السبت , 7 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

السلطان مراد الأول
-ج3-

السلطان مراد الأول
-ج3-
عدد : 06-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”


ولنترك مؤقتا الجانب الأوروبي ونلقي نظرة علي منطقة الأناضول حيث كانت الإمارات التركمانية في هذه المنطقة قد ضعفت وإضمحلت وإختفى تأثيرها السياسي تماما تقريبا عندما إتسعت الدولة العثمانية وتحولت إلى قوة إقليمية كبرى تقارع الممالك والإمارات المسيحية في قارة أوروبا والإمبراطورية البيزنطية وكان من أسباب إنقسام وضعف الإمارات التركمانية أن النمو العثماني كان قد جردها من طاقاتها البشرية الحية بإستقطاب المقاتلين والعلماء الذين أغرتهم المناصب التي أتاحتها لهم الحاجات الإدارية للدولة الناشئة ومن ثم فقدت الإمارات التركمانية والتي كانت قد تكونت بعد إضمحلال قوة سلطنة سلاجقة الروم جانب كبير من مبرر وجودها ومالت إلى التحالف مع العثمانيين وهكذا تحالف السلطان مراد الأول مع أمير إمارة كرميان بغرب تركيا سليمان چلبي الكرمياني الذي زوج إبنته للشاهزاده بايزيد بن السلطان مراد الأول وكانت مدينة كوتاهية عاصمة الإمارة مهرا لهما كما تنازل له عن بعض المدن منها إزمير وأجبر مراد الأول أمير الحميد على التنازل له عن بلاده وكانت هذه الإمارة تحكم منطقة حول إغرديد وإسبرطة في الجنوب الغربي للاناضول في منطقة بسيديا لقاء ثمن رمزى قدره 80 ألف قطعة ذهبية وضمها إلي الأملاك العثمانبة وكان من تلك البلاد آق شهر وبك شهري وسيدي شهري ويالواج وشرقي قره‌ آغاج كما هاجم السلطان العثماني إمارة تكه وضم قسما من أراضيها بإعتراف أميرها عثمان چلبي وفي العام التالي إعترفت أيضا إمارة جندرلي التي تقع شمالي تركيا بالسيادة العثمانية وأعقب هؤلاء إعتراف أمير إمارة أماسية بالسيادة العثمانية في عام 1385م وهي تقع أيضا شمالي تركيا في منطقة البحر الأسود وبذلك تمكن السلطان مراد الأول من ضم الكثير من ممتلكات الإمارات التركمانية إلي دولته ولم يبق أمامه من الإمارات الكبيرة إلا إمارة القرمان التي تقع جنوبي الأناضول وخشي أميرها علاء الدين بن علي الداماد من نمو الدولة العثمانية وإمتداد أركان ملكها يوما بعد يوم وخضوع جيرانه المسلمين لها الواحد تلو الآخر وعلم أنه سيفقد إستقلاله لصالحها عاجلا أم آجلا إن لم يتدارك الأمر لذلك حاول القرمانيون إنشاء حلف مع الإمارات التركمانية الأُخرى التي لم تخضع بعد للعثمانيين للتصدي لهم وفي الواقع كان الأمير علاء الدين يعمل على إثارة حمية الأُمراء المستقلين وتحريضهم على قتال العثمانيين مند أن إنتقل الملك من السلطان أورخان غازى إلي إبنه وخليفته السلطان مراد الأول إلا أنه فشل فشلا ذريعا في خلق تكتل مناهض له وذلك بفعل إقدامه على التوسع على حسابهم مما دفع هؤلاء للإعراض عنه وإلى إلتماس العون والمساعدة من الدولة العثمانية وعلي الرغم من أن بني جندرلي وبني قرمان صاهروا العثمانيين وإرتبطوا معهم بروابط مصاهرة وقرابة متينة لكنهم كانوا بعيدين كل البعدعن فكرة الموافقة على إحداث وحدة أناضولية لصالح العثمانيين ولما خضع الجندرليين لهم وتعنت الأمير القرماني وظهر سوء نيته للسلطان العثماني لم يعد هناك مجال لتفادي القتال وفي هذا الجو أُضرمت نار أول حرب عثمانية قرمانية ما بين عام 1386م وعام 1387م وكانت إمارة قرمان تعتمد على مملكة قبرص اللاتينية وعلى السلطنة المملوكية التي كانت تحكم مصر والشام آنذاك والتي إدعت إمارة قرمان أنها تحت سيادتها وعندما عقدت معاهدة صداقة بين السلطانين العثماني مراد الأول والمملوكي الملك الظاهر سيف الدين برقوق في عام 1386م حرمت الإمارة القرمانية من المساندة المملوكية ورغم ذلك تجاسر الأمير علاء الدين على إحتلال مدينة بك شهري التي أخذها من إمارة الحميد العثمانية وأمام هذا التحدي نهض السلطان مراد الأول لقتال علاء الدين وسار إلى القرمان على رأس جيش بلغ تعداده 70 ألف جندي وبمناورة عسكرية بارعة أجراها ولي عهده الشاهزاده بايزيد والتي أكسبته لقب يلدرم أي البرق أو الصاعقة إنهزم القرمانيين بِسرعة فائقة وتشتت جيشهم فولوا الأدبار هاربين ونتج عن هذه الهزيمة أن سيطر العثمانيون على مدينة أنقرة عاصمة القرمانيين بِالإضافة لبعض القلاع والحصون مما دفع الأمير القرماني إلى طلب الصلح ليحفظ ما تبقى من إمارته حتى أنه ذهب بنفسه إلى السلطان مراد الأول وقبل يده إعتذارا عما بدر منه وقبل منه السلطان مراد الأول ذلك وزوجه إبنته نفيسة ملك سلطان خاتون كنوع من تقوية وتأكيد عرى التحالف والصداقة بينهما والواقع أن السلطان مراد الأول لم يكن يرغب في زج نفسه في قضايا ونزاعات منطقة الأناضول الوسطى لكي يتفرغ للفتوحات والتوسع داخل القارة الأوروبية وكان يعلم أن عامة المسلمين في بلاد الأناضول يتطلعون إليه كحام للإسلام والمسلمين وأن قلوبهم معه وليست مع أُمرائهم وكان يعلم أن كل إنتصار يحرزه في البلقان سيكون السبب الرئيسي في إنضمام إمارة جديدة في الأناضول إلى العثمانيين دون قتال ولولا فتنة الأمير القرماني ما كان لينقل ميدان الحرب مؤقتا من قارة أوروبا إلى قارة آسيا ومن ثم فبعد ضم إمارة القرمانيين إلي ملكه يمم وجهه شطر الغرب مجددا .

وتنص بعض المصادر الغربية على أن الجيش العثماني عندما هاجم مدينة أنقرة عاصمة القرمانيين كان يضم بعض الوحدات العسكرية الصربية من الإمارات والإقطاعيات الصغيرة التي فتحها العثمانيون في مقدونيا وأطراف بلاد الصرب حيث شارك هؤلاء الأُمراء والإقطاعيون في ِالمعركة مع السلطان مراد الأول على أمل الحصول على ما تيسر من الغنائم لكن لما تم النصر على القرمانيين أصدر السلطان مراد الأول أوامره بمنع الإعتداء على اى فرد منهم وعدم التعرض لأحد في نفسه وممتلكاته فلم يستجب الجنود الصربيون وقادتهم لهذا الأمر وإنقضوا على المدنيين العزل وصادروا بعض ممتلكاتهم وتعرضوا لآخرين بالإيذاء ولما علم السلطان بما جرى أمر بالقبض على هؤلاء جميعا وحكم عليهم بالإعدام نظير جرائمهم ليكونوا عبرة للآخرين وكنتيجة لتنفيذ هذه العقوبة التي أنزلها السلطان مراد بالصربيين أن أعلن أغلب أُمرائهم وسادتهم التابعين لِلدولة العثمانية التمرد والعصيان وراسلوا القيصر لازار بلينانوڤيچ دوق بلغاريا الوسطي معلنين دخولهم في طاعته ووقوفهم إلى جانبه ضد العثمانيين وحثوه على قتالهم مجددا ووفقا لما تنص عليه المصادر فإن أميرا صربيا وحيدا من مدينة إشقودرة بشمال غرب ألبانيا حاليا راسل السلطان مراد معلنا دخوله في طاعته وعدم خضوعه لأبناء ملته بشرط أن يرسل إليه السلطان جيشا ليحميه من أى هجوم محتمل من الإمارات المجاورة التي باتت تنظر إليه كخائن وعميل للعثمانيين وبناءا على هذا أمر السلطان مراد قائد فرقة الفرسان الخفيفة المعروفة بإسم الآقنجية قوله شاهين بك أن يجهِز عساكره ويسير إلى إشقودرة لنصرة الأمير سالف الذكر وصد أى هجوم محتمل على بلاده هذا وتشير مصادر أُخرى إلى أن قائد هذه الحملة كان البكلربك لاله شاهين باشا وليس قوله شاهين وعموما فقد سار الجيش العثماني والذى وصل عدده إلي 20 ألف جندي حتي وصل إشقودرة وهناك وصلته معلومات تفيد بأن الصربيين إحتشدوا وخرجوا إليه يطلبون القتال فتقدم إلى قرية پلوشنيك المجاورة لبلدة پروکوپلیه في جنوب بلاد الصرب منتظرا وصولهم وهناك شق قسم من الجنود عدده حوالي 18 الف جندي عصا الطاعة وفق المصادر الغربية وإنشغلوا بسلب ونهب القرى فلم يبقَ مع قائد الجيش سوى حوالي ألفين جندي ظلوا صامدين في مواقعهم وعلم الصربيون ما حل بالمعسكر العثماني بِواسطة عيونهم فساروا بجيش قوامه 30 ألف جندي أغلبهم من الفرسان المدرعين بالدروع الثقيلة وهاجموا قلب الجيش العثماني مباشرة فصمد العثمانيون لفترة لكنهم لم يتمكنوا من دفعهم إلى الخلف فإضطروا إلى الإنسحاب ثم حول الصربيون إنتباههم إلى الآقنجية المشتتين في القرى فهاجموهم وفتكوا بِأغلبهم وفقد الجيش العثماني المشارك في هذه المعركة حوالي 60% من جنوده وتقول الروايات الصربية أن البطل القومي ميلوش كوبلوڤيچ قاتل السلطان مراد مستقبلا كان من المشاركين في هذه المعركة وأنه أُصيب أثناء القتال بسهم عثماني ويقول بعض المؤرخين مثل المؤرخ الكرواتي ڤيكوسلاڤ كاليچ إن قوات بوسنية قد ساندت الجيش الصربي في هذه المعركة وأنه لولا مساندة تلك القوات ما كانت الصرب لتنتصر على العثمانيين وفي المقابل يقول المؤرخ العثماني محمد نشري إن هذه المعركة لم تقع على الإطلاق وأن ما قيل عنها مجرد كلام إبتدعه الغربيون لا صحة له علي الإطلاق وفي الواقع فإن القيصر الصربي كان يخشى الدخول في حرب مع العثمانيين لأنهم كانوا قد فتحوا مدينة نيش بجنوب صربيا والتي تعد ثالث أهم مدن بلاد الصرب مما إضطره إلى إسترضاء السلطان مراد الأول ووافق على دفع جزية ضخمة له وبأن يدخل في تبعيته وأن يقدم ألف جندي صربي يضعهم تحت تصرفه ويأتمرون بأمره .

وفي إقليم سالونيك بشمال اليونان سعى الأمير البيزنطي عمانوئيل بن يوحنا صاحب الإقلبم المشار إليه إلى نقض علاقة التبعية بالسلطان مراد الأول مما دفع هذا الأخير إلى مهاجمة الإقليم المذكور في عام 789 هجرية الموافق عام 1387م فأضحى عمانوئيل في وضعٍ غاية في السوء وبفضل وعي سكان الإقليم الذين كانوا يكنون الكراهية والبغضاء له إستسلمت المدينة في يوم 19 ربيع الأول عام 789 هجرية الموافق يوم 9 أبريل عام 1387م وفر عمانوئيل منها وحاول اللجوء إلى أصدقائه لكن أحدا لم يستقبله بما في ذلك والده الإمبراطور البيزنطي في القسطنطينية الذي عد موقف إبنه المعادي للعثمانيين يتعارض مع سياسته وأنه قد تسبب في فقدان سالونيك ثاني مدن الإمبراطورية هذا وكان فتح المدينة علي يد الصدر الأعظم قره‌ خليل خير الدين باشا الجندرلي الذي إشتهر بخبراته وكفاءته العسكرية العالية وإضطر أُمراء تساليا بشمالي اليونان بعد فتح سالونيك إلى الإعتراف بسلطة العثمانيين الذين أضحت ممتلكاتهم تجاور أراضي الدوق نيربو الأول والد زوجة تيودور وحليفه حاكم أثينية اللاتيني وهي مدينة أثينا عاصمة اليونان حاليا ولم يعد أمام هذا الأخير سوى الخضوع لسلطة السلطان مراد الأول الذي ثبته في إمارة المورة وإستغل السلطان مراد الأول وفي هذا الوقت كانت الأوضاع القلقة التي باتت عليها الإمبراطورية البيزنطية ودول البلقان قد شجعت السلطان مراد الأول علي التقدم في إتجاه غربي هذه المنطقة ونجح في فتح عدة مدن وبلدات هامة بإقليم مقدونيا اليوناني كان من أبرزها مناسطر وپرلپة وأستيپ وكوريجه وأوهري ودبره وتابع العثمانيون تقدمهم في المنطقة ففتحوا في عام 788 هجرية الموافق عام 1386م مدينة نيش الصربية الإستراتيجية والتي جاء ذكرها في السطور السابقة فإستنفر قيصر البلغار يوحنا شيشمان إزاء هذا التقدم في بلاده وتأهب للإنضمام إلى قيصر الصرب لازار مرة أُخرى لكن السلطان مراد الأول إستدرك الأمر قبل حدوثه فأرسل جيشا بِقيادة الصدر الأعظم قره ‌خليل باشا الجندرلي فاجأ جيوش البلغار وهزمهم شر هزيمة ثم تقدم حتى فتح مدينة ترنوڤو عاصمة الممالك البلغارية بالإضافة إلى مدينة شوملة الواقعة إلى شمالها وإضطر شيشمان أمام هذه المستجدات أن يترك بلاده ويحتمي في مدينة نيقوپوليس والتي تقع علي الضفة اليمني الجنوبية لنهر الدانوب عام 790 هجرية الموافق عام 1388م وتابع السلطان مراد الأول زحفه في غضون ذلك ففتح مدائن لوفجة وبلونة وزشتوڤي ورسجك وتتراكان وسليسترة وفي غضون ذلك كان شيشمان قد جمع شمل ما بقي من جيوشه داخل نيقوپوليس ثم خرج يريد محاربة العثمانيين ثانيةً فهاجم الجيوش الإسلامية مهاجمةً يائسة لم تقم له بعدها قائمة فهزمه الصدر الأعظم هزيمةً قاسية وأسره وسار به إلى السلطان مراد الأول الذي عطف عليه وأكرمه إحتراما للقرابة التي تجمع بينهما إذ كان السلطان قد صاهره كما ذكرنا في السطور السابقة وإعترف به حاكما شبه مستقل على نصف بلاده ورتب له ما يقوم بمعاشه مراعيا في ذلك مقامهُ السابق وضم النصف الآخر من بلغاريا إلى الدولة العثمانية وكنتيجة للإنتصارات العثمانية المتتالية إمتدت الحدود الإسلامية في منطقة البلقان إلى نهر الدانوب شمالا وإلى آتيكة جنوبا وغربا إلى حدود الألبان الأرناؤوط وفي الشمال الغربي إلى البوسنة وبذلك شكل التقدم العثماني الناجح تهديدا مباشرا لدولة الصرب بزعامة القيصر لازار فخشي على نفسه بعد خسارة حليفه شيشمان وكي لا يخاطر بعساكره وبلاده أثار حليفه ملك البوسنة تڤرتكو على العثمانيين فأمر الأخير بِإرسال جيش بلغ تعداده سبعة آلاف جندى بقيادة الدوق ڤلاتكو ڤوكوڤيچ لحربهم ولما وصلت أنباء هذا الجيش للسلطان مراد الأول أمر البكلربك لاله شاهين باشا بالسير سريعا للقاءه على رأس جيش قوامه 18 ألف جندى وتقابل الجمعان على مقربة من قرية بيلكة ببلاد البوسنة وإشتبكا في قتال عنيف يوم 24 شعبان عام 790 هجرية الموافق يوم 27 أغسطس عام 1388م أسفر عن هزيمة وتراجع العثمانيين مما إضطرهم إلي الانسحاب من الميدان دون أن تتكبد القوات البوسنية أي خسائر تذكر وكان ذلك سببا في تأخر تقدم العثمانيين ببلاد البوسنة لسنين طويلة .

وكان لهذه المعركة أيضا أثر بارز في ذلك الوقت في بلاد البلقان إذ ألهبت الشعور الوطني والديني المسيحي في هذه المنطقة حيث أنها أظهرت إمكانية هزيمة العثمانيين ومن ثم فقد قام الصربيون والبوسنيون بمحاولة تنظيم حملة صليبية جديدة للقضاء على المسلمين نهائيا هذه المرة وطردهم من قارة أوروبا وعليه فقد نقض القيصر الصربي لازار بلينانوڤيچ عهد التبعية للعثمانيين وتحالف مع البجناكية في البانيا وإستقطب تڤرتكو ملك البوسنة ودخل يوحنا شيشمان قيصر البلغار في هذا التحالف بعد أن رفض إعلان ولائه للسلطان مراد الأول كما شارك في هذه الحملة كل من أمراء المجر وبولونيا والأفلاق والبغدان بوحداتهم إلى جانب فُرسان الإسبتارية وهم فرقة عسكرية صليبية كان مقرها جزيرة رودس وكان يقودها حينذاك فارس كرواتي يدعى يوحنا الپاليسياوي وحدث في تلك الفترة أن توفي القائد الذى أرق أعين الأوروپيين البكلربك لاله شاهين باشا فشد ذلك من عضد الحلفاء وقويت عزيمتهم وزادت ثقتهم بإمكانية تحقيق النصر علي العثمانيين غير أن السلطان مراد الأول سرعان ما عين قائدا جديدا بدلا من لاله شاهين باشا لا يقل عنه كفاءة وإقتدار وإشتهر بين أقرانه بالحنكة والكفاءة العسكرية هو تيمورطاش باشا وأرسلهُ برفقة الصدر الأعظم قره‌ خليل باشا الجندرلي إلى الأراضي البلغارية فإخترقاها وفتحا العديد من الحصون بحيث إضطر شيشمان إلى الخروج من التحالف الصليبي إتقاءا لغضب السلطان مراد الأول وقبل بدفع الجزية وتنازل عن مدينة سليسترة بشمال شرق بلغاريا ولما علم لازار قيصر الصرب بتراجع رفيقه قيصر البلغار مال بجيوشه قليلا جهة الغرب للإنضمام إلى أُمراء الأرناؤوط الألبان فلاحقه السلطان مراد الأول بجيوشه حتى تقابل الجمعان في سهل كوسوڤو بِإمارة برانكوڤيچ الصربية ووفقا للموسوعة اليوغوسلاڤية بنسختها الصادرة عام 1972م كان عدد المقاتلين تحت إمرة لازار يتراوح بين 12 إلي 15 ألف جندي كما كان هناك ما بين 5 إلي 10 آلاف أخرين بقيادة صهره الأمير ڤوك برانكوڤيچ ومثلهم تقريبا بِقيادة الدوق ڤلاتكو ڤوكوڤيچ المرسلين من قِبل الملك البوسني تڤرتكو الأول إلى جانب فُرسان الإسبتارية وفي المقابل تراوح عدد الجيش العثماني ما بين 27 إلي 40 ألف جندى منهم قُرابة ألفين جندي من جيش الإنكشارية والفين وخمسمائة فارس سلطاني من الحرس الخاص بالسلطان وعدد ستة آلاف فارس سباهي أي من سلاح الفرسان الثقيل الرئيسي وعدد عشرين ألف عزبي واقنجي أي من المشاة ومن سلاح الفرسان الخفيف وعدد ثمانية آلاف جندي من الإمارات المسيحية التابعة للدولة العثمانية وذكرت إحدى الروايات التاريخية علي أن السلطان مراد الأول قد تقدم بمن معه وضرب معسكره غير بعيد عن معسكر العدو وقضى الرجال اليوم السابق على المعركة في إستكمال عدتهم وفي التدريب علي القتال وفي الليل أقاموا الصلوات والإبتهالات وإستمعوا إلي القرآن الكريم إلى ما بعد منتصف الليل ثم ناموا وقال شاعر تركي فيما بعد أن السلطان مراد الأول رأى الرسول محمد صلي الله عليه وسلم في المنام وكان يناوله غصن شجرة مورق قائلا له تقدم يا مراد فسيفتح الله عليك البلاد بهذا السيف الذى كان سيف عمي حمزة بن عبد المطلب الشهيد .


وفي الصباح إنتظمت صفوف العساكر إستعدادا للقتال وتولى السلطان مراد الأول قيادة الجيش العثماني بنفسه وولى إبنه بايزيد إمارة الميمنة وإبنه الآخر يعقوب إمارة الميسرة وإصطف حوالي ألف نبال من الرماة المهرة على كل جانب من جانبي الجيش يعاونهم قوات العزب والآقنجية وفي قلب الجيش وقفت فرقة الإنكشارية وخلفها كان السلطان تحيط به الفرسان وفي الخلفية وقفت عربات المؤن تحرسها طائفةٌ قليلة العدد من الجنود وعلى الجانب الآخر وقف القيصر لازار في قلب الجيش فيما تولى صهره ڤوك قيادة الميمنة وڤلاتكو قيادة الميسرة وإصطف الخيالة المدرعون في مقدمة الجيش والخيالة النبالون علي جانبيه بينما إصطفَّ المشاة في الخلف وهناك إختلاف بين المصادر العثمانية والصربية في وصف كيفية إنطلاق المعركة لكن من المعروف أنها إندلعت في يوم 19 جمادى الآخرة عام 791 هجرية الموافق يوم 12 يونيو عام 1389م ويعتقد بأن العثمانيين كانوا المبادرين بالهجوم حيث أطلق النبالون سهامهم في إتجاه خيالة الصرب الذين إتخذوا تشكيلة الإسفين وإنقضوا على الجناح الأيسر للجيش العثماني بِقيادة الشاهزاده يعقوب چلبي فهزموه وأجبروا أفراده على الفرار من المعركة لكنهم عجزوا عن إختراق قلب الجيش والجناح الأيمن ولما توقف هجوم الفرسان الصليبيين المدرعين إنقلبت الآية ومالت الكفة لصالح العثمانيين ذلك أن الدروع الثقيلة للفرسان والخيول أصبحت عقبة أمامهم فلم يتمكنوا من المناورة والتحرك بسلاسة عكس المشاة والفرسان العثمانيين الذين كانوا يرتدون الملابس الخفيفة فهاجم الشاهزاده بايزيد الصربيين بقوة وكبدهم خسائر فادحة وتشير المصادر التاريخية إلى أن ڤوك برانكوڤيچ صهر القيصر الصربي لما تبين له أن المعركة خاسرة وأن العثمانيين أكثر كفاءة وأفضل تجهيزا من الصليبيين فر ومعه عشرة آلاف فارس وإلتحق بِجيش المسلمين فدارت الدائرة على الصربيين وأخذوا يتساقطون أمام الضربات العثمانية المتتالية فخسروا عددا كبيرا من الجنود ثم إنسحب البوسنيون من الميدان بعد أن يأسوا من إحراز النصر وجرح القيصر لازار ووقع أسيرا في يد العثمانيين مع عدد من نبلائه ودامت هذه الواقعة المهمة 8 ساعات وبإنتهائها زال إستقلال الصرب تماما وتزلزلت أوروبا زلزلةً كبرى لهول الهزيمة بحيث بقي ذكر هذه المعركة شهيرا في القارة العجوز بِأسرها طيلة قرون عديدة وبعد تمام النصر كان السلطان مراد الأول يتجول في ميدان المعركة متفقدا ساحتها والقتلى والجرحى وفي إحدى الروايات أنه كان يبحث عن الناجين لإسعافهم أو المحتضرين لِإسقائهم شربة ماء قبل أن يلفظوا النفس الأخير فإنقض عليه جندي صربي يدعى ميلوش كوبلوڤيچ الذى جاء ذكره في السطور السابقة كان يتظاهر بالموت وفاجأه بطعنة قاتلة من خنجره المسموم أودت بحياته بعد وقت قصير وسقط السلطان العظيم جريحا كما سقط القاتل قتيلا تحت سيوف الإنكشارية وحرس السلطان الذين إنقضوا عليه وأردوه قتيلا في الحال وفي رواية أخرى أن ميلوش هذا قام من بين الجثث وإقترب من السلطان مراد الأول منحنيا بدعوى أن لديه ما يريد عرضه عليه وفي رواية فريدون بك من أثره المسمى منشآت السلاطين أن ميلوش تظاهر بأنه أراد أن يعلن إسلامه على يدى السلطان وعند ذلك أشار الأخير للحرس أن يطلقوه فتظاهر بِأنه يريد تقبيل يد السلطان وقام في حركة سريعة بِإخراج خنجره المسموم وطعن به السلطان الذى سقط جريحا بينما إنقض عليه الإنكشارية والحرس على الفور بسيوفهم وأردوه قتيلا .


كانت جراح السلطان مر اد الأول خطيرة ولم يمكث طويلا علي قيد الحياة بعد طعنه وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة وكان إبنه الشاهزادة بايزيد قد ثارت ثائرته فأمر بدايةً بقتل الأسرى الصليبيين ثأرا له لكن السلطان مراد رفض ذلك رفضا قاطعا وقال لقادته وإبنيه لا تعذبوا الأسرى ولا تؤذوهم ولا تسلبوهم فإن النبي محمد ﷺ قال لأَصحابه في أسرى بني قُريظَة أَحسنوا إسارهم وقيلوهم َ وأسقوهم حتي يبردوا ولم تدم معاناة السلطان مراد طويلا حيث أسلم الروح بعد وقت قصير بعد أن أوصى بولاية العهد إلى إبنه بايزيد وودع جيشه في بضع جمل فقال لا يسعني حين رحيلي إلا أن أشكر الله إنه علام الغيوب المتقبل دعاء الفقير أشهد أن لا إله إلا الله وليس يستحق الشكر والثناء إلا هو وأشهد أن محمدا عبده ورسوله لقد أوشكت حياتي على النهاية ورأيت نصر جند الإسلام أطيعوا إبني بايزيد ولا تعذبوا الأسرى ولا تؤذوهم ولا تسلبوهم وأودعكم منذ هذه اللحظة وأُودع جيشنا الظافر العظيم إلى رحمة الله فهو الذي يحفظ دولتنا من كل سوء.


وتنفيذا لوصية السلطان مراد الأول عفا بايزيد عن جميع الأسرى بإستثناء القيصر لازار ونبلائه الذين أمر بإعدامهم فأُعدموا على الفور وإستخرجت أحشاء السلطان مراد الأول ودفنت في سهل كوسوفو كي لا يصاب جثمانه بالتلف أثناء رحلة العودة الطويلة إلى مدينة بورصة لدفنه بِجانب أبيه أورخان غازى وجده عثمان غازى وبني ضريح فوق الموضع الذي دفنت فيه الأحشاء عرف منذ ذلك الحين بإسم مشهد خداونكار وما يزال هذا الضريح موجودا حتي اليوم وله أهمية تاريخية وثقافية وحضارية لدى مسلمي البلقان حتي الوقت الحاضر أما الجثمان فنقل إلى مدينة بورصة حيث وري الثرى إلى جانب أبيه وجده ومن توفي من أُمراء آل عثمان وقد حققت معركة كوسوفو للعثمانيين مكاسب آنية ومستقبلية فمن حيث المكاسب الآنية فقد سقط مركز المقاومة في شرقي أوروبا ضد المسلمين وخلت المناطق الواقعة في جنوبيّ نهر الدانوب من أي قوى عسكرية يمكنها التصدي للعثمانيين بإستثناء المجر وزال إستقلال الصرب وتحولت القيصرية الصربية إلى إقطاعٍ عسكرى إذ أن أسطفان بن لازار الذي خلف والده تفاهم مع السلطان الجديد بايزيد الأول ووافق على دفع الجزية والخدمة في القوات العثمانية كما تعززت فُرص العثمانيين في السيطرة علي كامل منطقة البلقان حيث أن هذه المعركة قد فتحت الطريق عبر شمال بلاد الصرب أمام العثمانيين وأضحت الظروف مواتية والطريق ممهدا للتقدم نحو ألبانيا والبوسنة ومن ثم بدأت موازين القوى تميل بشكل ملحوظ لصالح العثمانيين ومن حيث المكاسب المستقبلية فقد شكلت معركة كوسوفو بداية التحولات المهمة التي طرأت على التركيب العرقي والإجتماعي والسياسي والثقافي والإقتصادي في المنطقة حيث إصطبغت هذه المناطق المفتوحة بالصبغة الإسلامية الشرقية وبدأ السكان يتحولون إلى الإسلام لما رأوا المعاملة الحسنة الطيبة من جانب العثمانيين وحكامهم وعدم إجبارهم علي الدخول في الإسلام والسماح لهم بممارسة شعائرهم وصلواتهم في كنائسهم وعدم التفرقة بينهم وبين المسلمين في الحقوق والواجبات كما دخل البعض منهم في الإسلام هربا من قهر الأُمراء الإقطاعيين ومضايقة الكنيسة الكاثوليكية أو بفعل أن العناصر المحلية شاءت أن تشارك في الإدارة العثمانية وتقلد المناصب الهامة لتدعم مواقعها الداخلية .


وفي النهاية لا نملك سوى الدعاء بالرحمة للسلطان الشهيد مراد الأول وجزاه الله خيرا علي كل ما قدمه للأمة الإسلامية ولا يفوتنا أن نذكر بعض الصفات والسمات الشخصية له حيث تصف المصادر العثمانية السلطان مراد الأول بأنه كان شخصا مربوع القامة وطويل الرقبة ومستدير الوجه وكبير الأنف بحيث شبهت أنفه بِكبش الدك كما كان واسع العينين وعاقد الحاجبين الكثين وحاد النظرات وكبير الأسنان المتباعدة وعريض الصدر ولم تكن لحيته طويلة ولا قصيرة أما أصابعه فكانت طويلة وغليظة وقوية جدا ومتباعدة عن بعضها البعض وكان صوته جهوريا قويا في الحروب ويسمع من مسافة بعيدة وعلاوة علي ذلك تبرز المصادر العثمانية الجانب الخير والعادل للسلطان مراد الأول أما بعض المصادر الغربية فتصفه بأنه كان قليل الكلام وأن عباراته كانت تتسم بالجمال علي الرغم من قلتها وأنه كان حاكم خير وصياد ماهر لا يعرف التعب شأنه شأن الكثير من السلاطين العثمانيين ويصف المؤرخ العثماني محمد نشري حبه للصيد بقوله إنه كان يحب الصيد كثيرا ولديه كلاب صيد ذات سلاسل ذهبية وفضية كما كانت صقوره هكذا أيضا وعلاوة علي ذلك فقد كان فارس شهم ويصفه المؤرخ البغداني ديمتري قانتمير بأنه كان رمزا للإستقامة وأنه كان ذو إرادة فولاذية وكان أيضا متدينا يؤدى فروض دين الإسلام بإلتزام ويحب مناقشة العلماء كثيرا وعرف بحسن معاملته لرعيته وفي هذا يقول المؤرخ البيزنطي هالكو نديلاس قام السلطان مراد الأول بأعمالٍ مهِمة كثيرة فقد دخل 37 معركَة سواء في الأناضول أو في البلقان وخرج منها جميعا ظافرا منتصرا وكان يعامل رعيته معاملةً شفوقةً دون النظر لفوارقِ العرقِ والدين ووصفه المؤرخ الدكتور علي محمد الصلابي بقوله لقد فهِم السلطان مراد الأول حقيقة الإيمان وكلمةَ التوحيد وذاق آثارها فِي حياته فنشأت في نفسه أنفة وعزة مستمدة من الإيمان بالله فأيقن أنه لا نافع إلا الله فهو المحيِي المميت وهو صاحب الحكم والسلطة والسيادة ومن ثم نزع من قلبه كل خوف إلا منه سبحانه وتعالي فلم يطأطئ رأسه أمام أحد من الخلق ولم يتضرع إلا إليه ولم يركع إلا له لأنه كان علي يقين بأن الله هو القادر العظيم ولقد أكسبه الإيمان بالله قوة عظيمة من العزيمة والإقدام والصبر والثبات والتوكل والتطلع إِلَى معاني الأمور إبتغاء مرضاته سبحانه وتعالي فكان في المعارك التي خاضها ثابتا كالجبال الراسية وكان علي يقين راسخ بأن المالك الوحيد لنفسه وماله هو الله سبحانه وتعالي ولذلك لم يبال بأن يضحي في سبيل مرضاة ربه بكل غال ورخيص ويقول المؤرخ الحاج مصطفى بن عبد الله القسطنطيني إن السلطان مراد الأول رحمه الله كان من أجل الملوك قدرا ودينا وكان دائم الغزو بحيث أفني عمره في أَمرِ الجهاد وكان منصورا في حروبه كثيرَ الخير مواظبا على الجماعات في الصلوات وكان ملبسه قماشا صوفيا خفيفا ورقيقا يشبه رداء الدراويش ورجال الدين وكان دائما ما يفضل إرتداء ثوب أبيض مزين باللون الأحمر وكانت عمامته مذهبة وتبرز أطرافها بمقدار إصبعٍ عن لفتها ويروى أن الشعب كان يحبه ويعتبره حاميا للإسلام والمسلمين وأبا مباركا لمحكوميه ويعتبر المؤرخ التركي مصطفى أرمغان أن هذا كان سبب إطلاق لقب خداونكار عليه بينما يقول المؤرخ الكبير خليل إينالجك أن لقب الغازي خداونكار يعود لشجاعته في الغزو وحمايته للدولة العثمانية وقد ذكر البعض كذبا بأن السلطان مراد الأول كان أميا يجهل القراءة والكتابة ومما يدحض هذه الأكذوبة أنه كان أول سلطان يمتلك مكتبة خاصة ونسخت العديد من الكتب خصيصا له وكان يجيد اللغتين التركية والعربية ويتناقل أهالي مدينة بورصة قصة مفادها أن السلطان مراد الأول صلى صلاته الأخيرة قُبيل إنطلاقه إلى حرب كوسوفو في موضع أمر ببناء مسجد جامعٍ فيه وعندما إستشهد في المعركة إستلهم إسم الجامع من هذه الواقعة فسمي جامع الشهادة وهو يقع اليوم في حي طوبخانة بمدينة بورصة إلى الأعلى من قبرى السلطان عثمان غازى والسلطان أورخان غازى وبالإضافة إلي كل ما سبق كان من الروايات العثمانية المتناقلة التي تعكس حرص السلطان مراد الأول على العدل قصة تعود إلى عصر السلطان سليمان القانوني عاشر سلاطين آل عثمان مفادها أن مرادا بينما كان يتجول مع حرسه في شوارع عاصمته إدرنه لاحظ أن أحد الفلاحين كان واقفا في محل لبيع الطعام يأكل الخبز والثوم بينما كان حصانه ينتظر وعلى ظهره حمل ثقيل فوقف مراد فورا وأمر الفلاح أن يضع الشعير والعلف لحصانه وأن يرفع الحمل عن ظهر الحصان وأن يحمله بكامله على ظهره أثناء تناوله لطعامه وهكذا أفهم السلطان مراد الفلاح والعامة المتفرجين أن الرجل لا يجب أن يرتاح ما لم يعتن بجواده وأن يكون رحيما به .
 
 
الصور :
ضريح السلطان مراد الأول بمدينة بورصة مقتل السلطان مراد الأول