الجمعة, 19 أبريل 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

السلطان سليم الأول
-ج2-

السلطان سليم الأول
-ج2-
عدد : 07-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”


بعد وقت قصير من تولي السلطان سليم الأول وإستقراره على تخت السلطنة وصلت إليه أنباء عصيان أخيه الشاهزاده أحمد من جديد والذي كان ما يزال رافضا قرار والده القاضي بِإزاحته عن العرش وتولية أخيه الأصغر سليم مكانه وإستمر يدعي لنفسه الأحقية بِعرش آل عثمان فسير ولده الشاهزاده علاء الدين علي في جمعٍ بهدف السيطرة على مدينة بورصة فأغار على نواحيها ولما كان الشغل الشاغل للسلطان سليم الأول هو الخطر الصفوي الشيعي فقد وجد نفسه مضطرا أن يعمل على تأمين وحدة الدولة العثمانية والقضاء على المخاطر الداخلية وتحقيق الإستقرار التام في الجبهة الداخلية أولا قبل أن يتفرغ لقتال الصفويين الشيعة ووجد أن هذا لن يتم إلا بتنحية أخيه الكبير الشاهزاده أحمد وأنصاره وأى طامعٍ يدعي حق ولاية العرش ولذا فقد نادى السلطان سليم الأول بجمع الجيش وترك إبنه الشاهزاده سليمان نائبا عنه في دار السلطنة وخرج هو في سبعين ألف جندى صوب مدينة بورصة في أواسط شهر جمادى الأولى عام 918 هجرية الموافق لأواخر شهر يوليو عام 1512م فهرب الشاهزاده علاء الدين علي إلى والده بمدينة قونية فتوجه السلطان سليم الأول إلى مدينة أنقرة وأرسل أحد قادته وهو طور علي بك بن بالي بن مالقوج في طليعة الجيش مع عساكر الروملي إلى جانب الشاهزاده أحمد ولما علم الأخير بكثرة جند أخيه القادمين إليه سارع بالهرب إلى أماسية فتبعه طور علي بك فهرب الشاهزاده أحمد مجددا إلى جانب منطقتي ملطية ودرنده بشرق الأناضول ولما فشل القائد العثماني في القبض على الشاهزاده العاصي وأرسل إلى السلطان سليم يعلمه فأجابه السلطان بأن يحفظ تلك الثغور مع أُمراء الروملي وأقطع أماسية لأحدهم وهو مصطفى بك بن داود وأمره بالسير إليها والتمركز فيها ثم عاد السلطان سليم الأول إلى مدينة بورصة حيث سرح الجيش وأمضي الشتاء هناك وإستغل الشاهزاده أحمد إقلاع أخيه عن مطاردته فأرسل إبنيه مراد وعلاء الدين علي إلى العاصمة الصفوية تبريز لطلب المعونة من الشاه إسماعيل الصفوى الذي كان يتحين الفرصة لهدم الدولة العثمانية والتوسع على حسابها وسارع الشاه بالإستجابة لطلب الشاهزاده العاصي فأمده بنحو ألفي فارس فسار فيهم إلى أماسية خلال فصل الشتاء ودخلها بغتةً فأسر أميرها مصطفى بك بن داود لفترة وجيزة ثم أطلقه وإستوزره وأرسل إلى أُمراء الروملي الذين كانوا يحافظون علي الحدود والثغور مع طور علي بك وإستمالهم إليه فمالوا وأرادوا الغدر بقائدهم المذكور لكنه تنبه لغايتهم وهرب في جمعٍ قليل من رجاله ولحق بالسلطان سليم الأول في مدينة بورصة حيث أخبره بالأمر فإضطرب السلطان من هذا الخبر وتخوف من بعض الذين يحتمل أنهم يبطنون الخيانة وكان في مقدمتهم أبناء إخوته الذين كانوا قد لجأوا إليه وهم محمد شاه بن الشاهزاده شاهنشاه وعثمان بن الشاهزاده علمشاه وأورخان وموسى وأميرخان أبناء الشاهزاده محمود بن السلطان بايزيد الثاني فأمر بقتلهم جميعا فقتلوا عن آخرهم ودفنوا بجانب جد جدهم السلطان مراد الثاني في تربته المعروفة بالكلية المرادية بمدينة بورصة كذلك ضبط السلطان سليم الأول مراسلات سرية بين الصدر الأعظم خوجة مصطفى باشا والشاهزاده أحمد وتبين أن الصدر الأعظم كان يخبر الشاهزاده بمقاصد السلطان وخططه وهذا ما مكنه من الهرب من مدينة قونية ثم أماسية دون أن يتمكن الجيش من القبض عليه وكانت عاقبة خيانة وغدر الصدر الأعظم أن قتله السلطان سليم الأول شر قتلة وجعله عبرة لغيره ونصب بدلا منه أحمد باشا بن هرسك فكانت تلك المرة الرابعة التي يتولى فيها أحمد باشا الصدارة العظمى وبعد ذلك قرر السلطان سليم الأول إختبار ولاء أخيه الشاهزاده قورقود حتى يهدأ باله من ناحية الشؤون الداخلية ويطمئن علي أن منازعه الوحيد هو أخاهما الأكبر الشاهزاده أحمد ومن ثم يمكنه التفرغ لإستئصال شأفته فتجهز وسار صوب مغنيسية مقر ولاية الشاهزاده قورقود .


وكان الشاهزاده قورقود يكبر السلطان سليم الأول بثلاث سنوات وكان أحب إخوته إليه لكن هذا لم يمنع السلطان من إختبار ولائه وتجربته خوفا من أن يعصيه أثناء قتاله الشاهزاده أحمد فيطعنه من الخلف سواء كان هذا العصيان نابعا من نفسه أم ناتج عن تحريك الساسة والوزراء والأتباع أصحاب المصالح الخبيثة لا سيما وأن الشاهزاده قورقود كان قد سبق أن حاول أخذ السلطنة لنفسه ثم عاد وأعلن ولاءه وخضوعه للسلطان سليم الأول كما أُسلفنا فرأى السلطان أن هذه الحادثة إضافةً إلى إلتحاق الكثير من الساسة الكارهين له أى لسليم بخدمة أخويه كان كافيا لجعله يستشعر نقض عهد الطاعة والإنقياد من الشاهزاده قورقود فطلب من بعض الوزراء والأُمراء أن يحرروا رسائل بأسمائهم تشوق الشاهزاده المذكور إلى طلب الملك ويعدونه فيها بالمؤازرة والنصر ولما وصلت تلك الرسائل إلى الشاهزاده قورقود لم يتردد في الكتابة إلى المرسلين يعدهم بِالخروج والوصول إليهم فوقع في ورطة قاتلة إذ رأى السلطان سليم الأول أن دفع غائلة أخيه هذا أهم من دفع غائلة أخيه الأكبر الشاهزاده أحمد فتجهز على الفور للمسير إليه ومن ثم خرج السلطان سليم الأول من بورصة فيمن كان معه من القادة والعساكر وأسرع بالسير إلى مغنيسية فوصلها خلال خمسة أيام ولم يشعر الشاهزاده قورقود إلا وقد أحاطت الجنود العثمانية بسراياه فتحير في أمره ثم خرج مع أحد خواص غلمانه يقال له بيالة من باب حديقة ملاصقة بالسراي وحملا ما أمكن من النقود الذهبية والفضية ثم ركبا فرسين جيدين وهربا إلى أحد الجبال حيث تحصنا وإستترا في كهف نحو عشرين يوما ولما عجز السلطان سليم الأول عن الظفر بأخيه عاد إلى مدينة بورصة وأرسل إلى أُمراء الجهات أن يظلوا متيقظين ويتحسسوا أخبار الشاهزاده الهارب ولم يلبث الشاهزاده قورقود وغلامه أن خرجا من مخبأهما وتوجها على الفور إلى جهة تكة ليركبا منها سفينةً تعبر بهما إلى إحدى بلاد المشرق العربي أو إلى فرنسا ولما كان للسلطان سليم الأول في كل بلد ومعبر ومضيقٍ جواسيس وعيون ينقلون إليه الأخبار فقد أدرك ما يسعى إليه أخوه وتخوف من فراره فأصدر أمرا بمنع الإبحار في شواطئ الأناضول وموانئها وكلف القبطان إسكندر باشا بإحراق جميع السفن التي تقترب إلى السواحل فنفذ إسكندر باشا الأمر بحذافيره ولما تبين للشاهزاده قورقود صعوبة هربه عاد وإختبأ مع غلامه في كهف مظلم فإشتد الأمر عليهما نتيجة قلة الزاد والماء فخرج بيالة محاولا الحصول علي القوت اللازم له وللشاهزاده قورقود فوجد أحدا من تركمان تلك البلاد فكشف له أسراره ووعده بالجميل ثم أعطاه بضع دنانير وأركبه على فرس الشاهزاده قورقود وأرسله لكي يأتي لهما بالزاد والطعام من أسواق المدينة والإستخبار عن سفينة يمكن أن تحملهما إلى مقصدهما وكان من سوء حظ الشاهزاده قورقود أن وقع ذلك التركماني تحت أنظار عيون وجواسيس السلطان سليم الأول الذين رأوه راكبا على فرس يحمل العلامات الملوكية الخاصة بخيول بني عثمان فأمسكوا به وإستجوبوه عن مكان الشاهزاده الهارب فأنكر معرفته به فخوفوه وضربوه دون نتيجة فحملوه إلى قاسم بك والي إمارة تكة الذي أعاد ضربه وهدده بالقتل إن لم يعترف بمكان مخدومه فإعترف التركماني بكل شئ ودل الوالي على الكهف الذي يحتمي فيه الشاهزاده قورقود وغلامه فسار إليه قاسم بك وإعتقل الشاهزاده وصاحبه ثم أرسلهما إلى السلطان سليم الأول بالعاصمة العثمانية إسطنبول ولما وصل الشاهزاده قورقود إلى أخيه سارع بإعلان الولاء لأخيه وخضوعه من جديد وتنازل له عن جميع حقوقه فأمر السلطان سليم الأول بإنزاله في بيت خاص به لكنه على الرغم من ذلك إستمر يخشى فتنته فأمر بقتله فدخل عليه بعض الخدام في ليلة 10 محرم عام 919 هجرية الموافق يوم 17 مارس عام 1513م وخنقوه بوتر قوس ثم شيع جثمانه إلى تربة ثاني السلاطين العثمانيين السلطان أورخان غازى بن السلطان عثمان غازى مؤسس الدولة العثمانية بمدينة بورصة حيث ورى الثرى وإستأذن بيالة الغلام من السلطان سليم الأول أن يقيم على خدمة مرقد سيده فأذن له في ذلك وبقي في تلك الخدمة إلى أن أدركه الموت وجدير بالذكر أن السلطان سليم الأول إكتنف تابوت أخيه بنفسه حين تشييعه ويروى أنه بكى متأثرا وصرخ قائلا أى أخي ليتك لم تفعل فلولا فعلك ما أُمرت بهذا ويروى أيضا أنه عرض على بيالة أن يعينه في أى منصب رفيعٍ من مناصب الدولة مكافأة له على إخلاصه وولائه لمخدومه الشاهزاده قورقود لكن بيالة قال إنه كما خدم الشاهزاده القتيل في حياته فسيخدمه في مماته فزاد إعجاب السلطان سليم الأول به وسمح له بِالإقامة على خدمته كما ذكرنا .


وبعد القضاء على الشاهزاده قورقود سعى السلطان سليم الأول للتخلص من أخيه الشاهزاده أحمد فدبر له خديعةً ماكرة أيضا مشابهة للخديعة التي إكتشف بواسطتها خيانة شقيقه الشاهزاده قورقود وذلك لكي يظفر أيضا بشقيقه الأكبر الشاهزاده أحمد فأرسل إليه كتبا مختومةً بأختام الأُمراء والساسة الداعمين له وأدرج فيها شكاوى ضده من شدة نفسه وتهوره وقتله أبناء إخوته وأنهم يدعونه إلى دار السلطنة ويعدونه بالنصرة وغير ذلك ووعده بالنصرة وغير ذلك مما يمكن أن يشجعه ويحركه على المسير إلى العاصمة إسطنبول ولما وصلت المكاتيب المزورة إلى الشاهزاده أحمد إنخدع بها وبادر بالسير صوب العاصمة إسطنبول ولما وصل إلى حدود إمارة القرمان فسارع واليها همدم باشا بإعلام السلطان سليم الأول فما كان من الأخير إلا أن سير أمير آخوره محمد بك فيمن معه من العساكر إلى مقابلة الشاهزاده أحمد وأمر بكلربك الأناضول أيضا ليسير في عقبه مع جنوده ثم وصل الخبر إلى السلطان سليم الأول بأن أخاه العاضي الشاهزاده أحمد قد وصل إلى معبر دربند أرمني القريب من مدينة يني شهر بجنوب الأناضول فتوجه لقتاله ونزل في ظاهر البلد ولما رأى الشاهزاده أحمد أن أحدا من الذين راسلوه لم يظهر وعلم أنه قد وقع في فخٍ نصبه له أخوه فخاف وندم على قدومه في وقت لم يعد ينفع فيه الندم فقابل السلطان سليم الأول خارج أسوار مدينة يني شهر وإصطدم به في قتال عنيف فإنكسر الشاهزاده أحمد وتفرق جمعه فسارع إلى الهرب لكن حصانه كبا به وأسقطه فهرع إليه الجند وأسروه وحملوه إلى أخيه السلطان سليم الأول فأمر بقتله خوفا من أن يعاود إثارة المشكلات في الدولة فخنقه سنان أغا القبابجي بوتر قوسه وكان ذلك يوم 17 صفر عام 919 هجرية الموافق يوم 24 أبريل عام 1513م وورى الثرى في الكلية المرادية إلى جانب أبناء إخوته ثم أطلق السلطان سليم الأول سراح كل من أُسر من أتباع الشاهزاده أحمد وأعلمهم أنه قد عفا عنهم وهرب بعض أبناء الشاهزاده القتيل من وجه عمهم خوفًا من أن يلحقهم بأبيهم وكان في مقدمتهم مراد وعلاء الدين علي حيث توجه مراد إلى مدينة تبريز وإلتجأ في بلاط الشاه إسماعيل الصفوى فجعله أميرا على إحدى سناجق الدولة الصفوية وبقي فيها إلى أن توفي أما علاء الدين فهرب إلى مصر مع بعض إخوته ولجأوا إلى السلطان المملوكي الأشرف قنصوة الغورى وبقوا في الديار المصرية حتى ماتوا فيها بالطاعون وكان السلطان سليم الأول قد طالب كل من الشاه إسماعيل الصفوى والسلطان قنصوة الغوري أن يردا إليه أبناء أخيه فإمتنعا عن ذلك فأسرها السلطان سليم الأول في نفسه لكنه بالقضاء علي شقيقيه الشاهزاده قورقود والشاهزاده أحمد إطمأن إلى سلامة الجبهة الداخلية وأنه قد حقق الاستقرار في داخل الدولة العثمانية ومن ثم سار إلى الساحل وعبر إلى كاليبولي ومنها توجه إلي إدرنه حيث قابل سفراء جمهورية البندقية الإيطالية ومملكة المجر ودوقية المسكوب أو موسكو وأبرم معهم هدنةً طويلةً لكي يتفرغ أخيرا لقتال الصفويين الشيعة والقضاء على خطرهم الكبير الذى يهدد الإسلام ويهدد أيضا كيان ووحدة وإستقرار الدولة العثمانية في إقليم الأناضول .

وفي البداية علينا أن نذكر أن الحرب العثمانية الصفوية كان لها مجموعتان هامتان من الأسباب الأولى أسباب إقتصادية وإستراتيجية والثانية أسباب مذهبية وسياسية وفكرية فمن حيث المجموعة الأولى سعى السلطان سليم الأول للوصول إلى بلاد الهند وتحقيق سيطرة عثمانية على طرق التجارة الشمالية بفعل إحتكار البرتغاليين تجارة التوابل وسيطرتهم على الطرق التجارية الجنوبية مع الهند هذا وقد شهدت بداية عهد هذا السلطان تطورا في النظام الدواويني العثماني والحرف والأعمال التقنية السائدة في البلاد آنذاك مما جعل متطلبات الدولة تزداد مع تطور هذه الأعمال ويعتقد أن إستمرار زيادة إرتفاع أسعار الحبوب في قارة أوروبا خلال ذلك الوقت أفضى إلى إزدهار تصديرها من الأناضول مما أدى إلى توسع الإنتاج الزراعي في قارة آسيا الصغرى وبالتالي زيادة عدد سكان تلك البلاد ويضاف إلى ذلك الإستهلاك المتزايد في قارة أوروبا للمنتجات الشرقية وبخاصةً التوابل والحرير مما دفع السلطان العثماني سليم الأول إلى السيطرة على الطرق التجارية الشمالية وإحتكار التجارة بين الشرق والغرب وحاول السلطان سليم بدايةً منع الصفويين الشيعة من الإستفادة من المواد الخام المستخدمة في صناعة الأسلحة والذخائر مثل النحاس والحديد التي إشتهرت بها بلاد الأناضول كما فرض حصارا تجاريا على الدولة الصفوية الشيعية وبخاصة تجارة الحرير التي تأتي من الصين والهند وتمر عبر الأراضي العثمانية عن طريق حلب الإسكندرونة ثم عبر الأناضول وهي في طريقها إلى مناطق بلغاريا والبلقان ومنها إلي الغرب الأوروبي حيث يتم مقايضتها بالذهب مما خفض إيرادات الصفويين الشيعة بشكل ملحوظ وخطا السلطان سليم الأول خطوة أُخرى حين أخذ يصادر البضائع الفارسية من جميع التجار لشحنها من الجانب الأوروبي في الروملي مما أثر على حركة التجار الذين تحولوا نحو الجنوب عبر وادي الرافدين وهو يشمل المناطق المحصورة بين نهرى دجلة والفرات بكل من العراق وسوريا وتركيا حاليا وأخيرا قرر الإستيلاء على الطرق التجارية الشمالية مع الهند ولما كانت الدولة الصفوية الشيعية تقف حجر عثرة في سبيل ذلك فكان لابد إذن من القضاء عليها .


وأما من حيث المجموعة الأُخرى من الأسباب التي أدت للحرب العثمانية الصفوية فعلى الصعيد المذهبي كان السلطان سليم الأول حساسا ومنزعجا جدا من إنتشار الدعاة والجنود القزلباش أي الرؤوس الحمراء الذين كان يبثهم الشاه إسماعيل الصفوى في شرقي الأناضول لينشروا الدعوة الشيعية بين قبائل التركمان فخشي من دخول الآلاف من هؤلاء في المذهب الشيعي مما يشكل خطرا مباشرا على الدولة العثمانية ويساعد الصفويين الشيعة على التوسع في إتجاهها وكان لإنفجار الحركة المذهبية التي بدأها الشاه في بث مذهبه الشيعي عنوة وتوسعاته السياسية من أجل تثبيت غاياتها آثاره الواضحة ليس فقط من أجل الحفاظ علي المذهبية السنية للعثمانيين حيث أن هذه الحركة كانت أيضا عاملا فعالا في تغيير إستراتيجية الدولة العثمانية وتوجهاتها السياسية حيث توجهت أنظار العثمانيين نحو مناطق غرب قارة آسيا بعد أن كانت أوروبا الشرقية هي شغلهم الشاغل وكانت أنباء إضطهاد الشاه إسماعيل الصفوى لأهل السنة والجماعة في بلاد فارس والعراق تصل إلي العتبة السلطانية في إسطنبول فتثير غضب السلطان سليم الأول وأعيان الدولة من ذلك أن الشاه لما سيطر على بلاد العراق عام 1508م سارع على الفور بالبطش بالسنيين حيث أحرق قبور ومقامات الخلفاء العباسيين بالإضافة إلى قبرى الإمامين أبو حنيفة النعمان وعبد القادر الجيلاني وغيرهما من قبور علماء أهل السنة والجماعة وقتل جماعة أُخرى من العلماء حرقا بالنار وإستولى على العديد من المساجد التابعة لأهل السنة والجماعة وخصصها للشيعة وعمر لهم العتبات المقدسة في مدينتي النجف وكربلاء وراح يعمل على صبغ الديار العراقية بالصبغة الشيعية وفضلا عن ذلك غالى الشاه في كراهيته وبغضه وسوء معاملته لأهل السنة لدرجة أنه لم يكتف بحرق الكتب الفقهية والعقائدية السنية بل أحرق مصاحفهم أيضا وفي ذلك يقول المؤرخ قطب الدين محمد النهروالي وقتل الشاه إسماعيل الصفوى خلقا لا يحصي يزيد عن ألف ألف نفس بشكل لم يحدث في الإسلام ولا في الجاهلية ولا في الأمم السابقة من قتل للنفوس مثلما قتل الشاه إِسماعيل كما أنه قتل عدد من أعظم العلماء بحيث لم يبق أحد من أهل العلم في بلاد العجم وأحرق جميع كتبهم ومصاحفهم ومخطوطاتهم لأنها مصاحف أهل السنة كما أُمر بقبور المشايخ حيث نبشها وأخرج عظامهم وأحرقها وعلاوة علي كل ماسبق فقد أهان الشاه الزعامة الروحية والسياسية للمسلمين أي مقام الخلافة فعين أحد غلمانه الخصيان واليا على بغداد ولقبه بخليفة الخلفاء .

وكان آخر حكام العراق الآق قويونلويين مراد بن يعقوب بن حسن البايندري حفيد أوزون حسن قد راسل السلطان المملوكي الأشرف قنصوة الغوري وطلب منه العون والمدد من أجل نجدة بغداد من الصفويين الشيعة وبالفعل إتخذ السلطان المملوكي المذكور بعض الإجراءات التمهيدية لإعداد حملة عسكرية للتصدي للطموحات التوسعية للشاه إسماعيل الصفوى إلا أن الظروف السياسية والإقتصادية الصعبة التي كان يمر بها الغورى آنذاك وأهمها نشاط الأُسطُول البرتغالي حول سواحل بحر القلزم أي البحر الأحمر لم تسمح له إلا بعمل بعض المناورات العسكرية فقط وهكذا أصبحت جميع الآمال معلقة على الدولة العثمانية لدفع الخطر الصفوى الشيعي والقضاء عليه وجدير بالذكر أنه علي الصعيد السياسي أدرك السلطان سليم الأول أن الشاه إسماعيل الصفوى يشكل عاملا خطرا من عوامل تفكك الأناضول العثماني وقد أثبتت أحداث التمرد والعصيان التي قامت في أواخر عهد السلطان بايزيد الثاني ذلك فقد وجدت قبائل الحدود من التركمان الذين كان العثمانيون يحاولون إخضاعهم لسيطرتهم في الشاه إسماعيل الصفوى حاميا وزعيما موهوبا تهوى إليه نفوسهم أكثر مما تميل إلى السلطان العثماني وسبب ذلك أن الشاه إسماعيل الصفوى كان بالنسبة لأولئك التركمان أشباه البدو زعيما مثاليا فهو تركي أذرى ذو عقلية تركية تقليدية وإن كان يجيد اللغة الفارسية ومتأثر بثقافة بلاد فارس لكنه لم يخلع عن نفسه هوية أجداده وطريقة تفكير قومه وكانت قوته العسكرية تستند إلى القبائل التركمانية التركية وليس إلى الأقوام الفارسية التي أخضعها عكس الدولة العثمانية التي كانت جيوشها عبارة عن خليط من المسلمين الترك والروم والصقالبة وهم أبناء القوميات الأوروبية الذين خضعت بلادهم لسلطان الدولة العثمانية كما شعر تركمان الأناضول هؤلاء بالتقارب مع الشاه إسماعيل الصفوى بسبب عقيدته التي وإن كانت شيعية إثنا عشرية في الظاهر غير أنها إمتزجت بكثير من العقائد الشامانية القديمة وهي ظاهرة دينية تتضمن مجالات وممارسات السحر والشعوذة وتحضير الأرواح وشفاء المرضي وكان موطنها آسيا الوسطى وهي المنطقة الممتدة من بحر قزوين غربا حتي الصين ومنغوليا شرقا ومن بلاد فارس وأفغانستان جنوبا وحتي روسيا شمالا وكانت قد آمنت القبائل التركية بها في هذه المنطقة قبل الفتح الإسلامي فأخذت تحيط الشاه بهالة من القداسة .

وعلي كل ماسبق فقد أصبح تركمان الأناضول يرون في الدولة الصفوية دولة تركية مثالية أفضل من الدولة العثمانية المركزية والتي تحكمها سلالة إنقطعت صلتها منذُ أكثر من قرن ونصف بالوسط التركماني الذي إنبثقت منه ولذا فهي لم تعد تدرك إحتياجاته كما أن نظامها الإدارى كان ممثلوه المحليون المنحدرون من صفوات حضرية أو من الدوشيرمة يبدون لهم غُرباء والدوشيرمة هم في الأصل كانوا من أطفال الرعايا المسيحيين في البلقان الذين فقدوا ذويهم فكان العثمانيون يتعهدونهم بالرعاية وتتم تربيتهم علي الديانة والتقاليد الإسلامية ويتم تدريبهم للعمل كعساكر وموظفي ديوان بعد نقلهم إلي العاصمة إسطنبول م ولم يتردد الشاه في الإستفادة من أنصاره الأناضوليين موفورى الأعداد لزعزعة السلطة العثمانية في الأناضول وأمام هذه الوقائع رأى السلطان سليم الأول أن حل المشكلة الأناضولية يمر عبر القضاء على الشاه فمع إختفاء الأخير سينهار المذهب الذى قام بتأسيسه من تلقاء نفسه حيث أنه حتما سيؤدى التخلص منه إلى ترك أتباعه في حالة من الفوضى والإرتباك الشديد وبالإضافة إلى ذلك فقد كان هناك دافع سياسي آخر لقيام الحرب العثمانية الصفوية تجسد في التنازع الأُسري بين البيتين الحاكمين في كل من إسطنبول وتبريز إذ كانت حماية الصفويين الشيعة للفارين من آل عثمان والذين تعرضوا لملاحقة ومضايقات السلطان سليم الأول ورفضهم تسليمهم له أشبه بشرارة ساهمت في إشعال نار الحرب بين الدولتين بعد أن نضجت بفعل عوامل عديدة أُخرى وجدير بالذكر أنه على الصعيد الفكري فقد كانت الثقافة في بلاد الأناضول إمتدادا طبيعيا للثقافة التركية الفارسية التي كانت مراكزها في بلاد فارس وفي بلاد ما وراء النهر في أوزبكستان وغرب كازاخستان وجنوب قيرغيزستان حاليا ففي حقول الحكم والإدارة وفي القانون والعلوم الشرعية وفي الآداب والفنون ظل سلاجقة الروم والعثمانيون من بعدهم يعتمدون إعتمادا كبيرا على المهاجرين من الشرق لشغل وظائف الحكومة وإدارتها وكان أدب الأناضول السلجوقي كله تقريبا باللغة الفارسية وعندما ظهر الأدب باللغة التركية في ظل حكم السلاطين العثمانيين الأوائل إستلهم من نوابغه في بلاد فارس وفي بلاد ما وراء النهر ومنذُ قيام الدولة الصفوية الشيعية في عام 908 هجرية الموافق عام 1502م إنقطعت الدولة العثمانية عن منبعي العلماء والفقهاء والكتاب والأُدباء والشعراء والفنانين والموسيقيين اللذين أسهموا في تطورها ونموها الثقافي إلى حد كبير وإقتصرت منذ ذلك الوقت على منابعها الفكرية والدينية في الأناضول والروملي وفي وقت لاحقٍ في المشرق العربي وقد شعر العثمانيون بهذا الإنقطاع الفكري عن أُصول ثقافتهم ما كان دافعا لإعادة فتح هذه القنوات الفكرية الشرقية .


وبعد أن توافرت جميع أسباب الحرب بين العثمانيين والصفويين وإطمأن السلطان سليم الأول لتماسك الدولة وسلامة الجبهة الداخلية وإستقرارها عقد العزم علي أن يحمل على الديار الفارسية فإستدعى كبار رجال دولته من قضاة وساسة وعلماء ووضح لهم مدى خطورة الدولة الصفوية الشيعية والشاه إسماعيل الصفوى على الدولة العثمانية خصوصا والمذهب السني والمسلمين السنيين عموما وأنه من واجب العثمانيين الدفاع عن مصالحهم الحيوية وعن إخوانهم الذين طالهم ظلم الشاه في بلاد فارس والعراق وإستفتى السلطان العلماء في جواز قتال الصفويين الشيعة فأجمعوا وأفتوا بأن قتالهم وجهادهم أكثر ثوابا من جهاد الصليبيين المسيحيين بعد أن بلغ بهم الغلو مبلغا يجعلهم خارجين على الإسلام وكان في مقدمة كبار العلماء الذين أفتوا بذلك الشيخ حمزة أفندى وشيخ الإسلام المولى إبن كمال الذى كتب رسالةً طويلةً في جواز قتال الصفويين الشيعة وإستئصال شأفتهم وبعد أن أفتي العلماء بهذه الفتوى أرسل السلطان سليم الأول أوامره إلى أطراف البلاد لإجتماع الجيوش وكان قد أرسل في وقت سابقٍ إلى الولاة وأُمراء السناجق أن يتحروا أمر شيعة الأناضول المجاورين للحدود الصفوية ويضبطون كل من بايع الشاه إسماعيل الصفوى على السمع والطاعة أو من يميل له ويتعامل معه فوصل في هذا الوقت إلى العتبة السلطانية دفتر يحوي أسماء كل شخص تأكدت صلته بالصفويين الشيعة وكل من تبعه من الرجال وساهم في إقلاق الراحة العمومية وإثارة الفتنة في الأناضول وكانوا قُرابة أربعين ألفا فأصدر السلطان أمره بقتلهم وبالفعل تم قتلهم عن آخرهم وأرسل في الوقت ذاته حملات تأديبية لتلاحق بقايا الغلاة ممن بقوا في مناطق الأناضول وتخرجهم منه كما تم أُسر جاسوس للشاه إسماعيل الصفوى وأُحضر مكبلا إلى السلطان سليم الأول فلم يقتله وأطلق سراحه بعد أن حمله كتابا غليظا إلى الشاه يتضمن إهانات وتحديا وتهديدا وأخيرا خرج السلطان سليم الأول من مشتاه في مدينة إدرنه إلي العاصمة إسطنبول في شهر المحرم عام 920 هجرية الموافق شهر فبراير عام 1514م ونزل في موضعٍ يقال له فيل چايري قرب جامع أبي أيوب الأنصاري الذى أقيم علي أسوار القسطنطينية القديمة بإسطنبول في المكان الذى إستشهد فيه هذا الصحابي الجليل إثناء محاصرة القسطنطينية في عهد الخليفة الأموى الأول معاوية بن أبي سفيان ومكث السلطان هناك إلى أن يتم عبور الجند من كل أنحاء الروملي إلى الأناضول وكان يزور في كل يوم مرقد الصحابي الجليل أبي أيوب ويدعو الله أن ينصره ومن معه ويبذل الصدقات على الفقراء والمحتاجين .


وفي يوم الخميس 24 صفر عام 920 هجرية الموافق يوم 19 أبريل عام 1514م عبر السلطان سليم الأول إلى أُسكدار ونزل في مالدپة وهي أحد أحياء القسم الأسيوى من مدينة إسطنبول عاصمة العثمانيين وكان بكلربك الروملي حسن باشا قد عبر بعساكر تلك البلاد وأُمرائها من معبر كاليبولي وفوض السلطان في أثناء ذلك بكلربكية الأناضول إلى أمير سنجق البوسنة سنان باشا الخادم ولما وصل السلطان إلى مدينة إزميد التي تقع علي بعد 100 كيلو متر شرقي إسطنبول أرسل كتابا آخر إلى الشاه إسماعيل الصفوى يدعوه فيه إلى العودة للإسلام القويم ويحثه على رفع مظالمه ويعلمه بأن علماء المسلمين في الدولة العثمانية أفتوا بجواز قتله لما إقترفت يداه فإن ثاب إلى رشده وعاد عن غلوه وتشيعه فإنه سيرجع إليه ما إستولى عليه من أراضيه ولِلإمعان في تحقير الشاه أرسل إليه السلطان سليم الأول هديةً كانت عبارة عن مسواك وعصا وطيلسان وقصد بذلك تذكيره بأنه ليس من سلالة ملوكية كبني عثمان بل هو من سلالة دراويش وضيعين كون تلك الأشياء من رموز هذه الفئة الصوفية وأرسل السلطان أيضا رسولا إلى السلطان المملوكي الأشرف قنصوة الغوري يعلمه بنيته القضاء على الصفويين الشيعة وبضرورة أن يكون أمر المماليك والعثمانيين واحدا وقولهم جازما على الشاه إسماعيل الصفوى وإرتحل السلطان سليم الأول بعد ذلك إلى يني شهر وأرسل الوزير أحمد باشا بن دوقاقين في عسكر الروملي إلى سيواس للتجسس على أحوال الشاه إسماعيل الصفوى وفي يوم 8 ربيع الآخر عام 920 هجرية الموافق يوم 1 يونيو عام 1514م وصل السلطان سليم الأول إلى قونية حيثُ إستراح ثلاثة أيام زار خلالها مراقد الأولياء وفي مقدمتهم مرقد المولى جلال الدين الرومي ثم إرتحل إلى قيصرية بوسط الأناضول ومنها إلى جبق أواسي حيث أرسل إلى أمير إمارة ذي القدرية بجنوب شرق الأناضول علاء الدولة بوزقورد بك يدعوه إلى مرافقته في الحملة على الصفويين الشيعة فأبى المذكور ذلك فغض السلطان عنه البصر وتابع زحفه نحو سيواس وأرسل أمير سينوپ أحمد بك في خمسمائة فارس لجمع الأخبار عن تحركات الصفويين الشيعة ثم أرسل في عقبه محمد علي بك ميخائيل أوغلي أيضا ولما وصل السلطان إلى سيواس أمر بإحصاء الجيش الحاضر فبلغ عدد الجند بحسب المصادر العثمانية مائة وأربعين ألف مقاتل فأمر السلطان أن يتم خروج عدد أربعين ألف منهم من فئة الشيوخ واليوافع والضعفاء ومن لا يقدر على حمل وإستخدام السلاح علي أن يتركوا في نواحي سيواس وقيصرية وذلك نظرا لقلة الأقوات والذخائر في بلاد العدو إذ كان الصفويون الشيعة ينسحبون من أمام العثمانيين بقيادة أحد أعظم قادة الشاه وهو محمد خان أُستاجلوه حارقين في طريقهم المحاصيل لحرمان الجيوش العثمانية من الإمدادات ولإبطاء تقدمهم كما أحرق محمد خان هذا المساكن الموجودة على الطريق الرابط بين أرزنجان وتبريز للغاية ذاتها وعلى الرغم من أن هذا أبطأ الزحف العثماني فعلا لكن الحال لم يدم طويلا إذ كان السلطان سليم الأول قد إحتاط للأمر ودبر تدبيرا حسنا بحيث أرسل ذخائر ومؤن كثيرة بالسفن عبر البحر الأسود إلى طرابزون لكي يتم توزيعها على الجند عند الحاجة وهكذا ما أن وصل العثمانيون إلى أرزنجان حتى وصلهم المدد من طرابزون فباءت محاولات الشاه إسماعيل الصفوى لعرقلة تقدم العثمانيين بالفشل .



وفي يوم 25 جمادى الأولى عام 920 هجرية الموافق يوم 17 يوليو عام 1514م وصل السلطان العثماني سليم الأول إلى بلدة تسمي يضي جمن وفيها وصله رسول من الشاه إسماعيل الصفوى يحمل إليه كتابا يبلغه فيه أنه يعد العدة للحرب أيضا وأرفق الكتاب بعلبة ذهبية مليئة بالأفيون ردا على إهانة السلطان سليم الأول له وقصد الشاه من وراء هذا أن يقول للسلطان سليم الأول إن كلامه وعزمه غزو الدولة الصفوية الشيعية عبارة عن هذيان سببه المخدر ولما وصل هذا الكلام للسلطان ثار غضبه فقتل الرسول وكتب رسالةً أُخرى إلى الشاه إسماعيل الصفوى يتحداه ويدعوه إلى المبارزة ويستفزه ليجبره على اللقاء لكن على الرغم من ذلك إستمر قادة الشاه ينسحبون من أمام الجيوش العثمانية الجرارة ولم يظهر لهم أى أثر أو خبر مما أثار التململ وسط الجند وإنتشرت بينهم الأقوال والشائعات بأن زحفهم هذا سيهلكهم نظرا لطول المسافة وبعد مراكز التموين وحرك بعض أهل الفتن بعض قادة الإنكشارية فإلتمسوا من السلطان الرجوع وعدم الدخول إلى بلاد العدو لقلة الأقوات وعدم ظهور الصفويين الشيعة فلم يلتفت السلطان إلى طلبهم وصمم عزمه على الوصول إلى أذربيجان فإضطر القادة إلى الرجوع لوالي القرمان همدم باشا وكان من الذين تربوا في خدمة السلطان ومن ندمائه الذين يكالمونه في كل أمر فألحوا عليه في تحويل السلطان عن عزمه والرجوع إلى الوطن فعرض الباشا هذا الأمر على السلطان الذى لم يتقبل هذا الكلام فأمر بضرب عنقه فخاف جميع الجنود وقادتهم وكتموا التذمر في أنفسهم وبعد هذه الحادثة أرسل السلطان سليم الأول كل من الأُمراء علي بك بن شهسوار الذيقدري وفرخشاد بك البايندري ومحمد علي بك ميخائيل أوغلي وبالي ويواده للتجسس وجمع أخبار الصفويين ووجه كل منهم إلى جهة مختلفة فظفر فرخشاد بك وبالي ويواده بأمراء من القزلباش فأسروهم في جمعٍ من جنودهم وحملوهم إلى العتبة السلطانية فأطلق السلطان سراح فردين منهم فقط وأرسل معهما إلى الشاه إسماعيل الصفوى كتابا آخر ليحركه على المبارزة وأرسل مع الجنديين أيضا خمارا ومعجرا ليدلل للشاه على شدة إحتقاره والإستخفاف به ثم تابع السلطان زحفه لكنه لم يتقدم لمسافة بعيدة حتى إعترضت فرق الإنكشارية مجددا ورفضت التقدم أكثر وإلتمس قادتها العودة فأجابهم السلطان قائلا من أَراد الرجوع فليرجع وأما أنا فلن أرجع أبدا ما لم أقابل الخصم وغنما قد تحملت أعباء السلطنة لأجل ذلك وأخذ الإنتقام من إسماعيل الملحد وعددت عليكم هذه الشدائد قبل أَن أقبل السلطنة فإخترتم عند القول وتكلمتم عند العمل ولا جبر على أحد فمن إختار الرجوع فليرجع وأمام هذا الكلام إضطرت الفرق الإنكشارية إلى المتابعة إلا أنهم لم يتوانوا عن إظهار إمتعاضهم بتحريك بعض الأعيان حتى أنهم أطلقوا رصاص بنادقهم على سرادق السلطان في إحدى الليالي لتخويفه فلم يلتفت إلى ذلك وتثبت في عزيمته وخلال تلك الفترة وصلت رسالة من الشاه إسماعيل الصفوى تضمنت خطابا يدعو السلطان سليم الأول إلى التهدئة وفي نفس الوقت يحذره تحذيرا مبطنا من سوء العاقبة فيما لو تابع الزحف فأجابه السلطان قائلا إستجبنا للدعوة وقطعنا الطرق الطويلة بجنود آياتها النصر ودخلنا ممالكك ولكننا لم نجدك في الميدان فإذا كانت عندك نخوة أو رجولة فإثبت في الميدان وخلال فترة قصيرة من هذا وقع في أسر علي بك بن شهسوار جماعةٌ من القزلباش فإستعلم منهم عن أحوال الشاه إسماعيل الصفوى وجيوشه فأخبروه بأنه وصل قرب سهل چالديران غربي بلاد فارس قرب الحدود مع تركيا والعراق وقد عقد العزم على القتال فيه فسر السلطان سليم الأول من هذا الخبر وأسرع السير إلى الموقع المذكور تمهيدا وإستعدادا للمعركة الفاصلة .


ووصل العثمانيون إلى سهل چالديران يوم 2 رجب عام 920 هجرية الموافق يوم 22 أغسطس عام 1514م لِيجدوا أن الصفويين الشيعة قد سبقوهم إليه وعسكروا هناك منذ مدة وفي ليلة ذلك اليوم إجتمع ديوان الحرب العثماني برئاسة السلطان سليم الأول وتقرر البدء بالهجوم فجر اليوم التالي وفي الموعد المذكور تقابل الجمعان وإستعدا للمعركة التي كان من شأنها تقرير مصير الدولة العثمانية والمشرق العربي إذ كان من الممكن أن يسفر إنهزام العثمانيين عن فرض الصفويين التشيع على المنطقة لا سيما وأن الشاه إسماعيل كان يطمح في إقامة دولة شيعية كبرى تضم الديار الفارسية والعراقية والشامية والرومية ومن أجل ذلك فاوض الدول الأوروبية وبخاصةً جمهورية البندقية لمساعدته وعرض عليها مشروعه الرامي بالقضاء على الدولة العثمانية وأنه من الواجب على الدول الأوروبية إن كانت تريد الحصول على بعض المكاسب أن تتحرك من الروملي على أن تكون لها مصر في حين يستأثر هو بحكم الشام بالإضافة إلى الأناضول لكن الأوروبيون خيبوا أمل الشاه إذ كانت أغلب الدول الغربية منهمكة في مشكلاتها الداخلية كما أن جمهورية البندقية كانت خارجة من حرب خاسرة مع الدولة العثمانية جلبت لها العار والإنهيار الإقتصادى فوجد الشاه نفسه وحيدا في مواجهة السلطان سليم الأول وتمركز الشاه إسماعيل الصفوى في ميمنة جيشه وكان على قيادة الميسرة والي ديار بكر محمد خان أُستاجلوه ولم يكن هناك فيلق مركزى مستقل وشكل الخيالة التركمان معظم عناصر الجيش الصفوي وكانوا قد فُرزوا حسب ألويتهم وإماراتهم وكان علي رأس كل فرقة منهم أُمراء تركمان أيضا وكان هؤلاء أشد جنود الشاه تعصبا لمذهبهم وإخلاصا لشخصه بحيث لم يكن أحدهم ليتوانى عن التضحية بروحه في سبيل سيده ولم يكن للشاه مدفعية ولا مشاة من حملة البنادق لكنه إستعاض عن ذلك بفعالية وكفاءة فُرسانه أما في الجانب العثماني فقد وقف بكلربك الأناضول سنان باشا الخادم مع عساكر الأناضول وأُمرائها في الميمنة وبكلربك الروملي حسن باشا مع عساكر تلك البلاد وأُمراء سناجقها في الميسرة وذلك حسب العرف العثماني القاضي بأن الحملة لو كانت في الروملي يقف بكلربكها في الميمنة وبالعكس إذا كانت في الأناضول ووقف السلطان سليم الأول في القلب وجعلت عجلات المدافع أمام الجند وربطت ببعضها بالسلاسل وسدت ساقة العسكر بالجمال والأحمال والأثقال وقامت فرق الإنكشارية بالمكاحل الكبيرة فيما بين عجلات المدافع بين يدى السلطان سليم الأول وقام في جنبيه الصدر الأعظم أحمد باشا بن هرسك والوزيران أحمد باشا بن دوقاقين ومصطفى باشا وعين لإمارة الطليعة علي بك بن شهسوار في جمعٍ من أشجع الجنود لمدد الطرفين عند الحاجة وشادي باشا لإمارة الساقة ومن المؤكد أن الجيش العثماني هذا كان حينذاك أحد أقوى وأكبر جيوش عصره من حيث عدد الجنود ونوعية الأسلحة النارية وكذلك من حيث كفاءة من يستخدمونها بل إن الجيوش العثمانية كانت الوحيدة في العالم آنذاك التي كانت تستخدم المدافع في الحروب الميدانية إلي جانب إستخدامها في دك وقصف القلاع والحصون وأسوار المدن في حين كانت بقية الدول تستخدمها في قصف ودك القلاع والحصون وأسوار المدن فقط .


وبدأت المعركة بهجوم الصفويين بقيادة الشاه نفسه على ميسرة العثمانيين الذين قاتلوا قتالا شديدا حتى قيل إن الفرسان العثمانيون قد إستبدل كل فارس منهم الفرس الذي تحته سبع مرات كما هجم القائد الصفوى
محمد خان على الميمنة العثمانية فأمر سنان باشا المدفعية بأن لا يطلقوا نيرانهم إلى أن يعطيهم إشارة البدء وما أن إقتربت صفوف الفرسان القزلباشيين حتى نادى الباشا بإطلاق قذائف المدفعية فحصدت الصفويين حصدا وهلك منهم الكثير في حين أُصيب من بقي منهم حيا بالدهشة والرعب فهاجمهم العثمانيون وقتلوا أغلبهم وكان من جملة القتلى القائد محمد خان أُستاجلوه نفسه فإنكسرت بذلك ميسرة الصفويين إنكسارا تاما أما الميمنة الصفوية والتي كان يقودها الشاه فقد تمكنت من تفريق عساكر الروملي وقتلوا الكثير منهم وكان من جملة مشاهير أُمراء الروملي الذين قتلوا علي بك وشقيقه طور علي بك إبنا بالي بك بن مالقوج قائد غزوة كراكو عاصمة مملكة بولونيا وهي دولة بولندا حاليا خلال عهد السلطان الراحل بايزيد الثاني وكان أحدهما أمير صوفيا والآخر أمير سيلسترة وكذلك قتل أمير المورة حسن بك وغيرهم وجرح البكلربك حسن باشا وأخرجه أتباعه من أرض المعركة لكنه توفي متأثرا بجراحه ولما رأى السلطان سليم الأول إنكسار ميسرته أرسل إليهم جمعا من الإنكشارية مددا لها فأطلق الإنكشاريون نيرانهم على الصفويين حتى دفعوهم عن قلب الجيش وأجبروهم على الإلتفاف ورائه فوقعوا بين الأثقال والأحمال وتعثرت أرجلهم في سلاسل الدواب فإنقض عليهم العثمانيون يقتلون ويأسرون وجرح الشاه إسماعيل الصفوى في موضعين ثم وقع فرسه في وحل وألقاه عن ظهره فإنقض عليه جمع من العسكر العثماني وكادوا أن يمسكوا به لولا أن شغلهم أحد خواص الشاه المدعو ميرزا سلطان علي وكان مشابها للشاه إسماعيل الصفوى في الهيئة واللباس فإنخدعوا به وحاولوا أسره في الوقت الذى ركب الشاه على فرس أحد حراسه ولاذ بالفرار وبهذا إنكسر الصفويون كسرة قبيحة حيث قتل أكثر أعيانهم وقادتهم وأُسر بعضهم وكان من جملة الأسرى زوجة الشاه تاجلي خانم وقيل بل هي بهروزة خانم ولم يقبل السلطان سليم الأول أن يردها لزوجها بل زوجها لِأحد كتاب يده إنتقاما من الشاه ولما تمت هزيمة الصفويين ولم يفلت منهم غير قليلٍ من الجرحى نهب الجند العثمانيون معسكرهم إلى الصباح فغنموا ما لا يعد ولا يحصى وقسمت الغنائم بين السلطان سليم الأول والعسكر وطيب السلطان خاطر الجنود بالترقيات والهبات والعطايا ثم أمر أحمد باشا بن دوقاقين بتعقب الشاه إسماعيل الهارب وسائر الفارين إلى مدينة تبريز ثم سار هو أيضا في عقبهم .