بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
وبعد أن إنتهي السلطان مراد الثاني من المشكلات التي واجهته في إقليم الأناضول إستأنف سياسته المعادية لِلبيزنطيين بعد تحرره من المشكلات الأناضولية وقد أثبتت التجربة الأخيرة الخاصة بحصار القسطنطينية أنها مازالت بعيدة عن متناول العثمانيين وفي هذه الأثناء أقدم البيزنطيون علي مهاجمة إقليم سالونيك اليوناني وأخذوا يشنون هجمات علي إقليم المورة وحدث خلال ذلك الوقت أن توفي الإمبراطور البيزنطي عمانوئيل الثاني وخلفه إبنه يوحنا الثامن وكانت الإمبراطورية البيزنطية لدى إعتلاء الإمبراطور الجديد العرش قد تضاءلت فلم تعد تشمل سوى القسطنطينية وضواحيها حتى سلمبرية بالإضافة إلى بعض الأراضي الضيقة على ساحل البحر فعانت من قلة الموارد بسبب فُقدانها لأراضيها مع ما ينتج عن ذلك من ضعف ظاهر في نواحي الحياة كافة فعلى سبيل المثال لم يتمكن يوحنا الثامن من سك النقود الذهبية فإكتفى بالفضية منها وإستغل السلطان مراد الثاني ضعف الروم الظاهر ففتح مدينة مودونة الواقعة في شبه جزيرة المورة مما جعل الإمبراطور يدرك عدم قدرته على الصمود أمام ضغط العثمانيين لذلك وافق على الخضوع لِلسلطنة وأُبرم صلح بين الطرفين يوم الثلاثاء 21 ربيع الأول عام 828 هجرية الموافق يوم 22 فبراير عام 1425م وبموجب شروط هذا الصلح الذي إحتوى مواد ثقيلة على الإمبراطورية البيزنطية تنازل يوحنا الثامن لِلعثمانيين عن جميع القلاع الباقية تحت السيطرة البيزنطية على شواطئ البحر الأسود وسواحل الروملي وإستجاب أيضا لمطالب السلطان مراد الثاني بدفع جزية سنوية وفق إحدى المصادر وبهذا فقدت الإمبراطورية البيزنطية جميع الفوائد والإمتيازات التي كانت قد جنتها علي حساب الدولة العثمانية بعد كارثة أنقرة التي كبحت نمو الدولة العثمانية زمنا طويلا وأفقدتها مساحات كبيرة من أملاكها سواء في الأناضول أو الروملي .
وكان لِلإمبراطور البيزنطي الجديد يوحنا الثامن أربعة أشقاء هم تيودور أمير المورة وأندرونيقوس أمير سالونيك وقُسطنطين وديمتريوس ويروى أن أمير سالونيك أندرونيقوس كان إنسانا بطيئا وكسولا للغاية ولم يكن لسكان المدينة ثقة به لكن النجاح العثماني الأخير في إرغام الإمبراطور البيزنطي على التنازل عن جميع القلاع الباقية تحت السيطرة البيزنطية على سواحل الروملي وفتحهم مدينة مودونة كما ذكرنا في السطور السابقة جعل السكان يدركون أن لا قبل لهم بالوقوف في وجه القوات العثمانية فسلموا مدينتهم للبنادقة كي يدافعوا عنها ويتفرد المؤرخ الرومي مقاريوس ميليسينوس الذي عاش خلال القرن السادس عشر الميلادى بذكر روايةً مفادها أن أندرونيقوس عامل المدينة معاملةً تجاريةً غريبة حيث باعها لجمهورية البندقية الإيطالية رغم أن جميع المصادر الأُخرى بما فيها وثائق المفاوضات بين الأمير الرومي والبنادقة لم تذكر هذا الأمر مما يجعله أمرا مستبعدا ويذكر أن البنادقة كانوا يتحدثون عن قيامهم بالدفاع عن الميناء التجاري ضد العثمانيين من جهة ويقومون في الوقت ذاته بتحويله إلى بندقية أخرى من خلال إعماره من جهة أُخرى وقد إعتبر السلطان مراد الثاني هذا التصرف من جانب السكان وأميرهم تحديا له لأن البنادقة كانوا من ألد أعدائه فأعد جيشا لفتح سالونيك فحاصرها وقد أدى قرار تولي الدفاع عن المدينة إلى تفاقم وضع البندقية وحاول البنادقة إسترضاء السلطان العثماني والحصول على إعترافه بسيطرتهم على المدينة فتلقي منهم العديد من العروض السياسية لكن كان من المستحيل عليه أن يقبل بالأمرالواقع وواصل حصاره لسالونيك ولما أصر البنادقة على الحصول على إعتراف السلطان العثماني مراد الثاني وأرسلوا له مبعوثا دبلوماسيا ليفاوضه فألقى القبض عليه وزجه في السجن وأرسل إلى البنادقة يعلمهم أن وجودهم في المدينة غير شرعي كونها من حق المسلمين الذين فتحوها سابقا وبذلوا دمائهم في سبيل ذلك وأن قواعد الحرب والغزو السائدة في العالم آنذاك تنص على هذا وبحسب المؤرخ البيزنطي دوكاس فإن السلطان العثماني مراد الثاني قال في رسالته إلى البنادقة هذه المدينة حقي الذى ورثته عن آبائي فإن جدى السلطان بايزيد الأول كان قد فتحها بسيف الظفر وأخذها من الروم وإنكم لاتينيين طليان فما الذى جاء بكم إِلَى هذه البلاد وعليكم أن تنسحبوا فورا بإرادتكم وإن لم تفعلوا فإني قادم إليكم علي وجه السرعة وقام الأُسطول العثماني بعمليات تدمير في أرخبيل المورة ضد ممتلكات جمهورية البندقية وبخاصة في منطقة تسمي أوبييه مما شل مناورات الأُسطول البندقي في قبالة ميناء كاليبولي وحدث آنذاك ما خفف الضغط العثماني عن سالونيك إذ نشب النزاع بين العثمانيين والمجريين حول بلاد الصرب والأفلاق مما أعطى جمهورية البندقية فرصةً لإعادة تحصين المدينة. .
وقد أزعج التوسع الإسلامي العثماني في البلقان ملك المجر وألمانيا سيكيسموند اللوكسمبورجي وإمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة وكان قد فشل في الحيلولة دون تمدد العثمانيين في عهد السلطانين العثمانيين بايزيد الأول ومحمد الأول فسعى إلى تحريض الأُمراء والحكام المسيحيين المجاورين على عدوهم المشترك وفي تلك الفترة كان حكم بلاد الأفلاق والتي تقع شمالي نهر الدانوب قد آل إلى ڤلاد بن ميرݘه المشهور بڤلاد دراكول بعد أن إنقلب على الأمير دان حاكم تلك البلاد ولقب دراكول الذي لقب به هذا الأمير يعني التنين وقد خلعهُ عليه سيكيسموند سالف الذكر بعد أن إنضم إلى طائفة فرسان التنين التي أسسها سيكيسموند للدفاع عن المسيحية في وجه تقدم الإسلام الممثل بِالدولة العثمانية في أوروبا وكان ڤلاد المذكور كثير الخروج في حملات عسكرية للإغارة على الأراضي العثمانية وفي أثناء الحصار العثماني لِسالونيك حرض الملك المجري جاره الأفلاقي ليغير على الأراضي العثمانية فما كان منه إلا أن عبر إلى مدينة سيلسترة والتي تقع في شمال شرق بلغاريا على الضفة الجنوبية لنهر الدانوب بالقرب من الحدود مع رومانيا وتعرض لبلاد المسلمين فأرسل السلطان مراد الثاني إلى حامي تلك الثغور فيروز بك وأمره بأن يجمع عسكر تلك الحدود ويغير معهم على الأفلاق فسار فيروز بك وغزا تلك البلاد وقتل كثيرا من مقاتليها وعاد منها محملا بالغنائم والأسرى والسبايا وقد أثارت غزوات فيروز بك الخوف في نفس دراكول فندم على فعله وأدرك أنه غير قادر على مقارعة الدولة العثمانية ولم يعد لديه شك في سوء عاقبة ما فعله وفهم أن عليه مهادنة السلطان مراد الثاني فأرسل إليه هدايا جليلة وأموالا عظيمة ثم سار مع ولديه إلى السلطان مراد الثاني بإدرنه فطلب العفو والأمان وسلم خراج سنتين وإعترف بسيادة الدولة العثمانية عليه فعفا عنه السلطان وأقره على بلاده وأعاده حاملا فرمان التولية الرسمي وهناك رواية تفيد أنه ترك ولديه رهينة لدى العثمانيين لكن لم يكن هذا الخضوع إلا ظاهريا كما تبين بعد بضع سنين وما كاد السلطان مراد الثاني يعيد ترتيب أوضاع الأفلاق لصالح الدولة العثمانية حتى أتاه خبر نقض قيصر الصرب أسطفان بن لازار حلفه مع العثمانيين مدفوعا من سيكيسموند وكان هذا الحلف قائما منذ أوائل عهد السلطان بايزيد الأول فقبض أسطفان على أمير الثغور المجاورة علي باشا بن إسحق الشهير بدلو باشا وحبسه لذلك أرسل السلطان مراد الثاني إلى بكلربك الروملي سنان باشا كي يسير مع العسكر إلى ديار الصرب ويغير عليها فسار سنان باشا وفتح قاعدة تلك الديار ودار ملكها آلاجة حصار ثم سخر أكثر تلك البلاد وحول عدة كنائس من كنائسها إلى مساجد ثم أرسل السلطان إلى أُمراء الروملي بِأن ينضموا إلى البكلربك المذكور ويغيروا على الصرب ويأخذوا ما بيد قيصرها من بلاد فسار الأُمراء بجنودهم وسيطروا على ولاية جان أواسي الصربية وفتحوا أيضا قلعة كورجنيلك الصربية وغيرها .
وكان من نتيجة تلك الغزوات أن خضع أسطفان بن لازار للدولة العثمانية مجددا فأرسل إلى عتبة السلطان أموالا عظيمة وهدايا وإلتمس العفو وأرسل أيضا هدايا إلى الوزراء والأُمراء فشفعوا إلى السلطان فيه فعفا عنه وأبرم معه صلحا في شهر جمادى الأولى عام 829 هجرية الموافق شهر مارس عام 1426م تنازل فيه أسطفان عن قسم من أراضيه حتى آلاجة حصار أي حتى الشمال الغربي من مدينة نيش في وسط بلاد الصرب وبعد ذلك حول السلطان مراد الثاني أنظاره ناحية ألبانيا لمعاقبة حاكم الإمارة الكستريوتية يوحنا كستريو الذي خلع طاعة العثمانيين أثناء حصارهم سالونيك وراسل البنادقة يطلب منهم الصفح عنه وعن ابنه جرجس الذى أصبح إسكند بك بعد أن إعتنق الإسلام وحارب في صفوف المسلمين طالبا منهم السماح له ولولده أن يعودا تحت حكم جمهورية البندقية تماما كما كان الحال قبل فتح العثمانيين لبلادهم وفي سبيل إظهار حسن نيته لِلبنادقة أرسل يوحنا كستريو جميع الفرمانات التي بعثها إليه السلطان مراد الثاني إلى مجلس الشيوخ البندقي وكان يأمره فيها بمهاجمة مستعمرات وممتلكات البندقية في ألبانيا وطلب كستريو من البنادقة أن يؤمنوا له الحماية والدعم العسكري فيما لو هاجمه العثمانيون ولما علم السلطان بأمر هذه الخيانة أرسل الأمير عيسى بك بن أفرنوس إلى ألبانيا وتحت إمرته قوة كبيرة فتقدم حتي سواحل البحر الأدرياتيكي وهزم يوحنا كستريو وأخضعه مجددا وألزمه على تسليم أولاده الأربعة رهائن لضمان إلتزامه بمسالمة المسلمين وتوجه عيسى بك بعد ذلك إلى الجنوب فهدم سور كورنثة التي تقع بوسط جنوب اليونان والذي بناه البيزنطيون بغية منع الفتوحات العثمانية من التقدم إلى الأمام ودخل المورة في يوم السبت 20 جمادى الأولى عام 829 هجرية الموافق يوم 1 مايو عام 1426م وفتح منطقة لاكونيا ثم حدث أن توفي قيصر الصرب أسطفان بن لازار يوم 24 رمضان عام 830 هجرية الموافق يوم 19 يوليو عام 1427م فضم السلطان مراد الثاني ما كان قد فتحهُ إلى أملاكه متذرعا بحق الإرث بفعل المصاهرة القديمة بين البيتين العثماني والصربي حينما تزوج السلطان بايزيد الأول بالأميرة أوليڤيرا دسپينة الأُخت الصغرى لأسطفان منازعا حقوق جريج برانكوڤيچ إبن أخ أسطفان الذي إدعي وراثة الحكم وإستغل ملك المجر سيكيسموند اللوكسمبورجي وفاة القيصر الصربي ليضم إليه بعض بلاده فزحف بإتجاه الصرب وإحتل مدينة بلجراد متحججا بتبعية القيصر الراحل للمجر وإعترف بجريج برانكوڤيچ حاكما على النصف الجنوبي من إقليم ماچوا ببلاد الصرب بما فيه مدن ڤاليڤو وكروپانية وزياچة فرد السلطان مراد الثاني بضم آلاجة حصار ونيش وحاصر القلعة البيضاء وإتخذ من المدينة الأولى قاعدة إنطلاقٍ وحماية وكذلك من قلعة كورجنيلك الذى وقف قائد حاميتها إرميا في صف العثمانيين ضد أبناء جلدته ودارت بين العُثمانيين والمجريين محاربة شديدة تمثلت في عدة معارك كانت نتيجتها إفتتاح مدينة كولمباز الواقعة على شاطئ نهر الدانوب الأيمن ولما إشتد الضغط العثماني على المجريين إضطر سيكيسموند إلى عقد هدنة مع السلطان مراد الثاني في عام 831 هجرية الموافق عام 1428م مدتها ثلاث سنوات بموجبها تخلي المجريون عن ما لهم من البلاد على شاطئ نهر الدانوب الأيمن بحيث يكون هذا النهر فاصلا بين أملاك الدولة العثمانية ومملكة المجر ولما رأى قيصر الصرب الجديد جريج برانكوڤيچ أنه لن يقوى على مقاومة الدولة العثمانية قبل أن يدفع جزية سنوية وأن يقدم للسلطان العثماني فرقة من جنوده للمساعدة وقت الحرب وأن يزوجه إبنته مارا وأن يقطع علاقاته مع ملك المجر وأن يتنازل للدولة العثمانية عن مدينة آلاجة حصار لِتجعلها حصنا منيعا تأوي إليه جنودها الذين سيتمركزون بها ويراقبون أي تحركات معادية منعا لحدوث أى فتن .
وفي عام 831 هجرية الموافق عام 1428م توفي يعقوب بك بن سليمان آخر أُمراء بني كرميان عن غير عقب وكان قد أوصي أن تؤول إمارته إلى السلطان مراد الثاني نظرا لصلة القرابة بينهما إذ كان السلطان حفيد أُخت الأمير الكرمياني وكان يكن له إحتراما وتقديرا كبيرين رغم المشكلات التي وقعت بين الدولة العثمانية والإمارة الكرميانية في السابق ولعل سبب ذلك هو كبر سن يعقوب بك ووقاره إذ كان شيخا تجاوز الثمانين من العمر يوم وفاته ومع أنه كان له أخوان هما إلياس وخضر وأبناؤهما إلا أنه رجح حفيد أخته السلطان مراد الثاني ليخلفه ويبدو أن تأثير عدم وجود المقاومة للحكم العثماني لديه كان مشجعا له علي هذا الترجيح وبذلك إستعاد السلطان مراد الثاني جميع ما كان قد فصله تيمورلنك من أقاليم الأناضول عن الدولة العثمانية وعادت إليها في سنوات حكمه الأولى كل من إمارات آيدين وتكة ومنتشا وكرميان وأضحى بِإمكانه التفرغ لِمشكلاته الأوروبية وقد تفرغ السلطان مراد الأول بعد تأمين الجبهة الصربية المجرية لِحصار سالونيك فحشد حولها قوات كثيفة مزودة بِالمدافع كما ساهم الأُسطول العثماني في تضييق الخناق عليها بحرا وفي تلك الفترة كانت المدينة قد تحولت إلى مسرحٍ للأحداث الطائفية والعرقية بين السكان الأصليين الروم الأرثوذكس والبنادقة اللاتين الكاثوليك بحيث لم يعد بالإمكان العيش فيها بسلام وقد عامل البنادقة أروام سالونيك معاملةً سيئة بل إنهم قاموا بطرد بعضهم وإحلال مهاجرين لاتين محلهم وقد نقم الناس على أميرهم الذي استعان بالبنادقة وحملوه مسؤولية ما حل بهم وقد أدت هذه الأسباب مجتمعةً بِأهالي سالونيك إلى الميل إلى العثمانيين ضد البنادقة الذين حاولوا توسيط الإمبراطور البيزنطي يوحنا الثامن بينهم وبين العثمانيين لحل المسألة سلميا لكن السلطان مراد الثاني لم يقبل ذلك وشدد الحصار على المدينة وأمام هذا الواقع أرسلت جمهورية البندقية أُسطولا بحريا بقيادة أمير البحار أندريا موكينيكو لنجدة المدينة فإشتبك مع الأُسطُول العثماني في معبر كاليبولي وإنهزم شر هزيمة بل إن العثمانيين تمكنوا من شطر سفينة أمير البحار المذكور إلى قسمين وأغرقوها وبذلك أخذوا بثأرهم من الهزيمة التي تعرض لها الأُسطول العثماني قبل أربعة عشر عاما في أول معركة بحرية مع البنادقة ويذكر أن الإنتصار البحري هذا رفع معنويات الجيش المشغول بالحصار في سالونيك وأعطى الجنود أملا في النجاح في فتح المدينة ويقال إن السلطان مراد الثاني كان علي الرغم من ذلك متكدرا من إمتداد أيام الحصار فإستشار الأُمراء في ذلك فأشار علي بك بن أفرنوس أن ينادي السلطان بالتنفيل واليغما أي أن يجعل للجند ما يغنموه في الغزوة لإعطائهم سبب وحافز إضافي يدفعهم إلى القتال بحماس شديد فنودى بذلك بين العسكر فهجموا على الأسوار وصعدوا إليها بالسلالم ولم يلتفتوا إلي حالات القتل والجرح والضرب التي تنال بعضهم طمعا في المال والغنيمة ففتحت المدينة عنوة بعد ثلاثة أيام من الهجوم المتواصل في يوم 4 رجب عام 833 هجرية الموافق يوم 29 مارس عام 1430م ودخلتها القوات العثمانية وفرت منها الحامية البندقية وقتل الجنود العثمانيون كل من شهر السلاح من الروم وأصابوا سبيا كثيرا وغنموا أموالا عظيمة وفي اليوم الرابع دخل السلطان مراد الثاني المدينة وأمر برفع الآذان في كنيسة مريم العذراء وهي كنيسة المدينة المركزية وصلى فيها إيذانا بجعلها مسجدا جامعا للمسلمين فأصبحت أولى مساجد المسلمين في المدينة وبعد ذلك أعطى السلطان الأمن والأمان لجميع السكان وأمر الجنود بترك البيوت لأهلها وعدم إخراجهم منها وإفتدى العديد من الأسرى والسبايا من ماله الخاص وأعادهم إلى ديارهم كما أعاد توطين بعض الأُسر في الأناضول ونقل عدد آخر من الأُسر المسلمة والمسيحية من مقدونيا وأسكنها في المدينة وخصص القسم المرتفع منها لإسكان المسلمين لسهولة الدفاع عنه وحتى تحافظ البندقية على ما تبقى من ثغورها البحرية في اليونان وألبانيا عقدت معاهدة صلحٍ مع السلطان مراد الثاني في يوم 15 ذي الحجة عام 833 هجرية الموافق يوم 4 سبتمبر عام 1430م إعترفت بموجبها بسيطرة العثمانيين على سالونيك وبحرية التجارة في جزر الأرخبيل ببحر إيجة .
وبعد فتح سالونيك رغب السلطان مراد الثاني في أن يفتح ما بقي من بلاد الصرب وألبانيا والأفلاق قبل أن يعيد الكرة على القسطنطينية حتى لا يكون لها من هذه البلاد نصير فوجه إهتمامه أولا إلى ألبانيا وتحديدا إمارة إپيروس البيزنطية والتي تقع غربي بلاد اليونان والتي كانت تحكمها في تلك الفترة أسرة توكو الإيطاليَّة وكان أمير البلاد كارلو بن ليوناردو الشهير بكارلو توكو الأول قد توفي عام 833 هجرية الموافق عام 1430م فحل محله إبن أخيه كارلو توكو الثاني غير أن أولاد كارلو الأول غير الشرعيين بدأوا بالنزاع فيما بينهم على التركة ويذكر أن الشعب ضاق ذرعا بتلك المنازعات وأصبح لا يبالي بالأُسرة الإيطالية وبناءا على ذلك فقد أرسل أهل مدينة يانية ممثلين لهم إلى السلطان مراد الثاني وسلموا له مفاتيح المدينة مشترطين عدم التعرض لهم في دينهم ولا عوائدهم وحقوقهم الشخصية فوافق السلطان على ذلك وأرسل البكلربك سنان باشا إلى المدينة فتسلمها يوم الثلاثاء 1 صفر عام 834 هجرية الموافق يوم 9 أكتوبر عام 1430م كما يروى وسلم الأهالي فرمانا سلطانيا يمنحهم الأمن والأمان على أنفسهم وأموالهم وأولادهم ودينهم وكنائسهم وبِذلك إفتتحت المدينة صلحا ودخلت في حوزة المسلمين ويعتبر بعض الباحثين أن هذا الحدث يدل على مدى التأثير الإيجابي الذي تركته الإدارة العثمانية وعدلها في البلقان لكن على الرغم من ذلك بدأت في ألبانيا حركات المقاومة ضد العثمانيين بسبب المصالح الخاصة لبعض الأُسر الحاكمة بدعم وتشجيعٍ من البنادقة وقد توسعت بعض تلك الحركات إلى أن إتخذت صفةً شعبيةً عامة في بعض المناطق وأصبحت مشكلة كبيرة وعارمة في وجه العثمانيين إستمرت حتي نهاية عهد السلطان العثماني السابع محمد الفاتح خليفة السلطان مراد الثاني ويذكر أن الأميرين الألبانيين جرجي أرانيتي وأندريس طوبيا دوقاقين وغيرهما من أُمراء المناطق الممتدة بين أفلونية بجنوب غرب ألبانيا وإشقودرة بشمال غربها حاولوا إستمالة إسكندر بك بن يوحنا كستريو لينضم إليهم في الثورة ضد العثمانيين لكن الأخير رفض وبقي على ولائه للسلطان العثماني مراد الثاني .
وكنتيجة للإنتصارات المتتالية التي حققتها الدولة العثمانية في أوروبا عادت البابوية إلى تخوفها من المد الإسلامي في القارة الأوروبية بسبب أن الدولة العثمانية قد رجعت إلى قوتها السابقة على نكسة أنقرة فقرر البابا إيجين الرابع إستغلال الثورات القائمة في ألبانيا ليحاول حشد حلف مسيحي صليبي جديد ضد العثمانيين فإستجاب له ملك المجر سيكيسموند اللوكسمبورجي الذى كان ينزل بضيافته آنذاك في مدينة روما الإيطالية بعد أن تقلد تاج لومبارديا الحديدي وأصبح ملكا على إيطاليا إلى جانب البلاد الكثيرة التي كان يحكمها وكان ما يزال يمني نفسه بِإخراج المسلمين من قارة أوروبا أو تحجيم النفوذ العثماني على الأقل ولذلك عاد إلى تحريض قيصر الصرب وأمير الأفلاق على الدولة العثمانية كما راسل أمير القرمان إبراهيم بك بن محمد وعقد معه إتفاقا سريا بأن يهاجم العثمانيين في الأناضول في الوقت الذي يهاجمهم فيه المجريون والصربيون والأفلاقيون في الروملي ويمكن تعليل قبول الأمير القرماني الدخول في إتفاقٍ من هذا القبيل برغبته في إعادة الإمارة القرمانية إلى وضعها السابق حيث لم يبق لها إستقلال بل إضطرت أيضا إلى التخلي عن بعض الأراضي للعثمانيين والخضوع لهم وفي عام 835 هجرية الموافق عام 1431م أرسل السلطان مراد الثاني بكلربك الروملي سنان باشا مع طائفة الآقنجية وهم الفرسان العثمانيين خفيفي التدريع إلى ألبانيا لقمع الثائرين بها فأغاروا على الإمارات العاصية وأصابوا فيها غنائم وسبي كثير ثم عادوا إلى خدمة السلطان في العاصمة إدرنه وفي نفس العام توفي يوحنا كستريو والد إسكندر بك فضمَ السلطان أملاكه إليه وأرسل إسكندر المذكور واليا إلى تلك البلاد مكان أبيه ومعه خمسة آلاف فارس فعمل إسكندر بك على المحافظة على العلاقات الطيبة التي كانت قائمة سابقا بين والده وجمهوريتا راكوزة والبندقية الإيطاليتين ولكن تحت الراية العثمانية وبذلك هدأت أوضاع بعض بلاد ألبانيا وإلتفت السلطان مراد الثاني إلى ملك المجر وحلفائه وإستشار وزراءه ومستشاريه والأُمراء والساسة في الجهاد على المجر قبل أن يستفحل خطرها أكثر من هذا فإتفقت الكلمة على أن يرسل السلطان العثماني أولا أحد الأُمراء مع طائفة من العساكر ليستعلم الطرق والمداخل والمخارج فعين لذلك علي بك بن أفرنوس والذى سار في عسكر الروملي حتى دخل حدود بلاد المجر فلم يظهر المجريون لقتاله مما حمل قسم كبير من العسكر على التفرق للنهب والسلب والسبي مخالفين بذلك تعليمات السلطان وقائدهم ولم يبق مع علي بك سوى جمع قليل من الجنود فغافلهم سيكيسموند اللوكسمبورجي ملك المجر وهجم عليهم في جمعٍ كبير ووقعت بين الطرفين معركة قصيرة إنكسر فيها العثمانيون وإضطر علي بك إلى الهرب والخلاص فنجا في جمعٍ قليل من الجنود وقتل المجريون أكثر من كان معه وأسروا البعض الآخر .
وأمضى السلطان مراد الثاني شتاء عام 1831م / 1832م في العاصمة العثمانية إدرنه وشرع في جمع جيش لِلإنتقام من سيكيسموند وبينما هو مشغول بذلك حتى بلغه هجوم إبراهيم بك القرماني على الأراضي العثمانية بحجة سرقة حصان حيث كان إبن أمير إمارة ذي القدرية بوسط جنوب الأناضول سليمان بك قد هيأ فرسا جيدا نجيبا من السلالة التركمانية المعروفة بالأصالة والنجابة والحيوية وقوة الإحتمال للإهداء إلى السلطان مراد الثاني فطلبه منه الأمير القرماني كي يختصه لنفسه فإعتذر سليمان بك حيث أنه كان قد أعده للإهداء إلى السلطان العثماني فرأى إبراهيم بك الفرصة سانحة لفتح باب الحرب بينه وبين العثمانيين وأرسل جمعا من السراق فسرقوا الحصان وعلم سليمان بك بذلك فأعلم السلطان مراد الثاني بهذا الأمر فأرسل السلطان إلى الأمير القرماني يطلب منه إرجاع الحصان لكن الأمير رفض وأغلظ في الجواب ثم أعلن العصيان وسار بجيشه وإستولى على إقليم الحميد بجنوب غرب الأناضول وأسر الوالي إلياس بك الشرابدار وبلغت هذه الأحداث مسامع السلطان وهو متجهِز للمسير إلى جهاد المجريين وفي أثناء ذلك بلغه أيضا أن قيصر الصرب عاد وعصى وإنضم إلى سيكيسموند وتوجها إلى الأراضي العثمانية وعاثا فيها وحاصرا قلعة كورجنيلك فأرسل السلطان البكلربك سنان باشا إلى دفع المهاجمين وأرسل معه جميع أُمراء الروملي والآقنجية وأصحاب التيمارات والزعامات وأدرك سنان باشا الجيش المجري الصربي وقد ضرب الحصار على قلعة كورجنيلك سالفة الذكر فإنقض عليهم وقاتلهم قتالا شديدا حتى كسرهم وأجبرهم على الفرار عبر نهر الدانوب فغرق منهم الكثير من الجنود ولم يتمكن سيكيسموند من عبور النهر إلا بمشقة عظيمة فهرب في جمعٍ قليل من قواته وإغتنم المسلمون بغنائم كثيرة وبعد دفع الصربيين والمجريين توجه السلطان في عام 838 هجرية الموافق 1435م إلى الأناضول وتجهز للمسير إلى معاقبة إبراهيم بك القرماني على عصيانه وتحالفه مع القوى المسيحية المعادية للعثمانيين فأعد جيشا عرمرما وإتحد مع أُمراء ذي القدرية وتوجه إلى بلاد القرمانيين وكان السبب الذي أدى إلى إتحاد بني ذي القدرية مع العثمانيين في هذه الحملة كون القرمانيين قد قاموا قبل فترة وجيزة بالإستيلاء على مدينة قيصرية التابعة لبني ذى القدرية ويروى أن أمير ذي القدرية ناصر الدين محمد بك أرسل إبنه سليمان سالف الذكر إلى السلطان مراد الثاني وعقد إتفاقا معه على السير سويا على القرمانيين وتختلف المصادر في تحديد النتائج المترتبة على هذه الحملة فتذكر المصادر العثمانية بشكل عام أن السلطان مراد الثاني أخذ جميع بلاد إبراهيم بك القرماني بما فيها عاصمته قونية التي أقام بها وإتخذها مركزا للعمليات العسكرية فهرب إبراهيم بك واحتمى في هضبة طاش إيلي في قيليقية فأتبعه السلطان بجمعٍ لتسهيل الطرق إلى الهضبة المذكورة وإلقاء القبض عليه إلا أنه بالنظر إلى تشفع زوجة إبراهيم بك إلعالدة خاتون التي هي أُخت السلطان مراد الثاني في الموضوع أُعيد الأمير القرماني إلى بلاده لقاء تسليم إبنه ليقيم في البلاط العثماني وإلتزامه بدفع بعض التعويضات وقيل أيضا إن إبراهيم بك خاف أن يقع في يد العساكر العثمانيين الذين يتتبعونه فأرسل العالم المتصوِّف أولو عارف أفندي وهو من أحفاد الملا جلال الدين الرومي إلى حضور السلطان شفيعا فقبل السلطان شفاعته ورد ملك إبن قرمان إليه بعد إسترداد ما أخذه من بلاد الحميد وقيل كان الشفيع المولى نور الدين حمزة بن محمود القرماني وفي جميع الأحوال أرسل السلطان مراد الثاني كتاب العهد والأمان إلى إبراهيم بك بيد المؤرخ شكر الله بن أحمد بن زين الدين زكي ثم عاد إلى بورصة بعد إستقرار الصلح وأقر إلياس بك الشرابدار على إقليم الحميد وبناءا على إحدى الروايات فإن السلطان مراد الثاني قد إسترجع مدينة قيصرية الهامة لبني ذي القدرية خلال هذه الحملة لكن على الرغم من ذلك يروى أنه مع عقد الصلح بين السلطان مراد الثاني وإبراهيم بك وجلاء القوات العثمانية عن وسط الأناضول فإن سليمان بن محمد ذو القدرية قد إشتغل فترة طويلةً بحصار مدينة قيصرية إلا أنه لم يوفق في إسترجاعها .
ويذكر أن منطقة آق شهر بوسط الأناضول التي كانت تتبع الإمارة القرمانية أُلحقت بالدولة العثمانية في هذه الحملة وتحرك السلطان مراد الثاني بعد إنتصاره على القرمانيين إلى الصرب للإنتقام من قيصرها جريج برانكوڤيچ لنقض عهده وإتفاقه مع المخالفين لسلطان الدولة العثمانية ولما تيقن برانكوڤيچ أنه لا قبل له في مقاومة العثمانيين أرسل أموالا عظيمة وهدايا جليلة إلى الأُمراء فشفعوا فيه وتنازل للسلطان عن المزيد من الأراضي وأعلن خضوعه التام للسلطان العثماني مجددا كذلك عاود أمير الأفلاق ڤلاد دراكول إعلان خضوعه وتبعيته للدولة العثمانية وتعهد بالخدمة مع جيشه في الحملات العثمانية وبتلك الصورة جردت مملكة المجر من حلفائها في الأناضول والروملي وبقيت وحيدة بعدما قام السلطان مراد الثاني بتأديب المتحالفين مع الملك المجري سيكيسموند اللوكسمبورجي وأعادهم إلى الطاعة وقرر الإنتقام من هذا الملك الذى سبب عبر سنوات العديد من المشاكل للدولة العثمانية والذي أصبح وحيدا لا سيما وأنه أغار على أطرف آلاجة حصار عند إشتغال السلطان بالقرمانيين لذلك أرسل السلطان علي بك بن أفرنوس على رأس عسكر الروملي إلى بلاد المجر وإلتحق به كل من جريج برانكوڤيچ وڤلاد دراكول وعبروا نهر الدانوب في عام 840 هجرية الموافق عام 1436م فوصلوا إلى طمشوار وهي تقع بغرب رومانيا حاليا وأغاروا على إقليم ترانسلڤانيا الروماني أيضا وغنموا منها غنائم عظيمة وقتلوا مقاتلة أهلها وسبوا الكثيرين منهم وحاصروا مدينة هرمنستاد بوسط رومانيا وأغاروا أيضا علي مدينتيّ مدياش وشوسبورج ثم عاد علي بك إلى إدرنه بعد خمسة وأربعين يوما قضاها في الغزو وهون أمر فتح تلك البلاد عند السلطان فأمر الأخير بإجتماع العسكر وسار معهم في شهر ربيع الأول عام 841 هجرية الموافق شهر سبتمبر عام 1437م إلى جهاد المجريين وحضر معه في هذه الغزوة قيصر الصرب وأمير الأفلاق مع عساكر بلادهما فوصل هذا الجمع إلى حصن زملين المنيع المواجه لدينة بلجراد وإتخذهُ السلطان قاعدة إنطلقت منها الحملات العسكرية وفتحت ست قلاع مجرية ولم يقدر سيكيسموند على الظهور والمقاومة كونه كان مريضا يحتضر ورجع السلطان مراد الثاني بعد ذلك إلى إدرنه عن طريق الأفلاق وقيل إن تلك الحملات على المجر كان من نتائجها وقوع سبعين ألف أسير في ايدى العثمانيين .
وفي واقع الأمر كان السلطان مراد الثاني حتي ذلك الحين يسعي إلي تدعيم سلطته وتثبيت الجبهة الداخلية بقمع الثورات وحركات التمرد والعصيان الداخلية وتقوية مناطق الحدود أكثر مما كان يسعى إلى التوسع بشكل ملحوظ وذلك بفعل الظروف الدولية السائدة آنذاك حيث كانت الدولة العثمانية محاطة بالأعداء من كل جانب ممثلين في جمهورية البندقية ومملكة المجر والإمارة القرمانية والدولة التيمورية كما وجد إتجاه عثماني من جانب بعض القادة والسياسيين وعلى رأسهم الوزير الثاني صاروچه باشا معاد لسياسة التوسع التي إتبعها السلطان بايزيد الأول والتي إنتهت بفشل ذريع في النهاية مما أثر سلبا على الدولة والمجتمع العثماني بعد معركة أنقرة الشهيرة عام 1402م غير أن الظروف كانت قد تبدلت في عام 841 هجرية الموافق عام 1437م حيث كانت جمهورية البندقية الإيطالية قد ركنت إلى الهدوء بعد أن أرهقها صراع دام سبع سنوات وحرصت على المحافظة على مصالحها التجارية وتمسكت بالسلم وفي يوم 10 جمادى الآخرة عام 841 هجرية الموافق يوم 9 ديسمبر عام 1437م توفي سيكيسموند ملك المجر وإمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة فبدا وكأن موته قد أضعف المجر في لحظة حرجة وكان السلطان مراد الثاني قد أخضع الإمارة القرمانية أما شاهرخ بن تيمورلنك أمير الدولة التيمورية فقد رحل بإتجاه الشرق تاركا آسيا الصغرى ومن ثم إبتعد خطره عن الدولة العثمانية ولكل هذه الأسباب مجتمعة تعزز الإتجاه التوسعي للدولة العثمانية بين القادة والسياسيين العثمانيين من جديد وإستغل السلطان مراد الثاني الظروف السياسية المشار إليها وقرر التوسع بإتجاه الشمال فقاد حملةً بين عام 841 وعام 842 هجرية الموافقتين لعام 1438م ضد إمارة ترانسلڤانيا الرومانية ومملكة المجر وسانده جريج برانكوڤيچ الصربي وڤلاد دراكول أمير الأفلاق فتصدت له القوات المجرية بقيادة قائد صلب العود هو يوحنا هونياد أمير ترانسلڤانيا لكن السلطان مراد الثاني إستطاع التغلب عليه وشجعته هشاشة المقاومة المجرية على التوغل في بلاد المجر وفي تلك الفترة إنتخب ألبرت الثاني ملك المانيا ملكا على المجر وقام هذا الخلف بالتعجيل في سياسة سلفه سيكيسموند التي كانت تستهدف العمل ضد العثمانيين فإتصل بكل من جريج برانكوڤيچ وڤلاد دراكول وبدأ التمهيد لعقد تحالف مجرى صربيٍ أفلاقي ضد العثمانيين وبلغت أخبار هذه المؤامرة مسامع السلطان مراد الثاني عن طريق إسحق بك بن فيروز أمير سنجق إسكوپية الحدودي ببلاد الصرب والذي كان قد عرفها بدوره عن طريق العيون والجواسيس فأرسل إلى السلطان يقول له إن من الضرورى فتح قلعةُ سمندرية وقتل منبع الفساد ويلق أُوغلي ودراكول حتي نتخلص من مؤامراتهما وتمردهما الدائم والمتكرر وبناءا علي هذا أرسل السلطان مراد الثاني إلى القيصر الصربي والأمير الأفلاقي يدعوهما إلى الطاعة والخدمة وطلب من برانكوڤيچ أن يسلمه مفاتيح مدينة سمندرية وإسمها الحالي سيميدريفو والتي تقع شرق بلاد الصرب والتي إتخذها عاصمةً له بعد تنازله عن مدينة آلاجة حصار فرفض القيصر الصربي وثار في وجه الدولة العثمانية وحصن مدينته بالميرة والرجال مما دفع السلطان مراد الثاني إلى التوجه إلى بلاد الصرب لإخضاعه فما كان من برانكوڤيچ إلا أن فر من أمام الزحف العثماني وترك الدفاع عن عاصمته لإبنه الكبير جرجير ولجأ إلى الملك المجري ألبرت الثاني ولما وصل السلطان بجيشه ضرب الحصار حول مدينة سمندرية طيلة ثلاثة أشهر ثم فتحها يوم الخميس 16 ربيع الأول عام 842 هجرية الموافق يوم 5 سبتمبر عام 1438م وقبض على جرجير المذكور وعدد من الأُمراء الصربيين وفقأ أعينهم دون أن يقتلهم وأرسلهم أسرى إلى قلعة توقاد أو ديموتيقة وزج بهم في السجن أما أمير الأفلاق ڤلاد دراكول فنظرا إلى تيقنه التام بعدم مقدرته على الصمود بوجه القوات العثمانية فإنه لم يجد ملاذا إلا أن يتقدم إلى الجيش العثماني مستسلما ويلجأ مع ولديه إلى السلطان مراد الثاني والذى عفا عنه مجددا ولم يقتله لكنه أمر بسجنه عقابا له على التواصل مع ملك المجر فسجن هو في قلعة كاليبولي وولديه في قلعة أجريبوز ولما وصل خبر سقوط مدينة سمندرية بيد المسلمين قام ألبرت الثاني ملك المجر على رأس جيش وسار لتخليص المدينة وطرد العثمانيين منها فتصدى له إسحق بك بن فيروز وعثمان چلبي بن أمور بن تيمورطاش المكلفان بالحملة على المجر ودارت بين الطرفين معركة شديدة عرفت بوقعة تكة دوبري إنهزم فيها الجيش المجري هزيمةً نكراء وهرب ألبرت الثاني ناجيا من موت محقق ووقع الكثير من الأسرى بيد العثمانيين وغنموا غنائم عظيمة .
وكان المؤرخ درويش أحمد عاشقي الشهير بعاشق باشا زاده من جملة المقاتلين في الجيش العثماني في هذه المعركة وصور هذا الإنتصار ومقدار الغنائم بقوله أَسرت أنا خمسةَ رجال من الكفار غير مَن قتلته في المعركة فبعت الخمسةَ بعد العودة إِلى إِسكوپِية بتسعمائة درهم وبعد تمام النصر حول السلطان مراد الثاني الأراضي الصربية المفتوحة إلى سنجقٍ مركزه سمندرية وعرف بإسمها مما يعني أن القيصرية الصربية قد أُزيلت من الوجود وكان من نتيجة هذا الإنتصار أيضا أن تخوف ملك البوسنة أسطفان تڤرتكو من مجاورة العثمانيين لبلاده وإحتمال أن يقدموا على فتحها أيضا فإضطر أن يقترح رفع الجزية التي كان يدفعها سنويا إلى العثمانيين بِغية تخليص وتأمين وضعه وبالفعل زاد قيمة الجزية بمقدار 25% من قيمتها السابقة وفي يوم الثلاثاء 18 جمادى الأولي عام 843 هجرية الموافق يوم 27 أكتوبر عام 1439م توفي ألبرت الثاني ملك ألمانيا والمجر بسبب مرض الصفراء الذى إنتقل إليه من الجيش ومن ثم حدثت بناءا على ذلك أزمة على الحكم في المجر إستمرت سنتين ومن المعروف أن ألبرت الثاني كان نسيب سيكيسموند فلما توفي وأُعلنت ملكية إبنه الذي ولد من زوجته أليصابات اللوكسمبورجية وأُطلق عليه إسم لاديسلاس ومن ثم قام في وجهه الملك البولوني ڤلاديسلاڤ الثالث مدعيا أن الحكم له حيث إستند إلى بعض المؤيدين له وإستغل السلطان مراد الثاني هذا التنازع القائم في المجر وهاجم مدينة بلجراد الموقع الأمامي للمجريين وضرب عليها حصارا مركزا بجيش قوامه 35 ألف مقاتل وذلك خِلال شهر أبريل عام 1440م حيث نصب العثمانيون مناجيقهم ومدافعهم على المدينة بما فيها المدافع التي غنموها من سمندرية وقصفوها قصفا شديدا وتولى الدفاع عن المدينة راهب راكوزي يدعى يوحنا وسانده في ذلك حوالي 500 رجل من الحامية بِالإضافة لعدد من المرتزقة الكرواتيين والطليان والبوهيميين وإستخدموا المدافع التي كان القيصر الصربي جريج برانكوڤيچ قد نصبها في القلعة بِالإضافة إلى البنادق للرد على القصف العثماني وعلى الرغم من نجاح العثمانيين في الدخول إلى المدينة في أحد الأوقات فإن المدافعين عنها ردوهم ودام الحصار العثماني للمدينة ستة أشهر لم يتمكن السلطان مراد الثاني خلالها من إقتحامها ولما تيقن أن فتحها يحتاج إلى زمان مديد رفع الحصار عنها وسير السرايا إلى وراء نهر ساڤا أحد روافد نهر الدانوب والذى يصب فيه عند مدينة بلجراد وأغاروا على تلك البلاد وعادوا منها بالغنائم وعند عودتهم فتح السلطان قلعة نوابرده ببلاد الصرب وكان إقليمها غني بالحديد والفضة مما أعطى لهذه الغزوة أهمية إقتصادية كبيرة وكان إغتنام العسكر فيها بحيث لم يتيسر لهم مثل ما غنموه في أي غزوة أخرى .
|