بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
إستطاع السلطان محمد الأول أن يعيد للدولة هيبتها ويضعها على الطريق الذي سيعيد لها مجدها وقُوتها الكبيرة السابقة إلا أنه لم يكد يفرغ من آخر حملاته في أوروبا حتى ظهرت له مشكلة جديدة على درجة عالية من الخطورة تتمثل في فتنة كبرى حيث قامت حركة تمرد وعصيان علي يد قاضي العسكر السابق زمن أخيه الشاهزاده موسى چلبي الشيخ بدر الدين محمود بن إسرائيل السماوني الذي عزله السلطان محمد چلبي بعد أن تمكن من الحكم ثم نفاه إلى مدينة أزنيق بأقصي شمال غرب الأناضول ووضعه في الإقامة الجبرية بعد أن رتب له معاشا يليق به كما ذكرنا في السطور السابقة وكان هذا الشيخ ينحدر من سلاجقة الروم على الأغلب فوالده كان إبن أُخت السلطان السلجوقي علاء الدين كيقباد بن فراموزس وولد إبنه بدر الدين في زمن السلطان العثماني مراد الأول بقرية سماونة وهي إحدى القرى التابعة لمدينة إدرنه التي عين أبوه قاضيا لها وأميرا على عسكر المسلمين فيها وكان فتح تلك القرية على يديه أيضا لما رافق السلطان مراد الأول في حملته على اليونان وتلقي بدر الدين علومه الأولى على يد والده فحفظ القرآن الكريم في قريته ثم إنتقل إلي إدرنه حيثُ تتلمذ على يد المولى المشتهر بالشاهدي وتعلم الصرف والنحو على يد الملا يوسف ودرس على يد قاضي بورصة محمد أفندي والعلامة فيض الله في قونية حيث تلقى من الأخير علوما شتى ومنها الفلك ثم إنتقل الشيخ بدر الدين بعد ذلك إلي مصر وأكمل دراساته العليا في الجامع الأزهر الشريف فقرأ على يد الشريف الجرجاني والعالم مبارك شاه المنطقي وادى فريضة الحج مع هذا الأخير عام 768 هجرية وقرأ بمكة المكرمة على يد الشيخ جمال الدين الزيلعي ثم تابع دروسا في التصوف على يد الشيخ حسين الأخلاطي المقيم بمصر وقتئذ ومتأثرا بهذا الرجل مال الشيخ بدر الدين إلى التصوف وأصبح مولعا بالإلهيات والفلسفة والمنطق وأصبح معلما لزين الدين فرج بن برقوق ولي عهد السلطان المملوكي نظرا لكونه قد أصبح عالما عارفا بمعايير التراث الإسلامي السني الواسع لكن تصوف الشيخ بدر الدين قاده بعيدا حيث أرسله معلمه حسين الأخلاطي إلى مدينة تبريز ببلاد فارس للإرشاد ولما استقر فيها دخل في نقاشات وحوارات علمية مع العلماء الفارسيين فإعترفوا بفضله وقربه الغازى تيمورلنك إليه بعد أن أُعجب بفكره وسعة علمه فأكرمه ومنحه مالا جزيلا وعاش مدة في مدينة قزوين بشمال إيران حاليا والمعروفة بإنتشار الأفكار الباطنية فيها وهي مجموعة أفكار مقتبسة من مذاهب شتى وكلها متناقضة ومضطربة ومن العجيب في الأمر أن أنصار هذه الأفكار يستدلون على كفرهم ومحاربة الإسلام ببعض الآيات من القرآن الكريم وبأحاديث مختلقة مكذوبة على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وأحاديث صحيحة يحرفون معانيها ويؤولونها وفقا لأهوائهم ومعتقداتهم الإلحادية والتي أساسها إنكار وجود الله سبحانه وتعالى وبعد موت أُستاذه حسين الأخلاطي في مصر عاد إليها وعرج في طريقه على العراق حيث زار العتبات المقدسة في مدينتي كربلاء والنجف ولما وصل القاهرة خلف أُستاذه في رئاسة زاويته لمدة ستة أشهر ما لبث بعدها أن غادر مصر إلى بيت المقدس ثم إلي دمشق ومنها إلي حلب ثم عاد إلى الأناضول مع جيوش الغازى تيمورلنك المتوجهة لقتال العثمانيين الذين كان يقودهم السلطان بايزيد الأول .
وعند هذه النقطة بدأت مرحلة جديدة من حياة الشيخ بدر الدين حيث عاش وطاف في بلاد أغلب أهلها من طائفة النصيريين في آسيا الصغرى والبلقان مثل بعض بلاد إمارتي القرمان وكرميان ومغنيسية ودلي أورمان وهذه الطائفة كانت حركة باطنية النصيرية حركة باطنية ظهرت في القرن الثالث للهجرة وأفرادها يعدون من غلاة الشيعة الذين زعموا وجود إلهيا في الإمام علي بن ابي طالب وكان مقصدهم هدم الإسلام ونقض عراه وكانوا يؤيدون أي غاز لأرض الإسلام قد أطلق عليهم فيما بعد إسم العلويين وفضلا عن ذلك فقد كان الكثير من أهالي البلاد الأخرى مسيحيين بقوا على دينهم بعد أن إفتتحت بلادهم ومنهم الروم والبلغار والصربيين والأفلاقيين والأرناؤوطيين وكانوا ما يزالون في مرحلة الإختلاط مع المسلمين والتعرف على الدين الإسلامي فعرفت تلك المجتمعات أحاسيس دينية متضاربة زادها تضاربا التزاوج المختلط بين الرجال المسلمين والنساء المسيحيات أو بين الرجال المسيحيين الذين أشهروا إسلامهم وتزوجوا بنساء مسلمات وهم ما زالوا غير منخرطين تماما في العادات والتقاليد والثقافة الإسلامية وما زالت المؤثرات الثقافية البيزنطية العريقة متجذرة في نفوسهم ولم يتخلصوا منها وإلى جانب هؤلاء عاشت جماعات من اليهود السفارديين الهاربين من محاكم التفتيش في الأندلس وإنخرطت في هذا المزيج العجيب من الأقوام والأديان واللغات والثقافات ويبدو أن الجميع تنازعتهم الحاجة إلى ملء فراغهم الروحي أو تبديد هواجسهم العميقة أو الإستجابة لمن يدعوهم إلى معتقد جديد وقد دأب السلاطين العثمانيون منذ عهد السلطان أورخان غازى بن السلطان عثمان غازى على عقد الندوات والحوارات الدينية لإستمالة ودعوة الرعايا الجدد من أهالي المناطق المفتوحة إلى الإسلام فكانوا يسدون فراغهم الروحي بهذه الطريقة ويضمنون عدم حدوث إضطرابات ثقافية أو فكرية بقدر الإمكان لكن هزيمة أنقرة وتزعزع أركان الدولة العثمانية وصراع وقتال أبناء السلطان بايزيد علي الحكم لمدة 11 عام ثم إنصراف السلطان محمد چلبي إلى إعادة هيبة دولته بعد تمكنه من الحكم ترك مجالا لِبعض الأشخاص الآخرين كي يتولوا هذه المهمة ومن هذا المنطلق شكل الشيخ بدر الدين جماعةً من المريدين لما عاد إلى إدرنه وتقرب من الشاهزاده موسى چلبي الذي تأثر بأفكاره وعلمه فعينه قاضيا للعسكر كما ذكرنا في السطور السابقة ثم سقط معه ونفي إلى أزنيق لكنه فر من مكان إقامته ولجأ إلى أمير قسطموني عز الدين إسفنديار بك الجندرلي وحاول الهروب إلى بلاد التتر بالقرم فلم يأذن له إسفنديار خوفا من السلطان محمد چلبي فأرسله إلى بلدة زغرة بالروملي حيث أخذ يدعو إلى مذهبه القائم على المساواة بين الأديان السماوية الثلاثة الإسلام والمسيحية واليهودية .
والواقع أن الشيخ بدر الدين كون فلسفةً باطنية صوفية إجتماعية خاصة به وكانت نظرته إلى الدنيا وقضاياها وما يجري فيها من أحداث ممتلئة بِالشك لذا مال فكره إلى الواقعية ونظر إلى الله والعالم على أنهما واحد وتضمن مؤلفه الشهير وهو كتاب الواردات أهم أفكاره القائمة على وحدة الوجود وإنكار الجنة وجهنم ويوم القيامة والملائكة والشياطين وقصر الشهادة على نصفها الأول أى لا إله إلا الله وحذف نصفها الثاني أى محمد رسول الله ودعا إلى الزهد المطلق والمهدي المنتظر ونادى بتطور الشريعة الإسلامية كلما تغير العصر وسعى إلى تحقيق المساواة من واقع إلغاء الملكية الفردية وقال إن الثروات ملك للشعب فكان فكره أشبه بِالفكر الإشتراكي الذي ظهر في الغرب بعد بضعة قرون وإتهم الطبقات الغنية بأنها تتوارى وراء الأديان من أجل مصالحها وكان يقوم بنفسه بالتجوال بين الناس ملاحظا ودارسا لبنية المجتمع وخلص إلى أن لا حق لأحد في حرمان الناس من إستخدام الأرض التي هي ملك لله وإتهم أصحاب الإقطاعات المتكاثرة في الأناضول والروملي بِالتسلط وإستغلال الناس ومن هنا بدأت حملة الشيخ بدر الدين ضد الإقطاع مستندة على مرتكز سياسي حيث إستغلَّ الأوضاع السياسية المضطربة في البلاد العثمانية وفراغ السلطة بعد نكسة أنقرة ثُم أتبع حملته من الناحية الإقتصادية بأن توالي الحروب الأهلية بين أبناء السلطان بايزيد الأول قد أدى إلي خراب الكثير من القرى وإتلاف المزروعات ومن ثم فقد إنتشرت البطالة وعم الفقر والجور والظلم علي الطبقات الشعبية وتعطلت الحياة الإقتصادية وإزداد سخط الطوائف على ما آلت إليه الحالة الاجتماعية من ترد ويضاف إلي ذلك حالة الإضطراب الفكري والثقافي الذي كانت تعيشه الدولة فكان من الطبيعي أن يتعلق العامة بمخلص وكان الشيخ بدر الدين أفضل من يقوم بهذا الدور وذلك بقدر ما كان وجيها ومنحدرا من أوساط تتمسك بنقاء العقيدة وكان أغلب المؤيدين له من أصحاب التيمارات أي الأراضي الزراعية الذين حرموا من تيماراتهم وظاهره النصارى من أرباب الإقطاعات وسانده اليهود أيضا إذ إنتشرت دعوته بين نصارى الدولة بشكل واسعٍ جدا كما إنتشرت بين اليهود بنسبة أقل وكذلك بين المسلمين ويؤكد هذا الكلام المؤرخ البيزنطي دوكاس الذي كان يعيش قريبا من المناطق التي إنطلق منها الثوار حيث تابع الأحداث الجارية وقتئذ بإهتمام بالغٍ فيقول إن ثورة بدر الدين لقيت تأييدا قويا من الجماهير المسيحية ومن خالطها إذ بدا عليها الإرتباك والتعثر حيال المسائل الدينية ولذلك فقد سعت لإيجاد وسائل للتعايش السلمي وقد خص أتباع الشيخ بدر الدين زعيمهم بمكانة تقترب من مرتبة النبوة وقادهم في ثورته على الدولة العثمانية بهدف إمتلاك العالم وتقسيمه بينهم بقوة العلم وسر التوحيد وإبطال قوانين أهل التقليد ومذهبهم وتحليل بعض المحرمات حيث كان يقول إني سأثور من أجل إمتلاك العالم وفي إعتقادى ذات الإشارات الغيبية وسأقسم العالم بين مريدى بقوة العلم وسر التوحيد وسأبطل قوانين أهل التقليد ومذاهبهم وسأحلل بإتساع مشاربي بعض المحرمات .
وقد ساعد الشيخ بدر الدين في نشر أفكاره مريدان كانا على درجة عالية من الحيوية والنشاط أحدهما يدعى طورلاق كمال يقال إنه يهودى الأصل وكان يدعو في جهات أماسية وفي المناطق التي يكثر فيها النصيريون والآخر هو پيرقليجه مصطفى أى صاحب العلم مصطفى المعروف بده ده سلطان وكان مسيحي الأصل ثم إعتنق الإسلام وكان على علاقة وطيدة مع رهبان جزيرة ساقز وكان في دعوته ينادى بالمزج بين المسيحية والإسلام وكان يدعو في مناطق إزمير وفي قره بورون القريبة منها وإتصف الشيخ بدر الدين بالتأني والحنكة السياسية فلم يعط أتباعه إشارة البدء بالثورة إلا عندما كانت الدولة منهمكة في لم شعثها وهي غارقةٌ في بحر من الفوضى والدماء فأوعز إلى مريده طورلاق كمال بالبدء بالثورة في آيدين ومغنيسية بمنطقة بحر إيجة بتركيا وفي الوقت نفسه راح پيرقليجه مصطفى يجمع الأتباع حوله في جبل أستيلاريوس عند الطرف الجنوبي من خليج إزمير في قره بورون وأغار على المناطق المجاورة وتمادى الثائرون في غاراتهم حتي أضحت تهدد أمن الدولة فأخذوا في نشر مذهبهم بِالقوة وتعرضوا للناس والأموال والممتلكات وقتلوا الآلاف وتخوف الكثيرون من إمتداد المذهب الجديد داخل أراضي الدولة العثمانية مما دفع السلطان محمد چلبي إلى إعطاء الأوامر لقادته للتصدي للحركة ومن يقودها وعلى الرغم من أن بيزنطة كانت تؤيد هذه الحركة بقوة رغم السلام القائم بينها وبين السلطان العثماني أملا منها في تقويض الدولة العثمانية وإجتثاثها من جذورها إلا أن الكنيسة الرومية الأرثوذكسية عارضتها بشدة كونها هددتها كما هددت الدولة العثمانية وساهم رجال الدين الروم الأرثوذكس في مقاومة الشيخ بدر الدين وأتباعه والحيلولة دون تمدد مذهبه وأمر السلطان محمد چلبي حاكم إزمير إسكندر بن يوحنا شيشمان إبن آخر قياصرة البلغار الذي إعتنق الإسلام بِالتصدي للثائرين في منطقة إزمير وكان پيرقليجه مصطفى متحصنا في شعاب جبل أستيلاريوس فسار إليه إسكندر على رأس جيش وما أن تلاقى الجيشان حتى إنهزم جيش السلطان وقتل قائده المذكور ولما علم السلطان محمد چلبي بما أصاب جيشه قام مسرعا بحشد جيش آخر وولى على قيادته الصدر الأعظم بايزيد باشا الأماسيلي والشاهزاده مراد إبنه وولي عهده وكلفهما بمحاربة الثائرين والقضاء عليهم وإلتقى الجيش العثماني بجيش الثائرين في ضواحي إزمير وتغلب عليه ووقع پيرقليجه مصطفى وكثير من أتباعه في الأسر فأقام عليهم الصدر الأعظم حد الحرابة وقتلهم جميعا ثم تحول إلي مغنيسية حيث تصدى لِطورلاق كمال فهزمه وقبض عليه وصلبه وهكذا أُخمدت الثورة بعد إنتشارها بشكل خطير مما دفع الشيخ بدر الدين إلى الفرار نحو دبروجة وإستقر في بلدة دلي أورمان البلغارية لكي يدير الثورة منها وكان من المعروف أن هذه المنطقة كانت مأوى للباطنية وتعج بِأتباع بابا إسحق والذي كان قد قاد ثورةً باطنيةً مسلحةَ ضد سلطنة سلاجقة الروم في عام 638 هجرية الموافق عام 1240م وفي هذه البلدة توسعت حركة عصيان الشيخ مجددا وقويت بفضل ما حصلت عليه من دعم مادى وعسكرى من أمير الأفلاق ميرݘه الأول وعندما سمع السلطان محمد چلبي بذلك قام بِنفسه لحرب الشيخ بدر الدين وإتخذ من مدينة سيروز مركزا لقيادته وأرسل جيشا إلى الشيخ فقاتله وهزمه وفر الأخير بعد هزيمته وحاول أن يتوارى عن الأنظار إلا أن إثنين من قادته خاناه وسلماه للسلطان محمد چلبي وعندما تقابل الرجلان قال السلطان للشيخ ما لي أَرى وجهك قد إصفر فأجابه إِن الشمس يا مولاى تصفر عندما تقترب من المغيب وأقيمت مناظرة علمية حرة بين الشيخ بدر الدين وعلماء الدولة الكبار ثم أقيمت محكمة شرعية وترك القضاة الكلمة الأخيرة فيها للمتهم نفسه ليصدر الحكم الشرعي الذي يراه وأصدر الشيخ بدر الدين حكمه بنفسه على نفسه وكان الإعدام وأفتى المولى برهان الدين حيدر بن محمد الخوافي الهروي أن دم الشيخ بدر الدين حلال إستنادا إلى الحديث النبوى الشريف من أتاكم وأمركم جميع علي رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فإقتلوه أما ماله فحرام فلم يمس أحد من رجال السلطة ماله وتم إعدامه شنقا علي شجرة في مدينة سيروز بشمال اليونان وبتنفيذ هذا الحكم إنتهت ثورة الباطنية ضد الدولة العثمانية وتم وأد الفتنة التي قام هذا الرجل المدعو بدر الدين بإشعالها .
ولم يكد بال السلطان العثماني محمد چلبي يهدأ بعد إنتصاره على الشيخ بدر الدين وأشياعه حتى ظهر أخوه الغائب مصطفى چلبي فجأة بعد غياب دام 16 سنة وهو الأخ الذي لم يعثر له على أثر بعد واقعة أنقرة التي أُسر فيها السلطان بايزيد الأول ولا توجد معلومات مؤكدة عن حياة مصطفى چلبي وأعماله خلال سنوات إختفائه لكن يعتقد أنه وقع في أسر المغول بعد معركة أنقرة فأرسله تيمورلنك إلى سمرقند في بلاد ما وراء النهر ثم تم إطلاق سراحه بعد وفاة تيمورلنك عام 1405م ويعتقد كذلك أن شاهرخ بن تيمورلنك قد أطلق سراح مصطفى چلبي عن قصد إذ إعتبر أن تعزيز السلطان محمد الأول للوحدة العثمانية في الأناضول يعد تحديا للدولة التيمورية المغولية ولذلك أطلق سراح أسيره في محاولة لإشعال الفوضى الدبلوماسية وردا على تصرفات شاهرخ كتب السلطان محمد چلبي رسالة له قال فيها إن تمزيق الدولة العثمانية لن يفيد أحدا غير أعداء الإسلام وفي جميع الأحوال فقد عاد مصطفى چلبي إلى بلاده وإستقر في مدينة نيغدة التي تقع بالجزء الجنوبي من وسط الأناضول والتابعة لإمارة القرمان وإختفى خلال مدة صراع أبناء السلطان بايزيد الأول علي الحكم ثم لجأ إلى إمارة قسطموني فحرضه أميرها على المطالبة بِالعرش ولما كان مصطفى چلبي أكبر سنا من أخيه محمد چلبي فقد طالبه بعرش آل عثمان على إعتبار أنه الأحق به بعد وفاة والدهما لكن السلطان محمد چلبي لم يصدق أن هذا الشخص الذى ظهر فجأة هو أخيه الحقيقي فأعلن أنه رجل محتال وسماه مصطفى الدجال فما كان من مصطفى إلا أن توجه إلى الأفلاق فحصل على تأييد أميرها ميرݘه الذي أمده بجنود سعيا وراء إيجاد الفتن في داخل الممالك العثمانية ثم إنطلق من الأفلاق وجاء إلى مقدونيا عن طريق بلغاريا وإتصل بالأمير جنيد بن إبراهيم الآيديني الذي كان قد عفا عنه السلطان محمد چلبي سابقا وعينه أميرا على سنجق نيقوبوليس فسانده في مسعاه وإنضم إليه الإمبراطور البيزنطي وطلب مساعدة من جمهورية البندقية كما إنضم إليه أُمراء الروملي والفرسان أصحاب التيمارات والآقنجية الذين عرفوه سابقا خِلال فترة حياة والده وبعد ذلك أعلن الشاهزاده مصطفى الثورة على أخيه السلطان محمد چلبي ونزل إلى الجنوب مع بعض الوحدات التي إنضمت إليه وأغار على إقليم تساليا ببلاد اليونان ويبدو أنه إستولى على قسم من الروملي على الأقل وحكمها في عام 822 هجرية الموافق عام 1419م إذ نصت بعض فهارس المسكوكات العثمانية أن هناك سكا فضيا ضرب في إدرنه في العام المذكور بإسم مصطفى بن بايزيد خان كما وجدت مسكوكات ضربت بإسمه أيضا في مدينة سيروز بشمال اليونان ولهذا السبب ترد فترة حكم مصطفى چلبي في فهارس المسكوكات بأنها ما بين عام 822 هجرية الموافق عام 1419م وعام 825 هجرية الموافق عام 1422م على أن هذه الفترة من التاريخ العثماني تبقى غامضة وأحداثها غير موثقة أو مؤكدة علي وجه الدقة ومن جانب أخر فطبقا للمصادر البيزنطية فقد حدثت المواجهة بين السلطان محمد چلبي َ والشاهزاده مصطفى على مشارف سالونيك وأسفرت عن إنتصار محمد چلبي وفرار مصطفى إلى سالونيك وإحتمى بحاكمها البيزنطي ديمتريوس لاسكاريس وكان المعروف أن هذه المدينة عادت إلى كنف الإمبراطورية البيزنطية بعد معركة أنقرة وطلب السلطان من الإمبراطور البيزنطي تسليمه أخيه الشاهزاده مصطفي فأبى الإمبراطور ذلك معتبرا أن مصطفى ضيف الإمبراطورية وأن تسليمه لا يتوافق مع شيم الأباطرة لكنه في الحقيقة كان يعده ورقة ضغط يمكن تحريكها في أى صراعٍ مستقبلي مع الدولة العثمانية على أنه وعد بأن لا يطلق سراحه ما دام السلطان محمد چلبي على قيد الحياة فقبل السلطان هذا الإقتراح ورتب لأخيه راتبا سنويا مقداره 300 ألف قطعة ذهبية ثم أرسله الإمبراطور للإقامة في جزيرة لمني أو لمنوس بالجزء الشمالي الشرقي من بحر إيجة ووضع عليه حراسة مشددة وإتخذ بعض المؤرخين العثمانيين والعديد من مؤرخي الروم مسألة تعيين السلطان محمد چلبي الراتب السنوي الكبير سالف الذكر لأخيه مصطفى چلبي قرينةً على صحة نسبه الذي إدعاه فقالوا إنه بالفعل شقيق السلطان محمد الأول ولم يكن مجرد شخص طامعٍ في الملك وعفا السلطان محمد الأول أيضا عن الأمير جنيد بن إبراهيم الآيديني مرة أُخرى رغم دوره البارز في هذه الفتنة كما عفا عن عدد من مناصريه وذلك في عام 1419م لكنه لم يعده إلي منصبه السابق بل سلمه إلي الإمبراطور البيزنطي الذي وضعه تحت المراقبة في إحدى كنائس العاصمة البيزنطية القسطنطينية وبذلك نجا كل من مصطفى وجنيد بك وكانت هذه الفتنة آخر الحروب والصراعات الداخلية التي خضبت أراضي الدولة العثمانية بدماء أبنائها منذ أن إنتصر الغازى المغولي تيمورلنك علي السلطان بايزيد الأول في معركة أنقرة الشهيرة في شهر يوليو عام 1402م ومن ثم تفرغ السلطان محمد چلبي في المدة المتبقية له في الحكم لإستكمال إعادة بناء دولته من جديد .
وبعد إنتهاء فتنة الشاهزادة مصطفي چلبي توجه السلطان محمد چلبي إلى القسطنطينية حيث زار الإمبراطور البيزنطي بصورة رسمية للمرة الثانية ويقال إن بعض رجال الإمبراطور هموا بالقبض على السلطان العثماني محمد چلبي حينها إلا أن الإمبراطور لم يقبل ذلك فرحب بضيفه ورافقه عند عودته وعبر معه إلى أُسكدار أي حتى حدود الأراضي العثمانية وأمضى السلطان محمد چلبي فترة من الزمن بمدينة بورصة بعد أن نقل تخت السلطنة إليها من إدرنه وخلال العامين الأخيرين من حكمه بذل قصارى جهده في محو آثار الفتن التي قامت في وجهه بِإجرائه الترتيبات الداخلية الضامنة لعدم حدوث شغب في المستقبل وأكمل بناء الأبنية التي توقف العمل بها خِلال مدة حرب أبناء السلطان بايزيد الأول وما تلاها من نزاعات ثم عاد وعبر إلى إدرنه بحرا عن طريق ميناء كاليبولي وبينما كان منشغلا بالمهام السلمية في المدينة المذكورة داهمه المرض وأقعده ووفق إحدى الروايات فإن مرض السلطان العثماني محمد چلبي دام ستة أشهر بينما قالت بعض المصادر إنه قد أصيب بأزمة صحية مفاجئة أثناء تجوله على فرسه بجوار إدرنه فسقط من على الفرس وحمل إلى قصره حيث حاول الأطباء معالجته لكنه توفي في اليوم التالي مباشرة وقيل أيضا إنه قد أصيب بأزمة قلبية خلال رحلة صيد بجوار مدينة إدرنه وقيل كذلك إنه قد سقط عن حصانه أثناء مطاردته خنزيرا بريا في رحلة صيد قرب مدينة إدرنه وأصيب في عموده الفقرى فأُصيب بالشلل ثم توفي بعد وقت قصير ووفقا لبعض المصادر أنه لما حمل السلطان محمد چلبي إلي قصره وقبل أن يسلم الروح ولما شعر بدنو أجله دعا الصدر الأعظم بايزيد باشا الأماسيلي وقال له إنه قد عين إبنه مراد خليفة له وأن عليه طاعته وأن يكون صادقا معه كما كان معه وأنه يريد ممن حوله أَن يأتونه فورا بإبنه مراد لأنه لا يستطيع القيام من فراشه وأوصي بأنه إن وقع الأمر الإلهي وفاضت روحه إلي بارئها قبل حضور إبنه فعليهم ألا يعلنوا وفاته حتي يأتي حيث كان السلطان يقصد تدارك وقوع الفوضى في الدولة فيما لو أُعلنت وفاته قبل مجئ الشاهزاده مراد الذي كان يتولى إمارة أماسية خاصةً أن مصطفى چلبي شقيق السلطان كان من المتوقع أن يتحرك مباشرة للمطالبة بالعرش مما سيدخله في نزاعٍ مع مراد فيسفك العثمانيون دماء بعضهم البعض مجددا وقد ترك السلطان محمد چلبي ثلاثة أبناء آخرين إلى جانب مراد هم مصطفى الأصغر البالغ من العمر 12 عاما وكان واليا علي إمارة الحميد ويوسف ومحمود وكانا طفلين صغيرين أوصي أبوهما السلطان محمد چلبي أن يكونا في عهدة الصدر الأعظم بايزيد باشا الأماسيلي وأوصي أيضا بأن يتولى الإمبراطور البيزنطي رعايتهما .
ويبدو أنه خشي من نشوب صراعٍ على السلطة قد يشكل خطرا عليهما فأراد إبعادهما عن مسرح الأحداث وكانت وفاة السلطان محمد چلبي في مدينة إدرنه يوم الأحد 1 جمادى الأولى عام 834 هجرية الموافق يوم 4 مايو عام 1421م عن عمر ناهز 43 عاما وإمتثل الصدر الأعظم لرغبة السلطان محمد چلبي فتعاون مع الوزير إبراهيم باشا الجندرلي على إخفاء وفاته عن الجند حتى يحضر إبنه وخليفته مراد فأشاعا أن السلطان مريض وأمرا بإغلاق كل الحدود خوفا من قدوم مصطفى چلبي من جزيرة لمنوس القريبة من إدرنه وجلوسه على العرش فلم يذع خبر وفاة السلطان طيلة 41 يوما بل إنه بموجب إحدى الروايات لم يعرف أحد من الناس في إدرنه بذلك بل إن الخبر أُخفي حتى عن أركان القصر فكان هذا السلطان أول سلطانٍ عثماني يخفى خبر موته وكان قد تام تحنيط جثمان السلطان للحيلولة دون تحلله طيلة فترة إنتظار وصول ولي العهد من إمارة أماسية ولما طالب الجند برؤية سلطانهم بعد أن إختفى عنهم مدة طويلة ولم يقبلوا بعذر الوزراء والأعيان أشار طبيب السلطان الخاص المدعو كزوزان بأن يجلس السلطان على هيئته ويقف خلفه أحدهم في ثيابه حتى يقيمه ويحرك بعض أطرافه كأنه حي وأن تجعل الغرفة مظلمة وكأنها خصصت لراحة السلطان ثم أُذن لمقدمي العسكر في الدخول إلى الغرفة لينظروا إلى سلطانهم ولما وصلوا إلى محاذاته ونظروا إليه من بعيد دخل عليهم كزوزان الطبيب فصاح وضرب الأرض بعمامته وشوش أنظارهم بشتائمه وصيحته وقال لهم إِنكم أَعداء السلطان لا تريدون صِحته فإِنا نعالجه فَيميل إلي الصحة وانتم تزعجونه بالتحريكِ والإِغضاب فندم المقدمون على ما فعلوا من الإلحاح من أجل رؤية السلطان وإنصرفوا دون أن يكتشفوا أن السلطان قد توفاه الله وما أن وصل ولي العهد مراد إلى مدينة بورصة حتى أُعلنت وفاة السلطان العثماني الخامس محمد چلبي بعد سلطنة منفردة دامت 7 سنوات وتسعة أشهر وستة وعشرين يوما وإذا ما أُدخلت فترة حكمه خلال دور الفترة فإن سلطنته تصبح 18 سنة وتسعة أشهر وسبعة أيام ونقل جثمانه من مدينة إدرنه إلي مدينة بورصة ودفن في مقابل الجامع الأخضر الذي شرع في ِبنائه خلال حياته وفي وقت لاحقٍ أمر إبنه وخليفته السلطان مراد الثاني بتشييد ضريحٍ فوق قبر والده وأوكل مهمة تصميمه وتشييده إلى المهندس الحاج عوض باشا فكان أن بني الضريح الأخضر أو التربة الخضراء وأصبح معلما من أشهر معالم مدينة بورصة العتيدة وأخيرا نقول إنه عند وفاة السلطان العثماني محمد چلبي كانت الدولة العثمانية قد وصلت إلى سابق قوتها وإستردت الكثير من أملاكها التي كانت قد فقدتها خلال المدة من عام 1402م وحتي عام 1413م إلا أنها لم تكن قد إسترجعت بعد كامل البلاد التي كان قد إفتتحها السلطان بايزيد الأول .
ولنترك الآن ميدان الفتوحات والفتن الداخلية والخارجية التي واجهها السلطان العثماني محمد الأول ونتكلم عن أهميته في تاريخ الدولة العثمانية فهو يعد الممهد الفعلي لنمو هذه الدولة الناشئة الذى تحقق فيما بعد تدريجيا في عهد خليفتيه إبنه السلطان مراد الثاني وحفيده السلطان محمد الثاني أو الفاتح وعده المؤرخون العثمانيون بمثابة الربان الماهر والمنقذ الذي حافظ على سفينة الدولة العثمانية من الغرق حين هددها طوفان الغزوات المغولية والحروب الداخلية والفتن الباطنية وإعتبروه هو المؤسس الثاني للدولة بعد السلطان عثمان غازى وعلى الرغم من أن بعض سلاطين آل عثمان قد فاقوه شهرة إلا أن ما فعله خلال فترة حكمه القصيرة كان ما مهد الطريق لهؤلاء ليتبوأوا مكانتهم الكبيرة في التاريخ لاحقا فإستحق لقب ممهد الدولة والدين وفي هذا المجال يقول عبد الرحمٰن شرف بك لعل إنجازات السلطان محمد چلبي تبدو خافتة مقارنة بإنجازات حفيده السلطان العثماني التاسع سليم الأول أَو إِنجازات حفيده أيضا وسميه السلطان العثماني السابع محمد الثاني فاتح القسطنطينية لكنها كانت في غاية الأهمية فيما لو أخذت بعين الإعتبار الأوضاع العامة التي واجهها السلطان محمد الأول ومما يجب ذكره أن مساحة الدولة العثمانية في أواخر عهد السلطان بايزيد الأول في عام 1402م كانت قد بلغت 942 ألف كيلو متر مربع ثم تقلصت بعد هزيمة أنقرة في منتصف عام 1402م لتصبح 694 ألف كيلو متر مربع اى أن أراضي الدولة العثمانية قد تقلصت مساحتها بمقدار 248 كيلو متر مربع وعند وفاة السلطان محمد الأول كانت قد بلغت مساحة الأراضي العثمانية 870 ألف كيلو متر مربع ومعني ذلك أنه قد تم إسترداد مساحة قدرها 168 ألف كيلو متر مربع ولا ينبغي النظر إلى الفارق بين مساحة الأملاك العثمانية في أواخر عهد السلطان بايزيد الأول قبل هزيمة أنقرة وبين مساحتها في آخر عهد السلطان محمد الأول وقدره 72 كيلو متر مربع علي أنه نقص ففي واقع الأمر كانت الدولة العثمانية في ضوء ما ذكرناه من أرقام قد قطعت مرحلة كبيرة في إسترجاع الأراضي التي فقدتها وسلخها عنها الغازى المغولي تيمورلنك ولم يتبق إلا أراضي قليلة لم يتم إستردادها ومن جانب آخر فقد ساهم السلطان العثماني محمد الأول بشكل غير مباشر في نشر الإسلام في بعض مناطق الروملي عندما نقل بقايا عشائر المغول والتتر من إقليم الأناضول إلى إقليم البلقان وأسكنهم بِالقرب من مدينة فيلپة بجنوب غرب بلغاريا فأسسوا لهم بلدة أصبحت تعرف بإسم تتر بزارجق وكان سبب نقل تلك العشائر من موطنها لأن الترك العثمانيين لم يكونوا راغبين في رؤية المغول والتتر بجوارهم بعد الحملة التيمورية فإنتشرت البغضاء والكراهيَّة بينهم ومن ثم إتخذ السلطان محمد الأول من عدم إعلان خان التتر منت بك خضوعه وتبعيته له وعدم حضوره لإستقباله بعد عودته من حملته على صامصون حجةً وذريعة لينقله وعشائره إلى إقليم الروملي وبذلك تمكن من وأد الفتنة في مهدها وقطع دابرها قبل وقوعها فكان من نتيجة فعله هذا أن زرعت بذرة الإسلام في تلك الناحية من البلاد البلغارية المسيحية .
وبخصوص السمات والصفات الشخصية للسلطان العثماني الخامس محمد الأول فقد تم وصفه من جانب بعض المصادر بأنه كان مربوع القامة وداكن اللحية ومستدير الوجه وعريض الصدر وبعض المصادر الأُخرى وصفته بأنه عريض الجبهة وأسود العينين وعاقد الحاجبين وكث اللحية وعريض المنكبين وهزيل البنية ولكن الكلام الأخير مطعون فيه إذ عرف السلطان محمد الأول بأنه كان مصارعا قديرا فلو كان هزيل البنية ما كان ليستطيع ممارسة هذه الرياضة وفي مصادر غيرها وصف هذا السلطان بالمحبب فتناسق جسده وذائقته السليمة ومواقفه اللبقة جعلت منه شخصا نخبويا محبوبا كما قيل أن نظراته كانت حادة كالنسر وأنه كان قويا جدا كالأسد ويقال إنه كان يصنع أوتار الأقواس في صغره وأنه إشتغل حبالا لهذا لقب بالوتار ولكن هذا اللقب يرد في مصادر أُخرى على أنه يعني المصارع وذلك بسبب التشابه اللفظي بين كلمتي كرشجي بمعنى وتار وكرشچي بالجيم المعطشة بمعني مصارع وقد سمي في بعض الكتب بچلبي المصارع كما أن الشعب العثماني أطلق على سلطانه لقب پهلوان ومعناها البطل أو البطل المصارع وذلك بِسبب قوته البدنية وشجاعته ونشاطه الجم وأعماله الكبيرة وعبقريته الفذة التي قاد من خلالها الدولة العثمانية إلى بر الأمان ويعتبر السلطان العثماني محمد چلبي من أهم الفرسان العثمانيين وقد شكل فصيلين من الفرسان المهرة الذين جمعهم من أماسية ومرزيفون التي تقع في نطاقها عندما كان واليا عليهما وجعل الفصيلين في إطار منظم وكان الفصيلان يخوضان المسابقات ولهما مشجعون من أوساط القصر ومع الزمن تحول الفصيلان إلى ناديين رياضيين للفروسية وإتخذ المرزيفونيون من الملفوف وهو أحد الخضروات الورقية شعارا لهم أما الأماسيون فكانت البامياء شعارا لهم وإستمر التنافس بين هذين الفريقين حتى القرن التاسع عشر الميلادى وكان السلطان محمد چلبي شأنه شأن والده السلطان بايزيد الأول مولعا بالصيد فمارس هذه الهواية بإنتظام لصقل قدراته القتالية وقد ورد في القيود أنه شارك في أربعٍ وعشرين معركة وأُصيب أربعين إصابة وكان يمتلك مهارة عاليةً في إستخدام الأسلحة والشجاعة الكافية للقتال في الصفُوف الأمامية .
وكان من المعروف أيضا أن السلطان العثماني محمد چلبي كانت لديه مكتبة خاصة وقد زاره المؤرخ الشهير شهاب الدين بن عربشاه في إدرنه ودخل قصره وحظي بِإحسانه ومجاملته وكان من المعروف أيضا أن إبن عربشاه وقع على ترجمات كثيرة أنجزها خلال سنوات إقامته في إدرنه حتي إنه حضر إجتماعات الديوان العالي وعينه السلطان كاتبا له وبعد وفاة السلطان عاد إبن عربشاه إلى القاهرة وقد أنجز ترجمة تفسير أبي الليث السمرقندى أثناء إقامته في القصر وأهداه للسلطان محمد چلبي ويقول المؤرخ وشيخ الإسلام في الدولة العثمانية حسن خير الله أفندي إن السلطان العثماني محمد الأول كان موهوبا في الكتابة ونظم الشعر وإنه كان يهوى الشعر بالأخص وكانت رعايته للعلماء والأدباء والكتاب والشعراء وإحترامه وتقديره لرجال الدين عظيمين وكان على خلقٍ رفيع وحزم متين وحلم فريد وسياسة فذة في معاملة الأعداء والأصدقاء علي حد السواء حيث كانت شخصيته هادئة وجادة وحازمة ويعرف جيدا كيف يكظم عيظه وكيف يسيطر على غضبه وهي الصفات التي أعطت الثقة لوزراءه ولرجال دولته وقادة وجنود جيشه وبحسب مدونة تتعلق بلباس السلطان محمد چلبي فإنه كان يرتدي أطلسا رقيقا أحمرا فوقه قماش ثقيل من الحرير أو المخمل مطرز بالذهب والفضة ويبدو أنه كان يعتمر علي رأسه لفةً مختلفةً عن لفات أجداده فكان يلف القماش الرقيق حول قبعته طبقات مشكلا بروزات عديدة ولا يبقى ما يظهر من القبعة سوى رأسها وكان تفصيل قفطانه يشبه قفطانات السلاطين الذين سبقوه ولكن البطانة إستبدلت بفراء سمور ثبت علي أطراف القفطان أيضا وعلي الرغم من أن هناك قول بأن أيا من السلاطين العثمانيين لم يحج إلا أن هناك روايةً تفيد بأن السلطان محمد الأول كان قد عزم على أداء فريضة الحج قبل أن يتولى العرش وقد ورد هذا في كتاب المؤرخ يحيى أفندي بستان زاده حيث قال وعلى الرغم من أن السلطان محمد الأول لم يؤد فريضة الحج إلا أنه كان أول من أعد صرة الحج السلطانية من سلاطين بني عثمان وكانت هذه الصرة تتضمن أموالا وهدايا لتوزع على الفقراء والمساكين في مكة المكرمة والمدينة المنورة وبعد ذلك أصبح هذا التقليد عادة متبعةً من بعده وإستمر حتى خلال مرور الدولة العثمانية بأصعب الظروف الإقتصادية وإستمر هذا التقليد معمولا به حتي نهاية الحرب العالمية الأولى في عام 1918م ولا يهمل يحيى بستان زاده إبراز الجانب الخير والمتواضع لدى السلطان محمد الأول فيقول إنه لكثرة إقباله وشغفه بعمل الخير كان يأمر بطهي الطعام من ماله الخاص مساء كل يوم جمعة من كل أسبوع ويوزعه بنفسه على الفقراء والمحتاجين وكان لهذا العمل الخيرى تأثيره الكبير علي إدخال الفرح والسرور غير المحدودين في نفوس الفراء واليتامى والأرامل والمساكين ومكسوري الخاطر وقد بنى هذا السلطان جامعين وحمامين في قصبة مرزيفون بإمارة اماسية وشيد مئذنةً شرقيةً لمسجد أولو جامع أو جامع بورصة الكبير في مدينة بورصة الذي كان قد بناه والده السلطان بايزيد الأول ويبقى الجامع الأخضر هو درة أعمال السلطان محمد الأول العمرانية وقد صممه المهندس الحاج عوض باشا وكان الهدف إستخدامه مسجدا وسرايا حكوميا في آن واحد علي أن السلطان لم يمتد به العمر لكي يراه في حلته النهائية وقد أكمل بناءه إبنه وخليفته السلطان مراد الثاني .
|