الأحد, 8 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

السلطان محمد الأول
-ج2-

السلطان محمد الأول
-ج2-
عدد : 07-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”


كانت الأعباء التي يحملها السلطان محمد چلبي علي عاتقه أعباءاً كبيرة وثقيلة ،وكان في مقدمتها ضرورة إعادة الأمن والإستقرار المفقودين إلى دولته فإتبع سياسة السلم والمهادنة مع القوى المجاورة لإبعاد دولته التي تمر بمرحلة النقاهة عن الأخطار ولينصرف إلى لملمة أجزائها التي كادت أن تتبعثر فخاطب مبعوثي الجمهوريات الإيطالية البندقية وجنوة وراكوزة وممثلي الصرب والأفلاق والأرناؤوط الألبان الذين جاءوا يباركون إنتصاره وتربعه على العرش قائلا قولوا لحكامكم وأُمرائكم إِني أُريد السلام معهم والذى لا يريد السلام فخصمه الله راعي السلام الأكبر ويروى أن الإمبراطور البيزنطي لما قدم الدعم للسلطان محمد چلبي ضد أخيه موسى چلبي كان قد أبرم معه معاهدةً في أُسكدار التي تقع علي الضفة الشرقية لمضيق البوسفور نصت على تعهده للإمبراطور البيزنطي بإعادة جميع الأراضي التي إستولى عليها موسى چلبي من بيزنطة والواقعة بجوار العاصمة البيزنطية القسطنطينية وسالونيك ببلاد اليونان مقابل مساعدة الإمبراطور له في العبور إلى الروملي وتقديم المساعدة العسكرية عند الضرورة لذلك أرسل الإمبراطور البيزنطي وفدا إلى السلطان محمد الأول لتقديم التهنئة بإنتصاره والطلب منه إعادة الأراضي التي سيطر عليها موسى چلبي من الروم ولما كان السلطان العثماني حريصا على المحافظة على محالفة إمبراطور الروم في هذه المرحلة الحرجة والدقيقة من حياة الدولة العثمانية ويدرك أنه لولا مساعدته له لكانت قد تعرضت الدولة لخطر الإنفصام فقد قبل أن يرد له البلاد التي فتحها أخوه موسى چلبي على ساحلي البحرين الأسود ومرمرة كما أعاد إليه ضواحي سالونيك وتذكر المصادر الغربية أن السلطان محمد چلبي خاطب مبعوثي الإمبراطور البيزنطي قائلا بلغوا تحياتي إِلى والدي الإِمبراطور الذي بمساعداته الفعلية لي تمكنت من إعتلاء عرش والدي ولسوف أبقي مطيعا له طاعةَ الولد لأبيه وقد أكد السلطان محمد چلبي سياسته السلمية تجاه جيرانه الأوروبيين خوفا من ظهور خطر صليبي جديد ضد بلاده في تلك المرحلة الحساسة فإتبع سياسةً مرنةً مع القوى الأوروبية وأقام علاقات ودية مع أُمراء الصرب والأرناؤوط الألبان والأفلاق والبلغار ودلماسيا التي تقع علي الساحل الشرقي للبحر الأدرياتيكي بكرواتيا حاليا ويانية بجنوب ألبانيا حاليا ومع أمير بلاد المورة البيزنطي تيودور باليولوك بن يوحنا الخامس شقيق الإمبراطور البيزنطي عمانوئيل والتي تقع جنوبي اليونان وقد أثمرت سياسة السلطان محمد چلبي السلمية سريعا إذ رفض الإمبراطور البيزنطي إيواء الشاهزاده أورخان بن سليمان چلبي في القسطنطينية عندما بدأ يعلن حقه في عرش آل عثمان بصفته ولي عهد أبيه الذي كان من وجهة نظره السلطان الحق كونه أقام في العاصمة إدرنه وكان أول من بويع بين إخوته بعد وفاة ابيهم السلطان بايزيد الأول وأيده في ذلك جماعة من المتمردين على حُكم السلطان الجديد محمد چلبي إلا أن الإمبراطور رأى أن مصلحته تقتضي الحفاظ على السلام القائم مع السلطان العثماني الذي ما يزال قادرا علي تهديد البيزنطيين رغم ما حل بدولته من مصائب ولما أحس أورخان بإنعدام فُرصة مساعدته من جانب الإمبراطور البيزنطي غادر القسطنطينية قاصدا الأفلاق شمالي نهر الدانوب لكن وهو في طريقه وعند وصوله إلى قلعة قرين آباد إعترضته فرقة عسكرية من فرسان الآقنجية العثمانيين الخفيفي التدريع ومنعوه من متابعة التقدم وإجتياز هذه النقطة وإضطر السلطان محمد الأول أمام ذلك إلي أن يسوق جيشا للقضاء على إبن أخيه ومن والاه من العصاة فلقيهم وقاتلهم وأنزل بهم هزيمةً منكرة وأُلقي القبض على أورخان بن سليمان چلبي وتم تسليمه لعمه السلطان محمد چلبي الذي أمر بفقأ عينيه لِيمنعه من تكرار فعلته أبدا وأرسله منفيا إلى بورصة وتنص بعض المصادر إلي أن من ألقى القبض على الشاهزاده أورخان المدعي بالحق في العرش كان الإمبراطور البيزنطي نفسه الذي رغب بحسب الظاهر أن يظهر حسن نواياه تجاه السلطان العثماني فسلمه إبن أخيه ليظهر أمامه بمظهر الحليف الوفي الملتزم بالعهود والمواثيق وبعد هذه الحادثة التي أقلقت مضجع السلطان ووجهت أنظاره ناحية الروملي ساد السلام والهدوء على الحدود الغربية لِلدولة العثمانية إلي حين وأصبح بإمكان السلطان محمد چلبي التركيز على حل المشكلات السياسية بالأناضول وكان أولها عصيان الأمير القرماني .


وفي البداية وقبل أن نتحدث عن المشاكل التي كان علي السلطان محمد چلبي حلها في الأناضول نذكر أنه كان قد قضي علي إمارة صاروخان خلال عام 1410م خلال فترة الفوضى التي مرت بها الدولة العثمانية وإعترفت أكثرية الإمارات التركمانية الأناضولية التي أحياها تيمورلنك بسيادة بني عثمان عليها لكن رغم ذلك فإن الأراضي التي كانت تحت حماية أو حكم العثمانيين في عام 1413م كانت قد تراجعت مساحتها بمقدار 247 ألف كيلو متر مربع عما كانت عليه في عام 1402م في أواخر عهد السلطان بايزيد الأول وكان هذا الأمر يعد خسارة كبيرة لا يستهان بها وفي بداية عهد السلطان محمد چلبي في عام 1413م بلغت مساحة الأراضي الخاضعة لحكمه نحو 694 ألف كيلو متر مربع منها 368 ألف كيلو متر مربع في الأناضول والباقي ويبلغ حوالي 376 ألف كيلو متر مربع يقع في منطقة الروملي بقارة أوروبا وكانت أملاك الدولة العثمانية في الأناضول والروملي تشمل حينذاك إمارات تكة وآيدين وذي القدرية بالأناضول والأفلاق والصرب وراكوزة بالروملي أما إمارات كرميان وجندرلي ومنتشا والقرمان فقد كانت تدعي الإستقلال تماما أو تعترف بسيادة بني تيمورلنك عليها ومما يذكر أن إمارات الأناضول المذكورة كانت قد ظهرت إلي الوجود بعد إضمحلال دولة آل سلجوق وكانت إمارة القرمان أشد تلك الإمارات نزعةً نحو الإستقلال ولطالما كان موقف حكامها تجاه العثمانيين متقلبا إذ كانت ترمي إلى إحياء سلطنة سلاجقة الروم عبر ضم جميع الإمارات التركمانية الأناضولية تحت جناحها لذلك إتخذت تلك الإمارة موقفا معاديا من العثمانيين خِلال فترة توسعاتهم في آسيا الصُغرى وأذعنت لهم وحالفتهم لما أيقنت عدم قدرتها على مقارعتهم إلا أن أُمراءها كانوا يعودون ويعلنون العصيان في أقرب فُرصة ممكنة ولم يتغير الأمر في عهد السلطان محمد الأول فعلى الرغم من أن الأمير القرماني ناصر الدين محمد بك كان قد أعلن تبعيته للسلطان العثماني خلال دور الفترة إلا أنه إستغل إنشغال الأخير في توطيد حكمه ومحاربته أخيه موسى چلبي ثم إبن أخيه أورخان في الروملي فهاجم إمارة كرميان بغرب تركيا وحاصر عاصمتها كوتاهية التي لم تلبث أن سقطت بيده ومعها سائر بلاد الكرميانيين بحلول عام 1411م فإضطر الأمير الكرمياني يعقوب بك بن عمر إلى الهروب من أمام خصمه ولجأ إلى العثمانيين في بورصة ومكث يعقوب بك في البلاط العثماني حوالي سنتين حتى إستتب الأمر للسلطان محمد الأول وحينها أعلن خضوعه له وتبعية الإمارة الكرميانية للدولة العثمانية مما أثار غضب ناصر الدين محمد القرماني فإجتاح الأراضي العثمانية المجاورة لإمارته حتى وصل إلي بورصة وضرب الحصار عليها عام 817 هجرية الموافق عام 1414م ودام الحصار القرماني علي بورصة مدة 34 يوما وفق بعض الروايات ووفق روايات أُخرى فقد إستمر 31 يوما ودافع صاحب المدينة الحاج عوض باشا دفاعا مستميتا عنها ورد هجمات القرمانيين عدة مرات حتي يأس ناصر الدين محمد من الإستيلاء على المدينة العتيقة فصب جام غضبه وبأسه على تربة السلطان بايزيد الأول فقام بعملٍ شنيعٍ أثار حفيظة المسلمين إذ نبش قبر بايزيد المتوفي قبل 10 سنوات وأخرج رفاته وأحرقها وأثناء ذلك كانت وحدة عثمانية صغيرة تجلب نعش موسى چلبي إلى بورصة ليدفن بِجوار أبيه وأجداده فظن الأمير القرماني أن هذه الوحدة طليعة الجيش العثماني الآتي لِنجدة المدينة ولم يصدق أن محمد چلبي قد إنتصر على شقيقه موسى چلبي وقتله إلا بعد أن كشف عن وجه جثمان موسى چلبي فإمتلأ الأمير القرماني رعبا ورفع الحصار عن المدينة فورا وأعطى أمر الإنسحاب لجنوده وتنقل بعض المصادر روايةً مفادها أن قائدا عسكريا قرمانيا من خاصة الأمير ناصر الدين لم يتمالك نفسه بعد إعطاء أوامر الإنسحاب فقال لسيده أَيها الأَمير هربت من إبن عثمان الميت فماذا كنت ستفعل لَو كان القادم إبنه الحي وقد تم إعدام هذا القائد شنقا في الحال لجرأته على هذا القول .


وعلي الرغم من إنسحاب القرمانيين من أمام أسوار مدينة بورصة إلا أن السلطان محمد چلبي توجه إلى الأناضول في عام 1414م لمعاقبة الأمير القرماني على فعلته ولإستعراض مهاراته العسكرية أمام الأُمراء التركمان وإظهار قدرة العثمانيين المتفوقة كي لا يفكر أحد الأُمراء في الإنفصال عن الدولة العثمانية مجددا وقبل توجهه لقتال القرمانيين ذهب السلطان محمد چلبي لمعاقبة جنيد بك بن إبراهيم بهادر الآيديني الذي إستولى على كوتاهية بتحريض من الأمير ناصر الدين محمد القرماني وكان جنيد هذا هو آخر أُمراء بني آيدين وكان قد خضع للشاهزاده سليمان چلبي عندما حمل الأخير على إمارة بني آيدين خلال دور الفترة كما ذكرنا في السطور السابقة وتمكن السلطان محمد چلبي من القبض على الأمير جنيد وأخذه معه إلى الروملي وعينه حاكما على مدينة أُخريذة بجمهورية مقدونيا الشمالية حاليا بمنطقة البلقان ولما قتل سليمان چلبي على يد أخيه موسى چلبي وإستقل الأخير ببلاد الروملي أطلق سراح جنيد بغية توجهه إلى الأناضول لإثارة المشاكل في وجه السلطان محمد چلبي ولما إضطر الأمير القرماني إلى الإنسحاب من أمام مدينة بورصة تشجع جنيد بك على إشهار العصيان وإحتلال كوتاهية وبعض أعمالها في سبيل إشغال العثمانيين عنه وبدايةً حاول السلطان العثماني تجنب الدخول في معركة مع الأمير الآيديني وأرسل له يطالبه بإعادة البلاد التي إستولى عليها ويخبره أنه سيتركه حاكما على إزمير وأعمالها طالما سيعترف بالسيادة العثمانية وإقترح عليه أن يتصاهر البيتان العثماني والآيديني بأن يتزوج السلطان إبنة جنيد بك ولما تلقى جنيد هذه الرسالة سخر من العرض الوارد فيها وزوج إبنته لِأحد عبيده الأرناؤوطيين وأرسل إلى السلطان العثماني رسالةً مهينة جاء فيها إتخذنا لنفسنا صهرا أرناؤوطيا مثلك وهو عبد معتوق مثلك له سيد عظيم مثلك بل هو أصغر منك سنا وأكثر منك حكمةً وأمام هذا الرد القاسي لم يكن أمام السلطان خيار سوى قتال جنيد بك فتوجه على رأس قُواته نحو إزمير معقل الأمير المتمرد وحاصرها وكان جنيد قد خرج منها بعد أن حصنها وتوجه إلى حصن قريب منها يسمي حصن آيا سلوق وفي أثناء حصار إزمير وفد على السلطان محمد چلبي أُمراء تكة وكرميان وجاءته إلتماسات من حكام جزر فوجة ومدللي وساقز ببحر إيجة ومن شيخ فرسان الإسبتارية الصليبيين يرجون فيها حمايته لهم وعارضين عليه مساندتهم العسكرية المباشرة لقواته ضد جنيد وبحسب بعض المصادر فإن هؤلاء أقدموا على هذا الطلب بسبب كرههم الشديد لحكم جنيد المتصف بِالجشع والمكر والدهاء والمراوغة فيما كان السلطان العثماني محمد چلبي حليما بطبعه ويميل الناس بما فيهم خصومه إلى التفاهم معه نظرا لميله إلى المسالمة والمهادنة كما أن قوة جيوشه تجعل من الحكمة الخضوع له ومحالفته وتفادى الدخول معه في قتال مباشر فساهمت سفن رودس الإسبتارية ومدللي في حصار إزمير كما ساهم أُسطول جمهورية جنوة المتواجد في بحر إيجة في هذه العملية أيضا وبعد مضي عشرة أيام على الحصار خرجت زوجة جنيد ووالدته وعياله إلى السلطان العثماني معلنين تسليم المدينة إليه ودخل السلطان محمد چلبي المدينة بعد تسليمها وأصدر فرمانا بِالعفو عن جنيد بك وسلمه إلى والدته التي حملته إليه فعاد الأمير الآيديني إلى مدينته ومثُل أمام السلطان محمد چلبي معتذرا عما بدا منه فسامحه الأخير وتناسى كل ما وقع منه وعينه أميرا على سنجق نيقوبوليس في بلغاريا وولى إسكندر بن يوحنا شيشمان إبن آخر قياصرة البلغار على إزمير وأعمالها وأمر السلطان محمد چلبي بتدمير قلاع المدينة وحصونها وبرجها الذي كان فرسان الإسبتارية الصليببن قد أعادوا بناءه وكانت تلك سياسةٌ حكيمة إتبعها السلطان محمد الأول في التعامل مع الأعداء لأن تلك القلاع والأبراج والتحصينات كانت من العوامل المشجعة على العصيان والتمرد دوما وبذلك دخلت إمارة آيدين في حظيرة الدولة العثمانية من جديد .


وبإنتهاء تمرد جنيد بك أصبحت الدولة العثمانية أكثر قوة وسلطانها محمد چلبي أوسع نفوذا حتى غدا بعض الأُمراء التركمان رهن إشارته فهب أمير قسطموني عز الدين إسفنديار بك الجندرلي مرسلا جيشا كبيرا جاعلا على رأسه إبنه قاسم لمساعدة السلطان العثماني في مواجهته للأمير محمد القرماني كما قدم الأمير الكرمياني يعقوب بك بن عمر كل التسهيلات الممكنة لإنجاح الحملة العثمانية على العدو المشترك ووجه السلطان محمد چلبي ضربتين قاصمتين لِلأمير القرماني الأولى في عام 817 هجرية الموافق عام 1414م والثانية بعدها بعام وفي الحملة الأولى إكتسح العثمانيون الإمارة القرمانية وإستعادوا بعض المدن والقلاع مثل بيشهر وآق شهر ويكشهر وسيدي شهر وسعيد إيلي دون مقاومة تذكر ولم يحل بين العثمانيين ودخول مدينة قونية عاصمة الإمارة القرمانية إلا السيول الناجمة عن الأمطار الغزيرة التي هطلت على المدينة وضواحيها وعرقلت حركة العساكر وآلات الحصار لذلك قرر السلطان محمد چلبي ألا يمضي قدما في حملته هذه ويؤجلها إلى فرصة قريبة وواصل السلطان محمد چلبي عملياته العسكرية ليضع حدا للتوتر الحاصل على الحدود الشرقية للدولة الناجم عن العداء السافر بين الدولتين القره ‌قويونلوى والآق‌ قويونلوية بشرق الأناضول وحركات الأمير عز الدين إسفنديار بك الجندرلي التوسعية إذ حاصر پير عمر صاحب أرزنجان بشرق تركيا والمعين من قبل الپادشاه القرة ‌قويونلوي أبو النصر قره‌ يوسف بن محمد مدينة قره‌ حصار شرقي الواقعة في أقصى ولاية أرضروم بشمال شرق تركيا وتمكن من أسر حاكمها قبل وصول النجدات العثمانية إليه وسيطر إسفنديار بك الجندرلي على مدينة صامصون وبفرة على البحر الأسود معينا إبنه خضر حاكما عليها ويبدو أن أمير قسطموني كان يطمح في توسيع رقعة إمارته الشمالية مستغلا إنشغال العثمانيين بحرب القرمانيين ويأمل في الوقت نفسه محالفتهم بحيث يصرف السلطان محمد چلبي النظر عن ضم بلاده إليه على أن السلطان لا يبدو أنه كان ليقنع بأقل من إستعادة كل البلاد التي ضمها أبوه السلطان بايزيد الأول إلى الدولة العثمانية مرة أخرى وما كان لينخدع بِتودد إسفنديار بك إليه ومده بجيش لقتال الأمير القرماني لذلك أعد السلطان محمد چلبي حملةً عسكرية سلم إمرتها إلى قائد يدعى حمزة بكر أوغلي وكلفه بإسترداد القسم المسيحي من مدينة صامصون وهو القسم الذي كان يسيطر عليه الجنويين بينما قاد هو بنفسه حملة صامصون المسلمة الخاضعة لآل الجندرلي وإضطر الجنويين إلى ترك صامصون المسيحية بعد أن خربوها وأضرموا فيها النار وركبوا سفنهم ورحلوا قبل وصول الجيش العثماني إليها كذلك إستسلم خضر بك بن إسفنديار حاكم صامصون المسلمة للسلطان محمد چلبي دون مقاومة والذي ضم إلى دولته مدينة جانيك أيضا والتي تقع بشمال تركيا علي البحر الأسود .


وبعد ذلك إلتفت السلطان محمد چلبي بعد ذلك إلى الأمير القرماني مجددا الذي إسترد بعض البلاد من العثمانيين أثناء إنشغالهم بقتال الجندرليين شمال آسيا الصغرى فأرسل الصدر الأعظم بايزيد باشا الأماسيلي على رأس جيش لإخضاع ناصر الدين محمد بك بالقوة إذ حال المرض دون قيادة السلطان محمد چلبي للحملة بنفسه وتوجه الصدر الأعظم إلى الإمارة القرمانية عام 818 هجرية الموافق عام 1415م وقرر أن يوفر عناء القتال علي جنوده بأن يحاول خداع الأمير ناصر الدين وإيقاعه في فخ والقبض عليه فكتب إليه راجيا قُدومه بأقل قوة عسكرية ممكنة للتشاور معه بشأن الخطوات الواجب إتخاذها فيما لو توفي السلطان العثماني وإستجاب الأمير ناصر الدين محمد بك لهذا الطلب وسار للقاء الصدر الأعظم وعسكر على مقربة من مدينة أنقرة فباغته بايزيد باشا ليلا بقوة عسكرية كبيرة وألقى القبض عليه وعلى إبنه مصطفى وسلمهما إلى السلطان العثماني محمد چلبي ولما مثُل الأمير القرماني بين يدي السلطان العثماني طلب منه العفو والسماح وقبل يده ثم أقسم له يمينا عظيما على كتاب الله بأن لا يخون الدولة العثمانية فيما بعد فعفا عنه السلطان وأطلق سراحه وقلص حدود الإمارة القرمانية بصورة كبيرة وذلك بإلحاقه عدة مدن وبلدات منها سيوري حصار وبك بازار ويالواچ وشرقي قره‌ آغاچ وقيرشهر وآق شهر وبك شهر وسيدي شهر التي أعطاها تيمورلنك للقرمانيين إلى الدولة العثمانية على أن الأمير القرماني ما أن غادر وعاد إلى مدينته حتي أعلن أن عدائه مع بني عثمان مستحكم من المهد إلى اللحد وأرسل السلطان محمد چلبي إلى السلطان المملوكي يعلمه بالنصر ثم حول إنتباهه مجددا ناحية الإمارات التركمانية مستغلا الصراع الداخلي بين أفراد الأُسر الحاكمة لتعزيز نفوذه وسلطاته في تلك الإمارات فإستغل بنجاحٍ الخلاف الذى نشب بين قاسم بن إسفنديار الجندرلي ووالده فساند قاسم الذي إعترض على تقسيم والده للإمارة بينه وبين أخيه خضر متهما إياه بمنح المناطق الغنية لأخيه وطالبه بإعادة التقسيم فقام السلطان محمد چلبي بمحاصرة مدينة سينوپ مجبرا أمير الجندرلي على التنازل عن مدن توساية وقلعة جك وچانقري بشمال شرق أنقرة ثم قام بدوره بتفويض حليفه قاسم لإدارة تلك المدن وبذلك أنهى السلطان محمد چلبي مشكلات الأناضول إلي حين وأصبح بإمكانه التفرغ لأوروبا مجددا من أجل إستعادة الأملاك التي فقدتها الدولة العثمانية في تلك القارة العجوز بسبب كارثة هزيمة السلطان بايزيد الأول في موقعة أنقرة الشهيرة .


وبعد الإنتهاء من قضايا آسيا الصغرى يمم السلطان محمد الأول وجهه شطر الروملي مجددا لإستعادة هيبة الدولة العثمانية في الأرناؤوط الألبان لا سيما أن أُمرائها ووجهائها قد أجبروا بعض الحاميات العثمانية على مغادرة البلاد مستغلين مدة ضعف الدولة وإنشغالها في الحرب بين أبناء السلطان بايزيد الأول ومن ثم النزاعات في الأناضول لذلك قرر السلطان محمد چلبي إستهداف التخلص من هذه النزاعات فهاجم مدينة آقچة حصار الواقعة في مركز المناطق الجبلية بألبانيا وإستعادها للمسلمين في عام 1415م علي الرغم من مناعة إستحكاماتها العسكرية وكان الأمير الأرناؤوطي نيكيتا طوپيا قد أخرج الحامية العثمانية من هذه المدينة عام 1403م بعد أن إنتزعها من شقيقته هيلانة التي كانت تدين بالولاء للعثمانيين كذلك سيطر السلطان العثماني على كل أراضي الإمارة الكستريوتية الألبانية معقل ملوك وأُمراء الأرناؤوط الألبان وأنزل بأمير تلك الناحية المدعو يوحنا كستريو هزيمةً ساحقة فطلب الأمير المذكور الأمان وأعلن طاعته للسلطان محمد چلبي ودخوله في تبعيته فكافأه الأخير بأن سمح له بحكم بلاد آبائه بإسم السلطنة العثمانية وإصطحب معه إبنه الأصغر جرجس والذى عرف لاحقا بإسم إسكندر بك البالغ من العمر 18 عاما ليقيم في البلاط العثماني بإدرنه لضمان إلتزام والده ببنود الإتفاق مع العثمانيين ويبدو أن جرجس المذكور قد أصبح من خاصة غلمان الشاهزاده مراد بن السلطان محمد چلبي فصادقه وقربه إليه وأُرسله فيما بعد مع سائر الغلمان البلقانيين المسيحيين المقيمين بين ظاهرى العثمانيين إلى مكتب الأندرون وهو المدرسة العسكرية المخصصة لتدريب وتخريج الإنكشاريين ولتلقين الفتيان المسيحيين أُصول ومبادئ الإسلام بالإضافة إلى اللغتين التركية والعربية وبعض العلوم الضرورية وكان البنادقة حينذاك يحكمون أرخبيل جزر الكيكلاد ببحر إيجة منذ عهد الحملة الصليبية الرابعة عام 600 هجرية الموافق عام 1204م وكان هدفهم الرئيسي من السيطرة على تلك الجزر هو تأمين الطريق البحرية التجارية المؤدية إلى الشرق لذلك أنشأوا إلى جانبها مستعمرات متعددة في سواحل الأرناؤوط والمورة واليونان لتمدها بالرجال والسلاح والمواد الأولية اللازمة لِضمان صمودها في وجه أعدائها وشكلت هذه الجزر الهضابية مركزا عسكريا مرموقا لدى البنادقة وأسسوا فيها حكومةً محلية تدين بولائها للحكومة المركزية في الوطن الأُم وتظل مرتبطة بها على الدوام وإتخذ البنادقة من جزيرة نقشة أو ناكسوس مركزا لحكم هذا الأرخبيل وجعلوا على كل جزيرة من الجزر حاكما يتبع أمير نقشه ومن تلك الجزر جزيرة أندروس التي كان حاكمها في عهد السلطان محمد چلبي يدعى بطرس زنون ويبدو أنه تخوف من توسعات العثمانيين في الأرناؤوط ومن حركة سفنهم في بحر إيجة خاصة بعد أن سعى السلطان محمد چلبي إلى تعزيز القوة البحرية العثمانية فزاد من عدد سفنه وسعى للتضييق على حركة البنادقة في البحر المذكور متحديا سيطرتهم المطلقة عليه وتعامل حاكم أندروس مع السفن العثمانية بعدائية وبحسب المؤرخ البندقي مارينو سانوتو الأصغر فإن بطرس زنون أغار على سواحل الدولة العثمانية وسفنها التجارية مما أثار غضب السلطان محمد چلبي ولما كان الحاكم المذكور من جملة الحكام المحليين الذين لم يقفوا بجانب العثمانيين أثناء قتالهم الأمير الآيديني جنيد بك بن إبراهيم ولم يكن كذلك من ضمن الحكام الذين أقبلوا على السلطان العثماني لِتهنئته والإعتراف بسلطنته عند إنتهاء دور الفترة فإنه لم يدخل في قائمة الحكام الأوروبيين الذين شملتهم معاهدة السلام العثمانية فإستمر السلطان العثماني محمد چلبي ينظر إليه بعين الريبة فيما بقي هو يغير على السفن العثمانية بين الحين والآخر من تلقاء نفسه لذلك قرر السلطان محمد الأول معاقبته على تصرفاته فأمر بإعداد أُسطولٍ في ميناء كاليبولي بلغ تعداده عدد 30 سفينة وأوكل قيادته إلى القبطان جاولي بك وأرسله لِلإغارة على ممالك جمهورية البندقية الإيطالية وهاجمت السفن العثمانية جزر أندروس وبرة وميلوس ووابية وعادت منها محملة بالأسرى والغنائم ثم أغارت على ثغر نجربونت بوسط اليونان وعادت منه بما بين 1400 إلي 2000 أسير بيع معظمهم رقيقا وقد إضطر البنادقة المقيمين في المستعمرات المذكورة أمام الضغط العثماني المتزايد أن يطلب من حكومتهم المركزية أن تسمح لهم بالدخول تحت حماية العثمانيين ودفع جزية سنوية لهم في مقابل إحتفاظهم بإمتيازاتهم التجارية وحق الملاحة في البحار الشرقية لكن الحكومة رفضت هذا الطلب بإجماع أعضائها وقرروا غض النظر عن غارات بطرس زنون مما زاد من حدة الهجمات العثمانية على المستعمرات البندقية ومن ثم لاحت في الآفاق علامات تشير إلي إمكانية نشوب حرب عثمانية بندقية بحرية .


ولما إستمرت الأعمال العدائية من جانب جمهورية البندقية جهز السلطان محمد الأول أُسطولا جديدا تكون من عدد 42 سفينة متنوعة وسيرها إلى ثغر نجربونت مجددا فقصفت الحصن البندقي فيه لكنها فشلت في إقتحامه لمناعة إستحكاماته ومقاومة حاميته ولما كان هذا الهجوم العثماني هو الأعنف حتى ذلك التاريخ قررت الحكومة البندقية إرسال وفد دبلوماسي للتفاوض مع السلطان العثماني في سبيل التوصل إلى حل مرضي للطرفين على أساس بنود المعاهدة السابق إبرامها مع موسى چلبي بتاريخ 13 جمادى الأولى عام 814 هجرية الموافق يوم 3 سبتمبر عام 1411م عندما كان الأخير ما يزال يسيطر على الروملي والتي إعترف فيها بحقوق البنادقة الملاحية وإمتيازاتهم التجارية وحقوقهم الإستيطانية في اليونان وألبانيا في مقابل دفعهم جزية سنوية كما هدف البنادقة من وراء بعثتهم هذه إلى مفاوضة السلطان العثماني حول إمكانية إطلاق سراح الأسرى الذين وقعوا بيده خلال الغارات المتتالية على المستعمرات البندقية وأعد البنادقة أُسطولا مكونا من خمسة عشر غليونا سلموا قيادته إلى بطرس لوريدينو وفوضوه إجراء مباحثات الصلح مع السلطان محمد چلبي بإسم الحكومة البندقية كما أجازوا له مهاجمة وقصف الثغور العثمانية فيما لو أصر السلطان على مواصلة القتال ولم يجنح للسلم ووصل الأُسطول البندقي إلى المياه العثمانية يوم السبت 18 ربيع الأول عام 819 هجرية الموافق يوم 16 مايو عام 1416م وبحسب المؤرخين البنادقة فإن لوريدينو تجنب إستفزاز العثمانيين أو الظهور أمامهم بمظهر معادى وما أن وصل ثغر كاليبولي الذي شكل القاعدة البحرية للأُسطول العثماني لكن الجيش المرابط في الثغر هاله عدد السفن القادمة ويبدو أنهم ظنوا أنها آتية للحرب فأمطروها بالسهام وحاول البنادقة الإبتعاد عن مرمى العثمانيين لكن المد لم يكن في صالحهم فإقتربوا أكثر من الشاطئ وأُصيب بعضهم فأمر لوريدينو بقصف مواقع رباط العساكر العثمانية بالمدافع فقتل منهم بضع جنود وإنسحب الباقون وفي فجر اليوم التالي أرسل لوريدينو سفينتين إلى ميناء كاليبولي لإفتتاح المفاوضات فهاجمتها 32 سفينة عثمانية وتطور الأمر إلى معركة بحرية مصغرة لم تحسم لأى طرف وإحتج لوريدينو لدى قائد الحامية العثمانية في كاليبولي وأرسل له يخبره أن هدف البندقية ليس إثارة المزيد من المشاكل مع الدولة العثمانية بل إنها تسعى للصلح والسلام وإن ما جرى كان سوء تفاهم فأكرم العثمانيون المبعوث البندقي وأرسلوا إلى لوريدينو يعلمونه أنهم على إستعداد تأمين مسار آمن له ولرجاله حتى يصل القصر السلطاني في إدرنه وتنص المصادر البيزنطية علي أنه في اليوم التالي لهذه المراسلات خرجت سفينة تجارية جنوية من ميناء القسطنطينية وفُوجئت بالسفن البندقية أمامها فأطلقت عليها بضع طلقات مدفعية تحذيرية فظن البنادقة أنها سفينةٌ عثمانية تتصرف معهم تصرفا عدائيا فأطلقوا عليها نيران مدافعهم وكانت السفن العثمانية الراسية في ميناء كاليبولي قد إعتقدت بدورها أن السفينة الجنوية تتبعها فتحركت إحدى السفن للدفاع عنها وأمام هذا الواقع تعقد الوضع وإعتقد كل من الطرفين أن الآخر هو البادئ بِالهجوم فأطلق البنادقة النار على السفينة العثمانية فتم الرد عليهم بالمثل وتحركت باقي السفن العثمانية وأطلق بحارتها سهامهم على السفن البندقية فقتلوا عددا من أفراد طواقمها وأُصيب لوريدينو نفسه بعدة أسهم فقأ أحدها عينه لكنه تابع القتال طيلة النهار حتى ساعات الليل الأولى وتمكن من إنزال هزيمة بالعثمانيين فقتل قائد الأُسطول جاولي بك وعدد من القباطنة والربابنة المسلمين والكثير من البحارة كما خسر العثمانيون عدد 15 سفينة ووقع عدة جنود في الأسر وفي المقابل بلغت خسائر البنادقة حوالي عدد 12 قتيلا وعدد 340 جريحا وبعد هذا النصر غادر البنادقة بسفنهم إلى جزيرة بزجه ‌أده قبالة سواحل الأناضول لإصلاح ما تضرر منها وللعناية بجرحاهم وفي الجزيرة المذكورة عقد لوريدينو مجلسا حربيا لمناقشة الخطوات التالية فكان الرأي مواصلة الضغط على العثمانيين لإرغام السلطان على الإعتراف بالمعاهدة المبرمة سابقا مع موسى چلبي إلا أن أحد القباطنة البندقيين المدعو دلفين ڤنير يبدو أنه قد تصرف من تلقاء نفسه فراسل السلطان محمد چلبي وعرض عليه تبادل الأسرى كخطوة أولى لإعتماد صلحٍ شامل لكن سرعان ما إعترضت الحكومة المركزية لجمهورية البندقية على هذا التصرف معتبرة أن الأسرى العثمانيين لا يمكن الإستغناء عنهم بهذه السهولة كونهم بحارةٌ مهرة وإن عودتهم إلى بلادهم تعني إنعاش الأُسطول العثماني ومواصلته غاراته البحرية على المستعمرات البندقية فأُمر دلفين ڤنير أن يعود فورا ولما وصل إلى البندقية قبض عليه وحوكم بتهمة الخيانة فتوقفت المفاوضات مع السلطان العثماني محمد چلبي لفترة من الزمن .

وعلي صعيد آخر كانت الإمارة الأفلاقية شمالي نهر الدانوب تخضع للسيادة العثمانية منذ أن قهر السلطان العثماني بايزيد الأول أميرها ميرݘه الأول في معركة طاحنة يوم 26 رجب عام 797 هجرية الموافق يوم 17 مايو عام 1395م وأكرهه على توقيع معاهدة يعترف فيها بتلك السيادة ويتعهد بدفع جزية سنوية للعثمانيين مع بقاء بلاده له يحكمها بمقتضى عادات وقوانين أهلها ولما وقعت الفوضى بعد وفاة السلطان بايزيد الأول وعصى موسى چلبي أخاه محمد چلبي وإستقل ببلاد الروملي وصاهر الأمير المذكور وتزوج إبنته آرينة فدعمه بالرجال والسلاح ضد أخيه محمد چلبي والذى لما إنفرد بالملك لم يلتفت ناحية الأفلاق مؤقتا لإنشغاله بوأد المشكلات والفتن في إقليم الأناضول أولا ثم إنشغاله بالأزمة السياسية والحرب مع جمهورية البندقية الإيطالية وفي تلك الفترة كان ميرݘه قد أشرك معه إبنه ميخائيل بالحكم وأصبح الأخير الحاكم الفعلي للبلاد نتيجة مرض والده وإنزوائه فخلع طاعة العثمانيين وإستقل ببلاده مجددا محتميا بِسيكيسموند اللوكسمبورجي ملك المجر قائد حملة نيقوبوليس الصليبية زمن السلطان بايزيد الأول والتي إنتصر فيها العثمانيون وظل بعدها سيكيسموند على موقفه المعادي للعثمانيين رغم هزيمته الكبيرة وأوعز سيكيسموند المذكور لميخائيل أن يستمر في عداء المسلمين رغم ما كان ينطوي عليه هذا الأمر من خطُورة فيما لو قرر السلطان العثماني مهاجمة الأفلاق وذلك ليجعل دولته حاجزا بين بلاده والدولة العثمانية فما كان من ميخائيل إلا أن إمتنع عن إرسال الجزية السنوية المقررة عليه للسلطان محمد چلبي ثم إتحد مع سيكيسموند وسارا بجيش كبير وسيطرا على مدينة تورنو سورين التي فتحها العثمانيون قبل عدة سنوات على أن هذه المدينة لم ترجع لحوزة الأفلاق هذه المرة بل وضع الملك المجري يده عليها وإستخلصها لنفسه وأمام هذا التحدى عزم السلطان محمد چلبي على تأديب الأفلاق فنهض ونادى بجمع الجيوش لقتال ميخائيل وأبيه وإصطحب الوحدات التي أرسلها إليه حليفيه أميرا القرمان وجندرلي وإجتاز نهر الدانوب ودخل الأفلاق وأنزل العثمانيون هزيمةً ساحقةً بِالأفلاقيين وأجبروا الأمير ميخائيل علي أن يتنازل للدولة العثمانية عن حصن جورجيو وغيره من الحصون الواقعة على إمتداد نهر الدانوب وأن يدفع كل المبالغ التي كان علي والده دفعها طيلة السنوات الثلاث المنصرمة كما فرض السلطان محمد چلبي على الأمير ميرݘه جزية سنوية مقدارها ثلاثة آلاف قطعة ذهبية في مقابل أن يترك له ولولده من بعده حكم بلادهم ولا يضمها إلى أملاك الدولة العثمانية وعمل السلطان العثماني محمد چلبي على تقوية العلاقات والروابط العثمانية الأفلاقية ليقطع الطريق على أي محاولة تمرد مستقبلية فشيد قلاع تورنوه ويركوي وإيساقجي ويني سالة على ضفاف نهر الدانوب وكان لِقلعة يركوي تحديدا أهمية سوقية وإستراتيجية كبيرة فوصفت بأنها مفتاح قلاع نهر الدانوب المسيطرة على الطريق المؤدي إلى مركز سهول المجر وكان تشييدها بِالذات يهدف إلى إخضاع أمير الأفلاق بشكل دائم للعثمانيين وإصطحب السلطان محمد چلبي معه إبنا ميخائيل وهما رادو وميخائيل الأصغر رهائن لضمان إلتزامه بالسلام وعدم التمرد أو الإعتداء كما أجبراه أيضا علي تقديم مساعدات عسكرية للجيوش العثمانية وقتما يطلب منه ذلك .

وبعد عودته من حملته الأفلاقية سعى السلطان محمد چلبي إلى مسالمة البندقية وإنهاء الأعمال الحربية بين الدولتين ليتفرغ لقتال المجر وملكها سيكيسموند الذي كان أصل الفتنة والبلاء في الحرب الأخيرة مع إمارة الأفلاق فأرسل أحد وزرائه ويدعى حمزة بك إلى البندقية ومعه عدد 200 أسير من الجنود البنادقة الذين وقعوا في قبضة العثمانيين خلال غزواتهم البحرية فوصل الوزير المذكور إلى البندقية يوم 6 محرم عام 820 هجرية الموافق يوم 24 فبراير عام 1417م وإجتمع بحكومتها وطالب أعضائها بإطلاق سراح الأسرى المسلمين تماما كما أُطلق سراح أسراهم ورفضت الحكومة البندقية هذا المقترح قائلةً إن هذا لا يصح كونه ولا تجوز المقارنة بين أسرى الحرب وأسرى الغزوات التي تمت دون إعلان الحرب فلا يمكن مقايضة هؤلاء بِما لديها من أسرى عثمانيين على أنها قبلت إطلاق سراح كبار السن والمرضى منهم وبعد حوالي شهرين أرسل البنادقة إلى سفيرهم في القسطنطينية يطلبون منه أن يسعى لإقناع السلطان محمد چلبي بقبول عرضهم الأول للصلح وهو إحياء المعاهدة المبرمة مع موسى چلبي فحاول السفير البندقي مقابلة السلطان محمد چلبي عدة مرات لكنه قوبل بالرفض على الدوام ويعتقد أن سبب ذلك هو إصرار السلطان محمد چلبي على عرضه المقدم إلى البنادقة المذكور في السطور السابقة وأمام هذا التصلب في المواقف إضطر البنادقة إلى أن يوسطوا الإمبراطور البيزنطي بينهم وبين العثمانيين فقام الإمبراطور البيزنطي عمانوئيل الثاني الذي كان يسالم المسلمين ويصادق السلطان العثماني وبهذا التوسط فجرت مذكرات مطولة وعقدت معاهدة للصلح بين الطرفين في يوم الثُلاثاء 25 جمادى الأولى عام 820 هجرية الموافق يوم 21 يوليو عام 1417م إتفق فيها على تبادل أسرى الحرب بين الجانبين فيعيد البنادقة أسرى معركة كاليبولي بينما يطلق العثمانيون أسرى غزوة ثغر نجربونت مع الإعتراف بدوقية أرخبيل جزر بحر إيجة بوصفها طرف مستقل عن جمهورية البندقية فلا تتحمل الأخيرة وزر أعمالها العدائية ضد سفن وثغور العثمانيين وذلك إلي جانب تأكيد حقوق الطرفين العثماني والبندقي في التجارة بِأراضي الطرف الآخر بسلام وإعتراف السلطان محمد چلبي بسيطرة جمهورية البندقية على عدد 38 حصن وجزيرة ومحلة بأسمائها الصحيحة التامة في بحر إيجة وسواحل البلقان كما نصت المعاهدة علي أن تدفع جمهورية البندقية جزية سنوية إلى السلطان محمد چلبي مقابل سيطرتها على مدينة ليپانت التي تقع علي البحر الأيوني المتفرع من البحر المتوسط بألبانيا وجزية سنوية أخرى لقاء سيطرتها على ثغور ليشة ودرشت وإشقودرة في ألبانيا أيضا وبإتمام هذا الصلح إستقرت أوضاع الدولة العثمانية على أطرافها الجنوبية المطلة على البحر المتوسط وعادت السفن البندقية تبحر وتتاجر مع مدنها وأضحى بإمكان السلطان محمد چلبي أن يوجه إهتمامه ناحية المجر .


وكان ملك المجر سيكيسموند اللوكسمبورجي قائد حملة نيقوبوليس الصليبية قد توج ملكا على المانيا وأيضا إمبراطورا للإمبراطورية الرومانية المقدسة يوم 23 شعبان عام 817 هجرية الموافق يوم 8 نوفمبر عام 1414م بعد أن إختاره الأُمراء الناخبون لخلافة الملك روبرت الڤيتلسباخي والإمبراطور كارل الرابع على التوالي وقد أعلن سيكيسموند إستمرار عدائه للعثمانيين عندما أوعز للأمير الأفلاقي بخلع طاعتهم كما ذكرنا في السطور السابقة ثم ساعده في السيطرة على بعض المدن التي كان العثمانيون قد فتحوها ولما أصبح إمبراطورا جمع بين ملك المجر والمانيا وبوهيميا والكروات وأصبح بين يديه قوة عسكرية كبيرة قادرة على تهديد العثمانيين في بلاد شمال نهر الدانوب لذا كان على السلطان محمد چلبي إتخاذ التدابير اللازمة حيال تفاقم هذا الخطر ورتب السلطان هجمات منظمة على إقليم ترانسلڤانيا بجمهورية رومانيا حاليا عقابا لسيكيسموند فجهز جيشا جرارا ولى إمارته القائد إسحٰق بك وهو أحد القادة العسكريين العثمانيين المخضرمين من الذين خاضوا معارك عديدة تحت راية السلطان بايزيد الأول وعينه أميرا على سنجق إسكوپية الحدودى وهي عاصمة مقدونيا الشمالية حاليا ليكون بالمرصاد لأى محاولة تقدم أوروبية وفي تلك الفترة كان سيكيسموند قد أعد جيشا صليبيا قوامه حوالي 15 ألف جندي مجرى ووجهه تحت إمرة إثنين من قادته وفي نيته ضم بلاد البوسنة إلى ممالكه ولما كان هذا الحراك العسكرى قريبا من الحدود العثمانية فقد سار إسحق بك على رأس جيشه المكون من عدد 15 ألف جندي حتي بلغ مدينة دوبوية البوسنية حيث إنضم إليه عدة أمراء ومعهم عدد 10 آلاف جندي وقد تهيأوا للدفاع عن بلادهم ضد المجريين وتقابل الجمعان في المدينة المذكورة حيث أنزل إسحق بك هزيمةً كبيرة بِالجيش المجري وبعثره ووقع أغلب النبلاء والقادة المجريين في الأسر وقد أخافت هذه الهزيمة أعداء العثمانيين في البلقان فأعلن دوق إقليم الهرسك طاعته للسلطان محمد چلبي وتنازل له عن بعض البلاد وتابع إسحق بك زحفه ففتح بعض المناطق البوسنية وسيطر على سراييڤو عاصمة البوسنة والتي أمر السلطان العثماني بتعميرها وتجهيزها والعناية بها كي تكون مركزا لسنجق البوسنة وأكمل إسحٰق بك مسيره فإخترق الكروات ودخل شبه جزيرة إستريا والتي تقع شمال شرق البحر الأدرياتيكي وصار على مشارف مدينة تريستة بشمال شرق إيطاليا علي الحدود بينها وبين دولة سلوفينيا فجزع سيكيسموند جزعا شديدا وتخوف من سيطرة العثمانيين على هذا الميناء التجاري المهم فجمع جيشا جديدا قوامه الألمان والمجريين وأرسله لرد المسلمين لكنهُ مني بهزيمة جديدة على يد القائد العثماني فخسر حوالي 12 ألف جندي من المشاة وحوالي 1400 جندي من الخيالة وعدد 3 من قادته وقد أغرى هذا النصر إسحٰق بك فسار إلى بلاد ترانسلڤانيا وضرب الحصار على مدينة بريشبوروك وهي مدينة براتسيلافا عاصمة دولة سلوفاكيا حاليا فأرسل سيكيسموند جيشا من النمسا لفك هذا الحصار وإشتبك هذا الجيش مع العثمانيين وأرغموهم على فك الحصار عن المدينة ولقي إسحق بك حتفه في هذه المعركة إلا أن الجيش العثماني لم يتراجع فحول زحفه شرقا ودخل منطقة بيسارابيا وهى منطقة جغرافية تقع في أوروبا الشرقية يحدها من الشرق نهر الدنستير ومن الغرب نهر بروت وكان هذا المصطلح يشير إلى ما سمته الإمبراطورية الروسية شرق مولدوفا وحاصر الجيش العثماني قلعة آق كرمان وهي تقع علي الحدود الرومانية الأوكرانية حاليا لكنه لم يتمكن من فتحها ثم حول الجيش مسيره جنوبا مجددا حتى دخل منطقة دبروجة بشمال شرق بلغاريا وجنوب شرق رومانيا وأكمل فتح ما تبقى من بلادها وفرض عليها روابط أمتن مع الدولة العثمانية وفي هذه الحملة تم أسر العديد من الأسرى والغنائم وأنهك الملك المجري وجيوشه فطلب الصلح من العثمانيين وأجابه إليه السلطان محمد چلبي بعد أن أثبت له أن الدولة العثمانية ما زالت قوية وقادرة على ردع القوى المناوئة لها وبعد تأمينه الجبهة المجرية تطلع السلطان محمد چلبي مجددا صوب ألبانيا وذلك لأن إحدى إماراتها وهي إمارة أفلونية كانت تمر بأزمة سياسية شديدة إذ توفي أميرها وتولت أرملته رجينا بالشا شؤون الحكم والتي لم تحسن أداء مهمتها فرأى السلطان العثماني محمد چلبي في ذلك فُرصةً ملائمةً ينبغي إستغلالها لضم تلك الإمارة إلى الممالك العثمانية ولما شعرت الأميرة سالفة الذكر بعزم العثمانيين على ضم بلادها إلى دولتهم وأدركت عجزها عن مقاومتهم راسلت البنادقة وعرضت عليهم تسليمهم الإمارة مقابل ثمن مجز ولما كان البنادقة يرغبون في السيطرة على هذه المنطقة منذ زمن طويل في سبيل تحقيق هدفهم بالحيلولة دون وصول العثمانيين إلى البحر الأدرياتيكي فقد قبلوا هذا العرض على أنهم إعترضوا على المبلغ المطلوب منهم وطالبوا بتخفيضه لكنهم لم يتمكنوا من تقديم مقترحهم هذا إذ سيطر العثمانيون على أراضي الإمارة المذكورة وفتحوا عاصمتها في الوقت الذي كان فيه الوفد البندقي متوجها إليها وقد بقيت هذه البلاد جزءا من الدولة العثمانية لما يزيد عن أربعمائة سنة حتي خرجت من حوزتها في عام 1912م نتيجة ما عرف بحرب البلقان الأولى .
 
 
الصور :
سيكيسموند اللوكسمبورجي ملك المجر