الجمعة, 6 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

السلطان بايزيد الثاني
-ج6-

السلطان بايزيد الثاني
-ج6-
عدد : 07-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”


وعندما وصل خبر إنكسار جيش الشاهزاده أحمد إلى إسطنبول إجتمع القادة العسكريون وكبار العلماء مع السلطان بايزيد الثاني وأظهروا له أن نظام الملك قد إختل بطمع الوزراء والنزاع على ولاية العهد وتسلط أعداء الدولة عليها من كلِ جهة وبينوا له أن إبنه الأكبر الشاهزاده أحمد لا يليق للسلطنة لإنهماكه في الدعة والمسالمة حيث وقع منه أمران يدلان على عدم صلاحيته وأهليته لتولي شؤون البلاد والعباد وقعة شاهقلي ووقعة نور الدين خليفة وكذلك فإن الشاهزاده قورقود لا يصلح للملك أيضا وإن كان عالما فاضلا لأن السلطنة لا تتم إلا بترك الراحة والرفاهية وإختيار الإقدام على المخاوف والشدائد وأنه ليس له ذلك كما أنه لا عقب له بعد وفاة أبنائه الذكور فليس يصلح لهذا الأمر سوى الشاهزاده سليم الذي أثبت شجاعته وحزمه ومقداميته وحسن تدبيره في معاركه مع الصفويين والكرجيين وهو الوحيد الذي تعلق عليه الآمال في دفع البلية الصفوية وإلتمس المجتمعون من السلطان بايزيد الثاني تقليد العهد لولده الشاهزاده سليم بل تفويض السلطنة إليه وكان السلطان أيضا قد مال إلى جانب الشاهزاده سليم بعد خروج الشاهزاده أحمد عليه وتصرفه الطائش مع إبن أخيه محمد شاه الذى كان قد فقد أباه حديثا فإعتبر السلطان بايزيد الثاني أن هذه دلالات على عدم رشد إبنه الكبير وبالتالي لا يصح له تولي السلطنة وكان السلطان قد أرسل إلى الشاهزاده سليم براءات السناجق الثلاثة سمندرية وڤيدين وآلاجة حصار مرة أُخرى مع كتاب يستميله فيه ويطيب قلبه ويعلمه بأنه قد سامحه ورضي عنه ويعتذر إليه عما جرى بينهما من الشقاق بسعي أصحاب المصالح الشخصية ففرح الشاهزاده سليم بذلك وتهيأ لِلمسير إلى سنجق سمندرية وبينما هو يتجهز وصله رسول آخر ببشارة السلطنة ودعاه إلى الحضور فورا إلي العاصمة إسطنبول فتوجه إليها وأما الوزراء المناهضين للشاهزاده سليم والخائفين من شدته وسطوته فإنهم لما رأوا ضياع الملك من الشاهزاده أحمد بإتفاق الإنكشارية أرسلوا إلى الشاهزاده قورقود يدعونه إلى دار السلطنة ويستعجلونه في الوصول إليها قبل أخيه الشاهزاده سليم وأشاروا عليه بأن يقدم في جمعٍ قليل ويدخل المدينة متنكرا وينزل في مساكن الإنكشارية لِيستميلهم إليه وظن الشاهزاده قورقود أنه قد نال السلطنة عندما أصبح أخوه الأكبر في وضع العاصي لا سيما وأنه يأتي بعده حسب تسلسل العمر فتوجه وعبر البحر إلى إسطنبول ودخلها متوجها إلى مساكن الإنكشارية ونزل في المسجد القريب من ثكناتهم المشهور بمسجد أورطة جامع وحاول إستمالتهم إليه بحقوقٍ سابقة له عليهم من الترقيات والعطيات إليهم لما ناب عن أبيه أياما عند وفاة جده السلطان محمد الفاتح فرحب به الإنكشارية وعظَموه وكرموه إلا أنهم لم يساعدوه على مطلبه من إحراز السلطنة ولما رأى منهم ذلك خاف على نفسه وأعلن أن سبب قُدومه ليس للمطالبة بالعرش وإنما خوفا من غدر أخيه الشاهزاده أحمد فرأى أن يحتمي بالعاصمة وأرسل السلطان بايزيد الثاني يعاتب إبنه لقدومه دون إذنه والتجاؤه للإنكشارية وعدم لجوئه إليه فطلب الإنكشارية من السلطان بايزيد الثاني أن يسامح ولده على فعلته من واقع تقديرهم لمكانته العلمية فإستجاب لهم وأرسل إليه العلماء والقادة فأعلموه أن الأُمور لن تستقيم إلا بتولي أخيه الأصغر الشاهزاده سليم أُمور الملك وأقاموا له الحجج بذلك فرضي وقبل بالأمر الواقع.


وفي يوم 3 صفر عام 918 هجرية الموافق يوم 19 أبريل عام 1512م وصل الشاهزاده سليم إلى إسطنبول وإستقبلته الإنكشارية بإحتفال زائد وكان على رأسهم الشاهزاده قورقود الذي خرج وسلم على أخيه وهنأه بالسلطنة ودعا له بالتوفيق والنصر معلنا بذلك خضوعه له ومسالمته وبعد بضعة أيام من وصوله وإستراحته من عناء السفر جمع الشاهزاده سليم أعيان الدولة من مقدمي الإنكشاريَّة وأُمراء الروملي وغيرهم وصارحهم بأنه رجل شديد حاد الطباع وأنه قد عقد العزم علي الغزو والجهاد في سبيل الله وتوحيد كلمة المسلمين ولم شملهم في دولة واحدة كما كان الحال زمن بني أُمية وخلال العصر الذهبي لبني العباس وأنه قرر ضم البلاد العربية بعدما ثبت عجز المماليك وحدهم عن مواجهة المخاطر المحدقة بالأراضي المقدسة والدفاع عن المصالح الإقتصادية والإستراتيجية لِلمسلمين كما إعتزم القضاء على الدولة الصفوية وضم البلاد الفارسية للدولة العثمانية وأنه لن يتقاعد عن ذلك لا صيفا ولا شتاءا ولن يفتر عن الركوب وتحمل الشدائد لا ليلا ولا نهارا حتى يصل بلاد السند والهند فيضمها أيضا لدولة الإسلام وأضاف أنه سينصف المظلوم من الظالم وإن كان ولده الشاهزاده سليمان ولن يرحم الجائرين وأهل الفساد ولن يترك مجالا لعسكره ولأُمرائه كي يترفهوا ولما أتم سليم الكلام ذكر إتصاف أخويه الشاهزاده أحمد والشاهزاده قورقود بخلاف ذلك من الملاءمة ولين الجانب وإختيار الراحة على الشدة وطلب من المخاطبين أن يختاروا أحدهم بعدما سمعوا ما سمعوه فقالوا له إِن منتهى مطالبنا ما ذكرتم لنفسكم الشريفة فإخترناكم فإعمل ما شئت فإِنا منقادون لأمرك وراسخون على طاعتك فلما شاهد الشاهزاده سليم ذلك منهم سر ودعا لهم وفي يوم السبت 8 صفر عام 918 هجرية الموافق يوم 24 أبريل عام 1512م توجه سليم في موكب إلى سراي طوپ قاپي ولما وصلها إصطفت الإنكشارية على عادتهم من طرفي الباب فدخل السراي ولقي والده السلطان بايزيد الثاني ماشيا فقبل يده وطلب منه النصح والرضى فنصحه وأوصى إليه بأُمور أهمها أن يغض الطرف عن أخيه الشاهزاده أحمد وأن يسامحه ولا يقتله ولا يقتل كذلك أخاه الآخر الشاهزاده قورقود ويطيب قلب كل منهما بحصة من الملك ثم أجلسه على تخت السلطنة وألبسه العمامة الخاصة بالسلاطين العثمانيين ودعا له بالتوفيق والعزة والنصر ولما تم أمر التنصيب والإجلاس علي العرش سارع جميع الوزراء والوكلاء والساسة وأعيان الدولة إلى مبايعة السلطان سليم وتقدمهم أخوه الشاهزاده قورقود فأقطعه سنجقه القديم مغنيسية وضم إليها جزيرة مدللي أيضا وطيب خاطره بكثير من الإحسانات والوعود ثم وزع العطايا على الجند وفق ما أصبح ثابتا في العرف العثماني ومنحهم الترقيات ثم أرسل إلى أُمراء الأطراف يدعوهم إلى الحضور وكذلك طلب حضور إبنه سليمان من إمارته بالقرم .


وبعد أن سلم السلطان بايزيد الثاني السلطنة إلى ولده سليم قرر أن يعتزل الناس وأُمور الدنيا وأشغالها وأن يعود إلى مسقط رأسه ديموتيقة ليمكث فيها ويتفرغ للعبادة والتأمل وكان قد عمر سرايتها لأجل ذلك فدعا إبنه السلطان سليم وأخبره بنيته فرفض بدايةً السماح لوالده بالسفر وطلب منه البقاء في إسطنبول والإقامة إلي جانبه لكن بايزيد لم يقبل رغم محاولة إبنه سليم إقناعه وقال له السيفانِ لا يجتمعانِ في قراب واحد فلما رأى سليم إصرار والده وافقه على فعل ما يريحه فطلب بايزيد أن يرافقه إلى دار تقاعده بكلربك الروملي يونس باشا لكونه من قُدماء خواصه والدفتردار قاسم باشا فعينهما السلطان سليم لخدمته وللمسير معه إلى مقصده وكذلك أرسل معه العديد من الفرسان السپاهية والإنكشارية ولم يستطع بايزيد ركوب حصانه لشدة مرضه فنقلوه في تختروان وهي عربة مغلقة يجرها حصانان وشيعه ولده السلطان سليم حتى أسوار القسطنطينية القديمة حيث طلب من إبنه العودة للعاصمة إسطنبول فودع والده وقبل يده عدة مرات ثم إفترقا فعاد السلطان سليم إلى دار السلطنة وسار بايزيد نحو مدينة إدرنه وكان موكبه يسير بطيئا بسبب مرضه وكان يستريح في كل موقف عدة أيام وفي يوم 11 ربيع الأول عام 918 هجرية الموافق يوم 26 مايو عام 1512م وصل الموكب إلى موضعٍ معروف بإسم سكودلودره من أعمال إدرنه وهناك إشتدت آلام المرض على السلطان السابق وتعرض لغيبوبة ولم يلبث أن فارق الحياة وكان قد مر حوالي شهر علي تنازله لإبنه السلطان سليم عن عرش السلطنة فكفنوه وعادوا بنعشه إلى العاصمة إسطنبول حيث ورى الثرى في قبة أعدها لنفسه بقرب المسجد الجامع الذي بناه وسمي بإسمه وقد بلغت مدة سلطنته 30 عاما وإحدى عشر شهرا وإثنين وعشرين يوما وكان لوفاة السلطان بايزيد الثاني وقع أليم في الدولة العثمانية وفي سائر ديار الإسلام فلما وصلت أخبار وفاته إلى القاهرة يوم الجمعة 2 جمادى الأولى عام 918 هجرية الموافق يوم 15 يوليو عام 1512م حزن السلطان المملوكي الأشرف قنصوة الغوري حزنا شديدا وتأسف على فقدان نظيره العثماني وبكاه بكاءا مرا وصلى عليه صلاة الغائب بقلعة الجبل وما أن إنتشر الخبر بين الناس في ذلك اليوم حتى دعا أئمة المساجد إلى إقامة صلاة الغائب علي روح السلطان العثماني الفقيد بعد صلاة الجمعة فصلى عليه الناس في الجامع الأزهر وفي مسجد الحاكم بأمر الله وأيضا في مسجد أحمد بن طولون وجامع السلطان قنصوة الغوري وغير ذلك من المساجد الجامعة ويقول إبن إياس الذي عاصر هذا الحدث وقَد حزن عليه الناس حيث كان قامعا للفرنجة ولا يفتر عن الجهاد فيهِم ليلا ونهارا وكان فيه نفع للإسلام والمسلمين .


وفي نهاية بحثنا هذا نترحم نحن أيضا علي السلطان بايزيد الثاني ولا يفوتنا أن نذكر بعض صفاته وسماته الشخصية فقد وصف المؤرخ مصطفى علي بن أحمد بن عبد المولى الكاليبولي السلطان بايزيد الثاني بأنه كان طويل القامة وفاتح الوجه وعاقد الحاجبين الأسودين وأشهل العينين وقمحي البشرة وأسدى الأنف عريض الصدر وبحسب السفير البندقي أندراوس كريتي الذي أصبح دوقا لبلاده فيما بعد وكان قد تعرف على السلطان بايزيد الثاني شخصيا فإن الأخير كانت قامته أطول من المتوسط وكان زيتوني البشرة تظهِر ملامحه أَنه يفكر بأمور جدية وكبيرة أما الشيخ أحمد كبير الفلكيين فقد وصف السلطان بايزيد الثاني بأنه كان طويل القامة وأبيض البشرة وأسود الشعر وعاقد الحاجبين وعريض المنكبين وقال أيضا إنه كان حسن الطباع صالحا عابدا متعمقا في الشريعة وفضلا عن ذلك فقد كتب أندراوس كريتي إلى مجلس الأعيان البندقي في عام 1503م واصفا السلطان العثماني بايزيد الثاني وخصاله وأعماله بأن قامته كانت أطول من المتوسطة وكان يأكل قليلا ويسعد دائما بركوب الخيل وكان أحب شئ إليه ممارسة رياضة الرماية والفروسية والصيد ومن الناحية الدينية فهناك شبه إجماع على أن السلطان العثماني بايزيد الثاني كان من أكثر سلاطين بني عثمان تدينا فكان يعظم الشعائر الدينية ولا يتعاطي الشراب أبدا وكثيرا ما تذكر المصادر أنه لم يهمل العبادات وعندما إكتمل بناء المسجد الجامع بإسطنبول والذى سمي بإسمه وجاء موعد إفتتاحه أعلن أن من سيفتتحه يجب ألا يكون قد قطع الصلاة مع سننها في حياته فإن وجد ليكن إماما في أول صلاة جمعة وعندما لم يظهر أحد تقدم السلطان بايزيد الثاني بنفسه قائلا إنه لم يقطع صلاة الفرض ولا السنة منذ صغره فإفتتح المسجد وأم الصلاة بالمسلمين ويعتقد أن تشجيعه على نقل مراكز الطرق الصوفية والتكيات المركزية إلى العاصمة إسطنبول قد لعب دورا في إطلاق لقب الصوفي عليه خاصة وأنه كان يفضل في ملابسه الثياب الصوفية البسيطة مثلما كان والده السلطان محمد الفاتح حينما يكون بمفرده محبةً في الأولياء والمتصوفين والدراويش والفقراء وقد إنتقلت هذه الخاصية إلى إبنه وخليفته السلطان سليم الأول فيما بعد وعن تقوى وورع وصلاح السلطان بايزيد الثاني يقول المؤرخ شمس الدين محمد بن أبي السرور البكري إنه كان رحمه الله يقضي أوقاتا طويلة في تلاوة القرآن الكريم والعبادة وكان دائما ما يصلي الصلوات الخمس في جماعة وأنه كان كريم النفس طيب الأخلاق خاشعا متواضعا يبجل الصغير كما يوقر الكبير وكان لسانه طاهرا ولا يذكر أحدا بسوء وكانت أنوار العبادة تتلأْلأُ في صفحات وجهه المبارك وبخلاف محافظته علي فريضة الصلاة كان السلطان بايزيد الثاني كثير التصدق والإحسان علي الفقراء والمحتاجين والمعوزين وأيضا على أهل الحرمين الشريفين بمكة المكرمة والمدينة المنورة فكان يجهز إلى فُقراء الحرمين في كل عام أربعة عشر ألف دينار ذهب يصرف نصفها على فقراء مكة المكرمة ونصفها الآخر على فُقراء المدينة المنورة وهو الأمر الذى جرت به العادة منذ عهد جد والده السلطان محمد الأول فكانت توسع عليهم فيدعون له وكان يرد عليه دائما شعراء الديار الحجازية يمتدحونه ويشكرونه وكان من أبرزهم شهاب الدين أحمد بن الحسين المكي الشهير بإبن العليف الذي صنف بإسم السلطان بايزيد الثاني كتابا سماه الدر المنظوم في مناقب السلطان بايزيد ملك الروم ونظم فيه أيضا قصيدة شعرية رائعةً .


وعلاوة علي كل ماسبق كان السلطان العثماني بايزيد الثاني محبا لفن الخط والتخطيط منذ أن كان وليا للعهد وكان قد تلقى دروسا في الخط منذ صغره خلال ولايته في أماسية على يد رائد الخطاطين العثمانيين الشيخ حمد الله الأماسي وحصل منه على إجازة في هذا الفن ومن شدة حب السلطان بايزيد الثاني للتخطيط لم يترك أُستاذه في أماسية بعد أن أصبح سلطانا بل دعاه إلى العاصمة العثمانية إسطنبول وعينه معلما وكاتبا في السراى السلطانية وكان يعرج على جناح الشيخ حمد الله أحيانا ويسأله عن أحواله وكان أحيانا يمسك له المحبرة وهو يخطط تعبيرا عن إحترامه وتقديره له وكان يقول علنا إنه كان أسعد حكام الدنيا لأن لديه خطاطا مثله وبفضل تشجيع السلطان بايزيد الثاني لفن الخط دخل هذا الفن في مسار جديد خاص على يد العثمانيين كما أنه شجع أُستاذه أيضا بمنحه إمكانيات لكي يجد أُسلوبا جديدا في فن الخط والتخطيط ومن المعروف أنه خصص للشيخ حمد الله إيراد قريتين في ناحية صارغازي من أعمال أُسكدار غير اليومية التي أمر بدفعها له وبالإضافة إلى إتقانه الخط والتخطيط فثمة دليل وجد في سجل أحد المكتبات القديمة يسمى مجموعة ألواح النقاشين يشير على أن السلطان بايزيد الثاني قد عمل بالتذهيب أيضا ومن الجدير بالذكر أن صناعة الكتب المتضمنة فنون الخط والتخطيط والتذهيب والتجليد المكملة لبعضها بعضا إزدهرت في عهد السلطان العثماني بايزيد الثاني من شدة حبه للعلم والعلماء ورغبته القوية في إرساء قواعد الحضارة في دولته وفضلا عن ذلك كان السلطان العثماني بايزيد الثاني مهتما بالفلسفة وعلوم الفلك وكان أيضا يقضي أوقاتا طويلة في القراءة والإطلاع كما أنه كان ينظم الشعر باللغتين التركية والفارسية وإتخذ لنفسه إسما فنيا هو عدني أو عدلي وله ديوان صغير صوفي الطابع ويعتبر هذا الديوان الصغير أول ديوان نسقه سلطان عثماني وقد عمد المؤرخ التركي محمد فُؤاد الكوبريللي إلى تجميع قصائده ونشرها وبحسب ما ورد في مذكرات وحوليات المؤرِخين والساسة العثمانيين فإن موهبة السلطان بايزيد الثاني بجمال الحديث والنظم لم يكن بها أي نقص وقد أحب السلطان بايزيد الأدب الفارسي كثيرا وشمل الشعراء والأدباء الفارسيين بعطفه وعطائه فعلى سبيل المثال كان كل من الشاعر الفارسي الكبير الملا عبد الرحمن الجامي المقيم في مدينة هراة والتي تقع في دولة أفغانستان حاليا وشيخ النقشبندية المقيم في مدينة بخارى والتي تقع في دولة أوزبكستان حاليا يتسلمان سنويا من السلطان بايزيد الثاني مبلغا ماليا وبوجه عام فقد إحترم هذا السلطان العلماء والكتاب والأدباء والشعراء مثل أبيه السلطان محمد الفاتح وإستمتع بحضور مجالس الفكر والعلم وكان من أحب الأُمور إلى قلبه حضور دروس علم التفسير التي كانت تلقى في جامع آيا صوفيا بالعاصمة العثمانية إسطنبول وكان يوظف من يكتب الشعر الجميل في سرايته ويروى أن قصيدة غزل للشاعر صائي وقعت بيد السلطان بايزيد الثاني فأُعجب بها وأمر بالبحث عن كاتبها وعندما وجده وظفه في السراى السلطانية كاتبا ويرى المؤرخ التركي المعروف إسماعيل حقَي أوزون چارشلي‏ أن السلطان بايزيد الثاني بمبادراته ونشاطاته هذه جعل العاصمة العثمانية إسطنبول مركز العالم الإسلامي في زمنه ومن جانب آخر يمكن إعتبار السلطان بايزيد الثاني مؤسس علم التاريخ عند العثمانيين فكل ما يعرف اليوم تقريبا عن الفترة الممتدة لقرن ونصف من التاريخ العثماني يعتمد على ما دون في كتب التاريخ في عهده بعد أن إحترقت المدونات الأولى على يد المغول بقيادة تيمورلنك خلال إجتياحه الأناضول عام 1402م وكان من أكبر وأبرز مزايا السلطان بايزيد الثاني أنه كان قارئا دقيقا يقرأ بتركيز كل مؤلف جديد يهدى إليه ويعطي للكاتب مكافأة تتفق وقيمة الكتاب أجرا له على مجهوده وكان يستدعي المؤلفين أصحاب الكتب القيمة ويقابلهم على أنه لم يكن يشجع الكتاب والمؤلفين الذين وضعوا كتبهم تملقا ومداهنةً .

وبخصوص أولاد السلطان بايزيد الثاني فقد أولى أهميةً كبرى في تربية أولاده بحيثُ كان كل منهم واسع الإطلاع على علوم العصر فكان إبنه الشاهزاده قورقود من كبار علماء عصره وكان الشاهزاده أحمد يجيد اللغة العربية وعلم السياسة إلى درجة أنه وضع كتابا في السياسة باللغة العربية ومن جانب آخر نستطيع أن نقول إنه في عهد هذا السلطان توطدت وإستقرت بشكل كامل فتوحات أبيه السلطان محمد الفاتح الكبرى وحافظ على سياسة والده العسكرية والبحرية وعزز الجيش والبحرية وجعلها ضعف ما كانت عليه في السابق وزود بعض سرايا الإنكشارية بالبنادق الحديثة إلي جانب الإهتمام بإصلاح جيشه وتنسيقه وتنميته فزاد في عهده عدد الجنود الإِنكشارية كما أنه جهز جيشه بالأسلحة النارية الحديثة وأجرى إِصلاحا جذريا خاصة بالنسبة للعاملين علي المدافع وكان يتابع هذه الأَعمال بدقة وكانت خيالته وأسطوله البحرى هما القوة الأساسية التي حققت الإنتصارات الكبيرة التي تحدثنا عنها حيث قام بتنظيمها بشكل متميز بحيث تستطيع التجمع والإحتشاد بسرعة فائقة ومع أن الظروف السياسية والإضطرابات الداخلية وحركات العصيان والتمرد التي حدثت في عهد السلطان بايزيد الثاني أدت إلي قلة الفتوحات التي تحققت في عهده كما كان الحال عليه في عهد أبيه وكما سيحدث بعد ذلك في عهد إبنه وخليفته السلطان سليم الأول إلا أنه علي الرغم من ذلك فقد توسعت الدولة العثمانية خلال سلطنته بمقدار 160 ألف كيلو متر مربع وبذلك وصلت مساحتها عند وفاته إلى نحو 2 مليون ومائتين وثلاثة وسبعين ألف كيلو متر مربع حيث تم ضم الدويلات والإمارات التي كانت مستقلة إداريا وهي إمارة ذي القدرية وخانية القرم وهي بأوكرانيا حاليا والخانية القاسمية الواقعة بالقرب من إمارة موسكو الروسية وإمارات الأفلاق والبغدان بشرق قارة أوروبا وجمهورية راكوزة الإيطالية الصغيرة ومما يذكر أيضا عن السلطان بايزيد الثاني ما ذكره المؤرخ أحمد بن يوسف القرماني من أنه كان يجمع في كل مكان حل به من غزواته ما على ثيابه من الغبار والتراب ويقوم بحفظه فلما دنا أجله أمر بأن يصنع من ذلك الغبار والتراب لبنة صغيرة وأن توضع معه في قبره تحت خده الأيمن ويعتقد أنه أراد بذلك فحوى الحديث النبوي الشريف من أغبرت قدماه في سبيل اللَه حرمه الله علي النار .