بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
شارع قنطرة غمرة أحد شوارع حي الظاهر المتفرعة من ميدان الظاهر بيبرس وهو يتجه شمالا حتي ينتهي بتقاطعه مع شارع بور سعيد وتعود تسميته نظرا لوجود قنطرة كانت تقع بالقرب منه علي الخليج المصرى الذى كان يحيط بالقاهرة ليمد أحياءها بالماء العذب ولما قام الخديوى إسماعيل بمد خطوط المياه إلي الدور والمنازل أصبح لا أهمية له وتم ردمه في أواخر القرن التاسع عشر الميلادى في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني بعد أن تحول إلي مقلب للقمامة والمخلفات وحى الظاهر حي من أحياء القاهرة القديمة وجاءت هذه التسمية نسبة إلى السلطان المملوكي الظاهر بيبرس رابع سلاطين دولة المماليك في مصر والذى خلف السلطان سيف الدين قطز في حكم مصر بعد إنتصارهما معا علي التتار في معركة عين جالوت التي جرت عام 658 هجرية الموافق عام 1260م وكان السلطان الظاهر بيبرس بحق من أعظم سلاطين دولة المماليك وكان من أفضل أعماله أنه أنشأ نظما إدارية جديدة في الدولة الإسلامية كما أنه إشتهر بذكائه العسكري والدبلوماسي وكان له دور كبير في تغيير الخريطة السياسية والعسكرية في منطقة البحر المتوسط وقد بنى الظاهر بيبرس مبانى كثيرة في المنطقة المعروفة بإسمه أى حي الظاهر حاليا وشوارع حي الظاهر تتسم بظاهرة غريبة جدا في مسمياتها لأن كل الشوارع في كل أنحاء مصر التي تكون بأسماء أشخاص يكون إسم الشخص يتكون من إسمين أو ثلاثة وأحيانا يشمل إسم الشارع صفة صاحبه فنجد علي سبيل المثال شارع البطل أحمد عبد العزيز أو شارع عبد المنعم رياض بينما في حي الظاهر نجد أسماء الشوارع أغلبها من إسم واحد مثل شارع حمدي أو شارع زكي أو شارع جعفر أو شارع ذهني وحتى الميادين نجدها مثل الشوارع منسوبة لشخص مكون إسمه من إسم مفرد مثل ميدان الظاهر وميدان السكاكيني وميدان فخري ومن الشوارع الكبيرة الرئيسية بالحي شارع الظاهر وشارع الجيش والذى يعد كتاب تاريخ حقيقي حيث يتميز بوجود العمارات والبنايات القديمة التي تشاهد في واجهاتها المشربيات والتراسات ذات الكوابيل والدرابزينات ذات الطراز الإنجليزي والفرنسي ولكن للأسف يعلوها التراب وتعاني من الإهمال الشديد كما يضم الحي شارعين تجاريين كبيرين هما شارع بورسعيد وشارع الفجالة ومن الشوارع الهامة أيضا في حي الظاهر شارع قنطرة غمرة وشارع السكاكيني باشا وشارع إدريس راغب كما نجد في حي الظاهر عدد كبير من المعابد اليهودية وبعضها نجده سليما والبعض نجده قد أصبح أنقاضا وبالحي أيضا المدرسة الإسرائيلي والتي أصبحت حاليا المدرسة الثانوية الفنية وذلك لأن الطائفة اليهودية في مصر كانت مستوطنة ومتمركزة في منطقة حي الظاهر بشكل أساسي .
وكان من ضمن ما أنشأه السلطان الظاهر بيبرس من منشآت وعمائر جامع كبير هو جامع الظاهر بيبرس وكان ذلك عام 665 هجرية الموافق عام 1267م والذى يشغل الميدان المعروف بإسمه والذى يعد من أهم المعالم الإسلامية بحي الظاهر ويطلق علي هذا الجامع أحيانا إسم مدبح الإنجليز وذلك لأنه في أيام الإحتلال الإنجليزي لمصر كانت القوات المحتلة قد قامت بإغلاق الجامع وحولته لمدبح عجول ومواشي وخرفان وظلوا يستخدموه في هذا الغرض لسنين طويلة وكان أهالي الحي قد إستمروا في إقامة شعائر الصلوات في المنطقة حوله نكاية في الإنجليز ولما خرج الإنجليز من مصر وإنتهي الإحتلال عاد الجامع يستخدم مرة أخرى في أداء الصلاة والعبادة ولكن بقي أبناء الحي العريق يطلقون على ميدان الظاهر والموجود في وسطه الجامع ميدان مدبح الإنجليز وعلي الجامع نفسه مدبح الإنجليز وقد ورد ذكر لهذا الجامع في تاريخ المقريزي وهو يعتبر من أكبر جوامع القاهرة ومسقطه الأفقي مربع تقريبا حيث يبلغ طول ضلعيه 103 في 106 متر بإجمالي مساحة حوالي 11 ألف متر مربع ولم يبق منه سوى حوائطه الخارجية وبعض عقود رواق القبلة ولحسن الحظ كثير من تفاصيله الزخرفية سواء الجصية منها أو المحفورة في الحجر وتعطينا هذه البقايا فكرة صحيحة عما كان عليه الجامع عند إنشائه من روعة وجلال وقد أجريت له عمليات تجديد وترميم وتطويرإستغرقت وقتا طويلا إلي أن إنتهت منذ شهور قليلة وتخطيط هذا الجامع على نسق غيره من الجوامع المتقدمة يتألف من صحن مكشوف يحيط به أروقة أربعة أكبرها رواق القبلة وكانت عقودها محمولة على أعمدة رخامية فيما عدا المشرفة منها على الصحن فقد كانت محمولة على أكتاف بنائية مستطيلة القطاع كذلك صف العقود الثالث من جهة الشرق كانت عقوده محمولة على أكتاف بنائية أيضا أما عقود القبة التي كانت تقع أمام المحراب فإنها مرتكزة على أكتاف مربعة بأركانها أعمدة مستديرة وكانت هذه القبة كبيرة مرتفعة على عكس نظائرها في الجوامع السابقة فإنها كانت صغيرة متواضعة أما واجهات الجامع الأربع فمبنية من الحجر الدستور فتحت بأعلاها شبابيك معقودة وتوجت بشرفات مسننة وإمتازت بأبراجها المقامة بأركان الجامع الأربعة وبمداخلها الثلاثة البارزة عن سمت واجهاتها ويقع أكبر هذه المداخل وأهمها في منتصف الواجهة الغربية قبالة المحراب وقد حلى هذا المدخل كما حلى المدخلان الآخران الواقعان بالواجهتين البحرية والقبلية بمختلف الزخارف والحليات فمن صفف معقودة بمخوصات إلى أخرى تنتهى بمقرنصات ذات محاريب مخوصة إلى غير ذلك من الوحدات الزخرفية الجميلة إقتبس أغلبها من زخارف واجهات جامع الأقمر وجامع الصالح طلائع الفاطميين ومدخل المدرسة الصالحية وكانت المنارة تقع في منتصف الواجهة الغربية أعلى المدخل الغربي وقد عانى الجامع لفترة طويلة من الإهمال الشديد فكان قلعة حربية في عهد الحملة الفرنسية على مصر ثم تحول في عصر محمد على باشا إلى معسكر لطائفة التكارنة السنغالية ثم إلى مصنع للصابون وأخيرا تحول إلى مذبح في عهد الإحتلال الإنجليزي وفي عام 1893م إهتمت لجنة حفظ الآثار العربية بإصلاح الجامع ومحاولة إرجاعه إلى مهمته الأصلية وأخيرا نجحت وزارة الآثار في إعادة ترميمه لما له من قيمة تاريخية عظيمة ولم يكن جامع الظاهر بيبرس الشاهد الوحيد على عراقة الفن المعماري الإسلامي في العصر المملوكي فهناك العديد من الجوامع التاريخية الشاهدة على عبقرية الزمان وبراعة المهندسين والبنائين والفنانين المسلمين سواء التي تم بناؤها قبل عصر الظاهر بيبرس أو بعده ومن أبرزها الجامع الأزهر وجامع الحاكم بأمر الله ومجموعة السلطان قلاوون ومجموعة السلطان قايتباى ومجموعة السلطان قنصوة الغورى وغيرها ومن معالم شارع قنطرة غمرة أيضا عدة كنائس منها ماتسمي بدير طورسيناء وقد تم وضع حجر الأساس لها عام 1893م وتم إفتتاحها عام 1899م وهي تتبع طائفة الروم الأرثوذكس وتتبع إداريا دير سانت كاترين في جنوب سيناء حيث يقوم عليه طائفة من الرهبان والكهنة اليونانين وتعتبر تلك الكنيسة دير أيضا للعبادة والتبتل وبداخلها مكان لإقامة الكهنة والرهبان وللأسف ممنوع دخول المصريين إليها .
ومن أهم معالم شارع قنطرة غمرة أيضا والتي لا يعرفها الكثيرون ومنهم أهالي حي الظاهر نفسه معبد عتص حاييم المعروف بإسم باروخ حنان ويقع هذا المعبد فى 3 شارع قنطرة غمرة قرب ميدان الجيش بحي الظاهر ويرجع تاريخ إنشائه إلى عام 1900م وهو يعتبر نموذجا لمجموعة المعابد التي أنشئت في القاهرة في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي حيث شيد عام ١٣١٨هجرية الموافق عام 1900م وهذا المعبد مبني على الطراز البازيليكي أي على شكل مستطيل يتوسطه صفان من الأعمدة الرخامية تقسمه إلى ثلاثة أروقة ويتوسط الصالة الرئيسية منصة من الرخام ويقع الهيكل بالحائط الشرقي وهو من الرخام كما يوجد بداخل دولاب الهيكل مجموعة من أسفار التوراة ويغطي الهيكل ستائر عليها عبارات عبرية تشمل أسماء المتبرعين بالإضافة إلى عبارات دينية من الكتاب المقدس أما منصة الواعظ فهي مصنوعة من الرخام وتقع فى الرواق الأوسط وبالطابق الثاني العلوى تقع شرفة النساء وتطل على سطح المعبد وهى مخصصة لمشاركة النساء فى الصلاة ويزين الجدران زخارف نباتية وشكل ألواح الشريعة وقد ألحق بالمعبد مدرسة دينية تسمى يشيفاه أنشئت عام ١٩٤٧م وجددت فيما بعد في عام ١٩٥٢م كما يوجد بالمنطقة معبد آخر يسمي معبد كرايم بحاد إسحاق وهو يقع في 9 شارع إبن خلدون المتقاطع مع شارع قنظرة غمرة وقد إشتهر أيضا بإسم معبد كرايم نسبة إلى لقب إسم من قام ببنائه الجباى ذكى كرايم والذي قام بالإشراف على بنائه في الفترة من عام 1925م إلى عام 1932م كما هو مدون باللوحة الرخامية الموجودة بجوار مدخل المعبد والذى يقع فى منتصف الجدار الشمالي ويصعد إليه بسلم ويتقدمه ثلاثة عقود ترتكز على عمودين ويعلو فتحة المدخل نافذة مستديرة مغطاة بالزجاج بداخلها نجمة سداسية وهذا المعبد من الداخل مربع الشكل تعلوه قبة يوجد برقبتها نوافذ مستديرة أو طاقات للإضاءة ويقع الهيكل بالجهة الشرقية وهو من الرخام ويصعد اليه بثلاث درجات من الرخام ودولاب الهيكل له ضلفتان من الخشب مزخرفة بزخارف نباتيه ونجمة سداسية وشكل شمعدان وكتابات عبرية من الوصايا العشر وهو خالي من الأسفار والكتب والمنصة توجد بالجهة الغربية وتقابل الهيكل وهى من الرخام ويصعد إليها بدرجتين من الرخام وهى مخصصة للوعظ والصلاة ويوجد بصحن هذا المعبد مقاعد خشبية أو دكك لجلوس المصلين ويتدلى من القبة تنورة كبيرة من المعدن عليها زخارف نباتية ونجمة سداسية أما الدور العلوي فيصعد إليه بسلم والركن الجنوبي الشرقي به الشرفة المخصصة للسيدات والتى تطل على صحن المعبد ويوجد فى هذا الركن سلم يوصل الى البدروم من خارج المعبد ويعتبر هذا المعبد من المعابد الأثرية المسجلة في عداد الآثار وبالإضافة إلي هذين المعبدين يوجد بالمنطقة أيضا معبد ثالث يسمي معبد نسيم إشكنازى فى 4 شارع الكوة وقد شيده نسيم يعقوب أشكينازى أحد أبناء الطائفة اليهودية بمصر عام 1913م كما هو مدون أعلى الواجهة الجنوبية للمعبد والمطلة على شارع الكوة وذلك لكي يمارس هو وأفراد طائفته الطقوس الخاصة بعبادتهم وجدير بالذكر أن كلمة أشكينازي تشير إلى أنه مخصص لطائفة الأشكيناز وهم اليهود الغربيين أما اليهود الشرقيين فيطلق عليهم السفارديم ويتكون هذا المعبد من طابقين ويقع مدخله في الركن الجنوبي الغربي من الواجهة المطلة على الشارع وهو مقسم من الداخل إلى ثلاثة أروقة أوسعها الرواق الأوسط الذي يعلوه قبة بها ست نوافذ زجاجية بخلاف نوافذ كبيرة للإضاءة والتهوية في الجدارين الشمالي والجنوبي وصالته عبارة عن مقاعد خشبية لجلوس المصلين ويزين سقف المعبد والقبة من الداخل زخارف بسيطة قوامها نجمة سداسية ويقع الهيكل بالجهة الشرقية وهو مصنوع من الخشب ومزخرف بزخارف نباتية ويعلوه كتابات عبرية دينية وتوجد بالمعبد منصة بالرواق الأوسط وهي مخصصة للوعظ والصلاة وتقابل الهيكل وهى من الرخام وبالمعبد دور علوى به شرفة النساء التي تطل من أعلى أروقة المعبد ويصعد إليها عن طريق سلم بالركن الشمالي الشرقي له وقد تم تسجيل هذا المعبد كأثر تاريخي في عام 1995م .
|