بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
السلطان بايزيد الثاني هو الملك الولي والسلطان الغازي ضياء الدين وعون الغزاة والمجاهدين أبو النصر بايزيد خان الثاني بن السلطان محمد الثاني المعروف بالفاتح بن السلطان مراد الثاني ويعرف إختصارا بإسم بايزيد الثاني بلقبه بايزيد الولي أو بايزيد الصوفي وهو ثامن سلاطين آل عثمان وسادس من تلقب رسميا بلقب سلطان بينهم بعد والده السلطان محمد الثاني وأجداده من مراد الثاني إلى مراد الأول وثالث من لقب بالثاني من سلاطين آل عثمان وثاني من حمل لقب قيصر الروم من الحكام المسلمين عموما والسلاطين العثمانيين خصوصا بعد والده السلطان محمد الثاني ووالدته هي أمينة كلبهار خاتون وقيل مكرمة خاتون وكان هو الإبن البكر للسلطان محمد الثاني وهو من خلفه على عرش آل عثمان بعد وفاته عام 886 هجرية الموافق عام 1481م وقد عرف عن السلطان بايزيد الثاني إنه كان ميالا للسلم أكثر منه إلى الحرب محبا للعلوم والآداب مشتغلا بها وكان ذلك هو السبب في أن بعض المؤرخين العثمانيين قد سموه بايزيد الصوفي لكنه عندما تقلد سلطنة العثمانيين دعته الظروف السياسية الداخلية التي كانت تمر بها الدولة والمستجدات الخارجية الخطيرة التي ظهرت في عهده إلى ترك أشغاله السلمية المحضة والإشتغال بالحرب وكانت أول حروبه داخلية ذلك أن أخاه الشاهزاده جم سلطان أشهر العصيان في وجهه وحاول بدايةً إدعاء الأحقية لنفسه بالعرش ولما فشل في ذلك عرض على أخيه إقتسام الدولة بينهما فيختص جم بالبلاد الآسيوية وبايزيد بالبلاد الأوروبية فلم يقبل بايزيد بل حارب أخاه وقهره حتى أجبره إلى اللجوء إلي الدولة المملوكية بمصر وقد عاد فيما بعد إلى الأناضول وحاول مجددا التربع على العرش فهزم مرة أخرى وإضطر إلي الهروب مجددا وعاش بقية حياته منفيا في أوروبا الغربية هذا ولم تحدث في عهد هذا السلطان فتوحات ذات أهمية كبيرة في قارة أوروبا بل إقتصرت نشاطاته العسكرية على المناطق الحدودية لصد الإعتداءات الخارجية فلم تتوسع الدولة بشكل كبير ومن جانب آخر فقد حدثت في عهد السلطان بايزيد الثاني أولى الإشتباكات العسكرية بين المماليك والعثمانيين بسبب متاخمة أراضي الدولتين عند مدينتي أضنة وطرسوس جنوبي تركيا وشمالي بلاد الشام وإشتداد التنافس بينهما على زعامة المسلمين فسعى السلطان المملوكي أبو النصر الأشرف قايتباي إلى السيطرة على إمارة ذي القدرية التي تقع شرقي الأناضول والخاضعة للسيادة العثمانية آنذاك والتي كانت تمثل حدا فاصلا بين أملاك الدولة العثمانية وأملاك الدولة المملوكية فإستقطب أميرها وحرضه على العثمانيين فوقعت عدة مناوشات حدودية بين الطرفين لم تهدأ إلا بوساطة السلطان الحفصي أبي يحيى زكرياء بن يحيى سلطان الدولة الحفصية التي كانت تحكم آنذاك بلاد المغرب العربي بشمال قارة أفريقيا الذي نجح في إقناع الطرفين على إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل بداية الإحتكاكات بينهما وعند وفاة السلطان الأشرف قايتباي وإعتلاء السلطان الأشرف قنصوه الغوري عرش الدولة المملوكية مكانه إستؤنفت علاقات الود والتقارب والتعاون بين المماليك والعثمانيين وأرسل السلطان بايزيد الثاني عتادا ومواد أوليةً إلى مصر برفقة كبار الخبراء العسكريين والفنيين لصناعة سفن حربية متطورة في ميناء السويس بهدف مواجهة الخطر البرتغالي المتصاعد في بحر القلزم الذى عرف فيما بعد بإسم البحر الأحمر وتواترت الرسائل الودية بين الطرفين التي عكست رغبة كل من العثمانيين والمماليك في ِتصفية الأجواء بين دولتيهما بحيث كان السلطان المملوكي قنصوة الغوري يخاطب السلطان بايزيد الثاني بألقاب تدل على مدى التقدير والإحترام والإعتبار الذي يوليه له منها على سبيل المثال الأخ الأعدل الأشجع .
وعلي جانب آخر فقد شهد عهد السلطان بايزيد الثاني أيضا سقوط بلاد الأندلس وخروجها من أيدي المسلمين بدخول الملكين الكاثوليكيين فرديناند وإيزابيلا مدينة غرناطة آخر معاقل الإسلام في البلاد الأندلسية وقد إستنجد المسلمون الأندلسيون بالسلطان العثماني ونظيره المملوكي لتخليصهم مما هم فيه فأرسل السلطان بايزيد الثاني أساطيله لحمل المسلمين واليهود الهاربين من الإضطهاد والقتل إلى البلاد الإسلامية المجاورة بما فيها الأراضي العثمانية كما قصف العثمانيون بضعة مدن خاضعة لمملكة قشتالة الكاثوليكية إنتقاما للمسلمين من جهة ولإلهاء النصارى وشغلهم عن الأندلسيين الهاربين من جهة أخرى ولم يكن ممكنا للأسف شن حملات عسكرية من جانب العثمانيين أو المماليك علي مملكة قشتالة نظرا لبعد المسافة بين ممالك الدولة العثمانية بشرق أوروبا وأيضا بين ممالك الدولة المملوكية بمصر والحجاز والعراق والشام وبين مملكة قشتالة في شبه الجزيرة الأيبيرية التي تضم أسبانيا والبرتغال حاليا والتي تقع في أقصي جنوب غرب أوروبا وعموما فقد شكلت العمليات العسكرية البحرية المشار إليها بدايات ما عرف بالجهاد البحري فقد أخذ الكثير من البحارة المسلمين يغيرون من تلقاء أنفسهم على السفن القشتالية والبرتغالية والإيطالية إنتقاما للأندلُسيين ورغبةً من بعضهم في إستغلال النزاع لجني بعض الأرباح من خلال الإغارة على سفن الأعداء وكان الشاهزاده قورقود بن السلطان بايزيد الثاني أول من إحتضن هؤلاء البحارة وأمن لهم الحماية ومدهم بالمؤن والعتاد والذخائر وعلاوة علي ذلك فقد كان من الوقائع فائقة الأهمية في عهد السلطان بايزيد الثاني بداية ظهور السلالة الصفوية الشيعية في أذربيجان وسيطرتها بزعامة قائدها الشاه إسماعيل بن حيدر على أغلب البلاد الفارسية وفرض التشيع على الناس ثم أخذ دعاته يتغلغلون بين قبائل التركمان في مناطق الأناضول الشرقية وأرمينية ويهددون الهيمنة العثمانية في تلك البلاد فتصدى لهم الشاهزاده سليم بن السلطان بايزيد الثاني وألحق بهم هزائم في عدة مواجهات وقد تكدر صفاء حياة السلطان بايزيد الثاني في سنين حكمه الأخيرة نظرا لمرضه ولعصيان أولاده عليه لكثرة تدخل الساسة والوزراء والقادة العسكريين في أُمر ولاية العهد بعدما إشتدت الأمراض على السلطان وأصبح غير قادر على معالجة أُمور الحكم بكفاءته المعهودة فدعم كل فريقٍ أحد أولاد السلطان فحدثت فتنة في البلاد لكن الغلبة كانت في نهاية المطاف من نصيب الشاهزاده سليم الإبن الأصغر للسلطان بايزيد الثاني الذي إلتف حوله قادة الجيش لإصراره على مواجهة الخطر الصفوي والتعامل معه بجدية فائقة عكس أخويه اللذين لم يوليا هذا الأمر أهميته رغم النوايا المعادية للشاه إسماعيل الصفوي وأمام هذا الواقع تنازل السلطان بايزيد الثاني عن الملك لولده الشاهزاده سليم وسافر للإعتزال في بلدة ديموتيقة والتي تقع في أقصي شمال شرق بلاد اليونان وتوفي وهو في الطريق ونقل جثمانه إلى العاصمة إسطنبول التي نقلت إليها العاصمة بعد فتح القسطنطينية وتغيير إسمها إلي إسلامبول ثم إلي إسطنبول حيث دفن وكان بذلك ثاني السلاطين العثمانيين الذين يتم دفنهم في إسطنبول بعد والده السلطان محمد الثاني أو الفاتح وقد عرف السلطان بايزيد الثاني لدى معاصريه بالصلاح والتقوى حتى رفع إلى مرتبة الولاية وقد بذل جهودا كبيرة على الصعيد الداخلي من أجل وضع الأُسس التي قامت وسارت عليها الدولة العثمانية لاحقا فدعا العلماء والأدباء والشعراء والفنانين وشيوخ الطرق الصوفية إلى العاصمة الجديدة إسطنبول وأسس الأوقاف وطورها وقد وصفه المؤرخ التركي الشهير أحمد بن يوسف القرماني بقوله إنه من أعيانِ السلاطين العظماء تفرع من شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فِي السماء وتزينت بإسمه رؤوس المنابر وتوشحت بذكره صدور المنائر .
وكان مولد السلطان بايزيد الثاني في عام 851 هجرية الموافق عام 1447م في سراي ديموتيقة بِالروملي وكان هو الإبن البكر للسلطان محمد الثاني أو الفاتح كما ذكرنا في السطور السابقة وتختلف المصادر على تحديد يوم ميلاده تحديدا دقيقا فجعلته بعضها في شهر ديسمبر عام 1447م أو في شهر يناير عام 1448م وجعلتهُ أُخرى يوم 25 رمضان عام 851 هجرية الموافق يوم 3 ديسمبر عام 1447م بينما جعلته غيرها يوم 7 شوال عام 852 هجرية الموافق يوم 3 ديسمبر عام 1448م بل إن إحدى الروايات تقول إن مولده كان في شهر ديسمبر عام 1450م وتتفق الكثير من المصادر المعاصرة على أن والدة بايزيد الثاني هي أمينة كلبهار خاتون الأرناؤوطية الألبانية على أن مصادر أُخرى تنص على أن والدته هي مكرمة خاتون رغم أن هذا مستبعد كون مكرمة خاتون كانت قد تزوجت من السلطان محمد الثاني عام 1449م أي بعد حوالي سنتين أو سنة في أفضل الأحوال من مولد السلطان بايزيد الثاني وإختتن الشاهزاده بايزيد وأخوه الشاهزاده مصطفى عام 861 هجرية الموافق عام 1457م وإحتفل والدهما السلطان محمد الثاني بهذه المناسبة إحتفالا كبيرا فأولم للناس فرحا في موضعٍ يقال له آطه بالقرب من مدينة إدرنه وإمتد الإحتفال شهرا وبعد أن أتم الشاهزاده بايزيد الثمانية أعوام تقريبا من عمره أرسله والده السلطان محمد الثاني إلى أماسية ليكون واليا عليها ويبدأ التدرب على شؤون الحكم والإدارة وعين له أتابكا هو علي باشا الخادم ليشرف على تربيته وتأديبه إلى جانب العديد من العلماء والأُدباء لتعليم الشاهزاده وتثقيفه بعلوم ذلك العصر وأخذ الشاهزاده بايزيد العلوم الشرعية عن أحد أكبر علماء زمانه وهو الشيخ محيي الدين محمد الإسكليبي شيخ الطريقة البيرمية الذي يروى أنه عندما إعتزم الذهاب لأداء فريضة الحج قال لتلميذه بايزيد إني أَجدكَ بعد إِيابي من الحجاز جالسا على سرير السلطنة وكان كما قال فأحبه بايزيد محبة عظيمة حتي إشتهر بين الناس بشيخ السلطان وبنى له بايزيد حينما أصبح سلطانا زاويةً في العاصمة إسطنبول كما تلقى السلطان المستقبلي علمي التفسير والحديث على يد المولى الخطيب قاسم بن يعقوب الأماسي وإلى جانب العلوم الشرعية أخذ الشاهزاده بايزيد الرياضيات والفلسفة عن أعلام تلك العلوم في عصره وأتقن اللغات الشرقية العربية والفارسية والجغطائية إحدى لغات آسيا الوسطي وإمبراطورية مغول الهند مع آدابها إلى جانب لغته الأُم التركية وتعلم القليل من اللغة الإيطالية وأجاد أبجدية اللغة الأويغورية وهي إحدى اللغات التركية القديمة وتعلم أيضا تأليف الشعر والتلحين والتذهيب وصنع الأقواس وأخذ التخطيط عن الشيخ حمد الله الأماسي كما أخذ العلوم العسكرية عن كبار القادة وأُمراء الجيش العثماني وبسبب هذا التحصيل العلمي الكبير وصف السلطان بايزيد الثاني بأنه أعلم بني عثمان بعد أبيه السلطان محمد الثاني .
وقد ظل الشاهزاده بايزيد وليا للعهد أكثر من 30 عاما حيث لو إعتمدت رواية ميلاده في عام 1450م فتكون ولايته لِلعهد قد إستمرت 30 عاما وشهرين وثمانية وعشرين يوما وخلال هذه المدة الطويلة أدار الشاهزاده بايزيد أُمور سنجق أماسية شمالي الأناضول بمنطقة البحر الأسود وفي ربيع عام 878 هجرية الموافق عام 1473م شارك الشاهزاده بايزيد وشقيقه الشاهزاده مصطفى مع والدهما السلطان محمد الفاتح في معركة أوتلق بلي ضد التركمان الآق قويونلويين الذين كانوا يحكمون مناطق في شرق الأناضول وبلاد فارس والعراق وأذربيجان وأفغانستان وتركمانستان والذين كان يقودهم الأمير حسن بن علي البايندري الشهير بأوزون حسن أي حسن الطويل الذي كان قد حالف جمهورية البندقية في حربها الكبرى ضد العثمانيين كما كان أيضا يؤيد إمبراطورية طرابزون التي كانت تضم أراضي الركن الشمالي الغربي الأقصى من الأناضول وشبه جزيرة القرم الجنوبية وأرسل لهم المساعدات العسكرية ولكن دعمه لم يكن كافيا لإنقاذ طرابزون من القوات العثمانية وفي هذه المعركة وقف الشاهزاده بايزيد في ميمنة الجيش العثماني ومعه الوزير كدك أحمد باشا وأخوه الشاهزاده مصطفى في الميسرة ومعه البكلربك داود باشا بينما وقف السلطان محمد الفاتح ومعه طائفة القپوقولية في القلب ودامت هذه المعركة عدة ساعات وإنتهت بإنتصار عثماني واضح نتيجة تفوق العثمانيين بالسلاح والعتاد بما فيه المدافع والبنادق الثقيلة وهاجم الشاهزاده بايزيد سرادق أوزون حسن الذي سارع بالهرب من الميدان ناجيا بحياته وفي عام 1479م تعرضت قافلة تجار فارسيين للنهب على يد بعض قُطَّاع الطرق قرب بلدة تورل في منطقة البحر الأسود فحمل بايزيد على المنطقة مع بعض الجنود وقطع دابر اللصوص وضم البلدة وأعمالها إلى الدولة العثمانية وتروي بعض المصادر العثمانية أن بايزيد الثاني شرب الخمر وتعاطى الأفيون في شبابه خِلال فترة ولايته للعهد بتأثير من صديقين مقربين من خاصته كانا يشوقانه على تعاطي الحشيش وغيره من المخدرات وفي ذلك قال المؤرخ التركي مصطفى علي بن أحمد بن عبد المولى الكاليبولي إن بايزيد كان يحب اللهو في شبابه لكنه نتيجة التنبيهات والإرشادات والنصائح لا سيما من قبل الشيخ محيي الدين يوسي فقد أقلع عن ذلك فيما بعد ونذر نفسه للعبادة والتقوى وبحسب إحدى الروايات فإن السلطان محمد الفاتح عندما سمع بأمر صديقي إبنه البكر وخليفته وعلم أن هذا قد يسير به على طريق الغواية أرسل على الفور في عام 884 هجرية الموافق عام 1479م كتابا شديد اللهجة إلى أمير سنجق قسطموني بشمال تركيا بمنطقة البحر الأسود أحمد بك الفناري وهو من جملة معلمي ومرشدي بايزيد أعلمه فيه أنه طرق سمعه بأن صديقين من أصدقاء إبنه يشوقانه لِتعاطي المخدرات ولو نجحا في ذلك لفسدت فطرة ولي العهد وأنه لكونه مرشده ومعلمه عليه أن يتدخل في الموضوع فورا ومعاقبة الصديقين علي عادتهما السيئة ولكونهما أداة فساد في المجتمع وإن كان بايزيد قد إبتلي بالمخدر حقا فعليه عرضه على الأطباء ومعالجته فورا فرد أحمد بك على السلطان محمد الفاتح برسالة ذكر فيها إن ما ورد بحق الصديقين صحيح غير أن ولي العهد بايزيد لم يشترك معهما بأى من المنكرات وأنه ليس له علاقة وثيقة بهما ويقول الباحثان التركيان الدكتوران أحمد آق كوندز وسعيد أوزتورك إن هناك شبهات كثيرة حول هذه الرواية بما فيها قيام صديقي الشاهزاده بايزيد بإرتكاب هذه المحرمات حيث أن المصادر التاريخية تجمع علي أن السلطان بايزيد الثاني كان من أكبر العلماء بالشريعة الإسلامية بعد والده السلطان محمد الفاتح وأنه قد إشتهر بعبادته وتقواه وإن العبارة الواردة عن مصطفى علي بن أحمد بن عبد المولى الكاليبولي لا تتضمن قولا صريحا حول شرب بايزيد للخمر ومن المعروف أن المؤرخ مصطفى الكاليبولي لم ينقل سوى بعض الإدعاءات علي لسان بعض الأشخاص حول بضعة سلاطين كبايزيد الأول وبايزيد الثاني وسليم الثاني وبالإضافة إلى ذلك قال المؤرخ طاشكبري زاده بأن احد صديقي بايزيد وهو عبد الرحمن بن مؤيد كان عالما كبيرا وأنه تعرض لفرية شنيعة فقد كان يدرس كتاب المفصل في صنعة الإعراب للإمام الزمخشري وأنه قد إرتقى فيما بعد إلى مرتبة قاضي إسطنبول ثم تبوأ منصب قاضي عسكر الروملي ويضاف إلى ذلك قول الباحثين آق كوندز وأوزتورك إن العديد من شيوح الإسلام العثمانيين كانوا قد أصدروا عدة فتاوى حول حرمة جميع أنواع المخدرات كالحشيش والخشخاش والبنج والأفيون وغيرها ومن تلك الفتاوى هل تناول أي نوع من المخدرات دون بلوغ مرتبة السكر حرام أم لا وكان الجواب هو إن هذه المواد التي يتناولها الفاسقون وأهل الأهواء بإستثناء ما كان منها بغرض العلاج والتداوى عند الضرورة ليست حلالا علي الإطلاق .
وكانت وفاة السلطان محمد الفاتح في يوم الخميس 4 ربيع الأول عام 886 هـجرية الموافق يوم 3 مايو عام 1481م في موضعٍ يقال له تكفور چايري بأُسكدار التي تقع على الضفة الشرقية للبوسفور وتتبع بلدية إسطنبول حاليا وكان قد خرج إلى هذا الموضع المذكور ليبدأ الإعداد لحملة كبيرة يغلب الظن أنها كانت موجهة إلى إيطاليا لكن داهمه مرض مفاجئ وأخذ يشتد ويقوى حتى وافاه الأجل وتنص المصادر علي أن السلطان محمد الفاتح ترك وصيةً لولي عهده الشاهزاده بايزيد وهو على فراش الموت يوصيه فيها بالإستقامة وحسن الحكم والإدارة والإنقياد لأوامر ونواهي الشريعة الإسلامية والإحسان للرعية وبأن يضمن للمعوزين قوتهم وأن يبذل إكرامه للمستحقين وأن يعظم جانب العلماء حيث أنهم يمثلون القوة المبثوثة في جسم الدولة وإذا سمع بأحد منهم في بلد آخر فليستقدمه إليه ويحسن وفادته وأن يكرمه بالمال وعند وفاة السلطان محمد الفاتح أخفى الصدر الأعظم محمد باشا القرماني خبر موته عن الجند لكنه أساء في التدبير فلم يرسل إلى الشاهزاده بايزيد أن يحضر سريعا لكي يتولى العرش بل أرسل رسولا إلى أخيه الأصغر الشاهزاده جم سلطان يستعجله في القدوم إلى العاصمة العثمانية إسطنبول لكي يتسلم مقاليد الدولة قبل أن يصل الخبر لأخيه الأكبر الشاهزاده بايزيد وكان سبب فعله هذا هو شدة إرتباطه وميله ومودته بالشاهزاده الأصغر وكان جم سلطان آنذاك واليا على بلاد القرمان بوسط الأناضول ومتمركزا في قونية عاصمتها إذ كان والده قد أقطعه إياها بعد وفاة أخيه الشاهزاده مصطفى وإتفق علي أن مبعوث الصدر الأعظم صادف بعض رجال بكلربك الأناضول سنان باشا فأمسكوه وحملوه إلى سيدهم المذكور الذي كان صهرا للشاهزاده بايزيد فإكتشف معه الرسالة الموجهة للشاهزاده جم سلطان فأمر بحبسه وكتم الخبر وكان الوزراء قد أرسلوا إلى الشاهزاده بايزيد يوم وفاة والده السلطان محمد الفاتح رجلا من الجاووشية يقال له ككلك مصطفى فركب على وجه السرعة إلى أماسية ووصلها يوم 8 ربيع الأول عام 886 هجرية الموافق يوم 7 مايو عام 1481م ودخل على ولي العهد وعزاه في ِموت والده وهنأه بإنتقال العرش إليه وخلال ذلك الوقت كان الصدر الأعظم قد أظهر لِلجيش أن السلطان محمد الفاتح قد قصد العودة إلى العاصمة إسطنبول إلى أن يعافى من المرض الذي ألم به فحمل الجثمان في عربة وسار بها إلى العاصمة وترك الجند والمعسكر في الموضع الذى نزل به السلطان وتوفي ولما دخل موكب الصدر الأعظم إسطنبول أسرع بإخراج الغلمان الأعجميين بحجة واهية ومنع السفن والزوارق من المسير إلى ساحل أُسكدار لئلا يعبر الجنود إلى إسطنبول .
ولم يبقَ خبر موت السلطان محمد الفاتح سرا لفترة طويلة إذ سرعان ما شاع بسبب التدابير السيئة للصدر الأعظم محمد باشا القرماني وما أن وصل الخبر إلى علم الإنكشارية وعلموا بِإجراءات الصدر الأعظم حتى أعلنوا التمرد فعبروا البوسفور بواسطة بعض الزوارق التي وجدوها في القرى الساحلية ودخلوا العاصمة إسطنبول ثم وثبوا على سراي الصدر الأعظم فنهبوها وقتلوه وعاثوا في المدينة سلبا ونهبا حيث أغاروا على بيوت الأعيان والموسرين من اليهود فنهبوها نهبا فاحشا وسارع بعض العقلاء من الساسة والقادة إلى إرسال كتاب إلى الغازي إسحق باشا وهو السياسي والعسكري المخضرم الذي تولى بكلربكية الأناضول في عهد السلطان محمد الفاتح وقاد عدة حملات عسكرية ناجحة يطلبون منه المجئ فورا إلى إسطنبول لوأد الفتنة ريثما يحضر السلطان بايزيد الثاني وكان إسحٰق باشا آنذاك متقاعدا في سنجق سالونيك ببلاد اليونان لكنه إستجاب للطلب وحضر على وجه السرعة فسكنت فتنة الجند إذ كانت جميع الفرق والطوائف العسكرية تحترمه وتوقره كما أنه وعدهم بالترقيات والعطيات بمجرد أن يتولى السلطان الجديد وأقام إسحق باشا الشاهزاده قورقود بن بايزيد نائبا عن أبيه حتى وصوله والذى خرج من أماسية بعد ثلاثة أيام من علمه بوفاة والده في أربعة آلاف فارس من أتباعه فوصل إلى أُسكدار بعد تسعة أيام حيث إستقبله الأعيان والجند ثم ركب البحر للعبور إلى إسطنبول وفي أثناء إجتيازه المضيق أحاطت به عدة قوارب بها مجموعات من الإنكشارية وطلبوا منه عزل أحد الوزراء المدعو مصطفى باشا بن حمزة الذي أبلغهم أن بايزيد ينوي تعيينه في منصب الصدارة العظمى وإستبداله بالغازي إسحق باشا وذلك لضمان حصولهم على العطايا والترقيات التي وعدوا بها فوعدهم بايزيد بتحقيق طلبهم وفي يوم 23 ربيعٍ الأول عام 886 هجرية الموافق يوم 22 مايو عام 1481م وصل السلطان الجديد إلى عاصمة ملكه ولما إقترب من السراي السلطانية إصطفت فرق الإنكشاريةَ على طريقه وسألوه العفو عما جرى منهم من قتل الصدر الأعظم محمد باشا القرماني ونهب بيوت الأعيان وأن ينعم عليهم بمبلغٍ من المال سرورا بتوليه عرش آبائه وأجداده فأجابهم إلى جميع مطالبهم وشق صفوفهم فدخل السراي وجلس على تخت السلطنة وفي ذلك اليوم أُخرج نعش السلطان محمد الفاتح للصلاة عليه وأم الصلاة الشيخ مصلح الدين مصطفى بن أحمد الصدري القنوي الشهير بإبن الوفاء وإكتنف السلطان بايزيد الثاني بنفسه نعش أبيه وحملهُ عدة خطوات حتى ورى الثرى بجهة قبلة المسجد الجامع الذي سمي بإسمه وجلس السلطان بايزيد الثاني أياما يتقبل العزاء بموت والده ثم شرع في تدبير شؤون السلطنة وكان أول ما فعله أن خلع على الأعيان والأشراف وأسند الصدارة العظمى إلى الغازى إسحق باشا وأنفذ جميع وعوده من الترقيات والعطيات وجعل مصطفى باشا بن حمزة سالف الذكر وزيرا ثانيا .
|