السبت , 7 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

شارع المشير أحمد إسماعيل

شارع المشير أحمد إسماعيل
عدد : 06-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”


شارع المشير أحمد إسماعيل هو أحد شوارع ضاحية مصر الجديدة وهو يمتد من طريق النصر شرقا حتي ينتهي بتقاطعه مع شارع العروبة غربا وينسب هذا الشارع للمشير أحمد إسماعيل علي القائد العام للقوات المسلحة المصرية ووزير الحربية خلال الفترة من شهر أكتوبر عام 1972م وحتي شهر ديسمبر عام 1974م أي أنه كان القائد العام للقوات المسلحة المصرية خلال حرب أكتوبر عام 1973م وكان ميلاده في حي شبرا بالقاهرة في يوم 14 أكتوبر عام 1917م وكان والده ضابط شرطة وترقى حتى وصل إلى درجة مأمور ضواحي القاهرة وبعد أن أنهي أحمد إسماعيل دراستيه الإبتدائية والثانوية من مدرسة شبرا الثانوية حاول الإلتحاق بالكلية الحربية لكنه فشل لأنه من أبناء الفقراء فإلتحق بكلية التجارة عام 1934م وبعد أن وصل للسنة الثانية تقدم للكلية الحربية مع أنور السادات وتم رفض طلبهما لأنهما من عامة الشعب لكنه أصر على التقديم للمرة الثالثة وكانت قد وقعت معاهدة عام 1936م وتم فتح أبواب الكلية أمام أبناء الطبقة المتوسطة وتم قبوله وكان زميلا لأنور السادات وجمال عبد الناصر وتخرج من الكلية الحربية فى عام 1938م وحصل علي رتبة ملازم ثان وإلتحق بسلاح المشاة وتم إرساله إلى منقباد بمحافظة أسيوط ومنها إلى السودان ثم سافر في بعثة تدريبية مع بعض الضباط المصريين والإنجليز إلى دير سفير بفلسطين عام 1945م وكان ترتيبه الأول وإشترك في الحرب العالمية الثانية كضابط مخابرات في الصحراء الغربية ثم شارك في حرب فلسطين عام 1948م كقائد سرية وفي عام 1950م حصل أحمد إسماعيل على درجة الماجستير في العلوم العسكرية وعين مدرساً بالكلية الحربية في الفترة ما بين عام 1950 وعام 1953م ورقى لرتبة العقيد .

وعندما وقع العدوان الثلاثي علي مصر تصدى للمعتدين بصفته قائد للواء الثالث في رفح وكان أول من تسلم مدينة بور سعيد بعد العدوان وفي عام 1957م إلتحق بكلية مزونزا السوفيتية وعمل بعدها كبير معلمين بالكلية الحربية عام 1959م ثم تولى قيادة الفرقة الثانية مشاة التي أعاد تشكيلها ليكون أول تشكيل مقاتل في القوات المسلحة المصرية وبعد حرب عام 1967م إختاره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ليكون رئيسا لهيئة العمليات ثم قائدا عاما للجبهة وشارك في إعادة بناء القوات المسلحة وأنشأ الجيش الثاني والثالث الميدانيين ثم عين رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية في شهر مارس عام 1969م خلفا للفريق عبد المنعم رياض بعد إستشهاده في الخطوط الأمامية لجبهة القناة أثناء زيارة له في موقع المعدية بالإسماعيلية وعزله بعد ذلك الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في شهر سبتمبر عام 1969م بسبب حادثة الزعفرانة الشهيرة التي وقعت في يوم 9 سبتمبر عام 1969م ويومها كان الرئيس جمال عبد الناصر مصحوبا بالفريق أول محمد فوزي وزير الحربية واللواء أحمد إسماعيل علي رئيس أركان الحرب يحضرون مناورة حية لفرقة مدرعة حين وصلت أخبار نزول إسرائيلي برمائي على شاطئ خليج السويس في منطقة الزعفرانة وأعلنت إسرائيل بفرقعة إعلامية مدوية أن قواتها الآن على أرض أفريقيا وأنها لم تواجه البتة أية مقاومة مصرية ومن ثم أمر الرئيس جمال عبد الناصر من فوره اللواء أحمد إسماعيل علي بالتوجه لموقع الحدث وإدارة المواجهة من هناك على الطبيعة لكنه فضل العودة للقاهرة مخالفا أوامر الرئيس عبد الناصر ومقنعا نفسه بأن أداء أفضل ينتظره من غرفة العمليات عنه من الزعفرانة ولما علم الرئيس عبد الناصر ذلك إستشاط غضبا من تصرف أحمد إسماعيل فأمر بعزله في التو واللحظة ومعه قائد البحرية اللواء فؤاد ذكري والذي فشل في تحريك قطعة بحرية واحدة لكي تعترض الإنزال الإسرائيلي .

وظل أحمد إسماعيل بعيدا عن الخدمة العسكرية لمدة سنة ونصف تقريبا حتى أعاده الرئيس السادات إلي الخدمة رئيسا لجهاز المخابرات العامة في شهر مايو عام 1971م وفي أواخر شهر أكتوبر عام 1972م كلفه بمنصب وزير الحربية وقائد عام القوات المسلحة المصرية خلفا للفريق أول محمد أحمد صادق ليقود الجيش المصري في مرحلة من أدق المراحل من أجل الإستعداد للحرب بأسرع وقت ممكن وبأعلي درجات الكفاءة لخوض ملحمة التحرير ويروي أحمد إسماعيل عن إجتماعه مع الرئيس السادات بعد أن إستدعاه لمقابلته كان هذا النهار أحد الأيام المهمة والحاسمة في حياتي كلها بل لعله أهمها علي الإطلاق وكان التاريخ يوم 19 رمضان عام 1392 هجرية الموافق يوم 26 أكتوبر عام 1972م حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر وكان المكان منزل الرئيس السادات بالجيزة وكنا سيادته وأنا نسير في حديقة المنزل ولم أكن أدري سبب إستدعائي ولكني توقعت أن يكون الأمر خطير وهام وبعد حديث قصير عن الموقف حدث ما توقعته حيث أبلغني سيادته بقرار تعييني وزيرا للحربية وقائدا عاما للقوات المسلحة إعتبارا من ذلك اليوم وفي الوقت نفسه كلفني بإعداد القوات المسلحة للقتال بخطة مصرية خالصة تنفذها القوات المسلحة المصرية ليتخلص بها الوطن من الإحتلال الصهيوني لسيناء وكان لقاؤه بي ودودا إلي أقصي حد وكان حديثه معي صريحا إلي أبعد حد وعندما إنتهي اللقاء ركبت سيارتي لتنطلق بي في شوارع القاهرة وشريط الذكريات والظروف يمر في ذهني وأمام عيني هآنذا أعود مرة أخرى لأرتدي الملابس العسكرية وبالفعل بدأ أحمد إسماعيل إرتداء البدلة العسكرية من جديد وتولي أرفع منصب في الجيش وقيادة أخطر المعارك في تاريخ الوطن وعلاوة علي ذلك ففي يوم 28 يناير عام 1973م عينته هيئة مجلس الدفاع العربي قائدا عاما للجبهات الثلاث المصرية والسورية والأردنية .

ومنذ اليوم الأول لتولي أحمد إسماعيل مهام منصبه بدا في التعاون مع كافة القادة العسكريين وكان علي رأسهم الفريق سعد الشاذلي رئيس الأركان واللواء محمد عبد الغني الجمسي رئيس هيئة العمليات الإعداد الجدى لحرب أكتوبر عام 1973م علي أساس خطة الفريق الشاذلي التي كان قد إقترحها في السابق والتي كانت تتمشي مع إمكانيات القوات المسلحة حينذاك ولم يوافق عليها الفريق صادق لكن الرئيس السادات كان مقتنعا بها تمام الإقتناع والتي كانت تقضي بإسترداد من 10 إلى 12 كيلو متر في عمق سيناء وذلك نظرا علي أنه من المهم تفصيل الإستراتيجية الحربية على إمكانيات القوات المسلحة المصرية الفعلية وطبقا لإمكانيات العدو ومن ثم قام بوضع الخطة التي سميت في البداية خطة المآذن العالية في شهر أغسطس عام 1971م وقد تضمنت هذه الخطة الهجوم على القوات الإسرائيلية وإقتحام قناة السويس وقد أدخلت هذه الخطة في الإعتبار ضعف القوات الجوية المصرية وضعف إمكانيات الدفاع الجوي المصري ذاتي الحركة مما يمنع القيام بعملية هجومية كبيرة ولكن يمكن القيام بعملية محدودة لعبور قناة السويس وتدمير خط بارليف وإحتلال من 10 إلى 12 كيلومترا شرق القناة وهو أقصى نطاق للدفاع الجوي المصري الثابت والتحول بعد ذلك لأخذ مواقع دفاعية وبهذا الأسلوب يتم تحييد أحد نقاط القوة لدى القوات المسلحة الإسرائيلية وهي القوات الجوية وبالإضافة إلي ذلك كانت فلسفة هذه الخطة تقوم على أن لإسرائيل نقطتي ضعف الأولي عدم قدرتها على تحمل الخسائر البشرية نظرا لقلة عدد أفرادها والثانية هي أن إطالة مدة الحرب ليس في صالح إسرائيل فهي في كل الحروب السابقة كانت تعتمد على الحروب الخاطفة التي تنتهي خلال أربعة أسابيع أو ستة أسابيع على الأكثر لأنها خلال هذه الفترة تقوم بتعبئة 18% من الشعب الإسرائيلي وهذه نسبة عالية جدا ثم إن الحالة الإقتصادية ستتأثر بشدة في إسرائيل وذلك لتوقف أنشطة التعليم والزراعة والصناعة لأن معظم الذين يعملون في هذه المؤسسات في النهاية ضباط وجنود في القوات المسلحة الإسرائيلية كما كان للخطة بعدان آخران على صعيد حرمان القوات المسلحة الإسرائيلية من أهم مزاياها القتالية بحرمانها من الهجوم من الأجناب لأن أجناب الجيش المصري ستكون مرتكزة على البحر المتوسط في الشمال وعلى خليج السويس في الجنوب ولن يستطيع الهجوم من المؤخرة التي ستكون قناة السويس ومن ثم سيضطر إلى الهجوم بالمواجهة وعندها سيدفع الثمن فادحا كما أنه نظرا لأن العدو يتمتع بميزة مهمة في المعارك التصادمية وهي الدعم الجوي السريع للعناصر المدرعة التابعة له حيث تتيح العقيدة القتالية الغربية التي تعمل إسرائيل بمقتضاها للمستويات الصغرى من القادة بالإستعانة بالدعم الجوي إلا أنه سيفقده في هذه الحالة لأن القوات المسلحة المصرية ستكون في حماية الدفاع الجوي المصري الذى سيمثل مظلة واقية لها ومن هنا تتم عملية تحييد الطيران الإسرائيلي وشل حركته تماما خلال المعركة كما ذكرنا في السطور السابقة .

وخلال الفترة من شهر أكتوبر عام 1972م وحتي قيام الحرب في شهر أكتوبر عام 1973م تم حل مشاكل العبور والتدريب علي خطة إقتحام قناة السويس وكيفية فتح الثغرات في الساتر الترابي لكي يتسني إقامة كبارى العبور التي ستعبر عليها الدبابات والمدرعات ومتابعة وصول الأسلحة السوفيتية المفروض وصولها إلي مصر قبل نشوب الحرب إلي جانب إستكمال بعض التجهيزات الهندسية اللازمة لمعاونة القوات وقت العبور وأهمها المصاطب المطلوب إنشائها علي الضفة الغربية للقناة لتكون بمثابة نقاط مراقبة يتم من خلالها رصد ما يحدث شرق القناة ومن ناحية أخرى سيتم إستخدامها كمرابض للدبابات وقت العبور لقصف القوات والدبابات الإسرائيلية التي ستحاول إعاقة عملية العبور بمدافعها وأيضا التنسيق مع الجبهة السورية التي سيبدأ عليها القتال في نفس وقت بدء القتال علي الجبهة المصرية كما أدخلت بعض التعديلات الطفيفة علي خطة العبور وفي أوائل عام 1973م قامت هيئة عمليات القوات المسلحة التي كان علي رأسها اللواء حينذاك محمد عبد الغني الجمسي بعمل دراسة طويلة وعميقة لتحديد أنسب يوم للهجوم خلال ذلك العام بحيث يحقق أحسن وأنسب الظروف لنجاح العملية الهجومية ويحقق في نفس الوقت أسوأ الظروف لإسرائيل وتم وضع هذه الدراسة على ضوء الموقف العسكري وفكرة العملية الهجومية المخططة والمواصفات الفنية والطبيعية لقناة السويس من حيث المد والجزر وسرعة التيار وإتجاهه وساعات الظلام وضوء القمر والأحوال الجوية وحالة البحرين الأبيض المتوسط والأحمر وعوامل أخرى عديدة وتم دراسة كل شهور السنة لإختيار أفضل الشهور لإقتحام القناة حيث أن فرق المنسوب بين أعلى مد وأدنى جذر هو 80 سنتيمتر في القطاع الشمالي للقناة والذى يشمل المسافة من الإسماعيلية وحتي بورسعيد بينما فرق المنسوب في القطاع الجنوبي مابين الإسماعيلية والسويس هو متران كما أن سرعة التيار في القطاع الشمالي تبلغ 18 مترا في الدقيقة بينما سرعته في القطاع الجنوبي تبلغ 90 مترا في الدقيقة أما إتجاه التيار فإنه يتغير دوريا كل 6 ساعات من الشمال إلى الجنوب وبالعكس وكانت كل هذه الظواهر الطبيعية مطلوب معرفتها لتحديد تأثيرها على وسائل العبور بالقوارب وعلي عملية إنشاء المعديات والكباري وكان من الضرورى أيضا دراسة حالة الأرصاد الجوية المناسبة لعمل القوات الجوية وحالة البحرين الأبيض المتوسط والأحمر لمعرفة أنسبها لعمل القوات البحرية وإشتملت الدراسة أيضا على جميع أيام العطلات الرسمية في إسرائيل بخلاف يوم السبت وهو يوم أجازتهم الأسبوعية حيث تكون القوات المعادية عادة أقل إستعدادا للحرب ووجد أن لدى اليهود ثمانية أعياد في السنة منها ثلاثة أعياد في شهر أكتوبر هي عيد الغفران أو يوم كيبور وعيد المظلات وعيد التوراة وكان المهم في الموضوع معرفة تأثير كل عطلة على إجراءات التعبئة في إسرائيل التي تعتمد إعتمادا رئيسيا في الحرب على قوات الإحتياطي وكان يوم كيبور أو عيد الغفران خلال عام 1973م يوافق يوم سبت والأهم من ذلك هو أنه اليوم الوحيد خلال العام الذي تتوقف فيه الإذاعة والتليفزيون عن البث لأنه يعتبر يوم سكون كامل في إسرائيل أي أن إستدعاء قوات الإحتياطي بالطريقة العلنية السريعة سوف تكون معطلة وغير مستخدمة وبالتالي سيتم إستخدام وسائل أخرى تتطلب وقتا أطول من المعتاد لتنفيذ التعبئة .

وإنتقلت الدراسة بعد ذلك إلى عامل آخر هو الموقف الداخلي في إسرائيل فقد كانت ستجري إنتخابات إتحاد نقابات العمال المعروف بإسم الهستدروت في شهر سبتمبر عام 1973م بينما ستجري إنتخابات البرلمان الاسرائيلي أو الكنيست يوم 28 أكتوبر عام 1973م ومن المعروف أن الحملة الإنتخابية تجذب أفراد الشعب لها علما بأن أغلب الشعب يشكل الجيش الإحتياطي عند تعبئة الدولة أثناء الحرب وحيث أنه كان من المخطط أن تكون الحرب علي الجبهة السورية في نفس الوقت الذى ستقوم فيه علي الجبهة المصرية فقد كان لا يجب ان يتأخر موعد الحرب بعد شهر أكتوبر 1973م حيث أن حالة الطقس والجو تصبح غير مناسبة نظرا لبدء تساقط الجليد علي مرتفعات الجولان السورية وكانت خلاصة هذه الدراسة بناءا علي كل ما سبق هي أن أنسب الشهور لقيام الحرب خلال عام 1973م هي شهر مايو أو أغسطس أو أكتوبر وكان أفضل الشهور هو شهر أكتوبر كما تم في هذه الدراسة تحديد اليوم المناسب والساعة المناسبة خلال اليوم لبدء القتال خلال كل شهر من الشهور المذكورة وكان يوم السبت عيد الغفران 6 أكتوبر عام 1973م الموافق يوم 10 رمضان عام 1393 هجرية في الساعة الثانية ظهرا هو أنسب الأيام وهو اليوم الذى وقع عليه الإختيار بالفعل حيث توافرت فيه الشروط الملائمة لإقتحام القناة والهجوم وفي نفس الوقت كان يناسب ظروف الجبهة السورية وتم تسليم هذه الدراسة بيد اللواء آنذاك محمد عبد الغني الجمسي مكتوبة بخط اليد لضمان سريتها للفريق أول أحمد إسماعيل علي وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة المصرية والذى عرضها علي الرئيس الراحل أنور السادات في إستراحة برج العرب التي توجد غرب الإسكندرية في أوائل شهر أبريل عام 1973م وبعد عودته أعادها للواء محمد عبد الغني الجمسي باليد ونقل له إنبهار وإعجاب الرئيس السادات بها وقدم الفريق أول أحمد إسماعيل علي الشكر لهيئة العمليات لمجهودها في إعداد هذه الوثيقة الهامة وكتب تعليقه عليها قائلا لقد كان تحديد يوم الهجوم عملا علميا على مستوى رفيع وإن هذا العمل سوف يأخذ حقه من التكريم والتقدير وسوف يدخل التاريخ العلمي للحروب الحديثة كنموذج من نماذج الدقة المتناهية والبحث الأمين وقد عرفت هذه الدراسة بإسم كشكول الجمسي .

ومن جانب آخر كان على قواتنا المسلحة أن تدخل حرب أكتوبر 1973م في ظروف عسكرية صعبة ومعقدة من أجل هدم نظرية الأمن الإسرائيلي التي وضعتها إسرائيل لتكون ستارا لتحقيق أهدافها التوسعية وفرض الأمر الواقع على العرب وكنا سندخل الحرب بينما العدو له التفوق العسكري والوضع الطبيعي أن يكون المهاجم متفوقا على المدافع لذلك كان من الضروري إهدار التفوق العسكري للعدو في المرحلة الإفتتاحية للحرب وهي مرحلة الهجوم مع إقتحام قناة السويس وكنا أيضا سندخل الحرب وعلينا أن نقدر أن إقتحام قناة السويس بقوات قوامها حوالي مائة ألف مقاتل بأسلحتهم ومعداتهم ومدرعاتهم يعتبر من أصعب العمليات العسكرية حيث أن أصعب الموانع المائية علي مستوى العالم إثنان لا ثالث لهما هما قناة السويس وقناة بنما وكنا سندخل الحرب بينما يستند العدو إلى خط محصن على الضفة الشرقية للقناة وهو خط بارليف ولديه القوات الكافية المدربة في سيناء وكان لابد من نجاح عملياتنا الهجومية وإختراق تحصيناته وتدميرها وبذلك يتم تحدي نظرية الأمن الإسرائيلي وأخيرا كنا سندخل الحرب ضد عدو لديه جهاز مخابرات إشتهر بكفاءته وتعاونه مع أجهزة المخابرات الأميريكية لمعرفة كل ما يدور في الوطن العربي فإذا إكتشفت هذه الأجهزة نوايانا الهجومية فإن إسرائيل من المؤكد أنها ستبادر بتوجيه ضربة وقائية أو ضربة إجهاض تجعل عملياتنا الهجومية أكثر صعوبة وأشد تعقيدا كما أن إسرائيل ستبادر أيضا بتعبئة وإستدعاء الإحتياطي وإرساله للجبهتين المصرية والسورية خلال يومين ومن هنا ولكل هذه الأسباب كان من الضروري أن نبذل كل جهد ممكن لتحقيق المفاجأة الإستراتيجية حتى تكون المبادأة لنا لأول مرة في الحرب ضد إسرائيل وحرمان العدو من فترة الإنذار اللازمة للتعبئة وعدم إعطائه فرصة توجيه ضربة وقائية وضمان نجاح الهجوم والعبور بأقل خسائر ممكنة حيث كنا قد قدرنا خسائرنا في جبهة قناة السويس بأعداد كبيرة من الشهداء والجرحى والمصابين إلي جانب خسائر جسيمة في المعدات وجدير بالذكر أن ما تكبدناه بالفعل من خسائر سواء في الأرواح أو المعدات كان أقل كثيرا مما هو متوقع .

والخلاصة أنه كان لا بد من التخطيط لخطة خداع علي أعلي مستوى لتحقيق المفاجأة الإستراتيجية للعدو الإسرائيلي والتي إشترك في وضعها عدد محدود جدا من ضباط هيئة عمليات القوات المسلحة تحت الإشراف المباشر لرئيس الهيئة اللواء الجمسي وكتبت بخط اليد مثلها مثل خطة العمليات تماما وإشتملت هذه الخطة على إجراءات وأعمال كثيرة متنوعة في مجالات مختلفة بحيث تتكون صورة متكاملة أمام العدو بأن قواتنا في مصر وفي سوريا ليس لديها أى نية للهجوم بل إن ما نقوم به من إجراءات وتجهيزات هو عمل تقوية لدفاعاتنا من أجل الإستعداد لصد أى هجوم إسرائيلي محتمل وكان من عناصر المفاجأة للعدو الإسرائيلي أنه قد جرت العادة أن الهجوم مع وجود موانع مائية صعبة مثل قناة السويس يحتاج إلي وقت طويل وكان الوضع الطبيعي أن نبدأ الهجوم مع أول ضوء من النهار بحيث نستغل النهار كله أو آخر ضوء حتي نستغل الليل كله لكننا لم نختر أول ضوء ولا آخر ضوء وإنما إخترنا الساعة الثانية وخمس دقائق بعد الظهر قبل الغروب بحوالي ثلاث ساعات ونصف الساعة كما تم التحديد في الدراسة المشار إليها والمعروفة بإسم كشكول الجمسي وهذا التوقيت غير متوقع من جانب العدو كما كانت ليلة 6/7 أكتوبر تتميز بأن وقت الليل فيها طويل وكان النصف الأول منها مقمرا والنصف الثاني في حالة إظلام وذلك بغرض أن يسهل تركيب وإنشاء كباري العبور في ضوء القمر ثم يكون عبور القوات والأسلحة والمعدات في الظلام وبالإضافة إلي ذلك قامت قواتنا المسلحة بعمل مناورة تحدد لها من يوم 1 إلي يوم 7 أكتوبر عام 1973م وتحت ستار المناورة قامت قيادات الجيوش والألوية بإحتلال مراكز القيادة بالجيشين الثاني والثالث الميدانيين والبحرية والطيران والدفاع الجوي وأعلنت حالة الطوارئ بالقوات المسلحة المصرية كما تم إستدعاء قوات الإحتياطي وبعد ثلاثة أيام من المناورة قمنا بتسريح آلاف الجنود وبدأ الجميع يقولون إن المناورة قد إنتهت وفي التوقيت المناسب نزعنا خرائط التدريب وعلقنا خرائط الحرب كما تم الإعلان عن رحلات العمرة التي تنظمها القوات المسلحة في شهر رمضان وحجز فيها عدد كبير من القادة والضباط والجنود مع تعمد نشر خبرها في الأهرام الذي يوزع في دول أوروبا وعندما طلب وزير دفاع رومانيا زيارة مصر تم تحديد يوم 9 أكتوبر عام 1973م لمقابلة وزير الحربية المصري بما يعني عدم وجود حرب .

وشارك الرئيس الراحل أنور السادات علي الخط في عمليات التمويه وإجتمع بمجلس الأمن القومي يوم 30 سبتمبر عام 1973م وطلب من الأعضاء رأيهم في الوضع فطالب البعض بالمعركة وتردد البعض وقال وزير التموين إن المواد التموينية الموجودة لا تكفي لمعركة طويلة وقال الرئيس السادات أريد أن أقول لكم إن إقتصادنا قد وصل حاليا إلي مرحلة الصفر وعلينا إلتزامات آخر السنة ولا نستطيع الوفاء بها للبنوك وعندما يأتي عام 1974م بعد 3 شهور لن يكون عندنا رغيف خبز واحد للمواطنين ولا أستطيع أن أطلب من أي بلد عربي دولارا واحدا لا في حرب ولا حاجة وأنهي الإجتماع بينما بدأ في اليوم التالي أول أكتوبر عام 1973م تنفيذ المشروع التدريبي الذي تتم تحت ستاره اللمسات والتجهيزات الأخيرة للمعركة حيث أنه في نفس الوقت إستمرت القوات الجوية والبحرية وقوات الدفاع الجوي في تنفيذ مهامها العادية الروتينية لحماية سماء ومياه الجمهورية وكان أبرز تلك الأعمال فتح المدمرات والغواصات في المناطق المحددة لها وإتخاذها أوضاع الإستعداد الأخيرة وإستمرت عجلة الإستعداد في التسارع فتم تحديد الساعة السادسة صباح يوم الجمعة 5 أكتوبر عام 1973م لتكون وقت تمام إستعداد القوات المسلحة المصرية للعمل وفي هذا اليوم أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة تعليماتها التي تحدد التوقيتات الرئيسية لبداية العملية الهجومية وأرسلتها إلي القيادات والرؤساء المختصين طبقا للخطة الزمنية المحددة والتي راعت المحافظة علي سرية النوايا كما أصدرت القيادة العامة تعليماتها بعدم السماح بدخول السفن التجارية المصرية والأجنبية إلي موانئ ومراسي خليج السويس وتخفيض عدد السفن المدنية الموجودة هناك وبدوران آلة الحرب في الساعة السادسة صباح يوم 5 أكتوبر عام 1973م لم يعد في الإمكان إيقافها فبالإضافة إلي الإجراءات السابقة قام المهندسون العسكريون بفتح الثغرات في مواقعنا علي الضفة الغربية علي طول المواجهة لتسهيل تقدم قواتنا لإقتحام قناة السويس كما قامت بقفل مأخذي المياه لترعة السويس والإسماعيلية لتسهيل عبور الدبابات والحاملات والعربات الترعة الحلوة عبر المخاضات والمعابر من عمق قواتنا إلي قرب الضفة الغربية لقناة السويس وبوجه عام أتمت جميع القوات تحركاتها وإتخذت أوضاعها النهائية وإحتلت الصواريخ أرض أرض التكتيكية والتعبوية مواقعها وعادت الدوريات التي تسللت في هدوء لتلقي نظرة إستكشاف أخيرة علي النقط الحصينة لخط بارليف علي الضفة الشرقية للقناة كما عادت الجماعات الخاصة التي دفعت لإحباط تحضيرات العدو لإشعال سطح القناة بالوقود الملتهب وذلك بعد أن قصت خراطيمها وسدت مواسيرها بالأسمنت وأغلقت محابسها وصنابيرها وعلي طول جبهة القناة كان المشهد بالغ العجب ففي الضفة الغربية كانت جماعات من جنود مصر يجلسون علي حافة القناة في حالة إسترخاء وتكاسل يتسامرون ويغنون وكان يطلق عليهم طبقا لخطة خداع العدو جماعات الكسل كما كانت الشركات المدنية تعمل في جد وإجتهاد بمعداتها الميكانيكية في عملية تعلية الساتر الترابي علي الضفة الغربية للقناة والجميع في متعة وخلو بال وقد تركوا أسلحتهم وخوذاتهم في الخنادق الخلفية إمعانا في خداع العدو بينما كان الجيشان الميدانيان في أقصي درجات الإستعداد للوثوب الي شرق القناة أما في الضفة الشرقية للقناة فقد راح بعض جنود إسرائيل يلعبون الكرة والبعض الآخر يجهزون ولائم العيد الذى سيأتي موعده في اليوم التالي 6 أكتوبر عام 1973م وهو يوم كيبور أو عيد الغفران والمراقبون الإسرائيليون قد خلعوا خوذاتهم وجلسوا في أبراج المراقبة يلعنون ظروف الخدمة في هذا المكان المنعزل في يوم عيدهم ويتثاءبون من رتابة الحال وركود الموقف سنوات إثر سنوات منذ هزيمة يونيو 1967م وكان هذا هو المشهد السائد في الثواني السابقة علي بدء الحرب .

وفي نفس هذا اليوم الجمعة 5 أكتوبر عام 1973م زار الفريق الشاذلي رئيس الأركان الجبهة للوقوف علي الموقف قبل إنطلاق العمليات ظهر اليوم التالي وزار أولا اللواء سعد مأمون في مركز قيادة الجيش الثاني الميداني ثم إنتقل إلي مقر قيادة الجيش الثالث الميداني ودخل على اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش فى مركز قيادته فوجده يراجع الكلمة التى سيلقيها على جنوده عند بدء القتال والذى قام بعرضها علي الفريق الشاذلي وطلب رأيه فيها وكانت كلمة قوية ومشجعة حقا وقال له الفريق الشاذلي إنها ممتازة ولكنى لا أتصور أن أحدا سيسمعها إن هدير المدافع والرشاشات وتساقط القتلى والجرحى لن يسمح لأحد بأن يستمع أو ينصت لأحد فما بالك بهذه الخطبة الطويلة وهنا لمعت في ذهن الفريق الشاذلي فكرة بعثها الله تعالى لتوها ولحظتها وهي أن أفضل شىء يمكن أن يبعث الهمم فى النفوس هو نداء الله أكبر وقال له لماذا لا نقوم بتوزيع مكبرات للصوت على طول الجبهة وننادى فيها الله أكبر الله أكبر وسوف يردد الجنود هذا النداء بطريقة آلية تلقائية وبهذا النداء سوف تشتعل الجبهة كلها به إن هذه هى أقصر خطبة وأقواها وووافقه اللواء واصل عليها لكنه أخبره بأنه ليس لديه العدد الكافى من مكبرات الصوت لتغطية مواجهة الجيش الثالث فقام الشاذلى بالإتصال بمدير إدارة الشؤون العامة من مكتب الفريق واصل وطلب منه تدبير 50 مكبر صوت ترانزستور وتسليم عدد 20 منها إلى الجيش الثالث الميداني وعدد 30 إلى الجيش الثانى الميداني على أن يتم تنفيذ ذلك قبل الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي 6 أكتوبر عام 1973م ثم عاد الفريق الشاذلي في آخر اليوم إلي مقر القيادة العامة للقوات المسلحة بعد أن لمس إرتفاع معنويات القادة والضباط والجنود وثقتهم في أن الله سينصرهم وقد قال البطل اللواء عبد المنعم واصل عن الليلة التي سبقت العبور كنا ننفذ مشروع الربيع وإنقلب الي حرب حقيقية فجهزنا القوارب التي كنا نستخدمها ودفعناها إلي الساتر الترابي تحت إشراف مجموعة خدمة القائد المكلفة بإرشاد الوحدات للطرق والمحاور التي سيتم عن طريقها عبور القناة منعا لحدوث فوضي وهرج ومرج في وقت العبور وكنا في مركز قيادة الجيش الثالث الميداني وحوالي الساعة الخامسة مساء يوم الجمعة 5 أكتوبر عام 1973م إتصل بي اللواء آنذاك محمد عبد الغني الجمسي رئيس هيئة العمليات وطلب مني إرسال ضابط برتبة كبيرة لإستلام مظروف سري ومختوم بالشمع الأحمر وعاد الضابط حوالي الساعة الثامنة مساءا وكان في المظروف أن ساعة الصفر لبدء العبور هي الساعة الثانية بعد ظهر اليوم التالي العاشر من رمضان عام 1393هجرية السادس من أكتوبر عام 1973م .

وبحلول صباح اليوم التالي 6 أكتوبر عام 1973م كان الإهتمام الأكبر الذى شغل اللواء الجمسي رئيس هيئة العمليات وهو في غرفة العمليات بالقيادة العامة للقوات المسلحة بمدينة نصر بالقاهرة متابعة ومراقبة نشاط العدو الجوي الذي يظهر أمامه علي شاشة الرادار الموجود في مركز العمليات لأن سلاح الطيران الإسرائيلي هو من سيلعب الدور الرئيسي في حالة كشف نوايانا الهجومية وفي حوالي الساعة الثانية عشر ظهرا أبلغ اللواء الجمسي الفريق أول أحمد إسماعيل علي بأنه قد سبق السيف العزل وأصبح الوقت متأخرا جدا لكي يتمكن العدو من القيام بعمل عسكري مؤثر ضد قواتنا التي تستعد لإقتحام القناة والهجوم علي مواقع العدو شرق القناة وأخذ الوقت يمر بطيئا بطيئا وفي تمام الساعة الواحدة تقريبا وصل الرئيس الراحل أنور السادات إلي غرفة العمليات وإتخذ القادة أماكنهم حول خريطة العمليات ومر الوقت الباقي حتي إقلاع طائراتنا لتوجيه الضربة الجوية طويلا طويلا كأنه دهر مع أن إسرائيل كانت قد تلقت معلومات مؤكدة صباح يوم 6 أكتوبر عام 1973م تؤكد أن مصر وسوريا ستشنان الحرب قبل غروب شمس هذا اليوم وبناءا عليه إجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلي وقرر تحذير مصر وسوريا عن طريق أمريكا وإتصل وزير الخارجية الأميريكي الدكتور هنرى كيسينجر بالدكتور محمد حسن الزيات وزير الخارجية المصرى آنذاك والذي كان في نيويورك الساعة الثانية إلا ربع بتوقيت القاهرة أي قبل الحرب بثلث ساعة يرجو فيه ألا تقوم مصر بأى عمليات عسكرية وعندما إتصل الزيات برئاسة الجمهورية كانت الحرب قد بدأت بالفعل منذ ربع ساعة حيث كانت قد قامت 200 طائرة مصرية بضربة جوية لمطارات العدو ومراكز قيادته ومناطق حشد مدفعيته في سيناء بعد أن عبرت خط القناة علي إرتفاع منخفض في تمام الساعة الثانية ظهرا والتي كان قد سبق إختيارها لتكون ساعة الصفر وبدء العمليات علي جبهة القناة كما قامت 100 طائرة سورية بمهاجمة مواقع العدو الإسرائيلي في هضبة الجولان السورية المحتلة .

وفي تمام الساعة الثانية والثلث قام أكثر من 2000 مدفع علي طول جبهة القناة من مختلف الأعيرة بفتح نيرانها ضد الأهداف الإسرائيلية لمدة 53 دقيقة متواصلة وسقط علي المواقع الإسرائيلية شرق القناة في الدقيقة الأولي 10500 دانة مدفعية بمعدل 175 دانة في الثانية الواحدة وقد منعت هذه النيران دبابات العدو من صعود الساتر الترابي كما قامت عناصر من سلاح المهندسين وسلاح الصاعقة بالتسلل إلي الشاطئ الشرقي للقناة للتأكد من إحكام غلق المواسير التي تنقل سائل النابالم المشتعل إلي سطح القناة وفي نفس الوقت قامت عناصر من قواتنا البحرية كانت قد أبحرت منذ أيام نحو مضيق باب المندب الذى يتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر بغلق هذا المضيق أمام الملاحة الإسرائيلية وبعد مرور نصف ساعة بعد ساعة الصفر وفي تمام الساعة الثانية والنصف بدأ عبور قوات المشاة وعبر لنا في هذا الوقت 8000 مقاتل وبحلول الساعة السادسة والنصف مساءا كان قد عبر إلي شرق القناة حوالي 2000 ضابط وحوالي 30 ألف جندى يتبعون عدد 5 فرق مشاة وذلك بإستخدام 750 قارب في عملية الإقتحام وعدد 1500 من سلالم الحبال لتسلق الساتر الترابي وتمكنت هذه القوات من إقامة خمس رؤوس كبارى عرض قاعدة كل منها من 6 إلي 8 كيلو مترات وعمق كل منها من 3 إلي 5 كيلو مترات وكان الرئيس السادات متواجدا في القيادة العامة للقوات المسلحة وعندما إطمأن إلي النجاح أمر بإذاعة البيان العسكري الأول ولم يكن هذا البيان حقيقيا لأنه قال إن قوات العدو قامت في الساعة الواحدة والنصف بمهاجمة قواتنا في منطقتي العين السخنة والزعفرانة وأن قواتنا تقوم حاليا بالتصدي لها وكان البيان الرئيسي عن عملية العبور هو البيان الخامس الذي صدر في الساعة الرابعة عصرا وكان نصه نجحت قواتنا في عبور قناة السويس وإستولت علي نقاط العدو القوية ورفعت علم مصر علي الضفة الشرقية للقناة وإستمر قتال المشاة ضد الدبابات كما يذكر المشير الجمسي في مذكراته لمدة 8 ساعات تقريبا قبل عبور أسلحتنا الثقيلة ومدرعاتنا قاتلوا خلالها ضد 300 دبابة إسرائيلية وإستطاعوا أن يدمروا منها مائة دبابة بالصواريخ المضادة للدبابات في سابقة لم تحدث من قبل في أى حرب بأن يتصدى جندى المشاة لدبابات العدو ويثبت أمامها ويقوم بتدميرها وفي نفس الوقت كان المهندسون يعملون في فتح الثغرات في الساتر الترابي بإستخدام مضخات المياه وتم فتح أول ثغرة في تمام الساعة السادسة والنصف وتوالي بعد ذلك فتح الثغرات وتمكن رجال سلاح المهندسين من فتح أكثر من 30 ممرا في الساتر الترابي بإستخدام 350 مضخة ومن ثم بدأ تشغيل المعديات لزوم نقل الدبابات والمدرعات عبر القناة إلي الضفة الشرقية لها وبذلك كانت قواتنا من المشاة والمدرعات تتدفق على الضفة الشرقية للقناة تباعا كما كان جاريا إقامة كبارى العبور المعدنية التي ستعبر عليها المدرعات والمعدات الثقيلة وفي الساعة العاشرة مساءا بعد حوالي 8 ساعات من بداية العبور كان هناك 80 ألف جندي مصري على الضفة الشرقية للقناة مما أفقد العدو الإسرائيلي توازنه بفضل وعبقرية وإخلاص قواتنا المسلحة لدرجة أن القادة الإسرائيليين عندما بلغهم نبأ بداية عملية عبور القناة وحدوث الثغرات بالساتر الترابي سألوا وهم في غاية الدهشة كيف نجح المصريون في فتح هذه الثغرات وبحلول الساعة الثامنة من صباح يوم 7 أكتوبر عام 1973م وبعد مرور 18 ساعة فقط من بدء عمليات عبور القناة كان العدو الإسرائيلي قد تكبد خسائر جسيمة حيث بلغت خسائره حوالي 300 دبابة وعدة آلاف من القتلي والجرحي وعدد 20 طائرة وخط بارليف بالكامل بما يعني تدمير وسحق عدد 3 ألوية مدرعة وعدد 1 لواء مشاة والتي كانت مخصصة للدفاع عن القناة من جانب العدو الإسرائيلي في حين بلغت خسائرنا 5 طائرات وعدد 20 دبابة بالإضافة إلي عدد 280 شهيد فقط لا غير .

وجدير بالذكر أن قوات الدفاع الجوى بقيادة اللواء محمد علي فهمي قد قامت بعمل عظيم أثناء ساعات العبور والأيام التالية له حيث كان للحائط الصاروخي المضاد للطائرات أثره الأكبر في سير العمليات أثناء الحرب وبدا ذلك واضحا من أول يوم وعقب 40 دقيقة فقط من إندلاع الحرب حيث شنت إسرائيل أول هجمة جوية علي قواتنا غرب القناة وعلي المعابر خسروا خلالها عدد 18 طائرة وكانت هذه لحظة فاصلة فى تاريخ العسكرية المصرية عندما إنطلقت الصواريخ المضادة للطائرات التى زرعت الرعب والخوف فى قلوب الطيارين الإسرائيليين وإستطاع البطل محمد على فهمى القضاء على أسطورة التفوق الجوى الإسرائيلى وأطلق عليه لقب حارس السماء المحرقة ويذكر أن أحد مراقبي الهدنة قال إنه من كل خمس طائرات إسرائيلية كان يتم إسقاط ثلاث طائرات ولا ينسى التاريخ أنه فى نحو الساعة الخامسة مساء يوم السادس من أكتوبر عام 1973م أى بعد ساعات قليلة من بداية عبور قناة السويس إلتقطت الأجهزة الخاصة المصرية إشارة لاسلكية مفتوحة تحمل أوامر صادرة من الجنرال بنيامين بليد قائد القوات الجوية الإسرائيلية بعدم توغل الطائرات الإسرائيلية لمسافة لا تقل عن 15 كيلو مترا شرق قناة السويس حتي يتجنب الخسائر الكبيرة في طائراته ومعنى هذه الإشارة أن قوات الدفاع الجوى المصرية بقيادة البطل اللواء آنذاك محمد على فهمى قد نجحت بنسبة مائة في المائة فى تأمين عملية إقتحام وعبور القناة والهجوم بكفاءة عالية ليلا ونهارا وقدمت الحماية للمعابر والكبارى وقوات المشاة والمدرعات مما أتاح للقوات المصرية أن تعبر القناة في أمان تام وفعلا بعد ساعتين من القتال توقف الطيران الإسرائيلي عن مهاجمة القوات المصرية مما شجعنا علي العبور بسرعة وقد حاول الطيران الإسرائيلي مرة أخري في مساء يوم العبور السادس من أكتوبر عام 1973م شن هجمات لمنع قواتنا من التدفق والعبور إلي شرق القناة لكنها كانت هجمات ضعيفة غير مؤثرة وبأعداد صغيرة ومني بخسائر أكبر في طائراته وقد ذكر دافيد اليعازر رئيس أركان حرب الجيش الإسرائيلي إبان حرب أكتوبر عام 1973م والذى عصفت به رياح تلك الحرب بعد إنتهائها وتم عزله من منصبه بعد أن أثبتت عليه لجنة القاضي أجرانات التي تشكلت بعد حرب أكتوبر عام 1973م لبحث إخفاق جيش الدفاع الإسرائيلي خلالها تقصيره في أداء واجبه ومهماته في مذكراته التي نشرها بعد ذلك إن الحقائق بدأت تتضح أمامنا شيئا فشيئا فالإشارات تذكر أن أكثر من ثلاثين ألفا من الجنود المصريين أصبحوا يقاتلون فى الضفة الشرقية للقناة وما زالت الدبابات والمدرعات والمعدات الثقيلة تعبر الكبارى وتتدفق بغزارة إلى الضفة الشرقية وذلك نتيجة شل فاعلية سلاحنا الجوى بواسطة وسائل الدفاع الجوى المصرى وإن بدء التلاحم بين جنودنا والمصريين معناه أن يفقد سلاحنا الجوى فاعليته وقد أصبح مجموع ما سقط لنا من طائرات حتى الساعة العاشرة وعشر دقائق مساء يوم 6 أكتوبر عام 1973م 25 طائرة ولقد أصبح القتال يسير ضاريا شرسا والدلائل تشير إلى أننا نواجه خطة دقيقة ومحكمة لا نعرف مداها أو أبعادها وقد وصفت مجلة أرميه العسكرية الفرنسية البطل محمد علي فهمي بأنه من أبرز الشخصيات العسكرية فى العالم وأحد كبار المتخصصين فى النواحى الفنية العسكرية في مجال الدفاع الجوى وقال عنه هودز رئيس تحرير مجلة أسبوع الطيران وتكنولوجيا الفضاء الأميريكية إنه مهندس معركة الدفاع الجوى فى حرب أكتوبر عام 1973م .

وفي صباح يوم 7 اكتوبر عام 1973م والذى أطلق عليه ضباطنا وجنودنا إسم الصباحية كان من المتوقع أن يقوم العدو بهجمات مضادة ضد قواتنا المسلحة ولكن علي مايبدو أنه قد حدث تأخير لديه في تعبئة قواته ولذا لم تحدث المعارك المتوقعة في هذا اليوم وثار هناك تساؤل هل ياترى سيبدأ العدو في شن هجومه المضاد يوم 8 أو 9 أكتوبر عام 1973م وفي حقيقة الأمر كان هذا اليوم يعد سباقا بين القوات المسلحة المصرية وقوات العدو الإسرائيلي من أجل التجهيز للمعارك المرتقبة القادمة فقد قام العدو في هذا اليوم بإستعواض الدبابات الثلاثمائة التي خسرها في اليوم السابق كما قام بحشد عدد 8 ألوية مدرعة أمام قواتنا منقسمة إلي 3 فرق مدرعة أولها مكون من 3 ألوية مدرعة في القطاع الشمالي للجبهة وثانيها يتكون أيضا من 3 ألوية مدرعة في القطاع الأوسط وثالثها يتكون من 2 لواء مدرع في القطاع الجنوبي وبذلك أصبح العدو مستعدا لشن الهجمات المضادة الرئيسية بداية من صباح يوم 8 أكتوبر عام 1973م وعلي الجانب الآخر ففي هذا اليوم 7 من أكتوبر عام 1973م قامت فرق المشاة الخمسة التي عبرت القناة في اليوم السابق بتوسيع رؤوس الكبارى التي أنشأتها وسد الثغرات فيما بينها وبين الفرق المجاورة لها في نطاق كل جيش وبحلول صباح يوم 8 أكتوبر عام 1973م أصبح لنا في شرق القناة رأسا كوبريين للجيشين الميدانيين الثاني والثالث وكان رأس كوبرى الجيش الثاني يمتد من القنطرة شمالا وحتي الدفر سوار جنوبا بينما كان رأس كوبرى الجيش الثالث يمتد من البحيرات المرة شمالا وحتي بور توفيق جنوبا وكان كل منهما بعمق حوالي 10 كيلو مترات كما إستفادت قواتنا خلال نفس اليوم 7 أكتوبر عام 1973م في تحسين الموقف الإدارى لها وتكوين إحتياطي معقول من الإحتياجات الإدارية شرق القناة والتي من أهمها الذخيرة والمياه والمواد الغذائية وإلي جانب ذلك قامت القوات الخاصة المصرية التي تم إبرارها خلف خطوط العدو بمهاجمة قواته التي تتحرك نحو الجبهة من مؤخرتها مما كبدها خسائر جسيمة وأثار الذعر والفزع في نفوس أفرادها وأجبرها علي التحرك ببطء وحذر شديدين مما تسبب في تأخير وصولها إلي الجبهة ومن ثم تأخير شن الهجمات المضادة الرئيسية وفي نفس هذا اليوم 7 أكتوبر عام 1973م جاءت الخطة الأميريكية علي شكل نصيحة لإسرائيل بهجوم مضاد لتحطيم رؤوس الكباري وتوجيه ضربة للدفاع الجوي المصري لشل فاعليته وكانت إسرائيل في هذا التوقيت في حالة من الشلل والرعب كما صورها رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال دافيد اليعازر وهو يصف وزير دفاعه ديان قائلا لا يمكن لأحد مهما أوتي من أسلوب الكتابة أن يصور الهزيمة بقدر ما يراها علي وجه قائد مهزوم في تقديراته وخططه وتاريخه هكذا كان موشي ديان وفي المقابل سجل ديان موقفه قائلا الواقع إنني خلال طيراني عائدا من سيناء إلي تل أبيب بعد أن زرت جبهة سيناء لا أتذكر لحظة في الماضي شعرت فيها بالقلق الذي شعرت به الآن لو أنني كنت أعاني جسمانيا وأواجه الخطر شخصيا لكان الأمر أهون أما الآن فثمة شعور آخر ينتابني فقد كانت إسرائيل في خطر وفي يوم الأحد 7 أكتوبر عام 1973م حدث أول إتصال سري بين مصر وأمريكا عن طريق حافظ إسماعيل مستشار الرئيس للأمن القومي لكن المشكلة في هذا الإتصال كما يقول البعض إنه كشف للدكتور هنرى كيسينجر وزير الخارجية الأميريكي نية مصر عدم توسيع الهجوم وعلق كيسينجر عليه بأن مصر غير راغبة في متابعة العمليات العسكرية ضد إسرائيل بعد الأراضي التي كسبتها وقد إعتبر اللواء الجمسي رئيس هيئة العمليات من وجهة نظره الشخصية أن هذا كان إفشاءا مبكرا لنوايانا العسكرية تجاه العدو عن طريق حليفته أمريكا .

وفي يوم 8 أكتوبر عام 1973م تمكنت قواتنا المسلحة في قطاعي الجيشين الثاني والثالث من صد جميع الهجمات المضادة التي شنتها القوات الإسرائيلية وخلال الأيام التالية وحتي يوم 14 أكتوبر عام 1973م تمكنت قواتنا المسلحة من تثبيت أقدامها علي الضفة الشرقية للقناة وتمركزت في مواقعها علي مسافة تتراوح بين مسافة 12 كيلو متر ومسافة 15 كيلو متر وفي هذا اليوم تقرر تطوير الهجوم شرقا والإتجاه نحو المضايق بحجة تخفيف الضغط علي الجبهة السورية وهو الأمر الذى فشل فشلا ذريعا مما سمح للقوات الإسرائيلية بالعبور إلي غرب القناة فيما عرف بإسم ثغرة الدفرسوار وحاولت القوات الإسرائيلية إحتلال مدينتي الإسماعيلية والسويس ولم تتمكن من ذلك نظرا للمقاومة الشرسة التي واجهتها وإنتهي الأمر بصدور قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق وهو القرار الذى دخل في حيز التنفيذ يوم 26 أكتوبر عام 1973م وتبعه مفاوضات الكيلو متر 101 علي طريق القاهرة السويس الصحراوى ثم إتفاقية فصل القوات الأولي في شهر يناير عام 1974م والتي بموجبها إنسحبت قوات إسرائيل من غرب القناة وفي يوم 19 فبراير عام 1974م تم تكريم قادة حرب أكتوبر في جلسة تاريخية بمجلس الشعب وتم منح القائد العام أحمد إسماعيل علي رتبة المشير وحصل أيضا علي نجمة سيناء من الطبقة الأولى وتم تعيينه في يوم 26 أبريل عام 1974م نائبا لرئيس الوزراء ولم يعمر بعد ذلك المشير أحمد إسماعيل طويلا حيث أصيب بمرض سرطان الرئة وسافر إلي العاصمة البريطانية لندن للعلاج وتوفي هناك في يوم 25 ديسمبر عام 1974م عن عمر يناهز 57 عاما وقد قال عنه الخبراء العسكريون إن المشير أحمد إسماعيل علي بطل من جيل الألم فقد خاض ثلاث حروب تجرع فيها مرارة الهزيمة مع أبناء مصر وعندما خاض الحرب الرابعة وتولى مهمة القيادة كان النصر حليفا لمصر وكان نصر العاشر من رمضان عام 1393 هجرية السادس من أكتوبر المجيد عام 1973م .

 
 
الصور :