بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
السلطان بايزيد الأول هو السلطان الغازى جلال الدين يلدرم بايزيد خان الأول بن السلطان مراد الأول بن السلطان أورخان غازى بن السلطان عثمان غازى مؤسس الدولة العثمانية وقد إشتهر بلقب يلدرم بايزيد ويلدرم كلمة تركية تعني البرق أو الصاعقة وقد أطلق أبوه السلطان مراد الأول عليه هذا اللقب نظرا لسرعة تحركاته وتنقله برفقة الجند في المعارك التي خاضها بصحبة أبيه ولذلك كثيرا ما يعرف هذا السلطان في المصادر العربية بإسم بايزيد الصاعقة أو بايزيد البرق وكان هو رابع سلاطين آل عثمان وثاني من تلقب رسميا بلقب سلطانٍ بينهم بعد والده مراد الأول وهو أيضا ثاني سلطان عثمانيٍ بعد والده صاحب جذور تركمانية بيزنطية حيث أن والدته هي كلچيچك خاتون الرومية الأصل وقد تولى بايزيد عرش الدولة العثمانية بعد مقتل والده السلطان مراد الأول في معركة كوسوفو في شهر يونيو عام 1389م وكان قد أثبت كفاءته العسكرية وقدراته التنظيمية العالية لما تمكن من قيادة الجيوش العثمانية إلى النصر على الصليبيين في المعركة المذكورة وقبل أن يلفظ أبوه أنفاسه الأخيرة بعد أن طعنه جندي صربي في نهاية هذه المعركة بخنجر مسموم أوصي بأن يخلفه إبنه بايزيد والذى ورث عن أبيه دولةً واسعةً تزيد مساحتها عن نصف مليون كيلو متر مربع وتنقسم أملاكها إلي جزئين أولهما في منطقة الأناضول في قارة أسيا وثانيهما في تراقيا في شرق أوروبا فإنصرف إلى تدعيمها بكل ما يملك من وسائل وقضي علي أي نفوذ للبيزنطيين في آسيا الصغرى وأخضع البلغار إخضاعا تاما لسلطان الدولة العثمانية عام 1393م وترتب علي ذلك أن جزع الغرب عندما سمع بأنباء هذا التوسع الإسلامي في أوروبا الشرقية فدعا البابا بونيفاس التاسع إلى شن حرب صليبية جديدة ضد العثمانيين ولبى النداء عدد من ملوك أوروبا كان في مقدمتهم سيكيسموند اللوكسمبورجي ملك المجر بعد أن أنشأ جيشا من المتطوعين المنتسبين إلى مختلف بلدان أوروبا الغربية لكن بايزيد هزم جنود سيكيسموند في معركة نيقوبوليس وردهم على أعقابهم وقد حاصر بايزيد القسطنطينية مرتين متتاليتين محاولا فتحها ولكن حصونها المنيعة ثبتت في وجه هجماته العنيفة إلي جانب أن حصارها لم يكن كاملا حيث كانت غير محاصرة من جانب البحر مما مكن البيزنطيين من الحصول علي العون والمدد من الجانب البحرى فإضطر السلطان بايزيد الأول أن يرفع الحصار عنها وفي نفس الوقت لم ينس السلطان بايزيد وهو يوجِه ضرباته الجديدة نحو الغرب أن المغول كانوا يخططون للإنقضاض عليه من جهة شرق منطقة الأناضول خاصة بعد أن ظهر فيهم رجل عسكرى جبار هو تيمور بن طرقاي الكوركاني الشهير بإسم تيمورلنك والمنحدر من سلالة جنكيز خان لذلك عمل بايزيد على تعزيز مركزه في آسيا الصغرى إستعدادا للموقعة الفاصلة بينه وبين تيمورلنك وبلا شك فإن ظهور المغول وقائدهم تيمورلنك قد تسبب في تخفيف الضغط العثماني على البيزنطيين وتأخير سقوط القسطنطينية في أيدي المسلمين أكثر من 50 عاما ففي ربيع عام 1402م تقدم تيمورلنك نحو سهل أنقرة لقتال العثمانيين فإلتقى الجمعان عند چبق آباد ودارت معركةٌ طاحنةٌ هزم فيها العثمانيون وحاول السلطان بايزيد الفرار من الأسر إلا أن المغول تمكنوا من أسره وحملوه معهم في قفص من حديد كما تشير العديد من الروايات التاريخية وتوفي في الأسر في شهر مارس عام 1403م وأعاد تيمورلنك جثمانه إلى أبنائه الذين دفنوه بجوار الجامع والمدرسة التي بناها في مدينة بورصة طبقا لوصيته وقد ترتب علي ذلك أن حل الخراب وحلت الفوضى في الدولة العثمانية آنذاك نتيجة تنازع أبناء السلطان بايزيد الأول فيما بينهم على الحكم ولأن تيمورلنك أعاد تقسيم إقليم الأناضول بين الأُمراء التركمان الذين كان السلطان بايزيد الأول قد ضم بلادهم إليه وبذلك كادت الدولة العثمانية أن تسقط بعد ما حققه السلاطين العثمانيون منذ أواخر القرن الثالث عشر الميلادى وطوال القرن الرابع عشر الميلادى وظل الحال مضطربا لمدة 11 عاما حتي تمكن السلطان محمد الأول المعروف بإسم محمد چلبي إبن السلطان بايزيد الأول من إنهاء الصراع علي عرش الدولة العثمانية وتمكن من إعتلاء عرشها في عام 1413م .
وقد دام ملك هذا السلطان حوالي 8 سنوات أي حتي عام 1421م أعاد للسلطنة خلالها المكانة التي كادت أن تفقدها نتيجة حرب تيمورلنك وقضى هذه السنوات في إعادة بناء الدولة وتوطيد أركانها وإعادة أملاكها التي فقدتها من جديد وأكمل من بعده مسيرته إبنه وخليفته السلطان مراد الثاني وكان مولد السلطان بايزيد الأول في عام 762 هجرية الموافق عام 1361م وأبوه كما ذكرنا هو السلطان مراد الأول ثالث السلاطين العثمانيين ووالدته هي كلچيچك خاتون الرومية الأصل كما ذكرنا في السطور السابقة وكانت في الأساس أرملة عجلان بك أحد أُمراء إمارة قره سي التي كانت قد فتحت في عهد السلطان أورخان غازى وكانت إحدى سبايا غزو العثمانيين للإمارة ولما نقلت إلى القصر السلطاني في العاصمة حينذاك بورصة شاهدها هناك مراد وعرض عليها الزواج فقبلت به وأنجبت له إبنه البكر وولي عهده بايزيد وأطلق مراد على ولده إسم بايزيد تيمنا بوالد جدته أي والدة الشيخ إده بالي جدة مراد الذي كان يكنى أبا يزيد فبايزيد هو اللفظ التركي لأبي يزيد ومما يؤكد ذلك أن بعض المؤرخين المسلمين من الذين كانوا يجيدون اللغتين العربية والتركية وعاصروا قيام الدولة العثمانية وتحولها إلى قوة إقليمية سموا بايزيد أبو يزيد ومنهم المؤرخ إبن إياس الذي قال في مؤلفه حامل عنوان بدائع الزهور في وقائع الدهور أَبو يزيد المعروف بيلدرم أي البرق هو من أسره تيمورلنك ووضعه في قفص من حديد وطاف به في البلاد وقد تلقي بايزيد تعليمه علي يد نخبة من العلماء في زمانه حيث عين له والده من أشرف على تربيته تربيةً عسكريةً وتلقينه أُصول وفنون الحرب والقتال إلى جانب العلوم الشرعية والرياضيات والطبيعيات والآداب وجاء ذكر بايزيد لأول مرة في التاريخ في التاريخ العثماني عندما صاهر سليمان چلبي الكرمياني أمير الإمارة الكرميانية الأناضولية عام 1381م وذلك بعد أن تحالف الأمير سالف الذكر مع السلطان مراد الأول وتنازل له عن بعض المدن بعد أن رأى أن من مصلحته التحالف مع آل عثمان كونهم هم الأقوى في منطقة الأناضول وكان من آثار هذا التحالف أن تزوج بايزيد دولت شاه خاتون بنت سليمان وكانت مدينة كوتاهية عاصمة الكرميانيين مهرا لهما وعين بايزيد واليا عليها بعد إنضمام الكرميانيين إلى الدولة العثمانية وفي عام 1386م عينه والده واليا على إمارة الحميد بعد أن ألزم أميرها بالتنازل له عن بلاده وكانت هذه الإمارة قد ظهرت بعد إضمحلال قوة سلطنة سلاجقة الروم وحكموا منطقة حول إغرديد وإسبرطة في الجنوب الغربي للأناضول كما أصبح لفترة من الزمن واليا على إمارة أماسية وإشترك بايزيد في حملات أبيه العسكرية في الروملي والأناضول بجنود هذه الولايات وكان يقود عادة الجناح الأيمن للجيش العثماني وقد أثبت بايزيد في هذه الحملات كفاءته كقائد عسكرى متميز كما أثبت حسن تدبيره وسرعة تحركه بالجند والعتاد من الأناضول إلى الروملي والعكس وكان هذا ما أكسبه لقب الصاعقة أو البرق آنذاك ويروي المؤرخ والرحالة العثماني أوليا چلبي سبب إطلاق لقب يلدرم على بايزيد الأول في تلك الفترة فيقول عبر بايزيد الصاعقة من سينوپ بأقصي شمال تركيا من جهة البحر الأسود إِلى الأَفلاقِ شمالي نهر الدانوب في سنة واحدة ولأنه لحق بوالده السلطان مراد الأول سبع مرات في مدينة بورصة كالصاعقة فقال له يا بايزيد أنت قد أصبحت صاعقة ومن ثم صار إسمه بايزيد خان الصاعقة .
وكانت آخر المعارك التي خاضها بايزيد تحت إمرة أبيه هي معركة كوسوفو التي قتل فيها السلطان مراد الأول وكانت في مواجهة الحلف الصليبي الذى تكون بزعامة القيصر الصربي لازار بلينانوڤيچ بِهدف القضاء على المسلمين نهائيا وطردهم من بلاد أوروبا الشرقية بعد أن توسع نطاق فتوحاتهم فيها وضموا إليهم الكثير من البلاد والمناطق إذ دارت بين العثمانيين والصليبيين معركةٌ هائلة في سهل كوسوڤو يوم 19 جمادى الآخرة عام 791 هجرية الموافق يوم 12 يونيو عام 1389م وتولى فيها بايزيد قيادة ميمنة الجيش العثماني فيما تولَى شقيقه يعقوب قيادة الميسرة وقاد السلطان مراد القلب وأظهر بايزيد شراسةً كبيرة في الدفاع عن ميمنة الجيش فعجز الصليبيون عن إختراقها رغم هجومهم المدرع الكبير ولما توقف هجومهم مالت الكفة لِصالح العثمانيين ذلك أن الدروع الثقيلة للفرسان والخيول الأوروبيين أصبحت عقبة أمامهم فلم يتمكنوا من المناورة والتحرك بسلاسة عكس المشاة والفرسان العثمانيين الذين كانوا يرتدون الملابس الخفيفة فهاجم بايزيد الصربيين بقوة وكبدهم خسائر فادحة وبعد مرور 8 ساعات من بداية المعركة إنهزم الصليبيون وإنسحبوا من الميدان بعد أن خسروا عددا كبيرا من الجنود وجرح القيصر الصربي لازار والذى وقع أسيرا في يد العثمانيين مع عدد من نبلائه وتشير أكثر الروايات شيوعا أن السلطان مراد الأول كان يتجول متفقدا ساحة المعركة والقتلى والجرحى بعد تمام النصر فإنقض عليه جندي صربي يدعى ميلوش كوبلوڤيچ كان يتظاهر بِالموت وفاجأه بِطعنة قاتلة من خنجره المسموم كانت هي القاضية عليه بعد قليل وسقط القاتل قتيلا تحت سيوف الإنكشارية مباشرة وهنا ثارت ثائرة بايزيد وأمر بدايةً بقتل الأسرى الصليبيين ثأرا له لكن السلطان مراد الأول قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة رفض ذلك رفضا قاطعا وقال لقادته وإبنيه لا تعذبوا الأسرى ولا تؤذوهم ولا تسلبوهم فإن النبي الكريم محمد ﷺ قال لأَصحابه في أَسرى بني قريظة أَحسنوا إسارهم وقيلوهم وأسقوهم حتي يبردوا وبعد هذه الوصية أسلم السلطان مراد الأول الروح بعد وقت قصير بعد أن أوصى بولاية العهد إلى إبنه بايزيد والذى عفا عن جميع الأسرى بإستثناء القيصر لازار ونبلائه الذين أمر بإعدامهم فأُعدموا على الفور وبايع الجند والوزراء بايزيد سلطانا على العثمانيين في ميدان الحرب بسهل كوسوفو فإكتسب بذلك الشرعية وأُتيحت له فُرصة الإمساك بزمام السلطة ولم تحدث أية متاعب أو نزاعات بخصوص خلافة السلطان مراد الأول بعد مقتله المفاجئ نظرا لشهادة الجميع على تعيينه بايزيد خليفةً له وهكذا تولى بايزيد السلطنة في سهولة ويسر وقد شارف على التاسعة والعشرين عاما من عمره وأمر بِإرسال جثمان والده إلى مدينة بورصة لدفنه فيها إلى جانب جده أورخان غازى ووالد جده السلطان عثمان غازى طبقا لوصية أبيه السلطان مراد الأول .
وبمجرد جلوس السلطان بايزيد الأول علي عرش الدولة العثمانية أولى بلاد الروملي إهتمامه فشرع في إقامة علاقات ودية مع الصرب علي الرغم من أنهم كانوا السبب في قيام التحالف الصليبي الأخير ضد الدولة العثمانية وكانت باكورة أعماله أن ولى الأمير أسطفان بن لازار قيصرا على البلاد الصربية وأجازه أن يحكم بلاده على حسب قوانينهم وأعرافهم وتقاليدهم وعاداتهم بشرط أن يدين له بالولاء ويعترف بتبعيته للعثمانيين وأن يدفع جزية معينة ويتعهد بتقديم عدد معين من الجنود يشتركون في فرقة خاصة بهم في الحروب العثمانية ووافق أسطفان بن لازار على هذه الشروط وعرض أن يتولى بنفسه قيادة الجيوش تحت إمرة القيادة العثمانية وتوج هذا الإتفاق بمصاهرة البيت العثماني للبيت الصربي حيث تزوج السلطان بايزيد بِالأميرة أوليڤيرا دسپينة الأُخت الصغرى لِأسطفان وهدف بايزيد من وراء هذا التحالف إلى ضرب عصفورين بحجر واحد فمن جهة لم يقدم على ضم بلاد الصرب إلى أملاكه ويجعلها ولايةً كباقي الولايات ليسكن بال الصليبيين حتى لا يكونوا شغلا شاغلا ومصدر قلق له نظرا لنزعتهم الإستقلالية كما تشير بعض المصادر أنه أُعجب بشهامتهم فقرر أن يعاملهم بالمثل ومن جهة أُخرى كان بايزيد يرغب في إتخاذ دولة الصرب كحاجز بينه وبين دولة المجر حليفة البابوية الكاثوليكية كما كان يشعر بضرورة إتخاذ حليف له في سياسته العسكرية النشطة التي إستهدفت ضم الإمارات السلجوقية التركمانية في منطقة آسيا الصغرى إلي أملاك الدولة العثمانية وفي المقابل لم يطمئن الكثير من الأمراء والنبلاء الصربيين إلى تحالف دولتهم مع دولة إسلامية ولم يقبلوا أن يعين عليهم حاكم تابع لسلطان الدولة العثمانية التي إعتبروها خصمهم اللدود ولما لم يكن بإمكانهم فعل شئ بعد أن مني الجيش الصربي بالهزيمة في معركة كوسوفو فمن ثم فقد فضلوا الرحيل عن بلادهم فهاجرت جماعات من الصرب إلى البوسنة والمجر ودخلت في تبعية ملوك تلك البلاد وأمضى السلطان بايزيد الأول شتاء عام 792 هجرية الموافق أواخر عام 1389م وأوائل عام 1390م في عاصمة بلاده إدرنه وعمل على تحصينها وتجديد بناء أسوارها وأبنيتها وعمارتها ومرافقها ووقف على شؤونها الضرورية وإستقبل عدة بعثات من عدة دول أجنبية وفدت عليه لتهنئته علي تولي عرش الدولة العثمانية كان من أبرزها بعثة جمهورية البندقية الإيطالية برئاسة فرانشيسكو كويريني والتي أكد لها إلتزام العثمانيين بِالمعاهدات التجارية المبرمة بينهم وبين البنادقة وتنص بعض المصادر علي أن بايزيد إستخف ببعثات الجمهوريات الإيطالية الأخرى وتصرف معها بطريقة تعكس ثقته بنفسه وتظهر قوة جيوشه وقال لهم سوفَ أَذهب إِلى روما بنفسي وأَعلف فرسي فِي محراب كنيسة القديس بطرس وفي سبيل الحيلولة دون قيام أي تحالف مسيحي جديد في منطقة البلقان أرسل السلطان بايزيد الأول بضعة فرقٍ عسكرية بقيادة يغيد باشا وخوجة فيروز وغيرهما أغارت على تخوم مدينة ڤيدين المطلة علي نهر الدانوب بشمال غرب بلغاريا وعلى حدود منطقة الأفلاق شمالي نهر الدانوب ومنطقة البوسنة التي تقع داخل البلقان بجنوب وجنوب شرق القارة الأوروبية والتي لم تكن قد خضعت لسلطان الدولة العثمانية بعد فكان هذا أشبه بإستعراض عسكرى لقوة العثمانيين وتنبيه للقوى المسيحية المختلفة في قارة أوروبا ألا تقدم على أي تحرك عدائي من جانبها ودعم السلطان بايزيد الأول السيطرة العثمانية على ممتلكاتها في إقليم البلقان بأن دعا جماعات كبيرة من المزراعين والفلاحين التركمان إلى الإنتقال من منطقة الأناضول إلى تلك البلاد والإستقرار فيها فإنتقل قسم منهم وأقام في المنطقة المحيطة بِمدينة إسكوپية في إقليم مقدونيا ببلاد اليونان .
وعندما إطمئن السلطان بايزيد الأول إلى الجبهة الأوروبية آثر تطبيق سياسة جديدة من أجل القضاء علي قوة الأمراء التركمان الذين ظلوا غير خاضعين للعثمانيين في الأناضول وتحقيق وحدته تحت الراية العثمانية وكانت الدولة العثمانية في الوقت الذى قتل فيه السلطان مراد الأول في كوسوفو قد توسعت في أراضي الأناضول على حساب القوى الموجودة فيها من الإمارات التركمانية وإتبع السلطان مراد الأول سياسة ترك الأراضي المفتوحة في يد حكامها على شكل إقطاعات عسكرية علي أن تكون خاضعة لسلطان العثمانيين لكن هذه السياسة لم تحقق النجاح المطلوب عند التطبيق العملي بفعل إستمرار قوة هؤلاء الحكام ومحاولاتهم المستمرة لإستغلال الفرص للإستقلال مجددا بِإماراتهم خاصة عندما يكون العثمانيون مشغولين بفتوحاتهم في أوروبا لذلك كان القضاء على قوة هؤلاء في مقدمة أعمال السلطان بايزيد الأول عندما إعتلى العرش وفي واقع الأمر فإن السلطان بايزيد الأول في أوائل عهده قد فضل التفاهم مع أُمراء المقاطعات في الأناضول وعدم الإصطدام بهم وبصفة خاصة الأمير القرماني علاء الدين بن علي الداماد لكن هذا الأخير إستغل فُرصة غيابه عن ساحة الأناضول فأعلن العصيان وأنشأ حلفا ضده مكونا من القاضي برهان الدين أحمد بن شمس الدين صاحب إمارة سيواس بوسط الأناضول وباقي أُمراء الإمارات التي ظهرت بالأناضول نتيجة إضمحلال سلطنة سلاجقة الروم صاروخان وكرميان ومنتشا وآيدين وتكة وحتى إمارة الحميد التابعة للحكم العثماني المباشر وكان الأمير القرماني قد إستغل حادثة مقتل الشاهزاده يعقوب بك بن السلطان مراد الأول والشقيق الأصغر للسلطان بايزيد الأول التي قيل بشأنها روايات عديدة وأن السلطان بايزيد الأول له يد فيها حتي لا ينازعه شقيقه الحكم لكي يؤلب الأُمراء التركمان على العثمانيين مظهرا بايزيد بمظهر مغتصب العرش والقاتل دون وجه حق ومن ثم فقد أعلنت تلك الإمارات أنها لن تسمح بحدوث أي تغيير في موازين القوى الحالية بين الإمارات الأناضولية ولن تسمح بتحقيق الوحدة التركية الإسلامية تحت قيادة سلطان مغتصب للعرش كبايزيد الأول وفي الواقع كان من الواضح أن إمارة القرمان هي المحرك الأساسي لهذا العصيان إذ أنها كانت ترى أنها ما دامت لم تتمكن من تأسيس الوحدة بين الإمارات السلجوقية فإنها لن تسمح للعثمانيين بالنجاح في تحقيق ذلك ومن جانب آخر فقد إسترد الأمير يعقوب بن سليمان الكرمياني الأراضي التي كان قد تنازل عنها والده لصالح السلطان بايزيد الأول عندما زوجه إبنته وإستولى على كوتاهية عاصمة الإمارة مرة أخرى كما إستولي القاضي برهان الدين أحمد على مدينة قر شهر بوسط الأناضول وإستولى علاء الدين القرماني على مدينة بيشهر جنوبي الأناضول وتقدم نحو مدينة إسكي شهر بشمال غرب الأناضول غربي مدينة أنقرة مما هدد كيان الدولة العثمانية تهديدا خطيرا فإضطر السلطان بايزيد الأول للرد على هذه الإنتهاكات وحركات العصيان وتلقى مساعدات من بعض القوى المسيحية الخاضعة له والتي كانت تدين بالتبعية الإسمية له والذين كان منهم الإمبراطوران البيزنطيان عمانوئيل الثاني ويوحنا الخامس وقيصر الصرب أسطفان بن لازار بِالإضافة إلى سليمان الجندرلي أمير إمارة قسطموني بشمال تركيا حاليا وبدأ السلطان بايزيد في إعادة إخضاع الإمارات الأناضولية مرة أخرى لسلطان دولته .
وفي الأيام الأولى من عام 1390م تحرك السلطان بايزيد الأول نحو الجنوب ودخل خلال شهرى فبراير ومارس إلى إمارات كرميان وآيدن ومنتشا وصاروخان فهابه أمير آيدين وترك له أملاكه وغادر إمارته وعاش مطمئن الخاطر في إحدى المدن الخارجة عن النفوذ العثماني وكذلك ترك أميرا منتشا وصاروخان إمارتيهما وإحتميا عند أمير قسطموني ودخلت إمارات الحميد وكرميان تحت السيادة العثمانية مرة أخرى دون أية مقاومة بإستثناء إزمير التي كانت خاضعة لفرقة فرسان الإسبتارية المسيحية والتي كانت مقرها جزيرة رودس وعرض أميرا كرميان والحميد المنهزمان طاعتهما للسلطان بايزيد في محاولة للإحتفاظ بشئٍ من النفوذ فقبلها منهما وأعطى لكل منهما مقاطعة وهكذا إنضوت جميع الإمارات التركمانية المطلة على بحر إيجة تحت سيادة الدولة العثمانية وأطل العثمانيون على هذا البحر وتقدموا خطوة مهمةً جدا في إتجاه ضم كل أنحاء الأناضول كما حازوا أُسطول إمارة صاروخان وأعظم موانئ البحر المذكور وبعد تمام هذا الأمر سار بايزيد بجيوشه نحو مدينة أنقرة وهي أكبر مراكز الأناضول وقضى شتاء عام 793 هجرية الموافق أواخر عام 1390م وأوائل عام 1391م فيها على أن يزحف في الربيع على إمارة القرمان التي ما فتئ أميرها علاء الدين شوكةً في جنب الدولة العثمانية والمنافس الحقيقي للعثمانيين على تزعم جميع الإمارات التركمانية في الأناضول وكان قضاء الجيش العثماني فصل الشتاء في الشمال وفي موقعٍ مركزى هام قد أصبح مصدر قلق للقاضي برهان الدين أحمد المتمركز في موقع غرب الجيش العثماني وفي ربيع عام 1391م تحرك السلطان بايزيد مجددا ودخل مدينة قونية عاصمة القرمانيين والتي تقع في وسط جنوب الأناضول كما إسترد العثمانيون مدينة بيشهر التي كان قد إستولى عليها الأمير علاء الدين والتي تقع علي الشاطئ الجنوبي الشرقي للبحيرة المعروفة بنفس الإسم بتركيا وضموا إلى ممالكهم أيضا مدينة آق شهر القريبة من قونية وفي غمرة الإنتصارات العثمانية تبدل الوضع فجأة لغير صالح العثمانيين فقد ثار سليمان الجندرلي أمير قسطموني على الدولة بفعل خشيته من نجاح العثمانيين وتوحيد هؤلاء لمنطقة الأناضول مما يهدد إمارته فتحالف مع القاضي برهان الدين أحمد أمير سيواس وإنضم إليهما أميرا منتشا وصاروخان وأبدى الجميع إستعدادهم مساعدة علاء الدين القرماني الذي كان قد هرب من قونية بعد سقوطها في ِيد العثمانيين ليحتمي في هضبة طاش إيلي في قيليقية مما دفع السلطان بايزيد إلى تجميد الموقف وتثبيته في الجبهة القرمانية والتفرغ للجبهة الشمالية فدعا الأمير القرماني وأمنه وأخبره بأنه سيترك قسما من الإمارة له بشرط الإخلاص للعثمانيين وعدم الخروج على تبعيتهم فوافق علاء الدين وبموجب الإتفاق الذي عقد بين الجانبين إحتفظ بايزيد بالأراضي التي ضمها مؤخرا وتشمل أجزاء واسعة من أراضي الإمارة القرمانية ويستمر علاء الدين في حكم ما تبقى من أراضي إمارته وهاجم السلطان بايزيد الأول إمارات البحر الأسود في الشرق والوسط فضم إمارة قسطموني في شهر رجب عام 793 هجرية الموافق شهر يونيو عام 1391م وقتل أميرها سليمان الجندرلي وهاجم سينوپ بحرا في السنة التالية وإستولى على مدن جانيت وعثمانجق وصامصون علي ساحل البحر الأسود وشرع بعد ذلك في إخضاع القاضي برهان الدين أحمد فهاجم أماسية والتي تقع شمالي تركيا في منطقة البحر الأسود لكن أي إصطدام جدى لم يحدث بين الطرفين إذ فضل القاضي الإنسحاب أمام الجيش العثماني القوي فضم السلطان بايزيد الأول إمارة سيواس بوسط الأناضول وإمارة توقاد بشمال تركيا إلى أملاكه وإنضم إليه الأُمراء الصغار في المنطقة وإعترفوا بسيادته عليهم وكنتيجةً لهذا التوسع العثماني أضحى العثمانيون يسيطرون على مجمل الأناضول وفرض السلطان بايزيد الأول سيطرته المباشرة على المنطقة محققا بذلك وحدة الأناضول المنشودة .
وبعد توحيد الأناضول وإخضاع الإمارات التركمانية للسيادة العثمانية يمم السلطان بايزيد الأول وجهه نحو الجانب الأوروبي مجددا وتابع سياسة والده السلطان مراد الأول القائمة على التدخل في النزاعات العائلية بين أفراد أُسرة باليولوك الحاكمة في العاصمة البيزنطية القسطنطينية بهدف تبديل الأوضاع الداخلية في المدينة لمصلحة المسلمين تمهيدا لفتحها عندما تتهيأ الظروف المناسبة لذلك وظهر ذلك واضحا في مساعدته ليوحنا السابع إبن أندرونيقوس الرابع على الدخول إلى القسطنطينية وإستلام مقاليد الحكم وإضطر الإمبراطور يوحنا الخامس مكرها على اللجوء مع إبنه عمانوئيل إلى قلعة تسمي قلعة باب الذهب وذلك في يوم 1 جمادى الآخرة عام 792 هجرية الموافق يوم 14 أبريل عام 1390م وكان يوحنا السابع قبل تنصيبه على العرش مسجونا بمسعى من جده يوحنا الخامس وعمه عمانوئيل للحيلولة دون سعيه إلى العرش مما أثار حنقه عليهما وحدا به إلى مخاطبة السلطان العثماني لكي يساعده على خلعهما أو أن يدعه يلجأ إلى بلاده فرأى بايزيد في هذا الأمر فُرصة طيبة لكي يتدخل في الشؤون البيزنطية ويوجهها لِلمصلحة الإسلامية فهاجم القسطنطينية بجيش قوامه ستة آلاف فارس وأربعة آلاف راجل وأطاح بيوحنا الخامس وإبنه عمانوئيل ونصب مكانهما يوحنا السابع فأُكرها على اللجوء للقلعة المذكورة وكانت سلطة يوحنا السابع قوية إلا أنه كان من المستحيل إقناع الإمبراطور يوحنا الخامس المخلوع بالكف عن محاولاته لإسترداد عرشه وفعلا نجح إبنه عمانوئيل في الهرب من السجن وحشد أُسطولا سمح له بإنقاذ والده وإستعادة العرش وذلك في يوم 18 شوال عام 792 هجرية الموافق يوم 7 سبتمبر عام 1390م ولجأ العاهلان الروميان إلى السلطان بايزيد مباشرةً وأبرما معه معاهدة تقتضي زيادة المال الذي يدفعانه إلى العثمانيين وأن يبذلا جهدا أكبر في مساعدة الجيوش العثمانية وقت الحرب وفي الوقت نفسه لجأ يوحنا السابع إلى بايزيد طلبا لِلأمان فأقطعهُ أراضي سلمبرية وإتخذه وسيلةً لِلضغط على الإمبراطور يوحنا الخامس الذي وجد نفسه رهينةً علاوة علي كونه تابعا وإضطر تحت طلب بايزيد إلى إرسال قوة عسكرية مؤلفة من مائة جندى بقيادة إبنه عمانوئيل إشتركت مع العثمانيين في فتح مدينة فيلادلفية بمنطقة بحر إيجة وهي آخر ما بقي للبيزنطيين من حصونٍ في منطقة الأناضول وسميت منذ ذلك الوقت آلاشهر وذلك في عام 793 هجرية الموافق عام 1391م وبهذا أصبح الحكام الروم مجرد أُلعوبة في يد السلطان العثماني يحركهم كيفما شاء ولاحظت الجمهوريات البحرية الإيطالية هذا الأمر فأصدر مجلس وزراء البندقية أمرا إلى سفرائه في القسطنطينية يخبرهم أن يكونوا علي إتصال بالعثمانيين في حال سيطروا على عاصمة الروم العتيقة إذ أن حال الأباطرة البيزنطيين هذا لا يبشر بنهاية سعيدة للقسطنطينية وفي ظل هذه الأحداث المتلاحقة إستغل الإمبراطور البيزنطي يوحنا الخامس إنشغال السلطان بايزيد الأول بفتح مدينة فيلادلفية في الأناضول فعمد إلى ترميم أبراج وأسوار وتحصينات القسطنطينية وتقويتها مستخدما في ذلك حجارة بعض الكنائس بعد تهدمها كما شيد بعض القلاع الجديدة وذلك تحسبا للأخطار المحدقة والمحيطة به من جانب العثمانيين .
وفي سبيل تفادى غضب السلطان بايزيد الأول عمد الإمبراطور البيزنطي يوحنا الخامس إلى تمويه الأبراج بِتزيينها لكن هذا التمويه لم يحل دون معرفة السلطان العثماني بهذا الأمر فحنق على الإمبراطور المسن وأمره بهدم كافة أعمال التجديد وهدده إن لم يفعل ما أمره به بفقء عيني إبنه عمانوئيل الذي كان ما يزال في رفقة الجيش العثماني في مدينة بورصة فإضطر يوحنا الخامس إلى الإستجابة للأمر العثماني الصارم وإنزوى في قصره ولم يستطع تحمل إذلالات العاهل العثماني فمات كمدا في يوم 11 ربيع الأول عام 793 هـجرية الموافق يوم 16 فبراير عام 1391م وعندما علم إبنه عمانوئيل بوفاته فر من بورصة خلسةً من دون علم السلطان بايزيد الأول ودخل القسطنطينية وتربع على دست الحكم بإسم عمانوئيل الثاني وإعتبر بايزيد تصرف عمانوئيل إهانةً له وتحديا لمشاريعه المستقبلية داخل بيزنطة فأرسل إليه رسولا يحمل رسالةً جاء فيها إِن كنتَ تريد العيش حياة هنيئة وإطاعة أوامرى بإغلاقِ أَبواب المدينة سأتركك تعيش في داخلها كما يحلو لك أما ما هو خارجها فكله لي وطلب منه في الوقت نفسه بناء مسجد داخل القسطنطينية وحي خاص لسكن المسلمين وتأسيس محكمة شرعية وتعيين قاضيها وزيادة مبلغ الخراج المقرر في عهد يوحنا الخامس وتجديد معاهدة التبعية ولم يستجب الإمبراطور البيزنطي لمطالب السلطان بايزيد الأول الذي كان يتحين الفرص لفتح القسطنطينية وجاءته هذه الفرصة فإستغلها فجهز جيشا عبر به إلى أوروبا لِضرب الحصار على العاصمة الرومية وفي نفس الوقت دكت 60 سفينة من سفن الأُسطول العثماني جزر ساقز وكيكلاد ووابية التي تقع في الجزء الجنوبي من بحر إيجة التي يحتلها اللاتين الكاثوليك وبذلك أخطر السلطان بايزيد الأول جمهوريتا البندقية وجنوة وسائر الدويلات الإيطالية أنه كان يستعد لمحاصرة الروم وإصطف عدد ستة آلاف جندي عثماني علي إمتداد أسوار العاصمة البيزنطية القسطنطينية على طول الشاطئ الشمالي لخليج القرن الذهبي المتفرع من البوسفور والذى كان المقر الرئيسي للأسطول البيزنطي وأيضا للسفن التحارية وراقبوا الدخول إلي والخروج من المدينة لمدة 7 أشهر ولم يكن هذا الإجراء حصارا بِالمعنى المفهوم للحصار وإنما كان مجرد إنذار قوى كان السلطان بايزيد الأول يأمل منه أن يخضع له الإمبراطور البيزنطي دون حرب كما فعل أُمراء الأناضول وقد عاني أهالي العاصمة البيزنطية القسطنطينية معاناة شديدة بسبب هذا الحصار حتي أنهم هدموا المباني الخشبية لإستخدام أخشابها في الأفران لإعداد الخبز بدلا من الحطب المفتقد وفي ظل هذه الظروف الصعبة إستنجد عمانوئيل الثاني بِالدول الأوروبية بإسم المسيحية وإضطر إلي قبول الشروط العثمانية السابق ذكرها بصورة أشد قسوة وذلك من أجل إحلال السلام بين البيزنطيين والعثمانيين وكانت هذه الشروط تقضي بمنح الحكومة البيزنطية العثمانيين سبعمائة منزل في القسطنطينية تكون حيا إسلاميا فيها وتأسيس محكمة شرعية في حي سركه جي وعلي أن يعين العثمانيون قاضيها إضافة إلي إنشاء مسجد جامع لِلمسلمين في قلب القسطنطينية وتخصيص ِالأراضي الواقعة بين ناحية جلاطة وناحية كاغدخانة خارخ أسوار القسطنطينية للمسلمين ووضع مركز عسكري فيها مع زيادة الخراج البيزنطي الواجب دفعه للعثمانيين وتسليم عشر محصول البساتين والمزارع الواقعة خارج أسوار القسطنطينية للعثمانيين مع إستمرار تمركز القوة العسكرية العثمانية المؤلفة من ستة آلاف جندى على طول الشاطئ الشمالي لِلقرن الذهبي وتخصيص فرقة عسكرية بيزنطية تقاتل إلى جانب العثمانيين وهكذا بقيت العاصمة القسطنطينية محاصرة ولكن سلما لا حربا بل أُحكم حصارها وفي الواقع فإن السلطان بايزيد الأول كان قد إضطر إلى الجنوح إلى السلم للإلتفات إلى منطقة البلقان الذي برزت في أُفقه مؤشرات لبداية حرب جديدة ضد العثمانيين فترك القوة العسكرية المشار إليها في السطور السابقة على أسوار القسطنطينية وإرتحل من أجل ِغزو الإمارات والبلاد البلقانية .
وبلا شك فقد بدأت موازين القوى في البلاد البلقانية في قارة أوروبا تميل بشكل ملحوظ لصالح المسلمين حيث كان أمام السلطان بايزيد الأول الجبهة البلقانية حيث معظم الأراضي البيزنطية والصربية والبلغارية والأرناؤوطية الألبانية والأفلاقية وبعد أن نجح في كسب تأييد الصرب بعد معركة كوسوفو حينما قام بتعيين أسطفان بن لازار حاكما على بلاده مع الإعتراف بالتبعية للعثمانيين وزواجه من دسپينة أُخت أسطفان كما ذكرنا في السطور السابقة بدأ يلتفت إلى سائر الإمارات المجاورة التي كانت تنظر إلى التوسع الإسلامي في البلقان بعين الريبة وتتوجس منه خيفة وفي أثناء حصار العثمانيين للقسطنطينية الذى تحدثنا عنه في السطور السابقة هاجم أمير الأفلاق ميرݘه الأول بلاد الروملي التابعة للعثمانيين إذ عبر نهر الدانوب وإجتاز الأراضي البلغارية من الشمال إلى الجنوب حيث نهب مدينة قارون أوفة وهدمها كما إحتل دبروجة وسيلسترة على الضفة اليمنى لنهر الدانوب وفي إحدى الروايات أن عمله هذا جاء نتيجة تحريض ملك المجر سيكيسموند اللوكسمبورجي الذي جزع جزعا شديدا من الغارات العثمانية التي أرسلها السلطان بايزيد الأول قبل بضع سنوات عند تربعه على العرش إذ أن إحداها توغلت حتي بلغت مدينة كارلوفجة جنوب المجر وتقدمت نحو المانيا فيما تقول رواية أُخرى إن هجوم الأمير الأفلاقي جاء إنتقاما من غارة خوجة فيروز على مدينة ڤيدين والتي تقع بشمال غرب بلغاريا علي نهر الدانوب قرب الحدود الصربية الرومانية عام 1389م ومن المعروف أن الأمير ميرݘه كان مشمولا بحماية المجر وإزاء الوضع المستجد جنح السلطان بايزيد الأول إلى مصالحة الإمبراطور البيزنطي كما ذكرنا في السطور السابقة وعبر إلى الأفلاق في صيف عام 1391م فإجتاز العثمانيون نهر الدانوب نحو الشمال لأول مرة في تاريخهم وكانوا بذلك أول جيش إسلامي يتوجه إلى تلك البلاد وإشتبكوا مع الجيش الأفلاقي وهزموه هزيمة نكراء ووقع الأمير ميرݘه أسيرا في أيدي العثمانيين فأرسله بايزيد إلى بورصة بعد أن طرد جيوشه من جميع البلاد التي كانت تحتلها ثم عاد وأطلق سراحه مقابل ثلاثة آلاف قطعة ذهبية وثلاثين فرسا وعشرين صقرا فضلا عن تعهده بِتبعيته للعثمانيين وتقديم المساعدات إليهم في أي حرب مستقبلية مع المجر وخِلال تلك الفترة كانت شبه جزيرة المورة ببلاد اليونان مسرح نزاعات بين حاكمها الرومي تيودور باليولوك بن يوحنا الخامس شقيق الإمبراطور البيزنطي الجديد عمانوئيل الثاني وبين البنادقة إذ سعى تيودور إلى تقليص نفوذ اللاتين الكاثوليك في بلاده التي يحكمها بإسم الإمبراطور البيزنطي في العاصمة القسطنطينية فسيطر على مدينة آرغوس جنوبي بلاد اليونان ودعا جماعات من الأرناؤوط الألبان إلى السكن فيها وبجوارها في محاولة لزيادة جمهرة النصارى الأرثوذكس على حساب إخوانهم الكاثوليك فما كان من البنادقة إلا أن هاجموا المدينة المذكورة وإنتزعوها من الروم كما سيطروا أيضا على مدينة پاتراس غربي بلاد اليونان وقد أدى هذا الضغط البندقي إلي أن الأمير البيزنطي إضطر إلي الإستنجاد بالعثمانيين فراسل السلطان بايزيد الأول يطلب منه العون والمساعدة والمدد فإستجاب له الأخير متخذا هذه الفرصة لفتح ما أمكن من بلاد المورة .
وفي عام 1392م أرسل السلطان بايزيد جيشا بقيادة أفرنوس بك عبر إلى سالونيك ومنها إنطلق نحو المورة فإنسحب البنادقة من أمامه وسقطت بيده مدينة نجربونت بوسط اليونان لينقطع بذلك إرتباط الروم بمقدونيا وتابع العثمانيون زحفهم حتي بلغوا مدينتي كارافيرية ولاريسة بشمال وسط اليونان ففتحوهما وإستسلمت باقي القرى والبلدات ودخلت في التبعية العثمانية صلحا فأصبح إقليم تساليا جزءا من الممالك العثمانية وبعد سقوط المزيد من بقايا الحصون البيزنطية في أوروبا بيد العثمانيين أضحى من المؤكد أن الإمبراطورية تعيش آخر أيامها وإعتقد البلغار أنهم أضحوا ورثتها في البلقان وكنتيجةً لذلك كان الصدام حتميا بينهم وبين العثمانيين وكانت بلغاريا بين السلطان بايزيد الأول وسيكيسموند ملك المجر الذي تقع مملكته في طريق التوسع العثماني وقد أدرك مدى التهديد الذي مثله العثمانيون على مملكته لذلك بادر إلى مد يد المساعدة لبلغاريا وسعى المجريون إلى توطيد أقدامهم في ڤيدين ونجح البلغار في الإستيلاء على مدينة نيقوبوليس الواقعة على نهر الدانوب بشمال بلغاريا وذلك في عام 794 هجرية الموافق عام 1392م وكان قيصر البلغار يوحنا شيشمان مشهور بخروجه عن تبعيته للعثمانيين منذ عهد السلطان مراد الأول رغم المصاهرة بين البيتين العثماني والبلغاري ورغم هزيمته المستمرة على يد العثمانيين كلما خرج عن طاعتهم وفي هذه المرة عاود الكرة مدفوعا بتحريض الملك المجري كما عاود أمير الأفلاق التقدم جنوبا لتقديم المساعدة إلى البلغاريين وقد دفعت هذه الأحداث السلطان بايزيد الأول إلى الرد بسرعة وبقوة فتوجه لمقابلة البلغاريين وهو عاقد العزم على ضم ما تبقى من البلاد البلغارية إلى الدولة العثمانية بعد أن كان السلطان مراد الأول قد ترك نصفها لشيشمان على أن يدفع له خراجا سنويا معينا وفي ربيع عام 795 هجرية الموافق عام 1393م هاجم بايزيد العاصمة البلغارية ترنوڤو التي تولى الدفاع عنها أحد أهم الرجال في التاريخ البلغاري وهو البطريرك أڤتيم بسبب هرب القيصر شيشمان إلى نيقوبوليس وتحصنه بها وبعد دفاعٍ دام ثلاثة أشهر وعلى أثر هجوم عام سقطت ترنوڤو بيد العثمانيين يوم الخميس 7 رمضان عام 795 هجرية الموافق يوم 17 يوايو عام 1393م ووقع بطريركها في الأسر ثم حول بايزيد أنظاره تجاه ميرݘه أمير الأفلاق فطرده من الأراضي التي إستولى عليها وتتبعه حتي الأفلاق نفسها وفي يوم 26 رجب عام 797 هجرية الموافق يوم 17 مايو عام 1395م عبر السلطان بايزيد الأول نهر الدانوب بِرفقة 40 ألف جندي لكي يقابل الجيش الأفلاقي المكون من حوالي 10 آلاف جندي فقط وإشتبك الجيشان في معركة طاحنة كان من نتيجتها قهر الأفلاقيين بعد أن تكبدوا خسائر فادحة وأجبر السلطان بايزيد الأول الأمير ميرݘه على توقيع معاهدة يعترف فيها بسيادة الدولة العثمانية على بلاده وأن يتعهد لها بدفع جزية سنوية مع بقاء بلاده له يحكمها بمقتضى عادات وقوانين أهلها وتابع السلطان بايزيد الأول زحفه بعد ذلك بإتجاه نيقوبوليس المعقل الأخير للقيصر البلغاري يوحنا شيشمان فدخلها وقبض على شيشمان وأعدمه وقيل أيضا إن الأخير مات ميتةً طبيعيةً قبل فتح العثمانيين للمدينة لكن وإن اختلف على سبب موت شيشمان فإنه من المتفق عليه أن إبنه المدعو إسكندر قد وقع في الأسر فعلا وأنه إعتنق الإسلام لاحقا فعينه السلطان بايزيد الأول حاكما على مدينة صامصون بالأناضول وسيطرت الجيوش العثمانية على مجمل نقاط العبور على نهر الدانوب مما وضع العاهل العثماني في مواجهة مباشرة مع المجر وبذلك فقدت بلغاريا إستقلالها السياسي وضمها السلطان بايزيد الأول إلى الأملاك العثمانية فصارت ولايةً عثمانية كباقي الولايات وكان لسقوط بلغاريا في قبضة الدولة العثمانية صدى هائل في أوروبا حيث إنتشر الرعب والفزع والخوف في أنحائها وتصاعدت بالتالي دعوات القوى المسيحية للقضاء على الوجود العثماني في منطقة البلقان .
وعن فتح مدينة نيقوبوليس فقد إنزعج سيكيسموند ملك المجر من التقدم العثماني في بلاد البلغار وخشي أن يحل ببلاده ما حل ببلغاريا بعد أن تاخمت حدود مملكته مناطق السيطرة العثمانية فأرسل إنذارا إلى السلطان بايزيد الأول بلجلاء عن بلغاريا مدركا في الوقت نفسه أنه لا طاقة له بمقاومة العثمانيين من دون مساعدة خارجية لذا إستنجد بدول أوروبا الغربية وأدرك البابا بونيفاس التاسع وملوك وأُمراء أوروبا أن الطريق أمام العثمانيين إلى قلب القارة العجوز يصبح مفتوحا إذا تعرضت المجر لهزيمة كبرى وأنه يقتضي وقف المد الإسلامي الذى يبتلع أرضا جديدة عاما بعد عام كما خشي البنادقة من التقارب العثماني البيزنطي ورأوا في إستيلاء العثمانيين على المضائق وعلي القسطنطينية خطرا كبيرا يهدد مصالحهم التجارية مع دول الشمال الأوروبي وعلاوة علي ذلك فقد كانت محاصرة أو حجز العثمانيين للبيزنطيين طيلة فترة حربهم مع الأفلاق والبلغار وما سبقها من شهور وما ترتب على ذلك من عدم إمكانية الدخول إلى القسطنطينية أو الخروج منها دون موافقة العثمانيين ومحاولة هؤلاء إخراج اللاتين الكاثوليك من المورة وجزر بحر إيجة كل ذلك حرض دول أوروبا على تشكيل حملة صليبية جديدة وتولت البندقية جانبا من مهمة الدعوة إلى هذه الحملة على الرغم من تحفظها بفعل حرصها على المحافظة على العلاقة السلمية والتجارية مع العثمانيين فتفاهمت مع الجنويين وإتصلت بالإمبراطور البيزنطي عمانوئيل الثاني الذي إقترح أن يتم تقويته بحرا وسد المضائق أمام العثمانيين في حين تولَى سيكيسموند الجانب الآخر من الدعوة فإتصل بشارل السادس ملك فرنسا في مدينة بوردو الفرنسية ونسق مع البنادقة وشد البابا أزر الدعوة التي إستجاب لها حاكم دوقية برغونية فيليپ ڤالوا الملقب بالجرئ وكانت دوقية بوسط شرق فرنسا فأرسل إبنه القمص يوحنا ومعه ستة آلاف مقاتل زحف بهم بإتجاه المجر وكان الكثير من المحاربين الفرنسيين من أشراف فرنسا وفيهم كثير من أقارب ملك فرنسا نفسه وكان الفرنسيون يطمحون بعد القضاء على العثمانيين إلى السير حتى فلسطين وإستخلاص بيت المقدس من المسلمين كما إنضم إلى الحملة أُمراء من باڤاريا والنمسا والمانيا وفُرسان الإسبتارية الصليبيين وقدمت مملكتا إنجلترا وإسكتلندا مساعدات عسكرية وكذلك فعلت بعض الإمارات الإيطالية وممالك قشتالة وأراغون وكالمار الأسبانية وإنضم لهذا الجيش العرمرمي عدد كبير من المتطوعين البوسنيين والكرواتيين والبولونيين وغيرهم من البلقانيين بالإضافة إلي القوات البحرية إذ وضعت البندقية أُسطولها تحت تصرف الحملة وإنضمت إليها الأساطيل البيزنطية والرودسية والتي عهد إليها بحراسة القنوات أثناء إقتحام الجيش الصليبي للعاصمة البيزنطية القسطنطينية من البر وتشير هذه الإستعدادات الضخمة إلي أن دول أوروبا كانت قد قررت بصورة نهائية إخراج المسلمين من البلقان وإعادتهم إلى الأناضول وبدا كأن خطة المسير إلى الأراضي المقدسة والإستيلاء على بيت المقدس وإعادة إنشاء الممالك الصليبية التي أبادها الزنكيون والأيوبيون والمماليك ببلاد الشام قائمة وجدية فعلا .
وإجتمع المجلس العسكري الأعلى لهذه الحملة الصليبية في مدينة بودابست العاصمة المجرية وإنتخب الملك سيكيسموند قائدا عاما لها وكان على أفرادها أن يطهروا الأفلاق والأراضي البلغارية من المسلمين وفي نفس الوقت تتولى بحرية البنادقة كسر الخطُوط البحرية العثمانية المتواجدة في مضيقي البوسفور والدردنيل وأعلن السلطان بايزيد الأول الذي كان على علم بكل هذه الترتيبات والتحركات الحرب على المجر وعلي كل من حالفها من القوى الصليبية في شهر فبراير عام 1396م وبدأ في تنفيذ الخطَة المتفق عليها في ربيع عام 798 هجرية الموافق عام 1396م فتحرك الجيش الصليبي شرقا على طول نهر الدانوب بقيادة سيكيسموند وتقدم البنادقة في الوقت نفسه بإتجاه المضائق ونجحوا في إختراق خطوط الدفاع العثمانية وإنتظروا أن تقوم القوات البرية بنصيبها من الهجوم من جهة الغرب ويبدو أن سيكسموند لم ينجح في الوصول إلى المراكز الأمامية لخطوط الجبهة مع العثمانيين وربما رأى أن يجرهم ويرهقهم عبر زحف طويل وآثر إنتظار السلطان بايزيد الأول في البلقان وترك العثمانيين يبدأون الهجوم لكن قادة الحملة وزعماءها الآخرين إختلفوا معه فأصروا على مواصلة التقدم فإنحدروا مع نهر الدانوب وإجتازوه وإستولوا على مدينتي ڤيدين وراهوڤة التي تعرض سكانها المسلمون إلى مذبحة مروعة وعندما وصل الصليبيون إلي مدينة نيقوبوليس عسكروا حولها بِهدف محاصرتها وعندما علم بايزيد بتقدم الجيوش الصليبية سار إليها على رأس جيش كثيف وإنضم إليه أسطفان قيصر الصرب وغيره من الأُمراء المسيحيين الخاضعين للحكم العثماني وما أن أتى الصليبيين نبأ إندفاع السلطان بايزيد الأول نحوهم حتى قتلوا كل الأسرى المسلمين الذين كانوا قد أسروهم في مدينتي ڤيدين وراهوڤة وقتلوا معهم ألف أسير عثماني من الحاميات العسكرية بالمدينتين المذكورتين على مرأى ومسمع من أهالي نيقوبوليس وصاحبها وقائد الحامية العسكرية فيها دوغان بك ولم تخف كثرة الصليبيين ووحشيتهم صاحب المدينة ولم يجزع ولم يقبل تسليمها لهم بل إنبرى يدافع عنها ريثما يدركه السلطان العثماني بالنجدة والذى وصل على رأس جيوشه إلى أطراف نيقوبوليس بعد حوالي 15 يوما من الحصار الصليبي لها وأتم السلطان بايزيد الأول إستعداداته النهائية لملاقاة الصليبيين بعد أن أرسل قسما من جنوده خلف الخطوط الصليبية لقطع الطريق عليهم وخداعهم عبر إظهار حجم قواته بأقل مما هي عليه وباغت السلطان بايزيد الأول الصليبيين بأن إخترق خطوطهم ليلا وإتجه إلى أسوار المدينة حيث نادى صاحبها دوغان بك مستعلما عن بعض دفاعاتها قبل أن يعود إلى معسكره ولما تصور سيكيسموند أن حجم القوات العثمانية يعد ضئيلا مقارنةً بقواته إغتر بنفسه وقواته وقال مقولته الشهيرة لو إنقضت السماء عليائها لأَمسكناها بحرابنا كما إغتر الفرسان الفرنسيون ووعدوا أنفسهم بالنصر وإبادة الجيش العثماني وكانت الوحدة المجرية في الجيش الصليبي هي أكبر الوحدات تليها الوحدة الفرنسية ثم وحدات سائر الأقوام الأوروبية والواقع أن هذا الجيش العرمرمي حمل في طياته بذور إخفاقه أمام العثمانيين فلم يكن الجنود الأوروبيون قد شاهدوا أو خاضوا حربا بهذا الحجم من قبل ولا حتى طالعت عنها في الكتب وكان كل منهم لا يجيد لغة الآخر وكانوا يجهلون تكتيك الحرب العثمانية وإشتهروا بقلة الإنتظام مقارنةً بِالعثمانيين وإعتادوا شرب الخمر في معسكراتهم وفي المقابل وبإختصار كان الجيش الصليبي غير متجانس و أهداف وحداته مختلفة بينما كان الجنود العثمانيون وبِالأخص فرقة الإنكشارية على درجة عالية من الإنضباط والإنسجام ولا يعرفون حرفةً سوى القتال وكانوا أيضا أكثر تنظيما وسلاحا وتدريبا من الجنود الصليبيين وكانوا يتحدثون لغة واحدة أو لغتين كحد أقصى وهما التركية والعربية وإلتحم الجيشان يوم الإثنين 21 ذي الحجة عام 798 هجرية الموافق يوم 25 سبتمبر عام 1396م ودارت بينهما رحى معركة ضارية وإضطرب الصليبيون عندما ضيق السلطان بايزيد الأول الخناق عليهم فإندفعت القوات الفرنسية متجاهلة طلب الملك المجري ضبط النفس فوقعوا في الفخ الذي نصبه لهم بايزيد وما أن إعتلوا إحدى التلال إلا وفوجئوا بِالجزء الرئيسي من الجيش العثماني ينتظرهم فولوا الأدبار منسحبين فيما أعمل العثمانيون فيهم القتل وإنعكس إضطراب وإنهزام القوة الفرنسية على مجمل الجيش الصليبي فأخذ بعض القادة في الإنسحاب من الميدان فتضعضع الجيش وتفر عساكره وحاول بعضهم الهرب عبر نهر الدانوب لكنهم فُوجئوا بالفرسان السپاهية الثقيلة الدروع وقد إصطفوا على طول النهر من أوله إلى آخره فوقع عشرة آلاف جندي صليبيٍ أسير في أيدي العثمانيين كان من بينهم القمص يوحنا ڤالوا وعدد من أشراف فرنسا فيما حاول الباقون الهرب عبر النهر فغرق منهم الكثيرون وتمكن آخرون من الهرب بشكلٍ منفرد كان من بينهم سيكيسموند ملك المجر وهنري الرابع الذي أصبح ملك إنجلترا لاحقا وأمير البحار البندقي طوماس موسينجيو الذي أصبح دوقا لجمهورية بلاده لاحقا .
وبذلك تحقق النصر للعثمانيين وغنموا من هذه المعركة غنائم كثيرة وإستولوا على ذخائر العدو وجرت مفاوضات عثمانية فرنسية بعد المعركة أسفرت عن إطلاق سراح يوحنا ڤالوا ونبلائه لقاء فدية إتفق على مقدارها ويقال إن السلطان بايزيد الأول لما أطلق سراح القمص وكان قد إلتزم بالقسم على أن لا يعود لمحاربة المسلمين قال له إِني أُجيز لك ألا تحفظ هذا اليمين فأَنت فِي حل من الرجوعِ لمحاربتي إِذ لا شئَ أحب إِلي من محاربة جميع مسيحيي دول أوروبا والإنتصار عليهم ومما يذكر أنه قد ثارت ثائرة السلطان بايزيد الأول عندما رأى العدد الكبير من المسلمين ومن الحامية العثمانية الذين قتلهم الصليبيون على أسوار مدينة نيقوبوليس قبل إندلاع المعركة بالإضافة إلى ما خسره الجيش العثماني من الجنود خلال المعركة فأمر بإعدام أسراه العشرة آلاف ثأرا وإنتقاما للذين قتلهم الصليبيون وكانت في الحقيقة مقتلة دموية لهؤلاء لم تتوقف إلا بعد توسل قادة الجيش العثماني إلى السلطان بايزيد الأول كي يخلي سبيل الباقين وبهذا النصر الذى حققه العثمانيون أيضا تمكنوا من السيطرة بعد هذه المعركة على كامل أنحاء بلغاريا بعد أن إستردوا مدينتي ڤيدين وراهوڤة الهامتين وكامل البلاد التي فقدوها وحصنوا مواقعهم في منطقة البلقان ولذا فقد تعرضت المجر والدول الأوروبية الغربية لهزة جسيمة زعزعت كيانهم بشكل لم يعد يسمح لهم بإطلاق يدهم في البلقان وكانت المجر وملكها سيكيسموند الأكثر تأثرا بهذه الهزيمة إذ تضاءلت مكانة هذا الملك ودولته في عيون المجتمع الأوروبي وتبخر ما كان يحيط بهما من هيبة ورهبة وفي المقابل تزايدت هيبة العثمانيين أمام الأوروبيين الذين إعترفوا بظهور دولة إسلامية جديدة وقوية في مناطق آسيا الصغرى والبلقان وإعترفت الأقطار الإسلامية في المشرق بضرورة الوجود العثماني على المسرح السياسي حيث كان لإنتصارات السلطان بايزيد الأول على القوى الصليبية صدى عميق لدى السلطان المملوكي في مصر سيف الدين برقوق والخليفة العباسي الشرفي أبو عبد الله محمد المتوكل على الله الذي كان يقيم في القاهرة في حماية سلاطين المماليك منذ سقوط العاصمة العباسية مدينة بغداد في أيدي المغول بقيادة قائدهم هولاكو خان عام 656 هجرية الموافق عام 1258م ولهذا منح الخليفة بايزيد لقب سلطان رسميا مكافأة له على تلك الجهود الكبرى التي بذلها من أجل الإسلام والمسلمين وكان قد منح أيضا قبل ذلك السلطان مراد الأول والد السلطان بايزيد الأول نفس اللقب نظرا لما بذله أيضا من أجل الإسلام والمسلمين فأصبغ بذلك على السلطة التي مارسها السلطان بايزيد الأول هو وأبيه السلطان مراد الأول وأجداده السلطان أورخان غازى والسلطان عثمان غازى من قبل طابعا شرعيا ورسميا كما خلع الخليفة العباسي على السلطان بايزيد الأول ألقابا تشريفيةً أُخرى أبرزها سلطان إقليم الروم وجلال الدين وصاعقةُ الإسلام ومما يذكر أن السلطان بايزيد الأول قد أرسل للسلطان المملوكي هديةً منها مائة أسير من الإفرنج والطليان .
|