بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
السلطان مراد الثاني هو خير الملوك السلطان الغازي أبي الخيرات معز الدين وسياج المسلمين مراد خان الثاني بن السلطان محمد الأول بن السلطان بايزيد الأول بن السلطان مراد الأول بن السلطان أورخان غازى بن السلطان عثمان غازى وهو يعرف إختصارا بإسم السلطان مراد الثاني أو خوجة مراد وهو سادس سلاطين آل عثمان ورابع من تلقب رسميا بلقب سلطان بينهم بعد والده محمد الأول وجده بايزيد الأول وجد والده مراد ألأول كما أنه كان أول من لقب بالثاني من سلاطين آل عثمان وأول من قلد سيف السلطان عثمان غازي عند البيعة وكان السلطان مراد الثاني قد تولي عرش الدولة العثمانية بعد وفاة والده السلطان محمد الأول وإشتهر بين معاصريه بجنوحه دائما إلى مسايسة أعدائه كلما كان بوسعه ذلك وكان على الرغم من ذلك مغرما بالفتوحات وتوسعة أملاك الدولة العثمانية وكان ذا حزم وعزم وهو وإن لم يضارع أسلافه في الفتوحات إلا أنه كان جديرا بأن يشترك مع والده بِحمل لقب الباني الثاني للدولة العثمانية وذلك لأن السلطانين توصلا بجهودهما الكبيرة إلى إعادة الشأن والمكانة للدولة العثمانية كما كان حالها قبل نكسة أنقرة على يد المغول بقيادة تيمورلنك في شهر يوليو عام 1402م وقد حاصر السلطان مراد الثاني العاصمة البيزنطية القسطنطينية بجيش عظيم وكان علي وشك الإستيلاء عليها لكنه لم يوفق إلى فتحها وكان حصارها عقابا للبيزنطيين على إطلاقهم سراح الشاهزاده مصطفى چلبي بن السلطان بايزيد الأول عم السلطان مراد الثاني المدعي بالحق في عرش آل عثمان وإثارة الأخير بلبلة في وجه إبن أخيه وكان مما حققه السلطان مراد الثاني تمكنه من إخضاع جميع الإمارات التركمانية في إقليم الأناضول التي كان جده السلطان بايزيد الأول قد ضمها في السابق إلى الدولة العثمانية ثم سلخها عن الدولة العثمانية الفاتح المغولي تيمورلنك مجددا لما تغلب على العثمانيين في معركة أنقرة كما إستطاع السلطان مراد الثاني أيضا إجبار الإمبراطور البيزنطي على الخضوع للدولة العثمانية ودفع جزية معلومة وفضلا عن ذلك فقد إستطاع الإستيلاء على كل الحصون والقلاع التي كانت لم تزل تحت تصرف الروم في سواحل الروملي وبلاد مقدونيا وتساليا ببلاد اليونان وإستخلص كل المدن الواقعة وراء برزخ كورنثة بوسط جنوب اليونان حتى باطن المورة وبعد ذلك حاول السلطان مراد الثاني أن يخضع إقليم البلقان لسيطرته ويضمه إلى ديار الإسلام لكن البابا إيجين الرابع تخوف من التمدد الإسلامي في قلب قارة أوروبا لا سيما بعدما إستنجد به الإمبراطور البيزنطي يوحنا الثامن باليولوك فعقدت البابوية محالفة بين عدة ملوك غربيين كي يساعدوا الروم على محاربة المسلمين وتخليص البلقان منهم ووعد الإمبراطور البيزنطي مقابل ذلك أن يسعى لإقناع بطريركية القسطنطينية المسكونية وجميع بطاركة الشرق بالخضوع للبابا وبناءا على هذا قامت حملة صليبية كبيرة عام 846 هجرية الموافق عام 1442م تألفت من قوات مجرية في المقام الأول وكان على رأسها يوحنا هونياد وإلتقت بالقوات العثمانية عند مدينة نيش الصربية فهزمتها هزيمة قاسية كان من نتائجها بعث الروح الصليبية في قارة أوروبا وإعلان النضال الديني ضد العثمانيين وبعد هذه الهزيمة النكراء ووفاة الشاهزاده علاء الدين الإبن الأكبر للسلطان مراد الثاني وولي عهده شعر السلطان بالتعب من أعباء السلطنة وهموم الدنيا فتنازل في عام 1444م عن الملك لولده الثاني الشاهزاده محمد والذى كان مايزال فتي صغير عمره 13 عاما وإنقطع للعبادة في تكية مغنيسية وإنتظم في سلك الدراويش ولما سمعت الدوائر الحاكمة في دول أوروبا بذلك نقضت الهدنة التي كانت بينها وبين الدولة العثمانية وجهزت تلك الدول جيوشا لمحاربتها فأُجبر السلطان مراد الثاني على الخروج من عزلته والعودة إلى السلطنة من جديد لإنقاذها من الأخطار المحدقة بها فقاد جيشا جرارا وإلتقى بالعساكر الصليببة عند مدينة ڤارنا الواقعة علي ساحل البحر الأسود بجنوب بلغاريا وإنتصر عليها إنتصارا كبيرا ثم عاد إلى عزلته لكنه لم يلبث بها طويلا هذه المرة أيضا لأن عساكر الإنكشارية إستصغروا شأن إبنه السلطان محمد الفتى وعاثوا فسادا في العاصمة إدرنه فعاد السلطان مراد الثاني إلى الحكم مرة أُخرى وأشغل جنوده بالحرب في أوروبا وبِالأخص في ألبانيا بهدف إخماد فتنة إسكندر بك الذي شق عصا الطاعة والولاء وثار على الدولة العثمانية لكن المنية وافته قبل أن يتم مشروعه بالقضاء على الثائر المذكور وذلك في يوم 11 محرم عام 855 هجرية الموافق يوم 13 فبراير عام 1451م وتولي إبنه السلطان محمد الثاني الحكم .
وكان مولد السلطان مراد الثاني في مدينة أماسية بالأناضول علي الأرجح عام 806 هجرية الموافق عام 1403م وكان والده هو السلطان محمد الأول أما والدته فتختلف المصادر في تحديدها ويغلب الظن أنها أمينة خاتون إبنة الأمير شعبان صولي بن قراقة خامس أُمراء إمارة ذي القدرية والتي كانت تمتد من وسط الأناضول وحتي الموصل ببلاد العراق وقيل أيضا إنها شاهزاده خاتون إبنة الأمير أحمد باشا الدوادار الجانقي ثالث الحكام القطلوشاهيين لإمارة جانق بينما يقول كل من المؤرخ العثماني شكر الله بن أحمد بن زين الدين زكي صاحب كتاب بهجة التواريخ والمؤرخ التركي خليل إينالجك إن والدة مراد الثاني كانت إحدى محظيات والده السلطان محمد الأول وقد أمضى مراد الثاني سنوات طفولته في أماسية وفي عام 1410م إنتقل مع أبيه إلى مدينة بورصة حيث تلقى تعليمه على يد نخبة من المدرسين والعلماء والعسكريين الذين عينهم والده لتأديبه وتربيته وإشتهر خلال هذه الفترة بميله إلى التقوى والعزلة بالإضافة للشفقة والعدل وقام السلطان محمد الأول بتعيين إبنه الشاهزاده مراد واليا علي إمارة الروم عام 1415م في سبيل تدريبه على شؤون الحكم وتلقينه الأُصول الإدارية الضرورية لإدارة دفة الحكم في الدولة العثمانية لا سيما وأن الإمارة المذكورة كان لها أهمية إستراتيجية كبيرة بسبب وقوعها على الحدود الشرقية للدولة فإنتقل إلى قصبتها أماسية مع مربيه لاله يوركج باشا الرومي وإستمر يتولى الإمارة المذكورة طيلة 6 سنوات حتى تربع على تخت الملك بعد وفاة أبيه في شهر مايو عام 1421م وخلال هذا الوقت أصبحت أماسية مركزا ثقافيا مهما في الأناضول وإستحال قصر ولي العهد العتيد قبلة العلماء والشعراء والمتصوفين ويبدو أن مراد الثاني صادق خلال هذه الفترة جرجس بن يوحنا كستريو والذى أصبح إسكندر بك لاحقا بعدما أصبح من خاصة غلمانه إذ كان والده يوحنا أمير إحدى النواحي في ألبانيا قد هزم هزيمةً ساحقة على يد السلطان محمد الأول فطلب الأمير المذكور الأمان وأعلن طاعته للسلطان ودخوله في تبعيته فكافأه الأخير بأن سمح له بحكم بلاد آبائه بإسم السلطنة العثمانية وإصطحب معه إبنه الأصغر جرجس البالغ من العمر 18 عاما ليقيم في البلاط العثماني لضمان إلتزام والده ببنود الإتفاق مع العثمانيين وأُرسل فيما بعد مع سائر الغلمان البلقانيين المسيحيين المقيمين بين ظاهرى العثمانيين إلى مكتب الأندرون وهو المدرسة العسكرية المخصصة لتدريب وتخريج الإنكشاريين ولتلقين الفتيان المسيحيين أُصول ومبادئ الإسلام بالإضافة إلى اللغتين التركية والعربية وبعض العلوم الضرورية وشارك الشاهزاده مراد في قيادة الجيش الذى أرسله والده السلطان محمد الأول عام 1413م لمحاربة الثائرين من أتباع پيرقليجه مصطفى وهو أحد مريدي الشيخ بدر الدين محمود بن إسرائيل السماوني الذي كان يدعو في مناطق إزمير وقره بورون بدعوة شيخه المتضمنة مواضيع تخالف عدة أُسس وثوابت إسلامية أبرزها القول بوحدة الوجود وإنكار الجنة وجهنم ويوم القيامة والملائكة والشياطين وقصر الشهادة على نصفها الأول أي لا إله إلا الله وحذف نصفها الثاني أي محمد رسول الله وغير ذلك وكان پيرقليجه مصطفى نفسه على علاقة وطيدة مع رهبان جزيرة ساقز ببحر إيجة وينادي بِالمزج بين الديانتين المسيحية والإسلام فسار إليه الشاهزاده مراد مع الصدر الأعظم بايزيد باشا الأماسيلي وإلتقى بجيش الثائرين في ضواحي إزمير وتغلب عليه ووقع پيرقليجه مصطفى وكثير من أتباعه في الأسر فأقام عليهم الصدر الأعظم حد الحرابة وقتلهم جميعا كذلك ساهم الشاهزاده مراد الثاني خلال ولايته بالإشتراك مع القائد حمزة بكر أوغلي في السيطرة على القسم المسيحي من مدينة صامصون الواقعة علي البحر الأسود شمالي تركيا وهو القسم الذي كان يسيطر عليه الجنويون .
ولما توفي السلطان محمد الأول في العاصمة العثمانية مدينة إدرنه يوم الأحد 1 جمادى الأولى عام 824 هجرية الموافق يوم 4 مايو عام 1421م عن عمر ناهز 43 عاما وقبل أن يسلم الروح ولما شعر بدنو أجله دعا الصدر الأعظم بايزيد باشا الأماسيلي وقال له إنه قد إستخلف إبنه مراد علي عرش السلطنة وإمتثل الصدر الأعظم لرغبة السلطان فتعاون مع الوزير إبراهيم باشا الجندرلي على إخفاء وفاته عن الجند حتى يحضر إبنه وخليفته مراد من إمارة أماسية فأشاعا أن السلطان مريض وأمرا بإغلاق كل الحدود خوفا من قدوم مصطفى چلبي من جزيرة لمنوس القريبة من إدرنه وجلوسه على العرش فلم يذع خبر وفاة السلطان طيلة 41 يوما وتم تحنيط جثمان السلطان للحيلولة دون تحلله طيلة فترة إنتظار وصول ولي العهد من إمارة أماسية وما أن وصل ولي العهد مراد إلى مدينة بورصة حتى أُعلنت وفاة السلطان العثماني الخامس محمد چلبي ودفن في مقابل الجامع الأخضر الذي شرع في ِبنائه خلال حياته وفي وقت لاحقٍ أمر إبنه وخليفته السلطان مراد الثاني بتشييد ضريحٍ فوق قبر والده وأوكل مهمة تصميمه وتشييده إلى المهندس الحاج عوض باشا فكان أن بني الضريح الأخضر أو التربة الخضراء وأصبح معلما من أشهر معالم مدينة بورصة العتيدة وعقب دفن السلطان محمد الأول بايع القادة والوزراء والأمراء والساسة السلطان مراد الثاني بالسلطنة في مدينة بورصة فجلس على تخت الملك في يوم 23 جمادى الآخرة عام 824 هجرية الموافق يوم 25 يونيو عام 1421م وكان في الثامنة عشرة من عمره وعند البيعة قلد العالم شمس الدين محمد البخاري السلطان مراد الثاني سيف السلطان عثمان غازي فكان أول سلطان عثمانيٍّ يقلد هذا السيف وإستمرت هذه المراسم تتبع لمئات السنين من بعده عند إعتلاء أي سلطان عثماني جديد عرش السلطنة وبموجب ما إتفق عليه المؤرخون بأنه لا يعد كل من سليمان چلبي وموسى چلبي من جملة السلاطين العثمانيين فإن السلطان مراد الثاني يعد السلطان السادس في سلسلة السلاطين العثمانيين والذى بتوليه السلطنة وجه عنايته إلي إعداد الدولة للمهام الكبرى التي كانت مسؤولة عنها قبل نكسة أنقرة لذلك كان عليه إعادة ما تبقى من الأملاك التي خسرتها الدولة في الأناضول بعد النكسة وتوحيد الأراضي العثمانية والمحافظة عليها وحل المشكلات العالقة منذ أيام السلطان محمد الأول وإنشاء جيش قوي وإقتصاد متين وحدود واضحة لدولته في وجه دول أوروبا المتطلعة للخلاص من الدولة العثمانية .
وحتي يتفرغ لهذه المهام هادن السلطان مراد الثاني تلك الدول فعقد معاهدة مع مملكة المجر مدتها خمسة أعوام وتفاهم مع الجنويين الذين وعدوه بإمداده بالسفن والجنود وإقترح على الإمبراطور البيزنطي عمانوئيل الثاني تجديد المعاهدة التي وقععها معه والده السلطان محمد الأول من قبل ومفادها أن يتعهد السلطان العثماني بِعدم محاربة الروم مطلقا لقاء أن يبقى الشاهزاده مصطفى چلبي بن بايزيد محتجزا في ديارهم فأرسل الإمبراطور البيزنطي وفدا إلى السلطان مراد الثاني لتهنئته بتوليه العرش وأعلن إستعداده تجديد المعاهدة سالفة الذكر بشرط تسليمه الأميرين الصغيرين محمود ويوسف شقيقا السلطان مراد لضمان حسن تنفيذ المعاهدة من جهة وتنفيذ وصية السلطان محمد الأول القاضية بأن يرعى الإمبراطور البيزنطي الأميرين المذكورين وهدد بِإطلاق سراح مصطفى بن بايزيد فيما لو لم ينفذ هذا الشرط ومن المعروف أن السلطان محمد الأول كان قد عهد بِالأميرين محمود ويوسف إلى الصدر الأعظم بايزيد باشا الأماسيلي لكي يقوم علي تنشئتهما وتعليمهما لكنه أوصى بأن يتولى الإمبراطور البيزنطي رعايتهما ويبدو أنه خشي من نشوب صراعٍ على السلطة قد يشكل خطرا عليهما فأراد إبعادهما عن مسرح الأحداث لكن الحقيقة أن طلب الإمبراطور لِلأميرين الصغيرين كان بهدف إبقائهما رهينتين بيده وورقة سياسية يستخدمها لتحقيق المصالح البيزنطية أكثر من تنفيذ وصية السلطان محمد الأول ومن الواضح أن السلطان مراد الثاني أدرك هذا فرفض الطلب البيزنطي كما يروى أن بايزيد باشا سالف الذكر رد على طلب الروم بأن الإسلام لا يسمح بِإيداع أولاد المسلمين لتربيتهم عند النصارى وكان هذا الرفض كافيا لتفجير الأعمال العسكرية بين العثمانيين والبيزنطيين وتشكل في القسطنطينية آنذاك حزب معارض لسياسة التقارب مع العثمانيين بزعامة ولي العهد يوحنا بن عمانوئيل فضغط على والده الإمبراطور حتي يعلن الحرب عليهم فتذرع هذا برفض طلبه من جانب السلطان مراد الثاني وأطلق سراح الشاهزاده مصطفى بن السلطان بايزيد الأول الذي كان يحتجزه في جزيرة لمنوس بالجزء الشمالي الشرقي من بحر إيجة تحت حراسة مشددة بعد أن كتب الأخير على نفسه أن يرد إلى الإمبراطورية البيزنطية جميع ما كان لها من المدن والأراضي التي فتحها العثمانيون والتي تقع على سواحل بحر مرمرة والبحر الأسود بالإضافة إلى تساليا ببلاد اليونان إذا ما نجحت ثورته وأعانه الإمبراطور البيزنطي بأن قدم له عشر سفنٍ حربية بقيادة ديمتريوس لاسكاريس وأخلى الإمبراطور أيضا سبيل الأمير جنيد بك بن إبراهيم الآيديني آخر أمراء بني آيدين الذى عصى السلطان العثماني محمد الأول مرتين كانت آخرها دعمه الشاهزاده مصطفى بن بايزيد ووقوفه في صفه للمطالبة بالعرش العثماني وكان قد عفا عنه السلطان محمد الأول في هاتين المرتين وفي المرة الأخيرة سلمهُ إلى الإمبراطور البيزنطي الذي وضعه تحت المراقبة في إحدى كنائس العاصمة البيزنطية القسطنطينية .
وبتلك الصورة إستند مصطفى چلبي بن بايزيد إلى مساعدة بيزنطة وجمع أتباعه من حوله ويقال إنه إستوزر جنيد بك الذى مافتئ يعارض التوسع العثماني في الأناضول وسار يريد إدرنه وإنضم إليه العديد من أُمراء الحدود في الروملي الذين لا يرتاحون عادة للسلطة المركزية ودعموه في المطالبة بالعرش العثماني وفي مقدمتهم أولاد أفرنوس بك القائد المخضرم الذى قاتل تحت راية السلطانين مراد الأول وبايزيد الأول وآخرين وإنقادوا له مع أتباعهم وكان مصطفى چلبي يؤكد هويته للأُمراء عبر إظهاره جرحا عميقا على بطنه كان قد إندمل وبقي أثره وقال إنه من آثار معركة أنقرة التي خاضها مع أبيه وإخوته ضد المغول فصدقه الأُمراء وعظُم جمعه فسار معهم وإستولى أولا على ميناء كاليبولي ومدينة سيروز بالجزء الشمالي الشرقي من بحر إيجة ثم سار إلى إدرنه ودخلها وجلس على العرش يوم 1 رمضان عام 824 هجرية الموافق يوم 30 أغسطس عام 1421م وإعترف الجيش في الروملي بسلطنة مصطفى چلبي على أساس أنه ما دام العم موجودا فلا مبرر لجلوس إبن الأخ على العرش ولم يبقَ أمامه إلا السيطرة على الأناضول وتنحية إبن أخيه لِيصبح سلطانا بلتمام والكمال والواقع أن إختيار توقيت إطلاق سراح الشاهزاده مصطفى كان جيدا بالنسبة له إذ كان السلطان مراد الثاني في غُضون ذلك الوقت مشغول بإستمالة باقي أُمراء الأناضول الذين كانوا خارج سلطة الدولة العثمانية لإعادتهم إلى حظيرتها دون حرب أو قتال ولما وصلت الأخبار بما حدث في الروملي إنتفضت الإمارات الأناضولية التي كان قد أعادها السلطان محمد الأول إلي سلطة الدولة في محاولة السعي للإستفادة من التغيير السياسي الذى تمر به الدولة فإعترفت بشرعية مصطفى چلبي وإستعاد أمير منتشا إستقلاله وضرب النقود بإسمه كمؤشر على ذلك وإسترد أمير قسطموني عز الدين إسفنديار بك الجندرلي بعض الأراضي التي كان قد تنازل عنها للعثمانيين وإستعاد أمير صاروخان جزءا من أراضيه وكان شاهرخ بن تيمورلنك حريصا على المحافظة على التوازن الذي فرضه والده في الأناضول بحيث لا تكون إمارات الأناضول بحوزة الدولة العثمانية بما يمثل خطرا متزايدا علي دولته وتشير إحدى الروايات إلي أن السلطان مراد الثاني لما علم بحركة عمه ورأى إعتراف أُمراء الأناضول بسلطانه إحتار في أمره فسار إلى السيد شمس الدين محمد بن علي البخاري الشهير بأمير سلطان وهو صهر السلطان بايزيد الأول وأحد أهم علماء عصره فإستغاث به وبدعائه في هذا الأمر فدعا له وربط سيفه على وسطه بيده وقال له إنه قد رأى رؤية إنتقلت فيها الدولة العثمانية إلى مصطفى چلبي فإلتمس من الرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم ردها إلى السلطان مراد الثاني ثلاث مرات فأُجيب إلى ذلك في المرة الثالثة فتفاءل السلطان بهذه الرؤية .
ومن جانب آخر فقد إستشار السلطان وزراءه وأُمراءه في هذا الأمر فأشاروا عليه بإطلاق سراح بكلربك الروملي محمد بك ميخائيل أوغلي الذي كان السلطان محمد الأول قد نفاه إلى إمارة توقاد بوسط شمال الأناضول وزج به في السجن منذ ثماني سنين بعد أن إنحاز إلي موسى چلبي الذي نازع أخاه السلطان على العرش والذى إستماله بالوعود والإحسان حتى يستميل هو أُمراء الروملي إلى جانبه حيث أنه كان أقدمهم وأعظمهم وكانوا يحبونه ويطيعونه فأرسل السلطان من يأتي به من توقاد ثم أشار الوزيران إبراهيم باشا الجندرلي والحاج عوض باشا على السلطان بأن يرسل الصدر الأعظم بايزيد باشا الأماسيلي في جمعٍ من العسكر من أجل دفع مصطفى چلبي قبل أن يعبر إلى الأناضول لأن أُمراء الروملي كانوا يحبون الصدر الأعظم ومن ثم فسوف يميلون إليه وحسنا هذا الرأي عند السلطان حسدا على بايزيد باشا لتقدمه عليهما بِالجلادة والرأي وإتمام المصالح فقصدا هلاكه بهذه الطريقة الماكرة ومال السلطان إلى رأيهما المموه ولما علم ذلك عروج وأمور باشا إبنا البكلربك تيمورطاش باشا لم يستصوبا هذا الرأي وكذلك بايزيد باشا نفسه على إعتبار أن الجنود العثمانيين غير ثابتين على طاعة السلطان وولائهم يتأرجح بينه وبين مصطفي چلبي إضافة إلي إحتمال وقوع إنشقاق في الجيش ووضح بايزيد باشا ذلك للسلطان مراد الثاني الذي ألحَ عليه في العبور والمسير فلم يجد بدا من الإمتثال لأمره فسار ومعه أخوه حمزة بك في جمعٍ من العسكر فعبر البحر من معبر قلعة أناضولي حصار التي تقع علي الضفة الشرقية للبوسفور وقيل من معبر كاليبولي نظرا لإغلاق الروم حدودهم أمام العثمانيين وأثناء ذلك إتصل الإمبراطور البيزنطي عمانوئيل الثاني بِالشاهزاده مصطفى چلبي وطلب منه الوفاء بالمعاهدة التي بموجبها تعاد كاليبولي وغيرها من المواقع إلى الإمبراطورية البيزنطية غير أن مصطفى چلبي وجنيد بك رفضا ذلك الطلب رفضا قاطعا قائلين إن الإسلام لا يجيز التنازل عن أراضي المسلمين لصالح النصارى وإنهما مضطران إلى القيام بفتح البلاد المسيحية الأُخرى أيضا وأمام هذا الرد غير المتوقع حول الإمبراطور البيزنطي أنظاره تجاه السلطان مراد الثاني مجددا محاولا إستغلال تراجع قواته بما يصب في مصلحة الروم فعرض عليه أن يتنازل لبيزنطة عن مدينة كاليبولي ويسلمه الأميرين محمود ويوسف مقابل رفع الدعم عن مصطفى چلبي لكن السلطان رفض العرض وهذا يعني أن السلطان مراد الثاني أصبح مواجها لعمه مصطفى چلبي من جهة ولبيزنطة من جهة أخرى ولما عبر بايزيد باشا إلى الروملي خرج مصطفى چلبي من إدرنه في جمعٍ عظيم وإنضم إليه جنيد بك الآيديني أيضا مع عسكره فلقيه في موضعٍ يقال له صازلي دره بمنطقة باشاك شهير في القسم الأوروبي من مدينة إسطنبول حاليا فتقدم الشاهزاده مصطفى چلبي وخطب في العساكر بإطاعته لأنه أحق بالملك من إبن أخيه مراد الثاني فأطاعته الجيوش وإنحاز معظمهم إليه ولم يبق مع بايزيد باشا الأماسيلي سوى أخيه حمزة بك وأتباعهما فإضطروا إلى الإستسلام للشاهزاده مصطفى چلبي الذي أعدم بايزيد باشا مباشرة وفق إحدى الروايات وأبقى على حياة حمزة بك وفي رواية ثانية أن بايزيد باشا الأماسيلي لم يستسلم بل قاتل الشاهزاده مصطفى چلبي وقتل في المعركة بل إنه بموجب رواية ثالثة فإن بايزيد باشا لم يقتل في صازلي دره وإنما قتل في كاليبولي أثناء دفاعه عنها وفي جميع الأحوال فإن بايزيد باشا هو أول صدر أعظم عثماني يقتل في الحرب وقد شكلت هذه المحاولة العثمانية لإستئصال مصطفى چلبي دعوةً له ليتوجه إلى الأناضول ويسيطر على مدينة بورصة ويزيح إبن أخيه عن العرش فإنتقل مع العديد من أُمراء الروملي عبر مضيق الدردنيل وهبط البر في الجانب الآسيوى من تركيا قرب بلدة تسمي لاپسكي والتي تقع بشمال غرب الأناضول في يوم 26 محرم عام 825 هجرية الموافق يوم 20 يناير عام 1422م .
وكنتيجة مباشرة لهذه التطورات جهز السلطان مراد الثاني جيشا كبيرا بلغ تعداده 125 ألف جندي منهم عدد 120 ألف من الفرسان وعدد خمسة آلاف من المشاة وخرج على رأسه للتصدى لعمه مصطفى چلبي وإلتقى الجمعان عند نهر أولوباط بشمال غر ب الأناضول أحدهما في أحد جانبيه والآخر في الجانب الآخر وكان مع مصطفى چلبي عدد 50 ألف فارس وعدد 20ألف راجل بالإضافة لطائفة من عسكر الروملي ولا يبدو أن الطرفين كانت لديهما نيةٌ في القتال فأخذ ينظر أحدهما إلى الآخر دون أن يشهر أحد منهما السلاح وقرر السلطان مراد الثاني إتباع الأُسلوب السياسي لإستقطاب حلفاء مصطفى چلبي وإضعافه وبخاصة جنيد بك وأُمراء الحدود وكلف محمد بك ميخائيل أوغلي الذي كان قد وصل من إمارة توقاد بإستمالة هؤلاء إلى صفه فكتب إليهم بذلك وذكر لهم أنهم يتبعون رجل يدعي أنه شقيق السلطان الراحل محمد الأول بينما لا يوجد لديه ما يثبت ذلك فهم يتبعون رجلا مجهول النسب وإعتقد أُمراء الحدود بدايةً أن هذه الرسالة قد تكون دسيسةً من وزراء السلطان ولم يصدقوا أن محمد بك المذكور على قيد الحياة إلي أن سار إليهم ليلا ووقف على شاطئ النهر وجعل ينادي الأُمراء بِأسمائهم وأعلمهم بِنفسه وحياته وإستمالهم إلى السلطان مراد الثاني وتعهد لهم بالحصول علي عفو عام عنهم فمالوا إليه وفضلا عن ذلك فقد أرسل الحاج عوض باشا خطابا إلى مصطفى چلبي تظاهر فيه بِأنه من أتباعه وحدثه عن خيانة أُمراء الروملي وإتفاقهم على الغدر به بعدما إتفقوا مع السلطان على ذلك وأن التنفيذ سيكون في موعد متفق عليه وذلك بعد أن يمدهم السلطان بعسكره وعلى الرغم من ورود رواية تفيد بمخادعة جنيد بك الآيديني أيضا إلا أن هناك إختلافات في تفاصيلها لكن الشائع كان أن رسالةً أُخرى قد أُرسلت إلى جنيد بك تعلمه بالمخطط المزعوم وتستقطبه إلى جوار السلطان مراد الثاني فوقعت تلك الرسالة في يد مصطفى چلبي الذي تزلزل لما طابق مضمونها مع ما سبق إرساله إليه ولما أدرك الأخير حقيقة الخطر الداهم إختار من عسكره خمسة آلاف مقاتل وأرسلهم ليلا لمباغتة الجنود العثمانيين ولما عبروا نهر أولوباط على جسر قائم فوجئوا بعدد 500 إنكشارى يقفون لهم بالمرصاد فتقاتل الطرفان حتى هزم جنود مصطفي چلبي وتم أسر عدد كبير منهم بحيث كان كل إنكشارى يطلق سراح جنديين منهم مقابل رأس غنم واحد وأمام هذه الحركة عبر عوض باشا النهر في جمعٍ من الجنود وهم يصيحون ويكبرون مما أثار رعب مصطفى چلبي وجعله يعتقد بمجئ الأُمراء لقتله فإضطر إلى الهروب أولا إلى إزمير ثم منها إلى كاليبولي وبناءا على رواية أُخرى فإن مصطفى چلبي لم يذهب إلى إزمير وإنما وصل إلى كاليبولي بشق الأنفس خلال ثلاثة أيام بل تزيد الرواية أن قاضي بلدة بيجة بمنطقة بحر مرمرة تعاون معه أثناء هروبه مما أفضى إلى إعدامه لاحقا بأمر من السلطان مراد الثاني وقيل أيضا إن إنسحاب مصطفى چلبي كان نتيجة إصابته بمرض الرعاف الذي إستمر عليه ثلاثة أيام حتي ضعف جدا فتفرق عسكره وهرب هو إلى الروملي أما أُمراء الروملي فقد إستقبلوا السلطان مراد الثاني وسيوفهم مسلولة على رقابهم في إشارة إلى خضوعهم التام له فعفا عنهم وأقرهم على إماراتهم وسناجقهم ثم شرع في تعقب خطوات عمه مصطفى چلبي للقضاء عليه .
وبعد ذلك تتبع السلطان مراد الثاني خطوات عمه حتي بلدة لاپسكي لِيكتشف أنه قد عبر إلى الروملي ولم يجد في الساحل أي سفينة للعبور فأرسل إلي عامل كاليبولي وهو أحد أتباع الوزير إبراهيم باشا الجندرلي أن يزوده بِالسفن اللازمة وإستأجر الأخير مجموعة منها سرا من جنويي مستعمرة فوچة التابعة لجمهورية جنوة الإيطالية لقاء خمسة آلاف دينار وأرسلها إلى السلطان وبهذه الكيفية تمكن العثمانيون من العبور إلى ساحل كاليبولي ونزلوا في ناحية أجه أواسي وعلى الرغم من قيام مصطفى چلبي بضرب سفن إبن أخيه من وراء الأسوار فإنه لم يتمكن من منع قواته من النزول في تلك المنطقة وبناءا على ذلك بدأ السلطان مراد الثاني بوضع الحصار على كاليبولي ويروى أن مصطفى چلبي الذي تيقن بعدم إمكانية مقاومة إبن أخيه فر من كاليبولي متجها إلى إدرنه حيث أخذ خزينته وذهب بإتجاه الأفلاق وتتبع السلطان مراد الثاني عمه إلى إدرنه ودخلها ثم أرسل الطلب في عقب الهارب فلوحق حتى أُدرك في ناحية تسمي ينيجة قزل آغاج ووفق إحدى الروايات فإن بعض أتباعه خانوه وسلموه إلى الجنود العثمانيين فحملوه معتقلا إلى السلطان مراد الثاني الذي أمر بصلبه فصلب على أحد أبراج سور مدينة إدرنه وقيل أيضا إنه قد شنق وقيل أيضا إن محمد بك ميخائيل أوغلي قد قبض عليه في جامورل قرب مدينة صوفيا البلغارية فخنقه بوتر قوسه وحمل رأسه إلى السلطان مراد الثاني وهي رواية ضعيفة يستبعدها العديد من المؤرحين وبناءا على رواية ثالثة فإن السلطان مراد الثاني كان من جملة الملاحقين لعمه وقد وجده مختبئا وراء أدغال فأخرجه منها بِيديه وجلبه معه إلى إدرنه حيث أعدم شنقا علي أحد أبراج سورها مصلوبا وكان ذلك في عام 825 هجرية الموافق عام 1422م وعموما فإن الخلاصة أنه قد إنتهت فتنة مصطفى چلبي بعد أن حكم في الروملي 9 أشهر وتخلص بذلك السلطان مراد الثاني من هذه الأزمة العاتية التي تعرض لها في بداية فترة حكمه وذكر في كتب التاريخ العثمانية إن الشخص الذى قال عن نفسه إنه مصطفى چلبي كان دجالا منتحلا شخصية مصطفى چلبي بن السلطان بايزيد الأول الحقيقي على أن المؤرخين المعاصرين يميلون إلى القول بأنه لم يكن مدعيا بل هو الشاهزاده مصطفى چلبي فعلا .
وقد أثبتت الأحداث التي أعقبت تولي السلطان مراد الثاني عرش الدولة العثمانية أن بيزنطة لا تزال تكن العداوة للعثمانيين وأن الإمبراطور البيزنطي كلما سنحت له الفرصة يقوم بمحاولة إستغلالها من أجل زعزعة كيان الدولة العثمانية وتقسيم أراضيها فأراد السلطان مراد الثاني أن ينتقم من نظيره عمانوئيل وأدرك هذا الأخير سوء عمله وشعر بالخطر يتهدده فحاول أن يخفف من غضب السلطان العثماني فبعث إليه يهنئه بإنتصاره على مصطفى چلبي ويعتذر له عما بدر منه لكن السلطان مراد الثاني لم يكترث بإعتذاره ولم يكد الوفد البيزنطي يغادر البلاط السلطاني حتي أعد العثمانيون العدة لضرب حصار على العاصمة البيزنطية القسطنطينية بهدف فتحها وكان الإمبراطور البيزنطي الكهل قد إعتزل السياسة وترك أُمور الدولة لإبنه يوحنا الثامن وإنكب على تأليف الكتب فلما بلغه إنتصار السلطان مراد الثاني ومقتل مصطفى چلبي إضطر أن يعود إلى الحياة السياسية لإصلاح الوضع قبل أن يحدث ما لا تحمد عقباه وأن يتم تدارك الموقف الذى يهدد إمبراطوريته بالسقوط لا سيما وأن يوحنا الثامن كان يعادي العثمانيين دون تبصر بالعواقب حيث كان الطرف العثماني هو الأقوى وبالتالي فلم يكن الإمبراطور البيزنطي قادرا على الدفاع عن البلاد تجاه ما قد يقوم به العثمانيون إزاءها وبالفعل زحف السلطان مراد الثاني في شهر جمادى الآخرة عام 825 هجرية الموافق شهر يونيو عام 1422م على رأس قوات كثيفة قوامها ما بين 30 إلي 50 ألف جندي إلى القسطنطينية وحاصرها وتجهزت هذه القوات بأدوات الحصار والمدافع الكبيرة وكانت تلك أول مرة تستخدم فيها المدافع الثقيلة المشهورة بإسم المدافع الشاهينية في الجيوش العثمانية وذكر المؤرخ البيزنطي يوحنا كنانوس الذي عاصر هذا الحصار أن الجيش العثماني طهر المنطقة المجاورة للقسطنطينية أولا بقيادة محمد بك ميخائيل أوغلي ثم وصل السلطان مراد الثاني يوم 20 يونيو عام 1422م على رأس القوة الأساسية ومعه آلات الحصار فأقامها على الأسوار وبدأ في اِلتضييق على المدينة وقد إستمر هذا الحصار نحو أربعة أشهر أي حتى نهايات شهر شوال عام 825 هجرية الموافق شهر سبتمبر عام 1822م وقد شارك فيه العالم شمس الدين محمد بن علي البخاري مع خمسمائة من مريديه مما أعطى العثمانيين دفعا معنويا كبيرا أما الروم فقد دافعوا عن بلادهم على أحسن وجه وعملوا على إصلاح الأضرار التي كانت تلحق بأسوار المدينة أولا بأول نتيجة القصف المدفعي الثقيل لها حتى أن النساء شاركن في الدفاع عن المدينة ويروى أن أشد هجوم تعرضت له القسطنطينية كان في يوم الإثنين 6 رمضان عام 825 هجرية الموافق يوم 24 أغسطس عام 1422م غير أن هذا الهجوم أيضا لم يسفر عن نتيجة ملموسة وفي الحقيقة فإن القسطنطينية كانت قاب قوسين أو أدنى من السقوط في يد المسلمين بعد أن تهالكت أوضاعها الداخلية نتيجة الحصار المستمر ولم ينقذها سوى تمرد الشاهزاده مصطفى چلبي الأصغر الشهير بكجك مصطفى وهو الأخ الصغير للسلطان مراد الثاني إذ كان قد خرج على أخيه وشق عصا الطاعة مما إضطر السلطان العثماني مراد الثاني إلي قك الحصار عن مدينة القسطنطينية والعودة إلى منطقة الأناضول للتعامل مع الوضع المستجد وبناءا علي هذا نجت القسطنطينية وبقيت في حوزة الروم لمدة إحدى وثلاثين سنة أُخرى إلى أن فتحها السلطان محمَد الفاتح إبن السلطان مراد الثاني فيما بعد في عام 1453م وكان هذا الحصار هو الحصار السادس للعاصمة البيزنطية العتيدة وكان هو آخر حصار فرضه المسلمون عليها قبل فتحها ولقد شرح البيزنطيون هذه النجاة بمعجزة فحواها أن السيدة مريم العذراء وقفت في أثناء الحرب على الأسوار وأنها دافعت عنها وتحققت بذلك المعجزة ونجت المدينة من السقوط في أيدى المسلمين .
وكان مصطفى الأصغر شقيق السلطان مراد الثاني والشهير بكجك مصطفى قد عينه والده السلطان محمد الأول واليا على إقليم الحميد بالأناضول تحت إشراف مربيه لاله إلياس بك الشرابدار وكان إلياس بك المذكور من أتباع سليمان چلبي بن بايزيد ولما هزم الأخير وآلت السلطنة إلى محمد الأول عفا عن إلياس بك وعينه مربيا لإبنه مصطفى وفي أثناء إشتغال السلطان مراد الثاني بمحاربة عمه مصطفى بن بايزيد حرض إلياس بك مخدومه مصطفى الأصغر على العصيان وطلب الملك مستغلا حداثة سن الشاهزاده مصطفي البالغ من العمر 13 عاما وقلة خبرته بالحياة وأُمور السياسة وأعانه في هذه الحركة الأمير الكرمياني يعقوب بك بن سليمان وكان قد تبنى مصطفى الأصغر وأحبه حبا شديدا فأراد أن يتبوأ الملك وكذا وافقهما الأمير القرماني ناصر الدين محمد بك بن علي بدافع الحقد على الدولة العثمانية وإيقاظا لفتنة جديدة فيها في سبيل التوسع على حسابها في جنوب الأناضول كما أن الإمبراطور البيزنطي عمانوئيل الثاني أغرى مصطفى شقيق السلطان بِالخروج على أخيه في سبيل دفع الأخير بعيدا عن القسطنطينية وهكذا يبدو في حقيقة الأمر أن مسؤولية القيام بالتمرد لا تقع على عاتق الشاهزاده اليافع وإنما على مربيه وعلي كل الجهات المناوئة للعثمانيين والتي تمثلت في أميرى كرميان والقرمان والإمبراطور البيزنطي وفي جميع الأحوال فإن مصطفى الأصغر توجه في جمعٍ من الأوباش القرمانية والكرميانية والحميدية إلى مدينة بورصة وتم ضرب الحصار عليها لكن لم يتمكن هذا الجمع من إقتحامها فتوجه إلى إزنيق التابعة لمنطقة بورصة والتي تقع أقصي شمال غرب الأناضول عوضا عنها وحاصرها فما كان من السلطان مراد الثاني إلا أن أرسل إلى إلياس بك الشرابدار سرا يعده ببكلربكية الروملي إن شغل أخاه إلى أن يلحق به السلطان وكذلك أرسل إلى علي بك صاحب إزنيق بتسليم مصطفى الأصغر إليه عن طريق الحيلة ليمكث في المدينة ريثما يصلها السلطان ففعلا ما أُمرا به وأشغل إلياس بك الشرابدار مخدومه سليم الخاطر بأنواع المشاغل فشعر الأُمراء القرمانيون والكرميانيون بما يدور في الخفاء وحاولوا حمل مصطفى الأصغر على مغادرة المكان فلم يصغ إلى قولهم وإعتمد على إلياس بك المكار الذي حمله على فرسه وأدخله إزنيق وأجلسه في إحدى قُصورها ورتب له ديوانا كديوان السلاطين حتي لا يشك في الأمر أما السلطان مراد الثاني فقد فوض أُمور الثغور الغربية من منطقة الروملي إلى علي بك بن أفرنوس والثغور الشمالية منها إلى فيروز بك وسار هو في بقية العسكر مسرعا إلى جانب إزنيق حيث جرت مصادمة بسيطة قتل فيها محمد بك ميخائيل أوغلي لكن جمع مصطفى الأصغر تفرق تماما وهرب أكثره إلى داخل المدينة ولما وصل إليها السلطان مراد الثاني خرج إلياس بك الشرابدار ومعه الشاهزاده مصطفى وسلمه إلى أخيه الذي أمر به فقتل شنقا ثم حمل نعشه إلى بورصة حيث دفن بِجوار والده السلطان محمد الأول وفي قول آخر أنه قد فقئت عيناه فمات من شدة هذا الفعل وقد أُرخت هذه الحادثة بعام 826 هجرية الموافق عام 1423م وفي رواية أُخرى أن مصطفى الأصغر هرب من إزنيق إلى القسطنطينية وعقد تحالفا مع الإمبراطور البيزنطي لم يصل الباحثون أي بند من بنوده ونتيجةً لذلك تحصن في قوجه إيلي بشمال غرب الأناضول شمالي مدينة بورصة في الوقت الذي إستعاد فيه السلطان مراد الثاني مدينة إزنيق إلا أن الأُمراء تخلوا عنه فوقع في أسر السلطان مراد الثاني الذي أعدمه في يوم 9 ربيع الأول عام 826 هجرية الموافق يوم 20 فبراير عام 1423م .
وبعد تخلصه من المطالبين بالعرش إنهمك السلطان مراد الثاني في تعزيز دولته وتصفية مراكز القوى في الأناضول وكان أمير قسطموني والتي تقع بشمال تركيا عز الدين إسفنديار بك الجندرلي قد إسترد چانقري وطوسيه وقلعة جك القريبة من أنقرة والتي كانت قد أُلحقت بِالدولة العثمانية في عهد السلطان محمد الأول وذلك بسبب إنشغال السلطان مراد الثاني بمشكلة شقيقه مصطفي الأصغر وإستولى بعد ذلك على بورلي وطاراقلي والمنطقة المجاورة لهما فلما أدرك السلطان تعدي إسفنديار بك على أطراف الممالك العثمانية توجه إلى قتاله على الفور وقابل جيشه بقرب بلدة بورلي حيث دارت بينهما معركة عرفت بمعركة طاراقلي بورلي هزم فيها أمير قسطموني ففر ملتجئا إلى سينوپ بأقصي شمال تركيا بمنطقة البحر الأسود حيث طلب الصلح فوافق السلطان العثماني مراد الثاني وأمنه وبموجب الإتفاق الذي عقده الطرفان في أواخر عام 826 هجرية الموافق عام 1423م إعترف إسفنديار بك بموجبه بسيادة العثمانيين على إمارة قسطموني وتعهد بتزويد السلطان مراد الثاني بقوة عسكرية عند الحاجة وبدفع جزء من إيرادات المناجم وتعبيرا عن إخلاصه وولائه زوجه إبنته خديجة حليمة خاتون ويروى أن قاسم بك بن إسفنديار المؤيد للعثمانيين والذي عين حاكما على چانقري في عهد السلطان محمد الأول قد قدم العون إلى السلطان مراد الثاني ضد والده عندما حمل عليه العثمانيون وإلتفت السلطان مراد الثاني بعد ذلك إلى الإمارة القرمانية مستغلا التنازع الأُسري فيها بعد مقتل الأمير ناصر الدين محمد وتفصيل ذلك أن الأمير القرماني سالف الذكر كان قد قاد حملةً على أنطالية والتي تقع علي ساحل البحر المتوسط بجنوب غرب الأناضول والداخلة ضمن نطاق الدولة العثمانية عام 826 هجرية الموافق عام 1423م بحجة الإنتقام من حاكمها حمزة بك بن فيروز الذي قتل أمير إمارة تكة بجنوب غرب الأناضول عثمان بك التابع لِلقرمانيين والواقع أنه كان يمني نفسه بالسيطرة على مدينة أنطالية لأهميتها التجارية البحرية وتمكن حمزة بك من صد هجوم القرمانيين وقتل ناصر الدين محمد أثناء الحصار حيث أُصيب بقذيفة مدفع وبناءا على ذلك إنتقلت الإمارة إلى شقيقه علاء الدين علي فلجأ إبنا ناصر الدين محمد إبراهيم وعيسى إلى السلطان مراد الثاني ضد عمهما وتزوجا من أُختيه إلعالدة وإنجي وساند السلطان الأمير إبراهيم بن محمد لتولي عرش الإمارة القرمانية مقابل حصول الدولة العثمانية على إمارة الحميد بجنوب غرب الأناضول التي كان القرمانيون قد إستولوا عليها في عام 824 هجرية الموافق عام 1421م ومنح عيسى بن محمد إمارة إحدى سناجق الروملي أما علاء الدين علي الذي أُسقط عن عرشه فقد منح سنجق صوفيا وبهذا أصبحت الإمارة القرمانية تحت النفوذ العثماني إلا أن هذا التدبير والمصاهرة التي قامت بين البيتين لم تضمن إخلاص آل قرمان لآل عثمان ووفاق البيتين الحاكمين وفي عام 828 هجرية الموافق عام 1425م عصى الأمير جنيد بك بن إبراهيم الآيديني الدولة العثمانية وإستولى على إمارة آيدين بغرب الأناضول التي أعاده إليها السلطان مراد الثاني بعدما عفا عنه مجددا رغم دوره الأساسي في فتنة الشاهزاده مصطفى بن بايزيد الأول وتمرده وعصيانه سابقا في عهد السلطان الراحل محمد الأول ولم يكتف جنيد بك هذه المرة بخلع تبعيته للعثمانيين بل حرض بيزنطة والإمارات الأناضولية والبندقية ضد السلطنة العثمانية لذلك قرر السلطان مراد الثاني إستئصال هذا الأمير فأرسل إلى بكلربك إقليم الأناضول عروج بك بن تيمورطاش أن يتولى هذه المهمة فسار وأغار على بلاده لكن الموت أدركه فلم يكمل مهمته فكلف السلطان مراد الثاني حاكم أنقرة حمزة بك شقيق الصدر الأعظم بايزيد باشا الأماسيلي الذي قتل أثناء فتنة الشاهزاده مصطفى چلبي بمحاربة جنيد بك ووضع حد لخطره وكلف السلطان مراد الثاني أيضا نسيب بايزيد باشا المدعو خليل يخشي بك الرومي مطاردة الأمير الآيديني والقضاء عليه وإلتقت الجيوش العثمانية بجيش جنيد بك يقوده ولده قورد حسن بك قرب مدينة آق حصار حيث دارت بينهم معركة إنهزم فيها الآيدينيون ووقع قورد حسن وعمه في الأسر فأُرسلا إلى كاليبولي حيث زجا في السجن أما جنيد بك فقد تمكن من الهرب من إزمير ولجأ إلى حصن أپسالا الواقع على بحر إيجة مقابل جزيرة شامس حيث حاول الإتصال بالبنادقة لإنقاذه لكن حمزة بك وصل سريعا وضرب الحصار على أپسالا من البر والبحر ولما يئس جنيد بك من وصول المدد فشل في إستقطاب القرمانيين لتخفيف الضغط عنه فإضطر إلى الإستسلام بشرط عدم المساس بحياته فأُخذ أسيرا مع من تبقى من بني آيدين ويبدو كما يتبين من الأحداث أن جنيد بك قاوم حتى عام 829 هجرية الموافق عام 1426م وفي جميع الأحوال فإن كل من حمزة بك وخليل يخشي بك لا يبدو أن كانت لهما نية الإبقاء على حياة الأمير الأسير فقتلاه خنقا مع أتباعه وأقاربه إنتقاما لبايزيد باشا الأماسيلي وبمقتله تخلصت الدولة العثمانية من واحد من ألد أعدائها وأبرز الخونة الذين خانوا عهدها أكثر من مرة ولما علم السلطان مراد الثاني بمقتل جنيد بك أمر بِإعدام أخيه وإبنه قورد حسن المسجونين في كاليبولي وتم تنفيذ هذا الأمر علي الفور وبذلك لم يبق أحد على قيد الحياة من بني آيدين فإنقطعت سلالتهم للأبد وآلت بلادهم إلى الدولة العثمانية ووزعها السلطان العثماني مراد الأول على أُمرائه وكان أمير إمارة منتشا والتي تقع جنوب غرب إقليم الأناضول أحمد بك بن إلياس قد إستغل إنشغال الدولة العثمانية بمشكلة جنيد بك فهرب من منفاه في الدولة الآق قويونلوية والتي تقع أراضيها شرقي إقليم الأناضول ونجح في إسترداد عرش آبائه إلى أن هزم جنيد بك فإضطر إلى الهرب مجددا والعودة من حيث أتى خشية أن يقع في أيدى العثمانيين فينكلوا به فأخذ السلطان مراد الثاني أراضي تلك الإمارة وجعلها إمارة عثمانية وأقطعها لأقدم أُمرائه .
|