الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

السلطان سليم الأول
-ج3-

السلطان سليم الأول
-ج3-
عدد : 07-2022
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”

وبعد الهزيمة النكراء التي تعرض لها الصفويون الشيعة أدرك الشاه إسماعيل الصفوى عدم إمكانية الدفاع عن عاصمته تبريز فتركها وهرب من أمام أحمد باشا بن دوقاقين ولاذ بمدينة خوي وقيل بل لجأ إلى مدينة درجزين وهما مدينتان تقعان في داخل بلاد فارس ويروى أنه لما وصل تبريز مع جمعٍ من المنهزمين خرج أهلها لإستقباله وأظهروا الشماتة به بسبب ما أنزله بهم من ظلم وإجبارهم على تبديل مذهبهم فأعطته عجوز قطعة شمام ليدفع عطشه وقالت له غير نيتك تصب خيرا ووقف الناس ناظرين إليه مستهزئين وكانوا قبل ذلك لا يقدرون على النظر إليه بل كانوا يسجدون له حين يمر بهم خوفا من قهره وسطوته وجبروته فأسرها الشاه في نفسه حتى حين وإنتقم من أهل المدينة شر إنتقام حينما إسترجعها بعد فترة وفي يوم 14 رجب عام 920 هجرية الموافق يوم 4 سبتمبر عام 1514م دخل السلطان سليم الأول مدينة تبريز في أُبهة بالغة وأمن أهلها وصلى الجمعة في مسجدها الجامع بعد أن أمر بإظهار الشعائر السنية وإعادتها كما كانت قبل الصفويين الشيعة فتليت الخطبة بإسم السلطان وذُكر فيها أسماء الخلفاء الراشدين وأقام السلطان وجنوده في تبريز نحو تسعة أيام أعلن خلالها عن عزمه التوغل في عمق الأراضي الفارسية للقبض على الشاه الهارب ومعاقبته وإفناء دولته وإستشار في ذلك الأُمراء والأعيان وعرض عليهم أن يمضوا فصل الشتاء إما في مدينة تبريز أو في مدينة قره ‌باغ وهي تقع شرقي جمهورية أرمينيا حاليا وجنوب غرب أذربيجان فرفضوا ذلك وفي نفس الوقت ثارت الإنكشارية ورفضت التقدم أكثر أو المكوث لفترة أطول في بلاد العدو إذ إن المؤن قد أخذت في النفاذ وإشتد الغلاء بفعل إقدام السلطان المملوكي قنصوة الغوري على منع مرور المؤن والذخيرة إلى العثمانيين عن طريق حلب كما أن الشاه إسماعيل الصفوى عمد قبل إنسحابه إلى إحراق ما لديه من حبوب ومؤن وباتت الجيوش العثمانية متعبة بعد أن خسرت في چالديران بعض قادتها ويرى المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي إن السبب في عصيان الجنود العثمانيين وبالأخص الإنكشارية أنهم كانوا جيشا أوروبي الطباع قلبا وقالبا وكان من العسير عليهم إستيطان أرضا آسيوية فعندما إتجهوا صوب الشرق وراء الحدود القديمة للمجتمع الرومي الأرثوذكسي في الأناضول شعروا بأنهم غرباء تماما عن تلك البلاد وأمام هذا الواقع وخوفا من قيام الفتنة بين العسكر إستجاب السلطان لجنده وأمرائه ونادى بالرجوع فإستولى على خزائن الشاه وأرسلها إلى إسطنبول كما أمر بإجلاء نحو ألف بيت من أصحاب المعارف وأرباب الصنائع من أهل تبريز ورتب زادهم وراحلتهم على أكمل وجه وعين على رعايتهم أميرا كبيرا من أُمرائه ثم عين لهم منازل ومساكن ووظائف عند وصولهم إلى دار السلطنة بالعاصمة العثمانية إسطنبول بحيث نسوا أوطانهم بالكلية وكان أبرز من أرسلهم السلطان سليم الأول إلى إسطنبول آخر الأٌمراء التيموريين بديع الزمان ميزرا بن حسين بايقرا حفيد حفيد الغازى تيمورلنك وكان قد لجأ إلى الشاه إسماعيل الصفوى عندما طرده من دار ملكه بمدينة هراة محمد خان الشيباني صاحب بخارى ولقي إحتراما من الشاه إسماعيل الصفوى وقد أبدى له السلطان سليم الأول إحتراما أكبر وخصص له راتبا كبيرا وأجلسه على عرش أقامه بجانبه وفي يوم 25 رجب عام 920 هجرية الموافق يوم 15 سبتمبر عام 1514م غادر السلطان سليم الأول تبريز عائدا إلى الأناضول فلما وصل إلى شاطئ نهر الرس والذى يعد أطول أنهار القوقاز وهو يجرى في أرمينيا وأذربيجان وتركيا وإيران أمر بدخول قره ‌باغ للإشتاء فيها كما عزم سابقا فإمتنعت الإنكشارية عن ذلك بحجة إشتداد البرد وعدم وجود الملابس والمؤونة اللازمة وإتفق قادة هذه الطائفة مع عدة أُمراء ووزراء على تحويل عزم السلطان إلى آسيا الصغرى فإضطر السلطان سليم الأول إلى الإنصياع لهم لما رأى إتفاقهم وكتم غيظه منهم لفترة قصيرة وأضمر لهم في نفسه عقابا شديدا .


وسار موكب السلطان سليم الأول حتى بلغ مدينة رواندز بمحافظة أربيل بكردستان العراق حاليا حيث عزل مصطفى باشا عن الوزارة كونه كان من جملة محركي الإنكشارية على التمرد والعصيان ثم أرسل جمعا من الجند لضم مدينة بايبرد بشمال شرق تركيا حاليا فسيطروا عليها دون عناء وأرسلوا مفتاحها إلى السلطان فأقطعها وأرزنجان لأمير آخوره محمد باشا البيقلي وضم إليها طرابزون وشبين قره‌ حصار وجانيك بشمال تركيا بمنطقة البحر الأسود وفوض إليه محافظة تلك الثغور نظرا لحسن تدبيره وشجاعته وفي تلك الفترة وصلت إلى السلطان شكاوى عدد من أهالي قُرى ونواحي تلك البلاد يطلبون منه إنصافهم من تطاول بعض الجند وتعديهم على الآمنين فغضب السلطان من هذه الأخبار وحمل الصدر الأعظم أحمد باشا بن هرسك والوزير أحمد باشا بن دوقاقين مسؤولية هذه التعديات كونهما مكلفين بضبط العسكر ولدرايته بأنهما كانا يتفقان معهم في سوء الأدب ولشدة غضبه أمر بهدم خيمتيهما عليهما ثم أخرجهما وعزلهما عن منصبيهما وبعد هذه الحادثة سار السلطان حتي بلغ مدينة نيكسار بشمال الأناضول ومنها توجه إلى أماسية وشتى فيها وأذن لِلعسكر بالعودة إلى أوطانهم وأمرهم بالإجتماع في فصل الربيع لغزو الصفويين مجددا وخِلال فترة إشتاء السلطان حدثت بضع وقائع أبرزها ضم مدينة بوزاق وأعمالها في جنوب شرق الأناضول وإعدام الوزير أحمد باشا بن دوقاقين بعد أن أثار الإنكشارية وحركهم على نهب بيت معلم السلطان حليمي چلبي وبيت الدفتردار پيري باشا وكان منصب الدفتردار هو أعلي مناصب الشؤون المالية بالدولة العثمانية وكان الشاه إسماعيل الصفوى قد عاد مرة أخرى إلى تبريز وأدرك عزم السلطان سليم الأول العودة إليه قريبا فحاول من جديد أن يوقّع صلحا مع العثمانيين فبعث إليه سفيرين هما كمال الدين حسين بك وبهران آقا وحملهما هدايا فاخرة وثمينة لكن السلطان سليم الأول رفض العرض وزج بالسفيرين في السجن وفي رواية أُخرى أن سفراء الشاه إسماعيل الصفوى كانوا مير عبد الوهاب التبريزى والقاضي إسحٰق الحاوي والمولى شكر الله المعاني وحمزة خليفة بك وجمع من القزلباشيين وأنهم طالبوا السلطان بِرد زوجة الشاه إليه إلى جانب طلبهم الصلح فرفض وأمر بحبس مير عبد الوهاب والقاضي إسحق في قلعة يني حصار قُرب إسطنبول ومن عداهما في قلعة ديموتيقة التي تقع قرب مدينة إدرنه وكان السلطان سليم أثناء عودته من تبريز قد لمس مدى بغض القبائل الكردية للصفويين الشيعة وكرههم للشاه إسماعيل الصفوى فأرسل إليهم المولى حسام الدين إدريس بن علي البدليسي لإستمالتهم وإقناعهم بوجوب إتحاد المسلمين السنيين في وجه تطرف الصفويين ومغالاتهم وفي مقابل قبولهم الإنضواء تحت الراية العثمانية قطع السلطان العهود والمواثيق للملوك والأُمراء الأكراد بعدم المس بإستقلالهم الإدارى أو بأن يفرض عليهم أى أمر لا يرغبونه والحقيقة أن الأكراد كانوا قد أعلنوا الثورة على الشاه إسماعيل الصفوى منذ أن علموا بإنهزامه في چالديران يدفعهم إلى ذلك ظلمه وعدوانه الشديدين وما ألحقه بهم من أذى وإهانات إذ أسر أحد عشر أميرا من أُمرائهم رغم أنهم قدموا له فروض الطاعة والولاء وعين بدلا منهم ولاة قزلباش في إماراتهم التي ورثوها أبا عن جد وكان من أبرز من وقع في أسر الشاه إسماعيل الصفوى أمير حصن كيفا الذى يقع بأعالي نهر دجلة بجنوب شرق الأناضول الملك خليل الأيوبي آخر ملوك بني أيوب الذي بقي في سجنه بتبريز ثلاث سنوات كاملة إلى أن نجا إثر إنكسار الشاه أمام السلطان سليم الأول فعاد إلى دار ملكه نتيجة الإستياء العام من الصفويين الشيعة في الوسط الكردى ولإنتظار أهالي الجزيرة الفراتية وكردستان وأرمينية من يخلصهم من التعسف الصفوى بالإضافة لفصاحة المولى البدليسي ودبلوماسيته وخبرته بالناس وتأثير الولاية التي كان يحمل لواءها بدأت البلاد في المناطق المذكورة تنتفض وتثور على حكم الشاه وكان في مقدمتها آمد وبدليس وأرضروم وأرومية والعمادية وپالو وسعرد وميافارقين وجمكازاد وساسون وغيرها وإمتدت الإنتفاضة حتى مدينتي كركوك وأربيل شمالي العراق أما السلطان سليم الأول فقد جدد حملته على المناطق الصفوية ما أن أقبل فصل الربيع فأرسل محمد باشا البيقلي لإستخلاص قلعة كماخ جنوب شرق الأناضول في جماعة من الجيش ثم خرج هو من أماسية يوم 5 ربيع الأول عام 921 هجرية الموافق يوم 18 أبريل عام 1515م فتوجه إلى أرمينية وسيطر على مدينة أريفان العاصمة الأرمينية حاليا ثم سار في عقب محمد باشا ليجده قد ضيق على المحصورين بالقصف والقتال وما أن وصل السلطان سليم الأول فُتحت القلعة بحد السيف فأمر السلطان العثماني سليم الأول بقتل كل من وجد فيها من القزلباش المحاربين وأسر أهلهم وعيالهم وأمر أيضا بتعمير القلعة وبناء برجٍ آخر فيها لتِحصينها وولى عليها أحمد بك بن قراجين .


وما أن تم أمر فتح كماخ أرسل السلطان سليم الأول بكلربك الروملي سنان باشا الخادم في نحو خمسة عشر ألف مقاتل لتسخير وإخضاع إمارة ذى القدرية وأخذها من يد الأمير علاء الدولة بوزقورد بك وسبب ذلك أن علاء الدولة لم يكتف برفض مرافقة العثمانيين إلى حرب الصفويين الشيعة كما ذكرنا في السطور السابقة بل إتخذ موقفا عدائيا من الجيوش العثمانية أثناء مرورها بأراضي إمارته فرفض تزويد العثمانيين بالإمدادات والمساعدات وأمر أهل مرعش ألا يبيعوا لعسكر السلطان سليم الأول شيئا من المأكل ولا من غيرها كما سمح للتركمان بالإغارة على الجند الزاحفين وهزم طائفةً منهم ونهب ما معها وكان السلطان سليم الأول قد أرسل بعد ذلك إلى نظيره المملوكي الأشرف قنصوة الغورى يخبره بتصرف علاء الدولة العدائي ويطلب منه كبح جماحه على إعتبار أن إمارة ذى القدرية كانت مشمولةً بحماية المماليك آنذاك فأجاب السلطان الغوري قائلا إِن علاءَ الدولة قد عصي أمرى فإن قدرت عليه فإقتله ثم أرسل كتابا آخر إلى علاء الدولة يشكره على ما فعل ويغريه بقتال السلطان سليم الأول ولا يمكنه من شئ أبدا والحقيقة أن موقف السلطان الغوري هذا وتغير سياسته تجاه العثمانيين كان نابعا من شكوكه في نوايا السلطان سليم الأول بعد إنتصاره على الصفويين الشيعة فلم ينظر بعين الإرتياح لهذا النصر ولم يظهر الفرحة والسرور أو يأمر بتزيين القاهرة كما كان الحال في السابق مع كل إنتصار عثماني وفي ذلك يقول إبن إياس فلما حضر رسول السلطان سليم شاه بن عثمان بين يدى السلطان الغورى وقرئت مكاتبته بحضرة الأمراء أخلع على الرسول الذى حضر بأخبار هذه النصرة ثم نزل الرسول من القلعة وأدرك السلطان سليم الأول تبدل سياسة السلطان الغورى تجاه العثمانيين وأن الأخير يدعم علاء الدولة سرا فمضى في حملته لِتسخير إمارة ذى القدرية وأرسل علي بك بن شهسوار بصحبة سنان باشا ولما بلغ ذلك إلى علاء الدولة خاف وهرب من دار ملكه البستان إلى جبل طورنه طاغ أولا فتتبعه سنان باشا حتى لقيه بسهل كوکسون في يوم 29 ربيع الآخر عام 921 هجرية الموافق يوم 11 يونيو عام 1515م في نحو خمسة وعشرين ألف فارس من التركمان فإقتتلوا قتالا شديدا وقتل من الطرفين خلق كثير ثم قتل علاء الدولة في المعركة فإنكسر أصحابه وتفرقوا وقتل جميع أولاده وأحفاده وعدد كبير من أعيان إمارته وأُسر أخوه عبد الرزاق بك مع أولاده وجمع من كبار ذى القدرية فأرسل سنان باشا رؤوس القتلى مع الأسرى إلى السلطان سليم الأول فما كان من السلطان إلا أن بعث برأس علاء الدولة وأحد أبنائه ووزيره إلى السلطان قنصوة الغورى ترعيبا له وتخويفا ولما وصلت تلك الرؤوس إلى السلطان الغورى شق عليه ذلك وإضطرب إضطرابا شديدا وقال للرسول ماهذا الذى أرسل لي أهذه الرؤوس هي رؤوس ملوك الفرنج إنتصر عليهم حتى يرسلهم لي ويضيف إبن إياس إن السلطان قنصوة الغورى أمر بدفن تلك الرؤوس وبقي حينا هو وأُمراء المماليك في شدة الإضطراب والنكد ولزم القلعة طيلة اليوم التالي حتى أُشيع بأنه مرض من شدة خوفه وفي يوم 6 جمادى الأولى عام 921 هجرية الموافق يوم 17 يونيو عام 1515م وصل سنان باشا إلى الركاب العالي فأكرمه السلطان سليم الأول وولاه الصدارة العظمى وأرسل حكام قلاع ذى القدرية مفاتيحها إلى العتبة السلطانية فرتب فيها السلطان سليم الأول حامياتها وأمر بتحصينها ثم فوض ولاية تلك الديار إلى الأمير علي بك بن شهسوار وهو إبن أخ علاء الدولة وبذلك زالت إمارة ذى القدرية وأصبحت سنجقا من سناجق الدولة العثمانية فكانت آخر ما زال من إمارات الأناضول التركمانية التي ولدت من رحم دولة سلاجقة الروم ووجدت في خزينة علاء الدولة غنائم نفيسة من الجواهر والنقود فضلا عن الأمتعة والأثقال والدواب فمنح السلطان سليم الأول كل جندي من جنوده ألف درهم سوى الغنيمة وأذن لهم بالعودة إلى أوطانهم ثم قفل عائدا إلى العاصمة العثمانية إسطنبول .


وخلال الفترة الممتدة بين ضم إمارة ذي القدرية وعودة السلطان سليم الأول إلى العاصمة العثمانية إسطنبول كانت الثورة تعم بلاد كردستان وديار بكر من أقصاها إلى أقصاها وأخذ أُمراء وملوك الأكراد الواحد تلو الآخر يعلنون ولائهم للسلطان سليم الأول وتبعيتهم للدولة العثمانية فبادر شرف بك أمير بدليس برفع الراية العثمانية على قلاع إمارته طاردا أخاه خالد بك الذي كان أميرا على البلاد من قبل الصفويين الشيعة وكان الملك خليل الأيوبي يقاتل الصفويين الشيعة أينما وجدهم بعد أن إسترد حصن كيفا وسعرد وإسترد أمير ساسون محمد بك بلاد غرزان من أميرها التابع للشاه إسماعيل الصفوى وكذلك فعل سيد أحمد بك الزرقي الذي إسترد مدينتي عتاق وميافارقين والأمير قاسم بك الذى إستعاد بلدة أكيل وكذا إستولى جمشيد بك المرديسي على مدينة پالو بإسم السلطان سليم الأول وطرد بختي بك والي جزيرة إبن عمر بجنوب شرق الأناضول ومن كان معه من الصفويين في تلك الأنحاء وإسترد سيد بك بن شاه أمير السورانيين بلاد كركوك وأربيل ويذكر المؤرخ العثماني أحمد بن لطف الله السلانيكي الصديقي أُمراء آخرين ممن بايعوا السلطان سليم الأول منهم أمير خداق داود بك وأمير نمران عبدى بك والأمير ملك بن عز الدين شير بك العباسي ويقول إن إجمالي أُمراء الأكراد الذين دخلوا تحت جناح الدولة العثمانية وصل إلى أربعة وعشرين أميرا وهكذا دخلت جميع بلاد ديار بكر وأغلب كردستان في طاعة السلطان سليم الأول بسبب ما عاناه الأكراد من عدوان وطلم وجور وأذى على يد الصفويين الشيعة من جهة وبفضل دراية المولى إدريس البدليسي وسياسته الرشيدة وهمته الفائقة من جهة أُخرى وبعد ذلك أخذ المولى المذكور يضع الأنظمة الإدارية الكافية لرقي البلاد الكردية وإزالة آثار الإضطراب فيها فنالت هذه التدابير قبول وإستحسان السلطان سليم الأول فأرسل إلى المولى البدليسي هديةً ثمينة وأرفقها بسبعة عشر علما عثمانيا وخمسمائة خلعة من الخلع السلطانية الفاخرة لتوزيعها على الأُمراء الأكراد بالإضافة إلى فرمان ينص على إعتراف السلطان سليم الأول بإحتفاظ الإمارات الكردية بإستقلالها الإدارى تحت السيادة العثمانية وبحق إنتقال الإمارة من الآباء إلى أبنائهم أو التصرف بها حسب الأُصول المحلية القديمة وأن على الأكراد تقديم جزية سنوية لبيت المال في العاصمة العثمانية إسطنبول تحتسب من ضمنها الصدقات والزكاة كما يلتزم الأُمراء الأكراد بتقديم عدد محدد من الجنود المسلحين في أوقات الحرب على أن يكونوا تحت إمرة بكلربك الأناضول وخصَ السلطان سليم الأول الملك خليل الأيوبي صاحب حصن كيفا بالتقدير والتوقير والإحترام الزائد وذلك إجلالا وتقديرا لذكرى الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي مؤسس السلالة الملوكية الأيوبية ومحرر بيت المقدس من الصليبيين .


ولما بلغ الشاه إسماعيل الصفوى خبر طاعة الأُمراء الأكراد للسلطان سليم الأول أدرك خطورة الوضع وأن نظيره العثماني لن يهادنه أبدا أرسل إثنان من قادة القزلباش هما نور علي خليفة روملوه والي جمكازاد ومحمد بك آيقوت أوغلي وكلفهما بالإغارة على نواحي أرزنجان وما أن علم السلطان سليم الأول بهذا حتي أرسل إلي أحمد باشا البيقلي الذي فوضه بحماية تلك الأنحاء كما أُسلفنا يأمره بالتصدى للصفويين وأرسل معه پير حسين بك بن رستم فسارا إليهم خلال شهر جمادى الآخرة عام 921 هجرية الموافق شهر يوليو عام 1515م وأخذاهما على حين غرة في هضاب أواجق والتي تقع قرب مدينة تونجلي شرقي الأناضول قرب نهر الفرات فأنزلا بهما هزيمة قاسية وقتل نور علي خليفة ورفع رأسه على رمح فخاف بقية الجند الصفويين وتضعضعت صفوفهم ووقعوا تحت رحمة نيران البنادق العثمانية وكادوا أن يفنوا عن بكرة أبيهم وقد ترتب علي هذا الإنتصار سيطرة العثمانيين على مدينة تونجلي وأعمالها ولم يلبث أن أعلن العديد من أُمراء الحصون في تلك المنطقة ولائهم وتبعيتهم للسلطان سليم الأول فجعل بلادهم سنجقا موحدا مركزه جمكازاد وعين على إمارته پير حسين بك بن رستم على إعتبار أن والده كان آخر أُمراء المدينة المذكورة قبل أن تسقط في يد الصفويين الشيعة فأعاد إليه السلطان سليم الأول بلاد آبائه ليحكمها بإسم السلطنة العثمانية وعلي الرغم من هذه الضربات المتلاحقة للصفويين وأتباعهم لم يركن الشاه إسماعيل الصفوى إلى الهدوء وهو يرى ضياع الأناضول الشرقية وديار بكر وأغلب كردستان من بين يديه فأرسل جيشا آخر قوامه خمسة آلاف قزلباشي لكي يضربوا الحصار علي آمد بمنطقة ديار بكر وإستردادها وجعل على رأس هذا الجيش قراخان أُستاجلوه شقيق قائده السابق محمد خان أُستاجلوه الذي قُتل في واقعة چالديران وكان قد فوض إليه أمر تلك البلاد ولما علم السلطان سليم الأول بهذا أرسل إلى أمير أماسية شادي باشا ومحمد باشا البيقلي يأمرهما بإمداد آمد ودفع الصفويين الشيعة عنها فخرجا حتى أدركا المدينة فهرب الصفويون نحو مدينة ماردين بجنوب شرق الأناضول ومنها إلى صحاري سنجار بشمال بلاد العراق خوفا من أن يطبق عليهم العثمانيون ويحصرونهم داخل أسوار المدينة ولم يلبث أن دب النزاع والشقاق بين محمد باشا وشادي باشا فرجع الأخير بخمسة آلاف فارس من عسكر إمارته إلى أماسية في حين تحصن محمد باشا والمولى إدريس البدليسي في آمد وعقدوا العزم على الإشتاء فيها ولما بلغ قراخان أُستاجلوه عودة القسم الأكبر من الجيش العثماني عاد بقواته من سنجار ودخل ماردين ثم أرسل إلى الشاه إسماعيل الصفوى يستمده فأرسل إليه الشاه والي همدان يكان بك وأمير الكورانيين الأكراد جوق سلطان في جمعٍ عظيم من القزلباش وأما محمد باشا فإنه عرض الحال على العتبة السلطانية فغضب السلطان على شادي باشا وعزله عن منصبه ثم أرسل إلى والي القرمان خسرو باشا الدلاتي يأمره بالإنضمام في عسكر إمارته إلى محمد باشا وأرسل إليه أيضا جمعا من فرسان السپاهية ثقيلي التدريع والسلحدارية والإنكشارية وفي أثناء مسير الطائفة الأخيرة نحو آمد مروا بحصن زياد وأرغني وكانا في أيدي الصفويين فحاصرا الحصنين وأخذوهما بحد السيف وقتلوا كل من وجدوهم فيهما من القزلباش وما أن وصل المدد إلى محمد باشا حتى خرج من آمد وسار لقتال قراخان فإلتقى الفريقان خلال شهر ربيعٍ الآخر عام 922 هجرية الموافق شهر مايو عام 1516م عند دنيصر بجنوب تركيا وشمالي سوريا فإقتتلا قتالا شديدا ثم أُصيب قراخان برصاصة أودت بحياته وقتل من جنوده قرابة عشرة آلاف قزلباشي وولى البقيةُ هاربين فتبعهم العثمانيون يقتلون ويأسرون وأرسل محمد باشا أُنوف القتلى وآذانهم مع رأس قائدهم قراخان إلى العتبة السلطانية فولاه السلطان سليم الأول على ديار بكر وكلفه بتسخير ما تبقي من قلاعٍ بأيدي الصفويين فجد في مهمته حتي أخرجهم جميعا بإستثناء حامية ماردين التي إستمرت عصية على العثمانيين بضع سنين أُخريات تحت قيادة سليمان خان توركمن وجدير بالذكر أن محمد باشا البيقلي ضم خلال حملته هذه مدينتي البيرة بجنوب شرق الأناضول والرقة بشمال سوريا فأصبحت الأراضي العثمانية تتاخم الحدود المملوكية شمالي الشام بل تتداخل معها وقد أدى هذا إلى جانب الأسباب المتراكمة العديدة إلى نشوب الحرب بين الدولتين العثمانية والمملوكية في الشام أولا ثم في مصر .
 
 
الصور :
خريطة تبين أراضي الدولة الصفوية في عهد الشاه إسماعيل الصفوى