الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

السلطان مراد الأول
-ج2-

السلطان مراد الأول
-ج2-
عدد : 06-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”

لنعد إلي فتوحات العثمانيين بقارة أوروبا فنجد أن فتح إدرنه ونقل العاصمة العثمانية إليها جعل منها المركز المسيطر إداريا وعسكريا على تراقيا أي علي المنطقة الأوروبية التي تقع غرب البوسفور حيث كانت إدرنه تعد هي القلعة الرئيسية بين القسطنطينية ونهر الدانوب وقد أتاح لها هذا الموقع الإستراتيجي أن تتحكم في طرق الحملات العسكرية عبر جبال البلقان وأن تكفل قدرة الإحتفاظ بالفتوحات الإسلامية في قارة أوروبا وبذلك فقد كانت تؤمن وسيلة التوسع نحو الشمال وكنتيجة مباشرة لتلك الفتوحات والإنتصارات خشيت بعض القوى الأوروبية وِخاصةً التجارية على مصالحها فهرولت نحو الدولة العثمانية لمهادنتها وكان من ذلك أن أرسلت جمهورية راكوزة والتي كانت تقع على شاطئ البحر الأدرياتيكي تعرض على السلطان العثماني مراد الأول عقد معاهدة تجارية مقابل دفع جزية سنوية قدرها خمسمائة قطعة ذهبية وكانت هذه أول معاهدة تعقدها الدولة العثمانية مع دولة مسيحية وكان ذلك في عام 766 هجرية الموافق عام 1365م وكانت قد إنطلقت مرة أُخرى الدعوة إلى حملة صليبية جديدة لإيقاف الفتوحات العثمانية لكن من دون جدوى وتابع العثمانيون توسعهم إنطلاقا من إدرنه وكاليبولي نحو سائر أنحاء تراقيا ففتحوا في عام 1363م، مدينة فيلبة عاصمة الروملي الشرقية الواقعة إلى الجنوب الشرقي من مدينة صوفيا البلغارية كما فتحوا مدينتي وردار وكوملجنة الواقعتين إلى الجنوب الغربي من إدرنه وسيطروا على وادي مريچ أو ماريتزا الذي يزود القسطنطينية بِالحبوب والحنطة فعزلوا بهذا بلغاريا عن الممتلكات البيزنطية كما أنه بفتح إقليم تراقيا تم فصل القسطنطينية عن الأقاليم البيزنطية الغربية في قارة أوروبا وأضحت هذه المدينة بعد التمدد العثماني محاطة من الجانب الأوروبي بِالأراضي العثمانية وفصلت عن الإمارات المسيحية الصغيرة في شبه جزيرة البلقان وتاخمت الممتلكات العثمانية إمارات الصرب والبلغار والأرناؤوط الألبان وإمتد نطاق ديار الإسلام إلى حدود جبال البلقان مما أفزع البابوية حيث كان لإنتصارات السلطان مراد الأول أصداء بعيدة المدى في قارة أوروبا بأسرها كما أثار زحف المسلمين في إتجاه البلقان مختلف القوى الموجودة في المنطقة فنهضت للتصدي له وسعي الإمبراطور البيزنطي يوحنا الخامس باليولوك إلى الإنقضاض على الدولة العثمانية الناشئة لطرد العثمانيين من المواقع التي فتحوها في عهد السلطان أورخان غازى إلا أنه إنشغل بالمشكلات التي أثارها متى قانتاقوزن إبن الإمبراطور المخلوع يوحنا السادس .


ومن جهة أخرى خشي البنادقة من التمدد العثماني في البلقان الذي أخذ يهدد مصالحهم التجارية في المنطقة فنهضوا لوقفه وأنزلوا عشرين ألف جندي في منطقة الروملي علي الجانب الأوروبي بالبوسفور من أجل هذه الغاية غير أن هذه القوة منيت بهزيمة على يد العثمانيين وبالتالي فشلت جمهورية البندقية الإيطالية في وقف التمدد العثماني المتجه إلي منطقة البلقان ومن جانب آخر فقد أدت وفاة القيصر الصربي أسطفان دوشان في عام 756 هجرية الموافق عام 1355م إلى تضعضع قوة الصربيين وتمزقهم وبذلك فقدوا القدرة على مقاومة العثمانيين وخشي يوحنا إسكندر قيصر البلغار من الزحف العثماني فسعى إلى كسب ود العثمانيين على الرغم من إعتراض الملك لويس الأول ملك المجر والإمبراطور البيزنطي يوحنا الخامس نتيجة إخفاقات القوى البلقانية إلتمس الإمبراطور البيزنطي المساعدة من الغرب الأوروبي ووعد البابا الدخول في طاعة الكنيسة اللاتينية مقابل مساعدة عسكرية لكن تشدد الطرفين الكاثوليك والأرثوذكس حال دون تحقيق ذلك وفي نفس الوقت كان الملوك المسيحيون الآخرون المجاورون للدولة العثمانية قد إضطربوا وتخوفوا من إمتداد الفتوحات الإسلامية إلى ما وراء جبال البلقان إذ لو إجتازها المسلمون بدون معارضة أو أى مقاومة في مضايقها فلن يقوى أحد بعد ذلك على إيقاف تيار فتوحاتهم ويخشى بعدها على جميع ممالك أوروبا من العثمانيين ومن ثم طلب هؤلاء الملوك من البابا أوربان الخامس أن يتوسط لدى ملوك أوروبا الغربيين ليساعدوهم على محاربة المسلمين وإخراجهم من القارة العجوز فإستجاب البابا لهم وكتب إلى ملوك أوروبا يحثهم على تجهيز حملة صليبية لحرب المسلمين والواقع أن البابوية لم تعر الفتوح العثمانية في قارة أوروبا أية أهمية طالما كانت على حساب البيزنطيين الهراطقة في نظرها ولكن عندما بدأت هذه الفتوح تهدد الدول الأوروبية الكاثوليكية الخاضعة لسلطة البابا سعى أوربان الخامس لِإعداد حملة صليبية ضد العثمانيين وفي يوم الجمعة العظيمة الذي صادف يوم 15 جمادى الآخرة عام 764 هجرية الموافق يوم 31 مارس عام 1363م إجتمع البابا بملك فرنسا يوحنا الثاني وبملك قبرص بطرس الأول في مدينة أفينيون بجنوب شرق فرنسا حيث تعهدا بالمشاركة في الحملة الصليبية القادمة وبأن يسيرا إلى الأراضي المقدسة ويستخلصا بيت المقدس من المسلمين وفي يوم 14 ربيع الآخر عام 765 هجرية الموافق يوم 19 يناير عام 1364م إجتمع البابا ببعض الأقطاب الإقليمية لمناقشة مشكلة المرتزقة الجوالين الذين كانوا يعيثون فسادا في بلاد أوروبا الغربية ومن بين هؤلاء الأقطاب كان أماديوس السادس قمص دوقية ساڤوي التي تقع بجبال الألب بشمال غرب إيطاليا والذي تعهد بِالإنضمام لهذه الحملة أيضا مدفوعا بقرابته من الإمبراطور البيزنطي وكان موعد إنطلاق الحملة يفترض أن يكون في يوم 8 من شهر جمادى الآخرة عام 766 هجرية الموافق يوم 1 مارس عام 1365م لكن شيئا من ذلك لم يحدث إذ تخاذل ملك فرنسا عن تلبية نداء البابا وفضل ملك قبرص أن يشن حملةً على السلطنة المملوكية في مصر فغزا مدينة الإسكندرية يوم 23 من شهر المحرم عام 767 هجرية الموافق يوم 9 أكتوبر عام 1365م وإرتكب فيها مذبحةً رهيبة راح ضحيتها آلاف السكندريين من مسلمين ومسيحيين ويهود ونهب الصليبيون البيوت والمتاجر والكنائس والجوامع ولم تسلم منهم حتي متاجر التجار الأوروبيين وهرب الكثير من الأهالي ناجين بحياتهم وبعد مضي 4 أيام إنسحب الصليبيون عائدين إلى قبرص وكان لغزوة الإسكندرية أثر سئ على إعدادات الحملة الصليبية الموجهة ضد العثمانيين إذ قاطع المسلمون جميع الدويلات التجارية الأوروبية فتأثر إقتصادها القائم على الملاحة البحرية لذا إنسحبت جمهورية البندقية الإيطالية من هذا الحلف المقدس ولم تنجح محاولات البابا بإقناعهم عن العدول عن رأيهم فإضطر أماديوس السادس أن يرسل إليهم مبعوثا ليحاول إقناعهم بنفسه لكنه لم يحصل منهم إلا على فقط سفينتين لنقل الجنود في البحر كما رفضت جمهوريتا جنوة الإيطالية ومرسيلية الفرنسية المشاركة كي لا تتأثر علاقاتهما التجارية مع المسلمين سلبا .

ونظرا لهذه الأحداث إضطر أماديوس السادس إلى قيادة الحملة الصليبية بنفسه وإنطلق من البندقية على رأس أُسطول بحرى في شهر شوال عام 767 هجرية الموافق شهر يونيو عام 1366م وأبحر حتى وصل مضيق الدردنيل حيث إنضم إليه أُسطول صغير بقيادة فرانشيسكو كاتيلوسيو أمير جزيرة لسبوس اليونانية والتي تقع شمال بحر إيجة وفيلق بيزنطي بقيادة بطريرك القسطنطينية وهاجمت القوات المشتركة مدينة كاليبولي التي كان قد فتحها المسلمون في عهد السلطان أورخان غازى وضيقت عليها الحصار حتى إضطرت حاميتها العسكرية العثمانية إلى الإنسحاب منها ليلا وفتح الأهالي أبواب مدينتهم إلى الصليبيين في اليوم التالي لقاء الأمان على أنفسهم وأرسل أماديوس السادس إلى البابا يبشره بالنصر وخلال تلك الفترة كان الإمبراطور البيزنطي يوحنا الخامس قد سافر إلى بودابست عاصمة المجر حاليا للتفاهم مع الملك لويس الأول للتنسيق معه على حرب العثمانيين وليقسم يمين الولاء والطاعة للبابا عن نفسه وعن أولاده ولكي يتعهد بترك الأرثوذكسية وإعتناق المذهب الكاثوليكي وفي أثناء طريق عودته إلى بيزنطة عبر بلاد بلغاريا إعترضه جنود بلغار بأمر من القيصر يوحنا شيشمان الذي منعه من المرور عبر بلغاريا وحاصره في مدينة ڤيدين التي تقع على أطراف المملكة على ضفاف نهر الدانوب في شمال غرب بلغاريا بالقرب من الحدود الرومانية الصربية ويبدو أن الإمبراطور البيزنطي راسل أماديوس السادس طالبا النجدة ولما كان الأخير غير مفوض من البابا لقتال النصارى الأرثوذكس فإنه لم يحرك ساكنا إلى أن تلقى مبلغا من المال من الإمبراطورة البيزنطية هيلانة قانتاقوزن فأبحر على طول الساحل البلغاري وإستولى على عدة مدن وإرتكب فيها فظائع دموية حتى أذعن القيصر البلغاري وأطلق سراح الإمبراطور البيزنطي فعاد مع أماديوس السادس إلى القسطنطينية وعاود أماديوس السادس حربه ضد المسلمين بمجرد عودة الإمبراطور يوحنا الخامس إلى عرشه على الرغم من تراجع عدد قُواته بفعل الخسائر التي مني بها خلال حصار كاليبولي وخلال مغامرته العسكرية في بلغاريا إنتزع قلعة إينياقوسية الواقعة على الشاطئ الشمالي من بحر مرمرة من العثمانيين وأحرق لهم حصنا آخر ورد غارة شنها العثمانيون على مدينة سوزوپول البلغارية التي تقع علي الساحل البلغاري الجنوبي للبحر الأسود وتوج إنتصاراته بِأن إستولى على مدينة إدرنه وأعادها إلى الحظيرة البيزنطية ولما تم له ذلك شعر أماديوس السادس أنه أوفى نذره فأمضى ما تبقى من حملته يتباحث مع الإمبراطور البيزنطي في كيفية تحقيق الوحدة الكنسية بين روما والقسطنطينية أي بين الأرثوذوكس والكاثوليك ثم عاد إلى البندقية بعد أن سلم جميع ما إستولى عليه إلى الإمبراطور البيزنطي .

وبالطبع فبعد أن إسترد البيزنطيون مدينة إدرنه رد السلطان مراد الأول علي ذلك فورا بهجوم عنيف كاسح بجيش عظيم فلم تصمد أمامه وإستردها في عام 767 هجرية الموافق عام 1366م وكان لإسترداد هذه المدينة الهامة صدى سئ في الدوائر الحاكمة في أوروبا وخاصةً لدى البابا والحقيقة أن العثمانيين كانوا قد إتخذوها عاصمة لهم عند فتحها الأول كما ذكرنا في السطور السابقة بدلا من مدينة بورصة التي كانت قد أصبحت في مركز لا يناسب أن تكون عاصمة لهم بعد ما حدث من تمدد لهم في قارة أوروبا نظرا لبعدها عن مركز الفتوحات وبعد تداول السلطان مراد الأول مع وزرائه وقع إختيارهم على مدينة إدرنه وفي الحقيقة كان فتح إدرنه وإتخاذها عاصمةً للدولة قد أمن المركز المسيطر إداريا وعسكريا على تراقيا حيث كانت هي القلعة الرئيسية بين القسطنطينية ونهر الدانوب وتتحكم في طرق الحملات العسكرية عبر جبال البلقان وتكفل القدرة علي الإحتفاظ بالفتوحات العثمانية في قارة أوروبا كما أنها تؤمن وسيلة التوسع نحو الشمال وبالإضافة إلي ذلك فإنها كانت مدينة ذات إستحكامات حربية منيعة ولذا فقد جمع السلطان مراد الأول في إدرنه كل مقومات النهوض بالدولة وأُصول الحكم فتكونت فيها فئات الموظفين وفرق الجيش وطوائف رجال القانون وعلماء الدين وأُقيمت بها دور المحاكم وشيدت المدارس المدنية والمعاهد العسكرية بها لتدريب جيش الإنكشارية الذى تأسس في عهد السلطان أورخان غازى وبِهذا تحولت إدرنه إلى مدينة ذات طابع إسلامي شرقي بعد أن كان طابعها رومي ومضى السلطان مراد الأول قدما في حركة الجهاد والدعوة وفتح الأقاليم في قارة أوروبا وإنطلق بجيشه لفتح مقدونيا مما أثار الممالك الأوروبية مجددا فتنادى ملوك أوروبا مرة أُخرى إلى إعلان حملة صليبية جديدة ضد العثمانيين وفي تلك الفترة كان أسطفان أوروك الخامس قد إعتلى عرش إمارة الصرب خلفا لِأسطفان دوشان ولما إستقرت الأمور في الإمارة بعد أن كانت الإمارة قد أصابها الضعف بعد وفاة دوشان تحمس لقتال المسلمين وإخراجهم من أوروبا مقتديا بأماديوس السادس ولم ينتظر وصول المدد إليه من دول أوروبا الغربية بل إستعان بأُمراء الأفلاق والبشناق أي البوسنيين وبعدد عظيم من فُرسان المجر والبلغار إلى جانب عساكره الصربيين وإستطاع أن يحشد جيشا عرمرما بلغ تعداده حوالي سبعين ألف جندي وسار بهم بإتجاه مدينة إدرنه عاصمة الممالك العثمانية مستغلا إنهماك السلطان مراد الأول بمحاصرة مدينة بيجا الواقعة إلى الجنوب من بحر مرمرة وهو يمني النفس بالنصر وسار معه لويس الأول ملك المجر وتڤرتكو ملك البوسنة والأميرين الأفلاقيين باساراب ولايكو فلما وصل خبر تقدم التحالف الصليبي إلى آذان العثمانيين أمر السلطان مراد الأول قسما من الجيش أن يسير لملاقاتهم وعين البكلربك لاله شاهين باشا والحاج إفرينوس بك الرومي أميران على رأس الجيش ولم ير إفرينوس بك ضرورة لإنتظار السلطان مراد الأول ريثما يعود من حملته في آسيا الصغرى فتفاهم مع لاله شاهين باشا وقررا مجابهة العدو والقضاء عليه قبل عودة السلطان لا سيما وأن الصليبيين أصبحوا على مسافة كيلو مترات قليلة من إدرنه .


وإقترح أحد القادة العثمانيين المخضرمين وهو الحاج إيل بك البالقي أن يبادر العثمانيون بالهجوم ويأخذون الصليبيين على حين غرة فوافقه الأميران على ذلك وسار إيل بك إلى المعسكر الصليبي على شاطئ نهر مريݘ الواقع علي الحدود التركية اليونانية في الوقت الحاضر يرافقه عشرة آلاف جندى فباغت الصليبيين ليلا وأوقعهم في إرتباك كبير حتى أنهم قاتلوا بعضهم بعضا في الظلام دون أن يدركوا ما يحدث ولم يلبثوا إلا قليلا حتي ولوا الأدبار فحلت بهم الكارثة إذ غرق الآلاف منهم في نهر مريݘ بما فيهم الأميران الأفلاقيان ونجا لويس ملك المجر من الموت بأعجوبة وعندما إنقشع غبار المعركة وإنبلج نور الصباح إنكشف حجم المصيبة التي حلت بالتحالف إذ فقدوا كثيرا من الجنود والقادة فهبطت معنوياتهم وتبددت آمال القيصر الصربي والملك المجري في تحقيق نصر كبير وعرفت هذه المعركة الليلية في المصادر التركية بالطريق إلى الصرب أو حرب القضاء على الصرب لأنها أتاحت للعثمانيين فتح مقدونيا وإنتزاعها من أيدي الصرب ولم يلبث لاله شاهين باشا طويلا إلا وسار على رأس جيش يقدر بثمانمائة جندى لكي يتعقب من تبقى من الجيش الصليبي على شاطئ نهر مريݘ وإشتبك معهم في معركة ضارية عند بلدة شيرمن وتغلب عليهم وقتل منهم العديد وغرق آخرون مجددا لما حاولوا عبور النهر ولم يبق من الجيش إلا فئة قليلة جدا إستطاعت أن تنجو بنفسها وتعود إلى بلادها ومن هؤلاء كان ملك المجر لويس الأول الذي شيد كنيسةً بإسم السيدة مريم العذراء تعبيرا عن شكره لله عن نجاته من الموت بأعجوبة وذلك بمجرد عودته إلى بلاده ومما يذكر أن هذه المعركة كانت ضاريةً لدرجة أن الثرى كان مخضبا بِالدماء بشكل واضح كما أن نهر مريݘ تلون ماؤه باللون الأحمر نظرا لكثرة ما إحتواه من دماء القتلى وبعد ذلك فتح العثمانيون مدن سوزوپول ودرامة وقولة وسيروز وبذلك تم لهم السيطرة على أطراف إقليم تراقيا كما تم فتح إقليم مقدونيا ووصلوا إلى جنوبي بلغاريا وإلى شرقي بلاد الصرب وأصبحت بِالتالي جميع مدن وأملاك الإمبراطورية البيزنطية والقيصريتين البلغارية والصربية مهددة بالسقوط في أيدى المسلمين وكان من أهم نتائج هذه الإنتصارات التي تحققت في قارة أوروبا أن إبتهج العالم الإسلامي بأسره بها ونال مراد الأول لقب سلطان بصورة رسمية من الخليفة العباسي الشرفي المقيم بمدينة القاهرة عاصمة الدولة المملوكية أبو عبد الله محمد المتوكل على الله ليصبح بهذا أول حاكم من آل عثمان ينال هذا اللقب بعد أن كان والده أورخان غازى وجده عثمان غازى يحملون لقب أمير أو بك فقط وتجاوزا كان أن أطلق عليهم لقب السلطان فيما بعد كما خلع الخليفة العباسي على السلطان مراد الأول ألقابا تشريفية عديدة أُخرى تقديرا لما قدمه لِلإسلام وكانت هذه الألقاب هي سلطان الغزاة والمجاهدين وملك المشايخ والملك العادل وغياث الدنيا والدين وشهاب الدين غازي خنكار خداونكار وليث الإسلام وأبو الفتح وغياث المسلمين كما أدى هذا الإنتصار أيضا إلى تلقيب الجنويين للسلطان مراد الأول بالملك أمير الترك أما قيصر الصرب أسطفان أوروك الرأس المدبر لهذه الحملة الصليبية الفاشلة فقد إتهمه النبلاء والأعيان في بلاده بالضعف والتخاذل وتحاملوا عليه وإنتقدوه نقدا لاذعا بعد هزيمة مريچ فإنكفأ دوره السياسي وتوفي بعد بضعة أشهر دون أن يترك وريثا يخلفه في الحكم .

وبينما كان السلطان مراد الأول غائبا يحارب الصرب أشهر إبنه الشاهزادة صاووجي چلبي بك العصيان وأعلن تمرده على أبيه وكان في الرابعة عشر من عمره وقتها وفي الحقيقة فإن تمرد صاووجي كان يعد إمتدادا للصراع على العرش العثماني الذي دار بين المرشحين لِخلافة السلطان مراد الأول كما كان الأمر في الإمبراطورية البيزنطية في القسطنطينية ففي الأخيرة كان أندرونيقوس بن يوحنا الخامس يتنافس مع أخيه الأصغر عمانوئيل على العرش البيزنطي وقد إستغل أندرونيقوس ترك والده للقسطنطينية وخروجه إلى آسيا الصغرى وقام بتنفيذ مؤامرة أعلن نفسه فيها إمبراطورا وسرعان ما إنضم إلى عملية العصيان الشاهزادة صاووجي وأعلن نفسه حاكما بدلا من والده في الروملي وأمر بإقامة الخطبة بإسمه إلا أن السلطان مراد الأول تمكن من إنهاء هذا التمرد وتم القبض علي إبنه وسيق إلى والده الذى كان شديد التأثر بتمرد ولده وإنقلابه عليه وأمر بأن يعاقب عقابا صارما قيل فيه الكثير من الروايات والأشعار العثمانية وفي نفس الوقت زج أندرونيقوس بن يوحنا الخامس في السجن وأشرك الإمبراطور معه إبنه عمانوئيل في الحكم ومن جانب آخر فلما لم تحقق حملة أماديوس السادس الصليبية طموح الإمبراطور البيزنطي يوحنا الخامس لا سيما وأن الخطر العثماني ما يزال يحيط بالقسطنطينية ولأن البنادقة بدأوا يميلون إلى التفاهم مع السلطان مراد الأول حفاظا على مصالحهم التجارية مما دفعه إلى التوجه إلى إيطاليا في شهر المحرم عام 771 هجرية الموافق شهر أغسطس عام 1369م وأناب عنه في الحكم إبنه أندرونيقوس فإجتمع بِالبابا وقدم له فُروض الولاء والطاعة إمتثالا لأمره وتمادى حين تخلى عن مذهبه الأرثوذكسي وأعلن أنه كاثوليكي المذهب كما توصل إلى إتفاقٍ مناسب مع البنادقة لمنع تحالفهم مع مراد الأول فمنحهم جزيرة تينيدوس التي تهيمن على مدخل مضيق الدردنيل وعلى الرغم من أن الإقدام على تغيير المذهب كان ذا طابعٍ سياسي إلا أنه أثر تأثيرا سلبيا على الجبهة الداخلية بصفة عامة والأوساط الدينية بصفة خاصة بالإضافة إلى أثره على الأحداث التالية إذ أن نتيجته كانت زيادة الإنقسام والفشل في تلقي المساعدة بل إن صعوبات مالية حالت دون مغادرة الإمبراطور للبندقية وإضطر إبنه الثاني عمانوئيل إلى جمع المال اللازم وحمله بنفسه إلى البندقية وأعاد والده إلى القسطنطينية في يوم 17 من شهر ربيع الآخر عام 773 هجرية الموافق يوم 28 أكتوبر عام 1371م وإضطر الإمبراطور البيزنطي أمام الإندفاع العثماني في تراقيا وعدم تلقي أية مساعدة جدية من الغرب الأوروبي إلى التفاهم مع السلطان مراد الأول في عام 773 هجرية الموافق عام 1372م وإعترف به سيدا له وقبل بدفع الجزية وتقديم مساعدة عسكرية عند الحاجة وقد تجلى هذا التفاهم بين العاهلين بتعاونهما في قمع تمرد ولديهما صاووجي چلبي بن مراد وأندرونيقوس بن يوحنا الخامس اللذين طمعا في الحكم ويبدو أن جهود الإمبراطور البيزنطي في المحافظة على تفاهمه مع السلطان مراد الأول لم تنجح تماما وبفعل إستمرار النزاع الأُسرى في القسطنطينية الذى تطلع العاهل العثماني إلى إستغلاله لصالحه فقد ظل أندرونيقوس إبن الإمبراطور يشكل خطرا بفعل طموحه المتمثل في الإطاحة بوالده عن العرش وإعتلائه من بعده والذى هرب من سجنه ولجأ إلى الجنويين وإتصل من هناك بالسلطان مراد الأول طالبا منه المساعدة في الوثُوب إلى العرش البيزنطي مقابل بعض التنازلات .

وإستغل السلطان مراد الأول هذه الفرصة لزيادة شقة الخلاف في البلاط البيزنطي بما يصب في مصلحة الدولة العثمانية فأمد أندرونيقوس بقوة عسكرية مكنته من دخول العاصمة البيزنطية العتيدة القسطنطينية في يوم 29 من شهر ربيع الأول عام 778 هجرية الموافق يوم 2 من شهر أغسطس عام 1376م وبدخول أندرونيقوس القسطنطينية ألقى القبض على والده وأخويه عمانوئيل وتيودور وسجنهم وإعتلى العرش بإسم أندرونيقوس الرابع ورد مدينة كاليبولي إلى السلطان مراد الأول وبِذلك أضحى للعثمانيين موطئ قدم ثابت في أوروبا كما أضحى الإمبراطور البيزنطي تابعا لمراد الأول وهكذا تمكن السلطان مراد الأول بفضل سياسته السليمة من التصرف مجددا وفق المصلحة الإسلامية في أوروبا ولم يكن قد طرد منها مطلقا لكن هدفه الرئيسي كان قد أصبح الآن التوسع وإضافة أملاك جديدة إلي دولته لكي يصبح العاهل الوحيد في المنطقة إذ لم تمضِ ثلاثة أعوام على سجن الإمبراطور يوحنا الخامس وولديه حتى نجحوا في الهرب ولجأوا إلى السلطان مراد الأول وعقد معه يوحنا الخامس إتفاقية تعهد له فيها بِدفع جزية سنوية ضخمة وتقديم مساعدة عسكرية عند الحاجة وتنازل له عن مدينة فيلادلفية آخر الممتلكات البيزنطية في منطقة الأناضول مقابل مساعدته في إستعادة عرشه وتم الأمر فعلا على هذا الشكل وإضطر أندرونيقوس الرابع إلى اللجوء مجددا إلى حلفائه الجنويين وساهم بذلك السلطان مراد الأول في تفتيت وتمزيق الإمبراطورية البيزنطية من واقع إستغلال الصراع الأُسرى الدائر في القسطنطينية ففرض على تابعه البيزنطي أن يعترف بِأندرونيقوس الرابع وليا لعهده والتنازل له عن بعض المدن فتجزأت بذلك الإمبراطورية البيزنطية إلى إمارات صغيرة عديدة متفرقة وممزقة وبينها نزاعات فحكم الإمبراطور يوحنا الخامس القسطنطينية وأندرونيقوس الرابع الأراضي الواقعة على ضفاف بحر مرمرة وعمانوئيل في سالونيك ببلاد اليونان وتيودور في شبه جزيرة المورة بجنوب بلاد اليونان أيضا وكان من الواضح أن فشل الإمبراطور يوحنا الخامس في الحصول على مساعدة جدية من البابا والغرب الأوروبي قد دفعه إلى الدخول في طاعة السلطان مراد الأول وخاصة بعد إزدياد خطُورة الموقف الناتج عن تجدد النزاع الأُسرى علي العرش في العاصمة البيزنطية القسطنطينية بالإضافة إلى أن دول أوروبا الشرقية مثل صربيا وبلغاريا لم تتمكن من وقف التقدم العثماني المستمر منفردة بعد إحجام دول أوروبا الغربية المنهمكة بمشكلاتها ونزاعاتها عن تقديم العون والمساعدة للبيزنطيين وعجز البابا عن حشد جيوش دول الغرب في حملة صليبية جديدة مما جعل العثمانيين أسياد الموقف وأصحاب اليد العليا والقوة الأولي في المنطقة وهو الأمر الذى كان خطوة هامة في تحقيق حلم فتح القسطنطينية وسقوط الإمبراطورية البيزنطية إلي الأبد وإتخاذها عاصمة للدولة العثمانية .

ومع إزدياد قوة الدولة العثمانية ومن أجل مواجهتها إتحد في عام 1379م قيصر الصرب لازار بلينانوڤيچ الذي تربع على عرش المملكة بعد وفاة أسطفان أوروك مع يوحنا شيشمان قيصر البلغار على مقاتلة العثمانيين ومحاربتهم ودفعهم إلى الخلف وما أن علم السلطان مراد الأول بهذا الأمر حتى قام على رأس جيوشه وإجتاح بلغاريا بهدف فتح ما تيسر من حصونها وفض التحالف الصربي البلغارى وكانت باكورة فتوحات العثمانيين هي حصون سلسلة جبال رودوپس المنيعة والتي تقع في جنوب شرق أوروبا وتمتد أغلبها في بلغاريا وباقيها في اليونان فسارت فرقة من الجيش بقيادة داود باشا إلى قلعة راكوڤيتسا الصربية وضربت عليها الحصار فترة لكنها إمتنعت عليهم فشدد داود باشا الحصار عليها حتى إضطرت حاميتها إلى طلب الأمان فإستجاب لهم ففتحوا له أبواب القلعة ثم سار العثمانيون إلى حصن إتسپينة الإستراتيجي فحاصره داود باشا طيلة تسعة أشهر أبدى خلالها المقاومون بسالةً وشجاعة كبيرتين ونظرا لصعوبة تضاريس المنطقة والخوف من إمتداد الحصار لأكثر من هذا وحلول فصل الشتاء بثلوجه وبرده القارس في تلك المنطقة مما يحتمل معه هلاك الكثير من الجنود وإنفصالهم عن الجيش الرئيسي بِسبب إنقطاع مسالك الجبل أقدم داود باشا على سد الينابيع التي تزود الحصن بالمياه فلم يكن أمام حاميته من طريقٍ للخلاص سوى الإستسلام ففتحوا الأبواب للمسلمين وأمنهم داود باشا على أموالهم وأنفسهم ومقدساتهم وبعد ذلك سقطت قلعة باطكون بيد العثمانيين وقتل قائدها جرجير في الهجوم النهائي عليها ثمّ تلتها مدينة إستانيماكا وهكذا تتابع سقوط الحصون والقلاع البلغاريَة بيد المسلمين رغم المقاومة العنيفة التي أبداها البلغار وأصبح الطريق ممهدا أمام العثمانيين نحو مدينة صوفيا الهامة وأُصيب يوحنا شيشمان بالهلع لما أدرك أن سقوط صوفيا أصبح قاب قوسين أو أدنى وأدرك أن تحالفه مع القيصر الصربي لن يأتي بالنتائج المرجوة فمال إلى التفاهم مع السلطان مراد الأول لكنه لم يتمكن من ذلك بسبب إستغلال أخيه يوحنا سراتسيمير للصراع الدائر حيث تحصن في صوفيا وإتخذها لنفسه فإضطر يوحنا شيشمان إلى مقاتلة أخيه وإسترجاع المدينة منه ثم طلب المعونة من أمير دبروجة التي تقع في جنوب شرق رومانيا وشمال شرق بلغاريا حاليا المدعو دبروتيتسا ليعاونه على دفع العثمانيين بعيدا عن صوفيا لأنهم لو أخذوها يخشى بعدها على سقوط العاصمة ترنوڤو التي تقع شمال بلغاريا قرب الحدود البلغارية الرومانية حاليا بيدهم كما أنهم بسيطرتهم عليها سيتحكمون في جميع الطرق الواصلة ما بين بلاد الصرب ومقدونيا لكن الأمير سالف الذكر كان منشغلا بمحاربة الجنويين وببعض الأُمور السياسية مع إمبراطورية طرابزون الرومية التي كان يحاول فرض تعيين صهره على عرشها والتي ضمت أراضي الركن الشمالي الغربي الأقصى من الأناضول وشبه جزيرة القرم الجنوبية وأمام هذا الواقع كان على القيصر البلغاري التصدي للعثمانيين بمفرده وما أن حل عام 1381م حتى سار السلطان مراد الأول على رأس جيشه لفتح صوفيا وما جاورها من بلاد في القسم الجنوبي الغربي من قيصرية ترنوڤو فإشتبك مع الجيش البلغاري في وادي زلاتیتسا وألحق بهم هزيمةً فادحة ثم سار البكلربك لاله شاهين باشا على رأس مقدمة الجيش إلى صوفيا وضرب الحصار عليها وبلغ تعداد الحامية البلغارية في المدينة نحو 15 ألف جندي يساعدهم 4 آلاف جندي صربي أرسلهم لازار بلينانوڤيچ دوق المنطقة التي تشمل حاليا صربيا الوسطى وكان قائدهم عسكرى بلغاري عرف بإسم البان يانوقا أما الجيش العثماني فبلغ تعداده عشرة آلاف جندي ودام حصار المسلمين لصوفيا ثلاث سنوات تمكنت خلالها حامية المدينة من الصمود في ِوجه العثمانيين حتى تسرب اليأس إلى قلب لاله شاهين باشا وقرر رفع الحصار والعودة إلى إدرنه لولا أن قام أحد سكان المدينة الذي إعتنق الإسلام بالقبض على البان يانوقا عندما خرج من المدينة ليصطاد وسار به إلى المعسكر العثماني حيث سلمه للاله شاهين باشا فإصطحبه الأخير معه إلى أسوار المدينة ليراه الجنود المحاصرين ولما رأى هؤلاء أن قائدهم قد تم أسره إستسلموا وفتحوا أبواب المدينة للعثمانيين نتيجة هذا الإنتصار تحقق لكل من قيصر الصرب وقيصر البلغار أنهما عاجزان عن مكافحة العساكر الإسلامية فأبرما الصلح مع السلطان مراد الأول على أن يتزوج السلطان شقيقة القيصر البلغاري وعلى أن يدفع له القيصران خراجا سنويا معينا وبهذا تم ضم صوفيا وقسم من بلغاريا إلى الدولة العثمانية وأخذت تكتسي بالكسوة الإسلامية تدريجيا .
 
 
الصور :
جانب من معركة كوسوفو