل الروملي ثم عاد ولما غزا الصرب أراضي الإمبراطورية البيزنطية عاد وطلب منه المساعدة مجددا فأجابه آمور بك بأنه مشغول في الحرب مع الكاثوليك اللاتين أعداء البيزنطيين في مدينة إزمير بغرب الأناضول والتي تعد حاليا ثالث المدن التركية بعد العاصمة انقرة ومدينة إسطنبول ومن ثم فإنه سوف يتعذر عليه الإستجابة إليه وأوصاه بطلب العون والمعونة من أورخان بك بن عثمان غازى وفي نفس الوقت كان السلطان أورخان يقف موقف المتيقظ مما كان يحدث في البلاط البيزنطي ووضع نصب عينيه إستراتيجية جديدة في التعامل مع الروم تقتضي مسايستهم بدقة ومساندتهم عسكريا لو لزم الأمر وعدم البدء بالإعتداء أو الهجوم عليهم وأدرك بفطنته وحنكته السياسية أن الروم سوف يطلبون العون من العثمانيين عاجلا أم آجلا بعد أن تكاثر عليهم الأعداء ونخرت سوسة الفساد والحروب الأهلية بلادهم وليس لهم من حليف قوى مجاور إلا العثمانيين وبناءا على رؤيته هذه قرر أورخان أن يكون إرساله للجنود نحو الروملي لمساعدة البيزنطيين هو بداية إستحواذ العثمانيين على أراض في تلك البلاد وفرصة طيبة حتي يبدأ إستقرار المسلمين فيها وأن تكون تلك فاتحة الإنطلاق نحو فتح القسطنطينية وبعض البلاد الأوروبية الغير مسلمة وبالفعل حدث ما توقعه أورخان غازى إذ أوعزت إليه الإمبراطورة حنة الساڤوية والدة يوحنا الخامس والوصية عليه أن يرسل جيشا لمساعدتها ضد يوحنا السادس قانتاقوزن مما دفع هذا الأخير إلى إستقطاب أورخان بأن زوجه إبنته تيودورة مقابل ستة آلاف جندي يقدمها له أورخان وفي يوم 21 من شهر شوال عام 747 هجرية الموافق يوم 3 فبراير عام 1347م دخل الجيش العثماني ليلا إلى القسطنطينية بناءا على دعوة الإمبراطور الذي كان قد دعا أورخان للحضور كذلك لكن الأخير لم يقبل الدعوة بل أرسل إبنه سليمان باشا قائدا عاما بدلا منه وتمكن الإمبراطور بهذه القوة العسكرية من الإستيلاء على المدن الواقعة على شواطئ البحر الأسود بإستثناء سوزوپوليس وإعتلاء العرش البيزنطي في عام 748 هجرية الموافق عام 1347م ويمكننا القول بناءا علي الأحداث المذكورة في السطور السابقة إن العبور الثاني إلى الروملي ودخول العثمانيين إلى منطقة البلقان والقارة الأوروپية يعتبر أحد أهم الوقائع التاريخية التي كان لها تأثيرها الكبير علي مستقبل الدولتين العثمانية والبيزنطية فإنطلاقا من هذه النقطة تغير مجرى التاريخ الأوروبي ومصير الدول الأوروبية حيث بدأت الدولة العثمانية تتوسع في شرق أوروبا وتضم إليها العديد من المناطق خاصة بعدما فتحت القسطنطينية بعد حوالي 100 عام في عهد السلطان محمد الفاتح ومن ثم إستولت الدولة العثمانية علي مناطق البلقان وصربيا ووصلت حدودها إلي بلاد المجر ورومانيا والنمسا وكادت أن تدخل عاصمتها فيينا في عهد السلطان سليمان القانوني عاشر السلاطين العثمانيين .
وفي عام 750 هجرية الموافق عام 1349م تطلع الإمبراطور البيزنطي مجددا إلى مساعدة العثمانيين بعد أن دخل الصربيون آنذاك على خط الصراع السياسي حيث أنهم إستغلوا النزاعات البيزنطية الداخلية وغزوا الأراضي البيزنطية وإستولوا بقيادة القيصر أسطفان دوشان على سالونيك ببلاد اليونان وبعض المدن الأُخرى وشجعهم هذا النجاح إلى التطلع نحو القسطنطينية نفسها بهدف إقامة دولة أرثوذكسية قوية على أنقاض الإمبراطورية البيزنطية المتهالكة تلم شمل جميع النصارى الأرثوذكس الشرقيين في مواجهة البابوية الكاثوليكية بروما وكان من المعروف أن الولاة البيزنطيين الذين كانوا يتولون إدارة الولايات البلقانية كانوا دوما على خِلاف مع الصقالبة السلاڤيين من الصرب والبلغار ولم يكونوا قادرين على إدارتهم بسهولة وعندما تقابل أورخان مع الإمبراطور البيزنطي في عام 1347م في أُسكدار تناولا بالحديث التدابير المشتركة تجاه الخطر الصقلبي في البلقان وإمكانية التعاون ضد الصقالبة وبعد هذا الغزو أرسل الإمبراطور يوحنا السادس إلى أورخان يطلب منه الإستعانة بجنوده مرة أُخرى لوقف الزحف الصربي فأمده بعشرين ألف جندي بقيادة إبنه سليمان لكن حدث أن تراجع أسطفان دوشان قبل وصوله إلى العاصمة البيزنطية في حين نجحت القوات العثمانية في إبعاد الصربيين عن إقليم ثيساليا تقع ثيساليا بوسط بلاد اليونان والذى يحده إقليم مقدونيا من الشمال وإقليم إبيروس من الغرب ووسط اليونان من الجنوب وبحر إيجة من الغرب وذلك بعد معركة إيميثيون التي وقعت على ضفاف نهر مريݘ وأعادت سالونيك إلى حظيرة الإمبراطورية البيزنطية وسلمها سليمان باشا إلى الأمير متياس قانتاقوزن ثم عاد مع جنوده إلى آسيا الصغرى ويبدو أن الإمبراطور يوحنا السادس قد تعرض مجددا لمشكلات من قبل منافسه يوحنا الخامس في عام 753 هجرية الموافق عام 1352م إذ هاجم يوحنا الخامس مدينة إدرنه التي يحكمها متياس بن يوحنا السادس وإحتلها بمساعدة الصرب مما دفع يوحنا السادس إلى طلب المساعدة من صهره أورخان الذي أرسل إليه قوة عسكرية قوامها عشرين ألف جندى بقيادة إبنه سليمان فسار جنبا إلى جنب مع جيش بيزنطي نحو إدرنه وأنقذ تلك المدينة وبعد عدة أشهر هزم الجيش العثماني جيشا بلغاريا صربيا مشتركا على ضفاف نهر مريج كان يتقدم لإحتلال القسطنطينية وإعترافا بفضل سليمان باشا أهدى الإمبراطور إليه في عام 1353م قلعة چمپه الصغيرة الواقعة على الضفة الأوروبية من مضيق چنق قلعة لتسهيل عبوره إلى أوروبا ولكي يتخذها قاعدة له وإستغل سليمان هذه الفرصة وبدأ بتسكين عائلات الجنود والتركمان المهاجرين في تلك المنطقة وأنحائها ولما رأى الإمبراطور بداية إستقرار المسلمين فيها عرض عشرة آلاف قطعة ذهبية لأورخان غازى كتعويض عنها ورغب في مقابلته لِلتشاور في ذلك لكن أورخان لم يقبل بتلك المقايضة ويقول بعض المؤرخين إن العرض لم يسمع به أورخان أصلا كونه كان يعيش أيامه الأخيرة آنذاك وكان قد أصبح شيخا عليلا هذا وعسكرت قوة سليمان بن أورخان تحت أسوار العاصمة البيزنطية لفترة من الزمن لكنها إستدعيت فجأة إلى الأناضول بسبب خطر غير محدد ويبدو أن السبب كان هو حدوث مشاكل بين العثمانيين وبين جيرانهم من الإمارات التركمانية إذ كان العثمانيون قد إنتزعوا خلال فترة حملتهم في الروملي مدينة أنقرة من القرمانيين فلجأ هؤلاء إلى الإيريتنيين أتباع الأمير أرتنا الذين كانوا يعدون أنفسهم مسؤولين عن إدارة الأناضول بعد رحيل الحاكم المغولي تيمورطاش في عام 727 هجرية الموافق عام 1327م وقد نتج عن ذلك أن خرجت أنقرة عن سيطرة العثمانيين لكنهم إحتفظوا بقلعة چمپه المهمة وراحوا يشنون الغارات منها على مدينة كاليبولي الواقعة على شاطئ الدردنيل في الجزء الأوروبي من تركيا حاليا وهي بلا شك مدينة ذات أهمية إستراتيجية وإقتصادية كبيرة وعلى تراقيا وإستطاعوا خِلال مدة وجيزة من فتح كاليبولي وذلك إثر زلزال شديد تعرضت له في يوم 6 صفر عام 755 هجرية الموافق يوم 2 مارس عام 1354م تصدعت خلاله أسوارها ثم ساءت الحياة بشكل أكبر فيها بعد العواصف الثلجية والمطر الشديد الذى خلف ذلك الزلزال العنيف وكان سليمان في قره بيجة القريبة منها فإستغل هذه الفرصة وحاصر المدينة ثم فتحها كما فتح قلاعا عدة في المنطقة منها أبسالة ورودستو فإشتد بذلك الضغط العثماني على العاصمة العتيدة القسطنطينية وأضحى قطاع تراقيا بمنطقة البلقان هدف العثمانيين التالي وفعلا خضع هذا الإقليم لهم .
وحتى يثبت أقدام العثمانيين في المناطق المفتوحة ومنع البيزنطيين من إستعادتها عمد أورخان إلى نقل أعداد كبيرة من الرعاة التركمان إليها بهدف أسلمتها وتتريكها والواقع أن دخول الترك إلى منطقة الروملي وترسيخ أقدامهم فيها جرى بشكل منظم فكانت كلما تقدمت مناطق الحدود التي إستوطنها المجاهدون القادمون من الأناضول نحو الغرب إزدادت فُرص العمل والرزق في الأراضي المفتوحة فتجتذب الناس الذين كانوا يعيشون في ضيقٍ في الأناضول وخلال عدة أشهر أُصلحت منازل كاليبولي بشكل يجعلها صالحة للحياة وأعيد بناء أسوارها من جديد وتحولت إلى مدينة مسلمة وأصبح كل سكانها بالكامل ترك مسلمون ولذلك فقد طلب الإمبراطور البيزنطي من سليمان باشا وجنوده والتركمان الذين إستقروا فيها الإنسحاب منها بعد أن رأى تبدل الوجه الديموغرافي للمنطقة إلا أن سليمان باشا رد عليه بأنه وقومه جاؤوا إلى المنطقة ولم يخرجوا أحدا من بيته بِالقوة وأنهم لن يردوا عطية الله لهم وحاول الإمبراطور البيزنطي إغراء العثمانيين للخروج من المدينة فعرض عليهم التكفل بمصاريف إخلائها ودفع تعويضات لهم إلا أن سليمان باشا لم يقبل رغم ذلك وإشتكى الإمبراطور لصهره السلطان أورخان غازى وتقرر أن يقابله في مدينة إزميد إلا أن السلطان أورخان غازى لم يذهب للقاء بِسبب مرضه الشديد وعدم قدرته علي السفر والتنقل أما الإمبراطور الذي إعتبر ذلك هزيمة وإهانة كبيرة له فقد أُصيب بيأس كبير زاده ما حدث في العاصمة القسطنطينيَّة من حسم الصراع على السلطة حيث حمل الشعب البيزنطي الإمبراطور يوحنا السادس مسؤولية إستقرار المسلمين في منطقة البلقان الأمر الذي دفعه إلى التنازل عن الحكم في يوم 1 ذي الحجة عام 756 هجرية الموافق يوم 4 ديسمبر عام 1355م لصالح يوحنا الخامس وقد أتاح ذلك للعثمانيين التدخل في صميم الشؤون الداخلية والحياة البيزنطية لأن سليمان باشا تدخل في هذا النزاع لمصلحة الثاني وتأكد هذا التعاون بِالتقارب الأُسري حيث خطب الشاهزاده خليل بن أورخان غازى إحدى بنات الإمبراطور وجرى الإحتفال بمراسم الخطبة في العاصمة البيزنطية مدينة القسطنطينية .
وبخلاف ما حققه السلطان أورخان غازى من إنتصارات باهرة خلال ما خاضه من غزوات وفتوحات سواء في منطقة الأناضول أو في شرق أوروبا مما وسع من رقعة دولته فقد قام بتأسيس جيش أطلق عليه جيش الإنكشارية أي المقاتلين الجدد والذى كان له دور كبير جدا في الفتوحات التي تحققت بعد ذلك في آسيا الصغرى وفي شرق أوروبا وبلاد البلقان وفي فتح القسطنطينية وتعود قصة تأسيس هذا الجيش إلي أن أورخان أدرك من خلال العمليات العسكرية التي خاضها شدة حاجته إلي جيش نظامي من المشاة يستطيع بواسطته أن يفتح القلاع ويقتحم الأسوار المنيعة وقد فشلت جهوده في تحويل الفرسان الترك إلى جنود مشاة حتى مع تنظيمات أخيه علاء الدين باشا وكان قبل تلك التنظيمات يعاني من تأخير الفرسان الإقطاعيين في الوصول إلى ساحة القتال في الوقت المحدد وعدم تحملهم القيام بِعمليات حصار طويلة بِالإضافة إلى أنه لم يكن من الممكن الركون إليهم في عمليات عسكرية بعيدا عن مناطق إقطاعياتهم من دون التعرض لبعض المشاق كما إستدرك علاء الدين أمرا خطيرا آخر ظهر في الجيش العثماني وهو تحزب كل فريق من الجند إلى القبيلة التابع إليها فخشي إنفصام عرى الوحدة العثمانية التي كان كل سعيه وسعي شقيقه السلطان وأبيهما من قبل في إيجادها لهذا كان من الطبيعي أن يسعى الرجلان لِإنشاء جيش من المشاة دائم ومحترف وهذا ما سمحت الظروف بتحقيقه في النصف الأول من القرن الرابع عشر الميلادى وذلك بإستخدام نظام عسكرى جديد لم يكن متبعا في الدول التركية الإسلامية السابقة على العثمانيين وكان صاحب هذه الفكرة هو قرە خليل باشا الجندرلي وهو أحد مستشاري السلطان أورخان غازى والذى إقترح عليه أن تأخذ الدولة خمس أسرى الحرب من فتيان الروم مقابل الضريبة المستحقة عليهم إستنادا إلى قانون الخمس الذي صدر في عهد أورخان وأن يؤخذ أيضا الأطفال الأيتام والمشردين من الروم والأوروبيين ويفصلون عن كل ما يذكرهم بقومهم وأصلهم وتتم تربيتهم تربية إسلامية تشمل الفكر والجسم لترسيخ مبادئ الإسلام في قُلوبهم وأنفسهم بحيث لا يعرفون أبا لهم إلا السلطان ولا حرفةً إلا الجهاد والحرب وأن يخضعوا بعد ذلك لتدريب عنيف خاص يهدف إلى تقوية أبدانهم وتعويدهم خشونة العيش حتي إذا بلغوا السن اللائق للخدمة العسكرية أُدخلوا ضمن فرق الجيش النظامي .
ومما حبب هذه الفكرة إلى السلطان أورخان غازى وزينها إليه أن هؤلاء الغلمان كان لا يخشى من تحزبهم إلا للدولة والسلطان والإسلام نظرا لعدم وجود أقارب لهم يخشى أن يميلوا إليهم كما إستحسن أخوه علاء الدين هذا النظام ويذكر أن أخذ الفتيان أو ما إصطُلح على تسميته بضريبة الغلمان كان مقصورا على رعايا الدولة النصارى الذين يتبعون الكنيسة الأرثوذكسيَّة الشرقية ربما بسبب أنهم يشكلون الغالبية العظمى من رعايا الإمبراطوريَّة البيزنطية وبالتالي المناطق التي فتحها المسلمون وبدأ أورخان منذ عام 731 هجرية الموافق أواخر عام 1330م بتأسيس جيش الإنكشارية وتم تسكين الغلمان والفتيان المشردين والأيتام في ثكنات خاصة تسمى أوطة ثم حرف لفظها بالعربية فصارت أوضة أي غرفة وجعل يلقنهم التعليم العسكري الأساسي في مدرسة حربية عرفت بالأوجاق ووضع لهم قانونا خاصا تضمن عدد أربع عشرة مادة تحدد النظام الداخلي وتنظيم علاقات الأفراد بعضهم ببعض كما نص على وجوب الطاعة المطلقة والإنقياد التام للسلطان وحرم عليهم الزواج فكان الفرد منهم يعيش بدون أمل في تكوين أسرة كما حرم عليهم الإختلاط بالمجتمع وأن عليهم أن يهبوا أنفسهم للدفاع عن الدين الإسلامي وملة المسلمين والسلطان فالإسلام عقيدتهم والقرآن الكريم كتابهم والسلطان والدهم والثكنة العسكرية مأواهم والحرب مهنتهم وهناك قصة مشهورة ومتداولة وهي أن أورخان غازي لما صار عنده من هؤلاء الجنود عدد ليس بقليل سار بهم إلى السيد محمد بن إبراهيم الخراساني الشهير بإسم الحاج بكطاش ولي شيخ الطريقة البكطاشية بأماسية شمالي تركيا بمنطقة البحر الأسود ليدعو لهم بالخير ويباركهم فدعا لهم بِالخير والبركات والنصر على الأعداء وأن يبيض الله وجوههم ويجعل سيوفهم حادة قاطعة وأعطى كل واحد منهم قطعة من طرف عباءته فعلقت على رؤوسهم تبركا بها وكانوا ينسبون قطع اللباد التي في أغطية رؤوسهم إلى هذا الشيخ وقال بعد أن باركهم ليكن إسمهم يكيچِرى أى الجيش الجديد أو الجند الجديد وهذا الإسم مكون من كلمتين يكي وتعني الجديد وچرى وتعني عسكر وقد حدث خطأ في نقل الكلمة إلى اللغة العربية فالكاف في كلمة يكي هي كاف نونية أو مثلثة والجيم في چرى هي جيم مشوبة فالكلمة تكتب يكيچرى وتنطق يني تشري وهناك بعض المؤرخين الذين يشككون في صحة رجوع أورخان إلى الشيخ بكطاش ولي بل ينفونها على أساس أن هذا الصوفي توفي قبل قرن من إنشاء هذه الفرقة العسكرية المتميزة |